غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

القسم الأوّل

في العبادات

٦١
٦٢

وهي : ما تحتاج صحّتها إلى النيّة. والمكلّف بها هو البالغ العاقل. والمندوب ليس بتكليف كما حُقّق في محلّه.

وعبادات الصبي المميّز (١) شرعية على الأقوى ، لأنّ الأمر بالأمر أمر عُرفاً ، والقرينة نافية للوجوب ، فيبقى الاستحباب. وللزوم الظّلم عليه تعالى عن ذلك لو خلا عمله عن الثّواب.

وحجّة القائل بكونها تمرينيّة : كونه غير مكلّف ، وخطاب الشّرع إنّما يتعلّق بالمكلّفين ، وأنه لو كان الأمر بالأمر أمراً لكان قولك لآخر : «مر عبدك بالتّجارة» عدواناً.

والجواب عن الأوّل : أنّ المندوب ليس بتكليف ، وتحمّل مشقّة الندامة على ترك الفعل للحرمان عن ثوابه ليس مشقّة على الفعل المكلّف به ، وهو المراد من ظاهر التكليف (٢).

وعن الثاني : منع انحصار الحكم الشرعي فيه كما حُقّق في محلّه (٣).

وعن الثّالث : بأنّ القرينة قائمة على كونه للإرشاد.

وأما استحباب تمرين الولي فلا إشكال فيه. والأخبار في مبدئه مختلفة ، محمولة على

__________________

(١) المميّز ليست في «م».

(٢) يعني أنّ المراد من التكليف هو تحميل مشقّة وكلفة الفعل المكلّف به على العبد دون مشقّة الندامة على فوت الثواب وأمثالها.

(٣) انظر قوانين الأُصول : ١٥٥.

٦٣

مراتب التأكيد.

ثمّ لا إشكال في اشتراط البلوغ والعقل في التكليف ، للإجماع ، والأخبار (١) ، والاعتبار. وإنّما الإشكال في حدّ البلوغ ، وله علامات :

الاولى : خروج المني مُعتاداً مُطلقاً للذكر والأُنثى ، بالإجماع ، والأخبار (٢) ، وقوله تعالى (حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) (٣) و (لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) (٤) ونحوهما مؤوّل بذلك ، ولا يكفي الاستعداد.

والثّانية : إنبات الشعر الخشِن على العانة ، للإجماع ، والأخبار (٥). والحكم معلّق (٦) عليه في الأخبار ، فما ذهب إليه المشهور «من كونه علامة لسبق البلوغ ، لأنّ الأحكام متعلّقة بالاحتلام ، فلو كان غيره أيضاً بلوغاً لم يختصّ الحكم بذلك» (٧) فيه ما فيه. وكما أنّ السّنّ مخصّص لذلك فكذلك الإنبات. مع أنّه منقوض بما لم تسبقه إحدى العلامات جزماً.

وأما شعر الإبط والفخذ وغيرهما ، فلم يعتبره الأصحاب. وفي شعر اللحية قول بالبلوغ (٨) ، ويشعر به بعض الأخبار (٩) ، ولا يخلو من قوّة.

والثّالثة : السنّ ، والأقوى إكمال خمس عشرة سنة للذّكر ، وتسع للأُنثى. للأصل

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٧ أبواب مقدّمة العبادات ب ٣ ٤.

(٢) الوسائل ١ : ٣٠ أبواب مقدّمة العبادات ب ٤.

(٣) النساء : ٦.

(٤) النور : ٥٨.

(٥) الوسائل ١ : ٣٠ أبواب مقدّمة العبادات ب ٤.

(٦) في «ح» : المعلّق.

(٧) كفاية الأحكام : ١١٢.

(٨) المبسوط ٢ : ٢٨٣ ، الروضة البهيّة ٢ : ١٤٥.

(٩) الكافي ٧ : ١٩٧ ح ١ ، الوسائل ١ : ٣٠ أبواب مقدّمة العبادات ب ٤ ح ٢. وجاء فيه : أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك.

٦٤

والأخبار المعتبرة (١) ، وظاهر دعوى الإجماع من كنز العرفان في الأوّل (٢) ، وصريحها في الثاني من ابن إدريس ، حيث شنّع على القائل «بكون كمال العشر بلوغاً للأُنثى» بمخالفة الإجماع على التسع (٣).

وقيل بإكمال أربع عشرة في الذّكر (٤) لرواية غير واضحة (٥) ، وقيل بالدّخول فيه (٦) لأخبار معتبرة الإسناد (٧) ، معارضة بأقوى منها.

وأمّا الحيض والحمل فيثبت بهما البلوغ ، للإجماع ، والأخبار.

والمشهور والمعروف من الأصحاب كونهما مع ذلك علامة لسبق البلوغ.

فإنّ الحيض لا يكون إلّا بإكمال التّسع بالإجماع ، فإمكان الحيض موجب للحكم بكونه حيضاً كما سيأتي ، والحكم بكونه حيضاً دليل على سبق إكمال التّسع ، لأنّ الحيض لا يكون إلّا بعد إكماله. لا أنّه لا يجوز الحكم بالحيض إلّا بعد العلم بإكماله حتّى يلزم الدّور ، فالكلام فيما جهل السنّ وحكم بكون الدم حيضاً مع إمكانه.

وأمّا الحمل فلأنّه مسبوق بالإنزال.

ويَرِد على الأوّل أنّهما قد يتقارنان في الوجود.

وعلى الثاني مضافاً إلى ذلك أنّ الإنزال الذي هو نفس البلوغ : هو الخروج من الفرج ، لا النّزول في الرّحم ، ولا الاستعداد كما مرّ ، إلّا أن يقال بعدم إمكان الحمل قبل

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٠ أبواب مقدّمة العبادات ب ٤.

(٢) كنز العرفان ٢ : ١٠٢.

(٣) السرائر ١ : ٣٦٧ كتاب الصيام ، نقل عن الشيخ في المبسوط القول بعشر سنين ، وعن نهايته القول بتسع سنين ، وقال : وهو الصحيح لأنّه لا خلاف بينهم أنّ حدّ بلوغ المرأة تسع سنين.

(٤) نقله عن ابن الجنيد في المختلف (الطبعة الحجريّة) : ٤٢٣.

(٥) المختلف (الطبعة الحجريّة) : ٤٢٣.

(٦) من لا يحضره الفقيه ٤ : ١٦٤ ، المدارك ٦ : ١٥٩ ، وانظر مفتاح الكرامة ٥ : ٢٣٩.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٨٠ ح ١٥٨٨ ، الخصال : ٤٩٥ ح ٤ ، تفسير العياشيّ ٢ : ٢٩١ ح ٧١ ، الوسائل ١ : ٣٢ أبواب مقدّمة العبادات ب ٤ ح ١٢ ، مستدرك الوسائل ١ : ٨٧ أبواب مقدّمة العبادات ب ٤ ح ٨.

٦٥

إكمال التسع ، فهو أيضاً مسبوق به ، فحينئذٍ يَرِدُ عليه إمكان المقارنة في الوجود بالنسبة إلى بلوغ التسع.

ويمكن الاعتذار عن ذلك : بأنّ السبق أعمّ من السبق بالعِلّيّة كحركة اليد والمفتاح ، فحينئذٍ يبقى النزاع بلا فائدة يعتدّ بها.

والفائدة الّتي ذكروها هي صحّة العقد منها إذا وقع متّصلاً بالحيض وانعقاد النُّطفة ، وقلّ ما يحصل العلم بذلك ، ولعلّ نظرهم إلى ترجيح الظاهر على الأصل ، وهو وَجيه.

ثم إنّ الأخبار الكثيرة المختلفة في وجوب الصلاة بالستّة والثمانية والتسعة للذكَر ، وبحصول خمسة أشبار ، وحصول البلوغ بالعشر إذا كان بصيراً ، محمولة في العبادات على التمرين ومراتبه. وقد يُعمل على بعضها في غير العبادات ، كالوصايا والحدود ، كما يجي‌ء في أبوابها ، والظاهر أنّها من باب الوضع ، لا أنّ البلوغ والتكليف يختلف بحسب الموارد. وأمّا العبادات فالأقوال في ثبوت الأحكام فيها منحصرة فيما ذكرنا ، فلنشرع في العبادات مقدّماً للأهمّ.

٦٦

كتاب الطهارة

وهو يستدعي رسم مقدّمة وفصول

٦٧
٦٨

أما المقدّمة

فالطهارة في اللغة : النَّظافة والنزاهة ، وفي الاصطلاح : اسم للوضوء والغسل والتيمّم.

والأظهر أنّها حقيقة فيما يُبيح الصلاة منها ، بل ما لا يجامع (١) الحدث الأكبر على إشكال ، للتبادر ، وصحّة السلب عن غيرها.

بل الظاهر كونها حقيقة شرعيّة في ذلك أيضاً ، سيّما في زمان الصادقين ومن بَعدهما عليهم‌السلام ، للاستقراء ، ونفي اسم الطهارة عن وضوء الحائض في بعض الأخبار.

والأظهر كونها حقيقة في إزالة الخبث أيضاً ، فتكون مشتركة.

ثمّ على الأوّل : الأظهر كونها مشكّكة ، لا مشتركة بين الثلاثة ، ولا متواطِئة ، ولا حقيقة في المائيّة مجازاً في الترابيّة.

وكلّ منها ينقسم إلى واجب وندب :

فالواجب من الوضوء ما كان لصلاة واجبة ، أو طواف واجب ، أو لمسّ كتابة القرآن إن وجب.

__________________

(١) في «ز» : ما يجامع.

٦٩

والغسل يجب لهذه ، ولدخول المسجدين ، والمكث في سائر المساجد إن وجبا ، ولقراءة العزائم كذلك.

وأما التيمّم ، فيجب لما تجب فيه الطهارتان ، وفي بعض مواضع أُخر يأتي تفصيلها. وقد تجب الثلاثة بنذر وشبهه.

٧٠

الفصل الأوّل

في الوضوء

وفيه مقاصد :

٧١
٧٢

المقصد الأوّل

في أحكامه وأقسامه وموجباته

وفيه مباحث :

المبحث الأوّل : لا ريبَ في وجوب الوضوء للصلاة واشتراطها به ومعنى وجوب الشي‌ء للغير : تعلّق طلب الشارع به حتماً لأجل تحصيل صحّة الغير أو جوازه. والطلب قد يكون بالصريح (١) ، وقد يكون بالإشارة ، مثل مقدّمة الواجب على ما حقّقناه في الأُصول.

والظاهر توجّه الذم إلى تركِ ذلك لأجل تركه أيضاً إن تعلّق به الخطاب صريحاً ، كما صرّح به جماعة من المحقّقين (٢) ، وادّعى عليه الإجماع بعضهم ، وهو صريح أكثر القائلين بوجوب المقدّمة أيضاً مطلقاً.

ومعنى الاشتراط : هو توقّف صحّة الغير عليه أو جوازه. وقد يطلق عليه الوجوب مجازاً ، كما في الوضوء للنافلة (٣).

__________________

(١) في «م» : بالتصريح.

(٢) كما في المعالم : ٦١.

(٣) في «ز» : وضوء النافلة.

٧٣

وأمّا ما يقال : من أنّ الوجوب للغير معناه أنّ تاركه يعاقب لاستلزامه ترك ذلك الغير ، فلا يُفهم منه معنى إلّا الشرطيّة (١) ، فإنّ ترك الشرط يستلزم بطلان المشروط ، فلم يبقَ لفرقهم بينهما وجه ، وكلماتهم كما ترى تُنادي بالتفرقة.

وممّا يؤيّد ذلك : ما سنذكر في استحباب الوضوء للتأهّب (٢) للفريضة فلاحظ ، ووجوب قصد القربة في النيّة وعدم اشتراطها به عند السيد رحمه‌الله ، فإنّ الظاهر أنه لا ينكر الوجوب في النيّة (٣).

فأمّا الدليل على وجوب الوضوء للصلاة فهو الإجماع ، بل الضرورة ، والأخبار الكثيرة المعتبرة.

وكذلك اشتراطها به إجماعيّ ، مدلول عليه بالأخبار ، مثل قوله عليه‌السلام في الصحيح «لا صلاة إلّا بطهور» (٤) فإن أقرب مجازاته نفي الصحّة ، وفي معناه أخبار كثيرة. وبعد ثبوت الاشتراط يثبت دليل آخر على الوجوب ، بناءً على وجوب المقدّمة أيضاً.

وأمّا الطّواف ، فوجوبه له أيضاً إجماعيّ ، كما نقله جماعة (٥). وتدلّ عليه الأخبار ، منها صحيحة محمّد بن مسلم : عن رجلٍ طافَ طواف الفريضة وهو على غير طَهور ، فقال : «يتوضّأ ويعيد طوافه ، وإن كان تطوّعاً توضّأ وصلّى ركعتين» (٦)

__________________

(١) في «ز» زيادة : بل مع وجوب المشروط.

(٢) في «ز» زيادة : ففيه الاشتراط للوجوب.

(٣) الانتصار : ١٧.

(٤) التهذيب ١ : ٤٩ ح ١٤٤ ، وص ٢٠٩ ح ٦٠٥ ، وج ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٥) منهم الشيخ في الخلاف ٢ : ٣٢٢ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٧٨ ، والعلامة في المنتهي (الطبعة الحجريّة) ٢ :. ٦٩.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣ ح ١ ، وفي التهذيب ١ : ١٠٢ ح ٢٦٨ بتفاوت ، الوسائل ١ : ١٧٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٧.

٧٤

وهي (١) تدلّ على اشتراطه به أيضاً ، كما تدلّ على عدم اشتراط النافلة به.

وأمّا مسّ كتابة القرآن ، فوجوبه من جهة حُرمة المسّ على المحدث بالحدث الأصغر ، فلا يتمّ الواجب إلّا بالوضوء.

وأمّا حُرمة المسّ ، فهو قول الأكثر ، وادّعى الشيخ الإجماع (٢) ، وتدلّ عليه الآية (٣) والأخبار ، مثل موثّقة أبي بصير (٤) ، ومرسلة حريز (٥) ، وغيرهما.

وأمّا صحيحة عليّ بن جعفر القائلة بحرمة كِتابة القرآن من دون وضوء (٦) ، فالظاهر أنّه لعدم انفكاك الكتابة عن المسّ غالباً ، وإلّا فلا قائل به.

وقيل بالعدم (٧) ، للأصل ، وعدم معهوديّة منع الصبيان عن ذلك من السلف.

والأصل لا يعارض الدليل. والثاني ممنوع ، مع أنّه لا يستلزم المدّعى ، فإن عدم القول بالفصل ممنوع ، وكذلك وجوب المنع على الوليّ.

وأما القدح في دلالة الآية باحتمال إرادة اللوح المحفوظ عن مسّ غير الملائكة المطهّرين ، فهو خروج عن الظاهر لوجوه كثيرة ، مع أنّه يظهر من الطبرسي الإجماع

__________________

(١) في «ز» زيادة : ركعتين.

(٢) التبيان ٩ : ٥١٠ سورة الواقعة ، قال : وقد استدلّ بهذه الآية على أنّه لا يجوز للجنب والحائض والمحدث أن يمسّوا القرآن .. وقال قوم : إنّه لا يجوز أنّ يمسّوا الكتاب الذي فيه ولا أطراف أوراقه .. وعندنا أنّ الضمير راجع إلى القرآن.

(٣) قوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الواقعة : ٧٩.

(٤) الكافي : ٣ : ٥٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٢٧ ح ٣٤٣ ، الاستبصار ١ : ١١٣ ح ٣٧٧ ، الوسائل ١ : ٢٦٩ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ١ ، عمّن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء قال : لا بأس ، ولا يمسّ الكتاب.

(٥) التهذيب ١ : ١٢٦ ح ٣٤٢ ، الاستبصار ١ : ١١٣ ح ٣٧٦ ، الوسائل ١ : ٢٦٩ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٢. وفيها قول أبي عبد الله (ع) لولده إسماعيل : يا بنيّ اقرأ القرآن ، فقال : إنّي لست على وضوء ، فقال : لا تمسّ الكتاب ، ومسّ الورق واقرأ.

(٦) التهذيب ١ : ١٢٧ ح ٣٤٥ ، الوسائل ١ : ٢٧٠ أبواب الوضوء ب ١٢ ح ٤.

(٧) ذهب الشيخ في المبسوط ١ : ٢٣ ، وابن البرّاج في المهذّب ١ : ٣٢ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٥٧ إلى الكراهة ، واختاره في المدارك ١ : ٢٤٢.

٧٥

على رجع الضمير إلى القرآن (١).

المبحث الثاني : لا وجوب للوضوء بنفسه ، إلّا من جهة نذرٍ وشبهه كما سيأتي.

وقيل بوجوب الطهارات أجمع بنفسها عند حصول أسبابها ، وجوباً موسّعاً لا يتضيّق إلّا بظنّ الموت (٢). والحقّ هو الأوّل ، فلا يتعلّق غرض بوجوبه إلّا تصحيح مشروطاته.

وهذا المعنى لا يقتضي توقّف الوجوب للغير على دخول وقت المشروط كما ظنّ ، بل مع ظنّ إدراكه الوقت صحيحاً سالماً يجب عليه الإتيان بمقدّماته وجوباً موسّعاً ولو قبل الوقت ، إلّا أن يقيّد بدليل كما في خصوص الوضوء والغسل للصلاة. ولذلك يجوز الاغتسال في أوّل الليل من شهر رمضان بنيّة الوجوب لصوم الغد مع ظنّ السلامة وإدراك الصوم كما سيجي‌ء ، خلافاً للمشهور.

فتظهر الثمرة بين القولين حينئذٍ فيما لو حصل ظنّ الموت قبل الوقت ، فلا يجب على المختار ، بخلاف القول الأخر.

وأمّا تضيّق وقته بتضيّق المشروط ، فإنّما هو من جهة الوجوب الغيري الذي هو محلّ الوفاق ، فلا اختصاص له بأحد القولين.

وأمّا الثمرة في خصوص الوضوء والغسل فتحصل في عدم جواز نيّة الوجوب قبل الوقت على المختار ، لخصوص الدليل على عدم الوجوب قبل الوقت ، بخلاف القول الأخر.

لنا على ما اخترناه : الأصل ، والإجماع نقله جماعة ، منهم العلامة والمحقّق

__________________

(١) مجمع البيان ٥ : ٢٢٦.

(٢) نقل عن الراوندي في الذكرى : ٢٣ ، القول بوجوب الغسل لا بشرط ، وقال : وربّما قيل بطرد الخلاف في كلّ الطهارات ، لأنّ الحكمة ظاهرة في شرعيّتها مستقلّة.

٧٦

الثاني والشهيد الثاني (١). والآية منطوقاً (٢) ، لتبادر غرضيّة (٣) الشرط للجزاء في مثل هذه المادّة المتكيّفة بالهيئة التعليقيّة الشرطيّة. ومفهوماً ، لحجّيته على المختار المحقّق. وصحيحة زرارة : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (٤).

وتوهّم إرادة الجميع فلا يحصل من المفهوم إلّا عدم البعض وهو الصلاة بعيد عن السياق ، وعن المعنى المحقّق للواو ، وهو مطلق الجمع ، لا الترتيب ولا المعيّة.

وفي الأخبار الواردة في علل الوضوء وغيرها أيضاً إشارات لطيفة إلى ما ذكرنا. ويؤيّده كونه مما تعمّ به البلوى ، ويحتاج إليه الناس ، ولا بد أن يكون الأمر في مثله أوضح من أن يحتاج إلى البيان ، ومع ذلك صار مهجوراً مثل هذا الهجر ، ولم يلتزم المؤمنون فعلها عند حدوث الأحداث سيّما الصلحاء ، ولم يُعهد ذلك في حقّ الظانّين بالموت قبل الوجوب.

وأمّا ما تعلّق به الخصم من الإطلاقات والظواهر الكثيرة الدالّة على وجوبه بحصول الأحداث (٥) ، ففيه أوّلاً : أنّ القرينة قائمة على كونها محمولة على ما بعد دخول الوقت ووجوب المشروط بقرينة فهم الفقهاء وترك ظاهرها بحيث آلَ الأمر إلى ما ترى ، وظهورها في بيان الناقض لا الموجب ، خصوصاً مع تأدّي نظائرها من الواجبات الغيريّة بمثلها ، كغسل الثياب والأواني.

وثانياً : إنّها مقيّدة بما ذكرنا ، أو يُحمل إطلاقها على الاستحباب.

الثالث : إنّما يجب الوضوء لما يجب له على غير المتطهّر وإن كان ظاهر الآية

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٤٨ ، جامع المقاصد ١ : ٢٦٣ ، روض الجنان : ١٤.

(٢) قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ). المائدة : ٦.

(٣) في «ز» : عرضيّة.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢ ح ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٦ ، الوسائل ١ : ٢٦١ أبواب الوضوء ب ٤ ح ١.

(٥) انظر مدارك الأحكام ١ : ١٠.

٧٧

والأخبار الإطلاق أو (١) العموم ، للإجماع ، وعدم ثبوت تقييد إطلاقات الصلاة باشتراط الوضوء إلّا في غير المتطهّر. مع أنّ السيّد ادّعى إجماع المفسّرين على أنّ المراد من الآية القيام من النوم (٢) ، ووردَ به الموثّق (٣).

فعلى هذا فيجوز للمتطهّر الدخول في الصلاة ، نفلاً كانت الطهارة أو فرضاً ، لنافلة كانت أو لفريضة ، للإجماع ، نقله ابن إدريس (٤) ، ونفى عنه الخلاف في التذكرة (٥) ، وتظهر دعواه من آخرين أيضاً (٦).

ويدلّ عليه : أنّ الحدث حالة وجوديّة كالطهارة يوجب ارتفاعها حصول الطهارة ، أما الأوّل فللأخبار المستفيضة المعتبرة الواردة في علل الوضوء ، ففي الصحيح «أنه لتزكية الفؤاد» (٧) ونحو ذلك. وتُشير إليه الأخبار الواردة في علّة نجاسة البول والغائط ، وأنّها من أثر الشيطان حيث دخلَ في جَوفِ آدم عليه‌السلام وخرج من دُبره (٨). والأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ من بَسمَلَ (٩) في أوّل وضوئه طَهُر جميع جسده ، ومن لم يسمّ تطهُر مواضع وضوئه (١٠) ، فهذه كلّها تدلّ على أنّ خروج

__________________

(١) في «ز» : و.

(٢) الانتصار : ٣٠.

(٣) قال ابن بكير : قلت لأبي عبد الله (ع) قوله تعالى «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ» ما يعني بذلك؟ قال : إذا قمتم من النوم التهذيب ١ : ٧ ح ٩ ، الاستبصار ١ : ٨٠ ح ٢٥١ ، الوسائل ١ : ١٨٠ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٧.

(٤) السرائر ١ : ٩٨.

(٥) التذكرة ١ : ٢٠٥.

(٦) كالشيخ في التهذيب ١ : ٢٠١ ، والعلامة في المنتهي ٢ : ١١٣.

(٧) عيون أخبار الرضا «ع» ٢ : ١٠٤ ، ١١٥ ، علل الشرائع : ٢٥٧ ، ٢٦٨ ، الوسائل ١ : ٢٥٧ أبواب الوضوء ب ١ ح ٩.

(٨) علل الشرائع : ٢٧٥ ح ٢ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٥٧ أبواب النجاسات ب ٤ ح ٤.

(٩) في «ز» : يسمّي.

(١٠) الوسائل ١ : ٢٩٧ أبواب الوضوء ب ٢٦.

٧٨

الأحداث يُوجب حالة رذيلة في البدن ، مسبّبة عن (١) غَضاضة نفسانيّة تحصل للنفس توجب عدم جواز الدخول في العبادة ، أو عدم حصول كمالها إلا بإزالتها ، ولا نَعني بالحدث إلّا تلك الحالة (٢).

وأمّا الطهارة التي هي ضدّها فهي إنّما تحصل بسبب الوضوء وغيره ، فإذا (٣) ارتفعت تلك الحالة فلا يبقى المنع. فالمستفاد من الأخبار أنّ الوضوء يرفع الحدث ، ولا مانع للدّخول في الصّلاة بالفرض إلّا الحدث.

واحتمال كون الحدث ذا مراتب يرتفع بعضها ببعض الوضوءات دون بعض ، أو حصول أحداث متعدّدة بالنسبة إلى المشروطات يحتاج رفع كلّ منها إلى وضوء ، مما لا تتطرّق إليه أفهام أهل اللسان ، بل ولا أفكار الفقهاء ، ولا تنصرف إليه إطلاقات الأخبار. والمستفاد منها رفع الحدث بالطّهارات ، لا رفع مرتبة من مراتبه ، أو شأن من شئونه وشعبة من شعبه ، والمتبادر أنّهما حالتان بسيطتان لا تركّب فيهما أصلاً.

ويدلّ عليه أيضاً : إطلاق صحيحة زرارة : «لا صلاة إلّا بطهور» (٤) ؛ وفي معناها أخبار كثيرة ، وموثّقة ابن بكير : «إذا استيقنت أنّك قد توضّأت فإيّاك أن تُحدث وضوءاً حتّى تستيقن أنّك أحدثت» (٥) والأخبار المعتبرة الحاصرة للنواقض ، والإطلاقات الواردة بالمشروطات. هذا كلّه إذا كان الوضوء رافعاً للحدث.

وأمّا في مثل الوضوء التجديدي ، والوضوء للنوم ، والوضوء للمذي ونحو ذلك ، فإن قلنا بأنّ الوضوء للنوم إنّما هو لرفع الحدث وحصول الطهر لينام

__________________

(١) كلمة عن ليست في «ح».

(٢) في «م» : العبارة ، بدل الحالة.

(٣) في «م» : وإذا.

(٤) التهذيب ١ : ٤ ٩ ح ١٤٤ ، وص ٢٠٩ ح ٦٠ ٥ ، ج ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٢ ح ٢٦٨ ، الوسائل ١ : ١ ٧٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٧.

٧٩

على هذه الحالة كما هو الأظهر فيجي‌ء الحكم بالجواز حينئذٍ.

وأمّا الوضوء التجديدي إذا ظهر كونه محدثاً قبله ، فيشكل الأمر فيه ، من جهة عدم قصد الرفع والاستباحة فيه ، ومن جهة إطلاق الطهر عليه في الأخبار ، مثل قولهم عليهم‌السلام : «الطهر على الطهر عشر حسنات» (١) ونحوه. والظاهر كونه مجازاً للمجاورة أو للشّباهة ، وكذلك الوضوء للمذي.

وأمّا في لزوم قصد الإباحة والرفع ، أو أحدهما ، أو الاكتفاء بقصد ما لا يجتمع مع الحدث صحّة أو كمالاً من الغايات فيدلّ عليهما بالالتزام ، أقوال واحتمالات ، الأظهر : الاكتفاء فيما نحن فيه بما يكون المقصود رفع الحدث صريحاً أو التزاماً ، وكذلك قصد الاستباحة فيما لا يُباح إلّا برفع الحدث. وأمّا مع قصد رفع الحدث صريحاً فلا إشكال ، وسيجي‌ء الكلام في اشتراط المذكورات في أصل النيّة وعدمه.

الرابع : لا يجب الوضوء إذا شكّ في حصول الناقض للطهارة السابقة بالإجماع والأخبار المعتبرة الدالة بعمومها على عدم جواز نقض اليقين إلّا بيقين ، وبخصوصها في الوضوء (٢). كما يجب فيما لو شكّ في حصول الطهارة عقيب الحدث بالإجماع ، والأخبار العامّة المتقدّمة.

وكذلك يجب فيما لو تيقنهما وشكّ في المتأخّر ، سواء علم حاله قبلهما أم لا ، فإنّ الحالة السابقة قد انقطعت بهما جزماً ، إن حدثاً فبالطهارة ، وإن طهارةً فبالحدث.

ثمّ لا يمكن استصحاب الطّهارة اللاحقة لاحتمال تقدّمه على الحدث ، ولا الحدث لاحتمال تأخّر الطهارة عنه ، فيتساقطان. وعموم الأدلّة يقتضي

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٢ ح ١ ، الوسائل ١ : ٢٦٤ أبواب الوضوء ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٨ ح ١١ ، وص ٤٢١ ح ١٣٣٥ ، الوسائل ١ : ١٧٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١ ، وص ٣٣٢ أبواب الوضوء ب ٤٤.

٨٠