المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته ، وشرط بعض الأصحاب : انضمام غيره من أهل الشهادة ، وكذا في الزوجة ، وربما صحّ فيها الاشتراط.

______________________________________________________

(الثاني) قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (١).

(الثالث) ما رواه داود بن الحصين عن الصادق عليه السلام قال : سمعته يقول : أقيموا الشهادة على الوالدين والولد (٢) ومثلها رواية علي بن سويد (٣).

وأجاب العلّامة : بان الأمر بالشهادة لا تستلزم القبول (٤).

وفيه نظر : لانتفاء فائدة الأمر حينئذ.

قال طاب ثراه : وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته ، وشرط بعض الأصحاب : انضمام غيره من أهل الشهادة ، وكذا في الزوجة ، وربما صح فيها الاشتراط.

أقول : شرط الشيخ في النهاية الضميمة في الزوج والزوجة ، والوالد والأخ (٥).

أما الأخيران فالاشتراط فيهما نادر. واما في الزوج والزوجة فتابعه القاضي (٦)

__________________

(١) النساء : ١٣٥.

(٢) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٥٧ قطعة من حديث ٨٠.

(٣) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٧٦ قطعة من حديث ١٦٢.

(٤) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٦٨ س ١١ قال بعد نقل روايتي داود بن الحصين وعلي بن سويد : والجواب الأمر بالإقامة لا تستلزم القبول.

(٥) النهاية : باب شهادة الوالد لولده وعليه ، والمرأة لزوجها وعليه ، والزوج لزوجته وعليها ص ٣٣٠ س ١٤ قال : مع غيره من أهل الشهادة إلى قوله : إذا كان معه غيره من أهل العدالة إلى قوله : إذا كان معها غيرها من أهل الشهادة.

(٦) المهذب : ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٧ س ٤ قال : وشهادة الزوج لزوجته وعليها مع غيره من أهل العدالة.

٥٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وابن حمزة (١).

وأطلق المفيد القبول ولم يقيد بالضميمة (٢) وتابعه الشيخ في الكتابين (٣) (٤) وكذا التقي (٥) والحسن (٦) والعلّامة (٧) وابن إدريس (٨).

وفرق المصنف بينهما في الشرائع فقال : وربما صح فيها الاشتراط ، ولعل الفرق انما هو لاختصاص الزوج بمزيد القوة أن تجذبه دواعي الرغبة (٩).

وتظهر فائدة الخلاف فيما لو شهد الرجل لزوجته فيما تقبل فيه شهادة الواحد مع اليمين ، فعلى القول بالضميمة لا شي‌ء لها ، وعلى عدمها تحلف معه ويثبت حقها.

وفي الزوجة لو شهدت لزوجها في الوصية منفردة ، فعلى الأول لا شي‌ء له ، وعلى الثاني

__________________

(١) الوسيلة : فصل في بيان الشهادات ص ٢٣١ س ٤ قال : وحكم الزوجين على ذلك (أي إذا شهد معه عدل آخر).

(٢) المقنعة : باب البينات ص ١١٢ س ٢٥ قال : وتقبل شهادة الرجل لامرأته إذا كان عدلا وشهد معه آخر من العدول ، أو حلفت المرأة مع الشهادة لها في الديون والأموال.

(٣) المبسوط : ج ٨ فصل فيمن تقبل شهادته ومن لا تقبل ص ٢٢٠ س ٤ قال : تقبل شهادة كل واحد من الزوجين للآخر وبه قال جماعة.

(٤) الخلاف : كتاب الشهادات ، مسألة ٤٩ قال : تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر.

(٥) الكافي : فصل في الشهادات ص ٤٣٦ س ١١ قال : وتقبل الى قوله : والزوج لزوجته وعليها والزوجة له وعليه.

(٦) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٦٨ س ١٦ قال : وبه (أي بالإطلاق) قال ابن أبي عقيل ، وهو المعتمد للأصل إلخ.

(٧) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٦٨ س ١٦ قال : وبه (أي بالإطلاق) قال ابن أبي عقيل ، وهو المعتمد للأصل إلخ.

(٨) السرائر : باب شهادة. المرأة لزوجها وعليه والزوج لزوجته وعليها ص ١٨٦ س ٢٢ قال : ولا بأس بشهادة الرجل لامرأته وعليها إذا كان معه غيره من أهل العدالة ، ولا بأس بشهادتها له وعليه إذا كان معها غيرها من أهل العدالة.

(٩) الشرائع : ج ٤ كتاب الشهادات ، الخامس ارتفاع التهمة ، الثالثة قال : ومنهم من شرط في الزوج الضميمة إلى قوله : ولعل الفرق انما هو لاختصاص الزوج إلخ.

٥٢٢

والصحبة لا تمنع القبول كالضيف والأجير على الأشبه.

ولا تقبل شهادة السائل بكفه ، لما يتصف به من مهانة النفس ، فلا يؤمن خدعه.

______________________________________________________

له ربع ما شهدت به. وكذا لو شهدت باستهلال مولود يرثه زوجها.

وفيما إذا زوجه وكيله ودفع المهر ، فادعى هو ان بينه وبين الزوجة رضاعا محرما ، وأنكرت الزوجة ، وكان ذلك قبل الدخول ، فإنه يرجع عليها بربع المهر عند أبي علي (١) وبالكل إذا تعذر عليها اقامة غيرها عند المفيد (٢) وتلميذه (٣) لان ابن الجنيد يقبل شهادة الأربع في كل ما لا يطلع عليه الرجال ويثبت مجموع الحق بهن ، وان شهد بعضهن فبحساب ذلك (٤) وقال المفيد : إذا لم يوجد على ذلك إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه وشهادة واحدة في ربع الوصية (٥) وتابعه أبو علي (٦) وعندنا ان كانت إحدى الأربع ، استرجع الزوج المهر على تقدير قبول النساء في الرضاع وان كانت منفردة لا يقبل وان لم يشترط الضميمة ، لأن الواحدة لا يقبل في غير الوصية وميراث المستهل.

قال طاب ثراه : والصحبة لا يمنع القبول كالضيف والأجير على الأشبه.

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٦٠ س ٢١ قال : وقال ابن الجنيد : وشهادة النساء في الدين جائزة الى قوله : ولا يقضي به بالحق إلا بأربع منهن ، فان شهد بعض فبحساب ذلك.

(٢) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٦١ س ٣٣ قال : الأول النكاح الى قوله : والمفيد منع أيضا ، أي من قبول شهادة النساء في النكاح ، ثمَّ قال : وكذا سلار.

(٣) المختلف : ج ٢ في الشهادات ص ١٦١ س ٣٣ قال : الأول النكاح الى قوله : والمفيد منع أيضا ، أي من قبول شهادة النساء في النكاح ، ثمَّ قال : وكذا سلار.

(٤) تقدم آنفا تحت رقم ١.

(٥) المقنعة : باب البينات ص ١١٢ س ٣١ قال : وتقبل شهادة امرأتين مستورتين فيما لا يراه الرجال الى قوله : وإذا لم يوجد على ذلك إلخ ونقله في المختلف : ج ٢ ص ١٦٤ س ٨ قال : وقال شيخنا المفيد : وتقبل شهادة امرأتين إلى قوله : وتقبل شهادة امرأة واحدة في ربع الوصية.

(٦) المختلف : ج ٢ ص ١٦٤ س ٧ قال : وقال ابن الجنيد : وكل أمر لا يحضره الرجال فشهادة النساء فيه جائزة إلى قوله : فان شهد بعض فبحساب ذلك.

٥٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : الأجير هل يقبل شهادته لمستأجره حال كونه أجيرا له؟ قيل فيه ثلاثة أقوال :

(أ) القبول قاله ابن إدريس (١) والمصنف (٢) والعلّامة (٣).

(ب) المنع قاله الشيخ (٤) والصدوقان (٥) (٦) والتقي (٧) والقاضي (٨) وابن حمزة (٩).

(ج) القبول مع عدم التهمة والرد معها كما لو شهد الخياط أو القصار بثوب دفع اليه ليخيطه ، أو يقصّره ، قاله العلّامة في المختلف (١٠) ونعم ما قال.

احتج الأولون : بوجود المقتضي وعدم المانع. اما المقتضي : فهو العدالة ، وقوله

__________________

(١) السرائر : كتاب الشهادات ص ١٨٣ س ١٥ قال : بل شهادة الأجير مقبولة سواء كان على من استأجره اوله.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) تحرير الاحكام : ج ٢ كتاب الشهادات ص ٢١٠ س ٦ قال : ويقبل شهادة الأجير والضيف إلخ.

(٤) النهاية : كتاب الشهادات ص ٣٢٥ س ١٣ قال : ولا يجوز قبول شهادة إلى قوله : والأجير.

(٥) المختلف : ج ٢ ص ١٦٦ س ١١ قال : وبه (اي عدم القبول) قال : ابنا بابويه.

(٦) المقنع : باب القضاء والاحكام ص ١٣٣ س ٧ قال : ولا اجير لصاحبه ولا تابع لمتبوعه.

(٧) الكافي : فصل في الشهادات ص ٤٣٦ س ١ قال : ولا تقبل شهادة الشريك فيما هو شريك فيه ولا الأجير لمستأجره.

(٨) المهذب : ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٨ س ٢ قال : والأجير لمستأجره إلخ.

(٩) الوسيلة : فصل في بيان الشهادات ص ٢٣٠ س ١٣ قال : ولا تقبل شهادة خمسة الى قوله : والأجير إذا شهد لمستأجره إلخ.

(١٠) المختلف : ج ٢ في شهادة الأجير ص ١٦٦ س ٢٢ قال : والوجه عندي : ان شهادته ان تضمنت تهمة ، أوجر نفع ، أو دفع ضرر لم تقبل والا قبلت ، وعليه تحمل الروايات المطلقة المانعة من القبول كما لو شهد لصاحب الثوب إلخ.

٥٢٤

وفي قبول شهادة المملوك روايتان ، أشهرهما : القبول (١) ، وفي شهادته على المولى ، قولان أظهرهما : المنع ، ولو أعتق قبلت للمولى وعليه. ولو اشهد عبديه بحمل انه ولده ، فورثهما غير الحمل ، وأعتقهما الوارث ، فشهدا للحمل ، قبلت شهادتهما ، ورجع الإرث إلى الولد ، ويكره له استرقاقهما.

ولو تحمل الشهادة الصبي ، أو الكافر ، أو العبد ، أو الخصم ، أو الفاسق ، ثمَّ زال المانع وشهدوا قبلت شهادتهم.

______________________________________________________

تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (١) (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (٢).

واما انتفاء المانع ، فلأنه الأصل ، ولأنه لا تجر شهادته نفعا ، ولا يدفع بها ضررا.

احتج الشيخ برواية زرعة قال : سألته عما يرد من الشهود؟ قال : المريب ، والخصم ، والشريك ، ودافع مغرم والأجير (٣).

ومثله رواية ابن سيابة عن الصادق عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام : لا يجيز شهادة الأجير (٤).

وحمله في الاستبصار على اجير شهد لمستأجره حال كونه أجيرا له ، لا بعد مفارقته ، أو لغيره (٥).

واحتج العلّامة على تفصيله : باشتماله على الجمع بين ما دل عليه عموم الكتاب ، والأصل ، وبين الروايات المانعة مطلقا (٦).

قال طاب ثراه : وفي قبول شهادة المملوك روايتان : أشهرهما القبول الى آخره.

__________________

(١) الطلاق : ٢.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٤٢ الحديث ٤.

(٤) الاستبصار : ج ٣ (١٥) باب شهادة الأجير ص ٢١ الحديث ١ وقال في ذيل الحديث : هذا الحديث وان كان عاما فينبغي ان يخص إلخ.

(٥) الاستبصار : ج ٣ (١٥) باب شهادة الأجير ص ٢١ الحديث ١ وقال في ذيل الحديث : هذا الحديث وان كان عاما فينبغي ان يخص إلخ.

(٦) تقدم آنفا تحت رقم ١.

٥٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : اختلف الأصحاب في شهادة العبيد على طرفين وواسطة.

أما الطرفان فالمنع من القبول مطلقا قاله الحسن (١) إذا كانت على حرّ مؤمن ، ويجوز على مثله أو كافر قاله أبو علي (٢). والقبول مطلقا نقله المصنف عن بعض الأصحاب (٣).

أما الواسطة : ففيها ثلاثة أقوال :

الأول : القبول مطلقا الا على السيد (٤) ، أما الأول ، فللأصل ، ولعموم قوله تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٥) و (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (٦).

ولحسنة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا (٧).

وفي معناها رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام في شهادة المملوك إذا كان عدلا فهو جائز الشهادة ، ان أول من رد شهادة المملوك عمر بن الخطاب ، وذلك انه تقدم اليه مملوك في شهادة ، فقال : ان أنا أقمت الشهادة تخوفت على نفسي ، وان كتمتها أثمت بربي ، فقال : هات شهادتك أما انه لا يجوز شهادة مملوك بعدك (٨).

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في شهادة العبيد ص ١٦٨ س ٢٤ قال : وأطلق ابن أبي عقيل المنع ، فقال لا يجوز شهادة العبيد والإماء في شي‌ء.

(٢) المختلف : ج ٢ في شهادة العبيد ص ١٦٨ س ٢٣ قال المنع من قبول شهادتهم على حرّ من المؤمنين مطلقا ، وهو قول أبي علي بن الجنيد.

(٣) الشرائع : ج ٤ كتاب الشهادات ، لواحق هذا الباب ، الثانية قال : وقيل : تقبل مطلقا.

(٤) النهاية : باب شهادة العبيد والإماء ص ٣٣١ س ٢ قال : لا بأس بشهادة العبيد إذا كانوا عدولا الى قوله : ولا يجوز قبول شهادتهم على ساداتهم.

(٥) الطلاق : ٢.

(٦) البقرة : ٢٨٢.

(٧) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٤٨ الحديث ٣٩.

(٨) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٤٨ الحديث ٣٨.

٥٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما الثاني : فلأنه شابه الولد في عدم قبوله على أبيه ، لاشتراكهما في وجوب الطاعة وتحريم العقوق وهو مذهب الشيخ في النهاية (١) وبه قال المفيد (٢) والسيد (٣) وسلار (٤) والقاضي (٥) وابن حمزة (٦) وابن زهرة (٧) وابن إدريس (٨) واختاره المصنف (٩) والعلامة (١٠).

(الثاني) تقبل بالنسبة الى غير السيد ، ولا تقبل عليه ولا له وهو مذهب التقي (١١).

(الثالث) تقبل مطلقا الا لسيده ، وهو ظاهر الصدوقين ، حيث قالا : ولا بأس

__________________

(١) النهاية : باب شهادة العبيد والإماء ص ٣٣١ س ٢ قال : لا بأس بشهادة العبيد الى قوله لساداتهم وعلى غير ساداتهم ولهم ولا يجوز قبول شهادتهم على ساداتهم.

(٢) المقنعة : باب البينات ص ١١٢ س ٢٦ قال : وتقبل شهادة العبيد لساداتهم الى قوله : ولا تقبل على ساداتهم وان كانوا عدولا.

(٣) الانتصار : مسائل القضاء والشهادات ، ص ٢٤٩ ، قال : ولا تقبل على ساداتهم.

(٤) المراسم : ذكر احكام البينات ص ٢٣٢ س ٦ قال : وتقبل شهادات العبيد لساداتهم الى قوله : واما على ساداتهم فلا تقبل.

(٥) المهذب : ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٧ س ٥ قال : وشهادة العبيد لساداتهم لا عليهم.

(٦) الوسيلة : فصل في بيان الشهادات ص ٢٣٠ س ٢١ قال : والمملوك تقبل شهادته الا على سيده.

(٧) الغنية (في ضمن الجوامع الفقهية) في الحدود والقضايا ص ٦٢٤ س ٣٤ قال : وتقبل شهادة العبيد لكل واحد عليه الا في موضع نذكره ، ولم نعثر على غير ذلك.

(٨) السرائر : باب شهادة العبيد والإماء ص ١٨٦ س ٢٩ قال : لا بأس بشهادة العبيد الى قوله : ولا يجوز شهادتهم على ساداتهم.

(٩) لاحظ عبارة النافع.

(١٠) المختلف : ج ٢ في شهادة العبيد ص ١٦٩ س ١٣ قال بعد نقل الأقوال : والوجه ما قاله الشيخ في النهاية.

(١١) الكافي : فصل في الشهادات ص ٤٣٥ س ١٤ قال : ولا تقبل شهادة العبد لسيده على كل حال.

٥٢٧

(السادس) طهارة المولد : فلا تقبل شهادة ولد الزنا ، وقيل : تقبل في الشي‌ء الدون ، وبه رواية نادرة.

______________________________________________________

بشهادة العبد إذا كان عدلا لغير سيده (١) (٢) وظاهره المنع فيما عدى ذلك من حيث المفهوم لا المنطوق.

احتج الحسن : بأن الشهادة من المناصب الجليلة ، فلا يليق بالعبد.

وبصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : العبد المملوك لا يجوز شهادته (٣).

احتج أبو علي بما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال : لا يجوز شهادة العبد المسلم على الحر المسلم (٤) وتعليق الحكم على وصف يشعر بعليته ، فينتفي الحكم عند عدم ذلك الوصف ، والا انتفت فائدة التقييد.

لا يقال : دلالة المفهوم ضعيفة وغير حجة عند الأكثر.

لأنا نقول : يستدل على قبولها على الذمي بمنطوق صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام : يجوز شهادة المملوك من أهل القبلة على أهل الكتاب (٥) وعلى قبولها في حق العبد بما رواه الشيخ في الخلاف عن علي عليه السلام : انه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض ، ولا يقبل شهادتهم على الأحرار (٦).

والجواب على المذهبين ما تقدم من عموم الآيات والمعارضة بالروايات.

قال طاب ثراه : طهارة المولد ، فلا تقبل شهادة ولد الزنا ، وقيل : يقبل في الشي‌ء

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في شهادة العبيد ص ١٦٨ س ٢٨ قال : وقال الصدوق وأبوه : لا بأس بشهادة العبد لغير سيده.

(٢) المقنع : باب القضاء والاحكام ص ١٣٣ س ٤ قال : وشهادة العبد لا بأس بها لغير سيده.

(٣) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٤٩ قطعة من حديث ٤٣.

(٤) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٤٩ الحديث ٤٢.

(٥) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٤٩ قطعة من حديث ٤٣.

(٦) الخلاف : كتاب الشهادات ، مسألة ١٩ قال : وروي عن علي عليه السلام إلخ.

٥٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الدون ، وبه رواية نادرة.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

(الأول) قال في المبسوط : شهادة ولد الزنا مقبولة عند قوم في الزنا وغيره ، وهو قوي ، لكن أخبار أصحابنا تدل على انه لا تقبل شهادته (١).

(الثاني) قال في النهاية : تقبل في الشي‌ء الدون مع صلاحه (٢).

وتمسك بما رواه عيسى بن عبد الله عن الصادق عليه السلام قال : سألته عن شهادة ولد الزنا؟ فقال : لا يجوز إلا في الشي‌ء اليسير إذا رأيت منه صلاحا (٣).

أجاب العلّامة : بأن قبول شهادته في الشي‌ء اليسير ، تعطي المنع من قبول الكثير من حيث المفهوم ، ولا يسير الا وهو كثير بالنسبة الى ما دونه ، فاذن لا يقبل إلا في أقل الأشياء الذي ليس بكثير بالنسبة الى ما دونه ، إذ لا دون له ، ومثله لا يتملك (٤).

(الثالث) قال في الخلاف : لا تقبل أصلا (٥) وبه قال السيد (٦)

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ كتاب الشهادات ص ٢٢٨ س ١٧ قال : شهادة ولد الزنا مقبولة إلخ.

(٢) النهاية : باب تعديل الشهود ومن تقبل شهادته. ص ٣٢٦ س ٧ قال : ولا يجوز شهادة ولد الزنا الى قوله : قبلت في الشي‌ء الدون.

(٣) التهذيب : ج ٦ (٩١) في البينات ص ٢٤٤ الحديث ١٦.

(٤) المختلف : ج ٢ في شهادة ولد الزنا ص ١٦٧ س ١٨ قال : والجواب إلخ.

(٥) الخلاف : كتاب الشهادات ، مسألة ٥٧ قال : شهادة ولد الزنى لا تقبل وان كان عدلا.

(٦) الانتصار : ص ٢٤٧ س ١٦ قال : مسألة. ومما انفردت به الإمامية القول : بأن شهادة ولد الزنا لا تقبل.

٥٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأبو علي (١) والقاضي (٢) وابن إدريس (٣) واختاره المصنف (٤) والعلّامة (٥).

واختلفوا في الدليل : فالعلامة : لأنه من المناصب الجليلة ، وهو ناقص ، فلا يليق به كالامامة (٦).

ولصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال : لا يجوز شهادة ولد الزنا (٧).

وما في معناها (٨).

وابن إدريس : لأنه عند أصحابنا كافر وإجماعهم عليه (٩).

وأبو علي : لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله : (ولد الزنا شر الثلاثة) ولا شك ان الاثنين لا تقبل شهادتهما فيكون اولى بعدم القبول ، ولأن شهادة أبويه تقبل (١٠) إذا

__________________

(١) المختلف : في شهادة ولد الزنا ص ١٦٦ س ٣٢ قال : وقال ابن الجنيد : الى قوله : فهو أيضا غير مقبول شهادته الى قوله : والوجه : المنع من قبول شهادته مطلقا ، لنا ان الشهادة من المناصب الجليلة وهو ناقص فلا يليق به ، كالامامة فكما لم يشرع ان يكون اماما فكذا هنا.

(٢) المهذب : ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٧ س ١٩ قال : وكذلك (أي الشهادة التي هي غير صحيحة) شهادة ولد الزنا.

(٣) السرائر : كتاب الشهادات ص ١٨٣ س ٢٦ قال : ولا يجوز شهادة ولد الزنا ، لأنه عند أصحابنا كافر بإجماعهم.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) المختلف : في شهادة ولد الزنا ص ١٦٦ س ٣٢ قال : وقال ابن الجنيد : الى قوله : فهو أيضا غير مقبول شهادته الى قوله : والوجه : المنع من قبول شهادته مطلقا ، لنا ان الشهادة من المناصب الجليلة وهو ناقص فلا يليق به ، كالامامة فكما لم يشرع ان يكون اماما فكذا هنا.

(٦) تقدم آنفا.

(٧) التهذيب : ج ٦ (٩١) في البينات ص ٢٤٤ الحديث ١٨.

(٨) التهذيب : ج ٦ (٩١) في البينات ص ٢٤٤ الحديث ١٥ و ١٧ وتمام الحديث (قلت : ان الحكم يزعم انها تجوز؟ فقال : اللهم لا تغفر ذنبه.

(٩) تقدم آنفا.

(١٠) هكذا في النسخ المخطوطة التي عندي ، وفي المختلف : ج ٢ ص ١٦٦ س ٣٣ قال بعد قوله : لا تقبل شهادتهما ما لفظه : (فهو أيضا غير مقبول شهادته ولأنه شرهم ما تقبل شهادة أبويه إذا تابا وشهادته غير مقبول إلخ).

٥٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

تابا ، وإذا كان شر الثلاثة لا تقبل شهادته وان استقامت طريقته (١).

وعورض بقوله تعالى (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٢) فلا يؤخذ بذنب أبيه ، لاستحالة الظلم عليه عقلا ، ولقوله تعالى (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٣). وأيضا فإنه من الاخبار الضعاف ، ما رواه الا ضعيف ، وقد منع نص القرآن منه (٤). ولو سلم منعنا دلالته ، لجواز ارادة كونه شرّهم فسقا إذا كان زانيا ، لجمعه بين خبث الأصل والفرع ، وجاز ان يكون قد أشير به الى واحد معين من ثلاثة هو شرّهم ، ويكون ذكر الزنا تعريفا لا تعليلا كما في قوله تعالى (الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) (٥).

وقد قيل : ان أبا غرة الجمحي كان يهجو رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فذكر عند النبي صلّى الله عليه وآله قوله : وقيل فيه : انه ولد زنية ، فقال عليه السلام : ولد الزنا شر الثلاثة ، يعني أبا غره (٦).

واحتج السيد بقوله صلّى الله عليه وآله : ولد الزنا لا يدخل الجنة ، ومعنى ذلك ان يكون الله تعالى علم فيمن خلق من نطفة زنا ، انه لا يختار الخير والصلاح (٧) فلا يلتفت الى ظاهره المقتضي لظن العدالة به ، ونحن قاطعون على خبث باطنه وقبح سريرته ، فلا تقبل شهادته ، لأنه غير عدل ، وعلى هذا يجب ان يقع الاعتماد ، دون

__________________

(١) المختلف : ج ٢ ص ١٦٦ س ٣٢.

(٢) الانعام : ١٦٤.

(٣) الكهف : ٤٩.

(٤) قال تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الآية سورة الحجرات : ٦.

(٥) النور : ٣.

(٦) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٣٤ الحديث ٢٣ وفي سنن البيهقي : ج ١٠ ص ٥٨ باب ما جاء في ولد الزنا س ١٥ قال : انما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فقال : من يعذرني من فلان؟ قيل : يا رسول الله انه مع ما به ولد الزّنا فقال : هو شر الثلاثة.

(٧) الانتصار : في الشهادة ص ٢٤٨ س ٨ قال : ومعنى ذلك إلخ وفيه تحقيق لطيف فراجع.

٥٣١

ويلحق بهذا الباب مسائل

(الأولى) التبرع بالأداء قبل الاستنطاق يمنع القبول ، لتطرق التهمة. وهل يمنع في حقوق الله؟ فيه تردد.

______________________________________________________

ما تعلق به أبو علي.

قال العلّامة : ولا فرق بين ما تعلق به السيد وأبو علي ، لان كلا الخبرين احاد ، ولعله قد كان الخبر الذي رواه أبو علي متواترا في زمانه.

والحق ان رده انما هو لكون ذلك من المناصب الجليلة ، فلا يليق به (١).

قال طاب ثراه : التبرع بالأداء قبل الاستنطاق يمنع القبول ، لتطرق التهمة ، وهل يمنع في حقوق الله؟ فيه تردد.

أقول : حرص الشاهد وتبرعه بأداء الشهادة قبل سؤال الحاكم له تطرق للتهمة إليه ، فيدخل تحت عموم قوله صلّى الله عليه وآله : (لا يجوز شهادة خصم ولا ظنين) (٢) والظنين المتهم ، قاله أهل اللغة (٣) وهو مروي عنهم عليهم السلام (٤).

ومثله قول الصادق عليه السلام : تقوم الساعة على قوم يشهدون من غير ان يستشهدوا (٥).

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في شهادة ولد الزنا ص ١٦٧ س ١٤ قال : وهذا الذي ذكره السيد على طوله ليس دليلا ، إذ لا أولوية إلخ.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٣٥ الحديث ٢٦ ولاحظ ما علق عليه.

(٣) النهاية لابن الأثير : ج ٣ باب الظاء مع النون ص ١٦٣ قال : وفيه : (لا تجوز شهادة ظنين) اي متهم في ذنبه ، من الظنّة التهمة.

(٤) دعائم الإسلام : ج ٢ فصل ٢ ذكر من يجوز شهادته ومن لا يجوز ص ٥١١ الحديث ١٨٣١ و ١٨٣٢ و ١٨٣٣ وغيرها.

(٥) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٣٥ الحديث ٢٧ ولاحظ ما علق عليه.

٥٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه الاخبار خرج في معرض الإنكار والتعجب ، فهو اذن مانع من قبول الشهادة في حقوق الناس إجماعا.

وهل يمنع في حقوق الله سبحانه؟ كالزنا وشرب الخمر ، والمصالح العامة ، كالوقف على القناطر ، والمساجد ، والوصية للفقراء ، تردد المصنف ، ومنشأه : تردده في وجود العلة المانعة من القبول وهو الحرص.

وأطلق المفيد (١) والشيخ في النهاية (٢) والقاضي (٣) القول بعدم جواز الأداء قبل السؤال.

ومن ان مثل هذه الأمور لا مدعى لها ، فلو لم يشرع فيها التبرع لبطلت الاحكام وهو غير جائز.

ولأنه نوع حسبة فيكون سائغا بل واجبا ، فلا يعدّ تبرعا ، ويحمل إطلاق الأصحاب على هذا التفصيل.

ويندفع التبرع : بان يقول للحاكم عندي شهادة ، أو حضر حسبة ، أو هنا ، أو معي حسبة ، فيقول الحاكم هات ما عندك ، فيقصّ ما علمه ، ولا يكون حينئذ متبرعا ، لأنه أدّاها بعد سؤال الحاكم له واستنطاقه بها.

تنبيه

لا فرق بين الأداء قبل الدعوى ، أو بعدها قبل سؤال الحاكم ، كل ذلك يسمى

__________________

(١) المقنعة : باب البينات ص ١١٣ س ٣ قال : وليس يجوز للشاهدان يشهد قبل أن يسأل.

(٢) النهاية : باب كيفية الشهادة وكيفية إقامتها ص ٣٣٠ س ٧ قال : ولا يجوز للشاهدان يشهد قبل ان يسأل عن الشهادة.

(٣) المهذب : ج ٢ الشهادة على الشهادة ص ٥٦١ س ١٥ قال : ولا يجوز لإنسان ان يشهد قبل ان يسأل عن الشهادة.

٥٣٣

(الثانية) الأصم تقبل شهادته فيما لا يفتقر الى السماع. وفي رواية يؤخذ بأول قوله. وكذا تقبل شهادة الأعمى فيما لا يفتقر إلى الرؤية.

______________________________________________________

تبرعا ، ولا تقضي بفسق الشاهد ولا تصر به مجروحا ، فيجوز شهادته في غير تلك الواقعة ، وهل يجوز فيها في غير ذلك المجلس؟ نظر.

قال طاب ثراه : الأصم تقبل شهادته فيما لا يفتقر الى السماع. وفي رواية تؤخذ بأول قوله. وكذا تقبل شهادة الأعمى فيما لا يفتقر إلى الرؤية.

أقول : المشهور قبول شهادة الأصم فيما يكفي فيه حاسة البصر ، ولا حاجة فيه الى السمع كالقتل والغصب ، لعموم قوله تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (١) ولان المناط العدالة المثمرة للظن ، المناسب لقبول الشهادة ، وهو اختيار التقي (٢) وابن إدريس (٣) والمصنف (٤) والعلّامة (٥).

وقال الشيخ في النهاية : ولا بأس بشهادة الأصم غير انه يؤخذ بأول قوله ، لا بثانيه (٦) وبه قال القاضي (٧) وابن حمزة (٨).

مصيرا إلى رواية جميل عن الصادق عليه السلام قال : سألته عن شهادة الأصم

__________________

(١) الطلاق : ٢.

(٢) لم يوجد في الكافي ولكنه في المختلف : ج ٢ ص ١٦٧ س ٢٠ قال : وقال أبو الصلاح : تقبل شهادة الأعمى إلى قوله : والأصم ، وأشار إليه في هامش الكافي : ص ٤٣٦ تحت رقم ٣.

(٣) السرائر : في الشهادات ص ١٨٣ س ٣٦ لا بأس بشهادة الأصم.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) المختلف : ج ٢ في بيان شهادة الأصم ص ١٦٧ س ٢٢ قال : والوجه ما قاله أبو الصلاح.

(٦) النهاية : كتاب الشهادات ص ٣٢٧ س ٤ قال : ولا بأس بشهادة الأصم غير انه يؤخذ بأول قوله ولا يؤخذ بثانيه.

(٧) المهذب : ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٦ س ١٧ قال : وشهادة الأصم ، ويؤخذ بأول قوله ولا يؤخذ بثانيه.

(٨) الوسيلة : فصل في بيان الشهادات ص ٢٣٠ س ١٠ قال : والصمم ويؤخذ بأول قول صاحبه.

٥٣٤

(الثالثة) لا تقبل شهادة النساء في الهلال ، والطلاق. وفي قبولها في الرضاع تردد (١) ، أشبهه القبول ، ولا تقبل في الحدود.

______________________________________________________

في القتل؟ قال : يؤخذ بأول قوله ولا يؤخذ بالثاني (١).

وأجاب العلّامة عنها بوجهين :

(أ) ان في طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف (٢).

(ب) لو قلنا بموجبها لم يناف مطلوبنا ، لان القول الثاني ان كان منافيا للأول ، كان رجوعا عما شهد به أولا ، وهو غير مسموع ، وان لم يكن منافيا كان شهادة أخرى مستأنفة ، أو تأكيدا.

وفيه نظر : لان الرجوع الذي لا يسمع ولا يؤثر في إبطال ما شهد به أولا ، انما هو الرجوع الحاصل بعد الحكم بالشهادة ، وليس في الرواية ما يدل على ذلك ، وحينئذ جاز ان يكون المنافي حصل قبل الحكم ، بل جاز حصوله في تمام حكاية الشهادة ، فيوجب التخليط ، وذلك يقتضي ردها ، وعلى ما تضمنته الرواية : من الأخذ بالأول وترك الاعتداد بالثاني ، يقتضي قبولها ، فيتنافى المذهبان ، ولم يمكن العمل بالموجب.

قال طاب ثراه : وفي قبولها في الرضاع تردد.

أقول : البحث هنا يقع في مقامين :

(الأول) هل يقبل شهادة النساء في الرضاع ، أم لا؟ فيه مذهبان.

المنع : ذهب اليه الشيخ في الخلاف (٣) وفي فصل الرضاع من المبسوط (٤) وهو

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ (٩١) باب البينات ص ٢٥٥ الحديث ٦٩.

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن درست ، عن جميل).

(٣) الخلاف : كتاب الشهادات ، مسألة ٩ قال : ولا تقبل في الرضاع أصلا.

(٤) المبسوط : ج ٥ كتاب الرضاع ص ٣١١ س ٧ قال : شهادة النساء لا تقبل في الرضاع عندنا.

٥٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

اختيار ابن إدريس (١).

والقبول : ذهب اليه الشيخ في كتاب الشهادات من المبسوط (٢) وبه قال المفيد (٣) وتلميذه (٤) وابن حمزة (٥) وهو ظاهر الحسن (٦) وأبي علي (٧) واختاره المصنف (٨) والعلّامة (٩).

احتج المانعون : بأصالة الإباحة ، فلا تعارضها شهادة النساء الضعيفة.

وأجيب : بالمنع من أصالة الإباحة ، بل الأصل عصمة الفرج ، والمعارضة بالاحتياط.

احتج الآخرون : بأنه من الأمور الخفية عن الرجال ، وانما يعاينه النساء غالبا ، فمست الحاجة الى قبولها فيه ، كغيرها من العيوب الخفية على الرجال كالعذرة.

__________________

(١) السرائر : باب شهادة النساء ص ١٨٧ س ٩ قال : ضرب لا يجوز قبولها على وجه ، الى قوله : والرضاع.

(٢) المبسوط : ج ٨ كتاب الشهادات ص ١٧٢ س ١٥ قال : والثالث الى قوله : واربع نسوة وهو الولادة والرضاع.

(٣) المقنعة : باب البينات ص ١١٢ س ٣١ قال : وتقبل شهادة امرأتين مسلمتين الى قوله : والاستهلال والرضاع.

(٤) المراسم : ذكر احكام البينات ص ٢٣٣ س ١٥ قال : واما ما تؤخذ فيه شهادة النساء الى قوله : والرضاع.

(٥) الوسيلة : فصل في بيان اعداد البينة ص ٢٢٢ س ٦ قال : وخامسها شهادة أربع نسوة إلى قوله : الرضاع.

(٦) المختلف : ج ٢ فيما يقبل شهادة منفردات ص ١٦٤ س ١ قال : وقال شيخنا المفيد : يقبل شهادة النساء منفردات في الرضاع الى قوله : وهو الظاهر من كلام ابن جنيد وابن أبي عقيل ، الى قوله : والوجه عندي القبول.

(٧) المختلف : ج ٢ فيما يقبل شهادة منفردات ص ١٦٤ س ١ قال : وقال شيخنا المفيد : يقبل شهادة النساء منفردات في الرضاع الى قوله : وهو الظاهر من كلام ابن جنيد وابن أبي عقيل ، الى قوله : والوجه عندي القبول.

(٨) لاحظ عبارة النافع.

(٩) تقدم قوله آنفا.

٥٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وبرواية عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام في امرأة أرضعت غلاما وجارية؟ قال : يعلم ذلك غيرها؟ قلت : لا ، قال : لا تصدق ان لم يكن غيرها (١) دل بمفهومه على تصديقها مع غيرها ، وهو أعم من الرجال والنساء.

وقدح فيه فخر المحققين من ثلاثة أوجه :

(أ) ضعف السند من ابن بكير.

(ب) إرسالها.

(ج) كونها دلالة مفهوم (٢).

(المقام الثاني) على القول بقبولها في الرضاع ، هل يفتقر فيه الى أربع ، أم لا؟ قيل فيه : أربعة أقوال :

(الأول) اعتبار الأربع ، ولا يكفي ما نقص عن ذلك ، قاله العلّامة (٣) وهو ظاهر المصنف ، حيث قال في الشرائع : وكل موضع تقبل فيه شهادة النساء لا تقبل فيه أقل من أربع (٤).

(الثاني) يقبل ما دون الأربع ويقضي فيه بحسابه من ذلك كالوصية ، وقد ذكرناها فيما مضى ، وهو قول أبي علي وعبارته : وكل أمر لا يحضره الرجال ولا يطلعون عليه فشهادة النساء فيه جائزة كالعذرة والاستهلال والحيض ، ولا تقضى بالحق الا

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٢٧) باب ما يحرم من النكاح ومن الرضاع وما لا يحرم منه ص ٣٢٣ الحديث ٣٨.

(٢) الإيضاح : ج ٤ كتاب الشهادات ص ٤٣٥ س ١٩ قال : وفيه نظر إلخ.

(٣) المختلف : ج ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٤ س ٦ قال : تنبيه ، الظاهر انه لا يقبل في الرضاع إلا شهادة أربع.

(٤) الشرائع : كتاب الشهادات ، واما حقوق الآدمي ، الثالث : ما يثبت بالرجال والنساء ، قال في آخره : وكل موضع تقبل فيه شهادة النساء إلخ.

٥٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بأربعة منهن ، فان شهد بعضهن فبحساب ذلك (١).

(الثالث) قبول المرأتين فيما لا يراه الرجال كالعذرة وعيوب النساء والنفاس والحيض والاستهلال والرضاع ، وإذا لم يوجد على ذلك إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه ، قاله المفيد (٢).

(الرابع) قبول الواحدة في الرضاع والحيض والنفاس والاستهلال والولادة والعذرة وعيوب النساء ، قاله الحسن (٣) وسلار (٤) ولم يقيدا بحال الضرورة.

احتج العلّامة : بأن عادة الشرع في باب الشهادات ، اعتبار المرأتين بالرجل ، وانما تثبت الحقوق غالبا بشهادة رجلين ، فيثبت ما لا يطلع عليه الرجال بما يساوى الرجلين اعتبارا بباقي الحقوق (٥).

احتج الآخرون بصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال : تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس (٦).

وفي معناها روايات أخر (٧).

__________________

(١) المختلف : ج ٢ فيما لا تقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٤ س ٧ قال : وقال ابن الجنيد : وكل أمر لا يحضره الرجال الى قوله : فان شهد بعضهن فبحساب ذلك الى ان قال : وقال ابن أبي عقيل : إذا شهدت القابلة وحدها في الولادة ، فشهادتها جائزة إلخ.

(٢) المقنعة : باب البينات ص ١١٢ س ٣٢ قال : وإذا لم يوجد على ذلك إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها.

(٣) المختلف : ج ٢ فيما لا تقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٤ س ٧ قال : وقال ابن الجنيد : وكل أمر لا يحضره الرجال الى قوله : فان شهد بعضهن فبحساب ذلك الى ان قال : وقال ابن أبي عقيل : إذا شهدت القابلة وحدها في الولادة ، فشهادتها جائزة إلخ.

(٤) المراسم : ذكر احكام البينات ص ٢٣٣ س ١٧ قال : وتقبل فيه (اي فيما لا يراه الرجال) شهادة امرأة واحدة إذا كانت مأمونة.

(٥) المختلف : ج ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء ص ١٦٤ س ١٢ قال : لنا ان عادة الشرع في باب الشهادات إلخ.

(٦) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٥٣٦ الحديث ٣٠ ولاحظ ما علق عليه.

(٧) الاستبصار : ج ٣ (١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٩ الحديث ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ و ٢٩ وغيرها.

٥٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجيب : بالقول بالموجب ، فانا نقبلها في ربع الحق لصريح روايات.

منها صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام قال : سألته عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل ، فوضعت بعد موته غلاما ، ثمَّ مات الغلام بعد ما وقع على الأرض ، فشهدت المرأة التي قبلها : انه استهل وصاح حين وقع على الأرض ، ثمَّ مات قال : على الامام ان يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام (١).

فالحاصل : ان المفيد اكتفى بالمرأتين مع القدرة وبالواحدة مع التعذر (٢) وسلار (٣) والحسن (٤) اختيارا ، وأبو علي اعتبر الأربع (٥) وأجاز بعضهن اختيارا لكن تقضى بحساب الشهادة ، والعلّامة اعتبر الأربع وألغى ما دونهن إلا في الوصية والاستهلال فأجاز بالنسبة (٦).

تنبيه

المشهور قبول النساء في الوصية والاستهلال وان وجد الرجال ، والروايات دالة عليه وخالية عن قيد الاشتراط (٧) وقال في النهاية : وذلك لا يجوز الا عند عدم

__________________

(١) الكافي : ج ٧ باب ما يجوز من شهادة النساء وما لا يجوز ص ٣٩٢ الحديث ١٢.

(٢) المقنعة : باب البينات ص ١١٢ س ٣١ قال : وتقبل شهادة امرأتين إلى قوله : وإذا لم يوجد إلا شهادة امرأة واحدة قبلت شهادتها.

(٣) المراسم : ذكر احكام البينات ص ٢٣٣ س ١٧ قال : وتقبل فيه شهادة امرأة واحدة.

(٤ و ٥ و ٦) المختلف : ج ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٤ س ٧ قال : وقال ابن الجنيد : الى قوله : ولا يقضي به بالحق إلا بأربع منهن الى قوله : وقال ابن أبي عقيل : إذا شهدت القابلة وحدها ، فشهادتها جائزة ، الى قوله : لنا ان عادة الشرع في باب الشهادات اعتبار المرأتين بالرجل ثمَّ قال : فيثبت ما لا يطلع عليه الرجال بما يساوي الرجلين إلخ.

(٧) الاستبصار : ج ٣ (١٧) باب ما يجوز شهادة النساء فيه وما لا يجوز ص ٢٨ الحديث ٢٠ و ٢١ و ٢٤ وغير ذلك.

٥٣٩

وتقبل مع الرجال في الرجم على تفصيل يأتي. وفي الجراح والقتل بان يشهد رجل وامرأتان ، ويجب بشهادتهن الدية ، لا القود ، وفي الديون مع الرجال ، ولو انفردن كامرأتين مع اليمين ، فالأشبه عدم القبول.

______________________________________________________

الرجال (١) وتبعه القاضي (٢) وابن إدريس (٣).

قال طاب ثراه : وفي الديون مع الرجال. ولو انفردن كامرأتين مع اليمين فالأشبه عدم القبول.

أقول : مذهب الشيخ في الكتب الثلاثة القبول (٤) (٥) (٦) وبه قال القاضي (٧) وابن حمزة (٨) وأبو علي (٩) وهو ظاهر التقي (١٠) واختاره العلّامة في المختلف (١١).

__________________

(١) النهاية : باب شهادة النساء ص ٣٣٣ س ١٥ قال : وذلك (اي القبول في الوصية) لا يجوز الا عند عدم الرجال.

(٢) المهذب : ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٩ س ٧ قال : وذلك لا يجوز التعويل عليه الا مع عدم الرجال.

(٣) السرائر : باب شهادة النساء ص ١٨٧ س ٢٤ قال : وتقبل شهادة امرأة واحدة إلى قوله : وذلك عند عدم الرجال.

(٤) النهاية : باب شهادة النساء ص ٣٣٣ س ٦ قال : وتقبل شهادتهن في الديون مع الرجال وعلى الانفراد.

(٥) المبسوط : ج ٨ كتاب الشهادات ص ١٧٤ س ٦ قال : إذا ادعى حقا هو مال الى قوله : أو بشاهد وامرأتين حكم له بذلك إلخ.

(٦) الخلاف : كتاب الشهادات مسألة ٦٦ قال : لا تقبل شهادة النساء على الشهادة إلا في الديون إلخ.

(٧) المهذب : ج ٢ كتاب الشهادة ص ٥٥٨ س ٢٠ قال : وتقبل شهادتهن في الديون مع الرجال وعلى الانفراد إلخ.

(٨) الوسيلة : فصل في بيان اعداد البينة وغيرها ص ٢٢٢ س ٤ قال : ورابعها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين إلى قوله : في المال ، وما كان وصلة اليه ، وس ١٤ قال : وتقبل شهادة النساء الى قوله : ومع اليمين إذا لم يكن رجال وهي في موضعين في المال إلخ.

(٩) المختلف : ج ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٤ س ٢٥ قال : وهل يثبت بشهادة امرأتين ويمين المدعى الى قوله : وبه قال ابن الجنيد ثمَّ قال بعد أسطر : والوجه ما قاله الشيخ في النهاية.

(١٠) الكافي : فصل في الشهادات : ص ٤٣٦ س ٥ قال : ويقبل فيما عدى ذلك امرأتان برجل.

(١١) المختلف : ج ٢ فيما لا يقبل شهادة النساء منفردا ص ١٦٤ س ٢٥ قال : وهل يثبت بشهادة امرأتين ويمين المدعى الى قوله : وبه قال ابن الجنيد ثمَّ قال بعد أسطر : والوجه ما قاله الشيخ في النهاية.

٥٤٠