غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

وجوب الوضوء.

وقيل : إن علم بالحالة السابقة فيأخذ بضدّها ، لأنّها إن كانت طهارة فقد ارتفعت بالحدث جزماً فيستصحب الحدث لأنّه يقينيّ ، وإن كانت حدثاً فقد ارتفع بالطهارة فتستصحب لأنّها يقينيّة (١).

وفيه : أنّ الطهارة أيضاً يقينيّة في الاولى ، والحدث يقينيّ أيضاً (٢) في الثانية ، فلا مرجّح لاستصحاب أحدهما دون الأخر ، لتساوي احتمالي تعاقب الحدثين أو الطهارتين مع عدمه ، وارتفاع الحالة الاولى لا يستلزم ارتفاع مثلها في اللاحق.

وقيل : يأخذ بمثل الحالة السّابقة ، وربّما يوجّه ذلك بتعارض الحدث والطهارة فيتساقطان ، فتبقى الحالة الأُولى سالمة. وهو كما ترى.

واختار العلامة هذا المسلك (٣) ، لكنّه أخرجه عن المسألة المفروضة ، واشترط اتّحادهما في العدد ، واعتبر في الحدث اللاحق الناقضيّة وفي الطهارة الرافعيّة ، فيرتفع احتمال تعاقب الطهارتين والحدثين ، فالحدث الناقض يرفع الطهارة السابقة لو علم كونها طهارة ، فتكون الطهارة اللاحقة رافعة له ، فهو متطهّر ، والطهارة الرافعة ترفع الحدث السابق لو علم كونها حدثاً ، فالحدث اللاحق ناقض لها ، فهو محدث. وهذه المسألة خارجة عن صورة الشكّ إلّا في بادئ النظر.

ثمّ تصوير احتمال الجهل بالحالة السابقة فرض نادر جدّاً إلّا في بادئ النظر ، وإلّا فهي إما طهارة يقينيّة أو حدث يقيني ، أو مورد أحد المسائل الثلاث ، فيجري فيها حكم أحدها. هذا حكم أصل الوضوء.

وأما لو شكّ في فعل من أفعاله ، فإن كان متشاغلاً بالوضوء فيأتي به وبما بعده بلا خلاف ، للأصل ، ونقل الإجماع ، وصحيحة زرارة في خصوص وجوب إعادة

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٣٧ ، المعتبر ١ : ١٧١ ، جامع المقاصد ١ : ٢٣٧.

(٢) في «م» : أيضاً يقيني.

(٣) المختلف ١ : ٣٠٨.

٨١

المشكوك (١) ؛ وحسنة الحلبي وغيرها الدالّة على وجوب تحصيل الترتيب ، وإتباع بعض الوضوء بعضاً في وجوب إعادة ما بَعده (٢).

وما يُتراءى معارضاً لهما من الأخبار فلا يقاوم ما ذكرنا ، لكونها مهجورة ، غير صريحة في الخلاف.

والظاهر أنّ النيّة أيضاً حكمها مثل سائر الأفعال ، لظاهر الإجماع ، واستصحاب شغل الذمّة.

وإن فرغ من الوضوء ودخل في فعل آخر فلا يلتفت إجماعاً ، لصحيحة زرارة المتقدّمة ، وموثّقة ابن أبي يعفور (٣) ، وقويّة بكير بل صحيحته (٤) (٥).

وأمّا قبل الدخول في فعل آخر ، مثل إن كان قاعداً في مقامه ، أو مستمرّاً على حالته التي كان يتوضّأ فيها ، فيستفاد من كلام بعضهم كظاهر بعض الأخبار : الإتيان به أيضاً إذا لم يطل كثيراً ، ولكنّ رواية بكير (٦) المتقدّمة تنفيه ، وسائر الأخبار لا تثبته. بل الظاهر أنّ المراد بالقيام من الوضوء الوارد في بعضها أيضاً هو الفراغ.

والمعيار في الشكّ في الرجل اليسرى : هو وجدان نفسه متشاغلاً أو غير متشاغل ، كالشكّ في السلام بعد الفراغ من الصلاة.

وأمّا لو تيقّن بتركِ بعض الأفعال ، فيأتي به وبما بعده بالإجماع والأخبار ، إلّا أن

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ ح ٢٦١ ، الوسائل ١ : ٣٣ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ١. وفيها : إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله أو تمسحه ممّا سمّى الله ما دمت في حال الوضوء ..

(٢) الكافي ٣ : ٣٤ ح ٩ ، الوسائل ١ : ٣١٨ أبواب الوضوء ب ٣٥ ح ٩ : وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم.

(٣) التهذيب ١ : ١٠١ ح ٢٦٢ ، الوسائل ١ :. ٣٣ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٢.

(٤) التهذيب ١ : ١٠١ ح ٢٦٥ ، الوسائل ١ : ٣٣١ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

(٥) وجه الصحّة : عدم القدح فيما كان أبان بن عثمان في سنده لكونه ثقة من أصحاب الإجماع ، فلا يضرّ عدم توثيق بكير. مع أنّ الكشي روى بسندٍ صحيح مدحاً فيه أعظم من التوثيق ، قال قلت له : الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ ، قال : هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ (منه رحمه‌الله).

(٦) في «م» : ابن بكير.

٨٢

يحصل الإخلال بالموالاة كما سيجي‌ء.

وأمّا ما في صحيحة زرارة من الإتيان بعد الفراغ والدخول في فعل آخر أيضاً في صورة الشكّ (١) ، فمحمول على الاستحباب.

ولا يعتبر الشكّ مع الكثرة كالصلاة ، للعلّة المنصوصة في صحيحة زرارة وأبي بصير : «فإنّ الشيطان خبيث مُعتاد لما عُوّد» (٢).

الخامس : الأحداث الموجبة للوضوء(٣): البول والغائط والريح الخارج من المخرج المعتاد الطبيعي بالإجماع والأخبار المستفيضة (٤) الصّحاح.

وأمّا الخارج من غيره ففيه تفصيلات وأقوال لا ترجع إلى تحقيق ، والمحقّق أنّ المستفاد من الأخبار ليس إلّا المعهود المتعارف ، ولا دليل على حكم غيره إلّا الإجماع المنقول في المنتهي فيما انحصر المخرج في غير الطبيعي خِلقةً ، أو كان الطبيعي مسدوداً (٥). وأمّا في غيره فلا نصّ ولا إجماع. والأُصول متعارضة ، وبراءة الذمّة عن التكليف اليقيني بالصّلاة لا تحصل إلّا بالوضوء.

ولا عبرة بالريح الخارج من الإحليل أو قُبُل المرأة.

والنوم الغالب على العقل ، بل على السمع ، وإن كان الظاهر تلازمهما ، وكون

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٦٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ ح ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ ح ١٤٢٢ ، الوسائل ٥ : ٣٢٩ أبواب الخلل ب ١٦ ح ٢.

(٣) الظاهر كون كلّ من الموجب والناقض أعمّ من الآخر من وجه ، وإن اعتبر في الموجب ما يكون من شأنه الإيجاب فيكون أعمّ مطلقاً من الناقض بالفعل ، والحقّ أنّ تلك الإطلاقات اعتبارات ، فيعتبر كلّ واحد من الإطلاقات فيما يناسبه ، فمن حيث إنّه يجب تسمية الوضوء يسمّى ناقضاً ، ومن حيث إنّه يترتّب عليه وجوب الوضوء وجوداً وعدماً يسمّى سبباً ، واجتماع الأسباب الكثيرة الشرعيّة ممكن وواقع كثيراً (منه رحمه‌الله).

(٤) في «م» زيادة : و.

(٥) المنتهي ١ : ١٨٨.

٨٣

الثاني أمارة للأوّل ، للإجماع المستفيض فيه في الجملة ، والآية ، سيّما على ما مرّ من التّفسير ، والأخبار المعتبرة المستفيضة.

وربّما يُسند إلى الصدوق الخلاف في النوم للمُجتمع (١) ، وإلى والده في مطلقه (٢) ، لبعض الرّوايات الضعيفة المحمولة على التقيّة (٣). وهو ضعيف كأصل الإسناد.

وضمّ العين إلى الاذن في الأحاديث وكلام الفقهاء ، لتوجّه النوم إليها أوّلاً ، وإلّا فهي أضعف من غير السمع أيضاً.

والمشهور إلحاق كلّ مزيل للعقل بالنوم ، كالإغماء والجنون والسكر ، للإجماع ، نقله عن المسلمين في الأوّلين الشيخ (٤) ، وعن الأصحاب في الثالثة صاحب المدارك (٥) ، ويظهر من غيرهما أيضاً (٦) ، والعلّة المستفادة من الأخبار في النوم وهو ذهاب العقل.

وقد يستدلّ بصحيحة معمّر بن خلّاد (٧) ، ودلالتها ممنوعة (٨).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٨ ح ١٤٣ ، ١٤٨ ، أورد روايتين دالّتين على عدم النقض في هذه الحال ، وقد تعهّد في أوّل كتابه بأنّه لا يورد إلّا ما يفتي به. قال العلامة : وإن كانت هاتان الروايتان مذهباً له فقد صارت المسألة خلافيّة المختلف ١ : ٢٥٥.

(٢) نقله عنه في المختلف ١ : ٢٥٥.

(٣) وهو خبر سماعة وخبر آخر مرسل عن الكاظم (ع) انظر الوسائل ١ : ١٨١ ، أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ١١ ، ١٢. ووجه الضعف في الثاني هو الإرسال ، ولعلّ وجه الضعف في الأوّل هو الكلام في سماعه وإبراهيم بن هاشم.

(٤) التهذيب ١ : ٥.

(٥) مدارك الأحكام ١ : ١٤٩.

(٦) قال العلامة : إنّه لم يعلم فيه مخالفاً. المنتهي ١ : ٢٠٢.

(٧) قال : سألت أبا الحسن (ع) عن رجل به علّة لا يقدر على الاضطجاع ، والوضوء يشتدّ عليه وهو قاعد مستند بالوسائد ، فربّما أغفى وهو قاعد على تلك الحال ، قال : يتوضّأ ، قلت له : إنّ الوضوء يشتدّ عليه ، قال : إذا خفي عنه الصوت فقد وجب عليه الوضوء. الكافي ٣ : ٣٧ ح ١٤ ، التهذيب ١ : ٩ ح ١٤ ، الوسائل ١ : ١٨٢ أبواب نواقض الوضوء ب ٤ ح ١.

(٨) لعلّ وجهه أنّ الإغفاء لغة هو النوم.

٨٤

والاستحاضة القليلة ، قال العلامة رحمه‌الله : إنّه مذهب علمائنا (١) ، ونقل عن ابن أبي عقيل العدم (٢) ، وهو مخالف للأخبار المعتبرة ، وغير موافق لدليل ، وصحيحة عبد الله بن سنان (٣) لا تدلّ على مذهبه.

وأمّا الكثيرة والمتوسّطة فسيجي‌ء في موجبات الغسل أنّهما أيضاً توجبان على الأظهر ، وسيجي‌ء الكلام فيهما في خصوص الحالة الّتي توجبان فيها الغسل بُعيد هذا أيضاً.

وذهب ابن الجنيد إلى موجبيّة المذي الواقع عقيب الشهوة ، والقبلة بشهوة ، والقهقهة في الصلاة ، والحُقنة ، ومسّ باطنِ الفرجين (٤). وفاقاً للصدوق في الأخير (٥) (٦) ، لأخبارٍ معارضة بأقوى منها سنداً ، وكثرةً ، وعملاً ، واعتضاداً ، وأوجه محاملها التقيّة ، ولا يبعُد الحمل على الاستحباب.

السادس : الأشهر أنّ الحيض والنفاس والاستحاضة الموجِبة للغسل ومسّ الميت بعد البرد موجِبات فلا يُكتفى بالغسل في الدخول فيما مَنعت المذكورات من الدخول فيه ، فيحصل بها حالة توجب الوضوء أيضاً ، سواء حصل حدث أصغر أيضاً أم لا.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٩٩.

(٢) نقله عنه في المعتبر ١ : ١١١ ، والمختلف ١ : ٣٧٢.

(٣) الكافي ٣ : ٩٠ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٦٠٥ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤ فإنّه ذكر الغسل فيها ولم يذكر الوضوء.

(٤) نقله عنه في المختلف ١ : ٢٥٧ ، ٢٦٠ ، ٢٦١ ، ٢٦٣.

(٥) الفقيه ١ : ٣٩.

(٦) وعن الصدوق القول بوجوب إعادة الوضوء لمن توضّأ قبل الاستنجاء من البول ، لصحيحة سليمان بن خالد وموثّقة أبي بصير ، ولا دلالة فيهما على غير البول ، واستدلّ في المختلف لإعادة الوضوء في الغائط بصحيحة عليّ بن جعفر ولا دلالة فيها ، وكيف كان فقوله ضعيف لمعارضة الروايتين بالصحاح المستفيضة وغيرها المعمول بها عند الأكثر (منه رحمه‌الله).

٨٥

وبعبارة اخرى : لا يجوز الدخول بأغسال هذه المذكورات في الصّلاة ونحوها إلّا مع الوضوء ، بل لا يجوز الدخول بغسل من الأغسال فيها من دون الوضوء ، إلّا غسل الجنابة ، فرضاً كان أو نفلاً ، إلّا أن يكون متطهّراً. وهو المشهور بين الأصحاب ، وجعله الصدوق في الأمالي من دين الإماميّة (١) ، وخالف فيه السيّد (٢) وابن الجنيد (٣) وبعض المتأخّرين (٤).

والأوّل أقرب ، للأصل (٥). والاستصحاب. وظاهر الآية وإن فسّرت بالقيام من النوم أيضاً (٦) ، لشمولها هؤلاء مع عدم القَول بالفصل ، والأخبار المتواترة الواردة في وجوب الوضوء الدالّة بعمومها وإطلاقها على ما نحنُ فيه (٧) ، وصحيحة ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان أو غيره ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «في كلّ غسلٍ وضوء إلّا الجنابة» (٨) ومرسله كالمسند الصحيح لوجوه ذُكرت في محلّها ، مع أنّه في المختلف بدون «أو غيره» (٩) وهو ظاهر في الوجوب مثل قولهم عليهم‌السلام : «في خَمسٍ من الإبل شاة» ونحوه سيّما مع ملاحظة فهم الجمهور. واستثناء غسل الميّت أولى من حمله على الاستحباب ، مع تبادر أغسال المكلّفين من

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٥ مجلس ٩٣.

(٢) نقله عنه في المعتبر ١ : ١٩٦ ، والمختلف ١ : ٣٤٠ ، والموجود في جمل العلم والعمل : ٥١ ، ويستبيح بالغسل الواجب للصلاة من غير وضوء ، وإنّما الوضوء في غير الأغسال الواجبة.

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ٣٤٠.

(٤) كالمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ١٣٢.

(٥) في «ح» : للأوّل.

(٦) المائدة : ٦.

(٧) الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء ب ١.

(٨) الكافي ٣ : ٤٥ ح ١٣ ، التهذيب ١ : ١٣٩ ح ٣٩١ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ ح ٤٢٨ ، الوسائل ١ : ٥١٦ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ٢.

(٩) المختلف ١ : ٣٤٠.

٨٦

الرواية. وفي الغوالي «كلّ الأغسال لا بدّ فيها من الوضوء إلّا الجنابة» (١) والسند منجبر بالشهرة.

ويدلّ عليه صريح فقه الرضا أيضاً (٢) ، ورواية عليّ بن يقطين (٣).

حجّة القول الأخر : الأصل ، والإطلاقات الواردة في غسل الحيض والاستحاضة من دون ذِكر الوضوء (٤) ، وما ورد من أنّ غُسل الجنابة والحيض واحد (٥).

وصحيحة محمّد بن مسلم : «الغسل يجزئ عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل» (٦).

وصحيحة حكم بن حكيم : عن غسل الجنابة ، فقال : «أفِض على كفّك اليُمنى» إلى أن قال ، قلت : إنّ الناس يقولون يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحك وقال : «وأيّ وضوء أنقى من الغسل؟» (٧).

وموثّقة عمار (٨) ، ومرسلة حمّاد (٩) ، ومكاتبة محمّد بن عبد الرّحمن الهمداني (١٠) ، والروايات الثلاث الدالّة على أنّ الوضوء بعد الغُسل بِدعة (١١).

أمّا الأصل ، فلا يقاوم الدليل ، سيّما في العبادات.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٠٣ ح ١١٠.

(٢) فقه الرضا (ع) : ٨٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٤١ ح ٤٠١ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ ح ٤٣٤ ، الوسائل ١ : ٥١٧ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ٣.

(٤) انظر الوسائل ٢ : ٦٠٦ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥ ، ٧ ، وص ٦١٣ أبواب النفاس ب ٣ ح ٨.

(٥) التهذيب ١ : ١٦٢ ح ٤٦٣ ، الوسائل ٢ : ٥٦٦ أبواب الحيض ب ٢٣ ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ١٣٩ ح ٣٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ ح ٤٢٧ ، الوسائل ١ : ٥١٣ أبواب الجنابة ب ٣٣ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ١٣٩ ح ٣٩٢ ، الوسائل ١ : ٥١٥ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٤ ، وفيها زيادة : وأبلغ.

(٨) التهذيب ١ : ١٤١ ح ٣٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ ح ٤٣٢ ، الوسائل ١ : ٥١٤ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٣.

(٩) التهذيب ١ : ١٤١ ح ٣٩٩ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ ح ٤٣٣ ، الوسائل ١ : ٥١٤ أبواب الجنابة ب ٣٣ ح ٤.

(١٠) التهذيب ١ : ١٤١ ح ٣٩٧ ، الاستبصار ١ : ١٢٦ ح ٤٣١ ، الوسائل ١ : ٥١٣ أبواب الجنابة ب ٣٣ ح ٢.

(١١) انظر الوسائل ١ : ٥١٤ أبواب الجنابة ب ٣٣ ح ٦ ، ٩ ، ١٠.

٨٧

وأمّا الإطلاقات ، فإنّها واردة في بيان أصل وجوب الغسل ووقته ، لا جميع شرائطه وتوابعه. وكذلك المراد بالتّشبيه إنّما هو في أصل الغُسل كما لا يخفى.

وأمّا الصحيحة ، فمَحمولة على غسل الجنابة بقرينة صحيحة حَكَم ، وإن كان الجواب فيها أيضاً عامّاً ، لأنّ الظاهر أنّ المراد بها الردّ على العامّة ، وادّعاء إشعار العلّة بالاطراد لعدم الفرق غريب ، لأنّ علل الشرائع مخفيّة غالباً ، مع أنّ في الأخبار ما يدلّ على كون غُسل الجنابة أقوى من غيره ، وصرّح في فقه الرضا بأنّه مُسقط للوضوء ، لأنّ أكبر الفرضين يُسقط أصغرهما (١). أمّا السنّة مثل سائر الأغسال فلا يُسقط الفريضة.

وأمّا سائر الأخبار فضعيفة لا جابر لضعفها.

فتبقى موثّقة عمار وإطلاق الصحيحة في مقابل ما ذكرنا من الأدلّة ، ولا ريب في عدم المقاومة ، لموافقتها للكتاب وعمل الأصحاب.

والمشهور التخيير بين تقديم الوضوء وتأخيره ، للأصل والإطلاقات.

وعن جماعة من القُدماء وجوب تقديم الوضوء ، لصحيحة ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كلّ غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة» (٢) وما دلّ على أنّ الوضوء بعد الغسل بِدعة (٣) ، وصريح الفقه الرضوي وغيره (٤).

والأقوى الأوّل ، فيُحمل ما دلّ على أنّ تأخيره بِدعة على إرادة غسل الجنابة بملاحظة ضرب من التقيّة ، وصحيحة ابن أبي عمير على الأفضليّة ، كما ذهب إليه

__________________

(١) فقه الرضا (ع) : ٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥ ح ١٣ ، الوسائل ١ : ٥١٦ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ١.

(٣) تقدّمت الإشارة إليه في ص ٦٩.

(٤) فقه الرضا (ع) : ٨٢.

٨٨

الشيخ في المبسوط (١). ولذلك لم نذكر الصحيحة في أدلّة المختار ، فإنّ اعتبار الحيثيّة لا يكفي ، وإرادة الواجب (٢) والندب من لفظٍ واحدٍ كما ترى.

مع أنّ هذا الإشكال يرِد على صحيحته الأُخرى بالنظر إلى المشروطات المستحبّة.

والتحقيق أن نَحملها على الوجوب الشرطي ، فيتمّ الوجوب (٣) في الواجب ، ويصحّ حينئذٍ حمل القبليّة على الأفضليّة.

والمراد بالشرطيّة الشرطيّة للمشروطات لا للغسل ، فلا تأثير للتقديم في صحّة الغسل ، وإن كان يعصي بتأخيره على القول بوجوب التقديم.

والسرّ في ذلك على ما أفهم : أنّ المراد بتلك الأخبار بيان إسقاط الغسل للوضوء وعدمه. فأخبار القول الأخر تُفيد أنّ الغسل يجزئ عن الوضوء ، وإجزاء شي‌ء عن الأخر ظاهر في ثبوت الأخر بسبب آخر. فأخبار المشهور أيضاً تُحمل على إرادة عدم السقوط لا الوجوب.

وينقدح بما ذكرنا : أنّ الحيض والنفاس ومسّ الميّت مثلاً ليست موجِبات للوضوء ، فالمراد أنّ (٤) الغسل هل يسقط الوضوء الثابت بسبب أسبابه الموجِبة أم لا؟ ولذلك ترى كلام كثير منهم خال عن ذكر المذكورات في موجِبات الوضوء ، بل يظهر من الإرشاد نفي كون هذه منها (٥) ، فليس المراد إثبات وجوب الوضوء للأغسال أو عند حدوث تلك الأحداث وجوباً ابتدائياً ، أو نفيه ، بل المراد بيان بقاء

__________________

(١) المبسوط ١ : ٤٤ ، وفيه : ويلزمها تقديم الوضوء ليسوغ لها استباحة الصلاة على الأظهر من الروايات ، فإن لم تتوضّأ قبله فلا بد منه بعده.

(٢) في «ح» : الوجوب.

(٣) في «ح» : الواجب.

(٤) في «ز» زيادة : يظهر.

(٥) إرشاد الأذهان ١ : ٢٢١.

٨٩

التكليف الثابت بالوضوء وعدمه.

وإن تأمّلت في كلام من جعلها من الموجبات أيضاً تَعرِف أنّ مرادهم أيضاً ذلك.

ومما يشهد بذلك : تعميم الاستدلال بهذه الأخبار في الأغسال المستحبّة ، مع أنّ الموجب هنا منحصر في غير المذكورات كما لا يخفى.

وبالجملة : لم يظهر من أدلّة المشهور سيّما مع مقابلتها لأدلّة القول الأخر وجوب الوضوء لِمسّ الميّت مثلاً.

أمّا الاستحاضة فالدليل على موجبيّتها للوضوء ثابت من خارج كما سيجي‌ء.

وأمّا الحيض فلا يكاد يتصوّر انفكاكه عن الأحداث الموجبة للوضوء ، وكذلك النفاس غالباً.

فلعلّ مسامحة كثير منهم في جعلها موجبات إنّما كانت بملاحظة أغلب الأحوال.

ويشهد بما ذكرنا كلام الشيخ في التهذيب ، حيث قال في الاستدلال على المشهور : وأقوى ما يدلّ على ذلك أنّ الوضوء فريضة لا تجوز استباحة الصلاة من دونها إلّا بدليل شرعي ، وليس ههُنا دليل شرعي في سقوط الطهارة بهذه الأغسال يقطع العذر ، ولا يلزمنا مثل ذلك في غسل الجنابة ، لأنّا لم نقل ذلك إلّا بدليل ، وهو إجماع العِصابة والأخبار الدالّة على ذلك (١).

لا يقال : إنّ عموم الآية مع كون النفاس أو الحيض مثلاً ناقضاً ورافعاً وإن لم يسلّم كونهما موجِبَين يُثبت وجوب الوضوء مطلقاً.

لأنّا نقول : مع التسليم ، إنّ عموم الآية بحيث يشمل ما لو لم يحصل حدث أصغر ممنوع ، لما مرّ في المبحث الثالث ، وأوضحناه في المناهج

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٤٢.

٩٠

ففذلكة ما اخترناه : وجوب الوضوء للمشروطات مع حصول أسباب الوضوء غير المذكورات بوجوب شرطي ، فيتبع (١) مشروطاته في الوجوب الشرعي واستحبابه ، ولا يجب تقديمه على الغسل ، ولا تأثير له في صحّته ، ولا في رفع الحدث الأكبر ، وإن كان الأحوط تقديمه على الغسل والإتيان به بعد حصول المذكورات وإن لم يحصل غيرها من أسباب الوضوء أيضاً.

والأظهر لزوم ترك الوضوء مع غسل الجنابة ، وقيل باستحبابه لبعض الأخبار (٢) ، وهو محمول على التقيّة.

السابع : المشهور أنّ السلِس وهو من لا يتمكّن من استمساك بوله يتوضّأ لكلّ صلاة كالمستحاضة (٣). وعن المبسوط : أنّه يجوز أن يصلّي بوضوء واحد صلوات كثيرة (٤). وعن المنتهي : أنّه يجمع بين الظهرين بوضوءٍ واحد ، وكذا العشاءين ، ويفرد كلّ صلاة غير هذه بوضوء (٥).

حجّة المشهور : عموم ما دلّ على الوضوء بحدوث الحدث ، خرج عنه حال الصلاة للضرورة ، وبقي الباقي. وكذلك عموم (إِذا قُمْتُمْ) (٦) وما في معناه.

واحتجّ الشيخ بعدم الدليل على تجديد الوضوء ، وحمله على الاستحاضة قياس.

ولعلّه منع شمول العمومين لما نحن فيه ، فإنّ المتبادر من الحدث هو الشائع

__________________

(١) في «ز» : يتبع.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٠.

(٣) انظر الخلاف ١ : ٢٤٩ ، والسرائر ١ : ٣٥٠ ، والمختلف ١ : ٣٠٩ ، وجامع المقاصد ١ : ٢٣٤ ، ومدارك الأحكام ١ : ٢٤٣.

(٤) المبسوط ١ : ٦٨.

(٥) المنتهي ٢ : ١٣٧.

(٦) المائدة : ٦.

٩١

وعموم (إِذا قُمْتُمْ) مخصّص بالمحدِثين كما مرّ ، فيحتمل أن يكون مراده : منع حدثيّة البول للسلِس ، ومنع حدثيّة المتقاطر منه دون المستمرّ إذا وجد له بول مُعتاد أيضاً.

و (١) موثّقة سماعة ، قال : سألته عن رجل أخذه تقطير في فرجه ، إما دم أو غيره ، قال : «فليصنع (٢) خريطة ، وليتوضّأ ، وليصلّ ، فإنّما ذلك بلاء ابتلي به ، فلا يعيدنّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» (٣).

فإن كان المسئول عنه هو غير البول من الدم والقيح والصديد ونحو ذلك كما هو الظاهر ، فلا دلالة للرواية ، بل هي دليل على خلافه. وإن جُعل المسئول عنه أعمّ بمعونة الإطلاق وترك الاستفصال ، فوجه دلالتها أنّ يجعل الحدث الذي يتوضّأ منه كناية عن البول المتعارف وغيره من الأحداث المتعارفة ، لا البول الغير المتعارف ، فلا يجب الوضوء للمتقاطِر.

ولا يبعد أن يكون ذلك هو مراد الشيخ أيضاً ، لا نفي حدثيّة مطلق البول للسلِس ، لأن جعل مطلق البول خارجاً عن الحدث الذي يتوضّأ منه بالنسبة إلى السلس وإرادة ذلك من اللفظ إلغاز وتعمِيَة ، ولو كان الراوي يعلم ذلك فلا وجه لسؤاله. وعلى هذا فتحصل قوّة لقوله إن أراد ذلك.

وتؤيّده أيضاً : حسنة منصور قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يعتريه البول ، ولا يقدر على حبسه قال ، فقال : «إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر ، يجعل خريطة» (٤).

ولم نجعلها دليلاً ، لأنّ العذر لا يتمّ إلّا بلزوم الحرج ، ولا حرج فيما ذهب إليه

__________________

(١) الواو ليست في «ح».

(٢) في «ز» : فليضع.

(٣) التهذيب ١ : ٣٤٩ ح ١٠٢٧ ، الوسائل ١ : ١٨٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٧ ح ٩.

(٤) الكافي ٣ : ٢٠ ح ٥ ، الوسائل ١ : ٢١٠ أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٢.

٩٢

المشهور. فكما أنّ الكون على الطهارة في الصلاة واجب ، فالدخول فيها معها أيضاً واجب ، ولا يسقط أحدهما بتعذّر الأخر.

حجّة العلامة : صحيحة حريز ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتّخذ كيساً ، وجعل فيه قطناً ، ثم علّقه عليه ، وأدخل ذَكَرَهُ فيه ، ثم صلّى ، يجمع بين الصلاتين (١) ، الظهر والعصر ، يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح» (٢)

وقد أُورد عليها : بأنّ الحِكمة في الجمع بين الصلاتين لعلّها تقليل النجاسة أو شي‌ء آخر لا نعلمه ، لا الجمع بوضوء واحد (٣).

وهو بعيد ، بل الظاهر منها ما استدلّ به كما في المستحاضة ، وهو أحوط من مذهب الشيخ ، كما أنّ المشهور أحوط منهما ، سيّما مع ملاحظة ما سيجي‌ء من وجوب الوضوء والبناء إذا حصل الحدث في أثناء الصلاة في البَطَن ، فالعمل على المشهور.

وأمّا البَطِن وهو الذي يعتريه غائط أو ريح على وجه لا يمكنه دفعه فالذي صرّح به الفاضلان (٤) وابن إدريس (٥) والشهيد (٦) : أنّه يجدّد الوضوء لكلّ صلاة ، والظاهر أنّه مذهب المشهور ، بملاحظة حكمهم بالوضوء والبناء في الأثناء كما سيجي‌ء. ولم يخالفهم العلامة هنا ، لكون النصّ مقصوراً على السلَس ، والدليل

__________________

(١) في «ح» : يجمع بين الصلاة بين. وفي المصدر : صلاتين.

(٢) الفقيه ١ : ٣٨ ح ١٤٦ ، الوسائل ١ : ٢١٠ أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ١.

(٣) الذخيرة : ٣٩.

(٤) المحقّق في المعتبر ١ : ١٦٣ ، والمختصر النافع ١ : ٦ ، والعلامة في القواعد ١ : ٢٠٥ ، والإرشاد ١ : ٢٢٣ ، والنهاية ١ : ٦٨.

(٥) السرائر ١ : ٣٥٠.

(٦) البيان : ٥١.

٩٣

عليه ما تقدّم. ولم يظهر من المبسوط موافقته هنا لحكمه في السلَس (١) ، وإن كان يظهر من الدّروس نسبته إليه (٢).

والأولى أنّ صاحب السلَس إذا كان له فترة مُعتادة تَسَع الطهارة والصلاة انتظرها. وكذا وجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء كما قالوه ، وربّما احتمل عدمه ، لعموم الأدلّة.

ثمّ إنّ المشهور في البطِن إذا فاجأه الحدث في الصلاة أنّه يتوضّأ ويبني ، لصحيحة محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ، ثم يرجع في صلاته ، ويتمّ ما بقي» (٣) وموثّقته لابن بكير مثلها (٤).

ويظهر من المختلف الاستمرار على الصلاة كصاحب السلَس ، لأنّه لو انتقضت الطهارة انتقضت الصلاة ، وليس فليس (٥). ومبناه اشتراط صحّة الصلاة بالطهارة المستمرّة ، وأنّه لا يكفي مطلق وقوع الصلاة بأجمعها على الطهارة. وهذا وإن كان ظاهر الأدلّة ، ولكن تُخصصه الروايتان المعتبرتان.

وقال في المختلف : إن كان يتمكّن من التحفّظ بمقدار الطهارة والصلاة ، فيتوضّأ ويستأنف ، لأنّه متمكّن من فعل الصلاة كاملة مع الطهارة المستمرّة (٦).

ولعلّ المشهور أيضاً يكون في ذلك موافقاً للمختلف ، وإنّما الخلاف في غير ما لَهُ فترة يمكن فيها التحفّظ ، وإلّا فعلى المشهور أيضاً يجب البناء لا الاستئناف ، والروايتان المتقدّمتان ظاهرتان في غير ما لَهُ فترة.

وأيضاً الظاهر أنّ موضع الخلاف ما إذا تمكّن من الدخول فيها مع الطهارة ، وإن

__________________

(١) المبسوط ١ : ٦٨.

(٢) الدروس ١ : ٩٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٧ ح ١٠٤٣.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥٠ ح ١٠٣٦ ، الوسائل ١ : ٢١٠ أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ٤.

(٥) المختلف ١ : ٣١١.

(٦) المختلف ١ : ٣١١.

٩٤

لم يمكن (١) ذلك فلا يجب الوضوء لما حدث في الأثناء. وكذا (٢) لو تمكّن من التلبس وتكثّرَ الحدث وتكرّرَ بحيث يستلزم تجديد الوضوء العُسر والحرج.

وأمّا حكم السلِس لو فجأه الحدث في الأثناء ، فيظهر من جماعة أنّه يتوضّأ ويبني (٣) ، والظاهر أنّ مرادهم فيما لو كان له فترة يمكن فيها التحفّظ بمقدار الطهارة والصلاة ، كما صرّح به في الدروس (٤). وعن التذكرة أنّه يستمرّ عند عدم إمكان التحفّظ ، ويتطهّر ويستأنف عند الإمكان (٥). وهذا أوفق بما تقدّم من الأحكام ، وألصق بالقواعد والأدلّة.

ولم نَقِف على ما دلّ على التوضّؤ والبناء إلّا رواية أبي سعيد القمّاط المذكورة في التهذيب في باب أحكام السهو في الزيادات (٦) (٧) ، وهي غير واضحة السند والدلالة (٨) ، وعليكَ بالاحتياط في هذه المسائل ، فإنّ أكثرها غير منقّحة في كلامهم.

الثامن : يستحبّ الوضوء لنفسه كما أشرنا ، ولأُمور :

منها : الصلاة المندوبة ، وتشرط به أيضاً ، وكلاهما إجماعي. ويدلّ عليه

__________________

(١) في «ز» زيادة : فيها.

(٢) في «ز» : ولذا.

(٣) السرائر ١ : ٣٥٠ ، المختصر النافع ١ : ٦.

(٤) الدروس ١ : ٩٤.

(٥) التذكرة ١ : ٢٠٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٥٥ ح ١٤٦٨.

(٧) قال سمعت رجلاً سأل أبا عبد الله عن رجل وجد غمزاً في بطنه أو أذى أو عصراً من البول وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة ، قال فقال : إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك ، فيتوضّأ ثم ينصرف إلى مصلّاه الذي كان يصلّي فيه ، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام ، الحديث (منه رحمه‌الله).

(٨) أما السند فلأنّ فيها موسى بن عمر بن يزيد ولم يوثّق ، وابن سنان والظاهر أنّه محمّد وهو ضعيف ، بالإضافة إلى أنّ راويها لم يوثّق. وأما الدلالة فلعدم دلالتها على حكم من فجأه الحدث.

٩٥

الأخبار عموماً ، مثل قولهم عليهم‌السلام «افتتاح الصلاة الوضوء ، وتحريمها التكبير» و «الصلاة ثلاثة أثلاث ، ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود» و «لا صلاة إلّا بطهور» وغير ذلك (١).

وخصوصاً في مثل صلاة الحاجة ، وصلاة الاستخارة وغيرهما.

ومنها : الطواف المندوب وسائر المناسك ، للأخبار. وفي صحيحة معاوية بن عمار إشارة إلى ما ذكر (٢). وسيجي‌ء الخلاف في اشتراط (٣) الطواف به.

ومنها : قراءة كتاب الله ومسّه وحمله ، وهو المشهور ، وعُلّلت بالروايات (٤) ، وبالتعظيم ، وفي عُدّة الداعي ما يدلّ على استحبابه للقراءة (٥).

ويرشد إلى حكم الأخيرين : ما ورد في حرمة مسّه وكراهة حمله بلا طهر (٦) ، مضافاً إلى استحبابهما في نفسهما. ولو لم يكن إلّا الشهرة لكَفَت ، بل وأقلّ منها أيضاً ، وكذا فيما سيجي‌ء مما لم يظهر فيه نصّ بالخصوص للمسامحة في أدلّة السنن ، كما هو مسلّم عند الخاصّة والعامّة ، منصوص عليه بالأخبار المعتبرة المستفيضة ، وقد حقّقنا المقال في كتاب مناهج الأحكام.

ومنها : دخول المساجد ، للأخبار المستفيضة جدّاً (٧).

ومنها : الاستدامة ، وهو المراد بالكون. والتغاير بين استحباب أصل الوضوء والوضوء للكون عليه واضح ، ويدلّ عليه (يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٨) وما رواه في

__________________

(١) أنظر الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء ب ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٥٠ ح ١٢٠١ ، الوسائل ٩ : ٤٤٣ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ١.

(٣) في «ح» زيادة : صلاة.

(٤) الوسائل ١ : ٢٦٩ أبواب الوضوء ب ١٢.

(٥) عدّة الداعي : ٢٨٧.

(٦) التهذيب ١ : ١٢٧ ح ٣٤٤ ، الاستبصار ١ : ١١٣ ح ٣٧٨ ، الوسائل ١ : ٢٦٩ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٣.

(٧) الوسائل ١ : ٢٦٦ أبواب الوضوء ب ١٠.

(٨) البقرة : ٢٢٢.

٩٦

البحار عن نوادر الراوندي ، وعن مجالس ابن الشيخ ، وفي غيرهما من الروايات أيضاً إشارات (١).

ومنها : التأهّب لصلاة الفريضة قبل دخول وقتها ، لإيقاعها في أوّل الوقت. فلا يدخل فيه ما لو أراد تسهيل الأمر ، لتعسّر تأخيره حتّى يدخل الوقت للبرد أو الكسل أو غير ذلك ، ويدخل فيه ما لو علم عدم تيسّر الصلاة له أوّل الوقت ، لكن يريد التهيّؤ (٢) للشروع فيها أوّل زمان التيسّر.

والدليل عليه بعد الشهرة : ما رواه في الذكرى : «ما وقّرَ الصلاة من أخّر الطهارة لها حتّى يدخل وقتها» (٣).

وقضيّة هذه الرواية وكلام الأصحاب : أنّ هذا الوضوء هو وضوء الصلاة ، لا أنّه مسقط عنه ، إذ لم يثبت مما ذكرنا في أوّل الباب ، إلّا أنّ وجوبه لا يثبت إلّا بعد دخول الوقت ، لخصوص (٤) الآية والرواية ، وإن كان مقتضى الوجوب الغيريّ عدم التقييد ، أمّا شرطيته له فلا اختصاص لها بدخول الوقت ، فإذا ثبت الدليل على استحباب التقديم فلا يلزمه حزازة.

ويمكن الاستدلال عليه بما دلّ على استحباب إتيان الصلاة في أوّل الوقت أيضاً ، لأنّ الأوّل الحقيقي من أفراد الأوّل العرفي ، فيشمله ، ولا يمكن إلّا بالإتيان به قبل الوقت. مع أنّ عموم ما دلّ على حُسن استباق الخيرات والمسارعة إلى المغفرة (٥) مع عدم ثبوت المنع من تقديم الشرط وشمول أدلّة إثبات

__________________

(١) البحار ٨٠ : ٢٣٨ ، ٣٠٤ ، ٣١٢.

(٢) في «ح» بالتهيّؤ ، وفي «ز» : للتهيّؤ.

(٣) الذكرى : ٩٦.

(٤) في «ز» : بخصوص.

(٥) وهما قوله تعالى (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ). آل عمران : ١٣٣ ، وقوله تعالى (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ). البقرة : ١٤٨ ، المائدة : ٤٨.

٩٧

الشرط له يثبته أيضاً.

ومنها : طلب الحوائج ، للشهرة ، ورواية عبد الله بن سنان (١).

ومنها : زيارة قبور المؤمنين ، وعلّله الشهيدان وغيرهما بالنصّ (٢).

ومنها : صلاة الجنازة ، وهو مشهور مدّعى عليه الإجماع من التذكرة والمنتهى (٣). وكذلك عدم الوجوب.

والأخبار ، أمّا في نفي الوجوب فكثيرة ، بل فيها التصريح بجوازها من الجنب والحائض (٤) ، وأمّا الاستحباب ففي رواية عبد الحميد بن سعد دلالة عليه (٥).

ومنها : التجديد ، وهو إجماع العلماء إلّا من شذّ من العامّة ، لاستفاضة الأخبار من الطرفين (٦).

ويستحبّ مطلقاً ، خلافاً لظاهر الصدوق في التجديد الثالث (٧) ، وللشهيد في أكثر من مرّة لصلاةٍ واحدة (٨) ، وتوقّف فيه في المختلف (٩) ، كالشهيد فيما لو لم يصلّ معه بعد.

والأقوى : الجواز مطلقاً ، لإطلاق الأخبار. لكنّ الذي ينساق من الأدلّة والأخبار والفتاوى : اعتبار فصلٍ معتدّ به ، بل بحيث يحتمل فيه طروء حدث ولو

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٩ ح ١٠٧٧ ، الفقيه ٣ : ٩٥ ح ٣٦٥ ، الوسائل ١ : ٢٦٢ أبواب الوضوء ب ٦ ح ١.

(٢) الذكرى : ٢٣ ، روض الجنان : ١٥.

(٣) التذكرة ٢ : ٦١ ، المنتهي (الطبعة الحجريّة) ١ : ٤٥٥.

(٤) الوسائل ٢ : ٧٩٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ، ٢٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٧٨ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ح ٤٧٦ ، الوسائل ٢ : ٧٩٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٢. وفيها : قلت لأبي الحسن (ع) : الجنازة يخرج بها ولست على وضوء فإن ذهبت أتوضّأ فاتتني الصلاة أيجزئ لي أن أُصلي عليها وأنا على غير وضوء؟ فقال : تكون على وضوء أحبّ إليّ.

(٦) الوسائل ١ : ٢٦٣ أبواب الوضوء ب ٨.

(٧) الفقيه ١ : ٢٦.

(٨) الذكرى : ٩٦.

(٩) المختلف ١ : ٣٠٧.

٩٨

ضعيفاً ، ليصدق عليه الجديد عرفاً.

وأمّا استحباب الوضوء متكرّراً متعاقِباً ولو عشرين مرّة بدون ذلك ، فهو أجنبي بالنسبة إلى المعهود من طريقة الشرع وأهله ، وإن احتمله بعض الأصحاب ، وكأنّ نظره إلى مثل قوله عليه‌السلام : «الطهر على الطهر عشر حسنات» (١) و «الوضوء على الوضوء نور على نور» (٢) وفي الدلالة تأمّل.

والظاهر استحبابه على الغسل أيضاً ، لعموم الخبر السابق ، وقول عليّ عليه‌السلام : «الوضوء بعد الطهر عشر حسنات» (٣) وكذلك استحبابه لغير الصلاة أيضاً ، مثل الطواف والقراءة وغيرهما ، للعموم.

ومنها : النوم ، للأخبار المستفيضة (٤) ، ويتأكد للجنب ، ففي الصحيح : «يكره ذلك حتّى يتوضّأ» (٥) وفي رواية : «إنّ الصادق عليه‌السلام كان ينام على ذلك إذا أراد العَود إلى الجماع» (٦).

ويمكن أنّ يقال : إنّ النوم على الجنابة لا يستلزم عدم التوضّؤ ، لكن يلزمه ترك الأفضل ، أعني الغسل. ويمكن اختصاص الأفضليّة بحال عدم إرادة العود.

ومنها : جماع المحتلِم ، وعلّله الشهيد بالنصّ (٧) ، وفي نزهة الناظر إشارة إلى وجود الرواية (٨) ، وتكفي الشهرة أيضاً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٢ ح ١٠ ، الوسائل ١ : ٢٦٤ أبواب الوضوء ب ٨ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥ ح ٨٢ ، الوسائل ١ : ٢٦٥ أبواب الوضوء ب ٨ ح ٨.

(٣) المحاسن : ٤٧ ح ٦٣ ، الوسائل ١ : ٢٦٥ أبواب الوضوء ب ٨ ح ١٠.

(٤) الوسائل ١ : ٢٦٥ أبواب الوضوء ب ٩.

(٥) الفقيه ١ : ٤٧ ح ١٧٩ ، الوسائل ١ : ٥٠١ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ٤٧ ح ١٨٠ ، الوسائل ١ : ٥٠١ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٢.

(٧) الذكرى : ٢٣.

(٨) نزهة الناظر : ١٠.

٩٩

وللجماع بعد الجماع ، وإن لم يذكره الأصحاب في الوضوءات المشهورة ، لصحيحة فلان بن محرز ، رواها في كشف الغمّة (١).

ومنها : جماع الحامل ، كما في وصيّة النبيّ لعليّ عليهما‌السلام (٢).

ومنها : وطء جارية بعد أُخرى ، لرواية عثمان بن عيسى (٣).

ومنها : تغسيل الجنب للميت.

ومنها : جماع غاسل الميّت قبل الغسل ، وتدلّ عليهما رواية شهاب بن عبد ربّه (٤).

ومنها : مُريد إدخال الميّت قبرَه.

ومنها : تكفين الميت قبل الغسل لمن غسّله.

ومنها : وضوء الميّت ، وسيجي‌ء.

ومنها : ذكر الحائض وقت صلاتها على المشهور ، لأخبار معتبرة ظاهرة في الاستحباب (٥). وأوجبه عليّ بن بابويه (٦) ، لصحيحة زرارة : «وعليها أن تتوضّأ وضوء الصلاة عند وقت كلّ صلاة ، ثمّ تقعد في موضع طاهر ، فتذكر الله عزوجل» (٧) و (٨) الأوّل أقوى.

ومنها : وضوء ما بعد الاستنجاء للمتوضّئ قبله ، ولو كان قد استجمر على

__________________

(١) كشف الغمّة ٢ : ٣٠٢ ، الوسائل ١ : ٢٧٠ أبواب الوضوء ب ١٣ ح ٢. وفيها : كان أبو عبد الله (ع) إذا جامع وأراد أن يعاود توضّأ وضوء الصلاة ، وإذا أراد أيضاً توضّأ للصلاة.

(٢) الفقيه ٣ : ٣٥٩ ح ١٧١٢ ، الوسائل ١ : ٢٧٠ أبواب الوضوء ب ١٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٥٩ ح ١٨٣٧ ، الوسائل ١٤ : ١٩٢ أبواب مقدّمات النكاح ب ١٥٥ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٤٨ ح ١٤٥٠ ، الوسائل ١ : ٥٢٦ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٣.

(٥) الوسائل ٢ : ٥٨٧ أبواب الحيض ب ٤٠.

(٦) نقله عنه في الفقيه ١ : ٥٠ ، الهداية : ٢٢.

(٧) الكافي ٣ : ١٠١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٥٩ ح ٤٥٦ ، الوسائل ٢ : ٥٨٧ أبواب الحيض ب ٤٠ ح ٢.

(٨) في «ح» زيادة : الأقوى.

١٠٠