غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

ودرّس بها وألّف كثيراً من كتبه بها ، حتّى أصبح من كبار المحققين وأفاضل المؤسسين ، وأعاظم الفقهاء المتبحّرين ، والجامعين ، المتفنّنين ، واشتهر أمره ، وطارَ ذِكره ، ولقّب بالمحقّق القمي ، فتوجّهت الناس إليه ، وكثُر الإقبال عليه ، ورجع إليه بالتقليد ، فنهض بأعباء الخلافة والزعامة ، قائماً بوظائف التصنيف والتأليف والتدريس ، وقد تخرّج على يده جماعة من أقطاب العلماء ورجال الدين والعمد والأركان لا يكاد يحصى عددهم ، ويروي عنه جماعة من الأعاظم ، ويأتي تفصيل ذلك.

كما ويعدّ الميرزا القمي حلقة الوصل بين تأسيس حوزة قم ، وبين تجديد حياتها على يد الفقيه الشيخ عبد الكريم الحائري.

علوّ همّته

إنّ من جملة ما يُحكى عن علوّ همّته في أمر الدراسة والمطالعة في أيام الاشتغال بالتحصيل أنه كان إذا غلبه النوم في أواخر الليل ، يضع سراجه تحت طاسة ، ثم يضع يديه عليها وجبهته الشريفة عليهما ويكتحل عليه بشي‌ء من النوم بقدر ما تسخن الطاسة من حرارة وهج السراج ، فلا يطيق وضع يديه بعد ذلك عليها ؛ فأعظم به من احتمال المرارة والأذى ، ومخالفة النفس والهوى ، في مقام تأييد الدين المبين ، والمجاهدة في سبيل ربّ العالمين.

ونقل أيضاً أنّ الميرزا القمي لمّا عكفَ على تأليف كتاب القوانين المحكمة ومن جرّاء شدّة تعمّقه وتفكّره في مسائله وبذل الجهد فيه أُصيب بعد فراغه منه في سمعه الشريف ، وابتلي بثقل السامعة ، وثقيل آفة الصمم دون الخفيف.

ويذكر أنه لمّا فرغ من كتاب القوانين ذهبوا بنسخة منه إلى حضرة مولانا السيد مهدي بحر العلوم في النجف الأشرف على مشرّفها السلام ، فلمّا أن رآها المرحوم السيد وأحاط خُبراً ببعض مطاوي الكتاب بعد المطالعة ولم يعلم من هو مصنّفه ، فقال لمن جاء بالنسخة : يا هذا لاحظت هذا الكتاب ، ولم أدر ممن هو ، إلّا أنّ صاحبه قد

٤١

أُصيب في بعض مشاعره لا محالة ، أم لا بدّ له من آفة تنزل على سمعه أو بصره ، فقيل له : بلى إنّه من تأليفات مولانا الميرزا القمي ، وقد أُصيب بعد فراغه منه بثقل السامعة كما بيّنا ، فتعجّب الحاضرون والسامعون من فراسة السيد بحر العلوم ، بل كرامته.

الميرزا القمي وصاحب الرياض

كان بين الميرزا القمي والسيد عليّ صاحب الرياض والذي هو الأخر من تلاميذ الوحيد البهبهاني ومن انتهت إليه الزعامة الدينية في كربلاء مخالفات ومنافرات كثيرة في كثير من المسائل العلميّة وغيرها ، فكان الميرزا يرى حرمة الزبيب المغلي في المرق أو الطبيخ قبل ذهاب الثلثين ، ويقول بنجاسته أيضاً ، ولكن السيّد صاحب الرياض كان يحكم بحلّه وطهارته ، فاتفق أنّ السيّد رحمه‌الله أضافه في سفر زيارة له بأرض الحائر المطهّر على مشرّفها السلام ، فلمّا أُحضرت المائدة وبسطت ظروف الأطعمة ، ومدّ مولانا الميرزا يده الشريفة إلى مطبوخ كان في جملة ما أُعدّ له من الغذاء ، ووضع اللقمة في فمه ، فأحسّ بوجود الزبيب المغلي في ذلك المطبوخ فتغيّر وجهه الشريف ، وقام من فوره إلى الماء ليغسل به ما مسّه ، وأقبل يُعاتب السيّد بقوله : مرحباً بإضافتك وإكرامك وإنعامك فقد أذيتنا وأطعمتنا النجاسة ، ولم يقرّب بعد ذلك يده إلى الطعام ، فأخذ السيّد يد الميرزا وقال له : إمّا أن تثبت لي حرمة ذلك ، وإن لم تستطع فيجب عليك أن تأكله ، ثم تبسّم السيّد ، وأمر أن يؤتى بطعام آخر ، فأكلا جميعاً.

وكان الشيخ الفقيه السيّد صدر الدين الموسوي العاملي يقول : إنّي في تلك الأيام كنت هناك ، فكان صاحب الرياض يضيق عليه الأمر في المناظرة في مسائل الفقه والأُصول حيثما يجده ، فكان يقول لي تكلّم مع هذا الرجل يعني الميرزا فيما يريده من المسائل حتّى تعلم أنّه ليس بشي‌ء ، وإنّي أجِدُك أفضل منه يقيناً ، أو ما يكون قريباً من هذا الكلام.

قال صاحب الروضات : لا يبعد كون اعتقاد صاحب الرياض في حقّه كذلك ،

٤٢

وذلك لأنّ الميرزا كان قليل الحافظة جدّاً ، ولا بدع له في ذلك ، لما ورد في النبوي المشهور «إنّ أقلّ ما أُوتيت هذه الأُمة قلّة الحافظة».

وحُكي عنهما أيضاً أنّ في مجلس من مجالس الجدل بينهما ، جعل السيد يتجلّد على الميرزا رافعاً صوته عليه ، جاثياً إليه بركبتيه ويقول له : قل حتّى أقول ، فأجابه الميرزا بصوتٍ منخفض : اكتب حتّى أكتب.

وقيل : إنّ أُصول السيد يرجح على فقهه ، وهو مسلّم عند العرب والعجم ، بل مطلق البلاد الإسلاميّة ، بينما كان فقه الميرزا يرجح على أُصوله ، ولكن اشتهر من تأليفهما ما هو العكس ، فاشتهر كتاب السيد في الفقه يعني كتاب الرياض بينما كان كتاب القوانين للميرزا في الأُصول من الشهرة كالشمس في رائعة النهار.

وفي الروضات نقل : أنّ صاحب القوانين كان أفضل من صاحب الرياض في الفقه ، فاشتهر كتابه في الأُصول ، وصاحب الرياض كان أفضل منه في الأُصول ، فاشتهر كتابه في الفقه.

وقيل : إنّ وفاتهما كانت في عام واحد كما وقع نظير ذلك بالنسبة إلى الشاعرين المتخاصمين في حياتهما : الفرزدق وجرير ، بل نظير ذلك التوافق في وفيات المتشاحنين.

ولمّا جاء السيد محمّد المجاهد ابن صاحب الرياض إلى قم وكان عالماً ، فدعاه مع مجموعة من العلماء الميرزا القمي وكان قد كبر وصار شيخاً طاعناً ، فلمّا جاؤا جرت بينه وبينهم مناقشات ، فقال لهم : إنّما كان هدفي من إحضاركم هو امتحان نفسي واختبارها ، لأنّي قد كبرت وضعفت قواي ، فأحببت أن أتكلّم معكم حتّى أرى هل بقيت عندي ملكة الاستنباط وقوّة الاجتهاد أم ضعفت. فقال السيد محمّد المجاهد : إذا كانت ملكة الاستنباط هي هذه التي عندك ، فأنا وأمثالي لا نملك ملكة الاستنباط إذن.

الميرزا القمي وفتحعلي شاه

كان ورود الميرزا القمي إلى قم أيام السلطان فتحعلي شاه القاجار ، وكان السلطان

٤٣

كثير العناية به ، وكان يعظّمه أشدّ تعظيم ، ويجلّه أكبر إجلال ، وكان يكثر زيارته والكلام معه ، حتّى قيل : إنّه في بعض المرّات التي جاء فيها السلطان إلى قم ، فاستقبله أهلها على بوّابة المدينة ، وجاء الميرزا القمي لاستقباله أيضاً وهو راكب على حماره ، والسلطان في موكبه وفي عربته الملوكيّة ، فنزل منها ولم يدع الميرزا القمي ينزل من حماره ، بل أخذ زمامه واقتاده إلى باب حرم المعصومة فاطمة بنت موسى بن جعفر (ع) ، فلمّا سأله عن ذلك ، أجابه بأنّه إنّما فعل ذلك لكي يعلم الناس قدر العلماء.

ولكن يبدو من جميع ما نقل أنّ الميرزا القمي كان يأخذ جانب الحذر والاحتياط في التعامل مع النظام والسلطان ، وما زال يبتعد عنه ، ويتخوّف من الخوض في دنياهم.

وكان فيما قال له في بعض المرّات : اعدل أيّها السلطان ولا تظلم لأنّي أتخوّف ومن جرّاء محبّتي لك ومع الالتفات إلى قوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ) أن أستحقّ عذاب النار وغضب الجبار .. فأجابه السلطان : بأنه مع الأخذ بنظر الاعتبار ما ورد في الروايات : «أنّ من أحبّ حجراً حشره الله معه يوم القيامة» فإنّي أرجو ومن جرّاء محبّتي إيّاك أن أحشر معك.

وأمسك الميرزا يوماً بلحية السلطان وهي طويلة تجوز محزمه وقال له : احذر أن تعمل ما يؤدّي إلى أن تحرق لحيتك هذه يوم القيامة بنار جهنم.

ونقل أنّهما دخلا معاً يوماً الحمام ، فلم سلخا عنهما ثيابهما فقال له الميرزا : إنّا سوف نقبر أنا وأنت على هذا الحال ، فإنّي سأصحب علمي ، وما الذي ستصحبه أنت معك ، فتأثّر السلطان وامتعظ.

وطلب السلطان يوماً منه أن يزوج ابنه إحدى بنات السلطان ، فلمّا انقضى المجلس تضرّع الميرزا إلى الله تعالى ، وطلب منه أنّه إن كان لا بدّ من ذلك ، وأنّ ابنه سيتزوّج بنت السلطان ، فليقبض روحه حتّى لا يتحقّق ذلك ، وبعد إتمام الدعاء غرق ابن الميرزا

٤٤

في الماء وتوفّي ، ولم يكن له من الذكور غيره.

وإن صحّ ذلك ، فإنّه يحكي عن عُمق النفرة من السلطان وما يجري حوله ، وأنّه إنّما فعل ذلك حتّى لا يتورّط هو وابنه في دنياهم ، واختار بذلك البُعد عنهم.

وكما يظهر من مقدّمة كتابه هذا عدم ارتياحه مما يجري حوله ، وقبح ذلك الزمان الذي يعيشه بغلبة أحزاب الشيطان ، ورفع أعلام الجهل والطغيان ، وإدبار آيات العلم والعرفان ، حتّى كاد أن يكون أيّام الجاهليّة ، فانظر مقدّمة المؤلّف.

وانتهى المحدّث النوري إلى ما انتهيت إليه من حقيقة العلاقة التي كانت بين السلطان والميرزا ، فقال في خاتمة المستدرك : كان يعني الميرزا مؤيّداً مسدّداً ، كيّساً في دِينه ، فطناً في أُمور آخرته ، شديداً في ذات الله ، مجانباً لهواه ، مع ما كان عليه من الرئاسة ، وخضوع ملك عصره وأعوانه له ، فما زاده إقبالهم إليه إلّا إدباراً ، ولا توجّههم إليه إلّا فراراً.

وغاية ما ثبت من تعاطف الميرزا القمي مع البلاط هي فتواه بوجوب الدفاع مقابل هجمات الروس على إيران ، كما يظهر من بعض كتبه في باب الجهاد.

كراماته

إن كرامات الميرزا القمي كثيرة ومشهورة ، وقبره في مقبرة شيخان مقابل مقبرة زكريا بن آدم في قم يزوره العموم ويتبركون به ، وخصوصاً أرباب الحوائج ، ومعروف أنّ الدعاء عند قبره والتوسّل به من أجل الظفَر بالحوائج وأداء الديون وغيرها مستجاب ومجرّب وذائع.

ومن الكرامات العجيبة المنقولة عنه : أنّه وجد شيخ من أهل قزوين معتكفاً عند قبر الميرزا ويقرأ القرآن ويبكي ، فلمّا سُئل عن ذلك قال : إنّي متأثّر لأنّي ما عرفت قدر الميرزا القمي ومنزلته إلا متأخّراً ، وسرعان ما فقدته ، فإنّي خرجت حاجّاً قبل وفاة الميرزا بعام ، وقد سافرت بحراً ، فاتفق أن رآني شخص وأنا أعدّ أموالي وأرتبها في

٤٥

الحقيبة التي في محزمي ، وبعد ساعة ارتفعت الأصوات والضجيج في السفينة ، فإذا بالرجل يدّعي أنه فقد محفظته ويعطي أوصاف محفظتي ويطلب من ربّان السفينة أن يفتّش المسافرين ، فقرّر الربّان أنّه إذا وجدها عند أحد ولأجل مجازاته أن يلقيه في البحر ، وبدأ بالتفتيش ، فلم أجد بُدّاً ومن أجل حفظ نفسي من أن ألقي تلك المحفظة في البحر ، فأخذتها ، وقلت : يا أمير المؤمنين ، أنت أمين الله في أرضه خذ محفظتي ، وألقيتها في البحر.

وبعد تفتيش المسافرين جميعاً ، التفت الربّان إلى ذلك المدّعى وقال له : ليس هناك ما تدّعي وتقول وقد فتّشنا جميع السفينة ، فلما ذا تتهم الحجّاج ، فتلكّأ لسانه وتغيّر لونه وعرفوا أنه كاذب وشرّير وسارق فأخذوه وألقوه في البحر.

وعلى أثر ذلك واجهت المصاعب الكثيرة في سفري ، وأتممت الحج بشق الأنفس.

وجئنا إلى العراق ودخلنا النجف الأشرف ، فجئت إلى حرم أمير المؤمنين (ع) وقلت له : أعطني أمانتي التي أودعتكها في البحر ، وأنا شديد الاحتياج إليها. فلمّا نمتُ تلك الليلة رأيته (ع) في المنام وقال لي : اذهب إلى قم وخذ محفظتك من الميرزا أبي القاسم القمي في قم ، فلمّا استيقظت وفكّرت فيما رأيت وسمعت تعجّبت أنه كيف يكون ما ألقيته في بحر عمان عند الميرزا القمي ومن هو الميرزا القمي؟!

فجئت إلى الحرم الشريف وكرّرت المسألة ورأيت في ليلتها ما رأيت في الليلة السابقة ، وكذا في الليلة الثالثة ولكن قلت له (ع) فيها : إنّي وبشِقّ الأنفس وصلت إلى النجف ، فكيف أصل إلى قم ، فقال (ع) : اذهب إلى السوق الفلاني ، واستلم من الصرّاف الفلاني عشرين ليرة.

فلما استيقظت ذهبت إلى ذلك السوق ووصلت إلى الصرّاف ، ولكن كنت شاكّاً في أنه سيعطيني ، فوقفت أمام محلّه مدّة ، فالتفت إليّ وناداني وقال لي : عندك حاجة؟ قلت : نعم ، لي حوالة شفاهيّة ، قال : كم قدرها؟ قلت : عشرون ليرة ، قال : صحيح ، هل أنت من أهل قزوين؟ قلت : نعم ، فأعطاني العشرين ليرة ، فسافرت بها

٤٦

إلى قم.

فلمّا دخلتها سألت عن الميرزا القمي فدلّوني عليه ، فجئت وكان مشغولاً بالتدريس ، فلمّا انتهى الدرس طلبني وقال : ألك حاجة؟ قلت : نعم ، وذكرت له ما جرى من أوّله إلى أخره ، فقال الان أتيك بها ، فنهض فأخرجها من بين كتبه وأعطاني إيّاها وقال لي : عدّ أموالك هل فيها نقص؟

فأخذتها وفتحتها فوجدتها وكما رتّبتها في السفينة ، فقبّلت يده وخرجت من عنده.

وجئت إلى قزوين ، فقصصت القصة على زوجتي وهي لا تصدّق ، فأقسمت لها ، وبعد أن أيقنت قالت : يا مسكين لماذا جئت إلى قزوين ولم تبقَ في خدمته وتستفيد من معنويّته ، خذنا إلى قم هذه الساعة ، وكن في خدمته ، فقررت الانتقال إلى قم على أثر ذلك ، فبِعتُ ما عندي في قزوين وجئت إلى قم ، وحينما دخلنا قماً كانت وكأنها يوم عاشوراء ، غارقة في الحزن والعزاء ، فلمّا سألت عن ذلك قيل لي : إنّ الميرزا توفّي ، فعهدت على نفسي أن لا افارق قبره ما دُمت حيّاً.

مشايخه

١ ـ والده الملّا محمّد حسن الجيلاني الشفتي.

٢ ـ السيد حسين الخونساري جدّ صاحب الروضات.

٣ ـ الآقا محمّد باقر الوحيد البهبهاني.

٤ ـ الشيخ محمّد مهدي الفتوني النجفي.

٥ ـ الآقا محمّد باقر الهزارجريبي.

تلاميذه والراوون عنه

١ ـ الشيخ الميرزا أبو طالب بن أبي المحسن الحسيني القمي صهر الميرزا القمي

٤٧

وتلميذه ، وهو من العلماء العظام ، وله كتاب في أجوبة المسائل على وزن جامع الشتات للميرزا القمي.

٢ ـ السيد أبو القاسم الخونساري شارح كتاب الدرّة للسيد بحر العلوم.

٣ ـ الشيخ أبو القاسم الكاشاني ، الذي صار بعدها مرجع الأُمور بكاشان.

٤ ـ الآقا أحمد الكرمانشاهي ، حفيد الوحيد البهبهاني ، وحصلت له الإجازة من الميرزا ، وهو مؤلّف المحموديّة في شرح الصمديّة ، ونور الأنوار في شرح البسملة ، وغيرهما.

٥ ـ الملّا أحمد النراقي صاحب المستند.

٦ ـ المولى أسد الله البروجردي ، وهو أُستاذ الشيخ الأنصاري ، وكان يعوّل على إجماعاته ويجعلها محصّلة.

٧ ـ الشيخ أسد الله الدزفولي الكاظمي صاحب مقابس الأنوار.

٨ ـ السيد إسماعيل الحسيني القمي المعروف بالواعظ.

٩ ـ الملّا عباس الكزازي العراقي.

١٠ ـ السيد عبد الله شبر صاحب التفسير.

١١ ـ الآقا عليّ أشرف بن أحمد ابن المولى عبد النبيّ الطسوجي الاذربايجاني.

١٢ ـ عليّ دوستخان ابن الحاج طاهر خان.

١٣ ـ السيد محسن الأعرجي صاحب المحصول.

١٤ ـ الميرزا عليّ رضا الحسيني صهره.

١٥ ـ الميرزا محمّد الأخباري المقتول المعروف.

١٦ ـ الميرزا محمّد إبراهيم بن عبد الفتاح الحسيني المرعشي النّسابة صاحب التأليف الرشيقة.

١٧ ـ الشيخ محمّد إبراهيم الكلباسي الأصفهاني صاحب الإشارات ، والذي انتهت إليه الرئاسة في أصفهان.

٤٨

١٨ السيد محمّد باقر الرشتي المعروف.

١٩ ـ محمّد باقر الزرندي شارح بعض مباحث المعالم.

٢٠ ـ السيد محمّد باقر حجّة الإسلام الأصفهاني صاحب مطالع الأنوار في شرح الشرائع.

٢١ ـ محمّد جعفر الكرمانشاهي البهبهاني ، حفيد الوحيد البهبهاني ٢٢ ـ الشيخ محمّد جعفر الهمداني ، الذي صدّق اجتهاده.

٢٣ ـ السيد محمّد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة.

٢٤ ـ الشيخ محمّد حسين القمي صاحب توضيح القوانين.

٢٥ ـ الشيخ محمّد عليّ ابن الآقا محمّد باقر الهزارجريبي المازندراني النجفي.

٢٦ ـ السيد محمّد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد حسين الموسوي الخونساري صاحب الرسالة المبسوطة المشهورة في أحوال أبي بصير.

٢٧ ـ الميرزا محمّد يوسف بن عبد الفتاح الطباطبائي الحسني جدّ صاحب أعيان الشيعة.

٢٨ ـ الميرزا هداية الله أخ الحاج محمّد سلطان.

مصنّفاته

١ ـ القوانين المحكمة ، طبع مراراً عديدة ، وقد رزق هذا الكتاب حظّا وافراً ، ولاقى قبولاً حسناً ، حيث أصبح من الكتب الدرسيّة ، ولم يستغن عن قراءته طالب إلى أن ألّف الخراساني الكفاية ، فضعفت رغبة الناس به لطوله. وقد عنى بالقوانين جماعة ، وعلّقوا عليه التعاليق ، وكتبوا عليه الحواشي ، وكلّما اعترض عليه الرادّون زادوه شهرة وفخارا ، وكلّما احتشد لحدّه الحادّون أفادوه منزلة واعتباراً.

٢ ـ غنائم الأيّام ، ويأتي الكلام عنه.

٣ ـ مناهج الأحكام ، في الطهارة والصلاة وكثير من أبواب المعاملات مطبوع.

٤٩

٤ ـ شرح التهذيب للعلامة في الأُصول.

٥ ـ شرح شرح المختصر ، في الأُصول أيضاً.

٦ ـ أجوبة المسائل الفقهيّة وغيرها ، التي جُمعت وأُودعت في ثلاثة مجلدات ، وطبعت تحت عنوان جامع الشتات.

٧ ـ معين الخواصّ ، في فقه العبادات على نحو الاختصار بالعربيّة.

٨ ـ مُرشد العوام لتقليد غير اولي الأفهام ، كسابقه إلّا أنه بالفارسيّة.

٩ ـ رسالة في الأُصول الخمسة الاعتقاديّة والعقائد الإسلاميّة الحقّة.

١٠ ـ رسالة في قاعدة التسامح في أدلة السنن والكراهة.

١١ ـ رسالة في جواز القضاء والتحليف بتقليد المجتهد.

١٢ ـ رسالة في عموم حرمة الربا بالنسبة إلى سائر عقود المعاوضات.

١٣ ـ رسالة مبسوطة في أبواب الفرائض والمواريث.

١٤ ـ رسالة مبسوطة في القضاء والشهادات ، وهي في ثمانية آلاف بيتاً.

١٥ ـ رسالة في أبواب الطلاق.

١٦ ـ رسالة في الوقف.

١٧ ـ رسالة في ردّ الصوفيّة والغُلاة.

١٨ ـ ديوان شعر بالفارسيّة والعربيّة ، يقرب من خمسة آلاف بيت.

١٩ ـ منظومة في علم المعاني والبيان.

٢٠ ـ تعليقة على شرح اللمعة لُاستاذه السيد حسين الخونساري.

٢١ ـ رسالة في الشروط الفاسدة.

٢٢ ـ رسالة في معرفة من كان شيخاً للإجازة.

وقيل : إنّه وجد بخطّه ما يؤدّي أنه كتب أكثر من ألف رسالة في مسائل مخصوصة من العلوم.

٥٠

غنائم الأيام

المعروف أنّ فقه الميرزا القمي يرجّح على أُصوله ، وكان كتابه القوانين من الشهرة كالشمس في رائعة النهار ، وهذا ممّا حثّنا على التطلّع على فقه الميرزا القمي ، وكشف السرّ في متانته وأرجحيّته ، فكانت فكرة تحقيق كتاب الغنائم وليدة هذا التفكّر ، بالإضافة إلى كونه إحياءً للتراث.

وكما يظهر من مقدّمة هذا الكتاب أنّ كتابة الغنائم كانت بعد كتابة مناهج الأحكام المفصّل ، وفي أوج أيّام حياة الميرزا العلميّة ، فكان عُصارة فقهه ، ومظهر نهاية اقتداره.

ثم إنّ الميرزا ومن خلال كتابه هذا يبدو من منطق الاقتدار على التصرّف في أدوات الاستنباط المتعارفة وغير المتعارفة ، ولذا تراه يقول في بعض الأحيان بعد إتمام الاستدلال : كان هذا الكلام على ما جرى عليه القوم في الاستنباط ، ويسنحني الان الكلام على طريق آخر ، فتراه يترك الطريق المعهود في الاستنباط ، ويدخل في تحقيق جامع شامل يبلغ جميع جوانب البحث ، ويستقصي كلّ ما لا يدرك ، خصوصاً في الموارد التي كثر فيها القيل والقال ، وصارت مورداً للنزاع والترديد.

ثم إنّ الكتب الفقهيّة المصنّفة وإلى هذا اليوم منها ما يعني بإيراد الفروع الأكثر ، ومنها ما يهتمّ بإيراد الأدلة العقليّة ، ومنها ما يهتمّ بإيراد الأدلّة النقليّة ، ومنها ما يهتمّ بنقل الأقوال ، وغيرها.

ولكن ترى أنّ كتاب الغنائم جمع أكثر تلك الجوانب مع رعاية الاختصار ، فإنّ كتاب الطهارة الذي صار في مجلد واحد جمع أكثر مما جمعه كتاب الطهارة من الحدائق من الفروع ، وأشار إلى أكثر من الروايات الواردة في كتاب الطهارة من الحدائق المطبوع في خمسة مجلدات ، مع أنّه تعرّض إلى الأدلّة العقليّة بما لا يقلّ عمّا في كتاب المستند والجواهر ، ولا يقاس به كتاب الرياض ، ومع كلّ ذلك أشار فيه إلى

٥١

أقوال العلماء والإجماعات المنقولة ممّا لا يُعهد في أكثر الكتب المذكورة.

ويمتاز كتاب الغنائم أيضاً بالدقّة في نقل الأقوال ، فإنّا ومن جرّاء عملنا في تحقيق كثير من الكتب الفقهيّة نجد أنّ المصنّف ينسب القول إلى كتاب لا نجده فيه ، أو هو أحد محتملاته ، ولكن ذلك لا نشاهده في كتاب الغنائم ، ولذا لم نترك قولاً في مقام الاستخراج ، إلّا ما لا نتوصّل إلى كتابه. ومع ذلك هو أوّل من أضاف أحاديث الفقه الرضوي وتفسير الإمام العسكري إلى أحاديث الاستدلال.

ومن مختصّات فقهه هو الاعتماد على الشهرة ، وهمّه تقوية المشهور إلى آخر حدّ ، وقد يخالف المشهور ويختار بعض الأقوال النادرة ، ويكثر من بيان الأدلة عليها. ولم يعتمد في كتابه هذا على ما اختاره في الأُصول من حجيّة مطلق الظنّ ، وتراه كثيراً ما يعتمد على العرف والمتفاهم العرفي ، ولعلّه أوّل من فتح هذا الباب في كتب الاستدلال ، ولم نعهد له سابق. ويفهم من دأبه أنّه كثير العناية بما يطرح من الإشكالات ، فترى كتبه مشحونة بحواشي «منه» لدفع الإيرادات.

شعره وما قيل فيه

كان للميرزا القمي قريحة شعريّة ، وروح أدبيّة فيّاضة ، وكان له ديوان شعر بالفارسيّة والعربيّة ، فيه ما يقرب من خمسة آلاف بيت ، واخترنا من شعره ما وجد بخطّه في ترجمة شعر انشد بالعربيّة في الإمام الحسين (ع).

يا نهر الفرات أيقضي السبط ظمآنا

ومن مياهك تروى الإنس والجانا

أى فرات آيا رود سبط پيمبر از جهان

تشنه وتو سير گردانى ز آبت انس وجان

هلّا طغوت بطوفان لتغرق

من طغوا عليه في كالدم طوفانا

٥٢

پس چرا طوفان نكردى تا كنى غرق بلا

سركشانرا تا حد طوفانى ز خونها شد روان

هلّا تغيّرت مثل النيل حين غدا

دماً عبيطاً لمن عاد ابن عمرانا

پسچراتوخوننگشتى چون حسين ازتو نخورد

مثل رود نيل مصر اندر دهان قبطيان

وقال فيه السيد حسين البروجردي في نخبة المقال :

وذو القوانين فريدة الزمن

بو القاسم الحبر المُبين ابن الحسن

وشيخه الفقيه بهبهاني

بعد وداع بان في الرضوانِ

وقال فيه آخر :

ليت ابن سينا درى إذ جاء مفتخراً

باسم الرئيس بتصنيف لقانون

إنّ الإشارات والقانون قد جُمعا

مع الشفا في مضامين القوانين

وفاته ومقبرته

المشهور أنّ وفاته كانت عام ١٢٣١ هجريّة ، ولكن في الروضات بعد أن ذكر ذلك قال : إنّ وفاته كانت في العشرة المشئومة أوائل السبعين ، وقيل في وفاته : «از اين جهان بجنان صاحب قوانين رفت» ومقتضى كون وفاته أوائل السبعين وحساب ما قيل

٥٣

فيها هو كونها عام ١٢٢١ ه‍ ، لأن ولادته كانت عام ١١٥٢. وقيل : أنّه توفّي عام ١٢٣٣ هجريّة.

وقيل : إنّ يوم وفاته كان على قم كيوم عاشوراء ، من الحزن ، والسواد ، والعزاء.

ودفن في المقبرة الكبيرة في بلدة قم الطيّبة ، ومرقده يُزار ويتبرّك به ، ويقصده أرباب الحوائج ، ويسمّى بمقبرة شيخان. ويراد بكلمة «شيخان» الشيخ ابن بابويه ، والشيخ الميرزا القمي.

وقال في قصص العلماء : كنت مُقيماً في قم ، وكنت أشتغل بتدريس كتاب القوانين للميرزا في مقبرته ، وأضع الكتاب بعد الدرس على القبر الشريف ، وأكرم به من توفيق.

مصادر الترجمة

نجوم العلماء ريحانة الأدب آثار الحجّة نامه دانشوران روضات الجنات قصص العلماء أعيان الشيعة گنجينه دانشمندان ناسخ التواريخ قاجاريه الكرام البررة الفوائد الرضويّة مردان علم در ميدان عمل تكملة أمل الأمل وحيد بهبهاني رجال النجاشي فهرست الشيخ فهرست ابن النديم خاتمة المستدرك معجم المؤلّفين الأعلام المقابس ، وغيره.

عملنا في التحقيق

اعتمدنا في تصحيح كتاب الغنائم على نسختين مخطوطتين وهما :

١ ـ نسخة مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في النجف الأشرف التي أُهديت ولحسن الحظّ إلى مكتبة الإمام الرضا (ع) برقم (١٥١٦١) ، والتي كُتبت في حياة المصنّف وعليها حواشي «منه دام ظلّه» وبلاغات يحتمل أنّها كتبت حين قراءة المصنّف

٥٤

لها ، أو حينما قرأت عليه. وعلى أيّ حال فالنسخة صحيحة للغاية ، سهّلت سبيل التحقيق ، وهي المعتمد عليها ، وكان عليها المعوّل في تحقيق كتاب الطهارة ، ورمزنا لها برمز «م».

٢ ـ نسخة مكتبة السيد الزنجاني في زنجان التي تفضّل بها سماحته دعماً منه لعمليّة إعادة الحياة لتُراثنا المطمور ، وهي أيضاً مكتوبة في حياة المصنّف ، إلّا أنها لا تبلغ النسخة السابقة في الصحّة ، ولكنها نعم العون ، ورمزنا لها برمز «ز».

هذا مع الاعتماد على نسخ مخطوطة نُشير إليها في الأجزاء التالية ، بالإضافة إلى النسخة الحجريّة التي لا تقصر عن النسخ المخطوطة.

وأما العمل ، فبعد مقابلة النسخ بأكمل المقابلة ، والتدقيق في الاختلافات ، وتثبيتها على النسخة الحجريّة التي طبعت أوّلاً وقوبلت ، قمنا بعمليّة الاستخراج وهي كالاتي :

١ ـ استخراج الروايات ، وكان دأبنا هو استخراج الروايات من كلّ المصادر المعتبرة بالإضافة إلى الوسائل ، ولمّا لم يذكر الميرزا القمي نصوص الروايات في أغلب الأحيان حاولنا إيراد النصوص ومحلّ الاستدلال في أغلب الموارد ، سدّاً لهذه الخلّة التي يتضمّنها كتاب الغنائم وكتاب الرياض ، مع تطعيم بعض الاستخراجات بالإشارة إلى نقاط الضعف في أسانيد الروايات من أجل استفادة القارئ.

٢ ـ استخراج الأقوال ، والمراد بها الأعمّ من الأقوال الفقهيّة واللغويّة والأُصوليّة ، والتفسيريّة ، وغيرها ، ساعين في العثور على أوّل القائلين عند عدم تعيينه ، ومن ثم تكثير المصادر من القائل المعيّن الواحد ، أو الأكثر من الاثنين فيما لا يعيّن. هذا مع نقل عبارات القائلين فيما كان فيه توضيح أو تردد أو غيره.

٣ ـ تقويم النصّ ، وهو تهذيب المتن من الأخطاء النحويّة والإملائيّة والعلميّة إن وجدت ، واختيار النسخة الصحيحة أو الأصح من بين النسخ ، مع ميلٍ منّا إلى ترجيح نسخة «م» في أغلب الأحيان ، فكانت كالمعتمدة ، وبذلك سلكنا حدّا وسطاً بين

٥٥

التلفيق واعتماد نسخة واحدة ، ومع كلّ ذلك نشير الى اختلاف النسخ فيما يستوجب ذلك.

هذا بالإضافة إلى تطعيم الهامش بالتوضيحات ، وإيراد حواشي المؤلّف على الكتاب وهي كثيرة وغنيّة ، كلّ ذلك مع عمل المقوّم الأوّل من تقطيع المتن ، وتزيينه بالفواصل الجميلة ، والمفكّكة لعُقد المطالب.

٤ صياغة الهامش بلا تطويل ولا تقتير ، وإن كان الهامش ثقيلاً ، لاحتشاد الروايات والأقوال وحواشيه في الصفحات من جرّاء اختيار المصنّف الاختصار في الكلام.

٥ المراجعة النهائيّة ، وقد راجعنا الكتاب كرّات عديدة ، لتجنّب الكبوَة ، وملاحقة ما زاغ عن البصر ، وقد يتبقّى من الملاحظات ما يُغتفر ، فإنّه من مقتضى طبع البشر.

وفي الختام نتقدّم بالشكر الجزيل لمدير مكتب الإعلام الإسلامي فرع خراسان ، سماحة الأكمل السيّد عباس الصالحيّ ، فانّ تحقيق هذا الكتاب وكتاب تمهيد القواعد وطبعهما ونشرهما مرهون لإدارته الحكيمة وجهوده المتظافرة ، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يزيد في توفيقاته وتوفيقات الإخوة مسئولي مركز التحقيقات في المكتب.

كما أتقدّم بالشكر والتقدير للإخوة الأماجد في قسم الكامبيوتر ، وندعو من الله التوفيق.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

٢٤ جمادى الثاني ١٤١٤ ه‍ / مشهد المقدّسة

عباس تبريزيان.

٥٦

مقدّمة المؤلّف

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمدُ لله الّذي أنقذنا من شَفا جُرف الهلكات بمتابعة أمثل الأديان. وأرشدنا إلى سبيل ارتقاء مدارج أعلى الغرفات باقتفاء أفضل الإنس والجانّ. وأوضح محجّتنا في ظُلم الشبَه والجهالة بإضاءة مصابيح آيات القرآن. وأفصحَ حجّتنا في مهاوي الشّكوك الفاسدة والأوهام الكاسدة ببيانِ أهل العِصمة ، وتبيان مهابط التّنزيل والفرقان. صلّى الله عليه وعليهم ، وعلى الأصحاب المرضيّين ، صلاةً تُبلغنا إلى منتهى الرّضوان. وتُسكننا منازل القدس وبحابيح الجنان.

وبعد ، فهذا يا إخواني ما سمح به قلم الاستعجال على صحائف المقال ، ووَسَمَ به مياسم الفكر والخيال على وجوه وحوش الفرص في تقاليب الأحوال.

فإنّي منذُ تعارفتُ مع الزّمان ، فقد أخذني على طرف الخصام لدوداً ، وصيّرني في بَوادي العطلة (١) والحيرة هائماً كئوداً ، وصار عليّ في هزيمة صفوف جيوش اجتهادي مجاهداً كدوداً. وكلّما صافيته بوجه الإقبال ، أدبر عنّي بتخييب الآمال. ومهما وافيته بعرضِ المطالب في معرض النّوال ، فجبّهني بالردّ وناقضني ببلبال

__________________

(١) في «م» : بواد العزلة.

٥٧

البال. ومتى عانقني بوجه الالتفات ، فعضّني بضرس النّائبات. وحيثما ضيّفني ببسط موائد العطيّات ، أطعمني بتشعّبات الأمراض (١) ، وسقاني بمشارب الحسرات ، فربّ فجيعة تدهش منها مشاعر الخواطر ، وربّ نزيلة ينهش قذى سمومها أناسيّ النّواظر (٢).

وكم من ضَنَكٍ في العيش وضيق في المعيشة؟ وكم من بائقة لا ترضى بصُحبتها العيشة؟

ومع ذلك فقد كنتُ أختلس من آناتِ غفلاته فُرَصاً ، مع ما كنت أتجرّع من مشارب الإحَنِ وكؤوس المحنِ غُصصاً (٣).

وكنتُ شَرعتُ في عنفوان الشّباب في استنباط المسائل من مأخذها ، وأخذت في تأليف كتاب يحتوي على مهمّات مطالبها ، وسمّيته كتاب مناهج الأحكام في مسائل الحلال والحرام ، وقصدت فيه بيان الأدلّة والأقوال ، وذِكر ما تبتني عليه الأحكام على التّفصيل حسب ما اقتضاه الحال.

وعاقني عن ذلك بَوائق الزّمان وعَوائق الدّهر الخوّان ، فربّما سوّلت لي الأيّام بمخائل تبدّل الحال بأرفه من الحال ، وربّما سوفتني النّفس بتأميل حصول الفراغ والوقت الأمن من القلق والزّلزال.

فاستصحبتني تلك الشّيمة إلى الحين ، وقد جاوزت الان من الأربعين ، ولم نكتب منه بالظنّ والتّخمين ، إلّا مثل العشرة بالنّسبة إلى الستّين ، على تفرّق في الأبواب ، حسب ما ساعدتني الأسباب ، واتّفق لي سهولة جمع المسائل في ذلك الباب.

ثمّ قد رأيت ولّى الشّباب ، وألمّ المشيب ، وولّى وجه المحبوب ، وتدلّت شدائد قهر

__________________

(١) في «ز» : ببشعات الأعراض ، وفي «م» : بشبعات الأمراض ، ونسخة في «ح» : بتشبّعات.

(٢) أناسي جمع إنسان العين ، وهو حدقتها المصباح المنير : ٢٦.

(٣) في «ز» ، «ح» : قصصاً.

٥٨

الرقيب ، وطار غراب الأمل عن الهامة ، وعشّش البُوم ، وذهب يُمن الأيّام بإدراج رياح الخيبة ، وبقي منها الشؤم ، وخِفت عدم مساعدة العمر والأسباب لختم ذلك الكتاب ، وسيّما مع قصور همم أهل الزّمان عن مراجعة مثله ، وعدم إقبالهم إليه بسبب الإطناب ، فأخذتُ في تأليف هذه العُجالة كهيئة العجلان ، واقتصرت فيه بأقلّ ما يقتضيه الوقت ، ويساعدني الزّمان.

ثمّ اعلم يا أخي : إنّي لم أقصد من شكواي إلّا النّصح لك في عدم الاغترار ، وإيّاك وأن تسوّف في طلب حصول الفراغ وتيسّر القرار ، فإنّ الرّاحة لم تُخلق إلّا في الجنّة ، والفراغ والاطمئنان لم يودعا في دار البلاء والمحنة ، واغتنم نَفَساً بعد نفس ، وإن كنت في غاية اضطراب ووَجس ، سيّما في مثل هذا الزّمان ، الّذي غلبت عليه أحزاب الشّيطان ، ورُفعت فيه أعلام الجهل والطغيان ، وولّت عنه آيات (١) ؛ العلم والعرفان ، واستمرّت به تلك الشّيمة والسجيّة حتّى كاد أن تكون أيّام الجاهليّة.

هذا وإنّي كالايس من إتمام ما أنا فيه إلّا من رَوح الله ، فكيف أقول برجاء إتمام الكتاب الكبير بعد ذلك إلّا أن يشاء الله.

فشرعت فيه بحول الله وقوّته ، مستعيناً في إتمامه بعونه ومنّه ، وسمّيته كتاب «غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام».

وجعلته على أقسام أربعة ، في كلّ قسم منها كتب.

__________________

(١) في «ز» : رايات.

٥٩
٦٠