غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

ولكن الشهيد رحمه‌الله في القواعد (١) عدّ من جملة ما وقع التعبّد المحض فيها ولا يكاد يُهتدى فيها إلى العلّة «وجوب طلب المتيمّم».

وإن علم عدم الماء فلا يجوز التكليف به.

وأما إن ظنّ بالتمكّن فالظاهر أنّه يجب الطلب ما دام الظن.

وأما مع الظنّ بالعدم أو تساوي الطرفين ، فالظاهر أنّ هذا المقام هو الذي عنونوا به مسألة وجوب الطلب ، وادّعوا عليه الإجماع ، نقله الفاضلان (٢) وغيرهما.

واستدلّوا عليه بظاهر الآية والأخبار ، فإنّ عدم الوجدان لا يصدق عرفاً إلّا بعد الطلب أو اليقين بالعدم.

ولكن حدّده جمهور أصحابنا : بغلوة سهم في الحزنة ، وغلوة سهمين في السهلة ، في الجهات الأربع كما في قول بعضهم (٣) ، أو في إمامة ويمينه وشماله كما في آخر (٤) ، أو في رحله ويمينه وشماله كما في آخر (٥) ، أو بزيادة في سائر جوانبه كما في آخر (٦) ، أو بالإطلاق كما في آخر (٧). وأنّه لا يجب أكثر من ذلك ، لرواية السكوني (٨) ، وادّعى عليه ابن إدريس تواتر الأخبار (٩) ، وابن زهرة الإجماع (١٠) ، وإلّا فحيث يحصل له الظن بالماء ، فيجب تتبّعه مطلقاً ، مثل أن يشاهد قافلة من بُعد ، أو خُضرة يظن معها وجود الماء ، ونحو ذلك. ويمكن بعد التتبع واليأس في صورة

__________________

(١) والقواعد والفوائد ١ : ٢٨٣ ، نضد القواعد الفقهيّة : ٢٠٤.

(٢) المعتبر ١ : ٣٩٢ ، المنتهي ٣ : ٤٣.

(٣) جامع المقاصد ١ : ٤٦٥.

(٤) المقنعة : ٦١.

(٥) النهاية : ٤٨.

(٦) المبسوط ١ : ٣١.

(٧) المعتبر ١ : ٣٩٣.

(٨) التهذيب ١ : ٢٠٢ ح ٥٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٥ ح ٥٧١ ، الوسائل ٢ : ٩٦٣ أبواب التيمّم ب ١ ح ٢.

(٩) السرائر ١ : ١٣٥.

(١٠) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٥.

٣٢١

الظنّ إدخال الجانب الذي تتبع فيه في الجوانب المأمور بالتتبّع فيها حين ارتفاع الظنّ. وكلام الأصحاب في موضوع المسألة غير محرّر.

ثم إنّ المحقّق استشكل العمل على الرواية لضعفها ، واستوجه أن يطلب في كلّ جهة يرجو فيها الإصابة ، ولا يكلّف التباعد بما يشق ، واستحسن العمل على حسنة زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت ، وإذا وجد الماء فلا قضاء عليه» (١) (٢).

وفيه : أنّ ظاهرها متروك ، والرواية الأُولى معتضدة بالعمل والإجماع المنقول ونقل التواتر ونفي الحرج والعسر المنفيين ، فالعمل عليها.

ويمكن توجيه الحسنة بأن يقال : المراد أنّ وجوب الطلب وقته باقٍ ما دام الوقت باقياً ، وذلك لا يستلزم وجوب الدوام. وعلى هذا فلا يعتبر (٣) عند المشهور صدق عدم الوجدان عرفاً ، وذلك ينافي استدلالهم على وجوب الطلب بعدم صدق عدم الوجدان عرفاً إلّا بعد الطلب ، إلّا أن تكون تلك الرواية وعملهم قرينة على اصطلاحٍ في عدم الوجدان شرعاً ، وهو مشكل.

ولعلّه لذلك بنى بعض المتأخرين (٤) على صدق عدم الوجدان عرفاً ، سواء زاد عن التحديد المزبور ، أو نقص ، فترك الروايتين.

ولو خاف على نفسه أو ماله لو فارق مكانه لم يجب الطلب ، لرواية الرقّي (٥) ،

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٩٣.

(٢) الكافي ٣ : ٦٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٩٢ ح ٥٥٥ ، وص ٢٠٣ ح ٥٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ ح ٥٤٨ وص ١٦٥ ح ٥٧٤ ، الوسائل ٢ : ٩٦٣ أبواب التيمّم ب ١ ح ١.

(٣) في «ز» : وعلى هذا فلا يعتبر.

(٤) المدارك ٢ : ١٨١.

(٥) التهذيب ١ : ١٨٥ ح ٥٣٦ ، الوسائل ٢ : ٩٦٤ أبواب التيمّم ب ٢ ح ١.

٣٢٢

ورواية يعقوب بن سالم (١) ، وغيرهما ، مع عموم نفي العسر والحرج.

ويشكل الاعتماد على الطلب قبل الوقت إذا تجدّد الإمكان بعده ، سيّما مع ملاحظة الحسنة ، وإطلاق الطلب في الخبر منصرف إلى ما بعد الوقت ، هذا كلّه إذا وسع الوقت للطلب.

ولا يجب مع الضيق فيتيمّم ، مثل أن يستيقظ قبل طلوع الشمس.

ومثله ما لو وجد الماء ، ولكن كان استعماله مفوّتاً للوقت ولو بمقدار ركعة إذا لم يقصر ، وسيظهر وجهه.

ولو أخلّ بالطلب حتّى ضاق الوقت ، فعن المشهور أنّه عاص ، ولكن يتيمّم ويصلي ، ولا يعيد ، لسقوط الطلب حينئذٍ ، وكونه مأموراً بالتيمّم ، والأمر يقتضي الإجزاء.

ويشكل بمنع سقوط الطلب ، ولزوم التكليف بالمحال إذا كان المكلّف هو السبب لم يقم دليل على استحالته ، ولعلّه لذلك ذهب الشيخ إلى بطلان تيمّمه (٢) ، ويلزمه وجوب إعادة الصلاة ، كما قطع به الشهيد (٣).

ومثله ما لو وجد الماء وأهمل استعماله حتّى ضاق الوقت ، والظاهر أنّ التكليف بالمحال حينئذٍ هو كونه مأموراً بالمائيّة والصلاة في الوقت ، والتيمّم والصلاة في الوقت ، لا الأوّل فقط ، وإلّا فيلزم جواز ترك الصلاة مع التيمّم فيجب التيمّم والصلاة لأنّ الوقت لا عوض له ، والأهم في نظر الشارع هو الوقت ، حتّى جوّز تفويت بعض الأجزاء لإدراك الوقت ، بخلاف الطهارة المائيّة. فثمرة التكليف بالمائيّة هو العقاب عليه وثبوت القضاء على إشكال في ذلك ، للزوم وجوب الأداء والقضاء في شي‌ء واحد.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٥ ح ٨ ، التهذيب ١ : ١٨٤ ح ٥٢٨ ، الوسائل ٢ : ٩٦٤ أبواب التيمّم ب ٢ ح ٢.

(٢) المبسوط ١ : ٣١ ، الخلاف ١ : ١٤٧.

(٣) الدروس ١ : ١٣١ ، البيان : ٣٤.

٣٢٣

وللأصحاب في استعمال الماء حينئذٍ وقضاء الصلاة ، أو التيمّم وأدائها في الوقت ، قولان : من جهة أنّ التيمّم إنّما يسوغ بعد العجز عن المائيّة ، ولم يثبت كون ضيق الوقت مسوّغاً له ، والصلاة مشروطة بالمائيّة فتجب. ومن جهة أنّ الوقت أيضاً شرط فيها ، بل هو أهمّ من المائيّة في نظر الشارع كما ذكرنا ، ولمثل قوله عليه‌السلام : «هو بمنزلة الماء» (١) وغيره.

والثاني أقرب ، وإن كان الأحوط القضاء ، فاحتياط القضاء بناءً على ما حقّقناه إنّما هو لأجل فوت الصلاة بالمائيّة ، لا من جهة بطلان ما فعله بالترابيّة ، والمسألة من المشكلات.

الثاني : من الأعذار ؛ عدم الوصلة إلى الماء من جهة زمانةٍ ، أو فقد آلة أو فقد ثمنٍ فيما لا يتيسّر إلّا بهما ، أو خوف من لصّ أو سبع على النفس أو المال أو البضع لنفي الحرج والضرر ، وللإجماع ، نقله جماعة (٢) ، ولرواية يعقوب بن سالم (٣) ، وغيرها.

والظاهر أنّ الجبن الشديد أيضاً بنفسه من الأعذار ، فإنّ تحمّله عسر وحرج ، بل ربّما يورث فساداً في العقل أو المزاج.

وكذلك إذا خاف من البرد ، وشق عليه تحمّله وإن أمن العاقبة ، لانتفاء الحرج والعسر. ويؤيّده إطلاق صحيحة محمّد بن مسلم (٤).

ولو تمكّن من حفر بئر أو إخراجٍ من بئر ولو بتدلية الثياب فيها وعصرها ونحو ذلك وجب.

وفي معناه تسخين الماء البارد إذا احتاج إليه.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٠ ح ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٦ ، الوسائل ٢ : ٩٩٠ أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٣.

(٢) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٥.

(٣) الكافي ٣ : ٦٥ ح ٨ ، التهذيب ١ : ١٨٤ ح ٥٢٨ ، الوسائل ٢ : ٩٦٤ أبواب التيمّم ب ٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٦٨ ح ١ ، وفي التهذيب ١ : ١٨٤ ح ٥٣٠ بتفاوت ، الوسائل ٢ : ٩٦٧ أبواب التيمّم ب ٥ ح ٥.

٣٢٤

وكذا يجب شراء الماء أو الإله ، وكذا الحطب للتسخين إذا احتاج إليه ، ونحو ذلك إن وجد الثمن ولم يتضرر به في الحال (١) أو مطلقاً فيما لا يتوقّع المكلّف حصول ما يسدّ خِلّته في المال أيضاً ، لنفي الضرر والحرج ، ودلالة فحوى رواية يعقوب بن سالم عليه (٢).

أما في صورة عدم التضرر فيجب وإن كان بأضعاف ثمنه المعتاد على المشهور ، لأنّه واجد للماء حينئذٍ ، ولصحيحة صفوان المشتملة على الأمر باشتراء قدر ما يتوضّأ به بألف درهم (٣).

خلافاً لابن الجنيد ، قال : إذا كان الثمن غالياً تيمّم وصلى ، وأعاد إذا وجد الماء (٤)

ولعلّه نظر إلى ما دلّ على عدم وجوب الطلب إذا خاف أن يعرض له اللص ، ولنفي الضرر ، ولأنّه تضييع للمال.

وفيه : أنّ الأوّل قياس مع الفارق ، لأنّ في الأصل مهانة للنفس تستوحش منها ، بخلاف صرف المال في الخيرات ، والمفروض عدم التضرر. وتحصيل الأجر بالمال عين الإصلاح ، فلا ضرر ولا تضييع أيضاً.

وربّما قيّد الزائد عن ثمن المثل بغير المجحف بالماء ، للعسر والحرج ، قال في المنتهي : لو كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله سقط عنه وجوب الشراء ، ولا نعرف فيه مخالفاً (٥) والإجحاف في اللغة بمعنى الإذهاب (٦) ، وبعد ما احترزنا عن حصول

__________________

(١) في «ز» زيادة : على قول.

(٢) الكافي ٣ : ٦٥ ح ٨ ، التهذيب ١ : ١٨٤ ح ٥٢٨ ، الوسائل ٢ : ٩٦٤ أبواب التيمّم ب ٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٧٤ ح ١٧ ، الفقيه ١ : ٢٣ ح ٧١ ، التهذيب ١ : ٤٠٦ ح ١٢٧٦ ، الوسائل ٢ : ٩٩٧ أبواب التيمّم ب ٢٦ ح ١.

(٤) نقله في المعتبر ١ : ٣٦٩.

(٥) المنتهي ٣ : ١٦.

(٦) المصباح المنير ١ : ١١٣.

٣٢٥

الضرر فاشتراط ذلك محلّ إشكال ، لو لم يكن إجماعاً ، إلّا أن يقال باندراجه تحت العسر والحرج المنفيين ، فإنّ العسر والحرج قد يكونان من جهة محض التألّم من مفارقة المال وإن لم يكن مضرّاً به ، خرج عنه غير المجحف كما دلّت عليه الصحيحة المتقدّمة (١) ، وبقي الباقي.

ولو بُذل له الماء أو وهب له وجب القبول ، لصدق الوجدان حينئذٍ.

وكذلك لو بُذل له الثمن ، كما أفتى به الشيخ (٢) وتبعه العلامة في المنتهي (٣) وغيره.

واستشكله المحقّق بأنّ فيه منّة ، فلا يجب تحمّلها (٤) ، وذهب إليه العلامة في التذكرة والنهاية (٥) والشهيدان (٦).

والأظهر الأوّل ، لما ذكرناه ، ولعدم الفرق ظاهراً بين بذل الماء وهبته ، وبين بذل ثمنه. مع أنّ الكلام غير مطرد ، فقد لا تكون منّة ، وقد يتعاكس ، وقد يختلف الحال بالنسبة إلى الباذل والقابل ، بالنسبة إلى الماء والثمن.

ولا تجوز مكابرة صاحب الماء ، بخلاف الاضطرار لمثل الجوع والعطش.

والظاهر وجوب القبول لو أعطاه بثمن مؤجّل وكان قادراً على الأداء لما مرّ.

الثالث : من الأعذار ؛ المرض سواء كان من جهة الخوف من الهلاك بسببه ، أو زيادته ، أو بُطء برئه ، أو عسر علاجه ، أو حدوثه ؛ وكذلك القروح والجروح.

__________________

(١) صحيحة صفوان ، وهي في الكافي ٣ : ٧٤ ح ١٧ ، والفقيه ١ : ٢٣ ح ٧١ ، والتهذيب ١ : ٤٠٦ ح ١٢٧٦ ، والوسائل ٢ : ٩٩٧ أبواب التيمّم ب ٢٦ ح ١.

(٢) المبسوط ١ : ٣١.

(٣) المنتهي ٣ : ١٦.

(٤) المعتبر ١ : ٣٧١.

(٥) التذكرة ٢ : ١٦٥ ، النهاية ١ : ١٨٥.

(٦) الدروس ١ : ١٣١ ، روض الجنان : ١١٨.

٣٢٦

ويدلّ على الجميع : انتفاء العسر والحرج عموماً ، وفي الطهارة المائيّة خصوصاً في أية التيمّم. وقوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) (١) في أكثر ما ذكر.

وعلى بعضها قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٢) وفي خصوص القروح والجروح : الأخبار الصحاح المستفيضة (٣) وغيرها التي مرّت الإشارة إليها في باب الجبائر.

والمشهور عدم الفرق بين المتعمد وغيره ، وذهب الشيخان إلى وجوب الغسل على المتعمد وإن خاف التلف (٤) ، وعن الشيخ في بعض أقواله : وجوبه حينئذٍ وإن لحقه برد ، إلّا أن يخاف التلف ، وفي بعض آخر : يتيمّم عند خوف البرد على نفسه حينئذٍ ويعيد الصلاة. وعن ابن الجنيد عدم أجزاء التيمّم للمتعمد (٥).

والمذهب هو المشهور ، لعموم الآية وانتفاء الحرج والعسر ، وقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وإطلاقات الصحاح المستفيضة جدّاً.

ويؤيّده جواز الجماع لعادم الماء بالإجماع ، كما نقله في المعتبر (٦) ، وهو الظاهر من المنتهي (٧) وإن كان معه ماء يكفيه للوضوء ، فإنّه إنّما نقل الكراهة عن بعض العامة ، وتدلّ عليه موثّقة إسحاق بن عمار رواها في آخر السرائر أيضاً عن كتاب

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) البقرة : ١٩٥.

(٣) التهذيب ١ : ١٨٤ ح ٥٣٠ ، وص ١٨٥ ح ٥٣١ ، وص ١٩٦ ح ٥٦٦ الوسائل ٢ : ٩٦٧ ، ٩٦٨ أبواب التيمّم ب ٥ ح ٥ ، ٧ ، ٨ ، ١١.

(٤) المفيد في المقنعة : ٦٠ ، والشيخ في الخلاف ١ : ١٥٦ ، والمبسوط ١ : ٣٠ ، والنهاية : ٤٦.

(٥) نقل عنه العلامة في المختلف ١ : ٤٣٧ قوله «لا اختار لأحد أن يتلذّذ بالجماع اتّكالاً على التيمّم من غير جنابة أصابته فإن احتلم أجزأه» وقال : وهو يشعر بعدم الإجزاء.

(٦) المعتبر ١ : ٣٦٣.

(٧) المنتهي ٣ : ١٢٩ قال : يجوز للعادم الجماع إن كان معه ما يكفيه للوضوء قبل الوقت عملاً بالمقتضي ، وهو قوله تعالى «فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ».

٣٢٧

محمَّد بن محبوب مع زيادة (١).

واحتجّوا بروايات مقدوحة إما من حيث السند ، أو من حيث الدلالة ، لاشتمالها على غير المتعمّد أيضاً. مع أنّها معارضة بالعقل القاطع من وجوب دفع الضرر المظنون ، قابلة للتقييد والتأويل ، ومعارضة بالكتاب والسنة وعمل جمهور الأصحاب.

وأما الإعادة بعد الاغتسال ، فقد استدلّ عليه برواية جعفر بن بشير (٢) ، وصحيحة عبد الله بن سنان (٣) ، وهما مطلقتان ، وظاهرهما مهجور ، والأولى ضعيفة. مع أنّهما معارضتان بأقوى منهما وأكثر ، من الأخبار الصحيحة الكثيرة وغيرها.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم : عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد وصلى ، ثم وجد الماء فقال : «لا يعيد ، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين» (٤).

وأيضاً فالأمر يقتضي الإجزاء ، والإعادة تحتاج إلى دليل يعتمد عليه.

والمراد بالمرض : ما يشق معه تحمّل الطهارة ، أو يوجب زيادة ألم ، فلا عبرة بمسمى المرض ، ولا ما لا يضرّه استعمال الماء ، وإلى ذلك ينصرف ظاهر الآية.

فالاكتفاء بمطلق اسم المرض في العدول إلى التيمّم لا وجه له ، سيّما مع ملاحظة الروايات التي استدلّ بها الشيخ في صورة تعمّد الجنابة.

والمرجع في معرفة الضرر الظن الحاصل بالتجربة ، أو إخبار عدل ، بل وغير عدل أيضاً إذا حصل به ، لكونه من موضوعات الأحكام ، بل لا يبعد الاكتفاء بالاحتمال. قال في المعتبر : يستبيح المريض التيمّم مع خوف التلف إجماعاً ، ثم

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٠٥ ح ١٢٦٩ ، السرائر ٣ : ٦١١ ، الوسائل ٢ : ٩٩٨ أبواب التيمّم ب ٢٧ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٦ ح ٥٦٧ ، الاستبصار ١ : ١٦١ ح ٥٥٩ ، الوسائل ٢ : ٩٨٦ أبواب التيمّم ب ١٦ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٦٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٦٠ ح ٢٢٤ الوسائل ٢ : ٩٨٦ أبواب التيمّم ب ١٦ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ١٩٧ ح ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ١٦١ ح ٥٥٧ ، الوسائل ٢ : ٩٨٤ أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٥.

٣٢٨

قال : وهل يستبيحه لخوف الزيادة في العلّة أو بطئها ، أو الشين؟ مذهبنا : نعم حصول الترخيص بمجرد الخوف وإن لم يكن مع الظن ، أو كان بمحض الجبن (١).

وظاهره الإجماع ، وكذلك ابن زهرة ادّعى الإجماع على الترخيص لمطلق الخوف من الاستعمال (٢).

ثم إنّه قد ظهر من كلام المعتبر الإجماع على أنّ خوف الشين عذر (٣) ، وصرّح في المنتهي أيضاً بالإجماع (٤). قال الشهيد الثاني : هو ما يعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة ، وربّما بلغ تشقّق الجلدة وخروج الدم (٥). وقيّده في المنتهي بالفاحش (٦).

وربّما استشكل فيه بعض المتأخرين ، وقال : إن وصل إلى حدّ يسمّى مرضاً ويحصل به الضرر الغير المتحمّل فهو ، وإلّا فلا (٧).

وفيه : أنّ المناط هو مطلق العسر وإن لم يسمّ مرضاً. ولعلّ الإجماعين المنقولين يكفيان في ثبوت الحكم.

والإشكال العظيم في أمثال ذلك من جهة احتمال البطلان لو تكلّف الفعل ، ولو فعل فالأحوط ضم التيمّم إليه أيضاً إن لم تمكن الجبيرة.

ومن الأعذار : خوف العطش الحاصل أو المتوقع في زمان لا يحصل فيه الماء عادة ، إن (٨) لم يمكن جمع المتساقط من ماء الطهارة بحيث لا ينافي الغرض ،

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٦٥.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٥.

(٣) المعتبر ١ : ٣٦٥.

(٤) المنتهي ٣ : ٣٢.

(٥) المسالك ١ : ١١١.

(٦) المنتهي ٣ : ٢٨.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢١٥.

(٨) في «م» ، «ح» : وإن.

٣٢٩

للإجماع ، نقله غير واحد ، منهم الفاضلان (١) ، وللأخبار المعتبرة (٢).

ولا ريب فيما لو حصل العلم بذلك ، والظاهر أنّ الظن بحصوله أيضاً كذلك ، بل الاحتمال المساوي أيضاً ، لظاهر الأخبار ، فإنّ الحكم فيها معلّق على خوف العطش ، وهو مطلق كفتوى الأصحاب.

ولا فرق بين خوف الهلاك منه أو التضرر في الجسم بالمرض وغيره ، بل يكفي في ذلك عسر تحمّله أيضاً ، لعموم الأخبار ، وانتفاء الحرج.

وألحق الأصحاب خوف عطش الرفيق المسلم ، وهو كذلك ، لأنّ حرمة المسلم آكد من حرمة الصلاة ، كما يستفاد من الأخبار ، ولذلك يجوز قطع الصلاة لحفظه. غاية الأمر جواز أخذ الثمن.

وألحق جماعة منهم الدواب المحترمة (٣) ، فإنّه خوف على المال. ولا يقاس على وجوب الشراء ، ولذلك يجوز إعطاؤها في ثمن الماء.

وربّما يحتمل وجوب الذبح ، وصرف الماء ، وهو بعيد ، سيّما فيما يكون (الذبح فيه) (٤) إضاعة من جهة التضييع ، ومن جهة الإشكال في إيلام الحيوان ، ولم تثبت الرخصة في الذبح بهذا المقدار.

وفي حيوان الغير إشكال ، ولطف الله العام ورأفته الشاملة تقتضي ذلك ، لأنّ لكلّ كبد حرّى حقّا.

والنجس لا يجوز استعماله في الطهارة مطلقاً ، ولا للشرب ، إلّا اضطراراً ، فالواجد لهما يهريق النجس ، ويحفظ الطاهر.

وفي صحّة الطهارة في صورة وجوب حفظ الماء الإشكال السابق.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٦٧ ، المنتهي ٣ : ٢٢.

(٢) الوسائل ٢ : ٩٩٦ أبواب التيمّم ب ٢٥.

(٣) المعتبر ١ : ٣٦٨.

(٤) في «م» : فيه الذبح.

٣٣٠

الرابع : لو لم يجد إلّا الثلج ، فإن أمكن تحصيل مسمّى الغسل والجريان فلا إشكال وإلّا فذهب الشيخان (١) وابن حمزة (٢) إلى وجوب التمسّح ببلّته على جميع أعضاء الوضوء أو الغسل. والسيد المرتضى إلى التيمّم به (٣). وابن إدريس منعهما جميعاً (٤) وهو مذهب المحقّق (٥).

واستدلّ على الأوّل بروايات كثيرة ، منها : ما دلّ على كفاية مثل الدهن في الماء ، مثل صحيحة زرارة (٦) ومحمّد بن مسلم (٧) وغيرهما. وحملها على حال الضرورة ليس بأولى من حملها على المبالغة كما تقدّم ، مع أنّ ذلك لو تم لوجب تقديمه على التيمّم بالتراب.

ومنها : ما دلّ على حكم خصوص الثلج والجمد ، مثل رواية معاوية بن شريح (٨) ، وصحيحة محمّد بن مسلم (٩) ، وظاهرهما تقديم الغسل به إن أمكن على التيمّم بالصعيد ، وأين هو مما نحن فيه؟!

و (١٠) على مذهب السيد بصحيحة محمّد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يجنب في السفر ، فلا يجد إلّا الثلج ، أو ماءً جامداً ، قال : «هو بمنزلة

__________________

(١) المقنعة : ٥٩ ، المبسوط ١ : ٣٢.

(٢) الوسيلة : ٧١.

(٣) نقله عن مصباحه في المعتبر ١ : ٣٧٧.

(٤) السرائر ١ : ١٣٨.

(٥) المعتبر ١ : ٣٧٨.

(٦) الكافي ٣ : ٢١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٣٧ ح ٣٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ح ٤١٦ ، الوسائل ١ : ٥١١ أبواب الجنابة ب ٣١ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ١٩١ ح ٥٥٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٧ ح ٥٤٢ ، الوسائل ٢ : ٩٧٤ أبواب التيمّم ب ١٠ ح ١.

(٨) التهذيب ١ : ١٩٢ ح ٥٥٤ ، الاستبصار ١ : ١٥٨ ح ٥٤٧ ، الوسائل ٢ : ٩٧٥ أبواب التيمّم ب ١٠ ح ٢.

(٩) التهذيب ١ : ١٩١ ح ٥٥٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٧ ح ٥٤٢ ، الوسائل ٢ : ٩٧٤ أبواب التيمّم ب ١٠ ح ١.

(١٠) في «ز» : ولو.

٣٣١

الضرورة ، يتيمّم» (١).

ويمكن دفع دلالتها بإرادة التيمّم على الصعيد أو ما يقوم مقامه ، ومراد الراوي عدم وجدان جنس الماء.

وعلى الثالث ؛ أنّ التيمّم إنّما هو بالتراب أو بالأرض ، والثلج ليس بأحدهما ، فلا يجوز التيمّم به ، ولا التمسّح ، لأنّ المأمور به هو الغسل ، ولا يحصل إلّا بالجريان.

وهو قويّ ، لظاهر الكتاب الحاصر بين الغسل والتمسّح بالصعيد ، وعمومات الأخبار ، وخصوص ما دلّ على اعتبار الجريان ، وإمكان حمل الروايات على المبالغة كما أشرنا سابقاً.

ويظهر من الشيخ في كتابي الأخبار تقديمه على التراب مع وجودهما أيضاً ، لرواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء ، ولا يكون معه ماء ، وهو يصيب ثلجاً وصعيداً ، أيهما أفضل ، أيتيمّم أو يمسح بالثلج وجهه؟ قال : «الثلج إذا بلّ رأسه وجسده أفضل ، فإن لم يقدر على أن يغتسل ، فليتيمّم» (٢) وهو مختار العلامة في المنتهي (٣).

وفيه : مع ضعفها ، أنّها محمولة على المبالغة ، واسم التفضيل ليس بمعناه المعهود. وسبيل الاحتياط واضح.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٧ ح ١ ، الوسائل ٢ : ٩٧٣ أبواب التيمّم ب ٩ ح ٩.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٢ ح ٥٥٤ ، الاستبصار ١ : ١٥٨ ح ٥٤٧ ، السرائر ٣ : ٦١٣ ، الوسائل ٢ : ٩٧٥ أبواب التيمّم ب ١٠ ح ٣.

(٣) المنتهي ٣ : ٧٣.

٣٣٢

المقصد الثالث

في كيفيته

وفيه مباحث :

الأوّل : تجب فيه النيّة مستدامة الحكم كما مرّ في الوضوء.

وادّعى المحقّق الإجماع على عدم جواز قصد رفع الحدث (١) ، وجوّزه الشهيد رحمه‌الله إلى غاية (٢) ، وقد مرّ أنّ النزاع لفظيّ.

وأما قصد البدليّة ، ففيه أقوال ، ثالثها : الوجوب إن قيل باختلاف الهيئتين (٣). وفيه : أنّ ما يضرّ في صورة اختلاف الهيئتين هو عدم صدق الامتثال بسبب الزيادة والنقصان في الأجزاء ، ولا دخل للقصد فيه على ما هو مبنى هذا القول ، وإلّا فلا فرق بين الاختلاف والاتّحاد ، لما بيّنا أنّ العبادتين المتماثلتين تتباينان بالنيّة ، كصلاة الفجر وفائتته.

والتحقيق أنّه إن كان مميزاً للطاعة يجب ، لما بيّنا في الوضوء ، وإلّا فلا.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٩٤.

(٢) انظر نضد القواعد الفقهيّة : ٢١٢.

(٣) اختار الثالث الشهيد في الذكرى : ١٠٧ ، واختار الوجوب الشيخ في الخلاف ١ : ١٤٤ ، وذهب الأكثر إلى عدم الوجوب منهم صاحب المدارك ٢ : ٢١٦.

٣٣٣

وموضعها عند ضرب اليدين ، وقيل : عند مسح الوجه ، تنزيلاً للضرب منزلة أخذ الماء للوضوء (١) ، وهو ضعيف ، لأنّ ضرب اليدين واجب بالأصالة.

ويجب مسح الجبهة إجماعاً ، والجبينين على الأقوى ، من القصاص إلى طرف الأنف الأعلى. وزاد الصدوق مسح الحاجبين (٢) ، ووالده تمام الوجه (٣).

وعن السيد الإجماع على عدم وجوب الاستيعاب (٤).

أما الآية (٥) فظاهرها مضافاً إلى ما ورد في صحيحة زرارة من التفسير : مسح بعض الوجه (٦) ، ومقتضاه الاكتفاء بأيّ بعضٍ منه.

والأخبار مختلفة ، ففي طائفة من الأخبار المعتبرة : مسح الجبينين في مقام البيان ، وفي طائفة ذكر الجبهة فقط ، وفي طائفة منها ذكر الوجه. والأخبار كلّها معتبرة صحيحة ، أو كالصحيحة ، أو غيرها (٧).

ومقتضى الجمع مع ملاحظة الآية مع تفسيرها : التخيير ، وحمل ما دلّ على الجميع على الاستحباب. ولكن الإجماع على الجبهة كما ادّعاه في الذكرى (٨) وظاهر الآية مع تفسيرها وما دلّ على كفاية البعض أوجب إخراج ما دلّ على التمام من ظاهرها ، فيحمل إما على البعض أو على الاستحباب ، فيحصل الامتثال بها بمسح الجبهة أيضاً.

فإنّما يبقى الكلام في إيجاب الجبينين ، والأظهر وجوبه ، لصحيحة زرارة (٩) ،

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٢٠٤.

(٢) الفقيه ١ : ٥٧.

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٢٦.

(٤) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨٨ ، ذكر الإجماع على عدم استيعاب الوجه.

(٥) فامسحوا بوجوهكم وأيديكم. المائدة : ٦.

(٦) الفقيه ١ : ٥٦ ح ٢١٢ ، الكافي ٣ : ٣٠ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٦١ ح ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ح ١٨٦ ، علل الشرائع : ٢٧٩ ح ١ ، الوسائل ٢ : ٩٨٠ أبواب التيمّم ب ١٣ ح ١.

(٧) انظر الوسائل ٢ : ٩٧٥ أبواب التيمّم ب ١١.

(٨) الذكرى : ١٠٨.

(٩) الفقيه ١ : ٥٧ ح ٢١٢ ، الوسائل ٢ : ٩٧٧ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٨.

٣٣٤

وحسنته (١) ، وموثّقة ابن بكير (٢) الواردة في بيان التيمّم. ويمكن حمل ما دلّ على الجميع على التقيّة ، لموافقته للعامة.

ولم نقف على ما يدلّ على مسح الحاجبين.

ثم يجب مسح ظاهر الكفّ اليمنى من الزند إلى رؤس الأصابع بباطن اليسرى ، ثم العكس كذلك.

وعن ابن بابويه : المسح فوق الكف قليلاً (٣) ، ولعلّه أراد من باب المقدّمة ، فلا مخالفة.

وعن أبيه : مسح اليدين من المرفقين إلى رؤس الأصابع (٤).

ونقل عن بعض الأصحاب المسح من أُصول الأصابع إلى رؤسها (٥).

حجّة الأوّلين مضافاً إلى التبعيض المستفاد من الآية مع تفسيرها بناءً على كون اليد حقيقة فيها إلى المنكب وهو ينفي قول الصدوق الأخبار الكثيرة المعتبرة مثل صحيحة زرارة (٦) ، وصحيحة إسماعيل بن همام (٧) ، وغيرها من الأخبار

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦١ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢١١ ح ٦١٣ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٣ ، الوسائل ٢ : ٩٧٥ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٦١ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢١١ ح ٦١٣ ، وص ٢٠٧ ح ٦٠١ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٣ ، الوسائل ٢ : أبواب التيمّم ب ١١ ح ٣ ، ٩ ، ولكن هي بين ما في طريقه سهل بن زياد ، وبين ما فيه : ومسح جبهته ، فيشكل التعبير بالموثّقة ، ويمكن أن يكون مراده ما أورده في مستطرفات السرائر ٣ : ٥٥٤ ، عن كتاب نوادر أحمد بن أبي نصر عن عبد الله بن بكير عن زرارة في حكاية عمار.

(٣) الفقيه ١ : ٥٧.

(٤) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٢٦.

(٥) حكاه في السرائر ١ : ١٣٧.

(٦) التهذيب ١ : ٢٠٨ ح ٦٠٣ ، الوسائل ٢ : ٩٧٧ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٥. وفيها : ثم مسح وجهه وكفّيه ولم يمسح الذارعين بشي‌ء.

(٧) التهذيب ١ : ٢١٠ ح ٦٠٩ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٧ ، الوسائل ٢ : ٩٧٨ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٣. وفيه : التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفّين.

٣٣٥

الكثيرة ، المشتملة على ذكر الكف في مقام البيان ، وفي بعضها : «ولم يمسح على الذراعين» (١).

وأما على القول بكون اليد حقيقة في الزند إلى رؤس الأصابع ، فيتمّ أيضاً بملاحظة التبعيض بالنسبة إلى كفاية ظهر الكف. مع ما هو المتبادر المنصرف من الأخبار من إرادة الظهر ، أو المراد في الآية بعض يد الوضوء المحدودة إلى المرفقين.

وأما ما دلّ من الأخبار على مسح الذراعين أيضاً (٢) وعمل عليها والد الصدوق ، فهي مع أنّها مخالفة لظاهر الكتاب على الوجهين المتقدّمين وإن وافقه على الوجه الأوّل ، من كون اليد حقيقة فيها إلى المنكب ، فهي محمولة على التقيّة ، لموافقتها للعامة ، ومخالفتها لجمهور الإماميّة. وحملها على الاستحباب والتخيير محتمل ، ولكن الأولى ما ذكرناه.

وأما المسح فوق الكف قليلاً ، فربّما أُخذ من صحيحة داود بن النعمان (٣) ، وحسنة أبي أيوب الخزاز (٤) ، وفيهما نقل فعل الإمام كذلك ، وهو لا يدلّ على أزيد من كونه من باب المقدّمة.

وأما القول الأخير ، فتدلّ عليه رواية حماد بن عيسى ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام (٥) ، وهي مع ضعفها لا تقاوم ما تقدّم من الأدلّة.

ويدلّ على كون موضع المسح ظهر الكفين مضافاً إلى عدم ظهور الخلاف

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٩٧٥ أبواب التيمّم ب ١١ ، ١٢.

(٢) انظر الوسائل ٢ : ٩٧٨ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٢ ، ٥ ، وص ٩٨١ ب ١٣ ح ٣. وفي بعضها : مسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين ، أو تمسح بهما وجهك وذراعيك ، أو مسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٥٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٩١ ، الوسائل ٢ : ٩٧٦ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٤ ، وفيه : فمسح وجهه ويديه فوق الكفّ قليلاً.

(٤) الكافي ٣ : ٦٢ ح ٤ ، الوسائل ٢ : ٩٧٦ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٦٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٥٩٩ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٨٨ ، الوسائل ٢ : ٩٨٠ أبواب التيمّم ب ١٣ ح ٢. وفيها : وامسح على كفّيك من حيث موضع القطع.

٣٣٦

حسنة الكاهلي عن التيمّم : «فضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه ، ثم مسح كفيه إحداهما على ظهر الأُخرى» (١).

وذكروا أيضاً أنّ المسح إنّما هو بباطن الكف ، وهو المتبادر من الآية والأخبار ، سيّما بعد ملاحظة كيفيّة وضع اليد على التراب أو (٢) ضربها عليه ، واعتبار العلوق ، ونحو ذلك ، فإنّ المتبادر من جميعها المسح بالباطن. وهو المراد في مسح الوجه أيضاً.

ولو تعذّر المسح بالباطن فالظاهر كفاية المسح بالظاهر ، للإطلاقات ، فإنّ انفهام الباطن إنّما هو للتبادر ، والمتبادر إنّما هو بالنسبة إلى الأفراد الغالبة ، وهي في حالة الاختيار.

الثاني : يجب إمساس اليدين بالصعيد فلا يكفي لصوق الصعيد بالكف باستقبالهما العواصف (٣).

والأظهر اعتبار ضربهما بالصعيد ، كما هو الأشهر في كلام الأصحاب ، والأوفق بأكثر الأخبار المعتبرة القوليّة.

وأما الوضع كما في سائر الفتاوى والأخبار المعتبرة الفعليّة (٤) ، فالأولى حمله على الضرب ، لا لكونه أعم منه ، لأنّه نقل فعل ولا عموم في الفعل ، فلو وجد (٥) العموم فهو من جهة نقل الراوي ، فلا يخفى أنّهما متباينان عرفاً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٦٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٨٩ ، الوسائل ٢ : ٩٧٦ أبواب التيمّم ب ١١ ح ١.

(٢) في «ز» : و.

(٣) وهذا أولى من عبارة المدارك والذخيرة ، فلو استقبل العواصف حتّى لصق صعيدها بوجهه ويديه لم يجزئه (منه رحمه‌الله).

(٤) الوسائل ٢ : ٩٧٦ أبواب التيمّم ب ١١.

(٥) في النسخ : فلو وجه ، وما أثبتناه من نسخة في «ح».

٣٣٧

فتعبير بعضهم (١) عن المطلب بالوضع بالاعتماد جمعاً بين الأخبار غفلة.

فالوجه على ما ذكرنا جعله من باب الاستعارة.

والجمع بالتخيير تمسّكاً بأنّ الغرض قصد الصعيد ، مشكل. وكذلك حمل الضرب على الاستحباب. مع أنّ التأويل في كلام الراوي أولى منه في كلام الإمام.

وأخبار الوضع كلّها نقل فعل ، بخلاف الضرب.

وكذلك تجب المعيّة ، كما هو ظاهر الفتاوى والمتبادر من الأخبار ، كقولهم عليهم‌السلام : «تضرب بيديك» و «يضرب بيديه» وفي بعضها : «ضربة للوجه وضربة للكفّين» ونحو ذلك (٢).

ولو كان مقطوع الكف فإن استؤصلتا من الزندين فيسقط عنه مسحهما والمسح بهما بالضرورة. ويمسح الوجه ، للاستصحاب ، ولأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» والأولى مسحه بالذراع إن أمكن ، وإلّا فحيثما أمكن.

ولو قطعت إحداهما فيمسح الوجه بالأُخرى ، ثم يمسح الأُخرى بالتراب كما مرّ. وكذلك الكلام في الجزء الباقي من الكف.

وما نقل عن الشيخ من سقوط التيمّم عن مقطوع الذراعين (٣) ، فالظاهر أنّه أراد السقوط عن اليدين ، وإلّا للزم سقوط الصلاة عنه ، وهو معلوم البطلان ، كما ذكره في المدارك (٤). ويؤيّده حكم مقطوع اليد في الوضوء.

وفي حكم القطع ما لو كان عاجزاً عن ضربهما أو وضعهما على الصعيد.

__________________

(١) هو صاحب المفاتيح (منه رحمه‌الله). المفاتيح ١ : ٦٢ ، وجاء هذا التعبير في المدارك ٢ : ٢١٧.

(٢) الوسائل ٢ : ٩٧٥ أبواب التيمّم ب ١١.

(٣) المبسوط ١ : ٣٣.

(٤) المدارك ٢ : ٢٣٥.

٣٣٨

الثالث : المشهور أنّ الواجب في بدل الوضوء ضربة واحدة للوجه واليدين ، وللغسل ضربة للوجه ثم ضربة لليدين.

وعن المفيد (١) والسيد (٢) في بعض كتبهما وابن الجنيد وابن أبي عقيل (٣) ضربة واحدة للجميع في الجميع.

وعن المفيد في قول آخر (٤) وعليّ بن بابويه (٥) ضربتان كذلك.

وعن عليّ بن بابويه أيضاً القول بالضربة الواحدة للوجه ، ثم التفريق لليدين ، فيضرب باليسار ويمسح اليمين من المرافق إلى رؤس الأصابع ، ثم بالعكس (٦). ونقله في المعتبر عن قوم منّا (٧).

والأخبار الواردة في ذلك على أصناف ، فطائفة من الأخبار المعتبرة تدلّ على كفاية المرّة مطلقاً.

منها : موثّقة زرارة لابن بكير ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التيمّم ، فضرب بيديه إلى الأرض ، ثم رفعهما فنفضهما ، ثم مسح بهما جبهته وكفيه مرّة واحدة (٨). وتقرب منها صحيحة صفوان عن عمرو بن أبي المقدام (٩).

__________________

(١) نقله عن المسائل العزيّة للمفيد في المختلف ١ : ٤٣١.

(٢) جمل العلم والعمل (رسائل السيد المرتضى) ٣ : ٢٥ ، المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨٨ ، ونقله عن شرح الرسالة في المعتبر ١ : ٣٨٨.

(٣) نقله عنهما في المختلف ١ : ٤٣٠.

(٤) نقله عن كتاب الأركان للمفيد في الذكرى : ١٠٨.

(٥) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٣٨٨ ، والمنتهي ٣ : ١٠٢ ، والمختلف ١ : ٤٣١.

(٦) نقله في الذكرى : ١٠٨.

(٧) المعتبر ١ : ٣٨٨ ، نقل ذلك بعد أن نقل عن عليّ بن بابويه المرّتين في الجميع.

(٨) التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٦٠١ ، الوسائل ٢ : ٩٧٦ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٣ ، وأورده بتفاوت في الكافي ٣ : ٦١ ح ١ ، والتهذيب ١ : ٢١١ ح ٦١٣ ، والاستبصار ١ : ٧١١ ح ٥٩٣.

(٩) التهذيب ١ : ٢١٢ ح ٦١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٤ ، الوسائل ٢ : ٩٧٧ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٦.

٣٣٩

ومنها صحيحة صفوان أيضاً عن الكاهلي (١) ورواية زرارة (٢) وغيرها.

وطائفة منها تدلّ على ذلك مع ورودها في بيان التيمّم بدلاً عن الغسل ، وأكثرها صحيحة ، مثل ما ورد في حكاية عمار.

وطائفة منها تدلّ على المرّتين مطلقاً ، كصحيحة إسماعيل بن همام الكندي ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : «التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفّين» (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : سألته عن التيمّم ، فقال : «مرّتين مرّتين للوجه واليدين» (٤).

وستجي‌ء صحيحة زرارة ورواية ليث المرادي ، وفي طريقها ابن سنان ، عن ابن مسكان ، ولعلّه محمّد (٥).

والأظهر في الجمع بينها : حمل المرّتين على الاستحباب ، لظاهر الآية ، ولكثرة الأخبار الدالّة على كفاية المرّة ، وصحتها وصراحة جملة منها في حكم الجنابة ، سيّما مع ملاحظة موثّقة عمار المصرّحة باتّحاد التيمّم من الوضوء والجنابة والحيض (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٦٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٨٩ ، الوسائل ٢ : ٩٧٦ أبواب التيمّم ب ١١ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٢ ح ٦١٥ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٥ ، الوسائل ٢ : ٩٧٧ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٧ ، وعبّر عنها بالرواية لوقوع القاسم بن عروة في طريقها وهو لم يوثّق وطرق الشيخ إليه ضعيفة ، انظر معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٦.

(٣) التهذيب ١ : ٢١٠ ح ٦٠٩ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٧ ، الوسائل ٢ : ٩٧٨ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٢١٠ ح ٦١٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٢ ح ٥٩٨ ، الوسائل ٢ : ٩٧٨ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ٢٠٩ ح ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ح ٥٩٦ ، الوسائل ٢ : ٩٧٨ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٢. أقول : المرجّح لكون ابن سنان هو محمّد بن سنان هو أنّه لم تثبت رواية عبد الله بن سنان عن ابن مسكان ، ولكن رواية محمّد عنه ثابتة ، انظر معجم رجال الحديث ١٠ : ٣٣٠.

(٦) الفقيه ١ : ٥٨ ح ٢١٥ ، التهذيب ١ : ١٦٢ ح ٤٦٥ ، وص ٢١٢ ح ٦١٧ ، الوسائل ٢ : ٩٧٩ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٦.

٣٤٠