غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

من الأدلة على الوجه الذي حقّقناه. ولعلّ المحقّق تمسك باستصحاب النجاسة ، ومنع دلالة الأدلة في غير النزح.

ثم الظاهر على القول بالنجاسة سقوط النزح بذلك ، وأما على القول بالتعبّد فقيل (١) : إنّه لو حصل التطهير بالممازجة والاستهلاك يسقط ، لعدم بقاء الاسم ، ولو حصل بالاتّصال لو قيل به لم يسقط.

ولو أُجريت البئر النجسة ففي طهارتها ونجاستها وطهارة ما بقي بعد جريان قدر المنزوح أوجه ، أوجهها الأخير ، وأحوطها الأوسط.

ولو زال تغيّر المتغيّر بالنجس من قبل نفسه أو بعلاج فلا يطهر ، ولكن هل يكتفى بنزح ما يزول معه التغيّر لو كان باقياً ، أو يجب نزح الجميع؟ فيه قولان ، أظهرهما الأوّل.

ولعلّ من يوجب نزح الجميع يتمسّك بعدم إمكان ضبط مقدار مزيل التغيّر حينئذٍ ، وهو ممنوع في جميع الصور ، فلا يطّرد. وهذا الحكم يجري على المختار أيضاً للاستصحاب.

وأما لو غار الماء ثم عاد ، فقال كثير من الأصحاب بسقوط النزح (٢) ، لأنّ علّة الطهارة هو ذهاب الماء ، وهو موجود هنا كما في النزح ، ولأنّ ما يجب نزحه هو ماء البئر المحكوم بنجاسته ولم يعلم وجوده حينئذٍ. ورد : بمنع العلّة ، فلعل للنزح مدخليّة لحصول الجريان إلى الخارج. وبأنّ ما ذكر لا يوجب طهارة أرض البئر ، فيتنجس الخارج بالملاقاة لاستصحاب النجاسة.

ويمكن منع نجاسة الماء الخارج بالملاقاة ، فإنّ ما دلّ على نجاسة ماء البئر لا يشمل هذه كما لا يخفى.

ويشكل بأنّ ذلك لا يرفع استصحاب نجاسة الأرض ، إلّا أن يقال بعدم استحالة

__________________

(١) مشارق الشموس : ٢٤٢.

(٢) المعتبر ١ : ٧٨ ، المنتهي ١ : ١٠٨ ، قواعد الأحكام ١ : ١٨٨ ، كشف اللثام ١ : ٤١.

٥٨١

الجمع بين الدليلين ، فيعمل على مقتضاهما.

وأما لو طهرت أرض البئر بعد الغور بالشمس أو المطر فالأمر فيه أسهل لما ذكرنا.

تنبيه :

لا ينجس البئر بقرب البالوعة أعني بها ما فيه الماء النجس فيشمل الكنيف ما لم يحصل اليقين بالاتصال عند من لا يعتبر الظنّ كما هو الحقّ ، فإذا حصل اليقين فلا ينجس إلّا إذا تغيّر بها على المختار.

ويدلّ عليه الأصل والأخبار عموماً وخصوصاً (١) ، وكذلك الحكم إذا حصل التغيّر ولم يعلم استناده إليها.

ويستحب تباعدهما خمسة أذرع مع فوقيّة قرار البئر على قرار البالوعة ، لا مجرّد وجه الأرض ، أو مع صلابة الأرض. وسبعاً بدونهما ، للجمع بين رواية الحسن بن رباط ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن البالوعة تكون فوق البئر ، قال : «إذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع ، وإن كانت فوق البئر فسبعة أذرع من كلّ ناحية ، وذلك كثير» (٢).

ومرسلة قدامة بن أبي زيد ، عن بعض أصحابنا ، عنه عليه‌السلام قال : سألته كم أدنى ما يكون بين بئر الماء والبالوعة؟ فقال : «إن كان سهلاً فسبعة أذرع ، وإن كان جبلاً فخمسة أذرع» ثم قال : «يجري الماء إلى القبلة إلى يمين ، ويجري عن يمين القبلة إلى يسار القبلة ، ويجري عن يسار القبلة إلى يمين القبلة ، ولا يجري من

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٤٦ أبواب الماء المطلق ب ٢٤.

(٢) الكافي ٣ : ٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤١٠ ح ١٢٩٠ ، الاستبصار ١ : ٤٥ ح ١٢٦ ، وفي الوسائل ١ : ١٤٥ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٣ رواه عن الحسين بن أسباط ، والظاهر أنّه تصحيف ، لعدم ثبوت وجود هكذا شخص. راجع معجم رجال الحديث ٥ : ٢٣٥ / ٣٣٩١.

٥٨٢

القبلة إلى دبر القبلة» (١).

ولعلّ المراد من كلّ ناحية في الاولى ، من أيّ جهة كان من شرقها أو غربها أو غير ذلك ، والمساحة إنّما تلاحظ بالنسبة إلى الجانب الذي يليها ، وإن كان بالنسبة إلى الأخر أزيد. والتقييد في الروايتين وإن كان ممكناً بالنسبة إلى كلّ واحد من السبعة والخمسة إلّا أن تقييدهما معاً يوجب التساقط ، فالمدار على الترجيح ، وهو مع الخمسة ، لكونها موافقة للأصل وعمل الأصحاب.

ثم إنّ ظاهر الأكثر اعتبار السبع في صورة المساواة (٢) ، ويظهر من الإرشاد اعتبار الخمس (٣) ، والأوّل هو مقتضى إطلاق رواية قدامة ، وتؤيّده رواية محمَّد بن سليمان الاتية (٤).

وجعل جماعة من المتأخّرين (٥) الكون في جهة الشمال بمنزلة الفوقيّة الحسيّة ، لرواية قُدامة ، ورواية محمّد بن سليمان.

وجعلوا ما تعارض فيه الفوقيّتان بمنزلة التساوي ، وذكروا أنّ صور المسألة باعتبار ملاحظة وقوع كلّ من البئر والبالوعة في المشرق أو المغرب أو الشمال أو الجنوب وتساوي القرارين وارتفاع أحدهما وصلابة الأرض أو رخاوتها أربع وعشرون صورة. وما تقدّم من جعل التعارض بمنزلة التساوي يقتضي أن يكون التباعد بسبع في ثمان صور كلّها في صورة رخاوة الأرض : ثلاث منها فيما لو كانت البالوعة في جانب الشمال ، وواحدة في صورة العكس إذا كان قرار البالوعة فوق قرار البئر ، واثنتان منها فيما كان البئر في جانب المشرق مع مساواتها للبالوعة أو انخفاضها ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤١٠ ح ١٢٩١ ، الاستبصار ١ : ٤٥ ح ١٢٧ ، الوسائل ١ : ١٤٥ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٢.

(٢) النهاية : ٩ ، المهذّب ١ : ٢٧ ، السرائر ١ : ٩٤ ٩٥.

(٣) الإرشاد ١ : ٢٣٨.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٠ ح ١٢٩٢ مع اختلاف يسير ، الوسائل ١ : ١٤٥ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٦.

(٥) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٥٦.

٥٨٣

واثنتان منها في العكس كذلك. ويبقى اعتبار الخمس وفي ست عشرة صورة أُخرى لا حاجة إلى ذكرها.

وفي المدارك وغيره أنّ التباعد بخمس في سبع عشرة صورة ، وبسبع في سبع (١) ، وهو غفلة عن جعل التعارض بمنزلة التساوي ، مع أنّ ذلك يوجب اعتبار السبع في ست لا سبع. إلّا أن يقال : التفوّق بحسب الجهة إنّما يعتبر في البئر دون البالوعة جموداً على ظاهر النص ، وهو بعيد ، لأنّ ما دلّ على ذلك يدلّ على علو الجهة ، وهو لا يتفاوت في البئر والبالوعة.

ثم إنّ ابن الجنيد خالف المشهور وقال : تكره الطهارة من بئر تكون بئر النجاسة التي تستقرّ فيها من أعلاها في مجرى الوادي ، إلّا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة اثنا عشر ذراعاً ، وفي الأرض الصلبة سبعة أذرع ، فإن كانت تحتها والنظيفة أعلاها فلا بأس ، وإن كانت محاذيتها في سمت القبلة فإذا كان بينهما سبعة أذرع فلا بأس (٢).

واستدلّ له برواية محمّد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البئر يكون إلى جانبها الكنيف ، فقال لي : «إنّ مجرى العيون كلّها من جهة مهبّ الشمال ، فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرّها إذا كان بينهما أذرع ، وإن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقلّ من اثني عشر ذراعاً ، وإن كانت تجاها بحذاء القبلة وهما مستويان في مهبّ الشمال فسبعة أذرع» (٣).

والرواية ضعيفة (٤) ، والعمل على المشهور وإن كان العمل عليها أيضاً غير مضرّ ، حملاً لها على الأفضليّة.

__________________

(١) المدارك ١ : ١٠٥ ، روض الجنان ١٥٧.

(٢) نقله عنه في المختلف ١ : ٢٤٧.

(٣) التهذيب ١ : ٤١٠ ح ١٢٩٢ ، الوسائل ١ : ١٤٥ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٦.

(٤) لأنّ سليمان غالٍ كذّاب كما في رجال النجاشي : ١٨٢ / ٨٤٢.

٥٨٤