المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

(النظر الرابع) في الدعوى ، وهي تستدعي فصولا :

(الأول في المدعي : وهو الذي يترك لو ترك الخصومة ، وقيل : هو الذي يدعي خلاف الأصل ، أو أمرا خفيا. (١) ويشترط التكليف ، وان يدعي لنفسه ، أو لمن له ولاية الدعوى عنه ، وإيراد الدعوى بصيغة الجزم ، وكون المدعى به مملوكا. ومن كانت دعواه عينا فله انتزاعها ، ولو كان دينا والغريم مقر باذل ، أو مع جحوده عليه حجة ، لم يستقل المدعي بالانتزاع من دون الحاكم.

______________________________________________________

(النظر الرابع) (١) في الدعوى

قال طاب ثراه : المدعي هو الذي يترك لو ترك الخصومة. وقيل : الذي يدعي خلاف الأصل ، أو أمرا خفيا.

أقول : أجمعت الأمة : على ان البينة على المدعي ، وعلى الجاحد اليمين ، لما صح من قوله صلّى الله عليه وآله : البينة على المدعي واليمين على من أنكر (٢).

وسببه : ان جانب المنكر ، لموافقته الظاهر أقوى من جانب المدعي ، والبينة أقوى من اليمين ، لانتفاء التهمة عنها وتطرق التهمة إلى اليمين لجلب النفع ، فجعلت الحجة القوية أعني البينة على المدعي ، ليجبر ضعف دعواه ، واقتنع من المنكر بالحجة الضعيفة لقوة جانبه.

__________________

(١) في النسخ المخطوطة التي عندي من المهذب : النظر الرابع ، وفي النسخة المطبوعة من مختصر النافع : المقصد الرابع ، كما أثبتناه ، والصحيح ما في المطبوعة كما لا يخفى.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٢٣ الحديث ٢٢ ولاحظ ما علق عليه ، وفي تفسير القمي : ج ٢ ص ١٥٧ س ٣ نحوه فلاحظ ، وفي سنن البيهقي : ج ٨ ، كتاب القسامة ص ١٢٣ س ٢ أيضا نحوه ، وفي المبسوط : ج ٨ كتاب الدعاوي والبينات ص ٢٥٦ س ٥ كما أثبتناه في المتن.

٤٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

فهذه القاعدة أخرجت الفقيه إلى معرفة المدعي والمدعى عليه ليحكم بكل منهما بما جعله الشارع حجة له.

إذا تقرر هذا فنقول :

الدعوى لغة : الطلب ، قال الله تعالى (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) (١).

واصطلاحا : إضافة الإنسان إلى نفسه شيئا ، بل والى غيره.

وقد عرّفوا المدعي بثلاث تعريفات :

(أ) انه الذي يترك الخصومة ، والمدعى عليه : من لا يترك لو سكت.

(ب) انه الذي يذكر امرا خفيا يخالف الظاهر ، والمدعى عليه : هو الذي يذكر ما يوافق الظاهر.

(ج) انه الذي يذكر خلاف الأصل ، والمدعي عليه هو الذي يذكر ما يوافق الأصل.

فإذا ادعى زيد مثلا دينارا في ذمة عمرو ، وأنكر ، فزيد هو الذي إذا سكت يترك وسكوته ، وهو الذي يذكر خلاف الظاهر ، وخلاف الأصل ، لأن الظاهر والأصل براءة ذمة عمرو عن حق زيد. وعمرو هو الذي لا يترك وسكوته ويوافق الظاهر والأصل. فزيد مدع بالتعريفات الثلاث ، وعمرو منكر كذلك ، فلا تختلف التفاسير في مثل هذه المادة ، ويختلف في غيرها ، وهو مواضع.

منها : إذا أسلم الزوجان قبل الدخول ، واختلفا ، فقال الزوج : أسلمنا معا فالنكاح باق ، وقالت المرأة : بل على التعاقب ، فلا نكاح بيننا.

فان قلنا : المدعي هو الذي يترك وسكوته ، فالمرأة مدعية ، والزوج مدعى عليه ، لأنه لا يترك لو سكت ، لزعمها انفساخ النكاح ، فيحلف هو ويستمر النكاح.

__________________

(١) يس : ٥٧.

٤٨٢

وفي سماع الدعوى المجهولة تردد ، أشبهه : الجواز.

______________________________________________________

وان قلنا : المدعي من يخالف قوله الظاهر ، فالزوج هو المدعي ، لان التقارن الذي يزعمه الزوج نادر ، والظاهر التعاقب ، والمرأة مدعى عليها ، لموافقتها الظاهر ، فتحلف هي ، فإذا حلفت حكم برفع النكاح.

وان قلنا : المدعي هو الذي يدعي خلاف الأصل : فالمرأة مدعية ، لأن الأصل عدم تقدم أحدهما على الآخر.

ومنها : لو قال الزوج : أسلمت قبلي ، فلا نكاح ولا مهر ، وقالت : أسلمنا معا ، فهما بحالهما ، فعلى التفسير الأول المدعي الزوجة ، لأنها يخلى وسكوتها ، وكذا على الثاني لندور الاقتران ، وعلى الثالث : الزوج هو المدعي ، لان الأصل عدم سبق إسلام أحدهما على الآخر.

ففي المسألة الأولى : المرأة مدعية على الأوّل والثالث ، والزوج مدّع على التعريف الثاني وفي المسألة الثانية : المرأة مدّعية على الأولين ، والزوج على الثالث.

فان قلت : التعريف الأول منقوض بادعاء المنكر القضاء أو الإبراء ، فإن مدع الحق هنا لا يخلى وسكوته.

أجيب : بأن المنكر انقلب هنا مدعيا والمدعي منكرا ، لأنه ينكر القضاء أو الإبراء ، فلهذا لا يخلى وسكوته.

وانما قلنا في تعريف المدعي : (انه الذي يذكر) ولم نقل (انه الذي يدعي) كما قاله بعضهم ، تفصيا من لزوم الدور.

وان أجيب عنه : بأنه تعريف لفظي.

قال طاب ثراه : وفي سماع الدعوى المجهولة تردد ، أشبهه الجواز.

أقول : إذا ادعى وصية بمجهول سمعت قطعا ، وكذا لو أقر له عند الحاكم أو الشهود ، كان له المطالبة بتلك الدعوى بلا خلاف في هاتين الصورتين.

واما الدعوى بغيرهما ، كأن يدعى عليه فرسا أو ثوبا ، فهل يسمع هذه الدعوى؟

٤٨٣

(مسائل)

(الاولى) من انفرد بالدعوى لما لا يد عليه قضى له به ، ومن هذا ان يكون بين جماعة كيس ، فيدعيه أحدهم.

(الثانية) لو انكسرت سفينة في البحر ، فما أخرجه البحر ، فهو لأهله ، وما اخرج بالغوص ، فهو لمخرجه ، وفي الرواية ضعف.

______________________________________________________

قال الشيخ : لا ، لعدم فائدتها ، وهو حكم الحاكم بها ، لو أجاب بنعم. واعترض على نفسه : بصحة الإقرار بالمجهول ، وأجاب بالفرق ، فإنه لو طالبناه بالتفصيل لربما رجع ، بخلاف المدعي فإنه لا يرجع عند مطالبة التفصيل (١) واختار المصنف والعلّامة السماع (٢) (٣) لان المدعي ربما يعلم حقه بوجه ما ، كما يعلم انّ له فرسا أو ثوبا ولا يعلم شخصهما ولا صفتهما ، فلو لم يجعل له الى الدعوى طريقا لبطل حقه ، فالمقتضي للسماع موجود والمانع منتف ، فكما يصح الإقرار بفرس ، أو ثوب مجهولين ، ويستفسره الحاكم ، فكذا يصح الدعوى ، ويستفسره الحاكم ، والا لزم الحرج ، وهو منفي بالآية (٤) والرواية (٥).

قال طاب ثراه : لو انكسرت سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله ، وما اخرج بالغوص فهو لمخرجه ، وفي الرواية ضعف.

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ كتاب آداب القضاء ص ١٥٦ س ٩ قال : فاما ان قال لي عنده ثوب أو فرس الى قوله فربما كان بنعم فلا يمكن الحاكم ان يقضي به عليه لأنه مجهول ثمَّ قال : هذا كله ما لم يكن وصية فاما ان كانت وصية سمع الدعوى فيها وان كانت مجهولة ، والفصل بينها وبين سائر الحقوق إلخ.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) القواعد : ج ٢ المقصد الثالث في الدعوى والجواب ص ٢٠٨ س ٢٠ قال : لزمه سماع الدعوى المجهولة كفرس أو ثوب كما يقبل الإقرار به والوصية.

(٤) قال تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج : ٧٨.

(٥) أورد شطرا من رواياته في تفسير البرهان ، لاحظ ج ٣ ص ١٠٥ الحديث ٣ ـ ٥.

٤٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : الرواية إشارة الى ما رواه الحسن بن علي بن يقطين ، عن أمية بن عمر ، عن الشعيري قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن سفينة انكسرت في البحر ، فاخرج بعضه بالغوص ، واخرج البحر بعض ما غرق فيها فقال : اما ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه هم ، واما ما اخرج بالغوص فهو لهم ، وهم أحق به (١).

أوردها الشيخ في النهاية (٢) واستضعفها المصنف (٣) لأنّ أمية بن عمر واقفي.

وقال ابن إدريس : ما أخرجه البحر فهو لأصحابه ، وما تركه أصحابه آيسين منه فهو لمن وجده وغاص عليه ، لأنه بمنزلة المباح ، كالبعير يترك من جهد في غير كلاء ولا ماء فإنه يكون لواجده ، وادعى الإجماع على ذلك (٤).

فالحاصل : ان الرواية لم يشترط فيها يأس أصحاب المتاع منه ، وابن إدريس شرطه ، ردا للفتوى إلى أصول المذهب ، إذ الأصل بقاء ملك الإنسان عليه لا يخرج عنه الا بمخرج شرعي ، فعلى تقدير قطع نية المالك هنا ، يكون مباحا.

ويحتمل بقاءه على ملك المالك دائما ، ولا يملكه الواجد وان غاص عليه ، بل يكون لقطة ، عليه تعريفه.

والحاصل : ان هنا ثلاث احتمالات :

(أ) كون ما أخرجه البحر لأهله ، وما اخرج بالغوص لمخرجه مطلقا ، اي سواء قطع المالك نيته عنه ، أولا ، وهو فتوى النهاية ومقتضى إطلاق الرواية.

(ب) اشتراط قطع نية المالك عنه في تملك المخرج له ، فلو كان نية المالك

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات من القضايا والاحكام ص ٢٩٥ الحديث ٢٩.

(٢) النهاية : باب جامع في القضايا والاحكام ص ٣٥١ الحديث ١١.

(٣) لاحظ عبارة النافع.

(٤) السرائر : باب النوادر في القضايا والاحكام ص ٢٠٢ س ١ قال : وجه الفقه في هذا الحديث : ان ما أخرجه البحر فهو لأصحابه إلخ.

٤٨٥

(الثالثة) روي في رجل دفع الى رجل دراهم بضاعة يخلطها بماله ويتّجر بها ، فقال : ذهبت ، وكان لغيره معه مال كثير (١) ، فأخذوا أموالهم ، قال : يرجع اليه بماله ، ويرجع هو على أولئك بما أخذوا. ويمكن حمل ذلك على من خلط المال ولم يأذن له صاحبه ، واذن الباقون.

(الرابعة) لو وضع المستأجر الأجرة على يد أمين ، فتلفت كان المستأجر ضامنا ، الا ان يكون الآجر دعاه الى ذلك ، فحقه حيث وضعه.

______________________________________________________

تحصيله ، وهو متأهب لإخراجه ، لم يملك الغائض شيئا مما يخرجه ، وهو قول ابن إدريس.

(ج) عدم التملك لشي‌ء منه أصلا ، لأصالة بقاء الملك على مالكه ، وهو أضعفها.

قال طاب ثراه : روى في رجل دفع الى رجل دراهم بضاعة ، فخلطها بماله واتجر بها ، فقال : ذهبت ، وكان لغيره معه مال كثير الى آخره.

أقول : هذه الرواية رواها حريز ، عن أبي عبيدة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام : رجل دفع الى رجل ألف درهم يخلطها بماله ويتّجر بها ، قال : فلما طلبه منه قال : ذهب المال ، وكان لغيره معه مثلها ، ومال كثير لغير واحد ، فقال : كيف صنع أولئك؟ قال : أخذوا أموالهم ، فقال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام جميعا : يرجع عليه بماله ، ويرجع هو على أولئك بما أخذوا (١) وحملت على ان العامل مزج مال الأول بغير اذنه ، وذلك تعدّ أو تفريط. وأمّا أرباب الأموال الباقية فقد كانوا أذنوا في المزج ، ولو لم يأذنوا أيضا ضمن العامل للجميع.

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات في القضايا والاحكام ص ٢٨٨ الحديث ٦.

٤٨٦

(الخامسة) يقضى على الغائب مع قيام البينة ، ويباع ماله ويقضى دينه ، ويكون الغائب على حجته ، ولا يدفع اليه المال الا بكفلاء.

(الفصل الثاني) في الاختلاف في الدعوى : وفيه مسائل :

(الاولى) لو كان في يد رجل وامرأة جارية ، فادعى انها مملوكته ، وادعت المرأة حريتها ، وانها بنتها ، فإن أقام أحدهما بينة ، قضى له ، والا تركت الجارية حتى تذهب حيث شاءت.

(الثانية) لو تنازعا عينا في يدهما ، قضى لهما بالسوية ، ولكل منهما إحلاف صاحبه. ولو كانت في يد أحدهما ، قضى بها للمتشبث ، وللخارج إحلافه. ولو كانت في يد ثالث وصدق أحدهما قضى له ، وللآخر إحلافه. ولو صدقهما قضى لهما بالسوية ، ولكل منهما إحلاف الآخر ، وان كذبهما أقرت في يده.

(الثالثة) إذا تداعيا خصا قضى لمن اليه القمط وهي رواية عمرو بن شمر عن جابر ، وفي عمرو ضعف ، وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام : ان عليا عليه السلام قضى بذلك ، وهي قضية في واقعة.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : إذا تداعيا خصا قضى لمن اليه القمط ، وهي رواية عمرو بن شمر عن جابر ، وفي عمرو ضعف ، وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام : ان عليا عليه السلام قضى بذلك ، وهي قضية في واقعة.

أقول : هذه الرواية رواها الشيخ عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام : انه قضى في رجلين اختصما في خص ،

٤٨٧

(الرابعة) إذا ادعى أبو الميتة عارية بعض متاعها ، كلف البينة ، وكان كغيره من الأنساب ، وفيه رواية بالفرق ، ضعيفة.

______________________________________________________

فقال : ان الخص لمن اليه القمط (١) وقالوا : القمط هو الحبل ، والخص هو الظنّ الذي يكون في السواد بين الدور ، فكان الذي إليه الحبل هو اولى من صاحبه (٢).

والذي عليه المتأخرون : انه لا يرجح بذلك ، بل يكون حكمه حكم الجدار بين اثنين ، والرواية واقعة ، فلا تعدى ، لاحتمال اطلاعه عليه السلام على ما أوجب الحكم في تلك الواقعة ، فيبقى غيرها على الأصول المقررة.

قال طاب ثراه : إذا ادعى أبو الميتة عارية بعض متاعها كلف البينة ، وكان كغيره من الأنساب ، وفيه رواية بالفرق ضعيفة.

أقول : مختار المصنف هنا (٣) هو مذهب العلّامة (٤) وابن إدريس (٥) واحد قولي الشيخ ذكره في المسائل الحائريات (٦).

والرواية إشارة الى ما رواها جعفر بن عيسى قال : كتبت الى أبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك ، المرأة تموت فيدعي أبوها ، أنه أعارها بعض ما كان عندها

__________________

(١) الفقيه : ج ٣ (٩٤٢) باب الحكم في الحظيرة بين دارين ص ٥٦ الحديث ١ عن منصور بن حازم ، والحديث ٢ عن عمرو بن شمر.

(٢) النهاية : باب جامع في القضايا والاحكام ص ٣٥١ الحديث ١٠.

(٣) لاحظ عبارة النافع.

(٤) القواعد : المقصد السابع في متعلق الدعاوي المتعارضة ص ٢٢٣ س ٩ قال : ولو ادعى أبو الميتة إلى قوله : كلّف البينة إلخ.

(٥) السرائر : باب النوادر في القضاء والاحكام ص ١٩٩ س ٣٤ قال بعد نقل ان قول الأب يقبل بلا بينة : وهذا خطأ عظيم في هذا الأمر الجسيم الى آخره ، وقد أطال البحث والرد في ذلك فلاحظ.

(٦) المسائل الحائريات ، في ضمن الرسائل العشر ص ٢٩٧ س ٢ وهي المسألة الرابع والعشرون ، ولاحظ ما علق عليه تحت رقم ٢ ويؤيد ما علق عليه : ما في السرائر : ص ٢٠٠ س ٧ حيث قال : ثمَّ شيخنا أبو جعفر رجع عنه وضعفه في جواب المسائل الحائريات المشهورة عنه المعروفة.

٤٨٨

(الخامسة) إذا تداعى الزوجان متاع البيت ، فله ما للرجال ، ولها ما للنساء ، وما يصلح لهما يقسم بينهما ، وفي رواية : هو للمرأة وعلى الرجل البينة. وفي المبسوط : إذا لم يكن بينة ويدهما عليه كان بينهما.

______________________________________________________

من متاع وخدم ، أتقبل دعواه بلا بينة؟ أم لا تقبل دعواه إلّا ببينة؟ فكتب اليه عليه السلام : يجوز بلا بينة ، قال : وكتبت اليه : ان ادعى زوج المرأة الميتة وأبو زوجها وأم زوجها في متاعها أو خدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع أو الخدم ، أيكونون بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب : لا (١).

وعمل عليها الشيخ في القول الآخر (٢).

قال طاب ثراه : ولو تداع الزوجان متاع البيت ، فله ما للرجال ، ولها ما للنساء ، وما يصلح لهما يقسم بينهما ، وفي رواية : هو للمرأة وعلى الرجل البينة. وفي المبسوط : إذا لم يكن بينة ويدهما عليه كان بينهما.

أقول : الأقوال الثلاثة المحكية ، للشيخ رحمه الله ، فالأول مختاره في الخلاف (٣) وبه قال ابن حمزة (٤) وأبو علي (٥) وابن إدريس (٦) والكيدري (٧) واختاره المصنف (٨).

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات في القضايا والاحكام ص ٢٨٩ الحديث ٧.

(٢) النهاية : باب جامع في القضايا والاحكام ص ٣٤٩ الحديث ٤ وإيراد الحديث دليل العمل به.

(٣) كتاب الخلاف : كتاب الدعاوي والبينات مسألة ٢٧ قال : إذا اختلف الزوجان في متاع البيت إلخ.

(٤) الوسيلة : فصل في بيان تداعى الزوجين في متاع البيت ص ٢٢٧ س ٦ قال : إذا اختلف الزوجان أو من يرثهما في متاع البيت إلخ.

(٥) المسالك : ج ٢ كتاب القضاء ص ٣٩٨ س ٢٢ قال : الثاني : ان ما يصلح للرجال خاصة يحكم به للزوج الى قوله : ذهب اليه الشيخ في الخلاف وقبله ابن الجنيد.

(٦) السرائر : باب النوادر في القضاء والاحكام ص ٢٠١ س ٢٤ قال بعد نقل الأقوال : والذي يقوى عندي ما ذهب إليه في مسائل خلافه إلخ.

(٧) مفتاح الكرامة : ج ١٠ كتاب القضاء ص ٢٣٣ س ٢ قال : وقيل : للرجل ما يصلح له وللمرأة ما يصلح لها ، وهو خيرة الى قوله : وعلي بن مسعود الكيدري.

(٨) لاحظ عبارة النافع.

٤٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والمعتمد رواية رفاعة النحاس عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا طلق الرجل امرأته وفي بيتها متاع ، فادعت ان المتاع لها ، وادعى الرجل ان المتاع له ، كان له ما للرجال ، ولها ما للنساء ، وما يكون للرجال والنساء قسم بينهما (١).

والثاني : مختاره في الاستبصار (٢).

والمعتمد صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام قال : المتاع متاع المرأة الا ان يقيم الرجل البينة ، قد علم من بين لابتيها ـ يعني بين جبلي منى ـ ان المرأة تزف الى بيت زوجها بمتاع ، ونحن يومئذ بمنى (٣).

والثالث : مختاره في المبسوط (٤) واختاره العلّامة في القواعد (٥) وفخر المحققين في الإيضاح (٦).

والحجة عليه : الحاقه بسائر الدعاوي ، لدخوله تحت العمومات المسلمة ، والأصول المحققة ، والقواعد المقررة.

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات في القضايا والاحكام ص ٢٩٤ الحديث ٢٥.

(٢) الاستبصار : ج ٣ (٢٤) باب اختلاف الرجل والمرأة في متاع البيت ص ٤٧ قال بعد نقل حديث ٥ عن رفاعة النخاس : ما لفظه : فهذا الخبر يحتمل شيئين أحدهما ان يكون محمولا على التقية إلخ وهذا صريح في عدم قبوله.

(٣) الاستبصار : ج ٣ (٢٤) باب اختلاف الرجل والمرأة في متاع البيت ص ٤٤ قطعة من حديث ١.

(٤) المبسوط : ج ٨ ، فصل في متاع البيت إذا اختلف فيه الزوجان ، ص ٣١٠ س ٣ قال : إذا اختلف الزوجان في متاع البيت ، فان كان مع أحدهما بينة قضى له بها ، وان لم يكن مع أحدهما بينة ، فيد كل واحد منهما على نصفه إلخ.

(٥) القواعد : ج ٢ المقصد السابع ص ٢٢٣ س ٥ قال : ولو تداعى الزوجان متاع البيت حكم لذي البينة ، فإن فقدت إلخ.

(٦) الإيضاح : كتاب القضاء ص ٣٨٠ س ٢٤ قال : وهو (اي قول الشيخ في المبسوط) الذي اختاره المصنف هنا ، وهو الأصح عندي.

٤٩٠

(الثالث) في تعارض البينات

يقضي مع التعارض للخارج إذا شهد تا بالملك المطلق على الأشبه. ولصاحب اليد لو انفردت بينته بالسبب (١) ، كالنتاج وقديم الملك ، وكذا

______________________________________________________

وقال العلامة في المختلف : ان كان هناك قضاء عرفي رجع اليه وحكم به بعد اليمين ، والا كان الحكم فيه كما في غيره من الدعاوي ، قال : لأن عادة الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار والنظر ، راجعة الى ذلك ، ولهذا حكم بقول المنكر مع اليمين بناء على الأصل وكون المتشبث اولى من الخارج ، لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالبا ، فحكم بإيجاب البينة على من يدعى خلاف الظاهر ، والرجوع الى من يدعى الظاهر ، واما مع انتفاء العرف فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح لأحدهما ، فتساويا فيها (١).

واختاره الشهيد في شرح الإرشاد (٢) وهو حسن ، ويؤيده استشهاده عليه السلام بالعرف حيث قال : قد علم من بين لابتيها (٣) ومثله قوله عليه السلام : لو سألت من بينهما (يعنى بين الجبلين ونحن يومئذ بمكة) لأخبروك : أن الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل ، فتعطي التي جاءت به ، فان زعم انه أحدث فيه شيئا ، فليأت البينة (٤).

(الثالث) في تعارض البينات.

قال طاب ثراه : يقضي مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق ، على الأشبه ، ولصاحب اليد لو انفردت بينته بالسبب ، الى آخره.

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في لواحق القضاء ص ١٤٦ س ٦ قال : والمعتمد ان نقول : ان كان هناك قضاء عرفي إلخ.

(٢) الكتاب مخطوط غير مطبوع.

(٣) الاستبصار : ج ٣ (٢٤) باب اختلاف الرجل والمرأة في متاع البيت ص ٤٤ قطعة من حديث ١.

(٤) الاستبصار : ج ٣ (٢٤) باب اختلاف الرجل والمرأة في متاع البيت ص ٤٥ قطعة من حديث ٣.

٤٩١

الابتياع. ولو تساويا في السبب فروايتان ، أشبههما : القضاء للخارج. ولو كانت يداهما عليه ، قضى لكل منهما بما في يد الآخر ، فيكون بينهما نصفين. ولو كان المدعى به في يد ثالث ، قضى بالاعدل ، فالأكثر ، فإن تساويا عدالة وكثرة ، أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه احلف وقضي له ، ولو امتنع احلف الآخر ، ولو امتنعا قسم بينهما. وفي المبسوط : يقرع بينهما ان شهدتا بالملك المطلق ، ويقسم ان شهدتا بالملك المقيد ، والأول أشبه.

______________________________________________________

أقول : التعارض عبارة عن قيام بينتين يستلزم العمل بأحدهما تكذيب الأخرى ، إذ لو أمكن التوفيق بينهما ، وجب ، ولا تعارض ، كما لو شهدت البيّنتان : انهما لهما ، وهي منتقلة عن أحدهما إلى الآخر ، فإنهما في حكم الواحد.

واما مع عدم إمكان الجمع ، كأن يشهد لأحدهما بهذه العين ، ويشهد الأخرى بها للآخر ، فيفتقر في تقديم أحدهما إلى الآخر الى المرجح.

وأسباب الترجيح خمسة :

اليد.

والسبب.

وقديم الملك.

وكثرة العدالة.

وكثرة العدد.

أما كثرة العدالة والعدد ، فلا ريب في الترجيح بهما ، وهما أول المرجحات.

هذا في قول قدماء الأصحاب : كالصدوق (١) وأبي علي (٢)

__________________

(١) المقنع : باب القضاء والاحكام ص ١٣٣ س ٢٢ قال : فإن أقام كل واحد منهما البينة ، فإن أحق المدعيين من عدل شاهداه ، وان استوى الشهود في العدالة ، فأكثرهم شهودا.

(٢) المختلف : ج ٢ في تعارض البينات ص ١٤١ س ١٠ قال : وقال ابن الجنيد : الى قوله : ولو اختلف

٤٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والمفيد (١) ، بمعنى : انه لو قامت البينة لهما بالملك ، سواء كانت العين في يد أحدهما ، أو أيديهما ، أو يد ثالث ، ينظر إلى أقوى البينتين عدالة ، ومع تساويهما ينظر إلى أكثرهما عددا ، ويقضى لمن اختص بأحدهما.

وأكثر المتأخرين لم يذكروا هذين المرجحين إلا في القسم الثالث ، اعني خروج أيديهما ، ولعل مرادهم ما ذكره القدماء.

وأما اليد : فهل يوجب الترجيح؟ قال في الخلاف : نعم (٢) ان أطلقتا ، أو اضافتا الى سبب ، وان اختصت أحدهما بالتقييد ، اختصت بالترجيح ، وقال في النهاية : تقدم بينة الخارج مع إطلاقهما ومع انفراد الداخل بالسبب ، يقدم ، وسكت عن اشتراكهما في السبب (٣). وفي كتابي الأخبار : قدم بينة الخارج مع إطلاقهما ، والداخل مع إضافتهما (٤) (٥).

__________________

اعداد الشهود إلخ.

(١) المقنعة : باب كيفية سماع القضاة البينات ص ١١٤ س ٢٢ قال : وإذا تنازع نفسان في شي‌ء إلى قوله : وان رجح بعضهم على بعض في العدالة حكم لأعدلهما شهودا ، الى قوله : وان كان لأحدهما شهود أكثر عددا حكم لأكثرهما شهودا إلخ.

(٢) كتاب الخلاف : كتاب الدعاوي والبينات ، مسألة ٢ قال : إذا أدعيا ملكا مطلقا ويد أحدهما على العين كانت بينته أولى.

(٣) النهاية : باب سماع البينات وكيفية الحكم بها ص ٣٤٤ س ٥ قال : ومتى كان مع واحد منهما يد متصرفة إلى قوله : وان شهدت البينة لليد المتصرفة بسبب الملك من بيع أو هبة أو معاوضة كانت اولى من اليد الخارجة.

(٤) الاستبصار : ج ٣ كتاب القضايا والاحكام (٢٢) باب البينتين إذا تقابلتا ص ٤٢ ذيل حديث ١٣ س ١٥ قال : وان كان مع احدى البينتين يد متصرفة إلخ.

(٥) التهذيب : ج ٦ (٩٠) باب البينتين تتقابلان أو يترجح بعضها على بعض ، ص ٢٣٧ ذيل حديث ١٤.

٤٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فقد ظهر للشيخ فيما حكيناه ثلاثة أقوال :

(أ) تقديم الداخل مع إطلاقهما وتقييدهما ، وهو قوله في الخلاف.

(ب) تقديم الخارج مع إطلاقهما والداخل مع تقييدهما ، وهو قوله في كتابي الأخبار.

(ج) تقديم الخارج مع إطلاقهما ، وتقديم المنفرد بالسبب منهما ، وسكت عن اجتماعهما في السبب ، وهو مضمون النهاية.

وتقديم بينة الخارج مذهب الصدوقين (١) (٢) والمفيد (٣).

والتحقيق : ان التعارض إذا وقع في العين ، فاما ان تكون في أيديهما ، أو في يد أحدهما ، أو خارجة عنهما.

القسم الأول : ان تكون في أيديهما ، فإن اختصت البينة بأحدهما قضي له ، وان أقاما بينتين ، نظر الى أعدلهما ، فأكثرهما ورجح به ، فان تساويا فيهما قضي لكل منهما بما في يده ، على القول بالقضاء لصاحب اليد كمذهب الخلاف ، وبما في يد صاحبه ، كمذهب النهاية وكتابي الاخبار.

وتظهر الفائدة في ضم اليمين ان حكمنا بتقديم بينة الداخل ، لان الظاهر تساقط البينتين مع تعارضهما ، ويقضى للداخل ، لأنه الأصل ، فيتوجه اليمين عليه لدفع دعوى المدعي.

وان قلنا يقضى له بما في يد صاحبه ، لا يتوجه على أحدهما يمين ، لان القضاء له

__________________

(١) المقنع : باب القضاء والاحكام ص ١٣٣ س ١٩ قال : وإذا ادعى رجل على رجل عقارا أو حيوانا أو غيره الى قوله : فالحكم فيه ان يخرج الشي‌ء من يدي مالكه الى المدعي ، لان البينة عليه ، الى قوله : كذلك ذكره والدي رحمه الله في رسالته اليّ.

(٢) المقنع : باب القضاء والاحكام ص ١٣٣ س ١٩ قال : وإذا ادعى رجل على رجل عقارا أو حيوانا أو غيره الى قوله : فالحكم فيه ان يخرج الشي‌ء من يدي مالكه الى المدعي ، لان البينة عليه ، الى قوله : كذلك ذكره والدي رحمه الله في رسالته اليّ.

(٣) المقنعة : باب كيفية سماع القضاء البينة ص ١١٣ س ٢٤ قال : وان كان الشي‌ء في يد أحدهما واستوى شهودهما في العدالة ، حكم للخارج اليد منه ونزعت يد المتشبث به منه.

٤٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مستند الى بينة ، وهي ناهضة بثبوت الحق ، فيستغني عن اليمين.

القسم الثاني : ان يكون في يد أحدهما ، وقد عرفت حكمه في أول الباب.

الثالث : ان يكون خارجة عنهما : فيقضى لمن انفرد بالبينة ، ومع قيامهما يقضى بالأعدل والأكثر ، ومع التساوي ، بالقرعة فمن وقعت له حلف ، فان نكل أحلف الآخر ، نكل قسمت بينهما مطلقا ، أي سواء أطلقتا أو اضافتا قاله الشيخ في النهاية (١) وتبعه القاضي (٢) وفي المبسوط : يقضي بالقرعة ويحكم بالعين لمن يخرجه مع يمينه إذا كانت الشهادة بالملك مطلقا ، وان كانت مقيدا قسّم بينهما نصفين من غير قرعة ، فإن اختص أحدهما بالتقييد حكم له (٣).

احتج من قدم بينة الداخل : بان جانب الداخل أقوى ، ولهذا قدمت يمينه ، فيكون بينته أقوى ، فيقدم.

وبما رواه العامة عن جابر : ان رجلين اختصما الى رسول الله صلّى الله عليه وآله في دابة أو بعير ، فأقام كل واحد منهما البينة أنه أنتجها ، فقضى بها رسول الله صلّى الله عليه وآله لمن هي في يده (٤).

وبما رواه الأصحاب ، عن غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام : ان أمير المؤمنين عليه السلام اختصم اليه رجلان في دابة ، وكلاهما أقاما البينة أنه

__________________

(١) النهاية : باب سماع البينات وكيفية الحكم بها واحكام القرعة ص ٣٤٣ س ١٨ قال : فان كانت أيديهما خارجتين منه الى قوله : فان امتنعا جميعا من اليمين كان الحق بينهما نصفين.

(٢) المهذب : ج ٢ كتاب الدعوى والبينات ص ٥٧٨ س ٤ قال : فان كان أيديهما خارجتين الى قوله : فان امتنعا من اليمين قسم بينهما نصفين.

(٣) المبسوط : ج ٨ كتاب الدعاوي والبينات ص ٢٥٨ س ٤ قال : وان كانت أيديهما خارجتين أقرع بينهما الى قوله : ان كانت الشهادة بالملك مطلقا وان كان مقيدا قسم بينهما نصفين إلخ.

(٤) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٢٦ الحديث ٣١ ولاحظ ما علق عليه نقلا عن سنن الدارقطني.

٤٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

منحها ، فقضي بها للذي هي في يده ، وقال : لو لم يكن في يده جعلتها بينهما نصفين (١).

فرع

على القول بتقديم بينة الداخل ، هل يفتقر الى اليمين؟ قال العلّامة : نعم (٢) وفي المبسوط : لا (٣).

والتحقيق : ان البينتين هل يتساقطان ، ويرجع الى الأصل وهو الحكم للداخل؟ أو يقضي بالبينة التي حكمنا بترجيحها؟ فعلى التساقط تفتقر الى اليمين ، وعلى عدمه لا تحتاج إليها ، لنهوض البينة بثبوت الحق.

واحتج القائل بتقديم بينة الخارج بأنّ الأصل كون البينة على المدعي ، وهو الخارج ، واليمين على المنكر ، وهو الداخل ، لقوله عليه السلام : البينة على المدعي وعلى الجاحد اليمين (٤) ، ولان بينة الخارج يتضمن النقل وبينة الداخل يتضمن التقرير ، والبينة المتضمنة للنقل عن حكم الأصل أولى من المقررة.

ولما رواه محمد بن حفص ، عن المنصور ، عن الصادق عليه السلام قال : قلت له : رجل في يده شاة ، فجاء رجل فادعاها واقام البينة العدول انها ولدت عنده ، ولم

__________________

(١) الكافي : ج ٧ كتاب القضاء والاحكام ، باب الرجلان يدعيان فيقيم كل واحد منهما البينة ص ٤١٩ الحديث ٦.

(٢) المختلف : ج ٢ في تعارض البينات ص ١٤٢ س ٢٦ قال : والمعتمد ان نقول : الى قوله : فإن البينة بينة الداخل مع يمينه.

(٣) المبسوط : ج ٨ كتاب الدعاوي والبينات ص ٢٥٨ س ١٤ قال : فكل موضع سمعنا بينة الداخل الى قوله : وقال آخرون : لا يستحلف ، وهو الأقوى.

(٤) رواه في السرائر كتاب القضايا ص ١٩٤ س ٣٢.

٤٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يهب ولم يبع ، وجاء الذي في يده بالبينة مثلهم عدول انها ولدت عنده ولم يبع ولم يهب ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : حقها للمدعي ، ولا اقبل من الذي في يده بينة ، لان الله تعالى انما أمران تطلب البينة من المدعي ، فان كانت له بينة والا فيمين الذي هو في يده ، هكذا أمر الله تعالى (١).

قال العلّامة : واحتج الشيخ على قوله في الخلاف : بما تقدم من الاخبار. وبأنهما تداعيا ، وأقاما بينة ، فلا ترجيح ، ويبقي اليد مختصة بأحدهما ، فترجح ، وهو حسن ، لكن حديث منصور يدل على خلافه ولولاه لصرت الى قول الشيخ في الخلاف (٢) (٣).

واما قديم الملك : فاذا اشتملت احدى البينتين على الشهادة بقديم الملك ، والأخرى بحديثه ، فالترجيح لجانب الأقدم عملا بالاستصحاب ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لا اعلم فيه خلافا بين الطائفة.

ولابن إدريس قدس الله روحه هاهنا اضطراب عظيم ، وعبارة منتشرة ، ولنورد بعضها.

فان لم يكن ترجيح ، وهي في يد ثالث فأقام أحدهما بينة تقديم الملك ، والآخر بحديثه ، وكل منهما يدعي : انه ملكي الآن ، وبينة كل واحد منهما تشهد : بأنه ملكه الان ، غير ان احدى البينتين تشهد بالملكية الآن وتقديم الملك ، والأخرى تشهد بالملكية الآن وبحديث الملك ، سمعت بينة القديم ، لان حديث الملك لا يملكه الا عن يد قديمة ، فهو مدعي الملكية عنه ، ولا خلاف انا لا نحكم بأنه ملك عنه ، لأنه لو كان

__________________

(١) الاستبصار : ج ٣ كتاب القضايا والاحكام (٢٢) باب البينتين إذا تقابلتا ص ٤٣ الحديث ١٤.

(٢) هكذا عبارة المختلف ، ولكن في النسخ المخطوطة بعد كلمة (خلافه) هكذا (فلو خلا عن معارضة لكان هو المعتمد) والأمر سهل.

(٣) المختلف : ج ٢ ، في تعارض البينات ص ١٤٣ س ٢ قال : واحتج الشيخ على قوله في الخلاف إلخ.

٤٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ملك عنه لوجب ان يكون الرجوع عليه بالدرك ، فاذا لم يحكم بأنه عنه ملك ، بقي الملك على صاحبه حتى يعلم زواله عنه ، وكذلك يكون بينة السبب أولى في هذه المسألة إذا كانت العين في يد ثالث عند بعض أصحابنا ، والأقوى عندي استعمال القرعة هاهنا ، ولا يجعل لصاحب السبب ترجيح ، لان الترجيح عندنا ما ورد إلا بكثرة الشهود ، فان تساويا فالأعدل ، ولا ترجيح بغير ذلك عند أصحابنا ، والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا ، فلم يبق إلا القرعة ، الى ان قال : ولو قلنا نرجح بالسبب إذا كانت في يد ثالث لكان قويا ، وبه افتي لأن فيه جمعا بين الأحاديث والروايات وعليه الإجماع ، فإن المحصلين من أصحابنا مجمعون عليه قائلون به ، ولان السبب اولى من قديم الملك ، وقد رجحنا بقديم الملك ، الى ان قال : والذي اعتمده واعتقده واعمل عليه بعد هذه التفاصيل جميعها ، الا نرجح الا بالعدد ، وبالتفاضل في عدالة البينتين فحسب ، دون الأسباب وقديم الأملاك ، لأن القياس عندنا باطل ، وانما فصلنا ما فصلناه على وضع شيخنا في مسائل خلافه ، وهي من فروع المخالفين ومذاهبهم فحكاها واختارها دون ان يكون مذهبا لنا أو لبعض مشيختنا ، ولا وردت به أخبارنا ولم يذهب إليه أحد من أصحابنا سوى شيخنا أبي جعفر في كتابيه الفروع ، مبسوطه ومسائل خلافه ، وعادته في هذين الكتابين وضع أقوال المخالفين واختبار بعضها ، فليلحظ (١).

فقد ظهر من قوله هذا ـ بعد ما ترى فيه من الاضطراب الذي لا تحتاج الى التنبيه عليه ـ مخالفة المشهور في ثلاثة أمور :

(أ) اعتبار التفاضل في العدد قبل اعتبار التفاضل في العدالة.

(ب) عدم الترجيح بقدم الملك.

__________________

(١) السرائر : كتاب القضايا ، في سماع البينات وكيفية الحكم بها ، ص ١٩٥ س ٣ فلاحظ.

٤٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) عدم الترجيح بالسبب ، وهو نادر.

تحقيق

قد عرفت ان أسباب الترجيح خمسة : فان انفرد واحد منهما بواحد منها وعرى الآخر منها حكم له ، فان اشتركا في الترجيح ، فإن تكافئا ، أقرع ، وان تفاوتا فذو السببين اولى من ذي السبب ، وذو الثلاثة أولى من صاحب الاثنين.

ولو اختص أحدهما بسبب ، والآخر بمخالف ، كما لو كان لأحدهما سبب ، وللآخر قديم ملك ، أو يدان رجحنا بها ، وللآخر سبب ، أو تقديم ، فنقول : اما السببان الأولان من أسباب الترجيح ، وهما قوة العدالة وكثرة العدد ، فلا ريب في تقديم من انفرد بهما. وان اجتمعا مع مرجوح كاليد ان رجحنا الخارج.

واما الثلاثة الأخرى : فاقواها القديم ، فيقدم على السبب وان لم يتكرر كالنتاج ، وهو ظاهر التحرير (١) ثمَّ السبب ، وقال ابن إدريس : يقدم الخارج وان أطلق ، على ذي اليد ، وان سبب (٢).

وتوضيح البحث يقع في فصلين :

(الأول) تشبثا أو أحدهما ، ومسائله عشرة.

(أ) تشبثا ولكل بينة ، قضي لكل بالنصف ، لكن هل هو الذي في يده ، أو في يد غريمه؟ مرّ البحث فيه وما يترتب عليه.

(ب) تشبث أحدهما ولكل بينة بالملك المطلق ، قضى للخارج على مذهب

__________________

(١) التحرير : ج ٢ في تصادم الدعاوي ص ١٩٥ س ١٠ قال : ولو شهدت بالملك المطلق للخارج أو بالسبب لذي اليد ، حكم لذي اليد سواء كان السبب مما يتكرر أو لا يتكرر كالنتاج.

(٢) السرائر : في سماع البينات وكيفية الحكم بها ص ١٩٤ س ٣٤ قال : إذا تنازعنا عينا الى قوله : انتزعت العين من يد الداخل وأعطيت الخارج إلخ.

٤٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

النهاية (١) والخلاف (٢) في البيوع ، وللداخل على مذهب الخلاف في الدعاوي (٣).

(ج) تشبث أحدهما وله بينة وتقديم ملك ، أو سبب ، وللآخر بينة بالملك المطلق رجح الداخل والخارج بالعكس فيهما ، وهو أربع مسائل.

(د) تشبث أحدهما وللآخر بينة بقديم الملك ، أو باليد ، اختلف قولا الشيخ في كتابيه ، فرجح في موضع منهما القديم (٤) ، وفي الآخر منهما اليد (٥).

(ه) تشبثا ، أو أحدهما ، أو خرجا ، ولأحدهما بينة بالقديم ، وللآخر بينة بالسبب ، رجح القديم ، وابن إدريس رجح الخارج (٦) وان أطلق على الداخل. وان قيد بسبب القدم.

(و) انفراد أحدهما بالبينة ، قضى له ، متشبثين ، أو أحدهما ، أو خارجين قولا واحدا.

__________________

(١) النهاية : باب سماع البينات وكيفية الحكم بها ص ٣٤٤ س ٥ قال : ومتى كان مع واحد منهما يد متعرفة الى قوله انتزع الحق من اليد المتصرفة واعطى اليد الخارجة.

(٢) كتاب الخلاف : كتاب البيوع مسألة ١٧ قال : إذا ادعى عمرو عبدا في يد زيد واقام البينة إلى قوله : فالبينة بينة الخارج وهو عمرو.

(٣) كتاب الخلاف : كتاب الدعاوي والبينات مسألة ٢ قال : إذا ادعيا ملكا مطلقا ويد أحدهما على العين كانت بينة اولى.

(٤) المبسوط : ج ٨ في تعارض البينتين ص ٢٦٩ س ١٠ س ٩ قال : واقام كل واحد منهما بينة ، فانا نقضي لصاحب اليد بالدار.

(٥) كتاب الخلاف : كتاب الدعاوي والبينات ، مسألة ١٥ قال : وان كانت في يد حديث الملك فصاحب اليد أولى.

(٦) السرائر : في سماع البينات وكيفية الحكم بها ص ١٩٤ س ٣٤ قال : إذا تنازعا عينا وهي في يد أحدهما إلى قوله : انتزعت العين من يد الداخل وأعطيت الخارج ، سواء شهدت بينة الداخل بالملك بالإطلاق أو بالأسباب ، أو بقديمه أو بحديثه إلخ.

٥٠٠