المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

كتاب الأيمان (١)

(والنظر في أمور ثلاثة).

(الأول) ما به ينعقد. ولا ينعقد الّا بالله وبأسمائه الخاصة ، وما ينصرف إطلاقه إليه كالخالق والبارئ ، دون ما لا ينصرف إطلاقه إليه كالموجود. ولا ينعقد لو قال : أقسم أو أحلف حتى يقول بالله. ولو قال لعمر الله كان يمينا ، ولا كذا لو قال : وحق الله. ولا ينعقد الحلف بالطلاق والعتاق والظهار ، ولا بالحرم ولا بالكعبة ، ولا بالمصحف.

______________________________________________________

مقدمة

اليمين لفظ يقتضي تحقيق ما يمكن فيه الخلاف بذكر اسم الله تعالى ، أو صفاته المختصة به.

فالمراد بقولنا : (تحقيق) بالنسبة إلى داعي الحالف غالبا ، فإنه لمّا تعلّق الإثم والكفارة بالمخالفة حصل له داعي الإرادة إلى تحقيق الإتيان بمقتضى اليمين.

والتحقيق أعم من ان يكون إثباتا أو نفيا ، وقال الشهيد : هي الحلف بالله أو بأسمائه

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الخاصة (١) لتحقيق ما يحتمل المخالفة والموافقة في الاستقبال ، والقيد الأخير مستدرك ، لان احتمال المخالفة تغني عنه لوجوب الماضي وخروجه عن حد الاحتمال.

والأصل في اليمين الكتاب والسنة والإجماع.

قال تعالى (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) (٢) فأخبر انه لا يؤاخذ بلغو اليمين ، وهو ان يسبق لسانه بغير عقيدة قلبه ، وأخبر أنه يؤاخذ بما عقده وحلف به معتقدا.

وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣).

وروى ابن عباس ان النبي صلّى الله عليه وآله قال : والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا (٤) وفي بعضها ثمَّ قال : ان شاء الله (٥).

وروي انه عليه السّلام كان كثيرا ما يحلف بهذا اليمين (ومقلب القلوب) (٦).

وروى أبو أمامة المازني ـ واسمه إياس بن ثعلبة ـ ان النبي صلّى الله عليه وآله قال : من اقتطع مال امرء مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قيل : وان كان شيئا يسيرا؟! قال : وان كان سواكا (٧).

__________________

(١) اللمعة الدمشقية : ج ٣ ص ٤٨ س ٧ قال : واليمين الحلف بالله الى قوله : أو باسمه.

(٢) سورة المائدة / ٨٩.

(٣) سورة آل عمران / ٧٧.

(٤) لاحظ عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٤٣ باب الأيمان الحديث ١ وما علق عليه ، ورواه في المبسوط : ج ٦ ص ١٩١ س ١٠.

(٥) لاحظ عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٤٣ باب الأيمان الحديث ١ وما علق عليه ، ورواه في المبسوط : ج ٦ ص ١٩١ س ١٠.

(٦) لاحظ عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٤٣ باب الأيمان الحديث ٢ وما علق عليه. والظاهر ان كلمة (والابصار) في عوالي اللئالي زائد من النساخ. ورواه في المبسوط : ج ٦ ص ١٩١ س ١٢.

(٧) لاحظ عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٤٣ باب الأيمان الحديث ٣ وما علق عليه من جامع الأصول. ورواه في المبسوط : ج ٦ ص ١٤.

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجمعت الأمة على انعقاد الأيمان بشروطها.

تذنيب

يكره اليمين بغير الله من المخلوقات : كالنبي صلّى الله عليه وآله والكعبة ، والأبوين.

روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم انه قال : من كان حالفا فليحلف بالله أو ليذر (١).

وروى محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام : ليس لخلقه ان يقسموا الا به (٢).

وقال صلّى الله عليه وآله : لا تحلفوا بآبائكم ولا بالأنداد ، ولا تحلفوا الا بالله ، ولا تحلفوا بالله الا وأنتم صادقون (٣).

وروى انه عليه السّلام سمع عمر بن الخطاب يحلف بأبيه ، فقال عليه السّلام : ان الله ينهاكم ان تحلفوا بآبائكم (٤).

وعنه عليه السّلام : من حلف بغير الله فقد أشرك ، وفي بعضها فقد كفر بالله (٥).

وقيل في تأويل الشرك وجهان :

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣ باب الأيمان ص ٤٤٤ الحديث ٤ ولاحظ ما علّق عليه.

(٢) الكافي : ج ٧ كتاب الأيمان والنذور والكفارات ، باب انه لا يجوز ان يحلف الإنسان إلا بالله عز وجل ص ٤٤٩ قطعة من حديث ١.

(٣) عوالي اللئالي : ج ٣ باب الأيمان ص ٤٤٤ الحديث ٦ و ٧ ولاحظ ما علق عليه. ورواهما في المبسوط : ج ٦ ص ١٩١ س ١٩ و ٢١.

(٤) عوالي اللئالي : ج ٣ باب الأيمان ص ٤٤٤ الحديث ٦ و ٧ ولاحظ ما علق عليه. ورواهما في المبسوط : ج ٦ ص ١٩١ س ١٩ و ٢١.

(٥) عوالي اللئالي : ج ٣ باب الأيمان ص ٤٤٤ الحديث ٨ و ٩ ولاحظ ما علق عليهما. ورواه في المبسوط : ج ٦ ص ١٩٢ س ٣.

١٢٣

وينعقد لو قال : حلفت برب المصحف. ولو قال : هو يهودي أو نصراني ، أو حلف بالبراءة من الله أو رسوله أو الأئمة لم يكن يمينا. والاستثناء بالمشيئة في اليمين يمنعها الانعقاد إذا اتصل بما جرت العادة ، ولو تراخى عن ذلك عن غير عذر لزمت اليمين.

______________________________________________________

أحدهما الشرك الحقيقي إذا اعتقد تعظيم ما يحلف به ويعتقد انها كاليمين بالله سبحانه ، ومن اعتقد هذا فقد كفر. والثاني معنى أشرك أي شارك في اليمين حيث حلف بغير الله كما يحلف بالله تعالى ، وهذا لا يقتضي تكفيره. وأما قوله : (كفر) فلا تأويل له ، ويحمل على المعنى الأول من التأويلين المذكورين ، ولا تجب الكفارة بالحنث فيها لكن يأثم (١). وقال أبو علي : لا بأس بالحلف بما عظّم الله قدره من الحقوق ، كقوله : وحق رسول الله صلّى الله عليه وآله وحق القران (٢) ويحرم بالبراءة من الله أو من رسوله ، أو أحد من الأئمة عليهم السّلام. وأوجب الشيخان الكفارة بالحنث (٣) (٤) والتقي بمجرد القول إذا لم يعلّقه على شرط (٥) ونفاه ابن إدريس مطلقا (٦).

__________________

(١) المبسوط : ج ٦ كتاب الأيمان ص ١٩٢ س ٥ ثمَّ قال : فمتى خالف وحلف حنث بها فلا كفارة عليه بلا خلاف.

(٢) المختلف : ج ٢ كتاب الأيمان وتوابعها ص ٧٩ س ٧ قال : وقال ابن الجنيد الى ان قال : ولا بأس ان يحلف الإنسان بما عظم الله إلخ.

(٣) المقنعة : باب الأيمان والاقسام ص ٨٦ س ٣٧ قال : ولا يجوز اليمين بالبراءة إلى قوله : ومن حلف بشي‌ء من ذلك ثمَّ حنث كان عليه كفارة ظهار.

(٤) النهاية : باب الكفارات ص ٥٧٠ س ١١ قال : ومن حلف بالبراءة من الله الى قوله : كان عليه كفارة ظهار إلخ.

(٥) الكافي : فصل في الأيمان ص ٢٢٩ س ١٢ قال : وقول القائل : هو برئ من الله الى قوله : مطلقا مختارا الى قوله : وكفارة ظهار.

(٦) السرائر : كتاب الأيمان والنذور والكفارات ص ٣٥٢ س ٢٣ قال : وتعليق الكفارة عليها يحتاج الى دليل إلخ.

١٢٤

وفيه رواية بجواز الاستثناء إلى أربعين وهي متروكة.

______________________________________________________

واختاره المصنف (١) والعلّامة (٢).

قال طاب ثراه : وفيه رواية بجواز الاستثناء إلى أربعين يوما ، وهي متروكة.

أقول : هنا بحثان.

(الأول) جواز الاستثناء في اليمين بمشية الله تعالى ، وهو إجماع ، وقد استثنى رسول الله صلّى الله عليه وآله في يمينه (والله لأغزون قريشا) (٣) وكذلك علي عليه السّلام في صفين (والله لنقتلنهم غدا ان شاء الله) (٤) لكن بشرط الاتصال العادي ، فلو فصل بالتنفس والسعال وابتلاع اللقمة وقذف النخامة بحيث لا يخرج عن الاتصال ، لم تضر ، ولو تراخى لا كذلك حكم باليمين.

وأما الاستثناء عملا بعادة اللغة وأهل اللسان ، فإنهم لا يلحقون الاستثناء المنفصل بالأوّل ، بل يلغونه.

ولقوله عليه السّلام : من حلف على شي‌ء ورأى خيرا ، فليكفّر وليأت الذي هو خير (٥) رواه الجمهور وفيه بحث. ولو جاز الاستثناء المنفصل لأرشد اليه ، وهو المشهور ، قاله الشيخ وجماعة من الأصحاب (٦) واختاره المصنف (٧) والعلّامة (٨).

__________________

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) القواعد : ج ٢ كتاب الأيمان ص ١٣٠ س ٤ قال : أو بالبراءة من الله تعالى الى قوله : لم تنعقد.

(٣) سنن أبي داود : ج ٣ ، كتاب الأيمان والنذور ، باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت ص ٢٣١ الحديث ٣٢٨٥ و ٣٢٨٦ ولاحظ عوالي اللئالي : ج ٣ باب الأيمان ص ٤٤٢ الحديث ١ وما علّق عليه. ورواه في المبسوط : ج ٦ كتاب الأيمان ص ١٩١ س ٩.

(٤) الكافي : ج ٧ باب النوادر ص ٤٦٠ قطعة من حديث ١ وفيه (والله لأقتلن معاوية).

(٥) لاحظ عوالي اللئالي : ج ٣ باب الأيمان ص ٤٤٥ الحديث ١٠ وما علّق عليه.

(٦) كتاب الخلاف : كتاب الأيمان ، مسألة ٢٨ قال : لا حكم للاستثناء إلا إذا كان متصلا بالكلام الى قوله : وبه قال جميع الفقهاء.

(٧) لاحظ عبارة النافع.

(٨) المختلف : ج ٢ كتاب الأيمان ص ١٠٣ س ٢٢ قال : (مسألة) شرط الاستثناء الاتصال الى قوله :

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وروى الصدوق (في الصحيح) عن عبد الله بن ميمون عن الصادق عليه السّلام قال : للعبد ان يستثني ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي : إن رسول الله صلّى الله عليه وآله أتاه ناس من اليهود فسألوه عن أشياء فقال : تعالوا غدا أحدّثكم ولم يستثن فاحتبس جبرئيل عليه السّلام عنه أربعين يوما ، ثمَّ أتاه فقال (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْ‌ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) (١) (٢).

وأجاب العلّامة : بحملها على ما إذا حلف وفي ضميره الاستثناء ونسيه لفظا ، فجاز له استدراكه ، ولا حدّ له حينئذ ، والتقييد في الحديث بالأربعين للمبالغة (٣).

(الثاني) هل يشترط التلفظ بالاستثناء ، أو يكفي الاعتقاد والنية؟ قيل فيه : ثلاثة أقوال.

(أ) عدم الاكتفاء بالنية وان اقترنت باليمين ، بل لا بد من التلفظ قاله الشيخ في المبسوط (٤) واختاره ابن إدريس (٥) وهو اختيار العلّامة في القواعد (٦) والإرشاد (٧).

__________________

ولو مكث ساعة ثمَّ استثنى لم يقبل.

(١) سورة الكهف / ٢٣.

(٢) الفقيه : ج ٣ (٩٨) باب الأيمان والنذور والكفارات ص ٢٢٩ الحديث ١٢.

(٣) المختلف : ج ٢ في أحكام اليمين ص ١٠٣ س ٢٨ قال : والجواب الى قوله : فالحالف إذا حلف على شي‌ء وفي ضميره الاستثناء لم يقصد العموم في يمينه إلخ.

(٤) المبسوط : ج ٦ ، كتاب الأيمان ص ٢٠٠ س ١٤ قال : فإنما يصح قولا ونطقا ، ولا تصح اعتقاد أو نية.

(٥) السرائر : كتاب الأيمان ص ٣٥٢ س ٣٧ قال : فإذا اثبت انه لا يصح الا موصولا ، فإنما يصح قولا ونطقا ولا يصح اعتقادا ونية.

(٦) القواعد : ج ٢ كتاب الأيمان ص ١٣٠ س ٨ قال : والاستثناء بمشية الله الى قوله : وكذا يقع لاغيا لو نواه من غير نطق به.

(٧) الإرشاد : ج ٢ (الأول في نفس اليمين) ص ٨٤ س ١٤ قال : وكذا (أي لم ينعقد) لو استثنى بالنية دون اللفظ.

١٢٦

(الثاني) الحالف : ويعتبر فيه البلوغ ، والتكليف ، والاختيار ، والقصد. فلو حلف من غير نية كانت لغوا ، ولو كان اللفظ صريحا. ولا يمين للسكران ، ولا المكره ، ولا الغضبان الّا ان يكون لأحدهم قصد إلى اليمين. وتصح اليمين من الكافر ، وفي الخلاف لا يصح. (١) ولا ينعقد يمين

______________________________________________________

(ب) الاكتفاء بالضمير والاعتقاد قاله العلّامة (١) لأن المعتبر في الأيمان انما هو بالنسبة إلى النية والضمير وإذا استثنى سرّا لم ينو؟؟؟ شمول النية لما استثناه ، فلا يندرج في الحلف.

(ج) من حلف علانية فليستثن علانية ، ومن حلف سرا فليستثن مثل ذلك قاله الشيخ في النهاية (٢).

ورواه الصدوق قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من حلف سرا فليستثن سرا ، ومن حلف علانية فليستثن علانية (٣).

وأجاب العلّامة بان الأمر هنا للإرشاد ، لئلا تتهم بمخالفة اليمين ويحكم عليه بارتكاب المحارم (٤).

وهو حسن.

قال طاب ثراه : وتصح اليمين من الكافر ، وفي الخلاف لا يصح.

أقول : منع الشيخ في الخلاف من يمين الكافر ، لكونه غير عارف بالله ، ولتعذر

__________________

(١) المختلف : ج ٢ كتاب الأيمان ص ١٠٣ س ٣٣ قال : والوجه صحة الاستثناء سرا وضميرا وان حلف علانية.

(٢) النهاية : باب ماهية الأيمان والاقسام ص ٥٥٦ س ١٥ قال : وإذا حلف علانية فليستثن علانية ، وإذا حلف سرا فليستثن مثل ذلك.

(٣) الفقيه : ج ٣ (٩٨) باب الأيمان والنذر والكفارات ص ٢٣٣ الحديث ٢٩.

(٤) المختلف : ج ٢ كتاب الأيمان ص ١٠٣ س ٣٥ قال : وانما أمر عليه السّلام بالاستثناء علانية مع الحلف بذلك على سبيل الإرشاد.

١٢٧

الولد مع الوالد إلا بإذنه ، ولو بادر كان للوالد حلّها ان لم تكن في واجب أو ترك محرم ، وكذا الزوجة مع زوجها ، والمملوك مع مولاه.

(الثالث) في متعلق اليمين. ولا يمين الا مع العلم ، ولا يجب بالغموس كفارة ، وتنعقد لو حلف على فعل واجب أو مندوب ، أو على ترك محرم أو مكروه. ولا ينعقد لو حلف على ترك فعل واجب أو مندوب أو فعل محرم أو مكروه. ولو حلف على مباح وكان الأولى مخالفته في دينه أو دنياه فليأت لما هو خير له ، ولا اثم ولا كفارة. وإذا تساوى فعل ما تعلقت به اليمين وتركه وجب العمل بمقتضى اليمين. ولو حلف لزوجته الا يتزوج أو يتسرى لم تنعقد يمينه. وكذا لو حلفت هي ان لا تتزوج بعده. وكذا لو حلفت ان لا تخرج معه. ولا تنعقد لو قال لغيره : والله لتفعلنّ ، ولا يلزم أحدهما. وكذا لو حلف لغريمه على الإقامة بالبلد وخشي مع الإقامة الضرر. وكذا لو حلف ليضربنّ عبده ، فالعفو أفضل ولا إثم ولا كفارة. ولو حلف على ممكن فتجدد العجز انحلت اليمين. ولو حلف على تخليص مؤمن أو دفع أذية لم يأثم ولو كان كاذبا ، وان أحسن التورية ورّى ، ومن هذا لو وهب له مالا وكتب له ابتياع وقبض ثمن فينازعه الوارث على تسليم الثمن حلف ولا اثم ، ويورّي بما يخرجه عن الكذب. وكذا لو حلف أنّ مماليكه أحرار وقصد التخلص من ظالم ، لم يأثم ولم يتحرّروا. ويكره الحلف على القليل وان كان صادقا.

______________________________________________________

اللازم الذي هو الغاية من انعقادها ، وهو التكفير (١) ثمَّ تردد وجزم في المبسوط

__________________

(١) كتاب الخلاف : كتاب الأيمان ، مسألة ٩ قال : لا تنعقد يمين الكافر بالله ثمَّ قال : وقال الشافعي تنعقد ، واستدل بالظواهر وحملها على عمومها ، ثمَّ قال : وهو قوى.

١٢٨

(مسألتان)

(الأولى) روى ابن عطية (١) فيمن حلف ان لا يشرب من لبن عنزة له ، ولا يأكل من لحمها : انه يحرم عليه لبن أولادها ولحومهم ، لأنهم منها وفي الرواية ضعف ، وقال في النهاية : ان شرب لحاجة لم يكن عليه شي‌ء ، والتقييد حسن.

______________________________________________________

بالجواز (١) واختاره المصنف (٢) وجزم ابن إدريس بالمنع (٣) وفصّل العلامة فأجازها ممن لم يجحد الرب ومنعها منه (٤) ، وتظهر الفائدة في إسلامه قبل الحنث ، فان قلنا بانعقادها كفّر لو خالف ، وان قلنا بعدمه فلا كفارة. وفي العقاب في الآخرة لو مات على كفره ، اما لو أسلم بعد الحنث فلا كفارة عليه إجماعا ، لعموم : الإسلام يجب ما قبله (٥).

قال طاب ثراه : وروى ابن عطية إلى أخره.

أقول : هذه رواها الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد ، عن سهل بن الحسن مرفوعا الى عيسى بن عطية عن أبي جعفر عليه السّلام الحديث (٦) وسهل بن الحسن وابن عطية مجهولان ، وافتى بها الشيخ في النهاية وقيّدها بعدم الحاجة (٧).

__________________

(١) المبسوط : ج ٦ كتاب الأيمان ص ١٩٤ س ٢٢ قال : الكافر يصح يمينه بالله في حال كفره إلخ.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) السرائر : كتاب الأيمان والنذور والكفارات ص ٣٥٤ س ٢٣ قال : لا ينعقد يمين الكافر بالله إلخ.

(٤) المختلف : ج ٢ ص ٩٨ س ٣٩ قال : والمعتمد ان نقول : إن كان الكفر باعتبار جهله بالله تعالى الى قوله : فهذا لا ينعقد يمينه إلخ.

(٥) سند احمد بن حنبل : ج ٤ ص ١٩٩ وص ٢٠٤ وص ٢٠٥ والجامع الصغير للسيوطي ج ١ ص ١٢٣ حرف الهمزة المحلّى بال ، وكنوز الحقائق للمناوي في هامش الجامع الصغير ج ١ ص ٩٥ نقلا عن الطبراني.

(٦) التهذيب : ج ٨ (١) باب الأيمان واقسامه ص ٢٩٧ الحديث ٧٤.

(٧) النهاية : باب أقسام الأيمان ص ٥٦٠ س ١٩ قال : ومن حلف ان لا يشرب من لبن عنز له الى قوله : ومن شرب لحاجة به لم يكن عليه شي‌ء.

١٢٩

(الثانية) روى أبو بصير (١) عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل أعجبته جارية عمته فخاف الإثم فحلف بالأيمان ألّا يمسها ابدا ، فورث الجارية ، أعليه جناح ان يطأها؟ فقال : انما حلف على الحرام ، ولعل الله رحمه فورثه إياها لما علم من عفته.

______________________________________________________

وفي سريان التحريم الى لحوم أولادها وألبانها ، اشكال ، أظهره العدم لأصالة الحل ، خلافا لأبي علي حيث حرّم الجميع (١).

قال طاب ثراه : وروى أبو بصير إلى أخره.

أقول : أورد المصنف هذه الرواية (٢) بيانا لسند الحكم لا لتردده فيها.

وفيها إيماء الى أنّ اباحة وطئها بعد ذلك ، وحل اليمين المتعلقة بتحريمها ، انما كان لأنه قصد الحرام ، أي قصد في ظنّه لا يمسّها حراما ، فلو حلف لا يطأها مطلقا ، ولم يخطر بباله قصد الزجر عن الحرام تعلق التحريم بها ، ولزمت اليمين ، ويلزمها التكفير بوطئها ، الا ان يعرض لليمين ما يوجب حلها ، كأن يكون الوطي أصلح.

__________________

(١) المختلف : ج ٢ في أحكام اليمين ص ٩٨ س ٢٠ قال : وقال ابن الجنيد ان لا يأكل لحم عنز الى قوله : لم يأكل منهم ما أنتجت ولا يشرب من لبنه.

(٢) التهذيب : ج ٨ (٤) باب الأيمان والاقسام ص ٣٠١ الحديث ١١٠.

١٣٠

كتاب النذور والعهود

١٣١
١٣٢

كتاب النذور والعهود (١)

(والنظر في أمور أربعة)

(الأول) الناذر ، ويعتبر فيه التكليف والإسلام والقصد.

ويشترط في نذر المرأة اذن الزوج ، وكذا نذر المملوك ، فلو بادر أحدهما كان للزوج والمالك فسخه ما لم يكن فعل واجب أو ترك محرم. ولا ينعقد في سكر يرفع القصد ، ولا غضب كذلك.

______________________________________________________

كتاب النذور والعهود

مقدمة

النذر التزام الكامل المسلم المختار القاصد ، غير المحجور عليه ، بفعل أو ترك ، بقوله ، ناويا بالقربة. واحترزنا بالمحجور عليه عن المبذّر ، فلا ينعقد نذره للمال.

والأصل فيه : الكتاب والسنة والإجماع.

اما الكتاب : فقوله تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ) (١) (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) (٢)

__________________

(١) سورة الدهر / ٧.

(٢) سورة الحج / ٢٩.

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) (١) (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) (٢).

واما السنة : فما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله : من نذر ان يطيع الله فليطعه ، ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصيه (٣).

وأمّا الإجماع : فمن سائر الأمة لا يختلفون في صحة النذر ووجوب الوفاء به في الجملة.

تذنيب

النذر قسمان : نذر مجازات ، ونذر برّ.

فالأول : ما الزم الناذر به نفسه من طاعة يفعلها جزاء لشرط يتوقع حصوله ، من جلب نفع ، أو دفع مكروه ، فصار هنا شرط وجزاء ، فالشرط ما طلب الناذر ، والجزاء ما بذله والتزم به ، فالشرط يعتبر فيه ان لا يكون معصية لقوله عليه السّلام : لا نذر في معصية لله تعالى الحديث (٤) واتفق الكل على دلالة المفهوم هنا وثبوت النذر مع عدم المعصية ، وان منع بعضهم منها ، لكن لا هنا ولا فعل مكروه إجماعا.

والجزاء يشترط فيه ان يكون طاعة مقدورا لقوله عليه السّلام : لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن أدم (٥) وأسقط عن أبي إسرائيل حيث نذر ان يصوم ، ولا يقعد ، ولا يستقل ،

__________________

(١) سورة النحل / ٩١.

(٢) سورة الأحزاب / ١٥.

(٣) سنن ابن ماجه : ج ١ (١١) كتاب الكفارات (١٦) باب النذر في المعصية ص ٦٨٧ الحديث ٢١٢٦ وفي عوالي اللئالي ج ٢ ص ١٢٣ الحديث ٣٣٨ وج ٣ باب النذر ص ٤٤٨ الحديث ١.

(٤) سنن ابن ماجه ج ١ (١١) كتاب الكفارات (١٦) باب النذر في المعصية ص ٦٨٦ الحديث ٢١٢٦ وليس فيه جملة (لله تعالى) وتمام الحديث (ولا فيما لا يملك ابن أدم).

(٥) تقدم آنفا.

١٣٤

(الثاني) الصيغة : وهي ان تكون شكرا ، كقوله : ان رزقت ولدا فلله عليّ كذا ، أو استدفاعا ، كقوله : إن برئ المريض فلله عليّ كذا ، أو زجرا ، كقوله : ان فعلت كذا من المحرمات ، أو ان لم افعل كذا من الطاعات فلله على كذا ، أو تبرعا ، كقوله : لله عليّ كذا.

ولا ريب في انعقاده مع الشرط ، وفي انعقاد التبرع قولان : أشبههما : الانعقاد.

______________________________________________________

ولا يتكلم ما لا طاعة فيه ، وامره بالتزام ما فيه طاعة فقال عليه السّلام : مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه (١).

(الثاني) ان يبتدئ بالنذر تبرعا من غير شرط وجزاء كقوله : لله علىّ ان أصوم ، أو أصلي ، وفي صحته قولان.

قال طاب ثراه : وفي انعقاد التبرع قولان : أشبههما الانعقاد.

أقول : مختار المصنف هو المشهور بين الأصحاب. وهو اختيار الشيخ (٢) وابن إدريس (٣) واختاره المصنف (٤) والعلّامة (٥) وقال المرتضى : لا ينعقد الا ما تعلق

__________________

(١) سنن ابن ماجه : ج ١ كتاب الكفارات (٢١) باب من خلط في نذره طاعة بمعصية ص ٦٩٠ الحديث ٢١٣٦ وفيه ان رسول الله صلّى الله عليه مر برجل بمكة وهو قائم في الشمس فقال : ما هذا؟ قالوا نذر إلخ ورواه في عوالي اللئالي : ج ٣ (٤٤٨) الحديث ٣ وفيه (اسمه أبو إسرائيل).

(٢) كتاب الخلاف : كتاب النذور ، مسألة ١ قال : إذا قال ابتداء لله على الى قوله : ولم يجعله جزاء على غيره لزمه الوفاء به.

(٣) السرائر : باب النذور والعهود ص ٣٥٧ س ٦ قال : واما المطلق بان يقول : لله عليّ الى قوله : فنحو هذا نذر طاعة ابتداء بغير جزاء فعندنا انه يلزمه.

(٤) لاحظ عبارة النافع. وفي الشرائع : كتاب النذر ، في الصيغة قال : والتبرع ان يقول : الى قوله : والانعقاد أصح.

(٥) الانتصار : مسائل النذر ص ١٦٤ س ١ قال : ولو قال : لله علي الى قوله من غير شرط يتعلق به لم ينعقد نذره

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بشرط (١).

احتج الأولون بوجوه.

(الأول) صدق اسم النذر ، لصحة تقسيم النذر الى المطلق والمقيد ، ومورد التقسيم مشترك بين الاقسام فيجب الوفاء به عملا بعموم (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) (٢) (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) (٣) (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي) (٤). ولم يذكر الشرط في هذه الايات مع تسميته نذرا.

(الثاني) عموم قوله عليه السّلام : من نذر ان يطيع الله فليطعه (٥) وصحيحة أبي الصباح عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن رجل قال : عليّ نذر انه قال : ليس النذر بشي‌ء حتى يسمي شيئا لله صياما ، أو صدقة ، أو هديا ، أو حجا (٦) ولم يذكر التعليق ولو كان شرطا لزم تأخير البيان عن وقت السؤال ، وهو محال لما تقرر في موضعه.

(الثالث) الاحتياط.

احتج السيد بان معنى النذر ما كان معلقا على شرط ، وما لا يتعلق على شرط لا يستحق اسم النذر (٧) وبالإجماع. والثاني ممنوع ، والأول عين النزاع فلا يصلح دليلا.

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) تقدما.

(٣) تقدما.

(٤) سورة آل عمران / ٣٥.

(٥) سنن ابن ماجه : ج ١ كتاب الكفارات (١٦) باب النذر في المعصية ص ٦٨٧ الحديث ٢١٢٦ وتمام الحديث (ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه).

(٦) التهذيب : ج ٨ (٥) باب النذور ص ٣٠٣ الحديث ٢.

(٧) الانتصار : في مسائل النذر ص ١٦٤ س ٤ قال : دليلنا على صحة ذلك الإجماع ، وأيضا فإن معنى النذر في اللغة ان يكون متعلقا بشرط إلخ.

١٣٦

ويشترط النطق بلفظ الجلالة ، فلو قال : عليّ كذا لم يلزم ، ولو اعتقد انه ان كان كذا فلله عليه كذا ، ولم يتلفظ بالجلالة ، فقولان : أشبههما انه لا ينعقد ، وان كان الإتيان به أفضل.

١ ـ وصيغة العهد ان يقول : عاهدت الله متى كان كذا فعليّ كذا ، وينعقد نطقا.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو اعتقد انه (متى ـ خ) ان كان كذا فلله عليه كذا ، ولم يلفظ بالجلالة فقولان : أشبههما انه لا ينعقد.

أقول : مذهب الشيخ في النهاية انعقاده بالضمير والاعتقاد (١) وتبعه القاضي (٢) وابن حمزة (٣) وهو ظاهر المفيد (٤) وقال أبو علي : لا ينعقد الا بالتلفظ مع النية (٥) وبه قال ابن إدريس (٦) واختاره المصنف (٧) والعلّامة في أكثر كتبه (٨) وتوقف في

__________________

(١) النهاية : باب ماهية النذور والعهود ص ٥٦٢ س ١٤ قال : ومتى اعتقد انه متى كان شي‌ء إلى قوله : وجب عليه الوفاء به.

(٢) المهذب : ج ٢ باب النذور والعهود ص ٤٠٩ س ٢ قال : وإذا لم يتلفظ بالنذر واعتقد انه ان كان كذا الى قوله في الهامش : كان الوفاء بذلك واجبا عليه.

(٣) الوسيلة : فصل في بيان النذر ص ٣٥٠ س ٤ قال : وان نذر بالنية وحدها دون القول كان حكمه حكم من قال بلسانه.

(٤) المقنعة : باب النذور والعهود ص ٨٧ س ٥ قال : فاما نذر الطاعة فهو ان يعتقد الإنسان انه ان عوفي في مرضه إلخ.

(٥) المختلف : في النذر واحكامه ص ١٠٨ س ٢٣ فإنه بعد نقل قول ابن إدريس بعدم الانعقاد الا باللفظ قال : وهو اختيار ابن الجنيد الى ان قال : ونحن في هذه المسألة من المتوقفين.

(٦) السرائر : باب النذور والعهود ص ٣٥٨ س ٣٥ قال : وقد قلنا ما عندنا في ذلك : من انه لا ينعقد الا ان يتلفظ به.

(٧) لاحظ عبارة النافع.

(٨) القواعد : ج ٢ في النذر ص ١٣٩ س ١٣ قال : ولو اعتقد النذر بالضمير لم ينعقد. وفي التحرير

١٣٧

وفي انعقاده اعتقادا قولان : أشبههما انه لا ينعقد (١) ويشترط فيه القصد كالنذر.

(الثالث) في متعلق النذر. وضابطه ما كان طاعة لله مقدورا للناذر ، ولا ينعقد مع العجز. ويسقط لو تجدد العجز. والسبب إذا كان طاعة لله وكان النذر شكرا لزم. ولو كان زجرا لم يلزم. وبالعكس لو كان السبب

______________________________________________________

المختلف (١).

احتج الشيخ بعموم قوله عليه السّلام : إنما الأعمال بالنيات ، انما لكل امرئ ما نوى (٢) وإذا انتفى العمل عند انتفاء النية ، وجب ان يتحقق عند تحققها. ولان المناط في العبادات اللفظية الاعتقاد وهو هنا حاصل ، واللفظي انما هو لإعلام الغير ما في الضمير والله تعالى عالم بسرائر القلوب ، فيتحقق عقد النذر بعقد الضمير عليه وان لم يوجد لفظ ، ولقوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (٣).

احتج الباقون : بانّ الانعقاد حكم شرعي ، فيقف على الشرع ، وليس ، والأصل براءة الذمة. ولأن النذر إيقاع فلا يكفي فيه مجرد النية كاليمين والعتق. ولأنه من الأسباب ولا يجزي على ما في القلوب ، بل لا بد من ظهورها.

قال طاب ثراه : وفي انعقاده (أي العهد) اعتقادا قولان : أشبههما انه لا ينعقد.

أقول : الخلاف في العهد كالنذر ، والمخالف فيه ثمة مخالف هنا.

قال طاب ثراه : والسبب إذا كان طاعة والنذر شكرا لزم ، ولو كان زجرا لم

__________________

ج ٢ في النذر ص ١٠٥ س ٢٠ قال بعد نقل قول الشيخ : وليس بجيد.

(١) تقدم آنفا.

(٢) التهذيب : ج ٤ (٤٤) باب نية الصيام ص ١٨٦ الحديث ١ و ٢ وفي الأمالي للطوسي ج ٢ (مجلس يوم الجمعة ٢١ ع ٢ عام ٤٥٧) ص ٢٣١ س ٩ وفي صحيح البخاري ، ج ١ باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، الحديث ١.

(٣) سورة البقرة / ٢٨٤.

١٣٨

معصية (١) ، ولا ينعقد لو قال : لله عليّ نذر واقتصر به. وينعقد لو قال : لله عليّ قربة ، ويبر بفعل قربة ، ولو صوم يوم ، أو صلاة ركعتين. ولو نذر صوم ، صام ستة أشهر. ولو قال : زمانا ، صام خمسة أشهر. ولو نذر الصدقة بمال كثير ، كان ثمانين درهما. ولو نذر عتق كل عبد قديم ، أعتق من كان له في ملكه ستة أشهر فصاعدا ، هذا إذا لم ينو غيره. ومن نذر في سبيل الله ، صرفه في البر. ولو نذر الصدقة بما يملك ، لزم ، فان شق قوّمه واخرج شيئا فشيئا حتى يوفي.

______________________________________________________

يلزم ، وبالعكس لو كان السبب معصية.

أقول : أشار المصنف هنا إلى أقسام النذر المشروط ، وينقسم إلى أربعة أقسام ، لأن السبب انما يكون طاعة أو معصية وعلى التقديرين النذر ، أي الجزاء ، اما ان يكون شكرا أو زجرا ، فالأقسام أربعة :

(أ) أن يكون السبب طاعة والنذر شكرا ، كقوله : ان صليت الليلة ، أو ان صمت غدا ، فلله عليّ صدقة فيقصد بالتزام الصدقة ، الشكر لله على التوفيق للقيام والصيام ، فينعقد قطعا.

(ب) ان يكون السبب طاعة والنذر زجرا ، كقوله : ان صمت غدا فلله عليّ صدقة ، فيقصد الزجر بالتزام الصدقة ، أي منع النفس وزجرها عن الصيام كيلا يلزمه الصدقة ، وهذا لا ينعقد ، لأنه معصية.

(ج) ان يكون السبب معصية والنذر طاعة ، كقوله : ان فعلت كذا من المحرّمات فعليّ صدقة ، ويقصد الشكر ، أي يقصد بالتزام الصدقة الشكر على التوفيق والظفر بالمعصية ، وهذا لا ينعقد لعدم التقرب به.

(د) ان يكون السبب معصية والنذر طاعة ، ويقصد الزجر كقوله : ان فعلت كذا من المحرّمات فلله عليّ صدقة ، ويقصد منع نفسه وزجرها عن فعل المحرّم بمحذور

١٣٩

(الرابع) اللواحق ، وهي مسائل.

(الاولى) لو نذر يوما معينا ، فاتفق له السفر أفطر وقضاه ، وكذا لو مرض ، أو حاضت المرأة ، أو نفست. ولو شرط صومه حضرا وسفرا ، صام ، وان اتفق في السفر ، ولو اتفق يوم عيد أفطره ، وفي القضاء تردد.

______________________________________________________

لزوم الصدقة ، وهذا ينعقد قطعا.

فقد ظهر من هذا. كون السبب إذا كان طاعة وجب كون النذر شكرا. ولو كان معصية وجب كونه زجرا ، ولا يصح العكس في القسمين.

قال طاب ثراه : ولو اتفق يوم عيد أفطره ، وفي القضاء تردد.

أقول : بالقضاء قال الشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) وبه قال الصدوق (٣) وابن حمزة (٤).

وبعدمه قال القاضي (٥) وابن إدريس (٦) والعلّامة في القواعد (٧) واختاره فخر

__________________

(١) النهاية : باب أقسام النذور والعهود ص ٥٦٥ س ٣ قال : ومتى وجب عليه صيام نذر الى قوله : أو اتفق ان يكون يوم العيدين وجب عليه ان يفطر ذلك اليوم ويقضيه إلخ.

(٢) المبسوط : ج ١ فصل في ذكر أقسام الصوم ص ٢٨١ س ٤ قال : فان وافق الصوم احد هذه الأوقات أفطر وقضى يوما مكانه.

(٣) المقنع : باب النذور والأيمان والكفارات ص ١٣٧ س ١٥ قال : فان نذر ان يصوم يوما بعينه فوافق يوم عيد فطر أو أضحى إلى قوله : ويصوم يوما بدل يوم.

(٤) الوسيلة : فصل في بيان النذر ص ٣٥٠ س ١١ قال : وان نذر يوما بعينه ، واتفق ان يكون يوم عيد الى قوله : أفطر وقضى.

(٥) المهذب : ج ٢ باب النذور والعهود ص ٤١١ س ٢ قال : فوافق ان يكون ذلك يوم العيدين وجب عليه إفطاره وليس عليه قضاءه.

(٦) السرائر : باب النذور والعهود ص ٣٥٧ س ١٩ قال : والصحيح من المذهب الى قوله : لا يجب عليه القضاء.

(٧) القواعد : ج ٢ ، في النذر ص ١٤٠ س ١٨ قال : ولو نذر صوم هذه السنة لم يجب قضاء العيدين.

١٤٠