غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

منها بالخصوص روايات أُخر في الكتب المشهورة (١).

بل في غير الفرادى أيضاً ، كالرابع والعشرين بالخصوص (٢).

ويتأكّد في أوّل ليلة وليلة النصف منه ، وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاثة وعشرين ، بل فيها غسلان ؛ في طرفيها.

وفي حسنة زرارة وفضيل : أنّ الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله (٣) ، ثم يصلي ، ثم يفطر (٤).

وروى في الإقبال الغسل في جميع ليالي العشر الأخر (٥).

ومنها : غسل القاضي صلاة الكسوفين إذا تركها متعمداً مع الاستيعاب على الأشهر ، لصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : «الغسل في سبعة عشر موطناً إلى أن قال وغسل الكسوف ، إذا احترق القرص كلّه فاغتسل» (٦).

وكذلك صحيحة حمّاد ، عن حريز ، عمّن أخبره ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصلّ ، فليغتسل من غد ، وليقض الصلاة ، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر ، فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل» (٧).

وربّما يقال باتّحادها مع صحيحة محمّد بن مسلم وما رواه الصدوق مرسلاً عن

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٩٥٢ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٤.

(٢) انظر الوسائل ٢ : ٩٣٨ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٥.

(٣) في «م» : قبله.

(٤) الكافي ٤ : ١٥٣ ح ١ ، الفقيه ٢ : ١٠٠ ح ٤٤٨ ، الوسائل ٢ : ٩٥٢ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٣ ح ٢.

(٥) الإقبال : ١٩٥ ، ٢٣٧ ، الوسائل ٢ : ٩٥٣ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٤ ح ١٠ ، ١٤.

(٦) التهذيب ١ : ١١٤ ح ٣٠٢ ، الوسائل ٢ : ٩٣٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١١.

(٧) التهذيب ١ : ١١٧ ح ٣٠٩ ، الاستبصار ١ : ٤٥٣ ح ١٧٥٨ ، الوسائل ٢ : ٩٦٠ أبواب الأغسال المسنونة ب ٢٥ ح ١.

٢٦١

الباقر عليه‌السلام (١).

وسياق هذه الروايات ينافي حمل الأمر وما في معناه على الوجوب ، سيّما مع فهم الأكثر خلافه ، وجعل الصدوق من دين الإماميّة الإقرار بعدم وجوبه (٢).

وذهب طائفة من المتأخّرين إلى استحباب الغسل للأداء أيضاً (٣) ، لظاهر صحيحة محمّد بن مسلم ، وربّما مال بعضهم إلى الوجوب (٤).

وقد عرفت ضعف الدلالة على الوجوب ، وأما الأداء ففيه : أنّ ذلك مسامحة باعتبار المعهوديّة ، وفهم الأصحاب قرينة على إرادة القضاء ، مع أنّ الظاهر أنّه سقط منها شي‌ء ، بدليل أنّ الصدوق رواها بسند حسن كالصحيح في الخصال بأدنى تغيير ، وفيها : «إذا احترق القرص كلّه فاستيقظت ولم تصلّ فاغتسل واقض الصلاة» (٥) ورواه في الفقيه والهداية أيضاً موافقاً للخصال (٦). ولذلك لم يتعرّض القدماء لغسل الأداء.

مع أنّه يستلزم تأخير الواجب ليحصل العلم باستحباب الغسل إذا اطّلع في أوّل الاحتراق. وربّما يفوت الواجب لو قلنا بفواته بالشروع في الانجلاء أو تقديم المستحبّ مع عدم العلم بالتمكن من الواجب لو اطّلع بعد الاحتراق.

وحمل الرواية على صورة حصل العلم له بالتمهّر في النجوم ونحوه بالتمكن فرض نادر.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٤ ح ١٧٢ ، الوسائل ٢ : ٩٣٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٤.

(٢) أمالي الصدوق : ٦٤٧.

(٣) كصاحب المدارك ٢ : ١٧٠.

(٤) يظهر الميل من صاحب المدارك كما في بعض نسخ المدارك المشار إليها في ج ٢ : ١٧١ ، وكذا صاحب الذخيرة : ٨.

(٥) الخصال ٢ : ٥٠٨ ، الوسائل ٢ : ٩٣٨ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٥.

(٦) الفقيه ١ : ٤٤ ح ١٧٢ ، الهداية (الجوامع الفقهية) : ٤٩.

٢٦٢

ويظهر مما نقل عن المفيد والسيد الغسل لقضاء مطلق الكسوف (١) ، وهو خلاف مقتضى الأخبار ، فإنّها لا تقتضي إلا صورة احتراق الجميع.

ويظهر من ابن إدريس دعوى الإجماع على خلافه ، ولعلّه حمل إطلاق كلامهما على احتراق الجميع (٢).

وأيضاً يظهر من الصدوق في الأمالي القول باستحباب الغسل في صورة احتراق القرص كلّه ، وإن لم يعلم به الرجل (٣). ودليله أيضاً غير ظاهر ، ولا بأس بمتابعته.

ومنها : غسل الإحرام على المشهور ، ويظهر من الشيخ في التهذيب الإجماع على الاستحباب (٤) ، وكذلك من المفيد في المقنعة عدم الاختلاف في أنّه سنّة مؤكّدة (٥) ، وفي الأمالي أنّه من دين الإماميّة (٦).

وقيل بالوجوب (٧) ، ويظهر من السيد رحمه‌الله أنّ القائل به كثير (٨).

وكيف كان ، فالأقوى الاستحباب ، للأصل ، ولظاهر الإجماعات المنقولة ، وذكره في الأخبار في عداد المستحبّات وإن حكم فيها بوجوبه ، لاشتراكه بينه وبين سائر الأغسال المستحبّة ، وكذلك ما في معنى الوجوب ، والأحوط أن لا يترك.

ومنها : الغسل للطواف والحلق والذبح ورمي الجمار ، كما سيجي‌ء في محلّه.

ومنها : غسل التوبة عن فسق أو كفر.

__________________

(١) نقله عن المفيد في المقنعة والسيد في المصباح في المعتبر ١ : ٣٥٨ ، وانظر المقنعة : ٥١.

(٢) السرائر ١ : ١٢٤.

(٣) أمالي الصدوق : ٦٤٧.

(٤) التهذيب ١ : ١١٣.

(٥) المقنعة : ٥٠.

(٦) أمالي الصدوق : ٦٤٧.

(٧) نقله عن ابن أبي عقيل في المختلف ١ : ٣١٥.

(٨) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨٨ ، فإنّه قال : الصحيح عندي أنّ غسل الإحرام سنّة لكنها مؤكدة غاية التأكيد ، ولهذا اشتبه الأمر فيها على أكثر أصحابنا واعتقد أنّ غسل الإحرام واجب.

٢٦٣

والمراد بالفسق : هو ارتكاب الكبيرة ، وإن كان بالإصرار على الصغيرة ، ولذلك قال في المقنعة : وغسل التوبة من الكبائر (١) ، والرواية أيضاً لا تفيد إلّا ذلك.

وبالجملة الفسق مقابل العدالة ، ولا يصدق بمجرّد فعل الصغيرة ، كما سيجي‌ء ، فلا يحسن حمل كلام الفقهاء على خلاف الظاهر. هذا إن لم نقل بأنّ ترك الكبائر مكفّر للصغائر ، وإلّا فالأمر أظهر.

والرواية التي استدلّوا بها : ما رواه الكليني في الموثّق ، عن الصادق عليه‌السلام : في حكاية دخول رجل على الصادق عليه‌السلام وسؤاله عن استمراره على استماع غناء الجواري المغنّيات التي كانت لجيرانه وصوت عودهن في الكنيف (٢). ولو لم نقل بكون سماع الغناء من الكبائر فيكفي كونه مصرّاً عليه ، وإلّا فقول الزور ولهو الحديث مفسّر بالغناء (٣) ، فيكون من الكبائر. وفي بعض الأخبار : «إن تعليم المغنّيات كفر واستماعهن نفاق» (٤).

وأما الغسل للتوبة عن الكفر ، فيظهر الإجماع عليه من الفاضلين (٥) ، ونقل في البحار عن كتاب سلام بن أبي عمرة ، عن الباقر عليه‌السلام ما يدلّ عليه (٦).

وحمل الروايتين على الاستحباب مع كونهما ظاهرتين في الوجوب للأصل ، والإجماع.

__________________

(١) المقنعة : ٥١.

(٢) التهذيب ١ : ١١٦ ح ٣٠٤ ، الوسائل ٢ : ٩٥٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٨ ح ١. وفيه : قم فاغتسل وصلّ ما بدا لك واستغفر الله واسأله التوبة.

(٣) انظر الوسائل ١٢ : ٢٢٥ أبواب ما يكتسب به ب ٩٩.

(٤) الوسائل ١٢ : ٨٧ أبواب ما يكتسب به ب ١٦ ح ٥ ٧.

(٥) المعتبر ١ : ٣٥٩ ، المنتهي ٢ : ٤٧٤.

(٦) بحار الأنوار ٧٨ : ١٤ أبواب الأغسال ب ١ ح ١٧ ، وفيه : معروف بن خربوذ المكّي عن أبي جعفر (ع) قال : دخلت عليه فذكرت باب القدر ، فقال : لا أراك إلّا هناك ، قال قلت : جعلت فداك إنّي أتوب منه ، فقال : لا والله حتّى تخرج إلى بيتك وتغتسل وتتوب منه إلى الله كما يتوب النصراني من نصرانيته ، قال : ففعلت.

٢٦٤

ومنها : غسل زيارة النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام ، للروايات الكثيرة في خصوص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وأمير المؤمنين (٢) ، والحسين (٣) ، وعليّ بن موسى الرضا عليهم‌السلام (٤). وفي كامل الزيارة للكاظمين والعسكريين عليهم‌السلام (٥) ، وما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة يشملهم جميعاً (٦). مع أنّ في فلاح السائل عن مدينة العلم روى عن الصادق عليه‌السلام غسل الزيارة مطلقاً (٧).

ومنها : غسل دخول مكة ، والكعبة ، والحرم ، والمسجد الحرام ، والمدينة ، ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّها مستفادة من الأخبار (٨).

ومنها : الغسل للسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة أيّام عمداً مع حصول الرؤية ، لما رواه الصدوق مرسلاً : «إن من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة» (٩).

وقيل بالوجوب (١٠) ، وضعف المستند يمنعه.

وتقييدهم بما بعد ثلاثة أيّام لم نقف على مستنده.

وعن الأكثر تعميم المصلوب لما كان بحقّ أو باطل ، وعلى النهج الشرعي من ربطه بالشجرة مستقبل القبلة أو غيره ، وهو مقتضى الإطلاق.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٦٦ أبواب المزار ب ٦ ح ١ وص ٢٨٠ ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٠٣ أبواب المزار ب ٢٩.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٧٧ أبواب المزار ب ٥٩.

(٤) الوسائل ١٠ : ٤٤٦ أبواب المزار ب ٨٨.

(٥) كامل الزيارات : ٣٠١ ، ٣١٣ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٣٦٤ أبواب المزار ب ٧٠ ح ٣.

(٦) الفقيه ٢ : ٣٧٠ ح ١٦٢٥ ، عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام) ٢ : ٢٧٢ ، التهذيب ٦ : ٩٥ ح ١٧٧.

(٧) نقله عنه في البحار ٨١ : ٢٣ ح ٣٠ ، ومستدرك الوسائل ٢ : ٥٢٠ أبواب الأغسال المسنونة ب ٢١ ح ١.

(٨) انظر الوسائل ٢ : ٩٣٦ أبواب الأغسال المسنونة ب ١.

(٩) الفقيه ١ : ٤٥ ح ١٧٥ ، الوسائل ٢ : ٩٥٨ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٩ ح ٣.

(١٠) القول بالوجوب لأبي الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٥ ، ويظهر من الصدوق في الفقيه ١ : ٤٥ ح ١٧٥.

٢٦٥

ومنها : غسل قتل الوزغة على المشهور ، لما رواه في الفقيه (١) والكافي ، ففي الكافي عن الصادق عليه‌السلام قال : «هو رجس ، وهو مسخ كلّه ، فإذا قتلته فاغتسل» (٢).

ومنها : غسل المولود حين يولد ، وقيل بوجوبه (٣) ، لما في رواية سماعة : «أنّه واجب» (٤) وفيه : أنّه محمول على الاستحباب كنظائره في تلك الرواية ، وغيرها.

ومنها : الغسل لصلاة الحاجة والاستخارة والاستسقاء ، للروايات (٥). والوجوب في بعضها محمول على الاستحباب للإجماع.

ومنها : الغسل لمسّ الميت بعد غسله ، لصحيحة محمّد بن مسلم (٦).

وقد ذكروا مواضع أُخر لم نعرف مستند أكثرها ، فعن ابن الجنيد : لكلّ مشهد أو مكان شريف ، أو يوم وليلة شريفة ، وعند ظهور الآثار في السماء ، وعند كلّ فعل يتقرّب به إلى الله ويلجأ فيه إليه (٧).

وعن الشيخ في التهذيب : لمن مات جنباً ، مقدّماً على غسل الميت ، لخبر العيص (٨).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٤ ح ١٧٤ ، وفيه : روي أنّ من قتل وزغاً فعليه الغسل ، وقال بعض مشايخنا : إنّ العلّة في ذلك أنّه يخرج من ذنوبه فيغتسل منها.

(٢) الكافي ٨ : ٢٣٢ ح ٣٠٥ ، الوسائل ٢ : ٩٥٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٩ ح ١.

(٣) الوسيلة : ٥٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٤٥ ح ١٧٦ ، التهذيب ١ : ١٠٤ ح ٢٧٠ ، الوسائل ٢ : ٩٣٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣.

(٥) الوسائل ٢ : ٩٥٨ أبواب الأغسال المسنونة ب ٢٠ ، ٢١. وص ٩٣٧ ب ١.

(٦) التهذيب ١ : ١١٤ ح ٣٠٢ ، الوسائل ٢ : ٩٣٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١١. وفيه : وإذا غسلت ميّتاً أو كفّنته أو مسسته بعد ما يبرد.

(٧) نقله عنه في النفليّة : ٨.

(٨) التهذيب ١ : ٤٣٣ ح ١٣٨٦ ١٣٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٩٥ ح ٦٨٤ ، الوسائل ٢ : ٧٢٢ أبواب غسل الميّت ب ٣١ ح ٦ ٨.

٢٦٦

وعن ابن زهرة : لصلاة الشكر (١) ، وعن المفيد في الإشراف : لمن أُهريق عليه ماء مظنون النجاسة (٢).

وفي فلاح السائل : لأخذ التربة من ضريح الحسين عليه‌السلام في بعض الروايات (٣) ، وقال فيه : ورأيت في بعض الأحاديث من غير كتاب مدينة العلم : «إنّ مولانا عليّاً عليه‌السلام كان يغتسل في الليالي الباردة طلباً للنشاط في صلاة الليل» (٤).

تنبيهان :

الأول : يؤتى كلّ ما يستحبّ للزمان ؛ فيه. وما للمكان ؛ قبل دخوله. وما للفعل قبله ، إلّا التوبة ، ورؤية المصلوب ، وقتل الوزغ.

والظاهر من أبي الصلاح أنّ غسل الكسوف أيضاً لكفارة معصية (٥) ، وإن جعل للقضاء فيكون قبله.

ودلالة ما ورد في التوبة وإن كانت خفيّة ، إلّا أنّ الأصحاب أفتوا بذلك ، بحيث لا نعرف فيهم مخالفاً ، ولعله لكون التوبة فوريّة ، والرواية أيضاً لا تنافيه كما لا يخفى على المتأمّل.

والثاني : الأقرب إعادة غسل الفعل بتخلّل الحدث ، وما للوقت كفاه وإن أحدث وصرّح بذلك العلامة (٦) والشهيد (٧).

__________________

(١) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٥.

(٢) مصنفات الشيخ المفيد ٩ : ١٨.

(٣) فلاح السائل : ٦٢.

(٤) نقله عنه في المستدرك ٢ : ٥٢١ أبواب الأغسال المسنونة ب ٢٣ ح ٢. ولم نجده في فلاح السائل المطبوع.

(٥) الكافي في الفقه : ١٥٦.

(٦) منتهى المطلب ٢ : ٤٨٠.

(٧) الذكرى : ٢٤.

٢٦٧

ولا بد من تقييده بما كان قبل الفعل مما كان للفعل. وما ذكرنا مقتضى إطلاق الأدلّة ، وخصوص الأخبار في بعضها ، كالطواف ، ودخول مكة ، والإحرام ، وغيرها.

الثاني : إذا اجتمع على المكلف أغسال ، فإما أن تكون واجبة ، أو مستحبّة ، أو مختلفة وعلى أي تقدير ، فهل يكفي غسل واحد مطلقاً ، أو بنيّة الجميع ، أو تكفي نيّة (١) البعض مطلقاً ، أو في خصوص البعض؟ وجوه وأقوال ، وسنفصّلها.

والذي يقتضيه الأصل هو عدم التداخل ، كما هو ظاهر كثير من الأصحاب ، فإنّ الظاهر من الأمر : هو وجوب الامتثال ، وهو لا يتم إلّا بالقصد ، لأنّ الموافقة الاتفاقيّة لا تعد امتثالاً ، وامتثال أحد الأمرين المتماثلين لا يسمّى امتثالاً للاخر ، كما يشهد به العرف والعادة ، والأصل عدم الخروج عن عهدة التكليف إلّا بإتيانها على حِدة.

ولا ريب أنّ الماهيّات كما تتمايز بالأجزاء الخارجيّة أو الذهنيّة الموجبة لمغايرتها للأُخرى ، كذلك تتمايز بالقصد والنيّة فيما لا تختلف أجزاؤها ، كركعتي الفجر ونافلتها وفائتتها.

ولا ريب أنّ المميز هو النيّة.

فالإتيان بأحد المتماثلين لا يجزئ عن الأخر بحكم العرف والعقل والشرع. وكفاك قوله عليه‌السلام : «إنّما الأعمال بالنيات» (٢) وما في معناه ، وكلّ ما يدلّ على التداخل في الأخبار كما سيأتي أيضاً يدلّ على المغايرة كما بينا ، وكذلك مثل ما ورد في الأخبار : «من أنّ غسل الجنابة واجب وغسل الحيض واجب وغسل المسّ واجب» ونحو ذلك ، سيّما بعد التأمّل في مواردها ، والفرق في مشروطها ، واختلافها في رفع الأحداث ، وضعفها وقوّتها ، كما يظهر من الأخبار ، فهو

__________________

(١) في «م» : بنيّة.

(٢) أمالي الطوسي : ٦٢٩ ، التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ ، الوسائل ١ : ٣٤ أبواب مقدّمة العبادات ب ٥ ح ١٠.

٢٦٨

إسقاط ، لا امتثال لكلّ واحد.

فما قيل : «من أنّ الظاهر أنّ الأمر بشي‌ء من جهة أسباب مختلفة يقتضي جواز الاكتفاء بواحد ، لأنّ المطلوب هو المسمّى ، فيصدق الامتثال بذلك» (١) فهو بمعزل عن التحقيق.

نعم إن ثبت دليل من الشرع على سقوط التكليف بالمتعدد بفعل واحد فهو المتّبع ، والامتثال حينئذٍ إنّما هو لهذا الدليل ، لا للأوامر المتعددة بتعدد الأسباب.

وذلك لأنّ علل الشرع من قبيل المعرفات ، بمعنى أنّها علّة حصول العلم بالشي‌ء لا وجوده ، فلا يستحيل اجتماعها على معلول واحد ، وإن كان ذلك يخالف فهم العرف واللفظ.

ثم إن كانت الأغسال واجبة ، فإن كان فيها الجنابة ، فإن قصد الجميع ، فيكفي غسل واحد. وظاهرهم الاتفاق على ذلك ، وحسنة زرارة بل صحيحته ناطقة به ، قال : «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة ، فإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد» قال ثم قال : «وكذلك المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجُمعتها وغسلها من حيضها وعيدها» (٢).

ورواية جميل ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليه‌السلام ، أنّه قال : «إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل من كلّ غسل يلزمه في ذلك اليوم» (٣).

وصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : ميّت مات وهو جنب ، كيف يغسّل ، وما يجزئه من الماء؟ قال : «يغسّل غسلاً واحداً ، يجزئ ذلك للجنابة ولغسل الميت ،

__________________

(١) الذكرى : ٢٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤١ ح ١ ، الوسائل ١ : ٥٢٥ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٤١ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٥٢٦ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٢.

٢٦٩

لأنّهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة» (١).

والأخبار الكثيرة الواردة في إجزاء غسل واحد لجنابة المرأة وحيضها (٢).

وظاهرهم سقوط الوضوء ، فإن كان إجماعاً فهو ، وإلّا ففيه الإشكال.

وإن نوى البعض ، فإن كان هو الجنابة ، فالمشهور أيضاً الإجزاء ، وادّعى عليه ابن إدريس الإجماع (٣) ، وتدلّ عليه الأخبار المتقدّمة ، وإن كان يمكن المناقشة في صحيحة زرارة ، فإنّها في قصد الجميع أظهر ، وتكفي رواية جميل وغيرها.

وما قيل : إنّ النسبة بينها وبين ما دلّ على وجوب الغسل على الحائض مثلاً عموم من وجه ، فإنّ مقتضى المذكورات كفاية غسل واحد سواء اغتسلت للحيض أم لا ، ومقتضى ذلك وجوب الغسل على الحائض سواء كانت معه جنابة أم لا ، وهذه أقوى لأوضحيتها (٤).

ففيه : أنّ ما دلّ على وجوب غسل الحيض أعم مطلقاً ، لأنّ مقتضاها بناءً على ما حقّقناه «من اقتضاء الأمر قصد خصوص الامتثال له ، وعدم كفاية مطلق المماثل» منضمّاً إلى إطلاقها : وجوب الغسل للحيض منفرداً في جميع الأوقات ، والغسل بقصد الغير أو بتشريكه مباين له ، فكفاية المباين عنه في بعض الأوقات كما هو مقتضى هذه الأخبار تقيّدها وتخصصها. هذا كلّه إذا لم يقصد عدم رفع غير الجنابة.

وأما لو قصد عدم رفعه ففيه إشكال ، وأدرجه بعضهم في عموم الأخبار وفيه إشكال ، اللهم إلّا أن يقصد بذلك تعدد الغسل بناءً على كون التداخل رخصة

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٥٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٣٢ ح ١٣٨٤ ، الاستبصار ١ : ١٩٤ ح ٦٨٠ ، الوسائل ٢ : ٧٢١ أبواب غسل الميت ب ٣١ ح ١.

(٢) انظر الوسائل ١ : ٥٢٧ أبواب الجنابة ب ٤٣.

(٣) السرائر ١ : ١٢٣.

(٤) مشارق الشموس : ٦٣.

٢٧٠

لا عزيمة كما سنحقّقه بدا له الترك أو لم يتيسّر له ، فلا يبعد حينئذٍ الإجزاء به ، مع إشكال فيه أيضاً.

والكلام في الوضوء هنا مثل السابق ، إلّا أنّ الإجزاء هنا أظهر ، لكونه غسل جنابة.

وإن كان المنوي غير الجنابة ، فقد نفى الفاضلان وغيرهما البحث والإشكال في الإجزاء على قول السيد ، واستشكلوا على المشهور في إجزاء الغسل فقط ، ثم استشكلوا بعد الوضوء أيضاً (١).

وظنّي أنّ الفرق بين المذهبين مما لم يدلّ عليه دليل ، ولعلّهم نظروا إلى مغايرة الأغسال حينئذٍ من جهة توهّم كون الوضوء من متممات الغسل في غير الجنابة ، وقد حقّقنا سابقاً خلافه ، فلا منافاة بين إجزاء غسل الحيض عن الجنابة مع وجوب الوضوء ، فإنّ غاية ما ثبت سقوط الوضوء عن الأحداث الموجبة له إذا اغتسل غسل الجنابة ، وأما سقوطه إذا اغتسل ما يسقط غسل الجنابة فلا برهان عليه. فظهر من ذلك أنّ الأظهر عدم سقوط الوضوء.

وبالجملة فكلماتهم في المسألة مضطربة غير منقّحة.

وذهب جماعة من المتأخّرين إلى الإجزاء ، لصدق الامتثال (٢).

وأدلّتهم المذكورة من الطرفين متهافتة ، فمما يمكن أن يُعتمد عليه من جانب العدم : أصالة عدم التداخل ، ومن جانب الثبوت الأخبار. ودلالة الأخبار غير واضحة ، إذ ظاهر أكثرها قصد الجميع ، وظاهر بعضها كفاية قصد

__________________

(١) انظر المعتبر ١ : ٣٦١ ، والمنتهي ٢ : ٢٤٤ ، ونهاية الأحكام ١ : ١١٢. وقول السيد : هو عدم لزوم الوضوء مع الغسل مطلقاً. انظر جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٢٤ ، والمعتبر ١ : ١٩٦ ، والمختلف ١ : ٣٤٠.

(٢) كالشهيد الأوّل في الذكرى : ٢٥ ، والمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ١٣١ ، وصاحب المدارك ١ : ١٩٤.

٢٧١

الجنابة فقط.

مع أنّ ظاهر موثّقة سماعة عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، قالا في الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة ، قالا : «غسل الجنابة عليها واجب» (١) لزوم قصد الجنابة إن لم نقل بإفادتها وجوب الانفراد.

ويظهر من ابن إدريس أيضاً أنّ عدم الإجزاء أيضاً إجماعيّ (٢).

فلم يثبت ما يعتمد عليه في الخروج من الأصل ، فالأحوط بل الأظهر عدم الإجزاء. فلا بد إما من قصد الجميع أو الجنابة.

واعلم أنّ ظاهرهم الإجزاء عن الحدث المنوي ، وإنّما الإشكال في غيره. وهو كذلك ، لعدم المنافاة ، فعدم الدخول في المشروط إنّما هو لبقاء الجنابة ، لا لعدم رفع الحدث المنوي ، وهو مقتضى كون التداخل رخصة لا عزيمة كما سيجي‌ء ، ومقتضى كون مقتضى الأمر الإجزاء وغيره.

وإن لم يكن في جملتها غسل الجنابة ، فقال في شرح الدروس : الظاهر من كلام القوم إطباقهم على جواز التداخل ، سواء نوى الجميع أو البعض ، أو اكتفى برفع الحدث ، أو الاستباحة (٣).

وهذه الدعوى مشكلة ، فإنّ الشهيد في البيان قطع بعدم تداخل غسل المستحاضة المستمرّة (٤) ، وفي الذكرى جعله أحوط لبقاء الحدث (٥).

ولعلّه نظر إلى أنّ إجزاء التداخل إنّما هو من جهة رفع الحدث الذي هو مشترك

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٥ ح ١٢٢٨ ، الاستبصار ١ : ١٤٧ ح ٥٠٥ ، الوسائل ١ : ٥٢٧ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٨. وسماعة واقفيّ.

(٢) السرائر ١ : ١٢٣.

(٣) مشارق الشموس : ٦٥.

(٤) البيان : ٤٠ ، قال : نعم غسل المستحاضة المتحيرة لا يدخل مع غسل الحيض. ولعل «المتحيرة» تصحيف المستمرّة.

(٥) الذكرى : ٢٥.

٢٧٢

بينها ، وهو غير متحقّق في المستحاضة المستمرّة. وأنت خبير بأنّ الرفع المحدود أو الاستباحة حاصلة ، فيكفي في ذلك على ما ذكر.

والتحقيق : أنّه إن قصد الجميع فيكفي مطلقاً ، لقوله عليه‌السلام : «إذا اجتمعت لله عليك حقوق» (١) الظاهر في قصد الجميع ، وإلّا فلا ، لأصالة عدم التداخل.

وإن كانت الأغسال مستحبّة ، فالعلامة في المنتهي وجماعة من المتأخّرين على الاكتفاء بغسل واحد (٢) ، وفي القواعد والتحرير والإرشاد على العدم (٣) ، وتبعه الشيخ علي (٤) ، وهو ظاهر الدروس (٥).

وفصّل في المعتبر بالإجزاء إن نوى الجميع ، وبالاختصاص بالمنوي لو نوى البعض (٦). وتبعه الشهيدان في ظاهر الذكرى وصريح روض الجنان (٧).

وهو الأقرب ، لعموم قوله عليه‌السلام : «إذا اجتمعت» الظاهر في قصد الجميع ولأصالة عدم التداخل في غيره.

ويكفي القصد الإجمالي وإن لم يلتفت إليها تفصيلاً ولم يتفطّن لها أصلاً ، ولكن لا بدّ أن يكون من حاله أنّه لو تفطّن لقصد.

وتظهر أدلّة القولين الآخرين وجوابهما مما سبق.

ويظهر منهم أيضاً نفي الإشكال على قول المرتضى ، وفيه ما مرّ ، مع أنّ بعضهم صرّح بأنّ المراد من المندوبات التنظيف (٨) ، فينوب ذلك عن رفع الحدث في

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ٥٢٥ أبواب الجنابة ب ٤٣.

(٢) المنتهي ٢ : ٤٨٠. وكصاحبي المدارك ١ : ١٩٦ ، والذخيرة : ٩ ، والكفاية : ٧ ، من المتأخرين.

(٣) القواعد ١ : ١٧٩ ، التحرير ١ : ١١ ، الإرشاد ١ : ٢٢١.

(٤) جامع المقاصد ١ : ٧٦.

(٥) الدروس ١ : ٨٨.

(٦) المعتبر ١ : ٣٦٢.

(٧) الذكرى : ٢٥ ، روض الجنان : ١٩.

(٨) الخلاف ١ : ٢٢٢ ، إلّا أنّ كلامه في خصوص غسل الجمعة.

٢٧٣

الواجبات ، فيلزمهم الاكتفاء على المشهور أيضاً.

وإن اختلفت الأغسال ، فقيل بعدم التداخل مطلقاً (١) ، وقيل به مطلقاً (٢) ، وقيل إن نوى الجميع أو الواجب فيكفي وإلّا فلا (٣). نقله الشهيد الثاني عن جماعة ، وقال : لا يخلو من إشكال ، لتضادّ الوجه واعتبار نيّة السبب. وقيل بكفاية قصد الجميع دون غيره (٤) ، وهو أقوى لما مرّ مراراً.

وأما حكاية تضاد الوجه فلا يضرّ على ما حقّقناه في الأُصول من جواز اجتماع حكمين متضادين مع تعدد الجهة والحيثيّة ، ورواية زرارة وغيرها من أعظم الشواهد على صحّة ما حقّقناه.

وقد اضطرب كلامهم في توجيه المقام ، ولم يأتوا بشي‌ء يرجع إلى محصّل ، وقد فصّلناه في كتابنا الكبير.

ولا تبعد كفاية قصد الجنابة لو كان فيها أيضاً ، لمرسلة جميل (٥) ، وإن أمكن المناقشة في أنّ اللزوم فيها ظاهر في الوجوب.

وأما لو نوى الجمعة فقط مثلاً ، أو الواجب فقط ، فالظاهر أنّهما مجزئتان عن أنفسهما ، لحصول الامتثال. وأما لو اغتسل ولم ينوِ شيئاً فلا يجزئه عن شي‌ء.

وقد يستدلّ على التداخل في هذا القسم بما رواه الصدوق مقطوعاً مرسلاً : «إنّ من جامع في أوّل شهر رمضان ثم نسي الغسل حتّى خرج شهر رمضان عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه ، إلّا أن يكون قد اغتسل للجمعة ، فإنّه يقضي صلاته

__________________

(١) القواعد ١ : ١٧٩ ، الإرشاد ١ : ٢٢١.

(٢) البيان : ٣٩ ، مجمع الفائدة ١ : ٧٩.

(٣) المبسوط ١ : ٤٠ ، الخلاف ١ : ٢٢١ مسألة ١٨٩ ١٩١.

(٤) المعتبر ١ : ٣٦١.

(٥) الكافي ٣ : ٤١ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٥٢٦ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ٢. وفيها : إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلك الغسل عن كلّ غسل يلزمه في ذلك اليوم.

٢٧٤

وصيامه إلى ذلك اليوم ، ولا يقضي إلى ما بعد ذلك» (١).

ولا يمكن الاعتماد على ذلك في إثبات حكم مخالف للأُصول والأخبار ، سيّما المتواتر من قولهم عليهم‌السلام : «إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لامرئ ما نوى» (٢) وغيرهما.

مع أنّ فيها ما يخالف الأصحاب من لزوم قضاء الصوم مع نسيان الغسل.

تنبيهات :

الأوّل : إنّ تداخل العلل قد يتصوّر في الغايات ، وقد يتصوّر في المبادئ وقد تشتبه الغايات والمبادئ في الأغسال المستحبّة ، ويمكن أن يجعل مثل نقص الطهارات الواجبة علّة لاستحباب غسل الجمعة ، كما يستفاد من بعض الأخبار (٣) ، والتطهر في اليوم أو حضور الصلاة أو جماعة المسلمين غاية ، ومثل الحدث الموهوم والجنابة الموهومة علّة ، والتطهّر في اليوم غاية لمثل العيد وغيره ، وهكذا.

فإن تعدّدت العلّة واتّحدت الغاية ، فإن اتفقت كاحتلامات وصلاة فتتداخل بالإجماع. وتنبّه عليه الأخبار المتقدّمة. لكن المتيقّن هو ما لو نوى الجميع أو الجامع بينها ، كمطلق الحدث المانع. ومثله جماع واحتلام.

وفيما لو نوى رفع أحدهما مع نفي الغير إشكال.

وإن اختلفت كحيض وجنابة ، أو حيض وجمعة ، أو عيد وجمعة ، فقد مرّ حكمه مفصلاً.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٤ ح ٣٢١ ، الوسائل ٧ : ١٧٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ وفيه لكلّ امرئ ، أمالي الطوسي : ٢٦٢ ، الوسائل ١ : ٣٤ أبواب مقدّمة العبادات ب ٥ ح ٦ ، ١٠.

(٣) الوسائل ٢ : ٩٤٤ أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٧ ، وفيه : وأتمّ وضوء الفريضة بغسل يوم الجمعة ما كان في ذلك من سهو أو تقصير ..

٢٧٥

وإن اتّحدت العلّة وتعددت الغاية ، فالظاهر أنّه لا خلاف في التداخل أيضاً ، سيّما إذا نوى الجميع أو الجامع بينها ، سواء اتفقت كصلاتين ، أو اختلفت كصلاة وطواف. ومما ذكر يظهر حكم ما لو تعددتا.

واعلم أنّ الكلام في تداخل الوضوء غير محرّر في كلامهم ، وتجري فيه الاحتمالات المذكورة ، فإن تعددت العلّة واتّحدت الغاية فيتداخل بلا خلاف ، ولا فرق بين المتفقة والمختلفة هنا ، ويدلّ عليه الإجماع ، وظهور أنّ المراد هو رفع الحدث.

وإذا اتّحدت العلّة وتعددت الغاية ، فإما أن تكون كلّها واجبة ، أو مندوبة ، أو مختلفة ، والظاهر هو عدم الخلاف في التداخل في الأوّل.

وأما الثالث ، فالمشهور عدم استحباب الوضوء حين اشتغال الذمة بالواجب ، وقد مرّ أنّ التحقيق خلافه ، فلا يبعد القول بالتداخل إذا نوى الجميع أو الجامع بينها أيضاً.

وأما الثاني ، فإنّما يتصوّر فيما لو كانت الغايات مشروطات برفع الحدث ، إما صحتها أو كمالها ، أو فيما لم يكن المطلوب فيها رفع الحدث أصلاً ، كجماع الحامل ، ووطء جارية بعد اخرى ، وجماع المحتلم ، ونحوها ، لو أمكن تصوير تعدد الغاية مع اتّحاد العلّة في هذا القسم.

أما الأوّل فالظاهر فيها التداخل ، ويظهر وجهه ووجه أكثر ما تقدّم مما مرّ في تداخل الأغسال ، وفي أوائل مباحث الوضوء.

وأما الثاني فالظاهر فيه عدم التداخل ، للأصل ، وعدم الدليل. ودلالة العلّة المنصوصة في غسل الميت المتقدّمة غير واضحة.

وفي التأمّل فيما ذكر يظهر حال ما لو تعددت العلّة والغاية معاً مطلقاً. ومن فروضه ما لو نام بعد جماع جارية واحتلم ، ثم أراد وطء جارية حامل اخرى.

الثاني : الحقّ أنّ التداخل رخصة لا عزيمة للأصل ، ولدلالة الأخبار ، فإنّ

٢٧٦

الأغسال تكليفات متغايرة كما حقّقنا ، وكلّ منها يوجب امتثالاً.

غاية ما ثبت من الأخبار إجزاء غسل واحد عن الجميع ، وهو لا ينفي جواز الغير ، بل ظاهره استحباب العدم ، فإنّ الظاهر من الإجزاء هو أقلّ الواجب ، كما في الاستنجاء بالأحجار. مع أنّ أفضل الطاعات أحمزها. ولأنّه ربّما تفوت الفضيلة كما في تقديم غسل الجمعة في أوّل الفجر. ولأنّه محصّل للاحتياط للخروج عن الخلاف ، وعن مخالفة الأخبار المتواترة بالمعنى من أنّ الأعمال بالنيات وغير ذلك ، وهو الظاهر من الأصحاب. وممن صرّح به الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله (١).

وحكم بعض المتأخّرين بكونه عزيمة (٢) ، حيث توهّم أنّ المطلوب هو المسمّى ، وبعد حصول الطبيعة يحصل الامتثال ، والأمر يقتضي الإجزاء ، فلا يبقى أمر وتكليف ، فإتيانه ثانياً بدعة.

ويظهر فساده مما تقدّم. مع أنّ البدعة هو إدخال ما ليس من الدين في الدين بقصد أنّه من الدين ، لا إتيان ما يحتمل كونه منه برجاء الثواب ، فسبيل الاحتياط على هذا القول أيضاً غير مسدود.

ويؤيّد ما ذكرنا ما دلّ من الأخبار على جواز غسل الجنابة حال الحيض ونحوه.

ومما ذكرنا يظهر الحال في الوضوء وغيره.

الثالث : لا منافاة فيما اخترنا هنا من أصالة عدم التداخل مع ما سبق منا من جواز الدخول بالوضوء الذي قصد به رفع الحدث في كلّ مشروط بالطهارة ، بعد التأمّل في المقامين.

وكذا لا منافاة بين القول بالتداخل هنا ، مع القول بعدم جواز الدخول بطهارة واحدة في عبادات مختلفة إلّا مع ثبوته بالدليل ، كما ذهب إليه شارح الدروس

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٨٣.

(٢) نقله عن والده واختاره في مستند الشيعة ١ : ١٣٥.

٢٧٧

وغيره ثمَّة ، كما يظهر بالتأمّل (١).

الرابع : لم نقف في كلام الأصحاب على تصريح بحكم التيمم في التداخل وعدمه ولا يبعد إلحاقه بمبدله بمقتضى البدليّة ، والله العالم.

__________________

(١) مشارق الشموس : ١٠.

٢٧٨

المقصد الرابع

في كيفيّته

وفيه مباحث :

الأول : تجب فيه المباشرة بنفسه اختياراً بلا خلاف إلّا من ظاهر ابن الجنيد (١) ، لظاهر الآية (٢) والأخبار (٣).

والنيّة مقارنة لأوّل أفعاله على ما مرّ في الوضوء.

والابتداء بغسل الرأس ، ثم الجانب الأيمن ، ثم الأيسر ، على المشهور المدّعى عليه الإجماع من السيّد (٤) والشيخ (٥) وابن زهرة (٦) وابن إدريس (٧) ، وهو

__________________

(١) نقله عنه في المختلف ١ : ٣٠١.

(٢) وإن كنتم جنباً فاطهروا. المائدة : ٦.

(٣) الوسائل ١ : ٥٠٢ أبواب الجنابة ب ٢٦.

(٤) الانتصار : ٣٠.

(٥) الخلاف ١ : ١٣٢ مسألة ٧٥.

(٦) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٤.

(٧) السرائر ١ : ١١٩ ، ولكن ليس فيه دعوى الإجماع ، بل أحال ذلك على بحث الوضوء ، وقد حكى فيه الإجماع ، انظر السرائر ١ : ١٠٣.

٢٧٩

ظاهر المنتهي (١).

ولم يذكر الصدوقان (٢) وابن الجنيد (٣) إلّا تقديم الرأس ، موافقاً لظاهر الصحاح المستفيضة وغيرها (٤) ، ولم يظهر منهم مثل هذه الروايات القول بعدم وجوب الترتيب.

ومع ثبوت الترتيب بين الرأس والجسد فالظاهر عدم القول بالفصل ، فيمكن التمسك بالإجماع المركب أيضاً ، كما ادّعاه في المنتهي والذكرى (٥).

ويدلّ على المشهور مضافاً إلى ما تقدّم ، واستصحاب شغل الذمّة : خصوص حسنة زرارة قال ، قلت له : كيف يغتسل الجنب؟ فقال : «إن لم يكن أصاب كفّه شي‌ء غمسها في الماء ، ثم بدأ بفرجه فأنقاه ، ثم صبّ على رأسه ثلاث أكفّ ، ثم صبّ على منكبه الأيمن مرّتين ، وعلى منكبه الأيسر مرّتين» (٦).

وقد رواه في المعتبر عن زرارة عن الصادق عليه‌السلام ، وأورد عليه بأنّه لا يدلّ إلّا على الترتيب بين الرأس واليمين ، وتأخّر اليمين عن الرأس لا ينافي تقديم اليسار ، لأنّ الواو لا تدلّ على الترتيب كتقديم الذكر (٧).

وفيه : أنّ الظاهر من الرواية تعقيب اليمين للرأس ، ويلزمه تعقيب اليسار لليمين ، وإن لم يدلّ اللفظ عليه لغةً.

ويمكن أن يستدلّ عليه بما دلّ على أنّ الميت يُغسّل كغسل الجنابة (٨) ، والأخبار

__________________

(١) المنتهي ٢ : ١٩٥.

(٢) انظر الفقيه ١ : ٤٦.

(٣) انظر كلامه المنقول في الذكرى : ١٠١.

(٤) الوسائل ١ : ٥٠٢ أبواب غسل الجنابة ب ٢٦.

(٥) المنتهي ٢ : ١٩٥ ، الذكرى : ١٠١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٣ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٣٣ ح ٣٦٨ ، الوسائل ١ : ٥٠٢ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٢.

(٧) المعتبر ١ : ١٨٣.

(٨) الوسائل ٢ : ٦٨٥ أبواب غسل الميت ب ٣.

٢٨٠