غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

الكثيرة الواردة في علّة غسل الميت ، وأنّها للجنابة ولخروج المني منه (١) ، ويجب الترتيب فيه إجماعاً ، كما صرّح به في المعتبر (٢) ، وادّعاه في الذكرى (٣) ، وللأخبار المستفيضة (٤).

وكيف كان فالظاهر أنّه لا ترتيب بين أجزاء كلّ من الجانبين كما ذكروه ، وتدلّ عليه صحيحة أبي بصير في حكاية اللمعة المغفلة (٥).

وظاهر حسنة زرارة المتقدّمة : أنّ العنق مع الرأس ، كما صرّح به جماعة (٦) ، وتشعر به موثّقة سماعة أيضاً (٧) ، والأحوط : غسله بعد الرأس ، ثم جعل كلّ نصف منه مع جانبه.

ويكفي فيه مسمّى الغسل ولا يكفي المسح ، للإطلاقات ، واشتراط الجريان في بعضها.

وما ورد في بعض الروايات من الاكتفاء بمثل الدهن (٨) ، فهو مع معارضته بأقوى منه (٩) ، محمول على المبالغة في القلّة ، والظاهر أنّه مما لا خلاف فيه.

ويجب تخليل ما يمنع وصول الماء ، لوجوب غسل جميع البدن إجماعاً ، ولا يتم

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٦٨٥ أبواب غسل الميت ب ٣.

(٢) المعتبر ١ : ٢٦٦.

(٣) الذكرى : ١٠١.

(٤) الوسائل ٢ : ٦٨٠ أبواب غسل الميت ب ٢.

(٥) التهذيب ١ : ٣٦٥ ح ١١٠٨ ، الوسائل ١ : ٥٢٤ أبواب الجنابة ب ٤١ ح ١. أبو عبد الله (ع) قال : اغتسل أبي من الجنابة فقيل : له قد بقيت لُمعة في ظهرك لم يُصبها الماء ، فقال له : ما كان عليك لو سكتّ ، ثم مسح تلك اللمعة بيده.

(٦) كصاحب الحدائق ٣ : ٩٧.

(٧) التهذيب ١ : ١٣٢ ح ٣٦٤ ، الوسائل ١ : ٥٠٣ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٨ ، وفيها : ثم ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات مل‌ء كفّيه ، ثم يضرب بكفّ من ماء على صدره وكفّ بين كتفيه ثم يفيض الماء على جسده كلّه ..

(٨) الوسائل ١ : ٥١٠ أبواب الجنابة ب ٣١.

(٩) انظر الوسائل ١ : ٥٠٢ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١ ، وص ٥١١ ب ٣١ ح ٣.

٢٨١

إلّا بذلك ، ولإطلاق الأخبار ، وخصوص صحيحة حجر بن زائدة ، عن الصادق عليه‌السلام : «من ترك شعرة من الجنابة متعمّداً فهو في النار» (١) وصحيحة عليّ بن جعفر (٢) وغيرها. فتجب إزالة الموانع كلّها.

ولا بأس بالجسم الرقيق الذي لا يمنع الغسل العرفي ، كما يستفاد من بعض الأخبار. وعليه يُحمل ما دلّ بظاهره على خلافه كصحيحة أبي محمود (٣).

ولا يجب غسل الشعر ، للأصل ، وعدم صدق الجسد عليه ، ولخصوص صحيحة الحلبي (٤).

وربّما يتوهّم من صحيحة حجر المتقدّمة وجوبه ، وهو في غاية البعد ، لأنّ الظاهر منها إرادة المقدار.

وكيف كان ؛ فالظاهر أنّ عدمه إجماعيّ كما يظهر من المحقّق (٥) والشهيد (٦).

ويتخيّر في مثل السرة والقضيب والأنثيين ، والأحوط غسلها مع الجانبين.

ولا يجب غسل البواطن بلا خلاف ما دام باطناً ، فيجب الغسل على مقطوع الأنف مثلاً.

وأما الثقب التي تكون في الأنف أو الاذن للحلقة ونحوها ، فالأظهر أنّها لو كانت ضيّقة بحيث لا يرى باطنها فهي في حكم الباطن ، وصرّح به جماعة من

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٥ ح ٣٧٣ ، أمالي الصدوق : ٣٩١ ح ١١ ، عقاب الأعمال : ٢٧٢ ، الوسائل ١ : ٤٦٣ أبواب الجنابة ب ١ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٨٥ ح ٢٢١ ، قرب الإسناد : ٨٣ ، الوسائل ١ : ٣٢٩ أبواب الوضوء ب ٤١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥١ ح ٧ ، التهذيب ١ : ١٣٠ ح ٣٥٦ ، الوسائل ١ : ٥٠٩ أبواب الجنابة ب ٣٠ ح ١. وفيه : فإذا فرغ وجد شيئاً وقد بقي من أثر الخلوق والطيب وغيره قال : لا بأس.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥ ح ١٦ ، التهذيب ١ : ١٤٧ ح ٤١٧ ، الوسائل ١ : ٥٢١ أبواب الجنابة ب ٣٨ ح ٤. وفيه : لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة.

(٥) المعتبر ١ : ١٩٤.

(٦) الذكرى : ١٠٠.

٢٨٢

المحقّقين (١) ، وعن الشيخ عليّ وجوب الإيصال مطلقاً (٢) ، وهو بعيد ، وإن كان أحوط.

الثاني : يجزئ عن غسل الجنابة أن يرتمس في الماء ارتماسة واحدة للإجماع ، والأخبار ، مثل صحيحة زرارة بعد ذكر غسل الجنابة : «ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك ، وإن لم يدلك جسده» (٣).

وحسنة الحلبي : «إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله» (٤).

ومرسلة الحلبي (٥) ورواية السكوني (٦).

ويرجع في الارتماسة الواحدة إلى العرف ، فلا تعتبر الوحدة الحقيقيّة ، فلا ينافيه تخليل ما يمنع الماء.

ولا يجب انفصال الرِّجل من الأرض بعد الانغماس إذا نوى الغسل أوّل الارتماس ، بل لا يضرّ انغمار رجله في الوحل قبل انغماس الجميع ، كما صرّح به في المنتهي (٧). وكفاية قصد الغسل تحت الماء وتحريك نفسه غير منساقٍ من الأخبار ، بل المتبادر منها الارتماس من خارج الماء.

__________________

(١) كصاحب المدارك ١ : ٢٩٢ ، وحكاه عن شيخه ، والمحقّق السبزواري في الذخيرة : ٥٦ ، وصاحب الحدائق ٣ : ٩٢.

(٢) نقله عنه في المدارك ١ : ٢٩٢ ، والذخيرة : ٥٦.

(٣) التهذيب ١ : ٣٧٠ ح ١١٣١ ، الوسائل ١ : ٥٠٣ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٤٨ ح ٤٢٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ ح ٤٢٤ ، الوسائل ١ : ٥٠٤ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٢.

(٥) الفقيه ١ : ٤٨ ح ١٩١ ، قرب الإسناد : ١٦٢ ، الوسائل ١ : ٥٠٥ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٥.

(٦) الكافي ٣ : ٢٢ ح ٨ ، الوسائل ١ : ٥٠٤ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٣.

(٧) المنتهي ٢ : ٢٤٧.

٢٨٣

ويحصل الإشكال في مثل ما لو كان في الماء إلى الترقوة ونحوها ، والأحوط عدم الاجتزاء.

نعم لا يضرّ استنقاع القدم في الماء إلى الساق ونحوه إذا فصلهما عن الأرض.

وما ذكروه (١) من كون هذا الغسل مرتّباً حكماً ، أو لا بد فيه من قصد الترتيب ، وتفريعهم على ذلك فروعاً ، مثل ما لو نذر الغسل المرتّب ، وما لو غفل عن لمعة (٢) من بدنه ، أو حصل منها مانع ، فيأتي بها وبما بعدها لو كان مرتّباً ، وإلّا فيبطل أو نحو ذلك ؛ فمما لم يدلّ عليه دليل.

والتحقيق أنّ هذا الغسل نوع آخر مسقط عن نوع آخر ، فإن قلنا بوجوب إحاطة الماء جميع البدن كما هو الظاهر ، فإن علم بعد الخروج ببقاء اللمعة فيجب عليه الإعادة ، وإن علم في الماء مع عدم المنافاة بالوحدة العرفيّة فيتداركه ، وإن قلنا بكفاية الارتماس مطلقاً كما احتمله في المنتهي نظراً إلى ظاهر الروايات (٣) ، فيصحّ (٤).

وذهب الشيخ (٥) والعلامة (٦) إلى أنّ القعود تحت المجرى ، والوقوف تحت المطر ، يجري مجرى الارتماس ، وأنكره ابن إدريس (٧) والمحقّق (٨) ، وهذا أقوى. وصحيحة

__________________

(١) المراسم : ٤٢ ، والاستبصار ١ : ١٢٥ ، وحكاه عن بعض الأصحاب في المبسوط ١ : ٢٩.

(٢) اللمعة : الموضع الذي لا يصيبه الماء في الغسل أو الوضوء من الجسد ، وهذا كأنّه تشبيه بما قاله ابن الأعرابي «وفي الأرض لمعة من خلى» أي شي‌ء قليل. المصباح المنير ٢ : ٢٥٣.

(٣) المنتهي ٢ : ٢٠٢.

(٤) نقل في المنتهي القول بوجوب الإعادة حينئذٍ عن والده واحتمل هو الصحّة نظراً إلى الإطلاق ثم قال فالأوّل فيه قوّة (منه رحمه‌الله).

(٥) المبسوط ١ : ٢٩.

(٦) المنتهي ٢ : ١٩٨.

(٧) السرائر ١ : ١٣٥.

(٨) المعتبر ١ : ١٨٥.

٢٨٤

عليّ بن جعفر (١) ظاهرة في إرادة الترتيب ولا تنكره (٢) ، فينوي الغسل ويدلك رأسه وعنقه تحت المطر ، ثم شقّه الأيمن ، ثم الأيسر. وعليها تُحمل رواية محمّد بن أبي حمزة أيضاً (٣).

وأما المجرى والميزاب ، فلم نقف في الأخبار على ما يدلّ عليهما ، والكلام فيهما أيضاً كالمطر.

وما دلّ من الأخبار على أنّ غسل الحيض مثل غسل الجنابة يدلّ على جواز الارتماس فيه أيضاً ، وكذلك في غسل الميت كما سيجي‌ء ، مع خصوص تنصيص بعض الأخبار به.

وأما في غيرهما ، فالظاهر أنّ الاعتماد ليس إلّا على عدم القول بالفصل ، كما ادّعاه في الذكرى (٤).

الثالث : يجب كون الماء مباحاً ، مطلقاً ، وطاهراً.

أما الإطلاق والإباحة ، فالكلام فيه كما تقدّم في الوضوء.

وأما الطهارة ، فهو أيضاً إجماعيّ ، ومستفاد من الأخبار.

وأما طهارة محلّ الغسل ، فقال الشيخ في المبسوط : إن كان على بدنه نجاسة أزالها ثم اغتسل ، فإن خالف واغتسل أولاً فقد ارتفع حدث الجنابة ، وعليه أن يزيل

__________________

(١) فإنّ فيها : سألته عن الرجل هل يجزئه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتّى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال : إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك الفقيه ١ : ١٤ ح ٢٧ ، التهذيب ١ : ١٤٩ ح ٤٢٤ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ ح ٤٢٥ ، قرب الإسناد : ٨٥ ، الوسائل ١ : ٥٠٤ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٠.

(٢) في «م» : ينكره.

(٣) الكافي ٣ : ٤٤ ح ٧ ، الوسائل ١ : ٥٠٥ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٤ وفيها : رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتّى سال على جسده أيجزئه ذلك من الغسل؟ قال نعم. والرواية عن محمّد بن أبي حمزة عن رجل عن أبي عبد الله (ع).

(٤) الذكرى : ١٠١.

٢٨٥

النجاسة إن كانت لم تزل ، وإن زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها (١). وقرّبه بعض متأخّري المتأخّرين ، للإطلاقات ، وعدم المقيد (٢).

وردّه جماعة من المتأخّرين ، وحكموا باشتراط طهارة المحلّ (٣) ، وهو الأقرب.

لنا : الإجماع ، نقله ابن زهرة (٤) ، واستصحاب شغل الذمة ، والأخبار الكثيرة ، مثل صحيحة حكم بن حكيم ، عن الصادق عليه‌السلام : عن غسل الجنابة ، فقال : «أفض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها ، ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى ، ثم اغسل فرجك وأفض على رأسك» (٥).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : سألته عن غسل الجنابة ، قال : «تبدأ بكفيك فتغسلهما ، ثم تغسل فرجك ، ثم تصبّ على رأسك» ، والأخبار بهذا المعنى كثيرة معتبرة (٦).

ولا يضرّ اشتمالها على المستحبّة ؛ لكونها في جواب السؤال عن غسل الجنابة ، فالأصل اشتراط كلّ ما ذكر فيه إلّا ما ثبت استحبابه من خارج.

ويمكن أن يستدلّ بما ورد في المستحاضة الكثيرة الدم من وجوب التعصّب والتحشّي بالكرسف حال الاغتسال (٧) ، لعدم القول بالفرق. وبما ورد في غُسل الميت من وجوب إزالة النجاسة أوّلاً (٨) ، وأفتى به في المعتبر من غير نقل خلاف ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٩.

(٢) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٥ ، والمحقّق الخونساري في مشارق الشموس : ١٨٢.

(٣) كالعلامة في المختلف ١ : ٣٣٦ ، والشهيد في الدروس ١ : ٩٧ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٧٩.

(٤) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٤.

(٥) التهذيب ١ : ١٣٩ ح ٣٩٢ ، الوسائل ١ : ٥٠٣ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٧.

(٦) الكافي ٣ : ٤٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٣٢ ح ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ح ٤٢٠ ، الوسائل ١ : ٥٠٢ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١.

(٧) الوسائل ٢ : ٦٠٤ أبواب الاستحاضة ب ١.

(٨) الوسائل ٢ : ٦٨٠ أبواب غسل الميت ب ٢.

٢٨٦

وكذلك في الذكرى (١).

وهذا مع ما ورد «من أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة ، أو أنّه غسل جنابة» (٢) يتمّ المطلوب.

وإن نوقش في دلالة الأخبار وظهورها ، فلا أقلّ من حصول الشكّ في اشتراطها ، والشكّ في الشرط مستلزم للشكّ في المشروط.

وكيف كان فالإجماع المنقول ، والاستصحاب ، وتلك المذكورات ، كافية في إثبات الحكم.

وقد يستدلّ عليه بأصالة عدم التداخل.

وفيه : أنّه إنّما يتمّ لو نوى التطهير عن الخبث فقط ، أو نواهما معاً.

أما لو نوى الغسل ، فالظاهر الإجزاء ، لكون إزالة الخبث توصليّة غير محتاجة إلى القصد والنيّة ، فإن كانت محتاجة إلى الغسلتين كالبول ، فيغسله اخرى ، وإلّا فتكفي المرّة.

وبأنّ طهارة ماء الغسل واجبة إجماعاً ، والقليل ينفعل بالملاقاة.

وفيه : أنّ المسلّم من الإجماع هو ما قبل الوصول إلى المحلّ ، كإزالة الخبث ، سيّما إذا قلنا بعدم النجاسة إلّا بعد الانفصال.

وربّما قيل بالصحّة إذا ارتمس في الكثير للغسل مع زوال النجاسة ، وهو أيضاً مشكل.

ثم إنّ الظاهر الاكتفاء بإزالة النجاسة عن كلّ عضوٍ قبل صبّ الماء بنيّة الغسل عليه ، ولا يجب تقديمها مطلقاً ، وإن كان أحوط بالنظر إلى بعض الروايات.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٦٤ ، الذكرى : ٤٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٦٨٥ أبواب غسل الميت ب ٣.

٢٨٧

المقصد الخامس

في الاداب والسنن واللواحق

وفيه مباحث :

الأول : يستحبّ الاستبراء بالبول ثم الاجتهاد للمُنزل قبل الغسل لحفظ الغسل عن الانتقاض بالبلل المشتبه ، وللأخبار المستفيضة المعتبرة (١).

وذهب جماعة إلى وجوبه (٢) ، ولا يساعدهم الدليل ، وإن كان أحوط. فإنّ ما ورد من الأخبار فيه لا دلالة فيها على الوجوب.

وما دلّ على وجوب إعادة الغسل لو رأى البلل بعده إن لم يستبرئ أيضاً (٣) لا يدلّ عليه كما لا يخفى.

وكذلك صحيحة أحمد بن محمّد في كيفيّة الغسل : «تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك ، وتبول إن قدرت على البول ، ثم تدخل يدك في الإناء ، ثم

__________________

(١) الوسائل ١ : ٥٠٣ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٦.

(٢) كالشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٩ ، والاستبصار ١ : ١١٨ ، والديلمي في المراسم : ٤١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٥٥ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٤ ، والشهيد في الذكرى : ١٠٣.

(٣) الوسائل ١ : ٥١٧ أبواب الجنابة ب ٣٦.

٢٨٨

اغسل ما أصابك منه» (١) الحديث ، لا يدلّ على وجوب البول بملاحظة المقام.

وكذلك رواية أحمد بن هلال : «إنّ الغسل بعد البول ، إلّا أن يكون ناسياً» (٢) مع أنّها ضعيفة (٣).

واختلف كلام الأصحاب في كيفيّة الاستبراء كالأخبار ، وما وجدناه من الأخبار هي صحيحة حفص بن البختري ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يبول ، قال : «ينتره ثلاثاً ، ثم إن سال حتّى يبلغ الساق فلا يبالي» (٤).

وحسنة محمّد بن مسلم قال ، قلت لأبي جعفر : رجل بال ولم يكن معه ماء ، قال : «يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات ، وينتر طرفه» (٥) الحديث (٦).

وحسنة عبد الملك بن عمرو ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يبول ، ثم يستنجي ، ثم يجد بعد ذلك بللاً ، قال : «إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأُنثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما ثم استنجى ، فإن سال حتّى يبلغ السوق فلا يبالي» (٧).

وكلام بعض الأصحاب موافق لبعضها ، وبعضها جامع لاثنين منها ، وبعضها

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣١ ح ٣٦٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ح ٤١٩ ، الوسائل ١ : ٥١٥ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٥ ح ٤١٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٠ ح ٤٠٧ ، الوسائل ١ : ٥١٩ أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ١٢.

(٣) لأنّ الرواية مضمرة وراويها ضعيف ، ضعّفه الشيخ في التهذيب ٩ : ٢٠٤ ، ذ. ح ٨١٢ ، والاستبصار ٣ : ٢٨ ذ. ح ٩٠.

(٤) التهذيب ١ : ٢٧ ح ٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨ ح ١٣٦ ، الوسائل ١ : ٢٠٠ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ١٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨ ح ٧١ وص ٣٥٦ ح ١٠٦٣ ، الاستبصار ١ : ٤٩ ح ١٣٧ ، الوسائل ١ : ٢٢٥ أبواب أحكام الخلوة ب ١١ ح ٢.

(٦) الظاهر أنّ مقابلة السؤال بالجواب في هذا الحديث ناظرة إلى عدم ناقضيّة البلل حينئذٍ للوضوء ، لا عدم النجاسة ، ووجه خصوصيّة الحكم حينئذٍ بصورة فقدان الماء إما لأنّ الراوي كان جاهلاً بالحكم في هذه الصورة ، أو لأنّ الماء قاطع للبول كما أشار إليه العلامة (منه رحمه‌الله).

(٧) التهذيب ١ : ٢٠ ح ٥٠ ، الاستبصار ١ : ٩٤ ح ٣٠٣ ، وفي الفقيه ١ : ٣٩ ح ١٤٨ مرسلاً ، الوسائل ١ : ٢٠٠ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٢.

٢٨٩

جامع لثلاثتها ، وبعضها مشتمل على التنحنح ثلاثاً أيضاً ، والقاعدة تقتضي التخيير.

والظاهر كفاية الاستظهار لإخراج البقايا كيف كان من هذه الوجوه المرويّة ، لكن الأحوط ما ذكره جماعة من الأصحاب : أن يمسح من المقعدة بقوة إلى أصل القضيب ، ثم إلى رأسه ، ثم عصر الحشفة ، كلّ واحد منها ثلاثاً ، مضافاً إلى التنحنح ، وإن لم نقف عليه في خبر.

ويمكن جعل المراد من الموصول في «ما بينهما» في الرواية الأخيرة كناية عن القضيب ، ومرجع ضمير التثنية الأُنثيين. وأرجعه بعضهم إلى المقعدة والأُنثيين ، فيكون ذلك أمراً رابعاً.

ثم إنّ من رأى بللاً بعد الغسل ، فإما أن يعلم أنّه مني أو بول ، فيعمل على مقتضاه من الغسل والوضوء إجماعاً ، ذكره غير واحد من الأصحاب (١).

وإن علم أنّه غيرهما ، فلا يجب شي‌ء منهما إجماعاً أيضاً كما يُفهم من كلام بعضهم ، قاله في شرح الدروس (٢).

وأما إذا اشتبه ففيه صور أربع :

الاولى : أنّه بال واستبرأ قبل الغسل ، فلا شي‌ء عليه بالإجماع ، والصحاح المستفيضة ، وغيرها ، منها ما اشتمل على ذكر البول والاستبراء ، وأنّه لا شي‌ء عليه بعدهما. ومنها ما حكم فيها بسقوط الغسل إن بال ، وعدمه إن لم يبل.

ولنذكر من الجملة صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي‌ء ، قال : «يغتسل ويعيد الصلاة ، إلّا أن يكون بال قبل أن يغتسل ، فإنّه لا يعيد غسله».

__________________

(١) منهم صاحب المدارك ١ : ٣٠٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٨ ، وصاحب مشارق الشموس : ١٧٢.

(٢) مشارق الشموس : ١٧٢.

٢٩٠

قال محمّد : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم يجد بللاً فقد انتقض غسله ، وإن كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللاً فليس ينقض غسله ، ولكن عليه الوضوء ، لأنّ البول لم يدع شيئاً» (١).

الثانية : أنّه لم يبل ولم يستبرئ ، فعليه إعادة الغسل على المشهور المدّعى عليه الإجماع من ابن إدريس (٢) والعلامة (٣) ، للأخبار الكثيرة المعتبرة ، الدالّة على وجوب إعادة الغسل إذا لم يكن بال (٤) كما مرّ.

ولا تقاومها الأخبار الضعيفة الدالّة على سقوط الإعادة وإن لم يبل قبل الغسل (٥) ، وربّما تحمل على ما لو لم يتيسّر له البول واستبرأ مع ذلك ، وهو بعيد.

وظاهر الصدوق في الفقيه الاكتفاء بالوضوء ، فإنّه بعد ما نقل رواية الحلبي المشتملة على وجوب الغسل إذا لم يكن بال قبل الغسل والتوضّؤ إن بال ، قال : وروى في حديث آخر : «إن كان قد رأى بللاً ولم يكن بال ، فليتوضّأ ، ولا يغتسل ، إنّما ذلك من الحبائل» ثم قال : إعادة الغسل أصل ، وهذا الخبر رخصة (٦).

وأنت خبير بأنّه لا يقاوم ما مرّ.

الثالثة : أنّه بال ولم يستبرئ ، ولم نقف على مخالف في عدم وجوب الغسل ووجوب الوضوء ، وادّعى عليه ابن إدريس أيضاً الإجماع (٧). وتدلّ عليه الأخبار المتقدّمة أيضاً.

الرابعة : أنّه استبرأ ولم يبل ؛ والأقوى فيه لزوم إعادة الغسل لما مرّ من الأخبار.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٤٤ ح ٤٠٧ ، الاستبصار ١ : ١١٩ ح ٤٠٢ ، الوسائل ١ : ٥١٨ أبواب الجنابة ب ٣٦ ح ٦ ، ٧.

(٢) السرائر ١ : ١٢٢.

(٣) حكاه في الذكرى : ١٠٣ ، والذخيرة : ٥٨.

(٤) الوسائل ١ : ٥١٧ أبواب الجنابة ب ٣٦.

(٥) الوسائل ١ : ٥١٧ أبواب الجنابة ب ٣٦.

(٦) الفقيه ١ : ٤٧ ذ. ح ١٨٧.

(٧) السرائر ١ : ١٢٢.

٢٩١

وقيل بعدم اللزوم مطلقاً (١) ، وقيل بعدم اللزوم لو لم يتيسّر له البول (٢).

ولا دليل لهذين القولين ، وقد يستدلّ عليهما بتأويل الروايات الضعيفة المتقدّمة ، وهو كما ترى.

ثم إنّ الموجود في كلام الأصحاب تقييد البلل بالمشتبه ، وأما الأخبار فهي متفقة على إطلاق البلل وما في معناه ، مثل لفظ شي‌ء المنكّر.

ويقع الإشكال في موضوع المسألة أنّه هل هو البلل الذي لا يعلم أنّه بول أو مني ، أو غيرهما ، بأن يحتمل كون مجموع ذلك البلل بولاً أو منياً أو غيرهما. أو أعم من ذلك ، فيدخل ما لو علم أنّه مذي مثلاً ، ولكن يشتبه عليه أنّه مختلط بالمني أو البول أم لا ؛ أو يعلم أنّه بول ، ولكن يشتبه عليه أنّه مختلط بالمني أم لا.

فإن خصصناه بالأوّل فلا يجب للثاني شي‌ء.

وعلى هذا فلو لم يرَ شيئاً بعد الغسل ، وبال باختياره بولاً وافياً بعد الغسل ، فيلزم أن لا يكون عليه شي‌ء أصلاً ، لعلمه بأنّه بول.

ويرد عليه : أنّ غاية ما علمه هو أنّ جلّ الخارج بول ، وأما أنّه لم يختلط بشي‌ء من المني في المخرج فأنى له العلم به؟! وكيف يحكم بأنّ الخارج إنّما هو البول لا غير؟! فالصورة المفروضة في كلام الأصحاب ، المدّعى عليها الإجماع إما مجرد فرض قد يحصل بإخبار معصوم عليه‌السلام ، وهو بعيد. أو مرادهم أنّ المعيار هو الخارج بالأصل ، لا بالتبع. وحينئذٍ فيلزمهم في المذي المظنون الاختلاط بالمني أو المتساوي الطرفين عدم وجوب شي‌ء ، وهو بعيد.

مع أنّه يظهر من كلام بعضهم في تأويل بعض الأخبار الدالّة على أنّ الودي يجب

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٠ ، المختصر النافع ١ : ٩.

(٢) جامع المقاصد ١ : ٢٧٣.

٢٩٢

فيه الوضوء : أنّه إذا (١) لم يستبرئ ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان (٢).

وظاهر كلامهم في المشتبه هو ما يعم الاحتمال أيضاً ، لا خصوص الشك فقط ، ولكنه لا يستفاد منه أنّه هل هو في المعنى الأوّل ، أو أعم منه.

وبالجملة فكلام الأصحاب في ذلك غير محرّر ، والأخبار أيضاً غير مفصّلة ، والبلل الوارد فيها وإن كان مطلقاً ، وكذا لفظ شي‌ء ، لكن المتبادر منها البلل المشتبه بنفسه ، لا المحتمل الاختلاط. لكن يستفاد منها أنّ احتمال كونه ناقضاً ناقض ، فإن ثبتت عليته من الأخبار فلا إشكال ، وإلّا فلا بد من الرجوع إلى الأُصول.

والأُصول متعارضة ، والإجماع المدّعى في كلامهم أيضاً غير متعيّن المورد ، واستصحاب شغل الذمة يقتضي الإعادة حتّى في مثل ما لو بال مستقلا بدون سبق بلل أصلاً ، سيّما مع ملاحظة قوله عليه‌السلام : «لأنّ البول لم يدع شيئاً» في آخر الصحيحة (٣).

وبالجملة ، فلوجوب الإعادة في نظري القاصر قوّة (٤) ، مع كونه أحوط ، (ولكن المشهور أقوى) (٥).

ثم إنّ هذا ناقض جديد ، وموجب مستقل ، فلا تجب إعادة ما صلى ، كما هو المعروف من الأصحاب (٦) ، لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء.

وربّما نقل عن بعض الأصحاب بطلان الغسل الأوّل ، وإعادة الصلاة ، لظاهر

__________________

(١) في «م» : إذا أنّه.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠ ح ٤٩ ، الاستبصار ١ : ٩٤ ح ٣٠٢ ، الوسائل ١ : ١٩٨ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ١٤ ، وفيها : والودي فمنه الوضوء لأنّه يخرج من دريرة البول ، والحامل هو الشيخ في الكتابين.

(٣) يعني صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.

(٤) في «م» ونسخة في الحجري : رجحان ، بدل قوّة.

(٥) ما بين القوسين ليس في «م».

(٦) منهم ابن إدريس في السرائر ١ : ١٢٣ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ١٣٥ ، والعلامة في نهاية الأحكام ١ : ١١٤.

٢٩٣

صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة (١) ، وهي مؤوّلة بالصلاة الواقعة بعد البلل.

وأما انزعاج المني عن مقرّه ، فلا يمكن الاعتماد عليه في ثبوت الجنابة ، بل المعتبر هو الخروج. هذا الكلام في الرجل.

وأما المرأة ، فلا قائل فيها بالوجوب ، ويظهر من بعضهم استحبابه لها بالبول (٢) ، ومن بعضهم بالبول أو الاجتهاد (٣) ، ومن بعضهم التوقّف (٤). ولم نقف فيه على نصّ يُركن إليه ، ولكن لا بأس بالقول به للاستظهار.

واختلاف مخرج البول والمني لا يوجب عدم الفائدة في ذلك ، إذ ربّما يُورث البول حصراً في مخرج المني ، فتخرج به البقايا ، كما نشاهده في ارتباط التغوّط بالبول مع اختلاف مخرجهما.

وكذلك يظهر من بعضهم استحباب الاجتهاد لها بعد البول أيضاً (٥) ، ولا بأس بمتابعته.

وذكروا في كيفيته : أن تستبرئ بأصابعها عرضاً (٦) ، ثم إن ظهر بلل ، فإما أن يكون فيه مني رجل أم لا.

على أيّ تقدير ، فإما أن تعلم أنّ الخارج مني نفسها أم لا.

وعلى الثاني فإما أن تعلم أنّه مني الرجل لا غير ، أو يشتبه عليها.

فإن علمت أنّ الخارج مني نفسها ، فيجب عليها الغسل بلا إشكال ، لما مرّ.

كما أنّه لو علمت أنّه مني الرجل لا غير ، فلا يجب عليها الغسل ، للأصل ،

__________________

(١) نقله ابن إدريس في السرائر ١ : ١٢٣ ، والعلامة في المنتهي ٢ : ٢٥٣.

(٢) المقنعة : ٥٤.

(٣) النهاية : ٢١.

(٤) المنتهي ٢ : ٢٥٣.

(٥) نقله عن ابن الجنيد في مشارق الشموس : ١٧٥.

(٦) الروضة البهيّة ١ : ٣٥٤.

٢٩٤

وعدم جواز نقض اليقين بالشك ، ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) ، وفحوى الروايتين الآتيتين.

وأما في صورة الاشتباه ، فالأظهر أيضاً عدم الوجوب ، لهذه الأدلّة ، ولخصوص صحيحة منصور (٢) وموثّقة سليمان بن خالد (٣) الناطقتين بعدم وجوب الغسل ، معللاً بأنّ ما يخرج من المرأة إنّما هو من ماء الرجل ، فلعلّه عليه‌السلام جعل إمكان كونه ماء الرجل كافياً في الحكم بذلك ، مع احتمال ذلك.

وخالف ابن إدريس في ذلك ، مستدلا بقوله عليه‌السلام : «الماء من الماء» (٤) (٥).

وهو مع ضعف دلالته محجوج بالأدلّة المتقدّمة.

ولا يتفاوت الكلام في ذلك بين ما قبل البول والاجتهاد وما بعده ، لأنّ ما دلّ على إعادة الغسل مع عدم البول إنّما ورد في الرجل ، فلا يقاس عليه.

وأما البلل المشتبه بالبول ، فلا حكم فيه أيضاً ، للأصل ، وعدم جواز القياس بحكم الرجل.

الثاني : تستحبّ التسمية تبعاً لفتوى جماعة (٦) ، وللعمومات (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٤٦ ح ٤١٣ ، الوسائل ١ : أبواب الجنابة ب ١٣ ح ٣ ، عن المرأة تغتسل من الجنابة ثم ترى نطفة الرجل بعد ذلك هل عليها غسل؟ فقال : لا.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٨ ح ٤٢١ ، علل الشرائع : ٢٨٧ ح ١ ، الوسائل ١ : ٤٨٢ أبواب الجنابة ب ١٣ ح ٢ ، ١.

(٣) التهذيب ١ : ١٤٨ ح ٤٢١ ، علل الشرائع : ٢٨٧ ح ١ ، الوسائل ١ : ٤٨٢ أبواب الجنابة ب ١٣ ح ٢ ، ١.

(٤) السرائر ١ : ١٢٢.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ١٩٩ ح ٦٠٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ ح ٣٤٣.

(٦) منهم الشيخ المفيد في المقنعة : ٥٣ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٤٦ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٤.

(٧) الوسائل ١ : ٢٩٧ أبواب الوضوء ب ٢٦ ، عمدة القارئ ١ : ٢٥ ، الجامع الصغير ١ : ٩١.

٢٩٥

وغسل الكفّين ، للإجماع ، والأخبار الكثيرة (١).

وتثليثه ، لحسنة الحلبي المتقدّمة في الوضوء وغيرها (٢) ، والأخبار فيه وإن كانت ظاهرة في الترتيبي ، ولكن لا بأس به في غيره ، كما صرّح به العلامة (٣). وقيل باستحباب الغسل إلى المرفقين ، للأخبار المعتبرة (٤) ، فهو أفضل.

والمضمضة والاستنشاق بلا خلاف ظاهر ، لصحيحة زرارة (٥) ، ورواية أبي بصير (٦). والنفي الوارد في بعض الأخبار (٧) محمول على نفي الوجوب.

وإمرار اليد على الجسد بلا خلاف ظاهر ، وذهب إلى وجوبه بعض العامة (٨) ، ويدفعه الأصل والإطلاقات ، وخصوص أخبار قد مرّت الإشارة إلى بعضها.

وتخليل ما يصل إليه الماء ، كالشعر الخفيف ، وما تحت الثدي في المرأة ، وعُكَن بطن السمين ، للاحتياط.

وغسل الشعر ، كما يستفاد من بعض الأخبار (٩).

والدعاء بالمأثور في الأثناء ، وبعد الفراغ.

والغسل بصاع ، بلا خلاف بيننا في عدم الوجوب ، ولا في الاستحباب ،

__________________

(١) الوسائل ١ : ٥٠٢ أبواب الجنابة ب ٢٦ ، وص ٥٢٨ ب ٤٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٢ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٦ ح ٩٦ ، الاستبصار ١ : ٥٠ ح ١٤١ ، الوسائل ١ : ٣٠١ أبواب الوضوء ب ٢٧ ح ١ ، وفيها : سألته كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال : واحدة من حدث البول واثنتان من حدث الغائط وثلاث من الجنابة.

(٣) نهاية الأحكام ١ : ١٠٩.

(٤) نقله عن الجعفي في الذكرى : ١٠٤ ، والأخبار في الوسائل ١ : ٥٠٣ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٦ ، ٨ ، ١٦.

(٥) التهذيب ١ : ٣٧٠ ح ١١٣١ ، وص ١٤٨ ح ٤٢٢ ، الوسائل ١ : ٤٩٩ أبواب الجنابة ب ٢٤ ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ١٣١ ح ٣٦٢ ، الاستبصار ١ : ١١٨ ح ١٩٨ ، الوسائل ١ : ٤٩٩ أبواب الجنابة ب ٢٤ ح ٢.

(٧) انظر الوسائل ١ : ٥٠٠ أبواب الجنابة ب ٢٤ ح ٥ ٧.

(٨) قاله مالك ، انظر المدونة الكبرى ١ : ٢٧ ، والمحلى ٢ : ٣٠.

(٩) روي عن النبيّ (ص) أنّه قال : تحت كلّ شعرة جنابة فبلّوا الشعر ، انظر السنن الكبرى ١ : ١٧٥ ، وفي ص ١٧٩ فاغسلوا الشعر.

٢٩٦

للأخبار الكثيرة (١). وزاد جماعة من الأصحاب «فما زاد» (٢) ولعلّهم أرادوا أنّ المستحبّ أن لا يغتسل بأقلّ منه ، ولا يشترط فيه عدم التجاوز عنه ، إلّا أن يحصل به الإسراف ، وقد تقدّم مقدار الصاع.

والموالاة ، كما ذكره جماعة (٣) ، لأنّه مسارعة بالخير ، وللتأسّي بالمعصومين عليهم‌السلام ، ولحفظه عن طروء الإشكال من جهة حصول الحدث الأصغر في الأثناء ، فتحصل الشبهة والمعركة العظمى كما سيجي‌ء.

وأما الوجوب ، فالظاهر أنّه لا قائل به في شي‌ء من معنييه المتقدّمين في الوضوء ، ويظهر من الشيخ (٤) والعلامة (٥) الإجماع على عدمه ، وتدلّ عليه الإطلاقات ، وخصوص صحيحة هشام بن سالم : في حكاية أُمّ إسماعيل (٦) ، وحسنة إبراهيم بن عمر اليماني (٧) ، وغيرهما.

وتكرار الغسل ثلاثاً في كلّ عضو. واستدلّ عليه بالإسباغ ، وبإشارة أخبار الصاع إليه ، ولم نقف على نصّ في غير الرأس (٨).

نعم يمكن أن يستدلّ عليه بما ورد في غسل الميت بالتقريب المتقدّم في الترتيب.

واكتفى ابن الجنيد بالرأس ، وزاد للمرتمس تثليث الغوصات ، مع تخليل الشعر ،

__________________

(١) الوسائل ١ : ٥١٢ أبواب الجنابة ب ٣٢.

(٢) المنتهي ٢ : ٢١٠.

(٣) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٢٧٤ ، والشهيدين كما في الروضة ١ : ٣٥٥.

(٤) التهذيب ١ : ١٣٥ ذ. ح ٢٧٢.

(٥) المنتهي ٢ : ٢٠٦ ، نهاية الأحكام ١ : ١١١.

(٦) التهذيب ١ : ١٣٤ ح ٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٤ ح ٤٢٢ ، الوسائل ١ : ٥٠٧ أبواب الجنابة ب ٢٨ ح ٤.

(٧) نقله عن كتاب عرض المجالس للصدوق في المدارك ١ : ٢٩٨ ، الوسائل ١ : ٥٠٩ أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ٤ ، وفيه : لا بأس بتبعيض الغسل ، تغسل يدك وفرجك ورأسك ، وتؤخّر غسل جسدك إلى وقت الصلاة.

(٨) الوسائل ١ : ٥٢٣ أبواب الجنابة ب ٤٠ ح ١ ، وفيه : ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع) : يفيض الجنب على رأسه الماء ثلاثاً لا يجزئه أقلّ من ذلك.

٢٩٧

ومسح سائر جسده بيده في كلّ مرّة (١) ، ولم نقف على مستنده.

الثالث : تكره الاستعانة بالمعنى المتقدّم في الوضوء لظاهر الآية (٢) ، على ما فسّرت به في رواية الوشاء وغيرها (٣) ، كما تقدّم.

والمشمّس ، لما مرّ.

وقال المفيد رحمه‌الله : لا ينبغي الارتماس في الماء الراكد ، فإنّه إن كان قليلاً أفسده ، وإن كان كثيراً فقد خالف السنة (٤). ولعلّ نظره في الأوّل إلى أنّه يصير مستعملاً ، والمستعمل في الحدث الأكبر غير مطهر. وقد عرفت أنّه إنّما يتمّ بالنسبة إلى الغير ، لا هذا الغسل.

وأما الثاني ، فلاحتمال شمول المستعمل للكثير أيضاً ، وفي رواية عاميّة : «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ، ولا يغتسل فيه من جنابة» (٥).

الرابع : لو أحدث في أثناء الغسل بالحدث الأصغر فالشيخ (٦) والصدوقان (٧) والعلامة (٨) والشهيد الثاني (٩) على البطلان والإعادة.

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ١٠٥.

(٢) فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ، الكهف : ١١٠.

(٣) انظر الوسائل ١ : ٣٣٥ أبواب الوضوء ب ٤٧.

(٤) المقنعة : ٥٤.

(٥) صحيح البخاري ١ : ٦٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢٣٥ ح ٩٥ ، سنن أبي داود ١ : ٦٦ ح ٧٠ ، سنن النسائي ١ : ٤٩ ، السنن الكبرى ١ : ٢٣٨.

(٦) المبسوط ١ : ٣٠ ، النهاية : ٢٢.

(٧) الفقيه ١ : ٤٩.

(٨) القواعد ١ : ٢١٠ ، المنتهي ٢ : ٢٥٤ ، نهاية الأحكام ١ : ١١٤ ، المختلف ١ : ٣٣٨ ، تحرير الأحكام ١ : ١٣.

(٩) روض الجنان : ٥٧ ، الروضة البهيّة ١ : ٣٥٧ ، المسالك ١ : ٥٥.

٢٩٨

والسيد (١) والمحقّق (٢) وبعض المتأخرين (٣) على الصحّة ووجوب الوضوء.

وابن البراج (٤) وابن إدريس (٥) والشيخ علي (٦) على الصحّة بلا وضوء.

حجّة الأوّلين : ما رواه الصدوق في كتاب عرض المجالس على ما نقله في المدارك (٧) ، وهو صريح في المطلوب ، وأنّ الأدلّة والإجماع تقتضي أنّ الأحداث المعدودة أسباب لوجوب الطهارة ، فالأصل فيها أن يكون كلّ منها سبباً تامّاً ، إلّا أن يدلّ الدليل على خلافه ، كما في صورة التداخل وغيره ، فلا بد للحدث المذكور من رافع ، وليس هو الوضوء ، لعدم مجامعته لغسل الجنابة بالإجماع ، ولا بعض أجزاء الغسل ، لأنّ أجزاء الغسل كلّ واحد منها مؤثر ناقص في رفع الحدث الأكبر والأصغر معاً على تقدير وجود الأصغر قبل الغسل لا غير ، فتعيّن أن يكون هو الغسل بتمامه.

ونوقش في الرواية بجهالة السند ، وفي الاستدلال بأنّ الإجماع على كون هذا الحدث سبباً ممنوع ، كيف وأصحاب القول الثالث لا يوجبون به شيئاً ، والقائلون بالقول الأوّل لا يوجبون به إلّا نقض ما تقدّم من الغسل.

وأما الأدلّة المقتضية لوجوب الوضوء من إطلاقات الأخبار ، فلا يرضى المستدلّ بأعمالها ، ولا دليل آخر يعتمد عليه.

مع أنا نقول بكونه مؤثراً في الجملة ، فلِمَ لا يكون ذلك هو إيجاب الوضوء ، فإنّ

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ١ : ١٩٦.

(٢) المعتبر ١ : ١٩٦.

(٣) كالمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٤٠ قال : مذهب السيّد سيّد المذاهب ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٨٤.

(٤) جواهر الفقه : ١٢.

(٥) السرائر ١ : ١١٩.

(٦) جامع المقاصد ١ : ٢٧٦.

(٧) المدارك ١ : ٣٠٨ ، وعنه في الوسائل ١ : ٥٠٩ أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ٤.

٢٩٩

الإجماع المدّعى في عدم اجتماعه مع غسل الجنابة في موضع النزاع ممنوع كما يظهر من مقالة السيد وأتباعه. والأخبار الدالّة على عدم جواز الوضوء مع غسل الجنابة أيضاً لا يتبادر منها إلّا بالنسبة إلى الوضوء للحدث الحاصل قبل الغسل كما مرّت الإشارة إليه ، مع معارضتها بالأخبار الدالّة على وجوب الوضوء حين حدوث الأحداث.

سلّمنا أنّ الوضوء غير رافع له ، لِمَ لا تكون تتمّة الغسل رافعةً له ، وانحصار أمر أجزاء الغسل في كونها علّة ناقصة لرفع الحدثين معاً أو الحدث الأكبر فقط ممنوع.

وما يتشبث به من أنّ اليقين برفع الحدث لا يحصل إلّا بذلك فهو ممنوع ، لاحتمال أن يكون رافع هذا الحدث إنّما هو البعض ، مع احتمال حرمة إبطال العمل.

وحجّة القول الثاني : أنّ الحدث الأصغر ليس موجباً للغسل ولا لبعضه ، فيسقط وجوب الإعادة ، وأنّ الحدث المتخلّل لا بدّ له من رافع ، وهو إما الغسل بتمامه ، أو الوضوء ، والأوّل منتفٍ لانعدام بعضه ، فتعيّن الوضوء. لأنّه يلزم على من يكتفي بالإتمام ولا يوجب الوضوء ، أنّه لو بقي من الغسل بقدر الدرهم وتغوّط ؛ أن يكتفي عن وضوئه بغسل موضع الدرهم.

وأُجيب عن ذلك (١) : بأنّ عدم إيجابه للوضوء والغسل لا يستلزم عدم انتقاض ما تقدّم بسببه ، فوجوب إعادة الغسل إنّما هو للجنابة السابقة ، لا لذلك الحدث.

وعن لزوم الوضوء بسبب الحدث بمثل ما تقدّم.

وعن الكلام الأخير : بأنّه مجرّد استبعاد ، مع أنّ النائب عن الوضوء هو الغسل الذي يتمّ بغسل موضع الدرهم ، لا نفس غسل هذا الموضع.

وحجّة القول الأخير : إطلاقات الغسل ، والأمر يقتضي الإجزاء ، ونقض الحدث للبعض المتقدّم لا دليل عليه.

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٢٥٥.

٣٠٠