غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

وما يقال : «من أنّ الحدث كما ينقض الغسل الكامل فينقض بعضه بطريق أولى» فإن أُريد به النقض بمعنى إيجابه الغسل ثانياً فهو كما ترى ، وإن أُريد به رفع استباحة الصلاة ، فيحتاج إلى الطهارة في الجملة ، فمقتضى ذلك كفاية الوضوء فقط عنه كما في الأصل.

سلّمنا ، لكن لِمَ لا يكون ذلك هو البعض الباقي من الغسل ، مع أنّ ذلك لا يتمّ على أُصولنا فإنّه قياس ، والأوّلويّة ممنوعة ، والحجّة منه ما كان من باب المفهوم من كلام الشارع.

ولو تمسّك بما دلّ على وجوب الوضوء بحدوث الأحداث من العمومات والإطلاقات ، فيعارض بما دلّ على عدم جواز الوضوء مع غسل الجنابة ، هذا.

وقد ظهر لك بما ذكرنا : أنّ القول الأخير أظهر من غيره بالنظر إلى ظواهر الأدلّة.

ومما يبعّده أنّ من لوازم هذا القول جواز الصلاة بمثل هذا الغسل بعد إتمامه ، وإن مضى بين الجزأين مقدار عام أو أزيد ، ما لم يحصل حدث أكبر بينهما.

والإنصاف أنّ شيئاً من تلك الأدلّة ليس بحيث يعتمد عليه ويركن إليه في الفتوى ، فإنّ الفرض من الفروض النادرة ، ولا ينساق نقض ما تقدّم من الغسل من أدلّة النواقض ، ولا رافعيّة ما بقي من أدلّة الطهارات ، ولا إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء فيما نحن فيه من الأخبار الدالّة على عدم اجتماع غسل الجنابة مع الوضوء ، ولا وجوب الوضوء هاهنا من أدلّة موجباته ، ولا غير ذلك ، فإن اعتمد على الرواية كما يظهر من الفقيه ونَقله لهذا القول عن أبيه ، وعمل جماعة من القدماء على مقتضاها ، فهو ، وإلّا فلا مناص عن الاحتياط ، وهو إتمام الغسل وإعادته ثانياً ، ثم الوضوء.

أو يعيد ويتوضّأ من دون إتمام الأوّل.

وإتمام الأوّل إنّما هو للاحتياط عن إبطال العمل ، وعن أنّ قصد البطلان لا يصير

٣٠١

منشأً للبطلان ، فاعتباره أحوط.

وأما غير غسل الجنابة من الأغسال ، فعلى قول السيد يجري الخلاف والأقوال والأدلّة ، وأما على المشهور ، فيسقط القول الأخير ، مع إشكال فيه أيضاً لو قلنا بوجوب تقديم الوضوء على الغسل ، وكونه جزء المؤثر في الحدث الأكبر أيضاً ، لا (١) أنّه وضوء الصلاة ، وقد عرفت أنّ التحقيق خلافه ، هذا إذا كان الغسل مرتّباً.

وإن كان ارتماسياً ، فالأظهر جريان الأقوال والاحتمالات فيه أيضاً ، لأنّ الظاهر أنّه تدريجي الحصول ، لا كما فهمه الشهيد في الذكرى «من أنّه إنّما يحصل الغسل بعد إحاطة الماء ، والولوج في الماء من مقدّماته» (٢) ، لعدم الدليل عليه.

وما ذكرناه هو الظاهر من الأخبار والأدلّة.

وما يتوهّم في بطلان هذا القول من استلزامه الاجتزاء ببعض الأعضاء المرتمسة لو منعه مانع عن الباقي ، يندفع بأنّ إبقاء العضو المرتمس إلى أن يلحقه الباقي شرط في صحّة الغسل ، فالإتمام كاشف عن الاغتسال ، لا أنّه محصّل له من حينه.

مع أنّه يمكن إجراء الاحتمالات في الان المفروض على ما احتمله الشهيد ، ولكنه بعيد ، لعدم تحقيقه وتعيينه. ولا يهمّنا الكلام فيه ، هذا الكلام في الحدث الأصغر.

وأما الحدث الأكبر ، فأما الجنابة فلا إشكال في وجوب الغسل ثانياً ، وحصول التداخل. مع إمكان تجويز إتمامه بناءً على كون التداخل رخصة ، ثم الاستئناف.

وأما غيره ، فلا ريب أيضاً في وجوب غسل مستقلّ له ، إنّما الكلام في الاعتناء بما تقدّم.

وتظهر الفائدة في ارتفاع ما يتعلق بالحدث السابق من الموانع ، فيتمّه ويغتسل للباقي على حدة ، وقد مرّت الإشارة إلى جوازه في المباحث السابقة.

__________________

(١) في «م» : إلّا.

(٢) الذكرى : ١٠٦.

٣٠٢

الفصل الثالث

في التيمّم

وفيه مقاصد

٣٠٣
٣٠٤

المقصد الأوّل

في أقسامه

وفيه مباحث :

الأوّل : إنّه يبيح عند فقد التمكّن من المائيّة ما تبيحه المائيّة على المشهور من أصحابنا ، بل الظاهر عدم الخلاف فيه إلى زمن فخر المحقّقين ، فإنّ العلامة في المنتهي لم ينقل في المسألة خلافاً إلّا عن أبي مخرمة من العامة (١) ، وسيجي‌ء كلام ولده في بعض الموارد.

لنا : ظاهر الإجماع ، وقوله تعالى (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (٢) بعد ذكر التيمّم ، وإذا ثبت كونه مطهّراً عن الجنابة والغائط كما استفيد من الآية (٣) ، فلا قائل بالفصل ، وإذا ثبتت الطهارة ارتفع الحدث ، لما أشرنا إليه في أوائل الكتاب ، وإذا ثبت ارتفاع الحدث فلا يبقى مانع عن الدخول في المشروط. وقد مرّ أنّ الحدث حالة بسيطة لا تركّب فيه ولا تعدّد ، مع أنّ الأصل عدمه.

والعبرة بقوله تعالى (لِيُطَهِّرَكُمْ) فلا يضرّ كونه من مدخولات قوله تعالى :

__________________

(١) المنتهي ٣ : ١٤٧.

(٢) المائدة : ٦.

(٣) المائدة : ٦.

٣٠٥

(إِذا قُمْتُمْ) مع أنّ رفع المانع عن الصلاة لا يتحقّق الا برفع نفس الحالة ، فلا يبقى مانع.

وما يقال إنّ التيمّم ليس برافع (١) ، ففيه أنّ ذلك نزاع لفظي ، إذ مرادنا رفع وصف المانعيّة ، لا ذات المانع ، فالنافي إنّما يصح منه منع الثاني. غاية الأمر أنّه محدود بغاية ، ففي المائيّة يرتفع وصف المانعيّة مع موصوفها ، وفي التيمّم الوصف فقط ، ولذلك اخترنا كون الطهارة مشككةً بين أقسامها ، فنسبة أصل الارتفاع إلى تلك الصفة في الوقت المحدود حقيقي ، مثل ارتفاع ذات المانع في المائيّة ، لا إضافي حتّى يتفاوت بالنسبة إلى المشروطات. مع أنّ المقام مقام الامتنان وإظهار النعمة ونفي الحرج ، فيناسبه التعميم.

ويدلّ عليه أيضاً : الأخبار الصحيحة وغيرها ، المستفيضة جدّاً ، المشتملة على مساواة التراب للماء. ففي طائفة منها «إنّه أحد الطهورين» (٢) ، وفي اخرى «إنّه بمنزلة الماء» (٣) ، وفي اخرى «إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض» (٤) ، وفي اخرى «إنّ الله جعل التراب طهوراً ، كما جعل الماء طهوراً» (٥) وفي اخرى «إنّه طهور المسلم» (٦) الدالّة بظاهرها على مساواتهما في الطهوريّة.

وهو مع قطع النظر عن ظهوره في العموم ، لا بد من حمله عليه في كلام الحكيم. وخصوص السبب في بعض الأخبار لا يوجب تخصيص العام ، فالعبرة بعموم اللفظ.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٦٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٧ ح ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ١٦١ ح ٥٥٧ ، الوسائل ٢ : ٩٩٥ أبواب التيمّم ب ٢٣ ح ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٠ ح ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٦ ، الوسائل ٢ : ٩٩٠ أبواب التيمّم ب ٢٣ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٥٧ ح ٢١٣ ، المحاسن ٣٧٢ ح ١٣٣ ، الوسائل ٢ : ٩٦٥ أبواب التيمّم ب ٣ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٦٠ ح ٢٢٣ ، التهذيب ١ : ٤٠٤ ح ١٢٦٤ ، الوسائل ٢ : ٩٩٥ أبواب التيمّم ب ٢٤ ح ٢ ، وصدرها في الكافي ٣ : ٦٦ ح ٣.

(٦) سنن أبي داود ١ : ٩١ ح ٣٣٢ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٢.

٣٠٦

مع أنّ الشباهة في مطلق الطهوريّة أيضاً تكفي ، فإنّ الطهارة لا تحصل إلّا برفع الحدث ، ومع ارتفاعه لا يبقى مانع كما مر مراراً.

ومن الأخبار رواية أبي ذر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : يا رسول الله هلكت ، جامعت على غير ماء ، قال : فأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بمحمل فاستترت به ، وبماء فاغتسلت أنا وهي ، ثم قال : «يا أبا ذر ، يكفيك الصعيد عشر سنين» (١).

وذلك لا يتمّ إلّا مع كفايته عن كلّ ما يحتاج إلى الماء.

وما يقال : «إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلّه بيّن لأبي ذر سابقاً أنّ التيمّم يجب لماذا ، ويستبيح لما ذا ، وكان ذلك حوالة له على ما أعلمه سابقاً ، فلا يستفاد منه العموم» فهو في غاية البعد ، مع أنّ الأصل عدمه.

مع أنّه أثبت الكفاية عن غسل الجنابة ، فما يترتّب عليه لا بد أنّ يترتّب على التيمّم.

وقد يستشكل : بأنّ مقتضى هذه الأخبار كفاية التيمّم لما ثبت اشتراطه بالطهارة ، لا ما اشترط بخصوص الغسل فقط كصوم الجنب.

وفيه : أنّ ما ثبت اشتراطه بالطهارة لا تمكن فيه إرادة المطلق تخييراً ، فإنّ المحدث بالأصغر لا يجوز له الغسل ، وبالعكس ، وهكذا.

ولو أُريد المطلق ترتيباً ، فيرجع إلى إرادة الأفراد ، فالمحدث بالأصغر أيضاً مكلّف بالوضوء أوّلاً ، فإن لم يجد فبالتيمّم ، وهكذا.

والقول بأنّ وجوب الوضوء على المحدث بالأصغر لأجل أنّه طهارة بخلاف الغسل لصوم الجنب ، اعتساف.

وقوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (٢) مع أنّه ظاهر في إرادة الفرد ؛

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩٥ ح ٥٦١ ، الفقيه ١ : ٥٩ ح ٢٢١ ، الوسائل ٢ : ٩٩٥ أبواب التيمّم ب ٢٣ ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٤٩ ح ١٤٤ وص ٢٠٩ ح ٦٠٥ وج ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

٣٠٧

لا يستفاد منه أنّ اشتراطه به باعتبار أنّه طهور. والتعليق على الوصف وإن كان فيه إشعار بالعلّيّة ، لكنه ليس بحجّة ، مع معارضته باحتمال إرادة الاختصار في اللفظ ، وكون المقام مقام تعميم الحكم ، مع أنّ إبقاءه على الإطلاق يقتضي دخول التيمّم مطلقاً ، هذا كلّه مع المعارضة بما بيّنا من عموم البدليّة ، فالمراد بيان الأفراد مرتّباً ومن جملتها التيمّم.

ونظير هذا الإشكال ما قيل : إنّ البدليّة تسلّم فيما ثبت فيه الاشتراط بالمائيّة ، نظراً إلى تسوية الماء والتراب في الأخبار ، لا ما ثبت اشتراطه بخصوص أحد المائيتين. ويظهر الجواب عنه مما تقدّم.

الثاني : إنّه يجب عند فقد التمكّن من المائيّة لكلّ ما تجب له المائيّة أما إجمالاً فلما ظهر من تلك الأخبار من عموم البدليّة ، وأيضاً ظهر أنّه يبيح ما تبيحه المائيّة ، فإذا ثبت اشتراط الواجب بالطهارة وتمكّن منه بالفرض ، فتجب من باب المقدّمة.

وأما تفصيلاً ، فأما وجوبه للصلاة وشرطيته لها ، فمما لا خلاف فيه ، بل الظاهر أنّه من ضروريات الدين. وتدلّ عليه الآية (١) ، وعموم الأخبار المتقدّمة ، وعموم مثل قوله عليه‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (٢) وخصوص الأخبار الكثيرة.

وكذلك الطواف الواجب ، ويدلّ عليه مضافاً إلى إجماعهم : ظاهر الأخبار المتقدّمة ، وقوله عليه‌السلام : «الطواف بالبيت صلاة» (٣).

وأما مسّ كتابة القرآن الواجب ، فلقوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (٤)

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٤٩ ح ١٤٤ وص ٢٠٩ ح ٦٠٥ ، وج ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ١٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٢٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤.

(٤) الواقعة : ٧٩.

٣٠٨

بالتقريب المتقدّم ، واستصحاب شغل الذمّة يقتضي اشتراطه به أيضاً.

وأما دخول المسجدين والمكث في المساجد إذا وجبا ، فاشتراطهما بالطهارة مع وجوبهما مضافاً إلى ما تقدّم من إباحة التيمّم كلّ ما تبيحه المائيّة ، يقتضي وجوبه لهما.

ويشكل هذا الاستدلال : بما تقدّم من أنّ الثابت اشتراطهما بالغسل ، لا بمطلق الطهارة.

ويمكن دفعه : بأنّهما محرّمان على الحائض والجنب ، والمعتبر في رفع الحيض والجنابة هو الإطهار كما يستفاد من الآيات ، وإن كان منحصراً في الغسل في الآية الاتية ، ويكفي ذلك لرفع الإشكال ، سيّما بعنوان الإلزام.

مع أنّه يكفي الاستدلال بعموم البدليّة المستفادة من الأخبار المتقدّمة.

ويدلّ الاستصحاب المتقدّم على اشتراطهما به ، وقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) (١) الآية بعد قوله تعالى (وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ) (٢) على أحد الوجهين في الآية.

ويؤيّده ما سيجي‌ء من وجوب التيمّم على المحتلم في أحد المسجدين.

ومنع فخر المحقّقين إباحة التيمّم لذلك (٣) ، لقوله تعالى (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (٤) فلو كانت الغاية أحد الأمرين ، لم تكن الغاية غاية.

والجواب عنه أوّلاً : بما مرّ من كفاية الصعيد عشر سنين في رواية أبي ذر (٥) ، مع أنّ صلاتهم كانت غالباً في المساجد.

وثانياً : بمنع كون المراد من الصلاة مواضعها ، بل المراد هو نفسها كما يستفاد من

__________________

(١) النساء : ٤٣.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٦٦.

(٤) النساء : ٤٣.

(٥) الفقيه ١ : ٥٩ ح ٢٢١ ، التهذيب ١ : ١٩٤ ح ٥٦١ ، الوسائل ٢ : ٩٩٥ أبواب التيمّم ب ٢٣ ح ٤.

٣٠٩

روايات كثيرة ، والمراد بعابري سبيل : المسافرون ، يعني أنّ الجنب لا يقرب الصلاة حتّى يغتسل إلّا أن يكون مسافراً لا يقدر على الماء.

ووجوه الترجيح في التفسيرين متعارضة ، وعلى ما فهمه من إرادة المساجد رواية صحيحة في العلل (١) ، فبملاحظة الروايات في الموضعين تتشابه الآية.

والأولى حملها على الاستخدام ، كما ذكره بعض البارعين في البلاغة.

فالتحقيق في الجواب إذن : أنّ الغاية واردة مورد الغالب ، ولا عبرة بمفهومها ، سيّما مع ما تحقّق من أنّ التيمّم بدل اضطراري.

ثم إنّه (٢) رحمه‌الله طرد الكلام في مس الكتابة بدعوى عدم القول بالفصل. وكذلك في عدم جواز دخوله في المسجدين.

وربّما الزم عليه القول بعدم جواز الطواف أيضاً ، لاستلزامه دخول المسجدين.

وفيه إشكال ، إلّا أن يحرم مطلق العبور ، وإلّا فالطواف لا يستلزم دخول الجنب لاحتمال حصوله في المسجد ، وسيجي‌ء تمام الكلام.

ويظهر الكلام في وجوبه لقراءة العزائم مما تقدّم من العموم ، ومن وجوب المقدّمة.

وكذلك لصوم الجنب والحائض وغيرهما ، يظهر الوجوب من إطلاقات الأخبار المتقدّمة ، واقتضائها عموم البدليّة ، فإنّ مدلول كثير منها أزيد من الإباحة ، ويثبت من كثير منها الوجوب في كلّ ما وجبت له المائيّة ، مثل رواية أبي ذر (٣) وغيرها.

مع أنّ ثبوت الإباحة كافٍ ، فإنّ المراد بها هو المعنى الأعمّ من الأحكام الثلاثة كما لا يخفى. ولا قائل باستحباب التيمّم للصوم ولا بكراهته فيما يحضرني من مقالاتهم.

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٨٨ باب ٢١٠.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٦٧.

(٣) التهذيب ١ : ١٩٥ ح ٥٦١ ، الفقيه ١ : ٥٩ ح ٢٢١ ، الوسائل ٢ : ٩٩٥ أبواب التيمّم ب ٢٣ ح ٤.

٣١٠

وعلى الوجوب فالأولى إبقاء التيمّم حتّى يصحّ.

الثالث : المشهور بين الأصحاب وجوب التيمّم على المحتلم في أحد المسجدين للخروج ويظهر من الفاضلين أنّه إجماعيّ (١) ، وعن ابن حمزة أنّه مستحبّ (٢).

والأصل فيه صحيحة أبي حمزة ، عن الباقر عليه‌السلام : «إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاحتلم ، فأصابته جنابة ، فليتيمّم ، ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمّماً» (٣).

ومرفوعة محمّد بن يحيى عن أبي حمزة مثله ، إلّا أنّه قال بعده : «حتّى يخرج منه ثم يغتسل ، وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك. ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد ولا يجلسا فيها» (٤).

ثم إنّ بعضهم (٥) صرّحوا بالوجوب ابتداء جموداً على ظاهر الرواية (٦). وجماعة أوجبوا الغسل أوّلاً مع الإمكان ، مع الأمن من تلويث المسجد ومساواة زمان الغسل لزمان التيمّم أو نقصانه عنه (٧).

واحتمل بعضهم إطلاق التقديم (٨) ، وربّما اعتذر بعضهم (٩) في اعتبار المساواة

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٨٩ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٢٤٠ ، المنتهي ٢ : ٢٢٦.

(٢) الوسيلة : ٧٠.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٧ ح ٢٨٠ ، الوسائل ١ : ٤٨٥ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٧٣ ح ١٤ ، الوسائل ١ : ٤٨٥ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٣.

(٥) نقله عن حاشية الشرائع للمحقّق الكركي واختاره في المدارك ١ : ٢٠ ، وأطلق وجوب التيمّم من غير تعرّض للغسل في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٤٩ ، والشرائع ١ : ٣ ، وإرشاد الأذهان ١ : ٢٢١.

(٦) التهذيب ١ : ٤٠٧ ح ١٢٨٠ ، الوسائل ١ : ٤٨٥ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٦.

(٧) كالمحقّق في المعتبر ١ : ١٨٩ ، والشهيد في الدروس ١ : ٨٦ ، والذكرى : ٢٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١ ، وروض الجنان : ١٩.

(٨) الذكرى : ٢٥.

(٩) روض الجنان : ١٩.

٣١١

بعدم العلم بالقائل بالإطلاق.

والأقرب تقديم الغسل مطلقاً ، للإطلاقات والعمومات ، سيّما إذا تضيق وقت المشروط كما هنا.

والرواية (١) واردة مورد الغالب كما لا يخفى ، فلا ينافيها.

والإجماع على حرمة المكث في المساجد والعمومات لا ينهض حجّة على حرمة هذا المكث ، أما الإجماع فهو منتفٍ في محل النزاع ، وأما العمومات فليس فيها ما يدلّ على ما نحن فيه ، فلاحظها ، فإنّها مصرّحة بحرمة القعود في المسجد ، وظاهرها الجنب من الخارج أيضاً ، لا من أجنب فيه. والقياس باطل.

سلّمناها ، لكنها مخصصة بقدر طهارةٍ ما إجماعاً ، فإن كان مجملاً فالعام المخصص بالمجمل لا حجّة فيه في قدر الإجمال.

وإن كان مبيّناً ، فإما أن يكون هو التيمّم ، فلا دليل عليه ، إذ الرواية واردة مورد الغالب ، فيبقى أن يكون هو الغسل ، مع أنّها معارضة بعمومات الغسل ، وبينهما عموم من وجه ، بل لا يبعد ادّعاء الخصوص المطلق في جانب الغسل ، بأن يقال : الرواية في قوّة : فليغتسل ، وإن لم يتمكّن فليتيمّم.

وما دلّ على حرمة تنجيس المسجد (٢) لا يثبت حرمة الغسل مطلقاً ، وكلامنا في ثبوته في الجملة. مع أنّ بينه وبين عمومات الغسل أيضاً تعارضاً من وجه ، أو هذه أخص بالتقريب المتقدّم ، إلّا أنّ الظاهر ثبوت الإجماع على حرمة التنجيس مطلقاً ، فالصواب تقديم الغسل إلّا في هذه الصورة.

وأما فرق بعضهم (٣) بين المساوي وغيره ، والاعتذار بعدم العلم بالقائل ، فلا يعتمد عليه. مع أنّ الظاهر أنّ دعوى الإجماع في هذه الفروع الجزئيّة مركّباً

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٠٧ ح ١٢٨٠ ، الوسائل ١ : ٤٨٥ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٦.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٣٣ ، الوسائل ٣ : ٥٠٤ أبواب أحكام المساجد ب ٢٤ ح ٢.

(٣) روض الجنان : ١٩.

٣١٢

أو بسيطاً في غاية الخفاء.

نعم يشكل الكلام فيما لو كان زمان الخروج أقصر من زمان الغسل ، بل يجري هذا الإشكال في التيمّم أيضاً في هذه الصورة ؛ ولا يبعد سقوط التكليف حينئذٍ رأساً ، لأنّ الظاهر أنّ تلك الطهارة لأجل أن لا يكون الكون خالياً عن الطهارة ، وحينئذٍ يصير الكون الخالي أكثر.

ولهذه المسألة فروع وغصون أشرنا إلى أكثرها في كتابنا الكبير.

وربّما أُلحقت الحائض بالجنب في هذا الحكم (١) ، للمرفوع (٢).

ورُدّ بضعف السند ، وحُمل على الاستحباب مسامحة (٣). وهو مشكل.

والظاهر أنّ المراد إذا طرأها الحيض ، وأما إذا اتّفق نقاؤها عن الحيض ، بأن تدخل فيهما سهواً أو عمداً ، وحصل النقاء ، ثم أرادت الخروج ، فهل يجب التيمّم أو لا؟ والقول بالوجوب هنا أقوى ، وإن كان في استفادته من الأدلّة إشكال.

ويظهر من ذلك : الكلام في غير المحتلم في المسجدين من أقسام الجنابة.

الرابع : قد يجب التيمّم بالنذر وشبهه كما مرّ في أخويه.

والمراد بشبه النذر : اليمين ، والعهد ، والتحمّل (٤) عن الغير والمراد به ما ثبت في ذمّة الغير بالنذر وشبهه إن قلنا بصحّة الاستئجار فيه.

وأما الطهارة للصلاة المستأجرة فتندرج حينئذٍ فيما يجب للصلاة.

ولما كان في نذر الطهارات تفصيل وأحكام فلا بأس للتعرّض لها في الجملة بحيث يشمل الثلاثة ، فنقول :

__________________

(١) كما في الذكرى : ٢٥ ، والدروس ١ : ٨٦ ، وجامع المقاصد ١ : ٧٩.

(٢) الكافي ٣ : ٧٣ ح ١٤ ، الوسائل ١ : ٤٨٥ أبواب الجنابة ب ١٥ ح ٣.

(٣) المعتبر ١ : ٢٢٢.

(٤) في «ز» ، «ح» : والمتحمّل.

٣١٣

النذر إما أن يتعلّق بكلّ واحد من الثلاثة بالخصوص ، أو الطهارة مريداً أحد أفرادها ، أو الطهارة من دون قصد فرد ، لا بالعموم ولا بالخصوص.

فأما الأوّل ، فأما الوضوء : فينعقد نذره حيث لم يكن هناك مانع ، فلا ينعقد نذر وضوء الحائض في غير وقت الصلاة ، ولا وضوء الجنب ، ولا التجديدي قبل الصلاة على القول باشتراطه بفعل الصلاة. فتعميم الشهيد الثاني انعقاده دائماً (١) محلّ نظر.

فلو نذره مطلقاً فوقته العمر ، يأتي به حسبما نذر.

ولو قيّده بوقت ، فإن امتنع فيه شرعاً فلا ينعقد نذره ، وإن أمكن بالفعل فلا إشكال.

وإن أمكن تحصيل الإمكان بالفعل ، كإمكان الحدث للمتطهر حيث لم نقل بجواز التجديد ، ففي وجوبه إشكال. الأظهر العدم ، وفاقاً لجماعة (٢) ، لأنّ انعقاد النذر تابع للرجحان بالفعل ، لأنّ الراجح حقيقة في المتلبّس بالمبدإ ، ومجاز فيما سيتلبّس والوضوء للمتطهّر لا رجحان له حينئذٍ. وثبوت استحباب الوضوء الرافع مطلقاً حتّى يكون منذورة واجباً مطلقاً حتّى يثبت وجوب مقدّمته من جهة أنّ الواجب حينئذٍ هو الوضوء بعد الحدث لا الوضوء بشرط الحدث كما كان كذلك في أصل الرجحان محل كلام ، لعدم الدليل على ذلك ، ولا تشمله إطلاقات الوضوء. وما ثبت للوضوء من الاستحباب النفسي إنّما هو للمحدث أو للمجدّد مع حصول الشرط.

ومن ذلك يظهر ضعف ما يقال : إنّ مطلق الوضوء مستحبّ ، فيصح نذر فرده وإن كان مرجوحاً كالصلاة في الحمام (٣).

__________________

(١) روض الجنان : ٢٠.

(٢) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٠ ، وصاحب الذخيرة : ١٢.

(٣) روض الجنان ٢٠ ، المسالك ١ : ١١.

٣١٤

وقد مرّ ما ينفعك في هذا المقام ، فإنّ صحّة النذر إذا (١) كان المتعلق هو نفس الخصوصيّة المرجوحة محل كلام.

مع أنّ هذا الفرد بنفسه مرجوح ، بل هو كصلاة الأضحى حينئذٍ ، والفرد الباطل بنفسه لا يصير راجحاً بسبب صدق الكلّي عليه. واعتبار الجهتين إنّما ينفع لو لم يثبت بطلان الفرد بالخصوص ، وعموم الوضوء مخصص بشرائط ما نحن فيه فاقدها ، مع أنّ ثبوت عام يظهر كون ذلك من أفراده غير معلوم. هذا كلّه مع أنّه مفوّت للكون على الطهارة في حال التوضّؤ ومقدّماته ، إلّا أن يكون موجباً للكون على الطهارة أزيد من السابق.

وأما الغسل ، فإن قلنا باستحبابه بلا سبب كما مرّت الإشارة إليه ، وقلنا بجوازه في جميع الأحوال ، فينعقد نذره دائماً ، وإلّا ففيما لم يمنعه مانع.

وإن منعناه رأساً ، فينعقد حين حصول الأسباب. فلو نذر غسلاً معيناً فيتبعه ، ولو أطلق فيختار. ثم إن لم يوقّته فوقته العمر كما مرّ ، وإن وقّته فالتفصيل المتقدّم.

وربّما يفرق بوجوب تحصيل السبب هنا في الصورة السابقة في مثل غسل الجنابة ، لرجحانه مطلقاً ، لما ورد من الثواب على فعله.

وفيه : أنّه منقوض بما ورد في الوضوء ، والظاهر (٢) أنّ ما ورد فيه إنّما ورد فيما ثبت رجحانه لا مطلقاً ، وبالجملة لم يثبت لنا من الأدلّة إلّا الرجحان (٣) المشروط.

وأما التيمّم ، فيشترط فيه عدم التمكّن من استعمال الماء ، فيتوقّع مع الإطلاق ، ويبطل مع التعيين إذا تمكّن فيه ، إلّا في مثل التيمّم للنوم. وكذلك يختار مع الإطلاق بالنسبة إلى الأسباب ، ويقتصر على ما عيّن في التعيين ، ولا يجب عليه تحصيل السبب كما مرّ.

__________________

(١) في «ح» : ولو.

(٢) في «ز» : وأنّ الظاهر.

(٣) في «ح» : رجحان.

٣١٥

وأما الثاني (١) : فيختار المكلّف أيّ فرد شاء ، ويعلم التفصيل مما مر.

وأما الثالث (٢) : فإن قصد المعنى الشرعي فهو ، وإلّا فيُبنى على عرف المتشرعة. فعلى القول باشتراكه لفظاً أو معنىً متواطئاً فالتخيير ، وعلى القول بالحقيقة والمجاز فالمائيّة ، وعلى القول بالتشكيك فاحتمالان : بالنظر إلى أصل البراءة واستصحاب اشتغال الذمة. والأقوى التخيير أيضاً ، كما أنّ الأقوى التشكيك.

ولو قلنا باشتراكه بينها وبين الطهارة عن الخبث ، فحيث لم تثبت قرينة ، فالتخيير أيضاً.

الخامس : يستحبّ لما تستحبّ له المائيّة لعموم البدليّة المستفادة من صحيحة حماد : عن الرجل لا يجد الماء ، أيتيمّم لكلّ صلاة؟ قال : «لا ، هو بمنزلة الماء» (٣) ورواية أبي ذر : «يكفيك الصعيد عشر سنين» (٤).

وخصّه جماعة بما لو كان المبدل رافعاً (٥) ، وزاد بعضهم التيمّم بدلاً عن الوضوء لذكر الحائض (٦) ، واستشكل بعض المتأخرين في الرافعات أيضاً (٧). ويظهر وجه الأخير وجوابه مما قدّمناه.

والقول بالتفصيل ناظر إلى أنّ كون (٨) التيمّم أحد الطهورين ، وكون التراب طهوراً ، إنّما يقتضي بدليته عن الطهور ، والطهور حقيقة في الرافع كما أشرنا إليه.

__________________

(١) وهو أن يتعلّق النذر بالطهارة ويريد أحد أفرادها.

(٢) وهو أن ينذر الطهارة من دون قصد فرد.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٠ ح ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٦ ، الوسائل ٢ : ٩٩٠ أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٣.

(٤) الفقيه ١ : ٥٩ ح ٢٢١ ، التهذيب ١ : ١٩٤ ح ٥٦١ ، الوسائل ٢ : ٩٩٥ أبواب التيمّم ب ٢٣ ح ٤.

(٥) روض الجنان : ٢٠.

(٦) جامع المقاصد ١ : ٧٩.

(٧) مدارك الأحكام ١ : ٢٤.

(٨) في «م» ، «ز» : يكون.

٣١٦

وفيه : أنّ مفهوم اللقب لا حجّة فيه. وكون التراب طهوراً لا ينافي كونه بدلاً عن غير الطهور ؛ كما أنّ كون الماء طهوراً لا ينافي اتصافه بشي‌ء آخر.

السادس : يستحبّ التيمّم لأُمور أُخر غير ما تقدّم.

منها : التيمّم للنوم مع وجود الماء ، لمرسلة الفقيه (١).

وهي إنّما تدلّ عليه (٢) لمن ذكر في الفراش أنّه على غير طهور ، والظاهر أنّه وارد مورد الغالب ، ولذلك قال : «فليتيمّم من دثاره» فلو تمكّن في الفراش من الماء أو التراب فيشكل إطلاق الاستحباب ، فإن اعتمد على إطلاق الفتوى فهو ، وإلّا ففي الإطلاق إشكال. إلّا أن يقال المستفاد من الرواية أنّ غرضه عليه‌السلام تسهيل الأمر ، وحصول فرد من المائيّة يساوي الترابيّة في السهولة بعيد.

وأما لو وجد التراب ، فيشكل تقديم الغبار ، سيما إذا نام على التراب ، ولم يكن له دثار.

ومنها : التيمّم لصلاة الجنازة وإن وجد الماء ، للإجماع ، نقله الشيخ في الخلاف (٣) ، ولحسنة حماد ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «الطامث تصلي على الجنازة ، لأنّه ليس فيها ركوع ولا سجود ، والجنب يتيمّم ويصلي على الجنازة» (٤).

والصدوق روى عن يونس بن يعقوب جواز صلاة الجنازة من غير وضوء (٥) ، ثم

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٩٦ ح ١٣٥٣ ، الوسائل ١ : ٢٦٥ أبواب الوضوء ب ٩ ح ٢.

(٢) يعني : على استحباب التيمّم.

(٣) الخلاف ١ : ٧٢٥.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٩ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ٨٠٠ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ٢ ، وفي بعض نسخ الكافي : والجنبة تتيمّم وتصلّي.

(٥) الفقيه ١ : ١٠٧ ح ٤٩٥ ، الكافي ٣ : ١٧٨ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ح ٤٧٥ ، الوسائل ٢ : ٧٩٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٣.

٣١٧

قال : وفي خبر آخر أنّه يتيمّم إن أحب. وتشهد له موثّقة سماعة أيضاً (١).

ولا ينافي ما ذكرنا حسنة الحلبي (٢) ورواية عبد الحميد بن سعد (٣) الحاكمتان بالتيمّم في جواب من سأل عن حالةٍ لا يتمكّن من الوضوء للجنازة ، فإنّ السؤال غير مخصص للجواب على التحقيق.

وقد ظهر من مرسلة حريز جواز التيمّم للطامث إذا أرادت صلاة الجنازة ، وتدلّ عليه موثّقة سماعة أيضاً (٤).

ومنها : استحباب التجديد بحسب الصلوات ، للجمع بين صحيحة أبي همام ، قال : «يتيمّم لكلّ صلاة حتّى يوجد الماء» (٥) وما دلّ على جواز الصلوات الكثيرة بتيمّم واحد.

وهو بعيد ، فإنّ الظاهر من الصحيحة التقييد بالحدث ، كإطلاقات الوضوء.

والأولى الاستدلال بعموم البدليّة ، وبقوله عليه‌السلام : «الطهر على الطهر عشر حسنات» (٦) وبرواية السكوني (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٧ ح ٤٩٧ ، الوسائل ٢ : ٨٠١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٢ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٧٨ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٧٩٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ١٧٨ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ح ٤٧٦ ، الوسائل ٢ : ٧٩٨ أبواب صلاة الجنازة ٢١ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ١٧٨ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٠٣ ح ٤٧٧ ، الوسائل ٢ : ٧٩٩ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٥.

(٥) التهذيب ١ : ٢٠١ ح ٥٨٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٨ ، الوسائل ٢ : ٩٩١ أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٧٢ ح ١٠ ، الوسائل ١ : ٢٦٤ أبواب الوضوء ب ٨ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٢٠١ ح ٥٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٧ ، الوسائل ٢ : ٩٩١ أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٥ ، ٦ ، وفيها : لا يتمتّع بالتيمّم إلّا صلاة واحدة ونافلتها ، وفي أُخرى : لا بأس بأن تصلّي صلاة الليل والنهار بتيمّم واحد ما لم تحدث أو تصب الماء.

٣١٨

المقصد الثاني

في أسباب فقد التمكّن من المائيّة

وفيه مباحث :

الأوّل : فقدان الماء بقدر ما يكفيه سبب لجواز التيمّم.

ولو أمكنه التتميم بالمضاف بحيث لا يخرج عن الإطلاق وجب من باب المقدّمة.

ولو لم يمكن فلا يجب استعمال البعض ولو في الغسل.

وربّما نقل عن الشيخ التبعيض (١) ، واحتمله العلامة في النهاية في خصوص الغسل (٢) ، نظراً إلى عدم وجوب الموالاة ؛ لجواز وجود ما يكمله.

وهو ضعيف ، للاية ، فإنّه يصدق عليه عرفاً أنّه غير واجد للماء ، ففرضه التيمّم (٣). وهو المستفاد من الصحاح المستفيضة المشتملة على «السؤال عن جنب يكون معه الماء بقدر الوضوء ، هل يتوضّأ ، أو يتيمّم؟ والجواب بوجوب التيمّم من

__________________

(١) حكاه في روض الجنان : ١١٩.

(٢) نهاية الأحكام ١ : ١٨٦.

(٣) وذلك مثل قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) يعني إطعام عشرة مساكين (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ) ، فإنّه لا يجب إطعام أقلّ من عشرة إذا تمكن منه جزماً (منه رحمه‌الله).

٣١٩

دون تجويز التبعيض» (١) ولو جاز لُاجيب به.

ولو كان معه ما يكفي الوضوء أو الغسل في غير الجنابة ، فعلى قول المرتضى يغتسل ؛ ، وعلى المشهور ففيه احتمالان ، والأحوط تقديم الغسل.

ولو وجد ما يكفيه لإزالة النجاسة ، يقدّمها ويتيمّم بالإجماع ، نقله الفاضلان (٢) ، ويؤيّده أنّ للطهارة بدلاً ، بخلاف الإزالة.

وذلك فيما لم يُعفَ عنه من النجاسات ، أو فيما اضطر إليه من الثياب ، وكذلك فيما لو وجد ما يتيمّم به (٣) وإلّا فالطهارة مقدّمة على الإزالة ، لاشتراط صحّة الصلاة بها مطلقاً دون الإزالة.

فلو تطهّر بالماء حينئذٍ فقد أخطأ. وفي بطلانها إشكال ، لأنّ القدر الثابت من الإجماع هو وجوب الإزالة ، لا حرمة الطهارة ، ليتعلّق النهي بالعبادة ، فيثبت البطلان. وأما تعلّق النهي المستفاد من الأمر بالإزالة بهذه الطهارة ، فهو إنّما يتمّ لو سلّم كون الأمر بالشي‌ء مستلزماً للنهي عن ضدّه الخاص ، وأنّ متعلّق النهي هو الفرد لا الطبيعة.

والحاصل أنّ ذلك على تسليم الاستلزام يصير من باب اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء مع اختلاف الجهة ، وبطلانه غير واضح ، كما حقّقناه في الأُصول.

والاحتياط أن يتيمّم بعد هذه الطهارة.

ثم إنّ فاقد الماء ، إما أنّه متيقّن بالتمكّن من تحصيله فيجب الطلب مطلقاً ، أو بعدمه فلا يجب عليه الطلب مطلقاً ، لعدم الفائدة ، كما صرّح به في المدارك (٤)

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٩٩٥ أبواب التيمّم ب ٢٤.

(٢) جمل العلم والعمل : ٥١ قال : «ويستبيح بالغسل الواجب للصلاة من غير وضوء ، وإنّما الوضوء في غير الأغسال الواجبة».

(٣) المعتبر ١ : ٣٧١ ، التذكرة ٢ : ١٧١.

(٤) المدارك ٢ : ١٨٢.

٣٢٠