غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

وغسل الباقي ، وجب ، ولا يتيمّم (١). وهذا صريح فيما ذكرنا.

فالحاصل أنّ مرادهم في هذا المقام نفي التبعيض ، ومع إمكان الجبيرة فيجب ولا يتبعّض (٢).

ومما أوقعهم في الحمل على التخيير : كلام العلامة في المنتهي ، حيث أورد نظير ما نقلنا عن المبسوط من الرد على العامّة في التبعيض وعدم الفرق بين أقلّ الأعضاء والأكثر ، ثم استدلّ لمن أوجب الجمع منهم برواية جابر ، قال : «خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منّا شجّة في وجهه ، ثم احتلم ، فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة للتيمّم؟ قالوا : ما نجد لك رخصة وأنت قادر على الماء ، فاغتسل فمات ، فلمّا قدمنا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُخبر بذلك ، فقال : قتلوه ، قتلهم الله ، ألا يسألوا إذا لم يعلموا ، فإنّما شفاء العيّ السؤال ، إنّما كان يكفيه أن يتيمّم و (٣) يعصب على جرحه ، ثمّ يمسح عليه ، ثم يغسل سائر جسده» (٤).

وأجاب عنه بما حاصله أنّ الواو بمعنى أو ، يعني كان يكفيه أحد من الأمرين : التيمّم ، أو التعصّب والمسح وغسل سائر الأعضاء ، ففهم بعضهم من ذلك أنّه يقول بالتخيير بين الأمرين (٥).

أقول ، أما أوّلاً : فجواب العلامة من باب الجدل.

وثانياً : إنّ العمل على مقتضى الجبيرة في الوضوء إجماعيّ بينهم ، فلا معنى للتخيير. وعدم القول بالفرق المدّعى في المنتهي إنّما هو في جانب الوجوب ، أو كان نظره إلى خلاف بعض العامّة في نفي الوجوب أيضاً.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢١٦ ، ٢١٧.

(٢) في «ز» : تبعيض.

(٣) في «م» ، والمستدرك : أو.

(٤) تفسير أبي الفتوح الرازي ١ : ٧٧٠ ، المستدرك ٢ : ٥٢٨ أبواب التيمّم ب ٤ ح ٤.

(٥) المنتهي ٢ : ٣٣.

١٨١

وبالجملة عدم القول بالفرق في الوجوب ، ولا يستلزم وجود القول بنفي الوجوب.

وثالثاً : إنّه يمكن أن يكون مراد العلامة رحمه‌الله مطلق الترديد ، يعني أنّه كان يكفيه التيمّم أو العمل على مقتضى الجبيرة ، وإن كان ذلك على الترتيب ، بتقديم الجبيرة على التيمّم (١) ، فالترديد بالنسبة إلى حال المكلّف ، لا نفس الطهارة.

ورابعاً : بأنّه يمكن أن يكون التيمّم في الحديث بمعنى مطلق القصد ، كقوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (٢).

ومما ذكرنا ظهر : أنّ حمل الأخبار على التخيير أيضاً لا وجه له ، فإنّ الأخبار المجوّزة للتيمّم كلّها مطلقة ، لا إشارة في أحدها إلى جواز التيمّم في صورة إمكان الجبيرة ، فتحمل على المقيّدات الموجبة للمسح على الجبيرة.

مع أنّ كلّها واردة في الغسل ، وليس فيها خبر يعارض ما ورد في وجوب المسح على الجبيرة في الوضوء.

وعدم القول بالفصل المدّعى في المنتهي إنّما هو على أنّ كلّ من يقول بوجوب المسح على (٣) الجبيرة في الوضوء يقول بوجوبه في الغسل ، لا أنّ كلّ من لا يقول بوجوبه في الغسل لا يقول بوجوبه في الوضوء.

فلا إشكال في تعيّن وجوب المسح على الجبيرة في الوضوء أصلاً ، وإنّما الإشكال في الغسل من جهة معارضة تلك الأخبار المطلقة بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة (٤) ، وإطلاق حسنة كُليب (٥) وكذلك رواية جابر المتقدّمة ، المقتضية

__________________

(١) في «ز» : بتقديم التيمّم على الجبيرة.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) في «ز» : في.

(٤) ص ١٥٨.

(٥) المتقدّمة ص ١٥٨.

١٨٢

للجمع بالتخيير (١) ، ومن جهة خصوصيّة صحيحة عبد الرحمن ، ودعوى الإجماع المركّب (٢)

وظنّي أنّ الإشكال هنا منتفٍ أيضاً ، لما عرفت ما في رواية جابر مع ضعفها ، وأنّ المطلق يحمل على المقيّد ، فلا يبقى للتخيير وجه ومستند.

نعم لما كانت الصحيحة مختصة بحكم الجبائر ، فالظاهر العمل على التيمّم في غير ذي الجبيرة وإن كان كسيراً ، كما صرّح به في صحيحة ابن أبي عمير (٣) ، وإن كان الأحوط الجمع بينه وبين الغسل حينئذٍ أيضاً. ونهاية الاحتياط الجمع مطلقاً. وإنّما أطنبنا الكلام ، لكونه من مزال الأقدام.

تنبيهات :

الأوّل : قد يتوهّم عدم اطراد حكم الجبيرة في الغسل ، وقد عرفت خلافه ، بل الظاهر عدم الخلاف ، فلاحظ الشرائع كيف عمّم مواضع (٤) الطهارة ، ولم يخصص بالوضوء (٥) ، وصرّح في المنتهي بما تقدّم (٦).

وقال في الذكرى : لو كانت الجبيرة على مواضع التيمّم واحتيج إليه ، فكالوضوء والغسل (٧). إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة والمصرّحة ، وكذلك الأخبار مثل صحيحة عبد الرحمن وغيرها ، ويظهر من ذلك اطراد الحكم في التيمّم أيضاً ،

__________________

(١) ص ١٦٣.

(٢) وفي نسخة : دعوى عدم القول بالفرق.

(٣) الكافي ٣ : ٦٨ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٩٦٧ أبواب التيمّم ب ٥ ح ٤. وفيه : يتيمّم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته جنابة.

(٤) في «م» ، «ح» : بمواضع.

(٥) الشرائع ١ : ١٥ ، قال : من كان على بعض أعضاء طهارته جبائر ..

(٦) ص ١٦٣.

(٧) الذكرى : ٩٧.

١٨٣

ولا بأس به ، لعموم البدليّة المستفادة من الأدلّة كما سيجي‌ء.

الثاني : صرّح جماعة من الأصحاب بعدم الفرق بين اشتمال الجبيرة كلّ العضو وبعضه ويظهر من التذكرة : اشتمال جميع أعضاء الغسل أيضاً (١) ، وهو مقتضى الإطلاقات.

الثالث : لا فرق بين كون ما تحتها طاهراً أو نجساً ، للإطلاق.

الرابع : لو زال المانع ، ففي بقاء الطهارة قولان ، أقواهما العدم ، لعمومات الطهارة. اكتفينا بها عن أصل الطهارة للضرورة ، وهي باقية في غير حال الضرورة على عمومها.

واحتجوا بأنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، والإعادة تحتاج إلى دليل ، وبأنّها طهارة رافعة ، ولا ينقضها إلّا حدث.

ويرد على الأوّل : أنّ الإجزاء إنّما يسلّم للأمر المتعلق حال الضرورة لا مطلقاً ، وذلك ليس بإعادة.

وعلى الثاني : أنّ ارتفاع الحدث إنّما يسلّم لغاية لا مطلقاً كالتيمّم ، والأحوط نقضها ثم تجديدها.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٠٧.

١٨٤

المقصد السادس

في الاداب

وفيه بحثان :

الأوّل : يستحبّ عنده السواك بإجماعنا ، وللأخبار ، مثل قوله عليه‌السلام لعليّ عليه‌السلام : «وعليك بالسواك عند كلّ وضوء» رواه معاوية بن عمار في الصحيح (١).

وفي بعضها : «لولا أن أشق على أُمّتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كلّ صلاة» (٢)

وفي بعضها : «السواك شطر الوضوء» (٣).

ومن نسيه قبله يستحبّ له فعله بعده ، ففي رواية معلّى بن خنيس : فيمن نسي حتّى يتوضّأ قال : «يستاك ثم يتمضمض ثلاث مرّات» (٤).

__________________

(١) الكافي ٨ : ٧٩ ح ٣٣ ، الوسائل ١ : ٣٥٣ أبواب السواك ب ٣ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٣٤ ح ١٢٣ ، الوسائل ١ : ٣٥٤ أبواب السواك ب ٣ ح ٤.

(٣) الفقيه ١ : ٣٢ ح ١١٤ ، الوسائل ١ : ٣٥٤ أبواب السواك ب ٣ ح ٣.

(٤) المحاسن : ٥٦١ ح ٩٤٧ ، الوسائل ١ : ٣٥٤ أبواب السواك ب ٤ ح ١.

١٨٥

والأخبار في مطلق استحبابه تبلغ حدّ التواتر ، وفيها كمال التأكيد.

ويجزئ للمضطر ولو بإمرار إصبع واحدة. وفي رواية السكوني : «السواك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك» (١).

ويستحبّ وضع الإناء الذي يغترف منها على اليمين ، والاغتراف بها ، قال في المعتبر : إنّه مذهب الأصحاب ، لعموم ما دلّ على حسن التيامن ، والأخبار الكثيرة الدالّة على الاغتراف باليمين (٢).

ولكن في حسنة زرارة المنقولة في بيان وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فدعى بقعب فيه شي‌ء من ماء ، فوضعه بين يديه ، ثم حسر عن ذراعيه ، ثم غمس فيه كفّه اليمنى إلى أن قال ثم غمس يده اليسرى ، فغرف بها ملأها ، ثم وضعه على مرفقه الأيمن» (٣). وكذلك في روايات أُخر (٤) الاغتراف باليسرى لغسل اليد اليمنى (٥).

نعم في صحيحة محمّد بن مسلم : «ثم أخذ كفّاً آخر بيمينه فصبّه على يساره ، ثم غسل به ذراعه الأيمن» (٦).

وهي مستند الأصحاب. وكذلك صحيحة زرارة وبكير (٧) ، والعمل على الكلّ حسن إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٧ ح ١٠٧٠ ، الوسائل ١ : ٣٥٩ أبواب السواك ب ٩ ح ٤ ، في التهذيب التسويك ، وفي الوسائل التسوك ، بدل السواك.

(٢) المعتبر ١ : ١٦٤.

(٣) الكافي ٣ : ٢٥ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤ ح ٧٤ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ح ١٧١ ، الوسائل ١ : ٢٧٢ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.

(٤) في «ح» : في رواية أُخرى.

(٥) هذا مضمون رواية وردت في الكافي ٣ : ٢٤ ح ١ ، والتهذيب ١ : ٥٥ ح ١٥٧ ، والاستبصار ١ : ٥٨ ح ١٧١ ، والوسائل ١ : ٢٧٤ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٦ ، ١٠ وكذا ص ٢٧٢ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٢٤ ح ٣ ، الوسائل ١ : ٢٧٤ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٧.

(٧) التهذيب ١ : ٥٦ ح ١٥٨ ، الاستبصار ١ : ٥٧ ح ١٦٨ ، الوسائل ١ : ٢٧٥ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١١.

١٨٦

وأما مثل الإبريق ، فيضعه على اليسار ، ويصبّ على اليمين ويغسل بها الوجه ، ثم يصبّ عليها ويديرها إلى اليسار ليغسل بها اليمين.

وتستحبّ التسمية عند الوضوء بالإجماع ، للأخبار المستفيضة (١). والأمر بالإعادة لمن لم يسمّ في بعض الأخبار محمول على التأكيد.

وفي الصحيح : «إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوّابين ، واجعلني من المتطهّرين ، فإذا فرغت فقل : الحمد لله رب العالمين» (٢).

وأفضلها : بسم الله الرحمن الرحيم.

وغسل الكفين قبل إدخالهما الإناء من النوم والبول مرّة ، ومن الغائط مرّتين ، لصحيحة عبيد الله الحلبي (٣) ، وموثّقة عبد الكريم بن عتبة (٤) ؛ وفيهما تقييد اليد باليمنى. ولكن حسنة حريز مطلقة (٥) ، ولا تنافي بينهما ، وفيها استحبابه للبول أيضاً مرّتين ، ويمكن حملها على الأفضل.

وتخصيص الاستحباب بحال الوضوء من الإناء مع عدم مخصص صريح في الأخبار ووجود المطلق فيها لا يخلو عن إشكال ، ومراعاة توهّم النجاسة في علّة الحكم أيضاً ضعيف كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٧ أبواب الوضوء ب ٢٦ ، ورواية الإعادة هو الحديث السادس.

(٢) التهذيب ١ : ٧٦ ح ١٩٢ ، الوسائل ١ : ٢٩٨ أبواب الوضوء ب ٢٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٢ ح ٥ ، الوسائل ١ : ٣٠١ أبواب الوضوء ب ٢٧ ح ١. وفيها سئل كم يفرغ الرجل على يده قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال : واحدة من البول واثنتان من الغائط ..

(٤) الكافي ٣ : ١١ ح ٢ ، علل الشرائع : ٢٨٢ ح ١ ، الوسائل ١ : ٣٠١ أبواب الوضوء ب ٢٧ ح ٣. وفي طريقها محمّد بن سنان وهو ضعيف ، لكن في التهذيب عن ابن سنان وعثمان بن عيسى ، وعثمان شيخ الواقفة وأحد الوكلاء المستبدين بمال موسى بن جعفر (ع). انظر معجم رجال الحديث ١١ : ١١٧ ، ولكن ذكر الشيخ عمل الطائفة برواياته لوثاقته في العدّة : ٣٨١.

(٥) التهذيب ١ : ٣٦ ح ٩٧ ، الاستبصار ١ : ٥٠ ح ١٤٢ ، الوسائل ١ : ٣٠١ أبواب الوضوء ب ٢٧ ح ٢. وفي طريقها عليّ بن السندي ولم يثبت توثيقه. انظر معجم رجال الحديث ١٢ : ٤٦. وعلى أيّ حال ففيها : يغسل الرجل يده من النوم مرّة ومن الغائط والبول مرّتين.

١٨٧

وفي استحباب الغسل عند الوضوء ثانياً إذا كان غسلها بعد الحدث إشكال ، كالاكتفاء بغسل اليدين والمضمضة والاستنشاق بعد الجنابة لمطلق الأكل والشرب.

والمضمضة ، ثم الاستنشاق ، ثلاثاً ثلاثاً.

أما الأوّل ، فللاتّفاق من غير ظاهر ابن أبي عقيل ، فلا يفهم منه استحباب ولا وجوب (١) ، وللأخبار المستفيضة (٢).

وأما الثاني ، أي الترتيب ، فللتأسّي بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما في رواية عبد الرحمن بن كثير (٣).

وأما الثالث ، فلما رواه ابن الشيخ في مجالسه (٤) ، ولما رواه المفيد في الإرشاد ، عن محمّد بن إسماعيل بن الفضل : في أمر الكاظم عليه‌السلام عليّ بن يقطين بالوضوء على طريقة العامّة (٥). ولكن فيها شي‌ء ، وتشير إليه رواية معلّى المتقدّمة (٦). مع أنّ فتوى الأصحاب كافية في ذلك ، وقد اعترف كثير من الأصحاب بعدم الوقوف على الدليل.

والأفضل تثليث الأكفّ في كلّ منهما.

والمضمضة : إدارة الماء في جميع فيه ثم مجّه.

والاستنشاق : جذب الماء إلى داخل الأنف وردّه ، وليبالغ فيهما.

وفتح العين مجرّداً ، لا منضمّاً إلى غسل باطنها ، للمضرّة ، وللإجماع على عدم

__________________

(١) قال ابن أبي عقيل : إنّهما ليسا عند آل الرسول عليهم‌السلام بفرض ولا سنّة. نقله عنه في المختلف ١ : ٢٧٨.

(٢) الوسائل ١ : ٣٠٢ أبواب الوضوء ب ٢٩.

(٣) الكافي ٣ : ٧٠ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٥٢ ح ١٥٣ ، الفقيه ١ : ٢٦ ح ٨٤ ، الوسائل ١ : ٢٨٢ أبواب الوضوء ب ١٦ ح ١.

(٤) أمالي الطوسي ١ : ٢٩ ، الوسائل ١ : ٢٧٩ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١٩.

(٥) إرشاد المفيد : ٢٩٤ ، الوسائل ١ : ٣١٢ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٣.

(٦) في ص ١٦٧ ، وهي في المحاسن : ٥٦١ ح ٩٤٧ ، الوسائل ١ : ٣٥٤ أبواب السواك ب ٤ ح ١.

١٨٨

استحبابه ، نقله الشيخ في الخلاف (١). والأصل فيه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلّها لا ترى نار جهنم» (٢).

وأن يدعو عند كلّ فعل بالمأثور في رواية عبد الرحمن بن كثير وغيرها (٣).

وبدأة الرجل بظاهر ذراعيه ، والمرأة بالباطن ، لرواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن الرضا عليه‌السلام ، أنّه قال : «فرض الله على النساء في الوضوء أن يبتدئن بباطن أذرعهن ، وفي الرجال بظاهر الذراع» (٤) ، وما رواه الفقيه مرسلاً عن الرضا عليه‌السلام (٥).

وربّما يقال : ظاهرهم استحباب البدأة بما ذكر في الغسلة الأُولى ، ولكن الروايتان قابلتان لإرادة كلّ من الغسلتين (٦).

وفي المدارك : إنّ مقتضى كلام أكثر القدماء أنّ الثانية كالأُولى ، وعليه العمل (٧) ، وكذا فهمه جدّه (٨). وذهب جماعة منهم المحقّق (٩) والشهيد (١٠) إلى استحباب بدأة الرجل بالظاهر في الأُولى ، وفي الثانية بالباطن ، عكس المرأة ، والرواية لا تدلّ عليه.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٨٥ مسألة ٣٥.

(٢) الفقيه ١ : ٣١ ح ١٠٤ ، المقنع : ٨ ، ثواب الأعمال : ٣٣ ، علل الشرائع : ٢٨٠ ، الوسائل ١ : ٣٤١ أبواب الوضوء ب ٥٣ ح ١.

(٣) تقدّمت في ص ١٧٠ ، وانظر الوسائل ١ : ٢٨٢ أبواب الوضوء ب ١٦ ، وص ٢٩٧ ب ٢٦.

(٤) الكافي ٣ : ٢٨ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٧٦ ح ١٩٣ ، الوسائل ١ : ٣٢٨ أبواب الوضوء ب ٤٠ ح ١ ، وفي طريقها إسحاق بن إبراهيم بن هاشم القمي. وهو مجهول.

(٥) الفقيه ١ : ٣٠ ح ١٠٠ ، الوسائل ١ : ٣٢٨ أبواب الوضوء ب ٤٠ ح ٢.

(٦) في «ز» : قابلتان لكلّ من الغسلتين.

(٧) المدارك ١ : ٢٤٩.

(٨) روض الجنان : ٤٢. قال : وجماعة من الأصحاب لم يفرّقوا بين الغسلتين.

(٩) الشرائع ١ : ١٦.

(١٠) البيان : ٥٠.

١٨٩

ويستحبّ إسباغ الوضوء ، للأخبار المستفيضة (١).

وأن يكون بمدّ ، للإجماع ، والأخبار (٢). وهو رطلان وربع بالعراقي ، ورطل ونصف بالمدني ، للصحيح على الأشهر الأقوى.

ورواية سماعة مع ضعفها (٣) لا تدلّ على مذهب البزنطي (٤) من كونه رطلاً وربعاً بالعراقي ، والرطل العراقي مائة وثلاثون درهماً ، أحد وتسعون مثقالاً على الأصح ، وتطابقه رواية الهمداني : «إنّ الصاع يكون في الوزن ألفاً ومائة وسبعين وزنة» (٥) فإنّ الظاهر أنّ المراد من الوزنة الدرهم.

خلافاً للعلامة في بعض أقواله ، حيث جعله تسعين مثقالاً ، مائة وثمانية وعشرين درهماً ، وأربعة أسباع درهم (٦).

والدرهم ستّة دوانيق ، والدانق ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير بلا خلاف وسيجي‌ء الكلام في خبر المروزي الدال على خلافه (٧) فيكون المد مساوياً لربع مَنّ تبريزي يوازي ثلاثين شاهيات من فلوس بإضافة ثلاث مثاقيل صيرفيات ونصف ونصف ثمن مثقال.

وإذا كان على وزان ثمان عباسيّات من فلوس ، كما هو المتداول الان ، فيكون ربعه مع نقصان ستة مثاقيل وربع مثقال وربع ثلاثة أرباع مثقال.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٤٢ أبواب الوضوء ب ٥٤.

(٢) الوسائل ١ : ٣٣٨ أبواب الوضوء ب ٥٠.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٦ ح ٣٧٦ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ح ٤١١ ، الوسائل ١ : ٣٣٩ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٤ ، وفيها : وكان الصاع على عهده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة أمداد ، وكان المدّ قدر رطل وثلاث أواق.

(٤) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٥٣٣.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٢ ح ٩ ، التهذيب ٤ : ٨٣ ح ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ ح ١٦٣ ، الفقيه ٢ : ١١٥ ح ٤٩٣ ، معاني الأخبار : ٢٤٩ ح ٢ ، عيون أخبار الرضا (ع) ١ : ٣٠٩ ح ٧٣ ، الوسائل ١ : ٢٣٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ١.

(٦) التحرير ١ : ٦٢ ، المنتهي (الطبعة الحجريّة) ١ : ٤٩٧.

(٧) الفقيه ١ : ٢٣ ح ٦٩ ، التهذيب ١ : ١٣٥ ح ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ١٢١ ح ٤١٠ ، معاني الأخبار : ٢٤٩ ح ١ ، الوسائل ١ : ٣٣٨ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٣.

١٩٠

فيكون الصاع على الأوّل منّاً وأربعة عشر مثقالاً وربعاً ، وعلى الثاني منّاً بنقصان خمسة وعشرين مثقالاً وثلاثة أرباع مثقال.

وربّما يقال : إنّ ماء الاستنجاء داخل في ذلك ، لأنّ المدّ يزيد على ذلك. وقد يستشهد ببعض الروايات (١) ، ولا دلالة فيها أصلاً.

وأنت خبير بأنّ الوضوء الكامل سيّما على القول باستحباب تثنية الغسلات لا يكاد يفيه المدّ ، إلّا مع الاجتهاد.

والقول باستحبابها هو المشهور بين الأصحاب ، المدّعى عليه الإجماع في السرائر (٢). ويظهر من الكليني (٣) والصدوق (٤) والبزنطي (٥) عدم الاستحباب. ونسب الشيخ القول بالحرمة إلى بعض الأصحاب (٦).

والأقوى الأوّل ، للأخبار (٧) المستفيضة ، منها صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوضوء ، فقال : «مثنى مثنى» (٨) وبهذا المضمون روايات كثيرة.

وظاهر الجملة الخبريّة وإن كان هو الوجوب ، إلّا أنّ الإجماع على حملها على الاستحباب ، لكونه أقرب مجازاته.

__________________

(١) أشار بذلك إلى قول الشهيد في الذكرى : ٩٥ ، والرواية هي رواية ابن كثير عن أمير المؤمنين (ع) ، وهي في الوسائل ١ : ٢٨٢ أبواب الوضوء ب ١٦ ح ١ ، وهي دالّة على دخول ماء الاستنجاء فيه.

(٢) السرائر ١ : ١٠٠.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧. قال بعد رواية عبد الكريم : هذا دليل على أنّ الوضوء إنّما هو مرّة مرّة .. وإنّ الذي جاء عنهم أنّه قال الوضوء مرّتان إنّما هو لمن لم يقنعه مرّة.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩. قال : الوضوء مرّة مرّة ومن توضّأ مرّتين مرّتين لم يؤجر.

(٥) قال في نوادره : واعلم أنّ الفضل في واحدة واحدة ومن زاد على اثنتين لم يؤجر. نقله ابن إدريس في مستطرفات السرائر ٣ : ٥٥٣.

(٦) الخلاف ١ : ٨٧ مسألة ٣٨.

(٧) في «م» زيادة : المعتبرة.

(٨) التهذيب ١ : ٨٠ ح ٢٠٨ ، الاستبصار ١ : ٧٠ ح ٢١٣ ، الوسائل ١ : ٣١٠ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢٨.

١٩١

وحملها على الرخصة بعيد. ولا دلالة في رواية داود الرقّي عن الصادق عليه‌السلام عليه رواية الكشي قال ، فقلت : جعلت فداك ، كم عدّة الطهارة؟ فقال عليه‌السلام : «ما أوجبه الله تعالى فواحدة ، وأضاف إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [ واحدة ] (١) لضعف الناس ، ومن توضّأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له» (٢) فإنّ ذلك بيان علّة الندب وابتداء السنة ، ولذلك يطرد مع عدم اطراد العلّة ، ونظيره في الشريعة كثير ، مثل غسل الجمعة وغيره.

وحملها على الغرفتين أيضاً بعيد ، ولا دلالة لحسنة زرارة وبكير المرويّة في بيان وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قالا ، فقلنا : أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجزي للوجه وغرفة للذراع؟ قال : «نعم ، إذا بالغت فيها ، والثنتان تأتيان على ذلك كلّه» (٣) على هذا التأويل ، إذ لا مانع من كونه مستحباً على حدة إذا احتاج الإسباغ إليه ، بل ولا نرى مانعاً من الغرفات الثلاث وأزيد إذا احتاج أصل الوضوء أو إسباغه إليها.

وكذلك حملها على الغسلتين والمسحتين ردّاً على العامّة ، مؤيّداً بما روي عن ابن عباس : «إنّ الوضوء غسلتان ومسحتان» (٤) مع عدم المنافاة بين المطلبين أيضاً.

وكذلك حملها على التقيّة ، سيّما وفي بعضها أنّه لا يؤجر على ما زاد على الثنتين ، وهو بدعة.

ومما يبيّن ما ذكرنا ويوضّحه (٥) : تتمة رواية داود حيث دخل داود بن زربي حينئذٍ

__________________

(١) أضفناه من المصدر.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٨٢ ح ٥٦٤ ، الوسائل ١ : ٣١٢ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٣ : ٢٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٨١ ح ٢١١ ، الاستبصار ١ : ٧١ ح ٢١٦ ، الوسائل ١ : ٢٧٢ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٦٣ ح ١٧٦ ، الدر المنثور ٢ : ٢٦٢ ، تفسير الطبري ٦ : ٨٢ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٥٧٥ ، عمدة القارئ ٢ : ٢٣٨.

(٥) في «م» : يصحّحه.

١٩٢

عليه عليه‌السلام وأمره بالغسل ثلاثاً ثلاثاً ، إلى آخر ما أمره بالوضوء بطريق العامّة خوفاً عليه من المهدي ، وعمل على ذلك حتّى رُفع عنه الخوف ، ثم اجتمعا عنده عليه‌السلام وذكر حكايته مع المهدي ورفع الخوف عنه ، ثم قال : «يا داود بن زربي ، توضّأ مثنى مثنى ، ولا تزدن عليه ، فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك» (١).

وكذلك ما رواه المفيد في الإرشاد في حكاية عليّ بن يقطين نظير الحكاية السابقة ، إلى أن قال : «ابتدئ الان يا عليّ بن يقطين ، وتوضّأ كما أمر الله تعالى ، اغسل وجهك مرّة فريضة وأُخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح مقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كنّا نخاف عليك والسلام» (٢).

وروى في العيون عن الرضا عليه‌السلام أيضاً : «أنّ الوضوء مرّة فريضة واثنتان إسباغ» (٣)

وتدلّ عليه موثّقة ابن بكير ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «من لم يستيقن أنّ واحدة من الوضوء تجزئه لم يؤجر على الاثنتين» (٤) ورواية أبي جعفر الأحول عمن رواه ، ورواية عمر بن أبي المقدام أيضاً ، رواهما في الفقيه (٥) ، إلى غير ذلك من الأخبار.

ويؤيّده : كلّ ما دلّ على رجحان الإسباغ ، وكلّ ما دلّ على استحباب الوضوء بمدّ (٦).

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٢ ح ٥٦٤ ، الوسائل ١ : ٣١٢ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٢.

(٢) إرشاد المفيد : ٢٩٤ ، الوسائل ١ : ٣١٢ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٣.

(٣) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٢٧ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٣٠٩ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢٣.

(٤) التهذيب ١ : ٨١ ح ٢١٣ ، الاستبصار ١ : ٧١ ح ٢١٨ الوسائل ١ : ٣٠٧ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥ ح ٧٧ ، ٨٠ ، الوسائل ١ : ٣٠٨ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١٥ ، ١٦.

(٦) الوسائل ١ : ٣٣٨ أبواب الوضوء ب ٥٠ ، ٥٤.

١٩٣

واحتجوا بما روي في صفة الوضوء المتضمّنة لفعلهم عليهم‌السلام مرّة مرّة في بيان وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وغيره ، وهي كثيرة معتبرة (١).

وبموثّقة عبد الكريم ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «ما كان وضوء عليّ إلّا مرّة مرّة» (٢)

وبعض الأحاديث المرسلة والضعيفة أنّ الوضوء مرّة مرّة ، وفي بعضها : «إنّ الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لا يؤجر ، والثالثة بدعة» (٣).

وحسنة ميسر ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «الوضوء واحد» (٤).

وصحيحة زرارة ، عنه عليه‌السلام : «إنّ الله وتر يحبّ الوتر ، فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرفات ، واحدة للوجه ، واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك» (٥) الحديث.

والجواب عن الأخبار الأُول بأنّها في مقام بيان الواجب ، فلاحظ ترك أكثر المندوبات المهمّة فيها.

وأما الموثّقة ، فإنّها وإن كان فيها ظهورٍ ما ، لكنها تُحمل على الواجب ، لعدم مقاومة المعارض.

وأما الأخبار المرسلة والضعيفة فلا جابر لها ، فتحمل على ما ذكرنا. وكذلك حسنة ميسر.

وأما صحيحة زرارة ، فتنادي بكون المراد أقلّ الواجب ، أو عدم وجوب الماء

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٧١ أبواب الوضوء ب ١٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٨٠ ح ٢٠٧ ، الاستبصار ١ : ٧٠ ح ٢١٢ ، الوسائل ١ : ٣٠٧ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٧ ، وعبد الكريم واقفي ثقة ، انظر رجال النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٥.

(٣) انظر الوسائل ١ : ٣٠٦ أبواب الوضوء ب ٣١.

(٤) التهذيب ١ : ٧٥ ح ٨٩ ، الوسائل ١ : ٣٠٦ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١. وأورده بلفظ «واحدة واحدة» في الكافي ٣ : ٢٦ ح ٧ ، والتهذيب ١ : ٨٠ ح ٢٠٥ ، والاستبصار ١ : ٦٩ ح ٢١٠.

(٥) التهذيب ١ : ٣٦٠ ح ١٠٨٣ ، الوسائل ١ : ٣٠٦ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢.

١٩٤

الجديد للمسح ، أو عدم غسل الرجل.

وأما المسح فلا يستحبّ فيه التكرار ، لعدم تبادره من تلك الأخبار. مع أنّ في حكاية عليّ بن يقطين المتقدّمة تصريحاً بأنّ التعدّد إنّما هو في الغسل لا المسح ، وأنّ الظاهر من الإسباغ المطلوب في الأخبار إنّما هو في الغسل.

وبالجملة فلا خلاف في عدم الاستحباب ، قال في المعتبر : ولا تكرار في المسح ، وهو مذهب الأصحاب (١) ، والمشهور الكراهة ، وقيل بالحرمة (٢) ، والظاهر أنّ مرادهم الحرمة مع اعتقاد الرجحان.

وأما بطلان الوضوء به فالظاهر العدم ، ونفى عنه الخلاف في السرائر (٣).

وأما الغسلة الثالثة ، فالمشهور أنّها حرام وبدعة ، وعن ابن أبي عقيل وابن الجنيد نفي التحريم (٤). وأما الاستحباب فمنفي قولاً واحداً.

لنا : ما تقدّم في بعض الأخبار من التصريح بكونها بدعة ، ولا ريب في حرمة البدعة.

وما يقال : إنّ اعتقاد المشروعيّة حرام لا نفس الفعل ، فهو كما ترى ؛ فإنّ أصل صلاة التراويح والأضحى حرام ، لا مجرّد اعتقاد مشروعيّتها ، فإنّ كلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار. والمراد بالبدعة نفس الفعل المبدع.

وقد يستشكل في حرمة نفس الاعتقاد أيضاً إذا كان ناشئاً عن الاجتهاد أو التقليد.

وفيه : أنّ أحكام الشرع والعبادات لما كانت توقيفيّة ، فإبداعها من غير جهة توظيفهم حرام ، وفعل ذلك المبدع على هذا الوجه حرام.

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٦٠.

(٢) الشيخ المفيد في المقنعة : ٤٩ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٣.

(٣) السرائر ١ : ١٠٠.

(٤) قال ابن أبي عقيل : فإن تعدّى المرّتين لا يؤجر ، وقال ابن الجنيد : الثالثة زيادة غير محتاج إليها. انظر المختلف ١ : ٢٨٥ ، قال : وكلام ابن الجنيد والمفيد وابن أبي عقيل يدل على تسويغ الثالثة.

١٩٥

فالمراد من حرمة اعتقاد المشروعيّة في المبدعات : حرمة اعتقاد مشروعيّة (١) ما لم يقم عليه دليل معتمد ، سواء كان من محض الاشتهاء ، أو من الاجتهاد المنبعث عن الدليل الباطل ، كالقياس والاستحسان.

فإذا اتفق اعتقاد مجتهد منّا لاستحبابه ، فإنّما هو من جهة دليل معتمد عنده ؛ وإن كان خطأ في الواقع ، ولا يضرّ ذلك ، وليس ببدعة ، وتكون مثل هذه الرواية الدالّة على كونه بدعة معارضةً لدليله ؛ مثل سائر الأخبار المتعارضة المتناقضة. فالذي نقول بكونه بدعة إنّما هو إذا لم يثبت لهذه الرواية معارض وكان العمل على مقتضاه.

وبالجملة المقصود في الرواية التنبيه على ضلالة من أبدعها ، وضلالة من اتبعها من تلك الجهة ، لا مطلقاً.

فحينئذٍ نقول : لما لم يقم دليل على مشروعيّتها أصلاً ، فنحرمها.

وأما من لا يقول بالحرمة فلعلّ مراده من دون جهة اعتقاد المشروعيّة ، ودليله الأصل ، ورواية زرارة : «إنّ الوضوء مثنى مثنى ، ومن زاد لم يؤجر عليه» (٢) وعدم الأجر عليه لا يدلّ على انتفاء الحرمة ، والأصل لا يفيد جواز العبادة ، إلّا أن يكون مراده إثبات الإباحة لا الاستحباب ، وحينئذٍ يرجع الكلام معه إلى جواز المسح بهذا الماء وعدمه.

وربّما يستشكل بمنافاته للموالاة أيضاً. ولكنه ليس بذاك لما عرفت.

وأما المسح بذلك الماء ، فعلى ما ذكرنا من كون أصل الفعل بدعة وحراماً ، فالظاهر بطلان أصل الوضوء ، فكيف إذا مسح بذلك الماء أيضاً ، مع أنّه ليس بماء

__________________

(١) في «م» ، «ح» : مشروعيّته.

(٢) التهذيب ١ : ٨٠ ح ٢١٠ ، الاستبصار ١ : ٧٠ ح ٢١٥ ، الوسائل ١ : ٣٠٧ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٥ وعبّر عنها بالرواية إشارة إلى ضعفها ، ففيها القاسم بن عروة ، وهو لم يوثّق وطرق الشيخ إليه ضعيفة. انظر معجم رجال الحديث ١٤ : ٩٥١٩ / ٢٦.

١٩٦

الوضوء جزماً ، وقد مرّ أنّه يجب أن يكون المسح بنداوة الوضوء.

وقيل بعدم البطلان أصلاً ، للأصل ، وعدم دليل على البطلان ، واختاره في المعتبر (١). ولعلّ نظره إلى صدق ماء الوضوء عليه ، وأنّ المراد من الأمر بالمسح بنداوة الوضوء : هو عدم أخذ الماء الجديد محضاً للمسح ، وإلّا فالدليل قائم على البطلان لما عرفت.

وقيل بالبطلان إن كان المسح بماء الغسلة الثالثة ، وإن كان في غير اليد اليسرى ، نظراً إلى أنّه المسح بالماء الجديد (٢).

وما يقال (٣) : «إنّه مشتمل على ماء الوضوء الأصلي أيضاً فيصح» ، ففيه أنّ المستفاد من الأخبار أنّ المسح لا بدّ أن يكون بنداوة الوضوء ، والمركّب من الداخل والخارج خارج ؛ مع أنّ في بعضها التنبيه على عدم المسح بالغير.

مع أنّ ذلك يشكل في الغسلة الثالثة بتداخل الماءين ، وصيرورتهما ماء الغسلة الثالثة ، كالمطر الواقع على اليد قبل غسل اليسرى.

مع أنّه يلزم على هذا جواز أخذ الماء الجديد مع بقاء الرطوبة في اليد ، لصدق المسح بماء الوضوء حينئذٍ في بعض الأحيان ، ولم يقل به أحد.

ويظهر الفرق بين ما ذكر وبين الرطوبة القليلة الحاصلة في الرجلين حيث (٤) جوّزنا المسح عليها بالتأمّل.

وقيل به إذا كان من اليد اليسرى (٥) ، ولعلّه لأنّ غسل اليسرى مرّة أو مرّتين

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٦٠.

(٢) الذكرى : ٩٤ ، قال : وبالغ أبو الصلاح فأبطل الوضوء بالثالثة ، وهو حسن إن مسح بمائها. وانظر الكافي في الفقه : ١٣٣.

(٣) نهاية الأحكام ١ : ٤٠.

(٤) حيث ليست في «ز».

(٥) وقيل به : يعني وقيل بالبطلان إذا غسل اليد اليسرى ثلاثاً دون غيرها. والقائل هو العلامة في نهاية الأحكام ١ : ٤٠.

١٩٧

لا يبقى معه الاحتياج إلى أخذ الماء للوضوء ، فيكون ماء جديداً ، بخلاف السابق عليه ، وهو كما ترى.

الثاني : تكره الاستعانة في الوضوء بمعنى صبّ الماء على اليد ، لرواية شهاب بن عبد ربّه (١) ، ورواية الوشّاء عن الرضا عليه‌السلام (٢). وإن كان يمكن المناقشة في الأخيرة بإرادة الصبّ الذي هو نفس الغسل ، لقوله عليه‌السلام للوشاء حين سأل عن سبب منعه إيّاه عن الصبّ : «تؤجر أنت وأُوزر أنا» فإنّ الوزر ظاهر في الحرمة. وتمكن إرادة ترك الأولى منه. وتكفي الرواية الأُولى واحتمال الآية المفسّرة في الروايتين بذلك ، بل الشهرة أيضاً.

وأما النزح من البئر وإتيان الماء ونحوهما ، فالظاهر عدم الكراهة ، ويدلّ عليه أمر عليّ عليه‌السلام ابنه محمّداً بإتيان الماء في رواية عبد الرحمن بن كثير (٣).

ويكره التوضّؤ بالمشمس ، لرواية السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «الماء الذي يسخن بالشمس لا تتوضّئوا

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٧٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٥٤ ح ١٠٥٧ ، الوسائل ١ : ٣٣٥ أبواب الوضوء ب ٤٧ ح ٢ ، وفيه : كان أمير المؤمنين إذا توضّأ لم يدع أحداً يصبّ عليه الماء ، فقيل له : يا أمير المؤمنين لِمَ لا تدعهم يصبّون عليك الماء؟ فقال : لا أُحبّ أن أُشرك في صلاتي أحداً ، وقال الله تبارك وتعالى «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً».

(٢) الكافي ٣ : ٦٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٦٥ ح ١١٠٧ ، الوسائل ١ : ٣٣٥ أبواب الوضوء ب ٤٧ ح ١ وفيها : فدنوت لأصب عليه فأبى ذلك فقال : مه يا حسن ، فقلت له لم تنهاني أن أصب على يديك ، تكره أن أوجر؟ قال : تؤجر أنت وأوزر أنا فقلت : وكيف ذلك؟ فقال : أما سمعت الله عزوجل يقول «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» .. والرواية ضعيفة بإبراهيم بن إسحاق الأحمر فهو ضعيف. انظر رجال النجاشي : ١٩ / ٢١ ، والفهرست : ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٧٠ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦ ح ٨٤ ، التهذيب ١ : ٥٢ ح ١٥٣ ، المقنع : ٣ ، الوسائل ١ : ٢٨٢ أبواب الوضوء ب ١٦ ح ١.

١٩٨

ولا تغتسلوا به ، ولا تعجنوا به ، فإنّه يورث البرص» (١) وفي رواية أُخرى نفي البأس عنه (٢)

وتدلّ على الكراهة أيضاً موثّقة عبد الحميد أيضاً ، بالعلّة المنصوصة في حكاية منع الحميراء عن استعمال ماء سخنته (٣) بالشمس في القمقمة (٤).

ولا وجه لتخصيص الكراهة بما لو سخن في الأواني المنطبعة (٥) ، لعموم الرواية الأُخرى.

وأما ما يسخن في الحياض والبرك فقال العلامة رحمه‌الله : لا تكره الطهارة به إجماعاً (٦).

وكذلك يكره بالماء الآجن ، إلّا إذا لم يوجد سواه ، لحسنة الحلبي (٧).

(وكذلك ما أصابته الفأرة والوزغة والحيّة والعقرب كما يستفاد من الأخبار) (٨). وكذلك يكره من سؤر الحائض المتّهمة ، بل قيل بكراهته مطلقاً ، وفي غير الوضوء أيضاً (٩) ، ولعلّ دليله : حُسن الاجتناب عن الشبهات ، وإلّا فالأخبار لا تزيد على بيان حكم الوضوء ، بل في بعضها التصريح بجواز الشرب والنهي عن التوضّؤ (١٠). ومقتضى الجمع بينهما بحمل مطلقاتها على مقيّداتها هو الاجتناب عن التوضّؤ من سؤر الحائض المتّهمة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٧٩ ح ١١٧٧ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المضاف ب ٦ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٦ ح ١١١٤ ، الاستبصار ١ : ٣٠ ح ٧٨ ، الوسائل ١ : ١٥١ أبواب الماء المضاف ب ٦ ح ٣.

(٣) في «م» ، «ح» : استسخنته.

(٤) التهذيب ١ : ٣٦٦ ح ١١١٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠ ح ٧٩ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المضاف ب ٦ ح ١.

(٥) أشار به إلى قصر العلامة الحكم بالأواني المنطبعة في نهاية الأحكام ١ : ٢٢٦.

(٦) نهاية الأحكام ١ : ٢٢٦.

(٧) الكافي ٣ : ٤ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢١٧ ح ٦٢٦ ، الوسائل ١ : ١٠٣ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٢.

(٨) ما بين القوسين ليس في «ز» ، «ح».

(٩) كالشيخ في المبسوط ١ : ١٠.

(١٠) الوسائل ١ : ١٦٨ أبواب الأسآر ب ٧ ، ٨.

١٩٩

وحكم جماعة من الأصحاب بكراهة مباشرة سؤر كلّ متّهم بالنجاسة. ودليلهم الاحتياط (١).

وأنت خبير بأنّه ينافي المعهود من أفعالهم وأقوالهم عليهم‌السلام ، حيث حكموا بطهارة أواني المشركين ، وبلبس الثياب التي نسجوها ؛ بل ولبسوها (٢) ، وبطهارة الثوب الذي استعاره الذمي ولبسه ، وغير ذلك.

مع أنّ في الفقيه روى عن عليّ عليه‌السلام أنّه سئل : أيتوضّأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحبّ إليك ، أو يتوضّأ من ركو أبيض مخمّر؟ فقال : «لا ، بل من فضل وضوء جماعة المسلمين ، فإنّ أحبّ دينكم إلى الله الحنيفيّة السمحة السهلة» (٣).

ويمكن أن يكون ذلك لأجل الرخصة وتسهيل الأمر ، لئلا يقع الحرج ، وإن كان الاحتياط أيضاً حسناً ، لكن إذا لم ينته إلى الوسواس المولّد للمعاصي الكثيرة ، الباعث على الحرمان عن لذة الطاعة.

واختلفوا في جواز الطهارة بالمستعمل في رفع الحدث الأكبر بعد اتّفاقهم على جوازها بالمستعمل في رفع الحدث الأصغر على قولين ، الأشهر الأظهر العدم (٤) ، وذهب جماعة إلى الكراهة (٥).

لنا : صحيحة محمَّد بن مسلم ، عن ماء الحمام فقال : «ادخله بإزار ، ولا تغتسل من ماء آخر ، إلّا أن يكون فيه جنب ، أو يكثر أهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا؟» (٦)

__________________

(١) كالشهيد الأوّل في البيان : ١٠١ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٢٨١.

(٢) الوسائل ٢ : ١٠٩١ أبواب النجاسات ب ٧٢ ، ٧٣.

(٣) الفقيه ١ : ٩ ح ١٦ ، الوسائل ١ : ١٥٢ أبواب الماء المضاف ب ٨ ح ٣.

(٤) ذهب إلى هذا القول الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٤ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١١ ، والصدوق في الفقيه ١ : ١٠.

(٥) كفخر المحقّقين في الإيضاح ١ : ١٩ ، والشهيد في البيان : ١٠٢.

(٦) التهذيب ١ : ٣٧٩ ح ١١٧٥ ، الوسائل ١ : ١١١ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٥.

٢٠٠