المهذّب البارع - ج ٤

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

واما الاستيلاد : فهو يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه وهي مملوكة ، لكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّا إلّا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها ولا جهة لقضائها غيرها. ولو مات ولدها جاز بيعها ، وتتحرر بموت المولى من نصيب ولدها. ولو لم يخلف الميت سواها عتق منها نصيب ولدها وسعت فيما بقي. وفي رواية تقوم على ولدها ان كان موسرا.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو لم يخلّف الميت سواها عتق منها نصيب ولدها ، وسعت فيما بقي ، وفي رواية تقوّم على ولدها ان كان موسرا.

أقول : الخلاف هنا مبنى على ان من ملك بعض قريبه قهرا ، هل يعتق عليه أم لا ، والأقوى عدم التقويم ، فلا يقوّم هنا على ولدها لان تملّكه لها بغير اختياره ، فيسعى للورثة في باقي قيمتها ، ولا يقوّم عليه وان كان موسرا ، وهو اختيار الشيخين (١) (٢) وابن إدريس (٣) والمصنف (٤) والعلّامة (٥) وقال الشيخ في المبسوط : يلزم ولدها ان يؤدي بقية ثمنها (٦) وهو قول أبي علي (٧) لقول النبي صلّى

__________________

(١) النهاية : باب أمهات الأولاد ص ٥٤٧ س ٢ قال : وإذا مات مولاها الى قوله : كان نصيب ولدها منها حرا واستسعيت في الباقي إلخ.

(٢) المقنعة : باب ابتياع الحيوان واحكامه ص ٩٣ س ١٤ قال : وإذا مات السيد وخلّف أم ولد وولدها الى قوله : كان نصيب ولدها منها حرا واستسعت في باقي حقوق الورثة.

(٣) السرائر : باب أمهات الأولاد ص ٣٤٨ س ١٩ قال : فان لم يكن هناك غيرها انعتقت من نصيب ولدها واستسعت في الباقي.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) القواعد : ج ٢ في الاستيلاد ، المطلب الثاني في الأحكام ص ١٢٨ س ١٣ قال : ولو لم يكن سواها عتقت من نصيب ولدها وسعت في الباقي.

(٦) المبسوط : ج ٦ كتاب أمهات الأولاد ص ١٨٥ س ١١ قال : وان كان لولدها مال أدّى بقية ثمنها منه.

(٧) المختلف : في الاستيلاد ص ٩٥ س ٣٨ قال : وقال ابن الجنيد : وانما تعتق عندنا الى قوله : وقد خلّف ما يستحقه ولدها بنصيبه من ميراث والده.

١٠١

وفي رواية محمّد بن قيس (١) عن أبي جعفر عليه السّلام في وليدة نصرانية أسلمت وولدت من مولاها غلاما ومات فأعتقت وتزوجت نصرانيا وتنصّرت ، فقال : ولدها لابنها من سيدها ، وتحبس حتى تضع وتقتل ، وفي (النهاية) يفعل بها ما يفعل بالمرتدة. والرواية شاذة.

______________________________________________________

الله عليه وآله : من ملك ذا رحم فهو حرّ (١).

قال طاب ثراه : وروى محمّد بن قيس إلخ.

أقول : هذه الرواية مخالفة للأصول في شيئين.

(الأول) اشتمالها على استرقاق الحر ، لان ولدها حرّ ، لتولده عن نصراني محترم لا يجوز استرقاقه ، إذا التقدير ذلك.

(الثاني) تحتّم القتل على المرأة ، وهي لا تقتل بالارتداد ، وان كانت عن فطرة ، فكيف هذه وهي عن ملة ، بل تحبس دائما وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب.

ومحمّد بن قيس مجهول العين لأنه مشترك بين جماعة منهم أبو أحمد وهو ضعيف روى عن أبي جعفر عليه السّلام.

خاتمة

أجمعت الأمة على تحريم بيع أم الولد في غير ثمنها مع حياة ولدها ، ويجوز التصرف فيها بغير البيع من الوطي ، والاستخدام ، والإجارة ، والتزويج ، ويصح تدبيرها ، وفي كتابتها قولان : أقواهما المنع.

وعلى القول بالصحة : لو مات السيد قبل الأداء تعجّل عتقها من نصيب ولدها.

__________________

(١) سنن ابن ماجه : ج ٢ كتاب العتق (٥) باب من ملك ذا رحم محرم فهو حر الحديث ٢٥٢٤.

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويجوز بيعها عندنا في مواضع.

(الأول) إذا مات ولدها عادت الى محض الرق عندنا ، وعند المخالف حكم الاستيلاد باق وتنعتق بموت سيدها ، ويجوز التصرف فيها عندهم بغير البيع كالاستخدام والتزويج.

(الثاني) إذا أفلس بثمنها وليس له وفاء الّا منها بيعت في الدين ، وهو المشهور عند علمائنا صرح به القاضي (١) وابن حمزة (٢) وأبو علي (٣) واختاره المصنف (٤) والعلّامة (٥) ونقل ابن إدريس عن السيد : انه لا يجوز بيعها ما دام الولد حيا (٦) والروايات بالأول (٧) ولا فرق بين حياة السيد وموته ، وفي النهاية : إذا لم يخلف غيرها وكان ثمنها دينا على مولاها قوّمت على ولدها ويترك الى ان يبلغ ، فاذا بلغ اجبر على ثمنها ، فان مات قبل البلوغ بيعت في ثمنها وقضي منه الدين (٨) وبالغ ابن

__________________

(١) لم أظفر به في كتاب المهذب الذي بأيدينا ولعله أورده في كتاب الدين ، وليس هو في المطبوع ، ولكن قال في الإيضاح : ج ٣ ص ٦٣٦ س ١٢ والشيخان وابن البراج أطلقوا القول بجواز بيعها في ثمن رقبتها مع إعسار المولى إلخ.

(٢) الوسيلة : في بيان بيع الحيوان ص ٢٤٨ س ١ قال : وأم الولد (أي يجوز بيعها) إذا مات ولدها ، أو في ثمن رقبتها مع بقاء الولد.

(٣) الإيضاح : ج ٣ ص ٦٣٦ س ١١ قال : نص ابن الجنيد وابن إدريس على عدم اشتراط موت المولى في جواز بيعها في ثمن رقبتها إذا لم يكن لمولاها سواها.

(٤) لاحظ عبارة النافع.

(٥) المختلف : في الاستيلاد ص ٩٦ س ١٦ قال : مسألة المشهور انه لا يجوز بيع أم الولد الى قوله : ونحن في هذه المسألة من المتوقفين ، ولكن في الإيضاح : نقلا عن القواعد ص ٦٣٦ س ٣ ما لفظه : وكذا يجوز بيعها مع وجود ولدها إلخ ولا يخفى ان هذه الجملة في القواعد المطبوعة مسطور عليها.

(٦) السرائر : باب أمهات الأولاد ص ٣٤٨ س ١٧ قال : وقال السيد المرتضى : لا يجوز بيعها ما دام الولد باقيا إلخ.

(٧) الوسائل : الباب ٢ من أبواب الاستيلاد الحديث ١.

(٨) النهاية : باب أمهات الأولاد ص ٥٦٧ س ٤ قال : فان لم يخلّف غيرها وكان ثمنها دينا على مولاها قومت على ولدها إلخ.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إدريس في منع هذا الحكم بمخالفته الأصل من وجهين (أ) : إجبار الولد ولا وجه له ، والأصل عدمه.

(ب) تأخير الدين وفيه إضرار بصاحبه ، وهو منفي لقوله عليه السّلام : لا ضرر ولا ضرار (١). وصوّبه العلّامة (٢) لكن الشيخ رحمه الله عوّل في ذلك على موثقة وهب بن حفص عن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام (٣).

(الثالث) إذا أسلمت تحت الذمي بيعت عليه عملا بالعموم الدال على بيع المسلم على الكافر (٤) واختاره الشيخ في المبسوط (٥) وابن إدريس (٦) وقال في الخلاف : تجعل عند امرأة مسلمة ويؤمر بالإنفاق عليها حتى يسلم ، أو يموت هو فينعتق ولدها فتباع (٧) وقال العلّامة : ونعم ما قال : تستسعى في قيمتها فإذا أدت القيمة أعتقت (٨) لان البيع مع وجود الولد منهي عنه ، وكذا إبقائها في يد المولى لنص الآية (٩) وعتقها مجانا إضرار بالمولى ، وكذا الحيلولة ، فيتعين الاستسعاء.

__________________

(١) السرائر : باب أمهات الأولاد ص ٣٤٨ س ٢٨ فإنه بعد نقل قول الشيخ في النهاية قال : وهذا الذي ذكره غير صحيح ولا واضح إلخ ولا يخفى انه أجاب عن النهاية به أجوبة ثلاثة نقضا وطردا فلاحظ :

(٢) المختلف : في الاستيلاد ص ٩٥ س ٢٢ فإنه بعد نقل قول ابن إدريس قال : وقول ابن إدريس جيد.

(٣) التهذيب : ج ٨ (٢) باب التدبير ص ٢٦١ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل : ج ١٢ ، الباب ٢٨ من أبواب عقد البيع وشروطه ص ٢٨٢ الحديث ١ نقلا عن النهاية.

(٥) المبسوط : ج ٦ كتاب أمهات الأولاد ص ١٨٨ س ٢١ قال : إذا كان لذمي أم ولد منه فأسلمت إلى قوله : وتباع عندنا.

(٦) السرائر : كتاب أمهات الأولاد ص ٣٤٨ س ٢٤ قال : إذا كان لذمي أم ولد فأسلمت إلى قوله : فإنها تباع عليه.

(٧) كتاب الخلاف : كتاب أمهات الأولاد ، مسألة ٢ قال : وتكون عند امرأة مسلمة تتولى القيام بحالها إلخ.

(٨) تقدم آنفا.

(٩) قال تعالى (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) سورة النساء / ١٤٠.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(الرابع) إذا مات سيدها وعليه دين يحيط بالتركة قال ابن حمزة : قوّمت على ولدها فاذا بلغ الزم أداءه ، وان لم يكن له مال استسعى فيه ، فان مات قبل البلوغ بيعت في الدين (١) اعتمادا على رواية أبي بصير عن الصادق عليه السّلام (٢) ، وقيل : لا تباع لأن الاستيلاد إتلاف ، ولرواية عمر بن يزيد عن الكاظم عليه السّلام الى ان قال : قلت : فيباع فيما سوى ذلك من دين قال : لا (٣) ، واختار الشهيد بيعها لنصهم على عتقها من نصيب الولد ، ولا ارث إلا بعد الدين (٤) وتوقف العلّامة في المختلف (٥).

وفي هذه المسألة اذن (أربعة ـ خ) أقوال :

(الأول) بيعها وهو قول الشهيد.

(الثاني) عدمه مطلقا قاله بعض الأصحاب.

(الثالث) بيعها مع تعذر استيفاء الدين من الولد ولو باستسعائه وهو قول ابن حمزة.

(الرابع) التوقف وهو قول العلّامة.

(الخامس) إذا حملت بعد الارتهان لتعلق حق المرتهن بها سابقا على حق الاستيلاد.

__________________

(١) الوسيلة : فصل في بيان أحكام أمهات الأولاد ص ٣٤٣ س ١٣ قال : قوّمت على ولدها إلخ.

(٢) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٣٨ الحديث ٩٤.

(٣) التهذيب : ج ٨ (١) باب العتق واحكامه ص ٢٣٨ قطعة من حديث ٩٥.

(٤) اللمعة الدمشقية : الطبعة الحديثة ج ٣ ص ٢٥٧ س ٢ قال : اما مع حياته (أي حياة الولد) فلا يجوز بيعها إلا في ثمانية مواضع ، أحدها في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها إلخ.

(٥) تقدم نقله عن المختلف : ص ٩٦ س ٢٣ فإنه بعد نقل قول المشهور وابن حمزة قال : ونحن في هذه المسألة من المتوقفين.

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(السادس) تباع لتحوز الإرث وهو إجماع.

(السابع) تباع في الجناية على أصح القولين.

(الثامن) إذا أعسر مولاها بنفقتها ، تفصّيا من الضرر.

(التاسع) إذا حملت بعد التفليس والحجر على أمواله ، وفي هذه وفي المرهونة خلاف.

(العاشر) تباع على من تعتق بملكه لها.

(الحادي عشر) تباع بشرط العتق ، لحصول المقصود ، والأقرب المنع.

(الثاني عشر) إذا ارتد ولدها عن فطرة لأنه في حكم الميت.

(الثالث عشر) إذا كان ولدها كافرا وهناك ورثة مسلمون.

(الرابع عشر) إذا كان قاتلا.

فرع

لو مات ولدها من ولد ، هل تباع؟ فيه ثلاثة أوجه :

(الأول) البيع مطلقا لورود النص على الولد.

(الثاني) عدمه مطلقا ، لأنه ولد حرّ.

(الثالث) بيعها إن لم يكن وارثا ، وهو المعتمد ، لارثه نصيبا من جدته ، فتعتق عليه.

١٠٦

كتاب الإقرار

١٠٧
١٠٨

كتاب الإقرار

والنظر في الأركان واللواحق.

والأركان أربعة.

(الأول) الإقرار : وهو اخبار الإنسان بحق لازم له ، ولا يختص لفظا ، وتقوم مقامه الإشارة.

______________________________________________________

مقدمة الإقرار إخبار الإنسان عن حق لازم له ، أى للمقر ، وبالقيد الأخير ينفصل عن الشهادة ، لاشتراك الشهادة والإقرار في مطلق الاخبار ، وانفصل الإقرار بكون اللزوم للمخبر ، والشهادة لغيره.

وحكمه ثابت بالكتاب ، والسنة ، والإجماع.

أما الكتاب : فقوله تعالى (قالَ أَأَقْرَرْتُمْ). (قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا) (١) وقال تعالى (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) (٢) أي فليقر وليه بالحق غير زائد ولا ناقص ،

__________________

(١) سورة آل عمران / ٨١.

(٢) سورة البقرة / ٢٨٢.

١٠٩

لو قال : لي عليك كذا ، فقال : نعم ، أو أجل فهو إقرار. وكذا لو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى ، ولو قال : نعم قال الشيخ : لا يكون إقرارا ، وفيه تردد.

______________________________________________________

وقال تعالى (كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) (١) والشهادة على النفس هو الإقرار عليها.

وأما السنة فما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله انه قال : من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه حدّ الله (٢) وقوله عليه السّلام : أغد يا أنيس على امرأة هذا فإن أقرّت فارجمها (٣) وقوله عليه السّلام لماعز بن مالك : الآن أقررت أربعا (٤) وأيضا فإنه رجم الغامدية والجهنية بإقرارهما كما رجم ماعزا بإقراره (٥).

واما الإجماع : فلا خلاف بين الأمة في صحته ولزوم الحق به وان اختلفوا في مسائله.

قال طاب ثراه : وكذا لو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى ، ولو قال : نعم قال الشيخ : لا يكون إقرارا وفيه تردد.

__________________

(١) سورة النساء / ١٣٥.

(٢) الموطأ : ج ٢ كتاب الحدود (٢) باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا ، الحديث ١٢ ورواه الشيخ في المبسوط : ج ٣ كتاب الإقرار.

(٣) صحيح مسلم (٣) كتاب الحدود (٥) باب من اعترف على نفسه بالزنا قطعة من حديث ٢٥.

(٤) صحيح مسلم (٣) كتاب الحدود (٥) باب من اعترف على نفسه بالزنا الحديث ١٧ و ١٩ ورواه الشيخ في المبسوط : ج ٣ كتاب الإقرار.

(٥) صحيح مسلم (٣) كتاب الحدود (٥) باب من اعترف على نفسه بالزنا ، الحديث ٢٣ و ٢٤ ورواه الشيخ في المبسوط : ج ٣ كتاب الإقرار وروى الاخبار المذكور في عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٤١ الأحاديث (١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤).

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : منشأ التردد النظر الى العرف ، ووضع أهل اللغة. فإن العرف قيام كل واحدة من الصنفين مقام الأخرى. والإقرار انما يحمل على مفهوم أهل العرف ، لا على دقائق العربية ، فيكون إقرارا.

ومن حيث ان (نعم) في جواب السؤال تصديق لما دخل عليه حرف الاستفهام ، و (بلى) تكذيب له ، لأنّ أصل بلى (بل) زيدت عليها الياء ، وهي للرد والاستدراك ، وإذا كان كذلك فقوله (بلى) رد لقوله (أليس لي عليك) لأنه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ، ونفي له ، ونفي النفي إثبات ، وقوله (نعم) تصديق له فكأنه قال : ليس لك ألف.

هذا محصل ما قاله أهل اللغة (١).

وعلى وفاقه ورد القرآن. قال تعالى (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٢) ولو قالوا : (نعم) كفروا ، وقال تعالى (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى) (٣). (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى) (٤).

__________________

(١) ونعم ونعم كقولك بلى ، الا ان نعم في جواب الواجب ، وهي موقوفة الأخر لأنها حرف جاء لمعنى ، وفي التنزيل (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) قال الأزهري : انما يجاب به الاستفهام الذي لا جحد فيه ، قال : وقد يكون نعم تصديقا ويكون عدة ، وربما ناقض بلى إذا قال : ليس لك عندي وديعة ، فتقول : نعم تصديق له وبلى تكذيب (لسان العرب ج ١٢ ص ٥٨٩ لغة نعم) وفيه أيضا : و (بلى) جواب استفهام فيه حرف نفي كقولك : ألم تفعل كذا؟ فيقول : بلى ، و (بلى) جواب استفهام معقود بالجحد ، وقيل : يكون جوابا للكلام الذي فيه الجحد كقوله تعالى (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى). التهذيب : وانما صارت بلى تتصل بالجحد ، لأنها رجوع عن الجحد الى التحقيق ، فهو بمنزلة (بل) وبل سيلها أن تأتي بعد الجحد ، وإذا قال الرجل للرجل ألا تقوم؟ فقال له : بلى ، أراد بل أقوم ، فزادوا الالف على بل ليحسن السكوت عليها إلخ (لسان العرب ج ١٤ ص ٨٨ لغة بلى).

(٢) سورة الأعراف / ١٥٢.

(٣) سورة الزخرف / ٨٠.

(٤) سورة القيامة / ٤.

١١١

ولو قال : أنا مقر لم يلزمه الا ان يقول به. ولو قال : بعنيه ، أو هبنيه فهو إقرار. ولو قال : لي عليك كذا ، أتّزن أو انتقد؟ لم يكن شيئا. وكذا لو قال : أتّزنها أو انتقدها. اما لو قال : أجّلتني بها ، أو قضيتكها فقد أقر ، وانقلب المقر مدعيا.

(الثاني) المقر : ولا بد من كونه مكلفا حرّا مختارا جائز التصرف. فلا يقبل إقرار الصغير ، ولا المجنون ، ولا العبد بماله ، ولا حدّ ولا جناية ولو أوجبت قصاصا.

(الثالث) في المقر له : ويشترط فيه أهلية التملك. ويقبل لو أقر للحمل تنزيلا على الاحتمال وان بعد وكذا لو أقر لعبد ويكون للمولى.

(الرابع) في المقر به. ولو قال : له عليّ مال قبل تفسيره بما يملك وان قل. ولو قال : شي‌ء فلا بد من تفسيره بما يثبت في الذمة. ولو قال : ألف ودرهم رجع في تفسير الألف اليه. ولو قال : مائة وعشرون درهما ، فالكل دراهم.

______________________________________________________

وقال في (نعم) (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) (١) (إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قالَ نَعَمْ) (٢).

وعلى هذا أكثر الأصحاب ، واختاره العلّامة (٣) وفخر المحققين (٤) وتردد

__________________

(١) سورة الأعراف / ٤٤.

(٢) سورة الشعراء / ٤١ و ٤٢.

(٣) التحرير : ج ٢ كتاب الإقرار ، في الصيغة ص ١١٧ س ١٣ قال : ولو قال : أليس عليك ألف لي ، فقال : بلى لزمه ، ولو قال : نعم قيل : لا يلزمه والوجه اللزوم.

(٤) الإيضاح : ج ٢ ص ٤٢٤ س ٦ فإنه بعد نقل عبارة القواعد قال : هذا قول الشيخ وأكثر

١١٢

وكذا كنايته عن الشي‌ء. ولو قال : كذا درهم ، فالإقرار بدرهم. وقال الشيخ : لو قال : كذا كذا درهما ، لم يقبل تفسيره بأقل من احد عشر. ولو قال : كذا وكذا لم يقبل أقل من أحد وعشرين ، والأقرب الرجوع في تفسيره الى المقر (١) ولا يقبل أقل من درهم. ولو أقر بشي‌ء مؤجلا فأنكر الغريم الأجل لزمه حالا ، وعلى الغريم اليمين.

______________________________________________________

المصنف (١) وقال في الشرائع ، وفيه تردد من حيث يستعمل الأمران استعمالا ظاهرا (٢).

قال طاب ثراه : وكذا كنايته عن الشي‌ء ، فلو قال : كذا درهم فالإقرار بدرهم. وقال الشيخ : لو قال : كذا كذا درهم ، لم يقبل تفسيره بأقل من احد عشر. ولو قال : كذا وكذا لم يقبل أقل من احد وعشرين ، والأقرب الرجوع في تفسيره الى المقر.

أقول : يريد أنّ كذا كناية عن الشي‌ء ، أي قول المقر له كذا بمنزلة قوله : له شي‌ء ، وكما يقبل تفسير الشي‌ء بما يقع عليه التموّل ، كذا يقبل تفسير (كذا) بما يقع به التموّل قلّ أو كثر وان فسره بشي‌ء مدرجا له مع الإقرار الزم ذلك الشي‌ء ، ولو قال له : كذا كذا كان بمنزلة قوله : كذا ، لأن الشي‌ء يقع على القليل والكثير ، فلا فائدة في تضعيفه ، وتكراره تأكيد لا تجديد. ولو قال : كذا وكذا استدعي المغايرة ، فلا بد من تفسيره ، بشيئين مختلفين أو متفقين ، يقبل كل واحد منهما في تفسير (كذا) لو لم يكن عطف ، وكذا الحكم لو قال : شي‌ء شي‌ء أو شي‌ء وشي‌ء الحكم واحد.

__________________

الأصحاب ، لأن نعم في جواب الاستفهام تصديق لما دخل عليه حرف الاستفهام وبلى تكذيب له من حيث ان أصل بلى بل زيدت عليها الياء وهي للرد والاستدراك إلخ.

(١) لاحظ عبارة النافع.

(٢) الشرائع : المقصد الثالث في الإقرار المستفاد من الجواب قال : ولو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى كان إقرارا ، ولو قال : نعم لم يكن إقرارا ، وفيه تردد من حيث إلخ.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا عرفت هذا فهنا مسائل.

(الأولى) إذا قال : عليّ كذا درهم ، ووقف عليه ساكنا لزمه درهم بالإجماع ، وان حركه نصبا أو رفعا أو جرا فكذلك ، فالرفع على البدل ، والنصب على التميز ، والجر على الإضافة ، وهو اختيار ابن إدريس (١) والمصنف (٢) والعلّامة (٣) وفخر المحققين (٤) والشهيد (٥) وقال الشيخ في الكتابين : يلزمه مع النصب عشرون لأن أقل عدد مفرد ينصب ما بعده على التميز ، عشرون. ومع الجر يلزمه مائة لأن أقل عدد يخفض ما بعده على التميز ذلك نص عليه علماء العربية ولم يوجد في كلام العرب غير ذلك (٦) (٧) وهو بناء على ان كذا كناية عن العدد.

وفيه نظر من وجوه

(أ) لا نسلّم جعلها كناية عن العدد ، بل عن شي‌ء ، وهو أعم.

__________________

(١) السرائر : باب الإقرار ص ٢٨١ س ٣٢ قال : وان قال : كذا درهم بالخفض الى ان قال : والأولى عندي في هذه المسائل ان يرجع في التفسير الى المقر. ولم يذكر هذه المسائل أحد من أصحابنا إلا شيخنا أبو جعفر في مبسوطه ومسائل خلافه إلخ.

(٢) لاحظ عبارة النافع.

(٣) التحرير : ج ٢ كتاب الإقرار ، الثالث في المقرّ به ص ١١٧ س ٣ قال : (يب) إذا قال : له عليّ كذا درهم بالرفع لزمه درهم ، وبالجر يلزمه جزء درهم إلخ.

(٤) الإيضاح : ج ٢ كتاب الإقرار ، في الأقارير المجهولة ص ٤٤٢ س ٢١ قال : وهو الأصح عندي ، أي لو قال : درهما بالنصب ، يلزمه درهم واحد إلخ.

(٥) اللمعة الدمشقية : ج ٦ كتاب الإقرار ص ٣٩٣ س ٢ قال : ولو قال : له عليّ كذا درهم بالحركات الثلاث الى قوله : فواحد.

(٦) المبسوط : ج ٣ كتاب الإقرار ص ١٣ س ١٠ قال : ومن الناس من قال : إذا قال : له عليّ كذا درهما لزمه عشرون درهما الى قوله : وهو الأصح عندي.

(٧) كتاب الخلاف : كتاب الإقرار مسألة ٨ قال : إذا قال : لفلان عندي كذا درهما فإنه يكون إقرارا بعشرين درهما. وفي مسألة ١١ قال : إذا قال : له علي كذا درهم لزمه مائة درهم إلخ.

١١٤

واللواحق ثلاثة

(الأول) في الاستثناء ، ومن شروطه الاتصال العادي ، ولا يشترط الجنسي ، ولا نقصان المستثنى عن المستثنى منه ، فلو قال : له عليّ عشرة إلّا ستة لزمه أربعة ، ولو قال : ينتقص ستة لم يقبل (١) منه. ولو قال : له عشرة إلّا خمسة إلّا ثلاثة لزمه ثمانية. ولو قال : له عشرة إلّا ثلاثة إلّا

______________________________________________________

(ب) ان الإقرار لا يوازن المبهمات بالمعيّنات بواسطة الأعراب ، لأنّ أصل البراءة أقوى في نظر الفقهاء من اصطلاح النحاة.

(ج) ان المخاطبات العامة بين أهل العرف العام لا يحمل على اصطلاحات أهل العرف الخاص.

(د) قال الشيخ رحمه الله : متى احتملت الصيغة غير الإقرار بالشي‌ء ، لا يكون إقرارا بذلك الشي‌ء ، وهنا الاحتمال محقق من احتمال ارادة بعض الدرهم ، ومن حصول الخلاف بين الفقهاء في ذلك.

(ه) أن دلالة الإعراب ظنية ، ونقل الأموال مبني على الاحتياط فيناط بالتعيين.

(الثانية) لو قال : كذا كذا درهما نصبا قال الشيخ : يلزمه أحد عشر ، لأن أقل عددين تركبا وانتصب ما بعدهما على التمييز أحد عشر.

والجواب والبحث كما تقدّم.

(الثالثة) لو قال : كذا وكذا نصيبا ، قال الشيخ : يلزمه احد وعشرون ، لأن أقل عددين عطف أحدهما على الأخر وانتصب ما بعدهما على التميز احد وعشرون.

والبحث فيه كما مرّ.

قال طاب ثراه : ولو قال : له عشرة إلا ستة لزمه أربعة ، ولو قال : بنقص ستة لم يقبل.

١١٥

ثلاثة كان الإقرار بالأربعة. ولو قال : درهم ودرهم الّا درهمان لزمه درهمان. ولو قال : له عشرة إلّا ثوبا سقط من العشرة قيمة الثوب ، ويرجع إليه تفسير القيمة ما لم يستغرق العشرة.

(الثاني) في تعقيب الإقرار بما ينافيه. فلو قال : هذا لفلان ، بل لفلان ، فهو للأول ويغرم القيمة للثاني. ولو قال : له عليّ مال من ثمن خمر لزمه المال. ولو قال : ابتعت بخيار وأنكر البائع الخيار ، قبل إقرار في البيع دون الخيار. وكذا لو قال : من ثمن مبيع لم اقبضه.

(الثالث) الإقرار بالنسب : ويشترط في الإقرار بالولد الصغير إمكان البنوة ، وجهالة نسب الصغير ، وعدم المنازع ، ولا يشترط التصديق لعدم الأهلية. ولو بلغ فأنكر لم يقبل ، ولا بد في الكبير من التصديق ، وكذا في غيره من الأنساب. وإذا تصادقا توارثا بينهما ، ولا يتعدى المتصادقين ، ولو كان للمقر ورثة مشهورون لم يقبل إقراره بالنسب ولو تصادقا ، فإذا أقر الوارث بآخر وكان اولى منه دفع اليه ما في يده ، وان كان مشاركا دفع إليه بنسبة نصيبه من الأصل. ولو أقر باثنين فتناكرا لم يلتفت الى تناكرهما ، ولو أقرّ بأولى منه ثمَّ بمن هو اولى من المقر له ، فان صدّقه الأول دفع الى الثاني ، وان كذّبه ضمن المقر ما كان نصيبه. ولو أقر بمساوله فشاركه ثمَّ أقر بمن هو اولى منهما ، فان صدّقه المساوي دفعا اليه ما معهما ، وان أنكر غرم للثاني ما كان في يده. ولو أقر للميتة بزوج دفع اليه ممّا في

______________________________________________________

أقول : الفرق بينهما : انه في الصورة الأولى مستثنى ، وفي الثانية مضرب ، والاستثناء مقبول ومستعمل لغة وعرفا ، فلزمه ما بقي بعد الاستثناء ، سواء كان

١١٦

يده بنسبة نصيبه ، ولو أقرّ لأخر لم يقبل الّا ان يكذّب نفسه ، فيغرم له ان أنكر الأول. وكذا الحكم في الزوجات إذا أقر بخامسة. ولو أقر اثنان عادلان من الورثة صح النسب وقاسم الوارث ، ولو لم يكونا مرضيين لم يثبت النسب ودفعا إليه ممّا في أيديهما بنسبة نصيبه من التركة.

______________________________________________________

الباقي أقل من المخرج أو أكثر ، فلو قال : له مائة إلا تسعون لزمه عشرة ، والإضراب غير مقبول لأنه إنكار بعد الإقرار ، فلا يكون مسموعا ، فهذا فرق ما بين الصورتين.

١١٧
١١٨

كتاب الأيمان

١١٩
١٢٠