غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

والنهي فيه لرفع توهّم الوجوب ، فمعناه الجواز ، وبذلك يتم الاستدلال. وحكم المشكوك فيه مخرج بالدليل ، فلا يضرّ بالدلالة.

ورواية عبد الله بن سنان المجبورة بالعمل (١) ، ورواية حمزة بن أحمد (٢) ، وغيرها من الأخبار المؤيّدة للمطلوب. واستصحاب شغل الذمة.

احتجّوا بالإطلاقات ، وبصحيحة عليّ بن جعفر (٣).

والمطلق لا يقاوم المقيّد ، ولا الصحيحة ما ذكرنا من الأدلّة ، مع أنّ فيها ما لا يخلو عن شي‌ء.

واعلم أنّ مباشرة يد الجنب للانية التي يغتسل منها لأجل أخذ الماء لا تضرّ وإن كان في الأثناء ، ولا يدخل بذلك في محلّ النزاع ، ولا وجه لتوقّف بعضهم في ذلك في الأثناء إذا وافق الجانب ، فإنّما الأعمال بالنيات. ولا تضرّه الطهارة من البقيّة بعد الفراغ أيضاً. ويستفاد ذلك من الأخبار أيضاً (٤).

وكذلك لا يضرّ تقاطر الماء من جسده في الإناء ، وما ينتضح من الأرض منه ويدخل في الإناء ، كما يستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب ، وإن كان يظهر من بعضهم دخوله في المتنازع (٥) ، ولكن الظاهر العدم.

وكيف كان ، فالأخبار الخاصة بذلك ولزوم العسر والحرج يعيّن ما ذكرنا.

فالمراد بالمستعمل : هو القدر المعتدّ به من الماء المنفصل دفعة أو المجتمع بالتقاطر

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢١ ح ٦٣٠ ، الاستبصار ١ : ٢٧ ح ٧١ ، الوسائل ١ : ١٥٥ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ١٣. وفيه : الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه.

(٢) التهذيب ١ : ٣٧٣ ح ١١٤٣ ، الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ١. وفيه : ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيه ماء الحمام فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب ..

(٣) التهذيب ١ : ٤١٦ ح ١٣١٥ ، قرب الإسناد : ٨٤ ، الوسائل ١ : ١٥٦ أبواب الماء المضاف ب ١٠ ح ١. وفيه : وإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه فإنّ ذلك يجزئه.

(٤) انظر الوسائل ١ : ١٥٣ أبواب الماء المضاف ب ٩.

(٥) نقله عن أستاذه الوحيد البهبهاني في مفتاح الكرامة ١ : ٨٩.

٢٠١

في موضع.

والأظهر اشتراط الانفصال ، فلو بقي في العضو لمعة لم يصبها الماء ، وكان في أطرافه من الرطوبة ما يحصل بها الغسل ، يجوز صرفه إليها.

ويؤيّده عدم انفكاك مطلق الطهارة عن ذلك ، لتعسّر أخذ الماء لكل جزء جزء على حدة.

ومن أفراد المستعمل : ما لو غمس فيه العضو أو ارتمس فيه ، والظاهر تحقّق الطهارة به ، لأنّه يصير مستعملاً بعد تحقّق الغسل ، وكذلك بعد تمام الارتماس ، فإنّ الغسل في الارتماسي لا يتحقّق إلّا بانغماس الجميع.

والظاهر عدم اشتراط الخروج في تحقّق الاستعمال إذا نوى الغسل قبل الدخول.

والظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب : أنّ هذا الحكم في القليل ، وأما الكثير فلا ، لعدم انصراف الأدلّة إليه ، وللزوم العسر والحرج ، ولعمل الناس في كلّ عصر ومصر من غير نكير ، ولعدم التنبيه في الأخبار الواردة في إجزاء الارتماس على أنّ ذلك إنّما يكون لغسلٍ واحد ؛ مع عموم الابتلاء به.

ثم إنّ الأدلّة وإن كانت أكثرها مخصوصة بالجنابة ، لكن عدم القول بالفصل ، ورواية ابن سنان على وجه بعيد ، وما دلّ على اتّحاد غسل الجنابة والحيض يعمم الحكم (١).

والمشهور كراهة التمندل بعد الوضوء ، وربّما نقل عن بعضهم القول بالعدم (٢) ، ونسبه العلامة إلى الشيخ في الخلاف (٣) ، وهو غير ظاهر.

وكيف كان ، فالمذهب هو الكراهة ، لرواية محمّد بن حمران ، عن الصادق

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٥٦٦ أبواب الحيض ب ٢٣.

(٢) نقله عن المرتضى في الذكرى : ٩٥.

(٣) قال الشيخ : لا بأس بالتمندل من نداوة الوضوء وتركه أفضل. الخلاف ١ : ٩٧ مسألة ٤٤ ، ونسبه إليه في التذكرة ١ : ٢٠٢ ، ونسبه إلى الخلاف للشيخ في المنتهي ١ : ٣١٠.

٢٠٢

عليه‌السلام : «من توضّأ وتمندل كانت له حسنة ، وإن توضّأ ولم يتمندل كانت له ثلاثون حسنة» (١).

وأُورد عليه بالقدح في السند (٢) ، وبأنّه يدلّ على قلّة الثواب ، وجعل الكراهة في العبادات بمعنى أقلّيّة الثواب محلّ نظر.

وفيه : أنّ ورود الرواية في الكافي والفقيه مع عمل الأصحاب سيّما في المكروهات يدفع الضعف. وليست الدلالة من جهة قلّة الثواب حتّى يكون مورداً للنظر المذكور ، بل لأنّ التمندل عارض وحابط للحسنات الزائدة ، فإنّ الأصل هو عدم (٣) التمندل ، وليس ذلك إلّا لحزازة حاصلة من جهة التمندل ، وهو معنى الكراهة. وقد يستدلّ بوجوه أُخر ضعيفة لا حاجة إلى ذكرها.

وأما صحيحة محمّد بن مسلم النافية للبأس في التمندل وغيرها (٤) ، فمحمولة على نفي الحرمة وبيان الجواز.

وصحيحة منصور الدالّة على فعل الصادق عليه‌السلام أيضاً (٥) محمولة على العذر من جهة عارض.

وكذلك موثّقة إسماعيل بن الفضل الدالّة على مسح وجهه عليه‌السلام بأسفل قميصه ، وأمره ابنه إسماعيل أيضاً بذلك (٦).

ويحتمل أن تكون الكراهة مختصة بالتمندل ، والذيل ليس بمنديل ، والأحوط الاجتناب عنه أيضاً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٠ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٣١ ح ١٠٥ ، المحاسن : ٤٢٩ ح ٢٥٠ ، ثواب الأعمال : ٣٩ ، الوسائل ١ : ٣٣٤ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ٥.

(٢) باشتمال سندها على عليّ بن المعلّى فإنّه لم يوثّق.

(٣) عدم ليست في «ز» ، والمراد أنّ الوضوء المتيقّن كماله وجوازه هو مع عدم التمندل.

(٤) التهذيب ١ : ٣٦٤ ح ١١٠١ ، الوسائل ١ : ٣٣٣ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٦ ح ١٠٦٥ ، الوسائل ١ : ٣٣٣ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ٤.

(٦) التهذيب ١ : ٣٥٧ ح ١٠٦٩ ، الوسائل ١ : ٣٣٣ أبواب الوضوء ب ٤٥ ح ٣.

٢٠٣
٢٠٤

الفصل الثاني

في الغسل

وفيه مقاصد

٢٠٥
٢٠٦

المقصد الأوّل

في الأغسال الواجبة

وفيه مباحث :

الأوّل : الاغتسال الواجب على المكلّفين في خمسة مواضع : الجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومسّ الميت.

ويجب عليهم الغسل للميت على تفصيل يأتي.

ووجوب غير غسل المسّ إجماعيّ ، وسنفرد الكلام في الأخيرين.

وأما ما سواهما ، فوجوبها للصلاة الواجبة بالمعنى المتقدّم في الوضوء إجماعيّ ، وكذلك شرطيتها لمطلق الصلاة. والأخبار ناطقة بأكثرها ، وقد مرّ بعض الأدلّة من قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) إلى قوله (فَاطَّهَّرُوا) (١) وقوله عليه‌السلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (٢) و «لا صلاة إلّا بطهور» (٣).

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢ ح ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٦ ، الوسائل ١ : ٢٦١ أبواب الوضوء ب ٤ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٤٩ ح ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء ب ١ ح ١ ، ٦.

٢٠٧

ومطلقات ما دلّ على وجوب الغسل للجنابة وغيرها (١) محمولة على ذلك ، وأخبار المستحاضة مصرّحة (٢).

فلا وجه لإنكار دلالة الأخبار على وجوب الغسل للصلاة.

وكذلك للطواف الواجب،للإجماع كما نقلوه (٣)،ولصحيحة عليّ بن جعفر وغيرها(٤).

ولِمسّ كتابة القرآن إن وجب،لحرمة مسّه على الجنب والحائض،للإجماع كمانقلوه (٥)

وكذلك النفساء ، للإجماع المنقول في المعتبر وغيره على أنّه يحرم عليها ما يحرم على الحائض (٦) ، فيتوقّف إتيان الواجب على الغسل ، فيجب من باب المقدّمة.

وأما الاستحاضة ، ففيه قولان. للمانع : الآية ، فإنّ عنوان المحدث صادق عليها ، فلا تمسّها إلّا بعد التطهّر.

وللمجوّز : الأصل ؛ ومنع الدلالة ، فإنّ الحدث من الأُمور الإضافيّة ، فإنّ البول مثلاً حدث بالنسبة إلى الصلاة ، لا دخول المساجد وقراءة العزائم ، والمسلّم هنا هو المنع عن الصلاة والطواف ، والجواز في غيرهما مستصحب ، سيّما لو لم يطرأ لطهارتها السابقة ناقض آخر. وكون الاستحاضة كالحدث الأصغر في إيجاب الوضوء

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٢ أبواب الجنابة ب ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٦٠٤ أبواب الاستحاضة ب ١.

(٣) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٧٠.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٠ ح ٤ ، التهذيب ٥ : ١١٧ ح ٣٨١ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٢ ح ٧٦٥ ، قرب الإسناد : ١٠٤ ، الوسائل ٩ : ٤٤٤ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٤. عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو في الطواف قال : «يقطع طوافه ولا يعتدّ بشي‌ء مما طاف» وانظر باقي روايات الباب كصحيحة محمّد بن مسلم.

(٥) كالعلامة في المنتهي (الطبعة الحجريّة) ١ : ٢٧٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٤٩.

(٦) المعتبر ١ : ٢٥٧.

٢٠٨

لا يستلزم إلّا وجوب الوضوء للصلاة ونحوها.

نعم يمكن أن يقال : ظاهر الآية (١) ومثل قولهم عليهم‌السلام : «لا يمسّه وهو على غير وضوء» و «لا تمسّه من غير طهر» (٢) الطهارة التي حصل موجبها للمكلّف حين المسّ ، لكن لا يثبت من ذلك إلّا عدم جواز المسّ إلّا في حال الطهارة ، لا وجوب الطهارة للمسّ.

إلّا أن يقال عدم جوازه إلّا في هذه الحال مع وجوبه يستلزم تحصيل هذه الحالة ، فيثبت وجوبه له أيضاً ، أو تحمل الآية على المطهر من جميع الأحداث ، بأن لا يبقى له مانع من شي‌ء من المشروطات بالطهارة بقرينة وقوع المطلق في كلام الحكيم ، فيستلزم ذلك لزوم ارتفاع كلّ ما يصدق عليه الحدث في الجملة.

وهذا مع أنّ المسّ حينئذٍ من العبادات ، واستصحاب شغل الذمة ، والشكّ في الشرط ، يرجّح المنع ، وهو الأقوى.

وكذلك يجب للمكث في المساجد ودخول المسجدين إن وجبا. أما غسل الجنابة والحيض فللإجماع ، نقله جماعة (٣).

وكذلك اشتراطهما ، ويدلّ عليه أيضاً أنّهما حرام على الجنب والحائض بالإجماع والأخبار المعتبرة ، ولقوله تعالى (وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (٤) على التفسير الوارد في الصحيح.

وخلاف سلّار وقوله بكراهة ذلك (٥) ضعيف ، فيتوقّف الامتثال على الغسل من باب المقدّمة.

__________________

(١) قوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) الواقعة : ٧٩.

(٢) انظر الوسائل ١ : ٢٦٩ أبواب الوضوء ب ١٢.

(٣) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٧٠ ، وصاحب المدارك ١ : ١٥.

(٤) النساء : ٤٣.

(٥) المراسم : ٤٢.

٢٠٩

وربّما قيل بعدم الحرمة للحائض بعد الانقطاع ولما تغتسل ، وفيه إشكال ؛ وقياسه على الطلاق والوقاع باطل.

ثم إنّهم حكموا بحرمة وضع الجنب والحائض شيئاً في المساجد ، وادّعى بعضهم عليه الإجماع (١).

ويدلّ عليه الصحيحان الشاملان لما استلزم المكث وعدمه ، والوضع من داخل أو خارج (٢) ، فلا وجه للتفرقة. ومقتضى ذلك وجوب الغسل للوضع إن وجب. وخلاف سلّار وحكمه بالكراهة أيضاً ضعيف (٣).

وأما غسل النفاس ، فيظهر مما سبق.

وأما الاستحاضة ، فالأقرب فيها الجواز للأصل.

وكذلك يجب لقراءة العزائم ، ويشترط به في الجنب والحائض بالإجماع والأخبار المعتبرة (٤).

والإجماع على نفس السورة ، مطابقاً لما رواه في المعتبر عن جامع البزنطي (٥) وإن كان في سائر الروايات نفس السجدة.

وألحق الأصحاب البسملة بقصدها أيضاً.

والكلام في اعتبار انقطاع الحيض كما تقدّم ، وكذلك الكلام في النفساء.

__________________

(١) كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٤٩ ، وصاحب الحدائق ٣ : ٥٤.

(٢) وهما صحيحة عبد الله بن سنان وفيها : عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال : نعم ولكن لا يضعان في المسجد شيئاً الكافي ٣ : ٥١ ح ٨ ، التهذيب ١ : ١٢٥ ح ٣٣٩ ، الوسائل ١ : ٤٩٠ أبواب الجنابة ب ١٧ ح ١. وصحيحة زرارة أوردها في الكافي ٣ : ١٠٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ ح ١٢٣٣ ، الوسائل ٢ : ٥٨٣ أبواب الحيض ب ٣٥ ح ١.

(٣) المراسم : ٤٢.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٢٢٠ أبواب أحكام الخلوة ب ٧ ح ٦ ، وص ٤٩٤ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٧. وفيها : قلت الجنب والحائض يقرءان شيئاً؟ قال : نعم ما شاءا إلّا السجدة.

(٥) المعتبر ١ : ١٨٧.

٢١٠

وأما المستحاضة فلا وجه للمنع فيها.

وهل تشترط قراءة القرآن غير العزيمة بالغسل أم تجوز بدونه؟ والمشهور الجواز ، بل ادّعى عليه الإجماع السيد (١) والشيخ (٢) والمحقّق في المعتبر (٣) ، وعن سلّار التحريم مطلقاً (٤). وعن ابن البرّاج تحريم ما زاد على سبع (٥) ، وعن بعض تحريم ما زاد على السبعين (٦).

واشتهر بين المتأخّرين حمل رواية سماعة : «قال : سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال : ما بينه وبين سبع آيات» (٧) على الكراهة.

وربّما يؤيّد ذلك بحكاية عبد الله بن رواحة مع زوجته وبعض الروايات الأُخر (٨) ، وكلاهما عاميان.

فحمل المنع حيثما وجد على التقيّة أولى ، لعدم مقاومتها للأخبار المتظافرة عموماً ، وخصوصاً الصحيحة المعتبرة جدّاً ، فالحكم بكراهة ما زاد على السبع أيضاً في غاية الإشكال.

وكذلك يجب غسل الجنابة للدخول في الصوم الواجب ، وادّعى عليه الإجماع

__________________

(١) الانتصار : ٣١.

(٢) الخلاف ١ : ١٠٠ مسألة ٤٧.

(٣) المعتبر ١ : ١٨٧.

(٤) حكاه في الذكرى : ٣٤ عن كتاب الأبواب والفصول لسلّار.

(٥) المهذب ١ : ٣٤.

(٦) حكاه في المنتهي ٢ : ٢١٩ ، وهو محكي عن القاضي كما في رياض المسائل ١ : ٣١٨ ، ومفتاح الكرامة ١ : ٣٢٧. وقال في المبسوط ١ : ٢٩ والاحتياط ألّا يزيد على سبع أو سبعين.

(٧) التهذيب ١ : ١٢٨ ح ٣٥٠ ، الاستبصار ١ : ١١٤ ح ٣٨٣ ، الوسائل ١ : ٤٩٤ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٩.

(٨) حكاية عبد الله بن رواحة أنّه تخلّص عن تهمة امرأته بشعر موهم للقراءة فقالت : صدق رسول الله وكذب بصري ، فأخبر النبيّ (ص) فضحك حتّى بدت نواجذه. وأما الرواية التي نقلت عن عليّ (ع) : لم يكن يحجب النبيّ (ص) عن قراءة القرآن شي‌ء سوى الجنابة (منه رحمه‌الله). وانظر المستدرك ١ : ٤٦٥ أبواب الجنابة ب ١٢ ، والذكرى : ٣٤ ، ٣٥.

٢١١

في السرائر (١) ، وهو المشهور بين الأصحاب (٢).

وظاهر إطلاقاتهم يقتضي عدم الفرق بين صوم رمضان وغيره من الواجبات. وتردّد في المنتهي في غير رمضان من جهة تعميم الأصحاب في جعل تعمّد البقاء على الجنابة من المفطرات للصوم مطلقاً ، ومن جهة عدم التنصيص إلّا على صوم شهر رمضان أو قضائه (٣)

وكيف كان فالأقوى في شهر رمضان هو المشهور ، للإجماع المنقول ، والصحاح المستفيضة (٤).

ويظهر من الصدوق في المقنع عدم الوجوب (٥) ، ومال اليه المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله (٦) ، لقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ) إلى قوله (حَتّى يَتَبَيَّنَ) (٧) والأخبار الصحيحة وغيرها (٨).

والجواب عن الآية بمنع رجوع المخصص إلى الجملة الأُولى ، وبمنع عموم الليل ، سيّما وهو رفع للسلب الكلّي ، وهي الحرمة تمام الليل ، وكونه في كلام الحكيم لا يوجب أزيد من حمل الإطلاق على ما يخرجه عن اللغويّة ، وهو يحصل بما يبقى منه مقدار الغسل.

وعن الأخبار بحملها على التقيّة ، كما ينادي بها إسنادها إلى عائشة في بعضها (٩) ،

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٧٧.

(٢) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٧١ ، والعلامة في القواعد ١ : ١٧٨ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦.

(٣) المنتهي (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٥٦٦.

(٤) الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥.

(٥) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ١٦.

(٦) مجمع الفائدة ١ : ٧١.

(٧) البقرة : ١٨٧.

(٨) الوسائل ٧ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦.

(٩) التهذيب ٤ : ٢١٠ ح ٦١٠ ، والاستبصار ٢ : ٨٥ ح ٢٦٦ ، الوسائل ٧ : ٣٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٦.

٢١٢

ونسبة ذلك الفعل إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعنوان الاستمرار في آخر (١). ولبعضها محامل أُخر.

ومثله قضاؤه ، للأخبار المعتبرة (٢).

وأما المستحبات ، فالأقوى عندي عدم الاشتراط ، لصحيحة حبيب الخثعمي (٣) وموثّقة ابن بكير (٤) فيجوز ، وإن تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر.

وأما غسل الحيض فقال في المنتهي : لم أجد لأصحابنا نصاً صريحاً ، واختار في المنتهي اشتراطه (٥) ، وفي النهاية عدمه (٦) ، وتردّد في المعتبر (٧).

والأوّل أقرب ، لموثّقة أبي بصير (٨) ، ولتوقّف اليقين بالبراءة عليه.

فلو تعذّر الغسل فالأقرب وجوب التيمّم بدلاً عن الغسل فيهما ، لما سيأتي من وجوبه لكلّ ما تجب له الطهارتان ، والصواب الكون عليه حتّى يدخل الفجر.

وأما غسل الاستحاضة ، فالمعروف من مذهب الأصحاب المدّعى من بعضهم عليه الوفاق (٩) بطلان الصوم بالإخلال بالأغسال التي تجب عليها ، لصحيحة عليّ بن مهزيار قال ، كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أوّل شهر رمضان ، ثم استحاضت وصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ قال :

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٣ ح ٦٢٠ ، الاستبصار ٢ : ٨٨ ح ٢٧٧ ، الوسائل ٧ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٥.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٤٩ ح ٢١٢ ، الوسائل ٧ : ٤٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٥ ح ٣ ، الوسائل ٧ : ٤٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠ ح ٢.

(٥) المنتهي (الطبعة الحجريّة) ١ : ٥٦٦.

(٦) نهاية الأحكام ١ : ٢١.

(٧) المعتبر ١ : ٢٢٦.

(٨) التهذيب ١ : ٣٩٣ ح ١٢١٣ ، الوسائل ٧ : ٤٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢١ ح ١.

(٩) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ١٧ ، والسبزواري في الذخيرة : ٧٦.

٢١٣

«تقضي صومها ، ولا تقضي صلاتها ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر فاطمة عليها‌السلام والمؤمنات من نسائه بذلك» (١) وفي سند الرواية ومتنها أسئلة وأجوبة ذكرناها في كتاب مناهج الأحكام (٢).

ويظهر من المدارك أنّ المشهور توقّف الصحّة على الأغسال النهاريّة ، بلا إشكال في عدم مدخليّة الليليّة (٣) الاتية ، ومع تردّد في مدخليّة الليليّة الماضية (٤). وقيل : لو قدّم غسل الفجر عليه فيجزئها عن الليليّة (٥) الماضية لو كانت تؤثّر في تصحيح الصوم ، سيّما على القول بالتداخل (٦).

وفي كون المراد من الرواية ترك جميع أعمال المستحاضة ، فيكون ذكر الغسل لكلّ صلاتين بعنوان المثل ، أو مجرّد الغسل لكلّ صلاتين في الجملة أو كلّ ما وجب على من وجب عليه الغسل لكلّ صلاتين ، احتمالات. والظاهر أنّه رفع للإيجاب الكلّي ، فترك أحد الأغسال يكفي في بطلان الصوم والصلاة ، لكنه بالنسبة إلى ذلك اليوم. وفي استنباط حكم المتوسطة إشكال.

تنبيه :

الظاهر من كلام الجماعة وجوب الغسل للصوم قبل الفجر بمقدار أداء الغسل لو لم يجب عليه مشروط آخر (٧) ، ومقتضى ما حقّقناه سابقاً : «من أنّ الوجوب للغير

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١٠ ح ٩٣٧ ، الوسائل ٢ : ٥٩٠ أبواب الحيض ب ٤١ ح ٧.

(٢) يمكن الطعن في السند بجهالة المكتوب إليه ، ومن حيث المتن بمخالفتها لما عليه الأصحاب من وجوب قضاء الصوم دون الصلاة.

(٣) في «م» : الليلة.

(٤) مدارك الأحكام ١ : ١٩.

(٥) في «ز» ، «ح» : الليلة.

(٦) روض الجنان : ١٧.

(٧) الدروس ١ : ٩٩.

٢١٤

لا يستلزم دخول وقت المشروط ، ولا فعليّة وجوبه ، بل يكفي الظنّ بإدراك الوقت صحيحاً سليماً» جوازه في تمام الليل كنيّة الصوم ، فيجب بوجوب موسّع حين حصول الموجب إلى أن يتضيّق الوقت ، كما أنّه يجب على المستطيع قبل الموسم طيّ المسافة ليدرك الحجّ في الموسم ، فتجب المقدّمة بوجوب موسّع للظان بإدراك وقت الواجب متلبساً بصفة التكليف. وهو مقتضى الإطلاقات والأوامر المقيّد وجوبها بالغير كما مرّ في الوضوء ويأتي في الغسل.

وإنّما خرجنا عن مقتضى ذلك في الطهارات للصلاة لخصوص الأدلّة ، من مفهوم الآية والصحيحة وغيرها ، وإلّا لجوّزنا التوضّؤ (١) والاغتسال قبل الوقت بنيّة الوجوب للصلاة مع ظنّ إدراكها متلبّساً بصفة التكليف ، فيبقى غيره تحت الأصل ، ومن جملة ذلك الغسل للصوم.

ففيما ذكروه شيئان ، أحدهما : مخالفته لما ذكروه في تفسير الوجوب الغيري ، وثانيهما : مخالفته لمقتضى حقيقة الواجب الغيري على ما بيّنا.

وبالجملة ، فالأظهر : جواز الغسل للصوم بنيّة الوجوب في تمام الليل ، ويؤيّده عدم إمكان التحديد (٢) ، وأنّ المطلوب الإصباح متطهراً.

الثاني : قد عرفت أنّ وجوب الأغسال للمشروطات في الجملة إجماعيّ وأما وجوبها في نفسها فقد نقلنا قولاً بوجوب جميع الطهارات لنفسها ، وأشرنا إلى دفعه في الوضوء.

ونقول ههنا : إنّ المعروف من مذهب الأصحاب المدّعى عليه الإجماع أنّ غير غسل الجنابة من الأغسال أيضاً لا وجوب لها في نفسها ، وتشملها جميعاً صحيحة

__________________

(١) في «م» : وإلّا لجواز بالتوضّؤ.

(٢) في «ح» : التجديد.

٢١٥

زرارة (١) ، والأصل ، والاستصحاب ، وعدم التزام المكلّفين الإتيان بها عند مظنّة الموت.

وأما غسل الجنابة ، فذهب جماعة من المتأخّرين إلى كونه واجباً لنفسه (٢) ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» (٣) وما في معناه من الأخبار المعتبرة الكثيرة.

وفيه : أنّ بعد ملاحظة تأدّي نظائرها من سائر الطهارات من الأحداث والأخباث بمثل ذلك كقولهم : وجب الوضوء ، وغسل الحيض واجب ، وغسل النفاس واجب ، واغسل ثوبك ، وما (٤) ورد في غسل الأواني ، وغيرها مما لا يحصى كثرة مع أنّ المراد منها الوجوب للغير ، سيّما مع معهوديّة اشتراط الغير بها ؛ لا يبقى وثوق (٥) بالاتّكال على أصالة الحقيقة لو سُلّم تبادر الواجب المطلق من مطلق الواجب. سيّما مع كون المحتاج إليه العام البلوى هو الوجوب الغيري المتفق عليه ، لا الوجوب النفسي النادر الاحتياج المختلف فيه ، فينصرف إليه.

ولذلك قال المحقّق : إخراج غسل الجنابة من جميع ذلك تحكّم بارد (٦) ، فالأصل ينفيه ولا حاجة إلى دليل.

ولو سلّمنا دلالة المطلقات ، فنجيب عنها بتقييدها بمفهوم الآية ، فإنّ الظاهر أنّ قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) عطف على قوله (فَاغْسِلُوا) والظاهر أنّ التقدير : فإن كنتم محدثين بالأصغر (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) ، (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا). سيّما مع ما

__________________

(١) وهو قول أبي جعفر عليه‌السلام : إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة. الفقيه ١ : ٢٢ ح ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٦ ، الوسائل ١ : ٢٦١ أبواب الوضوء ب ٤ ح ١.

(٢) كالعلامة في المختلف ١ : ٣٢١ ، والمنتهي ٢ : ٢٥٦ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ١ : ٤٧.

(٣) التهذيب ١ : ١١٩ ح ٣١٤ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٥.

(٤) في «م» ، «ح» : ولما.

(٥) في «ز» : لا يبقى وصول بها.

(٦) نقله عن المسائل المصريّة للمحقّق في جامع المقاصد ١ : ٢٦٣.

٢١٦

ورد في تفسيرها من الأخبار ، وادّعى السيد عليه الإجماع ؛ من كون المراد : إذا قمتم من النوم (١) ، فإنّ النوم مظنّة الجنابة غالباً ، إما بالاحتلام أو بمسبوقيته بالجماع.

وتدلّ عليه : رواية محمّد بن مسلم ، حيث استدلّ عليه‌السلام بقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) على عدم وجوب الوضوء مع غسل الجنابة (٢) ، وإن كان قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ) عطف على قوله (إِذا قُمْتُمْ) لم يثبت التنافي ، ولم يصح الاستدلال.

ويدلّ عليه أيضاً : مفهوم صحيحة زرارة (٣) ، وظاهر حسنة الكاهلي (٤) ، وغيرها من الأخبار. وقد أطنبنا الكلام في كتاب مناهج الأحكام.

الثالث : المشهور وجوب الغسل على من مسّ ميتاً بعد برده وقبل الغسل للصحاح المستفيضة (٥) خلافاً للسيد (٦) ، وليس له ما يُعتمد عليه ، والأصل لا يقاوم الدليل.

والمشهور إلحاق القطعة المبانة من الحي والميت إذا كان فيها عظم ، ولم ينقل

__________________

(١) الانتصار : ٣٠.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٩ ح ٣٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ ح ٤٢٦ ، الوسائل ١ : ٥١٦ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٦ ، الفقيه ١ : ٢٢ ح ٦٧ ، الوسائل ١ : ٤٨٣ أبواب الجنابة ب ١٤ ح ٢ ، وفيه : إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ، ولا صلاة إلّا بطهور.

(٤) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٧٠ ح ١١٢٨ ، الوسائل ١ : ٤٨٣ أبواب الجنابة ب ١٤ ح ١ ، وفيه : عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل فتغتسل أم لا؟ قال : قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل. وهي حسنة لأنّ في طريق الشيخ إلى أحمد بن محمّد بن عيسى أحمد بن محمّد بن يحيى ولم يثبت توثيقه.

(٥) الوسائل ٢ : ٩٢٧ أبواب غسل المسّ ب ١.

(٦) نقله عنه الشيخ في الخلاف ١ : ٢٢٢ ، وقد يستفاد من كتاب الجمل : ٥٤ حيث قال حين عدّ ما يوجب الغسل : وقد ألحق بعض أصحابنا بذلك مسّ الميت.

٢١٧

في التذكرة خلافاً إلّا من العامّة (١). وعن الشيخ في الخلاف الإجماع على ذلك (٢) ، وتدلّ عليه : مرفوعة أيّوب بن نوح (٣).

وتوقّف في المعتبر (٤) مع جزمه في النافع (٥) ، ولعلّه للإرسال ، ولا وجه له مع العمل والإجماع المنقول ، واستصحاب شغل الذمة بالعبادة.

والظاهر أنّ مسّ ما لا تحلّه الحياة كالشعر لا يشمله الحكم وإن كان على الميت ، لعدم الانفهام من الأخبار.

وأما مسّ بعض الأعضاء المغسولة تماماً قبل إتمام البواقي ففيه قولان ، أظهرهما : الوجوب ، لعدم صدق الغسل قبل الإتمام.

وقيل : لا يجب (٦) ، لما ورد في غسل الجنابة : «أنّ ما جرى عليه الماء فقد طهر» (٧) وما ورد : «أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة» (٨).

وفيه : أنّ التشبيه ظاهره بيان الكيفيّة ، لا جميع الأحكام.

وظاهر الأكثر أنّ وجوبه للغير ، من الصلاة والطواف ومسّ كتابة القرآن لا غير ، وظاهر المحقّق الشيخ عليّ حيث ادّعى إطباق الأصحاب على كون وجوب غير غسل الجنابة من الطهارات للغير كون ذلك إجماعيّاً (٩).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٥.

(٢) الخلاف ١ : ٧٠١ مسألة ٤٩٠.

(٣) الكافي ٣ : ٢١٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٢٩ ح ١٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ١٠٠ ح ٣٢٥ ، الوسائل ٢ : ٩٣١ أبواب غسل المسّ ب ٢ ح ١ ، وفيه : إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه.

(٤) المعتبر ١ : ٣٥٢.

(٥) المختصر النافع : ١٥.

(٦) نهاية الأحكام ١ : ١٧٤ ، جامع المقاصد ١ : ٤٦٣.

(٧) انظر الوسائل ١ : ٥١١ أبواب الجنابة ب ٣١ ، وص ٥٠٢ ب ٢٦.

(٨) الوسائل ٢ : ٩٣٦ أبواب غسل المسّ ب ٧.

(٩) جامع المقاصد ١ : ٢٦٣.

٢١٨

ويؤيّده حمل النظائر عليه كما مرّ.

مع أنّ صريح فقه الرضا عليه‌السلام هو ذلك ، بل الحكم بإعادة الصلاة إذا نسي الغسل وصلى (١).

وهذه ، مع استصحاب شغل الذمة ، والإشارات الكثيرة في الروايات وإن لم يكن دليلاً مستقلا يقوّي القول بكون المسّ حدثاً بالنسبة إلى المشروطات المذكورة ، وكون وجوبه للغير.

وربّما قيل بكونه واجباً لنفسه كغسل الجمعة والإحرام على القول بوجوبهما ، لعدم ما يدلّ على الاشتراط به في شي‌ء من المشروطات.

وقد عرفت الوجه ، مع أنّ كونهما لنفسهما على القول بالوجوب مع شذوذه ممنوع أيضاً ، فإنّ الظاهر أنّه للتطهّر (٢) في اليوم وللإحرام كما دلت عليه الروايات.

__________________

(١) فقه الرضا (ع) : ١٧٥.

(٢) في «ز» : للطهر ، وفي «ح» : للتطهير.

٢١٩

المقصد الثاني

في حقيقة موجبات الغسل وما يتعلّق بها

وفيه مباحث :

الأوّل : في الجنابة

وهي تحصل بخروج المني معتاداً في أيّ حال من ذكر أو أُنثى بعنوان اليقين ، ولا يجب الغسل مع الشكّ ، للأصل.

ويعتبر مع الاشتباه بالصفات ، من قوّة الدفع ، وفتور الجسد بعده ، ومقارنتها للشهوة. ويكفي في المريض الشهوة ، كما في الأخبار المعتبرة (١).

ووجوب الغسل بذلك إجماعيّ منصوص عليه في الصحاح وغيرها (٢).

وبإدخال الحشفة ، أما في قُبل المرأة فبالإجماع والصحاح وغيرها (٣) ، وأما في دبرها ، فعلى المشهور المدّعى عليه الإجماع من السيد (٤) ، المدلول عليه بقوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) (٥) والأخبار الكثيرة ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ٤٧٧ أبواب الجنابة ب ٨.

(٢) الوسائل ١ : ٤٧١ أبواب الجنابة ب ٧.

(٣) الوسائل ١ : ٤٧١ أبواب الجنابة ب ٧.

(٤) نقله عنه في المختلف ١ : ٣٢٨.

(٥) النساء : ٤٣ ، المائدة : ٦.

٢٢٠