غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

بالتبعيّة طهر ، وإلّا فلا (١).

الثامن : المشهور نجاسة الخمر وكلّ مسكر مائع بالأصالة (٢) وعن الصدوق (٣) وابن أبي عقيل (٤) والجعفي (٥) القول بالطهارة.

والأوّل أقوى ، للإجماع ، كما يظهر من السيد (٦) والشيخ (٧) وابن إدريس (٨) وابن زهرة (٩) وفخر المحقّقين (١٠) ، حتّى أنّ ابن إدريس نسب إلى الصدوق مخالفة المسلمين ، فضلاً عن طائفته. والأخبار الكثيرة من الصحاح والموثّقات وغيرها ، المنجبر ضعفها بعمل الأصحاب ، مثل الصحاح الواردة في نزح البئر (١١).

ومثل صحيحة عليّ بن مهزيار ، وفي جملتها : «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صلّيتَ فيه فأعد صلاتك» (١٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم : «لا تأكلوا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» (١٣).

__________________

(١) الذكرى : ١٤.

(٢) كالمفيد في المقنعة : ٦٧ ، والشيخ في النهاية : ٥١ ، والمبسوط ١ : ٣٦ ، والخلاف : كتاب الأشربة مسألة ٣ ، والسيد في المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨١.

(٣) الفقيه ١ : ٤٣.

(٤) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٦٩ ، والذكرى : ١٣.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ١٣.

(٦) الانتصار : ١٩٧ ، المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨١.

(٧) المبسوط ١ : ٣٦ ، الخلاف : كتاب الأشربة مسألة ٣.

(٨) السرائر ١ : ٧٠ ، ١٧٩.

(٩) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٠.

(١٠) الإيضاح ٤ : ١٥٥.

(١١) الوسائل ١ : ١٣١ أبواب الماء المطلق ب ١٥.

(١٢) الكافي ٣ : ٤٠٧ ح ١٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٥ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٢.

(١٣) الكافي ٦ : ٢٦٤ ح ٥ ، المحاسن : ٤٥٤ ح ٣٧٦ ، الوسائل ٢ : ١٠١٨ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ١.

٤٢١

وصحيحتا عبد الله بن سنان الآمرتان بغسل ثوب أُعير ممن يشرب الخمر (١) ، المحمولتان على الاستحباب من جهة عدم العلم بمباشرة الخمر.

وموثّقة عمّار : «ولا تصلّي في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى يغسل» (٢).

ورواية يونس : «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، فإن صلّيت فيه فأعد صلاتك» (٣).

ورواية أبي بصير : «ما يبلّ الميل ينجّس حُبّاً من ماء» ؛ يعني من النبيذ (٤) ، فإنّه لم يفرّق الأصحاب بينه وبين الخمر ، إلى غير ذلك من الأخبار.

وأما الآية فالاستدلال بها ضعيف.

واحتجّ الخصم بالأصل والاستصحاب والصحاح وغيرها من الأخبار مثل صحيحة عليّ بن رئاب (٥) ، وصحيحة الحسن بن أبي سارة (٦) ، وصحيحة إسماعيل بن جابر (٧) وغيرها من الأخبار (٨).

والأصل والاستصحاب لا يعارضان الدليل ، وهذه الروايات لا تقاوم تلك

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦١ ح ١٤٩٤ ، ١٤٩٥ ، وإحداهما أيضاً في الكافي ٣ : ٤٠٥ ح ٥ ، الوسائل ٢ : ١٠٩٥ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ١ ، ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٢٧٨ ح ٨١٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٦ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٥ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٧٨ ح ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٩ ح ٦٦١ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٥ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٣. وهي ضعيفة بالإرسال ، ولأنّها رواية محمّد بن عيسى عن يونس.

(٤) الكافي ٦ : ٤١٣ ح ١ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٦ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٦.

(٥) قرب الإسناد : ٧٦ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ١٤. عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أُصلّي فيه؟ قال : صلّ فيه إلّا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر ، إنّ الله تبارك وتعالى إنّما حرم شربها.

(٦) التهذيب ١ : ٢٨٠ ح ٨٢٢ ، الاستبصار ١ : ١٨٩ ح ٦٦٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٧ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ١٠ إن أصاب ثوبي شي‌ء من الخمر أُصلّي فيه قبل أن أغسله؟ فقال : لا بأس ، إنّ الثوب لا يسكر.

(٧) الكافي ٦ : ٢٦٤ ح ٩ ، التهذيب ٩ : ٨٧ ح ٣٦٨ ، المحاسن : ٤٥٤ ح ٣٧٧ ، الوسائل ١٦ : ٤٧٦ أبواب الأطعمة ب ٥٤ ح ٤. وقد مرّت في الكافر.

(٨) انظر الوسائل ٢ : ١٠٥٧ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ١١ ١٣.

٤٢٢

الروايات ، فيجب طرحها أو تأويلها.

وقد تؤوّل بحملها على التقيّة ، لكون الطهارة مذهب أكثر العامّة ، على ما ذكره الشيخ في الاستبصار (١).

وقد يقال : بل أكثرهم على النجاسة ، كما يظهر من ابن إدريس (٢) وقد عرفت كلامه والسيد ، فإنّه قال : لا خلاف بين المسلمين في نجاسته إلّا من شذّاذ منهم (٣) ، لا اعتبار بقولهم.

وقد يجاب بأنّ ذلك تقيّة من أُمرائهم ، حيث كانوا مولعين بشرب الخمر.

وقد يُردّ بأنّ ذلك ينافي عدم التقيّة في بيان تحريمه في الأخبار من دون تقيّة.

وقد يجاب بأنّ ذلك لأجل كونه ضرورياً من الدين ، مسطوراً في الكتاب المبين.

ويردّ بأنّ المبالغة في الأخبار أزيد مما ظهر في الكتاب ، والضرورة تخالف التقيّة أزيد من بيان نجاسته التي هي موافقة لمذاهب علمائهم.

أقول : ويمكن أن يقال : إنّ النجاسة مما تورث مهانة لصاحبها في أنظار العوام ، بخلاف أكل الحرام ، فقد تستنكف النفوس عن نسبتهم إلى النجاسة وأكل النجس ، بخلاف الحرام ، سيّما الظلمة والمتغلّبين ، فناسب فيه التقيّة.

وأما الحرمة ، فمع علمهم بذلك وتجاهرهم بتعاطيه مع كمال وضوحه فليس بهذه المثابة.

وكيف كان ، فالشهرة العظيمة مع الإجماعات المنقولة وملاحظة حماية الحمى وسدّ الطرق إلى الاستهانة والاستخفاف بمثل هذا الخبيث الذي هو أبو المفاسد العظام ، ومادّة جميع الفسوق والآثام مما يعيّن ترجيح أخبار المشهور.

وأما سائر المسكرات المائعة بالأصالة ، فلم يفرّق الأصحاب بينهما ، ولا خلاف

__________________

(١) الاستبصار ١ : ١٩٠ ذ. ح ٦٦٧.

(٢) السرائر ١ : ١٧٩ ، وكصاحب المدارك ٢ : ٢٩٠.

(٣) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨١.

٤٢٣

بينهم في ذلك على ما يظهر من غير واحد منهم (١).

وتدلّ عليه الأخبار الكثيرة مما يدلّ على كون كلّ ما كانت عاقبته عاقبة الخمر مثل الخمر في الحكم ، وأنّ كلّ مسكر خمر ، فإنّ المراد به اتحادها في الحكم ، حتّى ورد في بعض الصحاح أنّ الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمِزر من الشعير ، والنبيذ من التمر (٢).

ويدلّ عليه خصوص الأخبار المتقدّمة ، وغيرها.

وأما عدم نجاسة الغير المائع بالأصالة من المسكرات ، وإن صار مائعاً بالعرض ، فكأنّه إجماعيّ كما يظهر من غير واحد (٣) ، والمتبادر مما مرّ من الأخبار أيضاً ذلك ، إلّا في بعض ما دلّ بالعموم على أنّ كلّ مسكر خمر ، والإنصاف أنّ المتبادر منه أيضاً المائع.

وكيف كان فطهارته مقتضى الأصل ، وليس ما يعتمد عليه في خروجه عنه.

وأما لو جمد المائع ، فهو أيضاً نجس ، لاستصحاب النجاسة ، وعدم المخرج.

ثم إنّ الأصحاب ألحقوا الفقاع بالخمر في الحكم ، وإن لم يكن مسكراً ، وادّعى عليه الإجماع الشيخ (٤) وابن زهرة (٥) والعلامة (٦).

ويدلّ عليه مضافاً إلى نقل الإجماع ، الأخبار المستفيضة بأنّه خمر ، وأنّه خمر مجهول ، وهي الخمر بعينها ، ونحو ذلك ، وإن لم نقل بثبوت الحقيقة فيه كما هو الأظهر ، فلا ريب أنّ الظاهر من تلك الأخبار اتحاد حكمه معه.

__________________

(١) كالسيد في المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨١ ، والشيخ في الخلاف : كتاب الأشربة مسألة ٥ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ٤٢٤.

(٢) انظر الوسائل ٢ : ١٠٥٤ أبواب النجاسات ب ٣٨ ، وج ١٧ : ٢٢١ أبواب الأشربة المحرّمة ب ١ ، ٢.

(٣) انظر المعالم : ٢٤١ ، والمدارك ٢ : ٢٨٩ ، وروض الجنان : ١٦٣.

(٤) الخلاف : كتاب الأشربة مسألة ٦.

(٥) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٠.

(٦) المنتهي ٣ : ٢١٧ ، نهاية الأحكام ١ : ٢٧٢.

٤٢٤

وخصوص رواية أبي جميلة البصري ، عن يونس بن عبد الرحمن : أنّه روى عن هشام بن الحكم ، قال : «لا تشربه ، فإنّه خمر مجهول ، وإذا أصاب ثوبك فاغسله» (١).

وأما العصير العنبي فيظهر من المختلف والشيخ عليّ أنّ أكثر الأصحاب قائل بنجاسته إذا غلا (٢) ، والمحقّق في المعتبر وغيره زاد عليه الاشتداد أيضاً (٣) ، وجعله بعضهم تفسير الغليان من جهة تصاعد الأجزاء المائيّة بالبخار (٤).

وكيف كان فحكم جماعة من المتأخّرين بأنّه لا دليل على ذلك وأصل البراءة والطهارة يقتضي عدم النجاسة (٥) كما هو مذهب ابن أبي عقيل (٦).

أقول : ويمكن أن يستدلّ عليه بالأخبار الدالّة على أنّ العصير إذا غلا فهو خمر بالتقريب الذي مرّ في الفقاع وسائر المسكرات.

ويظهر من تتبّع الأخبار أنّ ما أُطلق عليه الخمر فهو مثل الخمر في الأحكام ، وإن لم نقل بثبوت الحقيقة اللغويّة كما قيل (٧) ، أو الشرعيّة ، فإن إطلاق الخمر يقتضي المشابهة في كلّ الأحكام أو الأحكام الشائعة ، والنجاسة من جملتها.

ومما يرشدك إلى ما ذكرنا : ما نقله الكليني في باب أصل حرمة الخمر (٨) ، ويشهد به ما نقله الصدوق عن رسالة أبيه إليه (٩) ، وعبارة فقه الرضا (١٠) ، وغيرها.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٢٣ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٢٨٢ ح ٨٢٨ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٥ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٥.

(٢) المختلف ١ : ٤٦٩ ، جامع المقاصد ١ : ١٦٢.

(٣) المعتبر ١ : ٢٤ ، الشرائع ١ : ٤٤.

(٤) كالشهيد في الذكرى : ١٣ ، والبيان : ٩١ ، والمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٣١٢ ، وصاحب المدارك ٢ : ٢٩٣.

(٥) المسالك ١ : ١٢٣ ، المدارك ٢ : ٢٩١ ، رياض المسائل ١ : ٣٦٤.

(٦) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٦٩

(٧) المسالك ١ : ١٢٣ ، المدارك ٢ : ٢٩١ ، رياض المسائل ١ : ٣٦٤

(٨) الكافي ٦ : ٣٩٣ باب أصل تحريم الخمر ، الوسائل ١٧ : ٢٢٣ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٢.

(٩) الفقيه ٤ : ٤٠.

(١٠) فقه الرضا (ع) : ٢٧٩.

٤٢٥

وأما اشتراط الاشتداد ، فلم نعرف له دليلاً.

والجسم الطاهر الذي ينجس فيه بالغليان كالدقيق والجوز واللوز ونحوها ، فالأظهر طهارته بعد ذهاب الثلثين ، لإطلاقات الأخبار ، وإشعار بعض الأخبار ، حيث جوّز أخلاط الماء مع العصير ثم حِلّه بعد ذهاب الثلثين (١).

ويكفي ذهاب الثلثين بأيّ نحوٍ اتفق ، ولا يجب أن يكون بالنار.

وأما العصير الزبيبي والتمري فقال الشهيد الثاني : لا شبهة في عدم نجاسته (٢).

أقول : ويظهر من بعضهم القول (بنجاسته) (٣) (٤) ، ولعلّ نظر القائل أيضاً إلى ما ذكرنا من جعله من جملة الخمر بسبب الغليان ، وبرواية عيثمة قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده نساؤه ، قال : فشمّ رائحة نضوح فقال : «ما هذا؟» قالوا : نضوح يجعل فيه الضياح ، قال : فأمر به فأُهريق في البالوعة (٥) (٦).

مضافاً إلى موثّقة عمّار في تفسير النضوح قال : «يطبخ التمر حتّى يذهب ثلثاه. ويبقى ثلثه ، ثم يتمشّطن» (٧) المشعرة بعدم جواز التمشّط قبل ذهاب الثلثين.

فلعلّ الأمر بالإهراق كان لذلك.

وأما الحرمة فأما في العنبي فمما لا خلاف فيه ، وفي الزبيبي والتمري خلاف ، والأظهر الحرمة كما يجي‌ء في المطاعم والمشارب.

التاسع : اختلف الأصحاب في نجاسة عرق الجنب من حرام فعن جماعة من

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٢٣٦ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٨.

(٢) روض الجنان : ١٦٤.

(٣) نقله عن شيخه سليمان بن عبد الله البحراني في الحدائق ٥ : ١٤١.

(٤) بدل ما بين القوسين في «م» ، «ز» : به.

(٥) الكافي ٦ : ٤٢٨ ح ١ ، التهذيب ٩ : ١٢٣ ح ٢٦٤ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٨ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٣٢ ح ١.

(٦) النضوح بفتح أوّله ضرب من الطيب يفوح رائحة ، والضياح اللبن الرقيق الممزوج بالماء (منه رحمه‌الله).

(٧) التهذيب ٩ : ١٢٣ ح ٢٦٦ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٣ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٣٧ ح ١.

٤٢٦

القدماء النجاسة (١) ، وعن سلار (٢) وابن إدريس (٣) وعامّة المتأخّرين الطهارة.

والأوّل أقوى ، للإجماع المنقول في الخلاف ، حيث استند في الخلاف بإجماع الفرقة والأخبار ، ولم يذكر الأخبار.

قال الشهيد : ولعلّه ما رواه محمَّد بن همام بإسناده إلى إدريس بن يزداد (٤) الكفرثوثي : أنّه كان يقول بالوقف ، فدخل سرّ من رأى في عهد أبي الحسن عليه‌السلام ، وأراد أن يسأله عن الثوب يعرق فيه الجنب أيصلّى فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره عليه‌السلام حرّكه أبو الحسن عليه‌السلام بمقرعة وقال مبتدئاً : «إن كان من حلّال فصلّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصلّ فيه» (٥).

ويدلّ عليه أيضاً ما ورد من النهي عن الاغتسال من غُسالة الحمّام : «فإنّه يغتسل فيه من الزنا» وفي اخرى : «يغتسل فيه الجنب من الحرام» (٦).

وفي الغنية : وقد ألحق أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلّالة ، وعرق الجنب إذا أجنب من الحرام (٧).

واحتجّ الآخرون بالإطلاقات والعمومات ، والمقيّد حاكم على المطلق إذا قاومه ، ولا يبعد القول بالمقاومة.

واختلفوا أيضاً في عرق الإبل الجلّالة ، فعن الشيخين (٨) وابن البرّاج (٩) النجاسة ،

__________________

(١) منهم المفيد في المقنعة : ٧١ ، والشيخ في الخلاف ١ : ٤٨٣ ، والنهاية : ٥٣ ، وابن البرّاج في المهذّب ١ : ٥١ ، والصدوق في الفقيه ١ : ٤٠ ، والهداية : ٢١ ، والأمالي : ٥١٦.

(٢) المراسم : ٥٦.

(٣) السرائر ١ : ١٨١.

(٤) في الوسائل : داود.

(٥) الذكرى : ١٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٣٩ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١٢.

(٦) انظر الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٣ ، ٢.

(٧) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥١.

(٨) الشيخ المفيد في المقنعة : ٧١ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٨ ، والنهاية : ٥٣.

(٩) المهذب ١ : ٥١.

٤٢٧

وعن ابن زهرة أنّه نسبه إلى أصحابنا (١) ، وعن سلار (٢) وابن إدريس (٣) وجمهور المتأخّرين الطهارة.

للأوّلين : صحيحة هشام بن سالم (٤) وحسنة حفص بن البختري (٥).

وللآخرين : الأصل ، وحملوا الروايتين على الاستحباب. وهو مشكل ، لعدم المعارض. ولا ريب أنّ الأحوط بل الأظهر الاجتناب.

العاشر : ذهب الشيخ في النهاية إلى نجاسة الفأرة والوزغة والثعلب والأرنب(٦) وقبله المفيد في الأوّلين (٧) ، وبعده أبو الصلاح (٨) وابن زهرة في الأخيرين ، ونقل ابن زهرة الإجماع على ذلك (٩).

وذهب جمهور المتأخّرين إلى الطهارة ، وهو الأقوى ، للأصل ، وصحيحة البقباق في الجميع (١٠) ، ورواية الحسن بن شهاب في الثعالب (١١) ، وكذا جميع ما

__________________

(١) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥١.

(٢) المراسم : ٥٦.

(٣) الموجود في السرائر ١ : ١٨١ ، وعرق الإبل الجلّالة تجب إزالته على ما ذهب إليه بعض أصحابنا دون غيرها من الجلّالات ، وانظر مفتاح الكرامة ١ : ١٥٢ ، ولكن نقله عنه في المختلف ١ : ٤٦١.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥٠ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٦٣ ح ٧٦٨ ، الوسائل ٢ : ١٠٢١ أبواب النجاسات ب ١٥ ح ١. وفيها : لا تأكل اللحوم الجلّالة ، وإن أصابك من عرقها فاغسله.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٦٣ ح ٧٦٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٢١ أبواب النجاسات ب ١٥ ح ٢.

(٦) النهاية : ٥٢.

(٧) المقنعة : ٧٠.

(٨) الكافي في الفقه : ١٣١.

(٩) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥١.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٢٥ ح ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ ح ٤٠ ، الوسائل ٢ : ١٠١٤ أبواب النجاسات ب ١١ ح ١. وفيها : سألت أبا عبد الله (ع) عن فضل الهرّة .. والوحش والسباع فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه فقال : «لا بأس به» حتّى انتهيت إلى الكلب ، فقال : رجس نجس ..

(١١) التهذيب ٢ : ٣٦٧ ح ١٥٢٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨٢ ح ١٤٤٨ ، الوسائل ٣ : ٢٦٠ أبواب لباس المصلّي ب ٧ ح ١٠.

٤٢٨

قدمناه في تذكية السباع مما يدلّ على جواز لبس جلودها.

وتعارضها صحيحة عليّ بن جعفر في الفأرة (١) ، وكذا موثّقة عمّار (٢) وصحيحة معاوية بن عمّار فيها وفي الوزغة (٣) ومرسلة يونس في الثعلب والأرنب (٤).

ولا بد من حمل المعارضات على الاستحباب ، لعدم المقاومة.

وقول السيد وابن الجنيد بنجاسة سؤر الجلّال (٥) ، وقول الشيخ بنجاسة سؤر أكل الجيف من الطير (٦) ، ضعيف مخالف للأصل والروايات ، ولا مستند لهما يعتدّ به ، ولا بأس بالكراهة كسؤر الحائض المتهمة والدجاج مطلقاً ، وفيه تأمّل. والأخبار مستفيضة بنفي البأس عن سؤر ما يؤكل لحمه ، وعمّا يشرب منه الطير ، وما ورد في خصوص الدجاجة (٧).

وكذا قول الشيخ في المبسوط وابن إدريس بنجاسة سؤر غير مأكول اللحم من الحيوان الإنسي ، سوى ما لا يمكن التحرّز منه ، كالفأرة والهرّة والحيّة (٨) ضعيف ، للأصل ، وصحيحة البقباق وغيرها من الأخبار (٩).

واحتجّ الشيخ بمفهوم موثّقة عمّار : «كلّ ما أُكل لحمه يتوضّأ من

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٠ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٦١ ح ٧٦١ ، وج ٢ : ٣٦٦ ح ١٥٢٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٤٩ أبواب النجاسات ب ٣٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٤ ح ٨٣٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٢ أبواب النجاسات ب ٣٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٨ ح ٦٨٨ ، وص ٢٤٥ ح ٧٦٠ ، الاستبصار ١ : ٣٩ ح ١٠٦ ، الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٧ ح ١٦ ، التهذيب ٢ : ٣٥٨ ح ١٤٨٣ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٠ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٣.

(٥) حكاه عنهما في المعتبر ١ : ٩٧ ، والمختلف ١ : ٢٢٩ ، وكشف اللثام ١ : ٣١.

(٦) النهاية : ٥.

(٧) الوسائل ١ : ١٦٦ أبواب الأسآر ب ٤ ، ٥.

(٨) المبسوط ١ : ١٠ ، السرائر ١ : ٨٥.

(٩) انظر الوسائل ١ : ١٦٣ أبواب الأسآر ب ١ ح ٤ ، ٦.

٤٢٩

سؤره ويشرب» (١).

وقد يقال : إنّ مخالفة المنطوق والمفهوم تحصل بأن ينقسم المفهوم إلى قسمين ، يعني أنّ حكم كلّ ما يؤكل لحمه جواز شرب سؤره ، وحكم ما لا يؤكل لحمه أنّه ينقسم إلى قسمين ، قسم منه لا يجوز كالكلب والخنزير ، وقسم منه يجوز كغيرهما ، فلا تبقى حجّة في الاستدلال.

ولكن فيه تأمّل ، لأنّه طرح لاعتبار المفهوم بالنسبة إلى التعميم في المنطوق ، ولا وجه لإخراج ذلك القسم عن حكم المنطوق ، فإنّ ذكر الوصف مخرج لغير محلّه على ما هو مقتضى حجيّة المفهوم ، فيبقى إخراجه خالياً عن الفائدة ، فذلك قول بعدم كون الفائدة في التقييد هي مخالفة حكم المسكوت للمنطوق ، وهو خروج عن القول بالحجيّة.

فالتحقيق في الجواب : منع مقاومتها لما ذكرنا.

ودليله على الاستثناء لعلّه لزوم العسر والحرج ، والأخبار الكثيرة فيها ، هذا.

ولكنك عرفت أنّ للشيخ قولاً في النهاية بنجاسة الفأرة أيضاً (٢). ولا ريب في ضعفه أيضاً.

ولعلّ النهي عن استعمال ما دخلت فيه الحيّة لأجل السميّة ، ولا بأس بكراهتها (٣).

وذهب الشيخ (٤) وسلار (٥) وابن حمزة (٦) إلى نجاسة المسوخات ، والأكثر على

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٢٢٨ ح ٦٦٠ ، الاستبصار ١ : ٢٥ ح ٦٤ ، الوسائل ١ : ١٦٦ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٢.

(٢) النهاية : ٥٢.

(٣) في «ز» : بكراهتهما.

(٤) الخلاف ٣ : ١٨٤.

(٥) المراسم : ٥٥.

(٦) الوسيلة : ٧٨.

٤٣٠

طهارتها عيناً ولعاباً ، وهو الأقوى ، للأصل وصحيحة البقباق (١) وغيرها من العمومات والإطلاقات.

واحتجّوا بحرمة بيعها ، وليس إلّا لنجاستها. وهما ممنوعان ، وليس للأوّل إلّا رواية مسمع الدالّة على النهي عن بيع القردان (٢) ، وهي ضعيفة ، ومع التسليم فنمنع العليّة.

وذهب ابن الجنيد إلى نجاسة المذي عقيب الشهوة (٣) لبعض الأخبار (٤). وهو مدفوع بالصحاح (٥) ، وإلى نجاسة لبن الجارية (٦) ، لرواية السكوني (٧) ، وهي مع ضعفها مهجورة عند الأصحاب ، وربّما حملت على الاستحباب.

ونقل في المبسوط قولاً بنجاسة القي‌ء (٨) ، وهو ضعيف ، للأصل ، والعمومات ، وخصوص رواية عمّار (٩).

ولا إشكال في طهارة القيح والصديد إذا خلا عن الدم.

وتردّد المحقّق في نجاسة الدود والصراصر إذا تخلّق من النجاسة (١٠) ، ولا وجه له ،

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٠١٤ أبواب النجاسات ب ١١ ح ١٠ ، وقد مرّت.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٧ ح ٧ ، التهذيب ٧ : ١٣٤ ح ٥٩٤ ، وج ٦ : ٣٧٤ ح ١٠٨٦ ، الوسائل ١٢ : ١٢٣ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ ح ٤ ، وفي طريقها سهل بن زياد وغيره من الضعفاء.

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٦٣.

(٤) الوسائل ٢ : ١٠٢٤ أبواب النجاسات ب ١٧ ، وج ١ : ١٩٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٢.

(٥) الوسائل ٢ : ١٠٢٤ أبواب النجاسات ب ١٧ ، وج ١ : ١٩٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ٢.

(٦) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٦٠.

(٧) التهذيب ١ : ٢٥٠ ح ٧١٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ ح ٦٠٤ ، وفي الفقيه ١ : ٤٠ ح ١٥٧ مرسلاً ، الوسائل ٢ : ١٠٠٣ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٤ ، وفي طريقها النوفلي ، وفيها : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم لأنّ لبنها يخرج من مثانة أُمها ..

(٨) المبسوط ١ : ٣٨.

(٩) الكافي ٣ : ٤٠٦ ح ١٣ ، التهذيب ١ : ٤٢٣ ح ١٣٤٠ ، وج ٢ : ٣٥٨ ح ١٤٨٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٧٠ أبواب النجاسات ب ٤٨ ح ١.

(١٠) المعتبر ١ : ١٠٢.

٤٣١

للأصل ، وضعف الاستصحاب هنا ، لتغيّر الاسم ، ولكلّ ما دلّ على طهارة ما مات فيه ما لا نفس له سائلة.

وصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الدود يقع من الكنيف على الثواب أيصلّى فيه؟ قال : «لا بأس ، إلّا أن ترى فيه أثراً فتغسله» (١).

والظاهر أنّ ما يخرج من المقعدة أيضاً كذلك ، لما ذكرنا ، بل الظاهر طهارة الحبوب التي تخرج من المقعدة ، مثل الحمّص والعدس ونحوهما إذا خلت عن النجاسة ما لم تستحل ، ولا وجه لتحديده بعدم الإنبات.

وأما لو كان متلطّخاً بالنجاسة ففي تطهيره التفصيل الاتي في محلّه ، والظاهر حرمتها ، لكونها من الخبائث.

وأما الحديد فهو طاهر قولاً واحداً ، واستفاضت به الأخبار المعتبرة (٢). ويدلّ عليه عمل المسلمين في الأعصار والأمصار. وما ورد من الأخبار بخلافه (٣) ؛ فهو مهجور ، وربّما حمل على الاستحباب.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٧ ح ١٥٢٣ ، الوسائل ٢ : ١٠٩٩ أبواب النجاسات ب ٨٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ١١٠١ أبواب النجاسات ب ٨٣.

(٣) الوسائل ٢ : ١١٠١ أبواب النجاسات ب ٨٣.

٤٣٢

المقصد الثاني

في إزالة النجاسات وتطهيرها

وفيه مباحث :

الأوّل : تجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة والطواف الواجب ، وعن المأكول والأواني التي تستعمل في الأكل والشرب على التفصيل الاتي في مواضعها ، بإخراج حالة الاضطرار ، أو العفو في بعض أفرادها ، كما ستجي‌ء مع أدلّتها في محالها. ولا وجوب لها في نفسها بلا خلاف ظاهر.

قالوا : وتجب إزالتها لدخول المساجد وعن المساجد ، وهو في الجملة إجماعيّ كما نقله الشيخ (١) وابن إدريس (٢).

واحتجّوا عليه بقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) (٣) لظهور إرادة النجاسة المصطلحة ، وتعليل عدم القرب بالنجاسة كما تفيده الفاء ، وعدم القول بالفرق بين نجاسة الشرك وغيره ، وكذا بين المسجد الحرام وغيره.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥١٨.

(٢) السرائر ١ : ١٨٩ ، ٢٧٨ ، ولم ينقل الإجماع.

(٣) التوبة : ٢٨.

٤٣٣

وبقوله تعالى (طَهِّرا بَيْتِيَ) (١).

وفيه : مع منع ثبوت الحقيقة الشرعيّة وإمكان إرادة الطهارة عن الأصنام أنّ ذلك إنّما كان قبل شرعنا.

ويمكن دفعه بظهور مطلوبيّته من حكايته تعالى لنا.

وأما التمسّك بالاستصحاب لعدم العلم بمنسوخيّة جميع الأحكام ، وكون كلّ مشروع ذا حُسن ذاتي ، فهو لا يتمّ كما سنشير إليه في صلاة الجمعة.

وبقوله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٢) وفيه ما فيه.

وبقوله عليه‌السلام : «جنّبوا مساجدكم النجاسة» (٣) وهذا أظهر من الآيات. ولا وجه للقدح في السند ، لانجباره بالعمل.

ويمكن أن يستدلّ عليه بموثّقة الحلبي ، قال : نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر ، فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، فقال : «أين نزلتم؟» فقلت : نزلنا في دار فلان ، فقال : «إنّ بينكم وبين المسجد زقاقاً قذراً» أو قلنا له : إنّ بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً ، فقال : «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» قلت : فالسرقين الرطب أطأ عليه؟ فقال : «لا يضرّك مثله» (٤).

وما رواه في آخر السرائر من نوادر البزنطي ، عن المفضّل بن عمر ، عن محمَّد الحلبي ، عنه عليه‌السلام قال ، قلت له : إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يُبال فيه ، فربّما مررت فيه وليس عليّ حذاء ، فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : «أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس ، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» قلت : فأطأ على الروث الرطب؟ قال :

__________________

(١) البقرة : ١٢٥.

(٢) المدثر : ٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٥٠٤ أبواب أحكام المساجد ب ٢٤ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨ ح ٣ ، الوسائل ٢ : ١٠٤٧ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٤.

٤٣٤

«لا بأس» (١) الحديث.

وفي الموثّق : «فلا تدخله إلّا طاهراً» (٢).

وأما الأمر بتعاهد النعل في الأخبار (٣) ، فعلى تقدير تسليم دلالته محمول على الاستحباب ، لعدم الوجوب قبل العلم.

وكيف كان فهذه الأدلّة تكفي لإثبات أصل الحكم.

ولكن خصّصه جماعة من المتأخّرين بالمتعدّية (٤) ، وليس ببعيد ، لعدم استفادة المطلق من الدليل ، غاية الأمر استفادة حرمة المماسّة كما يظهر من الآية وروايتي الحلبي ، وأما مطلق إدخال النجاسة حتّى يشمل ما لو كان معه خاتم نجس أو منديل نجس يابس فلا.

فالأقوى الاكتفاء بما حصلت به المماسة متعدّياً كان أم لا ، وأما غير المماسّ فلا.

ثم إنّ فرش المسجد وبواريه لا يطلق عليها المسجد عرفاً ، لكن الأحوط الاحتراز عن مماسته بالنجاسة.

وأما الجدران والسقف فلا يظهر دليله ، إلّا أن يجعل السطح أيضاً مسجداً.

ويؤيّد جواز إدخال الغير المتعدّية من النجاسة جواز دخول الحيّض في المساجد بالإجماع كما نقله الشيخ مع كونهن غير منفكّات عن النجاسة غالباً (٥).

وكذلك عدم استثناء ذوي القروح والجروح وصاحب السلس وغيرهم بل من على يده شقاق دامية وغيرها من وجوب صلاة الجمعة ، ولم يثبت نهي عن هؤلاء.

ويظهر مما ذكرنا أنّه لا دليل على حرمة إزالة النجاسة في الماء الكثير الكائن

__________________

(١) مستطرفات السرائر ٣ : ٥٥٥ ، الوسائل ٢ : ١٠٤٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٣ ح ٧٤٣ ، الوسائل ٣ : ٥١٦ أبواب أحكام المساجد ب ٣٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٥٠٤ أبواب أحكام المساجد ب ٢٤.

(٤) كالشهيد في الذكرى : ٧٤ ، ١٥٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٤ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٧ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣٠٦.

(٥) الخلاف ١ : ٥١٧.

٤٣٥

في المسجد.

وألحق جماعة بالمسجد : الضرائح المقدسة ، والمصاحف المشرّفة ، وآلاتها الخاصّة ، كالجلد والفرش ونحوهما ، لاحترامها ، ولزوم تعظيم شعائر الله (١). وذلك الاستدلال وإن كان لا يخلو عن تأمّل ، ولكن الأحوط ما ذكروه.

الثاني : زوال حكم النجاسة يتوقّف على زوال العين إن كان لها عين ، أو استحالتها أو غير ذلك مما سيجي‌ء ، ولا عبرة باللون والريح إجماعاً ، كما نقله في المعتبر (٢).

وربّما يظهر من العلامة فيما بقي اللون والريح معاً إشكال (٣) ، ولا وجه له ، لحسنة محمّد بن المغيرة في الاستنجاء ، قال : «الريح لا يُنظر إليها» (٤) وللأخبار الدالّة على جواز إخفاء لون دم الحيض الذي لا يزول بالغسل بصبغ الثوب بمشق (٥).

بل ربّما يظهر من حكاية الاستنجاء بالأحجار والخرق للغائط أنّ بقاء اللزوجة والملاسة أيضاً غير مضرّ كما أشرنا إليه في محلّه ، إلّا أن يقتصر على مورده ، ولا ريب أنّ الأحوط ذلك ، بل الأظهر ، للزوم تحصيل اليقين بزوال العين مهما أمكن.

ويجب في غسل الثوب والبدن من البول التثنية ، وظاهر المحقّق دعوى الإجماع عليه ، لكنه جعل المرّتين في الثوب غسلاً وفي البدن صبّاً (٦) ، والظاهر أنّ مراده عدم الاحتياج إلى العصر والدلك في البدن ، لعدم نفوذ البول فيه ، بخلاف الثوب ،

__________________

(١) كالشهيد الأوّل في الذكرى : ١٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٤.

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٦.

(٣) نهاية الأحكام ١ : ٢٧٩.

(٤) الكافي ٣ : ١٧ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٢٨ ح ٧٥ ، الوسائل ١ : ٢٢٧ أبواب أحكام الخلوة ب ١٣ ح ١.

(٥) الوسائل ٢ : ١٠٣٢ أبواب النجاسات ب ٢٥. والمشق : الطين الأحمر ، مجمع البحرين ٥ : ٢٢٦.

(٦) المعتبر ١ : ٤٣٥.

٤٣٦

وهو كما ذكره ، لظاهر الروايات (١) ، إلّا إذا توقّفت إزالة العين عليه ، كما إذا اختلط بمذي أو لزجٍ آخر.

واستدلال العلامة على وجوب الدلك بموثّقة عمّار (٢) قياس ، فإنّه في إناء الخمر مع أنّه معارض بما رواه خالياً عن الدلك (٣).

ويدلّ على وجوب التثنية في الثوب الصحاح ، منها صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثوب يصيبه البول ، قال : «اغسله في المركن مرّتين ، فإنّ غسلته في ماء جارٍ فمرّة واحدة» (٤).

وعلى وجوب المرّتين فيه وفي البدن مع الاكتفاء بالصبّ أيضاً رواية الحسين بن أبي العلاء ، ولا يبعد أن تُعدّ صحيحة (٥) (٦) ، وكذلك حسنة أبي إسحاق النحوي الإمرة بصبّ الماء مرّتين على الجسد (٧).

ولا وجه لتأمّل بعض الأصحاب في تثنية غسل البدن (٨) ، لاعتبار الروايتين واعتضادهما بالشهرة.

ولا لاكتفاء العلامة بالمرّة فيما إذا جفّ ، نظراً إلى بعض الاعتبارات (٩).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٠٠١ أبواب النجاسات ب ١.

(٢) الكافي ٦ : ٤٢٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ ح ٨٣٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٧٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١. وفيها وقد سأله عن القدح الذي يشرب فيه الخمر : لا يجزئه حتّى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرّات. وانظر نهاية الأحكام ١ : ٢٧٧.

(٣) الكافي ٦ : ٤٢٧ ح ١ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٤ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٣٠ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٠ ح ٧١٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٠٢ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ ح ٧١٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٠١ أبواب النجاسات ب ١ ح ٤.

(٦) لأنّه ممّن يروي عنه صفوان وابن أبي عمير ، ونقل عن ابن طاوس في البشرى تزكيته (منه رحمه‌الله).

(٧) التهذيب ١ : ٢٤٩ ح ٧١٦ ، الوسائل ٢ : ١٠٠١ أبواب النجاسات ب ١ ح ٣ ، قال : سألته عن البول يصيب الجسد ، قال : صُبّ عليه الماء مرّتين.

(٨) المدارك ٢ : ٣٣٧.

(٩) المنتهي ٣ : ٢٦٤.

٤٣٧

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج غير دالّة على كفاية مطلق الغسل (١) (٢) ، ولو سلّم فتقيّد بما مرّ كسائر إطلاقات الغسل.

وفي إلحاق غير الثوب والبدن مثل الألواح والخشب والفرش إشكال ، والتثنية أحوط.

والظاهر اعتبار الفصل الحسي بين الغسلتين ، لظاهر الروايات. واعتبار جماعة من الأصحاب التقديري (٣) ضعيف.

ثم قد عرفت دلالة صحيحة محمّد بن مسلم على أنّ المرّة كافية إذا كان في الجاري ، والأقوى العمل عليها ، لخصوص تلك الصحيحة ، وانصراف الإطلاقات إلى القليل أيضاً.

والمشهور الاكتفاء به في مطلق الكثير (٤) ، وليس ببعيد.

وعن الشيخ اعتبار التثنية في الجميع (٥) ، وعن الصدوق التفصيل ، فيكفي في الجاري دون الراكد (٦) ، ويظهر وجه الكلّ مما سبق ، والاحتياط في التثنية مطلقاً ، وفي الراكد آكد.

وأما غير البول من النجاسات ، ففي الاكتفاء بالمرّة ولزوم التثنية قولان.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢١ ح ١٢٣٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٣ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٢.

(٢) سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل يبول بالليل فيحسب أنّ البول أصابه فلا يستيقن ، فهل يجزئه أن يصبّ على ذكره إذا بال ولا يتنشف؟ قال : يغسل ما استبان أنّه قد أصابه وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه ويتنشف قبل أن يتوضأ. ووجه عدم الدلالة أنّه ليس في مقام كيفيّة الغسل فلا تعويل على الإطلاق كما لا يخفى على المطّلع بقواعد الأُصول (منه رحمه‌الله).

(٣) كالشهيد في الذكرى : ١٥ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣٣٩.

(٤) منهم العلامة في التذكرة ١ : ٨١ ، ونهاية الأحكام ١ : ٢٧٩ ، والشهيد الأوّل في اللمعة : ١٧ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦٧.

(٥) القول بالتثنية مطلقاً منسوب إلى المحقّق في المعتبر ١ : ٤٦٠ ، وأما الشيخ فلم يعتبر المرّتين أصلاً ، انظر مفتاح الكرامة ١ : ١٦٩ ، والحدائق ٥ : ٤٣٥.

(٦) الفقيه ١ : ٤٠ ذ. ح ١٥٦.

٤٣٨

وقال العلامة : بأنّ الثخينة أولى بتعدّد الغسل (١) ، وقد يستدلّ على ذلك برواية الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه‌السلام : وقد سأله عن البول يصيب الجسد قال : «صُبّ عليه الماء مرّتين ، فإنّما هو ماء» (٢) فإنّ مفهومه أنّ غير الماء أكثر عدداً ، وليس غيره بأقلّ من ذلك.

وصحيحة محمّد بن مسلم عنه عليه‌السلام : أنّه ذكر المني فشدّده ، وجعله أشدّ من البول (٣).

وقد يستدلّ بما في المعتبر بعد نقل رواية الحسين بن أبي العلاء ، بعد قوله : «مرّتين» الأولى للإزالة والثانية للإنقاء (٤).

ودلالة الأوّلين ممنوعة ، فإنّ ملاحظة المفهوم لعلّه من جهة كفاية الصبّ ، وعدم الاحتياج إلى الغسل والعصر والدلك ، والتشديد في النجاسة لا يدلّ على تفاوته في الغسل كما تراهم لا يفرّقون في غسل دم الحيض ودم الشاة وإن عفي عن أقلّ من الدرهم في الصلاة من الثاني دون الأوّل ، مع أنّ التشديد لعلّه من جهة الاهتمام في إزالته ، لسماجته وصعوبة إزالته ، وذلك لا يستلزم كثرة الغسلات.

وأما الثالث ، فقيل : إنّ الظاهر أنّه كلام المحقّق قد توهّم من نسبه إلى الرواية غفلة ، لعدم وروده في الكتب المشهورة من الأحاديث ، مع أنّه لا يتمّ فيما لم يَبق له عين مثل ما أُزيل الدم من البدن بالمرّة بشي‌ء غير الماء ، فعلى هذا فتبقى الإطلاقات الدالّة على كفاية المرّة في المني والكلب وغيرهما من النجاسات سالمة (٥) ، والاحتياط في الجميع التثنية.

__________________

(١) المنتهي ٣ : ٢٦٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ ح ٧١٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٠١ أبواب النجاسات ب ١ ح ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٢ ح ٧٣٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٣ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٢.

(٤) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٥) الذخيرة : ١٦١ ، وانظر المعتبر ١ : ٤٣٥.

٤٣٩

ثم إنّ الأصحاب استثنوا بول الرضيع قبل الاغتذاء بالطعام ، فلم يوجبوا الغسل ، بل اكتفوا بالصبّ ، والظاهر أنّ الصبّ أعمّ من الغسل من وجه ، وأنّ مرادهم أنّه لا يجب الغسل ، بل يكفي الصبّ ولو كان في ضمن غير الغسل.

وأنت خبير بأنّ الغسل بالقليل في العرف لا يصدق إلّا بالجريان وانفصال الماء ، بخلاف الصبّ ، وظاهر القائلين بكفاية الصبّ أنّه لا يجب الغسل.

قال السيد في المسائل الناصريّة : وعندنا أنّ بول الغلام الصغير لا يجب غسله من الثوب ، بل يصبّ عليه الماء صبّاً ، وإن كان قد أكل الطعام وجب غسله ، وقال الشافعي بمثل مذهبنا ، ونص على أنّه يكفي فيه الرش إلى أن قال وأما الذي يدلّ على خفّة بول الرضيع وجواز الاقتصار على صبّ الماء والنضح فهو إجماع الفرقة المحقّة ، وما رواه أمير المؤمنين عليه‌السلام عن النبيّ صلى الله عليه وإله قال : «يغسل من بول الجارية ، وينضح على بول الصبي ما لم يأكل الطعام» (١) وروت لنا زينب بنت الجون أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ الحسين بن عليّ عليه‌السلام فأجلسه في حجره فبال عليه قالت ، فقلت له صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أخذت ثوباً وأعطيتني إزارك لأغسله ، فقال عليه‌السلام : «إنّما يغسل من بول الأُنثى ، وينضح على بول الذكر» (٢) هذا كلامه (٣).

وهو كما ترى يدلّ على عدم اعتبار الجريان أصلاً.

ومثله كلمات غيره ، قال في الذكرى : وقال الفاضل مراتب إيراد الماء ثلاثة : النضح المجرد ، ومع الغلبة ، ومع الجريان ، ولا حاجة في الرش إلى الجريان ، بل إلى النضح والغلبة ، وجعل الرش لبول الرضيع (٤) إلى غير ذلك من كلماتهم

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٥٦ ح ٣٧٧ ، ٣٧٨ ، عمدة القارئ ٣ : ١٣.

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٥٦ ح ٣٧٥ ولكنه عن لبابة بنت الحارث ، وعنه في البحار ٤٣ : ١٠٣.

(٣) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨١.

(٤) الذكرى : ١٧.

٤٤٠