غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

وهو الظاهر منها اللائق بسؤال مثل زرارة ، فإنّه لا معنى للسؤال عمّا نصّ الإمام عليه‌السلام على وجوبه في ضمن قوله : «ما دارت عليه الوسطى والإبهام» لأنّه (١) شامل لشي‌ء من الصدغ بالمعنى الأوّل ، بل أغلبه ، فلا وجه لإعادة السؤال.

ومما يوضّح هذا المطلب ، قول الشهيد في الذكرى : والصدغ ما حاذى العذار فوقه ، وقد تضمّنت الرواية المشهورة سقوط غسله ، وفيها إيماء إلى سقوط غسل العذار ، مع أنّ الإبهام والوسطى لا تصلان إليه غالباً (٢) ، انتهى.

وبالجملة فالذي يظهر لي : أنّه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب غسل ما تشمله الإصبعان من الصدغ بالمعنى الأوّل ، وأنّ (٣) الظاهر من الراوندي الخلاف في المعنى الثاني كما يظهر من الذكرى ، فإنّه قال بعد ما نقلنا عنه : وظاهر الراوندي في الأحكام غسل الصدغين ، والرواية تنفيه.

واختلف كلامهم في العذار ، فظاهر جماعة منهم دخوله (٤) ، وظاهر الفاضلين الإجماع على العدم (٥). ولعلّ النزاع بينهم يؤول إلى شمول التحديد وعدمه ، وإلّا فلا نزاع ، فما تبلغه الإصبعان يجب غسله وإن كان بعضاً منه.

وأمّا العارضان ، فاختلف كلامهم فيه أيضاً ، والظاهر أنّه أيضاً كذلك لما ذكرنا ، فالنافي إنّما ينفي وجوب ما لا يصل إليه الإصبعان منه.

وأمّا النزعتان ، فلا يجب غسلهما ، لأنّ المتبادر من قصاص الشعر : قصاص شعر الناصية ، مع أنّهما خارجتان عن تسطيح الوجه ، داخلتان في التدوير.

وكذلك اختلف كلامهم في مواضع التحذيف ، ولعلّ وجه المنع هو احتمال كون

__________________

(١) في «م» : بأنّه.

(٢) الذكرى : ٨٣.

(٣) في «م» : فإن.

(٤) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٠ ، والخلاف ١ : ٧٧ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٣٢٣.

(٥) المحقّق في المعتبر ١ : ١٤١ ، والعلامة في المنتهي ٢ : ٢١ ، والتحرير ١ : ٩ ١٠.

١٢١

شعره شعر الرأس ، وإلّا فهو مما تبلغه الإصبعان ، فيجب غسله ، والأحوط الغسل في الجميع.

والعبرة في ذلك بمستوي الخلقة ، فالأنزع والأغم (١) وقصير الأصابع وطويلها يغسلون ما يغسله المستوي.

ثمّ إنّ شيخنا البهائي (٢) حمل صحيحة زرارة على معنى آخر أوجب نقص الوجه عما ذكره الأصحاب بكثير ، وهو أنّه جعل إحاطة الإصبعين حدّا لكلّ من الطول والعرض ، بمعنى أنّ الخطّ المتوهّم من قصاص الشعر إلى طرف الذقن ، وهو الذي تشتمل عليه الإصبعان غالباً إذا أُثبت (٣) وسطه وأُدير على نفسه حتّى يحصل شبه دائرة ، فذلك القدر هو الذي يجب غسله ، وهو خلاف الظاهر من الرواية ، والأجنبي بالنسبة إلى مكالمات الشارع. مع أنّ الظاهر منه أيضاً أنّه يدخل في الحدّ شي‌ء من الصدغ ، وهو خلاف صريح الصحيحة على ما فهمه.

وذِكر الإبهام والوسطى والإصبعان في الرواية وإرادتهما بنفسهما في الجملة مما يناسب المقام ، لكونهما إله الغسل ، ومعيار التحديد. وأمّا على ما فهمه الشيخ فيفوت ذلك ، لأنّ المراد هو مقدار ما بين طرفيهما ، وكذلك يخلو الحديث حينئذٍ عن إفادة الإشارة بوجهٍ ما إلى الابتداء بالأعلى ، بخلاف ما فهمه الجمهور.

والمشهور وجوب البدأة من الأعلى ، خلافاً للسيد (٤) وابن إدريس (٥).

لنا : صحيحة زرارة على ما في التهذيب في صفة وضوء رسول الله صلّى الله

__________________

(١) الأغمّ من سال شعر رأسه حتّى ضاقت جبهته وقفاه. المصباح المنير ١ : ١٢٤.

(٢) الحبل المتين : ١٤.

(٣) في «ز» ، «ح» : ثبت.

(٤) نقله عنه في المعتبر ١ : ١٤٣ ، والمختلف ١ : ٢٧٦ ، وقد قاله السيّد المرتضى في المصباح كما في الجواهر ٢ : ١٤٨.

(٥) السرائر ١ : ٩٩.

١٢٢

عليه وآله وسلم عن الباقر عليه‌السلام : «فدعا بقدح من ماء ، فأدخل يده اليمنى ، وأخذ كفّاً من ماء ، فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه ، ثمّ مسح وجهه من الجانبين جميعاً ، ثمّ أعاد يده اليسرى في الإناء ، فأسدلها على يده اليمنى ، ثم مسح جوانبها ، ثمّ أعاد اليد اليمنى في الإناء فصبّها على اليسرى ، ثم صنع بها كما صنع باليمنى ، ثم مسح بما بقي في يديه رأسه ورجليه ولم يعدهما في الإناء» (١).

وصحيحته الأُخرى في الكافي ، عنه عليه‌السلام : «ثم غرف فملأها ماء ، فوضعها على جبينه» (٢) الحديث ، ورواها في الفقيه مرسلاً ، وموضع جبينه جبهته (٣). وسائر الروايات البيانيّة الظاهرة في ذلك (٤).

وفي الفقيه بعد هذه الرواية ورواية اخرى بعدها قال ، وقال الصادق عليه‌السلام : «والله ما كان وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا مرّة مرّة ، وتوضّأ النبيّ مرّة مرّة فقال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلّا به» (٥).

وربّما يُستشكل بمنع الدلالة ، لأنّ البيان إنّما تجب متابعته إذا كان للمجمل ، ولا إجمال في الغسل. مع احتمال وروده مورد الغالب ، فلعلّ ذلك لأجل الإتيان بالكلّي في ضمن فرد منه ، وليس ذلك أمراً خارجاً عن العادة.

وأمّا مرسلة الفقيه ، فمع تعقّبها لهذه الرواية ، وبعد تسليم (٦) أنّ عدم القبول هو عدم الإجزاء ، لا بد أن تحمل على المثل لا الشخص كما هو واضح ، والمثليّة

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٥٥ ح ١٥٧ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ح ١٧١ ، الوسائل ١ : ٢٧٥ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٢٥ ح ٤ ، وفي الوسائل ١ : ٣٨٧ أبواب الوضوء ب ٥ ح ٢ جبهته ولكن في طبعه مؤسسة آل البيت كما في المتن.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤ ح ٧٤.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٢٧١ أبواب الوضوء ب ١٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥ ح ٧٦.

(٦) في «م» : وتسليم.

١٢٣

في الوضوء تحصل عرفاً بمجرد الاشتراك في الغسل ، فإنّ التماثل العرفي يتحقّق بأدنى مناسبة ، مع أنّ سائر مشخّصات ذلك الفرد لم تُعتبر جزماً ، فعلم عدم اعتبار الإحاطة بالجميع ، هذا كلّه مع تسليم أنّه بيان لأقلّ الواجب ، بل المسلّم إنّما هو وضوء الغالب ، هذا.

ولكن اشتغال الذمّة مع ملاحظة هذه الروايات ، وملاحظة الاكتفاء فيها بذكر أقلّ الواجب غالباً ، وذكر خصوص الغسل من الأعلى مع عدم الاحتياج إلى ذلك لو كان يكفي المطلق ، سيّما مع تلاحق فهم الأصحاب واستدلالهم ، يوجب الظهور فيما ذكروه. ولا أقلّ من الشكّ في الامتثال بدونه ، فلا يتمّ الامتثال إلّا بذلك.

وكذلك مرسلة الفقيه ظاهرها ذلك ، فإنّ المماثلة المطلقة في كلام الحكيم تحمل على العموم كما حُقق في محلّه ، وعدم تعقّب الرواية المتقدّمة لا يضرّ ، لأنّ الظاهر أنّ البيان لم يقع من الأسفل ، لمرجوحيّته جزماً ، ولعدم حصول الالتزام به من الأكثر ، واحتمال بيان الجواز لو وقع كذلك خلاف الظاهر من البيان ، فالظاهر أنّ البيان كان من الأعلى ، وتعقّبه هذا الكلام.

ويدلّ عليه أيضاً : ما رواه في قرب الإسناد ، عن أبي جرير الرقاشي قال ، قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : كيف أتوضّأ للصلاة؟ فقال : «لا تعمّق في الوضوء ، ولا تلطم وجهك بالماء لطماً ، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحاً ، وكذلك فامسح الماء على ذراعيك ورأسك وقدميك» (١).

حجّة السيد ومن تبعه : إطلاق الأدلّة ، وصدق الامتثال.

ونخصصه بما ذكرنا ، وأيضاً سنبيّن وجوب البدأة من الأعلى في اليدين ، والظاهر عدم القول بالفصل.

والمشهور عدم وجوب تخليل الشعر ، لحيةً كان أو غيرها ، خفيفاً كان أو كثيفاً.

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٢٩ ، الوسائل ١ : ٢٨٠ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢٢.

١٢٤

وفسّروا الخفيف بما تُرى بشرته في مجلس التخاطب.

وعن طائفة من القدماء وجوب التخليل في الخفيف (١) ، وتبعهم العلامة في بعض أقواله (٢).

والشهيد نفى الخلاف بينهم ، وذكر أنّهم متّفقون على عدم وجوب غسل المستور بالشعر مطلقاً ، والوجوب في غير المستور ؛ وحمل كلام العلامة في التذكرة على أنّه فهم من كلام الموجبين إيجاب غسل المستور بالشعر الخفيف ، واعترض عليه بأنّه خلاف ظاهر الأصحاب ، حيث لا يوجبون غسل المستور مطلقاً ، بل إنّما يوجبون غسل الظاهر (٣).

وتبعه على ذلك الشيخ عليّ (٤) والشهيد الثاني (٥) وغيرهما (٦) ، فنفوا الخلاف عن وجوب غسل الظاهر من خلال الشعر الخفيف.

وأنت خبير بأنّه لا وجه لتلك المحامل والخروج عن ظواهر كلماتهم ، فلاحظ كلماتهم المصرّحة بما ذكرنا والظاهرة فيه ، ودعوى هذا الاتفاق إنّما نشأ من الشهيد ، ومنشأه من التوهّم في فهم كلام الجماعة ، وشبهة أنّ الوجه ما يواجه به ، وهذا الظاهر من خلال الشعر الخفيف أيضاً كذلك ، فلا بد من غسله ، لعموم الأوامر بغسل الوجه ، وهذا لا يوجب تبديل أقوال القوم ، سيّما مع قيام الدليل على

__________________

(١) نقله عن ابن الجنيد في المختلف ١ : ٢٨٠ ، وقد يظهر من كلام السيّد في الناصريّات (الجوامع الفقهيّة) : ١٨٣ ، فإنّه قال : إنّ الأمرد وكلّ من لا شعر له على وجهه يجب عليه غسله فمن كان ذا لحية كثيفة تغطّي بشرة وجهه وما لا يظهر مما تغطيه اللحية لا يلزمه إيصاله الماء إليه ويجريه إجراء الماء على اللحية من غير إيصاله إلى البشرة المستورة.

(٢) المختلف ١ : ٢٨١ ، قواعد الأحكام ١ : ٢٠٢ ، التذكرة ١ : ١٥٣.

(٣) الذكرى : ٨٤.

(٤) جامع المقاصد ١ : ٢١٤.

(٥) روض الجنان : ٣٢.

(٦) كصاحب المدارك ١ : ٢٠٣.

١٢٥

تخصيص الوجه من الأخبار كما سنذكر.

والمحقّق البهائي رحمه‌الله أيضاً اقتفى أثرهم في إثبات الوفاق ونفي الخلاف في المطلبين ، وجعل النزاع في صورة خاصّة فقال : لا نزاع فيما يظهر في مجلس التخاطب في كلّ الأحوال في وجوب غسله ، كما لا نزاع في عدمه إذا لم يظهر مطلقاً ، إنّما النزاع فيما قد يظهر وقد لا يظهر. وهذا أيضاً مما لا يرشد إليه قول ولا دليل (١).

وكيف كان فالمتّبع هو الدليل ، والمشهور إنّما هو المطابق للدليل ، فهو المتّبع ، وإن كان الأحوط التخليل في الخفيف مطلقاً.

والدليل صحيحة محمّد بن مسلم : عن الرجل يتوضّأ ، أيبطّن لحيته؟ قال : «لا» (٢).

وصحيحة زرارة ، قلت له : أرأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال : «كلّ ما أحاط الله به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ، ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجرى عليه الماء» (٣).

والروايات الكثيرة الدالّة على إجزاء غرفة واحدة (٤) ، فإنّها لا تكاد تجزئ مع وجوب ذلك.

وليس للخصم إلّا ما ذكرنا من إطلاق الوجه ، وهذه مقيّدات ، فتقدّم عليه. مع أنّ فيما رواه المفيد في الإرشاد في حكاية أمر الكاظم عليه‌السلام عليّ بن يقطين بالوضوء على طريقة العامّة (٥) ، تنبيهاً على أنّه من بدع العامة.

__________________

(١) الحبل المتين : ١٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٠ ح ١٠٨٤ ، الوسائل ١ : ٣٣٤ أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨ ح ٨٨ ، الوسائل ١ : ٣٣٥ أبواب الوضوء ب ٤٦ ح ٣.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٣٠٦ أبواب الوضوء ب ٣١.

(٥) إرشاد المفيد : ٢٩٤ ، الوسائل ١ : ٣١٢ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٣.

١٢٦

وأمّا ما فهمه الشهيد من أنّ المنفي وجوبه هو المستور دون الظاهر وإن كان في الخفيف ، فمع (١) أنّه خلاف ظاهر كلام القوم ، وخلاف تلك الأدلّة فيه : أنّه غير ممكن ، إذ مع المسح وتحريك اليد وجريان الماء تنتقل الشعور من مواضعها ، فربما يغسل الموضع المستور ولا يغسل الظاهر ، فلا بد من غسل الجميع من باب المقدّمة ، فلا تبقى للنزاع ثمرة وفائدة إلّا الفرق بين أقسام الوجوب ، ولا يخفى ما فيه.

وأمّا على ما اخترناه من إجزاء الظاهر فيغسل الظاهر ، ويمسح عليه ، ولا يضرّ عدم حصول غسل ما كان ظاهراً لمنع الشعر إيّاه ، كما لا يضرّ غسل ما كان مستوراً.

وأمّا غسل ما زاد على الوجه المحدود فلا إشكال في عدمه.

الثاني : يجب غسل اليدين إلى المرفقين والتحديد للمغسول ، لأنّ هذه العبارة تستعمل فيه وفي تحديد الفعل (٢) ، كقولك اخضب يدك إلى الزند ، وصيقل سيفي إلى القبضة ، ولا مرجّح ، إلّا أنّ المتيقن هو تحديد المحلّ.

ويجوز الابتداء من المرفقين بإجماعنا ، بل العامّة أيضاً كما قيل (٣) ، ومصرّح به في الأخبار المعتبرة الكثيرة جدّاً (٤).

وأمّا وجوبه ، فالمشهور فيه ذلك ، خلافاً للسيد (٥) وابن إدريس (٦) ، واستدلّوا بمثل ما مرّ ، والأخبار البيانيّة في خصوص المرفقين أكثر وأصرح ، وفي رواية الهيثم

__________________

(١) في «م» : مع.

(٢) في «م» : الغسل.

(٣) الناصريّات (الجوامع الفقهيّة) : ١٨٤ ، قال : ومن عدا فقهاء الشيعة يجعل المتوضّئ مخيّراً بين الابتداء بالأصابع أو المرفق ، وجعل بعد ذلك عدم قبول صلاة من ابتدأ بالمرفق خلاف إجماع الفقهاء.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٢٧١ أبواب الوضوء ب ١٥ ، وص ٢٨٥ ب ١٩.

(٥) الانتصار : ١٧ ، رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢١٣.

(٦) السرائر ١ : ٩٩.

١٢٧

بن عروة التميمي القويّة عن الصادق عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فقلت هكذا ، ومسحت من ظهر كَفّي إلى المرفق؟ فقال : «ليس هكذا تنزيلها ، إنّما هي (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) من (الْمَرافِقِ)» ثم أمرّ يده من مرفقه إلى الأصابع (١) (٢).

ودليل القول الأخر الدليل ، والجواب الجواب.

ويجب إدخال المرفق في الغسل ، للإجماع ، والرواية المتقدّمة ، لا لأنّ الغاية داخلة في المغيّا ، لأنّ الأصل عدمه ، سواء كانا من جنس واحد أو لا ، ولا لمحض كونه مقدّمة للواجب وإن كان يجب لذلك أيضاً.

وتظهر الثمرة فيما لو بقي من اليد المرفق فقط ، فلا يبقى وجوبه بعد انتفاء ذي المقدّمة على القول بوجوبه لكونه مقدّمة.

والحقّ أنّ الظاهر من طريقة العُرف ومحاورات الشارع واختلاف الفقهاء في وجوب غسل المرفق وتفريعه على دخول الغاية في المغيّا وغير ذلك : أنّ المرفق هو مجموع منتهى العظمين ، لا مجمع العظمين ومفصلهما ، أعني به الخطّ المتوهّم الممتزج من الخطّين الموهومين (٣) ، كما هو الظاهر من اللغة (٤) ، والموافق للاشتقاق ، فحينئذٍ فعلى القول بوجوب غسله بالأصالة فيجب غسله إذا بقي مصداقه ، وكذلك رأس عظم العضد فقط (وفاقاً للتذكرة والذكرى) (٥) للاستصحاب في الأجزاء الخارجيّة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٥٧ ح ١٥٩ ، الوسائل ١ : ٢٨٥ أبواب الوضوء ب ١٩ ح ١.

(٢) وجدت بخط بعض الفضلاء عن كتاب الاستغاثة من بدع الثلاثة من مؤلّفات أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه : أنّ التنزيل في مصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) من (الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) من (الْكَعْبَيْنِ) (منه رحمه‌الله).

(٣) في «ز» ، «ح» : المتوهّمين.

(٤) القاموس المحيط ٣ : ٢٤٤.

(٥) ما بين القوسين ليس في «ح».

١٢٨

ولصحيحة رفاعة (١) وحسنته (٢).

ولصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن رجل قُطعت يده من المرفق ، كيف يتوضّأ؟ قال : «يغسل ما بقي من عضده» (٣).

وفهم جماعة من الأصحاب منها وجوب غسل نفس العضد (٤) ، موافقاً لما نقلوه عن ابن الجنيد ، حيث قال : إذا كان أقطع من مرفقه غسل ما بقي من عضده (٥) ، والعلامة في المنتهي ادّعى الإجماع على عدمه (٦).

ويحتمل أن يكون المراد بما بقي : ما بقي من المرفق ، فتكون من تبعيضيّة ، لا بيانيّة. وكذلك كلام ابن الجنيد فلم يكن قول ابن الجنيد مخالفاً لما ذكرناه ، وهو قريب.

وأمّا لو بقي من الساعد شي‌ء ، فوجوب الغسل إجماعيّ ، والاستصحاب والأخبار عموماً وخصوصاً دالّة عليه (٧) ، كما أنّه لو قطعت اليد من فوق المرفق فسقوط الغسل إجماعيّ.

الثالث : يجب مسح الرأس والرجلين إلى الكعبين وهو أيضاً تحديد للممسوح كما مرّ.

والمسح مبعّض ، بخلاف غسل الوجه واليدين ، للإجماع ، بل الضرورة

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥٩ ح ١٠٧٨ ، الوسائل ١ : ٣٣٧ أبواب الوضوء ب ٤٩ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩ ح ٨ ، الوسائل ١ : ٣٣٧ أبواب الوضوء ب ٤٩ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩ ح ٩ ، وفي الفقيه ١ : ٣٠ ح ٩٩ مرسلاً ، الوسائل ١ : ٣٣٧ أبواب الوضوء ب ٤٩ ح ٢.

(٤) كالعلامة في المنتهي ٢ : ٣٧ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٠٥ ، فجعلها الأوّل مخالفة للإجماع ، وقال الثاني : أفتى بمضمونها ابن الجنيد. وهو يعني أنّهم فهموا منها وجوب غسل نفس العضد.

(٥) نقله عنه في المختلف ١ : ٢٨٧.

(٦) منتهى المطلب ٢ : ٣٧. جعل صحيحة عليّ بن جعفر منافية للإجماع.

(٧) انظر الوسائل ١ : ٣٣٧ أبواب الوضوء ب ٤٩.

١٢٩

والأخبار الصحيحة الناصّة ، منها : صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام ، المعلّل إثبات التبعيض فيها بوجود الباء (١).

وإنكار سيبويه ذلك لا يضرّ (٢) ، لمعارضته بإثبات الأصمعي وأبي عليّ وابن كيسان وغيرهم (٣). مع أنّه عليه‌السلام يحتمل أن يكون استدلاله بسبب تغيير الأُسلوب وتعدية ما يتعدّى بالنفس بواسطة الحرف.

وخُصّ في الرأس بمقدّمه ، وفي الرجل بظهر القدمين ، للإجماع والصحاح (٤).

ولا يجب الاستيعاب ، أمّا الرأس فيكفي فيه المسمّى على الأشهر الأقوى ، لإطلاق الآية والأخبار ، وخصوص الصحاح (٥).

وقيل بوجوب مقدار ثلاث أصابع (٦) لصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «المرأة يجزئها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه قدر ثلاث أصابع ، لا تلقي عنها خمارها» (٧) فإنّ الإجزاء ظاهر في أقلّ الواجب.

وأُجيب بأنّه راجع إلى عدم إلقاء الخمار (٨) ، ويؤيّده ما ورد في الروايات من أنّها تلقي خمارها في الصبح ، أو الصبح والمغرب (٩). وبالحمل على الاستحباب ، لعدم

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٥٦ ح ٢١٢ ، التهذيب ١ : ٦١ ح ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ح ١٨٦ ، علل الشرائع : ٢٧٩ ح ١ ، الوسائل ١ : ٢٩٠ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ١.

(٢) الكتاب ١ : ٩.

(٣) نقله عنهم في مغني اللبيب ١ : ١٤٢.

(٤) انظر الوسائل ١ : ٢٨٩ أبواب الوضوء ب ٢٢.

(٥) الوسائل ١ : ٢٩٠ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ١ ، ٤ ، وص ٢٨٩ ب ٢٢ ح ٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨. وقال الشيخ : لا يجوز أقل : من ثلاث أصابع مضمومة مع الاختيار ، فإن خاف البرد من كشف الرأس أجزأه مقدار إصبع واحدة. النهاية : ١٤.

(٧) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٧٧ ح ١٩٥ ، الوسائل ١ : ٢٩٣ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٣.

(٨) كما في المنتهي ٢ : ٤٧.

(٩) الوسائل ١ : ٢٩٢ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٥.

١٣٠

المقاومة (١) ، وهو كذلك.

وكذلك رواية معمّر بن عمر عنه عليه‌السلام قال : «يجزئ من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع ، وكذلك الرجل» (٢).

ويظهر من بعض مَن لا يوجب ثلاث أصابع عدم إجزاء الأقلّ من مقدار إصبع (٣) ، لصحيحة حماد : في الرجل يتوضّأ وعليه العمامة قال : «يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه ، فيمسح على مقدّم رأسه» (٤) ولا دلالة فيها ، مع أنّ الإصبع إله للمسح ، ولا بد منه.

والظاهر أنّ المراد مقدار الأصابع الثلاث لا نفسها ، فتكفي الإصبع الواحدة.

ثم إنّ كلامهم متشابه في إفادة أنّ المستحبّ المسح على هذا المقدار من عرض الرأس أو من طوله ، ويظهر من شرح الدروس اعتبار العرض (٥) ، ومن المدارك في تفريع اتصاف الزائد على الإصبع بالوجوب والاستحباب بعد تحقّق مقدار الإصبع والإشكال فيه اعتبار الطول (٦) ، وهذا أظهر.

فيجزئ على الأوّل : وضع تمام إصبع واحدة طولاً على عرض الرأس ، وإمراره إلى أسفل بقدر عرض إصبع أو أقلّ. وعلى الثاني : وضعها كذلك على طول الرأس كما تقدّم.

__________________

(١) كما في المدارك ١ : ٢٠٩.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٦٠ ح ١٦٧ ، الاستبصار ١ : ٦٠ ح ١٧٧ ، الوسائل ١ : ٢٩٤ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٥.

(٣) كالشيخ في الخلاف ١ : ٨١ ، والتهذيب ١ : ٨٩ ، والاستبصار ١ : ٦٠ ، وسلّار في المراسم : ٣٧ ، وأبي الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٢ ، وابن البرّاج في المهذب ١ : ٤٤ ، والعلامة في المختلف ١ : ٢٨٩ ، ناقلاً له عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد.

(٤) التهذيب ١ : ٩٠ ح ٢٣٨ ، الاستبصار ١ : ٦٠ ح ١٧٨ ، الوسائل ١ : ٢٨٩ أبواب الوضوء ب ٢٢ ح ٣.

(٥) مشارق الشموس : ١١٤.

(٦) مدارك الأحكام ١ : ٢٠٩.

١٣١

والأولى ملاحظتهما معاً على (١) إعمال ثلاث أصابع منضمّة. ويجزئ في ذلك وضعها بالطول على عرض الرأس وإمرارها بقدر عرض إصبع.

وأمّا الرجل فكذلك أيضاً ، بلا خلاف ظاهر ، وادّعى عليه الفاضلان الإجماع (٢).

نعم يظهر من التذكرة قول بوجوب ثلاث أصابع مضمومة (٣) ، ولعلّه لرواية معمّر المتقدّمة ، وهي ضعيفة (٤).

وأمّا صحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه‌السلام : «لا ، إلّا بكفّه كلّها» (٥) فمحمولة على الاستحباب ، للإجماع على نفي الاستيعاب العرضي.

وتوهّم بعضهم أنّ المجمل والمطلق لا بد أن يحمل على المبيّن والمقيّد ، فالأولى ذلك (٦)

وأنت خبير بأنّ الأخبار ناصّة على المطلوب ، وفي كثير منها عدم إبطان الشراكين. وفي صحيحة زرارة وبكير عن الباقر عليه‌السلام : أنّه قال في المسح «تمسح على النعلين ، ولا تدخل يدك تحت الشراك ، وإذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك» (٧) وفي معناها صحيحتهما الأُخرى (٨) وغيرها (٩).

__________________

(١) في «م» : مع ، بدل على.

(٢) المعتبر ١ : ١٥٠ ، التذكرة ١ : ١٧١.

(٣) التذكرة ١ : ١٧١.

(٤) ولعلّ وجه الضعف هو أنّ راويها لم يوثّق حتّى إجمالاً. راجع معجم رجال الحديث ١٨ : ٢٦٧ / ١٢٥٣١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٦٤ ح ١٧٩ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ح ١٨٤ ، قرب الإسناد : ١٦٢ ، الوسائل ١ : ٢٩٣ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٤.

(٦) مدارك الأحكام ١ : ٢٢١.

(٧) التهذيب ١ : ٩٠ ح ٢٣٧ ، الوسائل ١ : ٢٩١ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٤.

(٨) الكافي ٣ : ٢٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٧٦ ح ١٩١ ، الوسائل ١ : ٢٧٢ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

(٩) انظر الوسائل ١ : ٢٩٠ أبواب الوضوء ب ٢٣.

١٣٢

والنعلان إن كانتا عربيّتين فلا يبقى (١) الاستيعاب الطولي ، وإن كانتا غيره فينفيه أيضاً ، ولكن عدم انتفائه لعلّه إجماعيّ ، ولم نقف على مخالف فيه ، وظاهر الفاضلين وغيرهما الإجماع عليه (٢). ونقل بعض الأصحاب عن بعضهم الإجماع عليه أيضاً (٣).

وتردّد فيه في المعتبر ، ثم جزم به (٤) ، لقوله تعالى (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ، وكذلك في التذكرة استند إليه (٥).

وربّما يستشكل في ذلك بكون التحديد للممسوح كما في اليدين.

أقول : بعد اعتبار إضافة البعض إلى الرجلين المستفاد من الباء ، فالممسوح هو جميع ذلك البعض ، والغاية غاية ذلك البعض.

وأمّا ابتداؤها فمعلوم بملاحظة قرينتها السابقة ، فقد صرّح الإمام عليه‌السلام في الصحيح بأنّ الغسل لما تعدّى إلى الوجه واليدين بالنفس علمنا وجوب غسل الجميع ، ولما دخلت الباء على الرأس والرجلين علمنا البعضيّة ، فالبعض هنا يقوم مقام الكلّ ، فحال ابتداء الغاية في اليد والرجلين متساوٍ.

مع أنّ العلامة في التذكرة قال : ويجب استيعاب طول القدم من رؤس الأصابع إلى الكعبين ، لأنّهما غاية ، فيجب الانتهاء إليها ، فيجب الابتداء من رؤس الأصابع ، لعدم الفارق (٦). فإنّ الظاهر أنّ مراده عدم الفرق بينهما وبين اليدين ، أو عدم القول بالفرق بين الانتهاء والابتداء ، و (٧) بين الرجل واليد.

__________________

(١) في «ز» ، «ح» : ينفي.

(٢) المحقّق في المعتبر ١ : ١٥٠ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٧١ ، والمنتهي ٢ : ٦٩.

(٣) الحدائق الناضرة ١ : ٢٩١.

(٤) المعتبر ١ : ١٥٢.

(٥) التذكرة ١ : ١٧١.

(٦) التذكرة ١ : ١٧١.

(٧) في «م» : أو.

١٣٣

مع أنّ الأخبار المعتبرة ناطقة بذلك ، منها : الصحيحة المتقدّمة ، فإنّ الظاهر أنّ قوله عليه‌السلام : «ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع» بيان لشي‌ء ، لا للقدمين.

وصحيحة البزنطي أيضاً منبّهة على ذلك (١) ، لأنّ غاية ما ظهر من التعارض رفع وجوب الاستيعاب العرضي ، فيبقى تتمة مدلولها.

وكذلك حسنة أبي العلاء (٢) الإمرة بالمسح على المرارة الموضوعة على ظفر من انقطع ظفره ، ولم يكتفِ بمسح ما فوقه (٣).

والاحتياط في المسح بجميع الكفّ ، أمّا الوجوب فلا.

واختلفوا في وجوب البدأة من الأعلى ، والظاهر أنّ الأكثر على العدم ، وهو الأقوى ، للإطلاقات ، ولصحيحة حمّاد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بمسح الوضوء مُقبلاً ومُدبراً» (٤).

وكذلك الأشهر الأقوى في مسح الرجلين جواز البدأة بالكعبين ، وتشمله الصحيحة المتقدّمة ، وتدلّ عليه رواية يونس : «الأمر في مسح الرجلين موسّع ، من شاء مسح مُقبلاً ، ومن شاء مسح مُدبراً ، إنّه من الأمر الموسّع إن شاء الله تعالى» (٥).

لكن الأفضل البدأة من الأعلى في الرأس ، ومن الأصابع في الرجل ، بل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٦٤ ح ١٧٩ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ح ١٨٤ ، قرب الإسناد : ١٦٢ ، الوسائل ١ : ٢٩٣ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٤.

(٢) كذا ، والرواية في المصادر عن عبد الأعلى. ولعلّه تصحيف من النّساخ.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٢٥ ح ١٣٥٢ ، الاستبصار ١ : ٧٨ ح ٢٤١ ، الوسائل ١ : ٣٢٧ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٥.

(٤) التهذيب ١ : ٥٨ ح ١٦١ ، الاستبصار ١ : ٥٧ ح ١٦٩ ، الوسائل ١ : ٢٨٦ أبواب الوضوء ب ٢٠ ح ١. وبنفس الإسناد روى الشيخ عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال : لا بأس بمسح القدمين مقبلاً ومدبراً. التهذيب ١ : ٨٣ ح ٢١٧.

(٥) الكافي ٣ : ٣١ ح ٧ ، قرب الإسناد : ١٢٦ ، الوسائل ١ : ٢٨٦ أبواب الوضوء ب ٢٠ ح ٣. ولعلّه عبّر عنها بالرواية لأجل أنّها مما تفرّد به محمّد بن عيسى عن يونس ، وفيه إشكال معلوم.

١٣٤

الأحوط ذلك ، لحصول اليقين به ، وإشعار بعض الأخبار ، وأمّا دلالة (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فممنوعة لما تقدّم.

ومما ذكرنا ظهرت كفاية المسح في الرأس من جانب العرض أيضاً ، ولا يحضرني الان تصريح منهم بذلك.

والظاهر الكفاية بمطلق اليد ، وذكر الإصبع محمول على الغالب ، ولكن الأولى الإصبع ، ثمّ باطن الكفّ ، وإن تعذّر فظهر الكفّ ، وإن تعذّر فالذّراع ، وإن كان أكثر ما ذكر محلّ كلام.

ثم في دخول الكعبين في المسح وعدمه قولان ، والأصل والأخبار الصحيحة الدالّة على عدم تبطين الشراكين في المسح (١) يدلّ على عدم الدخول ، كما ذكره في المعتبر (٢). والظاهر أنّ الوجوب هنا من باب المقدّمة ، إلّا أنّه لا يستلزم إلّا إدخال بعضه في المسح ، فإنّ للكعب عرضاً عريضاً ، بخلاف المرفق. والأحوط إدخاله بالذات أيضاً ، بل الإيصال إلى المفصل ، بل إلى فوقه ، للخروج عن الخلاف الاتي ، والإتيان بمجامع المقدّمات.

فإنّ الكعب قد اختلف فيه كلام العلماء ، فالذي عليه جمهور أصحابنا المتقدّمين والمتأخّرين عدا العلامة وبعض متأخّري المتأخّرين : هو العظمان الناتِئان على ظهر القَدَم (٣) ، وصرّح المفيد بأنّه في وسط ظهر القدم ما بين المفصل والمشط (٤) ، والشيخ في التهذيب ادّعى الإجماع على أنّه هو الكعب (٥) ، وكذلك المحقّق في المعتبر (٦).

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ٢٩١ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٣ ، ٤ ، ٨.

(٢) المعتبر ١ : ١٥٢.

(٣) انظر الانتصار : ٢٨ ، والتبيان ٣ : ٤٥٦ ، والخلاف ١ : ٩٢ ، ومجمع البيان ٣ : ١٦٧ ، والمعتبر ١ : ١٤٨ ، والذكرى : ٨٨ ، والمدارك ١ : ٢١٦.

(٤) المقنعة : ٤٤.

(٥) التهذيب ١ : ٧٥.

(٦) المعتبر ١ : ١٥١.

١٣٥

وعبارات علمائنا لا تقبل التأويل ، وكلّها متطابقة على إرادة ذلك ، مصرّحة باعتبار النتوء ، وكونه في ظهر القدم. وهو المطابق للاشتقاق ، وكلام أكثر أهل اللغة (١).

وقال العلامة : أنّه مفصل الساق والقدم ، وحمل عبارات الأصحاب عليه (٢) ، مع عدم انطباق واحدة منها عليه ، سوى ما يتوهّم من ظاهر ابن الجنيد (٣) ، وليس كما يتوهّم.

وربّما انتصر له بعضهم : بأنّ المفصل محلّ الكعب الذي هو كعب باصطلاح أهل التشريح ، وهو ما يكون للحيوانات ، ويلعب به الصبيان ، وله ارتفاع ونتوء أيضاً ، وهو في وسط القدم العرضي أيضاً ؛ فلا ينافي إطلاق كلماتهم.

وأنت خبير بأنّ ظاهر كلمات الأصحاب بل تصريحهم في اعتبار الارتفاع والنشوز لا يلائم إرادة الوهدة التي يكون في عمقها شي‌ء له نتوء ما.

مع أنّ الشارع إنّما يتكلّم على العُرف واللغة لا غير ، مع أنّ المفصل مما لم يظهر إطلاق الكعب عليه في كلام أهل اللغة إلّا من صاحب القاموس (٤). ومنشأ توهّمه : إطلاق الكعب على مفاصل قصب الرمح ، وإنّما هو لأجل النتوء الحاصل فيها ، لا لكونه مفصلاً.

وليس إسناد الرازي اعتبار المفصل إلينا حجّة (٥) ، مع معارضته بإسناد ابن الأثير إلينا المعنى المشهور عندنا (٦) ، والأخبار الصحيحة المتظافرة بما ذكرنا ، مثل صحيحة

__________________

(١) العين ١ : ٢٠٧ قال : كعب الإنسان ما أشرف فوق رسغه عند قدمه. الصحاح ١ : ٢١٣ ، النهاية لابن الأثير ٤ : ١٧٨ ، المصباح المنير : ٥٣٥ ، لسان العرب ١ : ٧١٨.

(٢) المختلف ١ : ٢٩٣ ، المنتهي ٢ : ٧٤ ، القواعد ١ : ٢٠٣ ، وتبعه الشهيد في الألفيّة : ٢٨ ، والمقداد في كنز العرفان ١ : ١٨.

(٣) فإنّه قال : الكعب في ظهر القدم دون عظم الساق وهو المفصل الذي قدّام العرقوب. نقله في المختلف ١ : ٢٩٣.

(٤) القاموس المحيط ١ : ١٢٩ ، قال : الكعب العظم الناشز فوق القدم ، والناشزان في جانبيها.

(٥) التفسير الكبير ١١ : ١٦٢.

(٦) النهاية ٤ : ١٧٨.

١٣٦

البزنطي (١) وحسنة ميسر (٢) وغيرهما مما دلّ على عدم تبطين الشراكين (٣) ، فإنّه مانع عن الاستيعاب الطولي على ما ذكره العلامة ، وهو معتبر عنده بل مجمع عليه.

وأمّا العلامة فاستدلّ بصحيحة زرارة وبكير عن الباقر عليه‌السلام ، قالا : فأين الكعبان؟ قال : «ههُنا» يعني المفصل دون عظم الساق ، فقال : هذا ما هو؟ قال : «هذا عظم الساق» (٤).

وفي الكافي بعد قوله هذا عظم الساق : «والكعب أسفل من ذلك».

وحسنة زرارة ، وفيها «ومسَحَ مقدّم رأسه وظهر قدميه» (٥).

أمّا الأوّل ، ففيه أنّه لا بدّ من حمل المفصل على المجاز بإرادة ما دون المفصل ، لئلا يتناقض مع قوله عليه‌السلام : «والكعب أسفل من ذلك» وإرادة التحتيّة من أسفل من ذلك ، بعيدة.

مع أنّ الظاهر أنّ المراد بالمفصل هو الكعب المشهور ، فإنّه مفصل أيضاً ، وتقطع منه الرجل في السرقة ، كما ورد في رواية القطع أنّها تقطع من الكعب ، وفي الروايات «أنّه يبقى العقب ليمشي بها ، ويعبد الله تعالى بها» (٦) ، فعلم أنّ الكعب ليس هو المفصل الذي فهمه العلامة ، وإلّا لم يبقَ هناك شي‌ء.

سلّمنا ، لكنها لا تعارض ما قدّمنا من الأدلّة ، فتُحمل على الاستحباب.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٦٤ ح ١٧٩ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ح ١٨٤ ، قرب الإسناد : ١٦٢ ، الوسائل ١ : ٢٩٣ أبواب الوضوء ب ٢٤ ح ٤ ، وفيها : فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظهر القدم.

(٢) الكافي ٣ : ٢٦ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٨٠ ح ٢٠٥ ، الاستبصار ١ : ٦٩ ح ٢١٠ ، الوسائل ١ : ٣٠٦ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ١ ، وفيها : ووصف الكعب في ظهر القدم.

(٣) انظر الوسائل ١ : ٢٩١ أبواب الوضوء ب ٢٣ ح ٣ ، ٤ ، ٨.

(٤) الكافي ٣ : ٢٦ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٧٦ ح ١٩١ ، الوسائل ١ : ٢٧٢ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٢٥ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤ ح ٧٤ ، الوسائل ١ : ٢٧٢ أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢ ، ولعلّ عدّها حسنة لوقوع إبراهيم بن هاشم في طريقها ، فإنّه لم يظهر توثيقه.

(٦) انظر الوسائل ١٨ : ٤٨٩ أبواب حدّ السرقة ب ٤.

١٣٧

وأما الرواية الثانية ، ففيه أنّ تمام ظهر القدم لا يجب مسحه إجماعاً منّا كما تقدّم ، فيحمل على ما اقتضته الأدلّة.

ثم يجب أن يكون المسح ببلّة الوضوء بإجماع علمائنا ، وتدلّ عليه الأخبار البيانيّة على الوجه الذي قررنا ، وخصوص صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام «إنّ الله وتر يحب الوتر ، فقد يجزئك من الوضوء ثلاث غرفات ، واحدة للوجه ، واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى» (١).

وما رواه المفيد في الإرشاد في حكاية عليّ بن يقطين مع الرشيد ، وأمر الكاظم عليه‌السلام إيّاه بالوضوء على طريقة العامّة أوّلاً ، ثم على طريقة الخاصّة بعد رفع الخوف عنه ، قال : «وامسح بمقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كُنّا نخافُ عليك والسلام» (٢) والأخبار آتية (٣).

هذا إذا بقي في اليد بلّة ، وإلّا فيأخذ من لحيته أو حاجبه أو أهدابه (٤) أو غير ذلك من مظانّها ، بلا خلاف ظاهر بين الأصحاب ، لما رواه الصدوق مرسلاً عن الصادق عليه‌السلام : «إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلّة وضوئك ، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي‌ء فخذ ما (٥) بقي منه في لحيتك ، وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك ، وامسح به رأسك ورجليك ، فإن لم يبقَ من بلّة وضوئك شي‌ء أعدت الوضوء» (٦)

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٠ ح ١٠٨٣ ، الوسائل ١ : ٣٠٦ أبواب الوضوء ب ٣١ ح ٢.

(٢) إرشاد المفيد : ٢٩٤ ، الوسائل ١ : ٣١٢ أبواب الوضوء ب ٣٢ ح ٣.

(٣) في «م» : الآتية.

(٤) في «ز» ، «ح» : وأهدابه.

(٥) في المصدر : ممّا ، وهو أنسب.

(٦) الفقيه ١ : ٣٦ ح ١٣٤ ، الوسائل ١ : ٢٨٨ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٨.

١٣٨

ولا يضرّ الإرسال ، للعمل ، ورواية الفقيه ، ولم يفرّقوا بين النسيان وغيره.

وفي معناه روايات كثيرة دالّة على أنّ من نسي المسح ودخل في الصلاة وتذكّر : أنّه يأخذ من لحيته ويمسح ، وبعضها في غير الصلاة أيضاً بصيغة الأمر (١).

إلّا أنّه قد يناقش بأنّ الغالب في المتلبّس بالصلاة عدم إمكان أخذ الماء الجديد ، فهو وارد مورد الغالب ، وهو ممنوع.

والظاهر من الرواية موافقاً لجماعة من الأصحاب : أنّ ذلك موقوف على جفاف اليد (٢) ، واحتمل بعضهم جواز أخذ البلّة وإن كانت اليد مبتلّة أيضاً ، حملاً للرواية على الغالب (٣) ، وليس ببعيد ، (والأوّل أحوط. والظاهر أنّ تقديم اللحية في الرواية إرشادي ، لكونه أسهل أخذاً ، فلا يجب الترتيب) (٤).

وأما : إذا جفّ الجميع ، فالمشهور وجوب الإعادة. والمنقول عن ابن الجنيد جواز المسح بالماء الجديد (٥) ، وربما نقل عنه إطلاق الجواز إذا جفّت اليد وإن بقيت البلّة في غيرها (٦). وكيف كان فالمذهب الأوّل لما ذكرنا.

واحتجّوا لابن الجنيد بصحيحة معمّر بن خلّاد (٧) ، وهي مع أنّها أعمّ من قوله محمولة على التقيّة.

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ٣٣٠ أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ١ ، ٨.

(٢) انظر المقنعة : ٤٧ ، والمبسوط ١ : ٢١ ، والمعتبر ١ : ١٤٧.

(٣) كصاحب المدارك ١ : ٢١٣.

(٤) ما بين القوسين ليس في «ز».

(٥) نقله عنه في المعتبر ١ : ١٤٧ ، والمختلف ١ : ٢٩٦ ، وفيهما : قال ابن الجنيد : وإذا كانت بيد المتطهّر نداوة يستبقيها من غسل يده مسح بيمينه رأسه ورجله اليمنى ، وبيده اليسرى رجله اليسرى ، وإن لم يستبق ذلك أخذ ماء جديداً لرأسه ورجليه.

(٦) انظر الحدائق ٢ : ٢٨٠.

(٧) التهذيب ١ : ٥٨ ح ١٦٣ ، الاستبصار ١ : ٥٨ ح ١٧٣ ، الوسائل ١ : ٢٨٨ أبواب الوضوء ب ٢١ ح ٥. وفيها : أيجزئ الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال برأسه : لا ، فقلت أبماء جديد؟ فقال برأسه : نعم. احتجّ بذلك لابن الجنيد العلامة في المختلف ١ : ٢٩٧.

١٣٩

وأما لو لم تمكن الإعادة أيضاً لكثرة الحرّ أو الريح ، ولا إبقاء جزء من اليسرى وصبّ غرفة من الماء عليه في الأخر ليبقى الماء للمسح في يده ، فالمشهور جواز الماء الجديد حينئذٍ ، لأنّ ما لا يُدرك كلّه لا يُترك كلّه ، وللاستصحاب.

ومقتضى القواعد الانتقال إلى التيمّم ، لعدم التمكّن من الوضوء المطلوب ، وهو ما يكون مسحه ببلّة الوضوء ، إلّا أن يقال لم يثبت من أدلّة وجوب المسح ببلّة الوضوء إلّا حالة التمكّن ، لأنّ العمدة فيه الإجماع ، وهو غير معلوم فيما نحن فيه ، ولمنع صراحة الأخبار البيانيّة في الوجوب ، ولمنع دلالة الأُخر ، أو ضعفها مع عدم الجابر فيما نحن فيه ، فتبقى إطلاقات المسح بحالها ، فيجوز بالماء الجديد. وفيه أيضاً إشكال.

والأحوط التأخير إن رجا التمكّن ، أو الجمع بينه وبين التيمّم.

ولا بأس بكثرة الماء في المسح إذا سُمّي مسحاً في العُرف ، وقصد به المسح أيضاً. وما ورد في الخبر «أنّه يأتي على الرجل سبعون سنة ولا تُقبل منه صلاة ، لأنّه يغسل ما أمرَ الله بمسحه» (١) فهو ردّ على العامّة. وبالجملة يصدق الامتثال بذلك.

والظاهر أنّ النسبة بينهما عموم من وجه ، ويكفي الافتراق في الجملة في تحقّق المقابلة بينهما في الآية وغيرها ، ولا يلزم التباين.

ومما ذكرنا يظهر عدم اشتراط جفاف موضع المسح ، بل يجوز إذا كانت بلّة الوضوء غالبة ، بل لا يبعد الجواز إذا لم تكن غالبة أيضاً كما يظهر من بعضهم (٢). وعن ابن الجنيد جوازه في الماء أيضاً (٣).

حجّة الجواز : صدق الامتثال ، وحجّة المنع : أنّه مسح بماء جديد. والأوّل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٩٢ ح ٢٤٦ ، الاستبصار ١ : ٦٤ ح ١٩١ ، علل الشرائع : ٢٨٩ ، الوسائل ١ : ٢٩٥ أبواب الوضوء ب ٢٥ ح ٢.

(٢) كالشهيد في الذكرى : ٨٩ ، وصاحب المدارك ١ : ٢١٣.

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ٣٠٢.

١٤٠