غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

والحاصل أنّ تلك الأخبار مع اعتضادها بالإجماعين المنقولين وعمل الأصحاب واستصحاب الحالة السابقة كافية وافية ، وستجي‌ء موثّقة سماعة في تذكية السباع أيضاً ، فلا وجه لتأمّل جماعة من متأخّري المتأخّرين في هذا الحكم (١).

والمخالف في المسألة ابن الجنيد والشلمغاني في غير الصلاة (٢) ، لرواية حسين بن زرارة (٣) ، ورواية سماعة في جلد الميتة المملوح فرخّص فيه وقال : «إن لم تمسّه فهو أفضل» (٤) والروايتان مع ضعفهما محمولتان على التقيّة.

وأما ما رواه الصدوق مرسلاً في أوائل الفقيه ، الشامل لغير المدبوغ أيضاً (٥) ، فالاعتماد على ظاهره أضعف مما تقدّم.

ثم إنّ ابن الجنيد خصّ الكلام بما كان الدباغ بالطاهر (٦). ووجهه غير معلوم ، وتشعر به رواية ضعيفة (٧).

الخامس : استثنى الأصحاب من الميتة ما لا تحلّه الحياة والظاهر أنّ حكم المبانة من الحيّ أيضاً كذلك ، وهي : الصوف ، والشعر ، والريش ، والوبر ، والعظم والقرن ، والظلف ، والحافر ، والبيض ، والإنفحة واختلفوا في اللبن.

__________________

(١) كصاحب المدارك ٢ : ٣٨٧ ، وصاحب الذخيرة : ١٧٦.

(٢) نقله عنهما في المختلف ١ : ٥٠١ ، والذكرى : ١٦.

(٣) التهذيب ٩ : ٧٨ ح ٢٣٢ ، الاستبصار ٤ : ٩٠ ح ٣٤٣ ، الوسائل ١٦ : ٤٥٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٤ ح ٧. والرواية ضعيفة لأنّ راويها مهمل.

(٤) التهذيب ٩ : ٧٨ ح ٣٣٣ ، الاستبصار ٤ : ٩٠ ح ٣٤٤ ، الوسائل ١٦ : ٤٥٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٤ ح ٨.

(٥) الفقيه ١ : ٩ ح ١٥ ، الوسائل ٢ : ١٠٥١ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٥.

(٦) نقله عنه في المختلف ١ : ٥٠١.

(٧) وهي رواية السيّاري عن أبي يزيد القسمي عن الرضا (ع) عن جلود الدارش التي يتخذ منها الخفاف قال : لا تصلِ فيها فإنّها تدبغ بخرء الكلاب. الكافي ٣ : ٤٠٣ ح ٢٥ ، التهذيب ٢ : ٣٧٣ ح ١٥٥٢ ، علل الشرائع : ٣٤٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٩١ أبواب النجاسات ب ٧١ ح ١.

٤٠١

والأخبار باستثناء ما ذكر مستفيضة منها صحيحة الحلبي المتقدّمة (١).

ومنها : حسنة حريز قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام لزرارة ومحمّد بن مسلم : «اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر ، وكلّ شي‌ء يفصل من الشاة والدابة فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه» (٢).

وصحيحة زرارة ، عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الإنفحة تخرج من الجدي الميت ، قال : «لا بأس به» قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت ، قال : «لا بأس به» قلت : والصوف والشعر وعظام الفيل والجلد والبيض يخرج من الدجاجة ، قال : «كلّ هذا لا بأس به» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وتتميم المقام يستدعي بيان أُمور :

الأوّل : إنّهم اختلفوا في الإنفحة كاختلاف أهل اللغة في أنّه كرش الحمل والجدي ما لم يأكل (٤) ، أو هو الشي‌ء الأصفر الذي يحصل فيه وينجمد غالباً (٥) ، واصلة من اللبأ يدخل في اللبن ، ويعمل منه الجبن.

والأظهر من كلمات اللغويين هو الأوّل ، ولكن الأظهر من الأخبار هو الثاني ، غاية الأمر كون الاستعمال مجازاً ، ومن القرائن ذكره في عداد ما لا تحلّه الحياة.

والتصريح في رواية أبي حمزة ، عن الباقر عليه‌السلام : في جملة مكالماته مع قتادة : «إنّ الإنفحة ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، وإنّها مما يجعل في اللبن ليحصل منه الجبن» (٦) وغير ذلك من الأمارات.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ح ١٥٣٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٨٨ أبواب النجاسات ب ٦٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٩ : ٧٥ ح ٣٢١ ، الوسائل ١٦ : ٤٤٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٣ ح ٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٢١٦ ح ١٠٠٦ ، التهذيب ٩ : ٧٦ ح ٣٢٤ ، الاستبصار ٤ : ٨٩ ح ٣٣٩ ، الوسائل ١٦ : ٤٤٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٣ ح ١٠.

(٤) كما في الصحاح ١ : ٤١٣ ، وانظر المصباح المنير ٢ : ٣٢٥.

(٥) كما في القاموس المحيط ١ : ٢٦٢ ، والمغرب ٢ : ٢٢٠.

(٦) الكافي ٦ : ٢٥٦ ح ١ ، الوسائل ١٦ : ٤٤٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٣ ح ١.

٤٠٢

وظاهر إطلاقات الأخبار يقتضي عدم الحاجة إلى التطهير ، ويظهر من بعض الأصحاب لزومه ، لملاقاة النجس رطباً ، وأنّ الإطلاقات إنّما تدلّ على طهارتها من حيث الذات لا من جهة العارض ، وكذلك الكلام في ظاهر الجلدة بناءً على طهارتها.

ولا يبعد القول بلزوم تطهيرها عمّا لاقاه مع الرطوبة بعد الموت ، لا عن الملاقي لها قبله.

وبالجملة مقتضى الدليل أنّ ملاقاة النجس رطباً تنجّس ، لا أنّ تنجّس الملاقي الرطب يوجب تنجّس ملاقيه ، وفيما نحن فيه تنجس أحد المتلاقيين ، لا أنّ أحدهما لاقى نجساً.

الثاني : اتّفق الأصحاب ظاهراً على اشتراط اكتساء الجلد الأعلى في طهارة البيضة لرواية غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عليه‌السلام : عن بيضة خرجت من است دجاجة ميتة ، قال : «إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها» (١).

والظاهر أنّ مراد من اشترط اكتساء الجلد الصلب هو ما يصلب غالباً ، وإلّا فقد يخرج من است الدجاج ولم يصلب ، فالظاهر عدم الخلاف في المسألة.

ومراد من عبّر بالقشر الأعلى أو القشر الغليظ أو القشر الفوقاني أو الجلد الصلب واحد.

ويكفي في تقييد المطلقات هذه الرواية ، مع اعتضادها بالشهرة ، بل الإجماع.

وفي لزوم تطهير ظاهر الجلدة الاحتمالان السابقان ، بل القولان.

الثالث : اختلفوا في طهارة اللبن المحلوب من ضرع الميتة ويظهر من الدروس أنّ المشهور بين القدماء الحلّ ، حيث قال : القائل بالحرمة نادر (٢) ؛

__________________

(١) الكافي ٦ : ٣٥٨ ح ٥ ، التهذيب ٩ : ٧٦ ح ٣٢٢ ، الوسائل ١٦ : ٤٤٨ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٣ ح ٦.

(٢) نقله في مفتاح الكرامة ١ : ١٥٥.

٤٠٣

وكذلك يظهر من غيره أيضاً ، وعن الشيخ في الخلاف الإجماع على الطهارة (١).

وذهب ابن إدريس (٢) والفاضلان (٣) وجماعة (٤) إلى النجاسة.

والأوّل أقوى ، لحسنة حريز (٥) ، وصحيحة زرارة (٦) ، وقويّة حسين بن زرارة (٧) ، وغيرها من الأخبار.

والقدح في الحسنة بأنّ ما قيل : إنّ قوله عليه‌السلام : «وإن أخذته منه بعد أن تموت» لم يذكر فيها حكاية الموت واللبن مما لا يمكن غسله ، فلا دلالة فيها ، لا وجه له ، فإنّ الظاهر من سياق الرواية سيّما بملاحظة نظائرها أنّ المراد بالجميع هو المأخوذ من الميّت.

احتجّ الآخرون بأنّه مائع ملاقٍ للنجس ، فيكون نجساً ، ورواية وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليه‌السلام : «إنّ ذلك الحرام محضاً» (٨).

ويرد على الأوّل : منع كليّة الكبرى أولاً ، وتخصيصه بما ذكرناه ثانياً ، مع كثرة نظائره في الشريعة ، مثل ماء الاستنجاء ، وطهارة المذي الخارج من ممرّ البول ، وبقيّة الغُسالة في الثوب ، وغير ذلك.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٢٠.

(٢) السرائر (الطبعة الحجريّة) : ٣٦٩.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٢٣ ، المختصر النافع : ٢٥٣ ، المنتهي ٣ : ٢٠٤.

(٤) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٦٧.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٨ ح ٤ ، التهذيب ٨ : ٧٥ ح ٣٢١ ، الاستبصار ٤ : ٨٨ ح ٣٣٨ ، الوسائل ١٦ : ٤٤٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٣ ح ٣.

(٦) الفقيه ٣ : ٢١٦ ح ١٠٠٦ ، التهذيب ٩ : ٧٦ ح ٣٢٤ ، الاستبصار ٤ : ٨٩ ح ٣٣٩ الوسائل ١٦ : ٤٤٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٣ ح ١٠.

(٧) الكافي ٦ : ٢٥٨ ح ٣ ، التهذيب ٩ : ٧٥ ح ٣٢٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٨٩ أبواب النجاسات ب ٦٨ ح ٢ ، ٣.

(٨) التهذيب ٩ : ٧٦ ح ٣٢٥ ، الاستبصار ٤ : ٨٩ ح ٣٤٠ ، قرب الإسناد : ٦٤ ، الوسائل ١٦ : ٤٤٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٣ ح ١١.

٤٠٤

وعلى الثاني ضعف الرواية جدّاً (١) ، مع أنّها موافقة للعامّة ، فتحمل على التقيّة ، ولكن الاحتياط مما لا ينبغي تركه.

الرابع : المشهور جواز استعمال الصوف وأخواته بالجزّ والقطع ولكن حكموا في صورة القلع بغسل موضع الاتّصال (٢).

والشيخ اشترط الجزّ ، لأنّ أُصولها المتّصلة باللحم من جملة أجزائه ، وإنّما تستكمل استحالتها بعد تجاوزها عنه (٣) ، وهو ممنوع ، لصدق التسمية أوّلاً ، ولدلالة الأخبار ثانياً بإطلاقها وعمومها (٤) ، وهذه الإطلاقات مع اعتضادها بالأصل تترجّح على ما دلّ على نجاسة أجزاء الميتة لو سلم ما يدلّ عليه بالعموم.

وأما الغسل مع القلع ، فلعلّه من جهة ملاقاتها الميتة رطبة ، وخصوص الحسنة المتقدّمة (٥) ، وإنّ أمكن القدح فيه بأنّه لما شمل غير صورة القلع ، فلا يمكن حمله على العموم ، فلا بدّ من حمله على الاستحباب.

والخلاف المذكور يمكن إجراؤه في القرن والسن والظلف والحافر أيضاً ، وإن لم نقف على تصريح به في كلامهم.

والتعليل المتقدّم وظاهر الحسنة يقتضي الغسل في صورة القلع لو صاحب رطوبة.

الخامس : مقتضى الإطلاقات عدم الفرق في الأُمور المذكورة بين ما يؤكل لحمه وغيره

__________________

(١) فإنّ وهب الراوي قال عنه النجاشي : إنّه كان كذّاباً وله أحاديث مع الرشيد في الكذب. رجال النجاشي : ٤٣٠.

(٢) كالعلامة في النهاية ١ : ٢٦٩ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٦٣ ، وصاحب المدارك ٢ : ٢٧٢ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٨٢.

(٣) الخلاف ١ : ٦٦.

(٤) الوسائل ٢ : ١٠٨٨ أبواب النجاسات ب ٦٨.

(٥) يعني حسنة حريز المتقدّمة.

٤٠٥

وفرّق العلامة في البيضة ، فحكم بالنجاسة في غير المأكول (١) ، ولا وجه له.

وتردّد في المعالم (٢) في إنفحة مثل الحيوان الموطوء من جهة أنّ الأخبار مسوقة لبيان الحلّ ، ومنه استفيدت الطهارة ، وحيث لا حلّ فلا طهارة.

وما ذكره ممنوع ، لأنّ بعض الأخبار حكم بأنّها ذكيّة ونحو ذلك ، وهو أعم من الحلّ.

السادس : اختلف كلام العلامة في كتبه في فأرة المسك ، فذهب في غير المنتهي إلى طهارتها مطلقاً (٣) كالشهيد في الذكرى (٤) ، واستقرب في المنتهي نجاستها لو انفصلت بعد الموت (٥).

وظاهر إطلاق صحيحة عليّ بن جعفر : «عن فأرة المسك تكون مع الرجل وهو يصلّي ، وهي معه في جيبه أو ثيابه ، فقال : لا بأس بذلك» (٦) مع الأوّل.

وصحيحة عبد الله بن جعفر : «هل يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة مسك؟ قال : «لا بأس بذلك إذا كان ذكيّاً» (٧) مع الثاني.

وأصل الطهارة يعضد الأوّل ، سيّما مع عدم انصراف ما دلّ على نجاسة الميتة وكذلك ما دلّ على نجاسة المبان من الحي إلى ذلك ، سيّما مع احتمال إرادة عدم عروض النجاسة الخارجيّة من الذكيّ في الصحيحة الأُخرى ، والأحوط الاجتناب.

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٢٧٠ ، المنتهي ٣ : ٢٠٧ ، ٢٠٩.

(٢) نقله عنه في الحدائق ٥ : ٨٤.

(٣) التذكرة ١ : ٥٨ ، نهاية الأحكام ١ : ٢٧٠.

(٤) الذكرى : ١٤.

(٥) المنتهي ٣ : ٣٠٩.

(٦) الفقيه ١ : ١٦٥ ح ٧٧٥ ، التهذيب ٢ : ٣٦٢ ح ١٤٩٩ ، الوسائل ٣ : ٣١٤ أبواب لباس المصلّي ب ٤١ ح ١.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٦٢ ح ١٥٠٠ ، الوسائل ٣ : ٣١٥ أبواب لباس المصلّي ب ٤١ ح ٢.

٤٠٦

وقد يقال : إنّ شراءها من مسلم يكفي ، وفيه تأمّل لظهور الخلاف في المسألة بينهم.

وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف في طهارة غير ما انفصل بعد الموت.

وأما المسك فلا إشكال في طهارته ، للإجماع ، ولاستعمال المعصومين عليهم‌السلام إيّاه ، واحتمال ورود الإشكال بأنّه لعلّه كان مأخوذاً من الميتة أيضاً مدفوع باستصحاب الطهارة السابقة ، مع أنّه يمكن نفي البأس عمّا علم كونه منها أيضاً كالإنفحة.

السادس : الذكاة إما أن تثمر الحلّ والطهارة معاً كما في ما يؤكل لحمه بالإجماع والكتاب والسنة ، أو الحلّ فقط كالسمك ، أو الطهارة فقط كما في السباع.

ولا ريب في عدم تأثير الذكاة أثراً في الآدمي والكلب والخنزير ، كما لا ريب في تأثيرها فيما يؤكل لحمه.

والظاهر حليّة استعمال السمك بعد حصول شرائط تذكيته وإن لم يكن محلّلاً.

واختلفوا في السباع والمسوخ والحشرات ، أما السباع فالمعروف من مذهب الأصحاب بحيث لا يعرف لهم مخالف وقوع الذكاة عليها ، وتدلّ عليه صحيحة أبي عليّ بن راشد ، وفي آخرها : قلت فالثعالب يصلّى فيها؟ قال : «لا ، ولكن يلبس بعد الصلاة» (١) وموثّقة ابن بكير (٢).

ويظهر من تتبّع الأخبار الواردة في النهي عن الصلاة في الثعالب والأرانب وغيرها (٣) أنّ أصل اللبس كان جائزاً ، وإنّما المنع عن الصلاة.

وما رواه في قرب الإسناد ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢١٠ ح ٨٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٨٤ ح ١٤٥٧ ، الوسائل ٣ : ٢٥٨ أبواب لباس المصلّي ب ٧ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٧ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ ح ٨١٨ ، الوسائل ٣ : ٢٥٠ أبواب لباس المصلّي ب ٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٣ : ٢٥٨ أبواب لباس المصلّي ب ٧.

٤٠٧

وسألته عن القعدة والقيام على جلود السباع وركوبها وبيعها ، أيصلح ذلك؟ قال : «لا بأس ، ما لم يسجد عليها» (١).

وموثّقة سماعة ، وهي مسندة إلى الصادق عليه‌السلام في الفقيه ، وفي آخرها : «أما لحومها فإنّا نكرهه ، وأما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئاً تصلّون فيه» (٢).

والعجب من الشهيد ومن تأخّر عنه حيث قدحوا بإضمار الرواية (٣).

وموثّقته الأُخرى ، قال : سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ فقال : «إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلدها» (٤).

ومع هذه الأخبار وعمل الأصحاب فلا وجه لمبالغة الشهيد الثاني في تقوية عدم التذكية (٥).

ولعلّه لأنّه لم يطّلع إلّا على هاتين الروايتين ، وقدح فيهما بالوقف والإضمار ، وقد عرفت خلافه.

وأما المسوخ ، فمن قال بنجاستها فيلزمه المنع ، واختلف الباقون.

احتجّ المجوّزون بالأصل ، وهو باطل ، لثبوت اشتراط التذكية والأصل عدمه ، ولا يكفي عدم العلم بكونها ميتة حينئذٍ ، بل المستفاد من الأدلّة أنّ التذكية شرط ، إلّا أنّ حصول العلم بكونه ميتة محرّم ، فتتبّع الأخبار تجد ما ذكرنا ، وسيجي‌ء في كتاب المطاعم إن شاء الله تعالى ، وبالعمومات مثل قوله تعالى (إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ) (٦)

__________________

(١) مسائل عليّ بن جعفر : ١٨٩ ، المحاسن : ٦٢٩ ، الوسائل ١٢ : ١٢٤ أبواب ما يكتسب به ب ٣٧ ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ٥٤١ ح ٢ ، الفقيه ١ : ١٦٩ ح ٨٠١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ ح ٨٠٢ ، الوسائل ٣ : ٢٥٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥ ح ٣.

(٣) نقله في المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢١٨.

(٤) التهذيب ٩ : ٧٩ ح ٣٣٩ ، الوسائل ٢ : ١٠٧١ أبواب النجاسات ب ٤٩ ح ٢.

(٥) المسالك (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٢١٨.

(٦) المائدة : ٣.

٤٠٨

وقولهم عليهم‌السلام : «ما أدركت حياته فذكّه» و «إن أدركتها وعين تطرف إلى أخره فقد أدركت ذكاتها» (١).

وفيه : أنّها ظاهرة بل أكثرها صريحة فيما يؤكل لحمه.

ويمكن أن يستدلّ عليه بوقوع الذكاة على الذئب ، لأنّه من جملة السباع ومن المسوخ ، وقد بيّنا وقوعها على السباع ، ولا قائل بالفصل.

والمسوخ على ما في صحيحة محمّد بن الحسن الأشعري (٢) : الفيل ، والذئب ، والأرنب ، والوطواط ، والقردة ، والخنازير ، والجرّي ، والضبّ ، والفأرة ، والعقرب ، والدبّ ، والوزغ ، والزنبور ، وفي بعض الروايات الطاوس (٣) ، وفي بعضها إلحاق الكلب (٤).

وفي الروايات وكلام الأصحاب : أنّ المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام ، وأنّ هذه مثل لها ، فنهى الله عزوجل عن أكلها (٥).

وأما الحشرات وفسّرت بما يسكن في الأرض كالفأرة والضب (٦) فلم نقف على ما يعتمد عليه في الاستدلال ، إلّا أن يقال بعد الثبوت في المسوخ على النهج السابق يثبت في الحشرات ، لأنّ منها الفأرة ، ولا قائل بالفصل.

ثم في اشتراط الدباغة في جواز استعمال المذكورات بعد الذبح وإن قلنا بالطهارة قولان ، أقواهما العدم ، للأصل والإطلاقات ، وكلّما ورد في الخزّ والسنجاب ، خصوصاً رواية عليّ بن أبي حمزة (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٣٣٢ أبواب الذبائح ب ١٩.

(٢) الكافي ٦ : ٢٤٦ ح ١٤ ، التهذيب ٩ : ٣٩ ح ١٦٦ ، علل الشرائع : ٤٨٥ ، الوسائل ١٦ : ٣٨١ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ٧.

(٣) الوسائل ١٦ : ٣٨٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ٤ ، ٦.

(٤) الوسائل ١٦ : ٣٨٠ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ٤ ، ٦.

(٥) الفقيه ٣ : ٢١٣ ح ٩٨٩ ، الوسائل ١٦ : ٣٨٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٢ ح ١٠.

(٦) انظر المصباح المنير ١ : ١٦٧.

(٧) الوسائل ٣ : ٢٦٣ أبواب لباس المصلّي ب ١٠ وص ٢٥٢ ب ٣ ح ٣.

٤٠٩

واحتجّ الشيخ (١) على العدم برواية أبي مخلد السرّاج (٢) ، وهي غير واضحة الدلالة والسند.

السابع : الكلب والخنزير غير المائيين نجسان عيناً ولعاباً بالإجماع ، والصحاح المستفيضة وغيرها (٣).

وأما المائيان ، فقيل بنجاستهما (٤) ، لإطلاق الاسم ، وفيه منع كونه حقيقة فيهما ، ثم عدم انصراف الإطلاقات إليهما ، بل ظاهرها البرّيّان ، والقرينة قائمة لو قيل باشتراكهما لفظاً على إرادة البرّي.

وما يظهر من الصدوق في الفقيه من الاكتفاء بالرش في ملاقاة كلب الصيد رطباً (٥) ، فهو ضعيف لا مستند له.

وكذلك قول الشيخ بعدم وجوب غسل موضع عضّة الكلب من الصيد (٦) ، لقوله تعالى (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (٧) لأنّ الالتفات في الآية ليس إلّا إلى بيان حلّ ما يقتله ، ولا ينافي توقّفه على الغسل بمقتضى سائر الأدلّة.

وكذلك الكافر الغير الكتابي ، لا خلاف في نجاسته ، وادّعى عليه بل على نجاسة مطلق الكافر الإجماع جماعة من الأصحاب (٨).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٤.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٧ ح ٩ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ ح ١٠٨٧ ، الوسائل ١٢ : ١٢٤ أبواب ما يكتسب به ب ٣٨ ح ١ ، في بيع جلود النمر فقال : مدبوغة هي؟ قال : نعم. قال : ليس به بأس.

(٣) الوسائل ٢ : ١٠١٦ أبواب النجاسات ب ١٢. ١٣.

(٤) السرائر ٢ : ٢٢٠.

(٥) الفقيه ١ : ٤٣.

(٦) المبسوط ٦ : ٢٥٩ ، قال : فإن اصطاد بكلب صيداً فعضّه الكلب وجرح موضعاً منه كان موضع العضّة نجساً ، وقال قوم : لا يجب غسله ، وقال قوم : يجب غسله لأنّه نجّسه ، والأوّل أقوى والثاني أحوط.

(٧) المائدة : ٤.

(٨) كالسيد في الإنتصار : ١٠ ، والمسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨٠ ، والحلي في السرائر ١ : ٧٣ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ٩٥ ، والعلامة في المنتهي ٣ : ٢٢٢.

٤١٠

ويدلّ على نجاسة غير الكتابي مضافاً إلى الإجماع المستفيض ، قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) (١) فإنّ الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، ويؤيّده النهي عن قرب المسجد ، سيّما مع ملاحظة قوله عليه‌السلام : «جنّبوا مساجدكم النجاسة» (٢).

وحمل المصدر على باب المبالغة أولى وأظهر من تقدير المضاف ، أي : ذو نجاسة خارجيّة من جهة عدم توقّيهم من الخمر والمني وغيرهما ، سيّما مع ملاحظة الحصر ، وقد يستدلّ بقوله تعالى (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٣) وهو ضعيف ، والظاهر أنّ المراد به الشكّ أو العذاب والغضب.

وأما اليهود والنصارى والمجوس ، فالمعروف من المذهب نجاستهم ، كما أنّ المعروف من المخالفين طهارتهم.

وعدّ نجاستهم في الانتصار مما انفردت به الإماميّة (٤) ، وادّعى عليه الإجماع غير واحد من الأصحاب (٥) وعن ابن الجنيد وابن أبي عقيل القول بطهارتهم (٦).

لنا : الآية المتقدّمة ، فإنّهم مشركون. أما النصارى فلقولهم بالأقانيم ، قال الله تعالى (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) (٧) وأيضاً بإله له ابن هو المسيح ، وليس هو الله في الواقع ، فأخذوا له شريكاً. وكذلك اليهود ، حيث قالوا بأنّ عزير ابن الله.

__________________

(١) التوبة : ٢٨.

(٢) الوسائل ٣ : ٥٠٤ أبواب أحكام المساجد ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الأنعام : ١٢٥.

(٤) الانتصار : ١٠.

(٥) كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥١ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٧٣.

(٦) نقله في المعتبر ١ : ٩٦.

(٧) النساء : ١٧١.

٤١١

وفي ذلك تأمّل يظهر مما يأتي في المجبّرة والمجسّمة ، مع أنّه تعالى قال في حقّهم (سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) (١) بعد ذكر اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، وعطف المشركين عليهم في القرآن لا يستلزم نفي الشرك عنهم.

وأما المجوس فلقولهم بإلهين اثنين ، النور والظلمة.

ويدلّ عليه كلّ ما ورد في تفسير الآية الاتية من الأخبار المفسّرة للطعام بالحبوب ، الحاصرة فيها ، الدالّة على عدم حلّ غير الحبوب (٢). ولا وجه لها في الرطبة منها غير اللحوم إلّا النجاسة.

وصحيحة محمّد بن مسلم : «لا تأكلوا من آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» (٣). وكلمة «من» في الأُولى مشعرة بكون الطعام لهم ، واختصاصهم بالآنية من حيث الأكل.

وصحيحة زرارة ، في إنية المجوس : «إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء» (٤).

وموثّقة سعيد الأعرج : عن سؤر اليهودي والنصراني أيؤكل أو يشرب؟قال:«لا» (٥).

وصحيحة عليّ بن جعفر في النهي عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة (٦).

ورواية هارون بن خارجة (٧).

وصحيحة عليّ بن جعفر في النهي عن الاغتسال في الحمّام مع اليهودي

__________________

(١) التوبة : ٣١.

(٢) الوسائل ١٦ : ٤٦٩ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٦٤ ح ٥ ، التهذيب ٩ : ٨٨ ح ٣٧٢ ، الوسائل ١٦ : ٤٧٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥٣ ح ٤.

(٤) المحاسن : ٥٨٤ ح ٧٣ ، الوسائل ١٦ : ٤٧٧ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥٤ ح ٨.

(٥) الفقيه ٣ : ٢١٩ ح ١٠١٤ ، الوسائل ١٦ : ٤٧٥ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥٤ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٢٦٤ ح ٧ ، الوسائل ٢ : ١٠١٩ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٦.

(٧) الكافي ٦ : ٢٦٤ ح ٨ ، التهذيب ٩ : ٨٧ ح ٣٦٧ ، المحاسن : ٤٥٣ ح ٣٧١ ، الوسائل ١٦ : ٤٧٢ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥٢ ح ٢.

٤١٢

والنصراني (١). وتجويز التوضّؤ بسؤرهم في حال الاضطرار في آخر الرواية لا يقدح فيه ، لإمكان إرادة التقيّة من الاضطرار ، وإلى غير ذلك من الأخبار.

وتعليل المنع في بعض الأخبار بأنّهم يأكلون الخمر أو الميتة أو نحو ذلك (٢) ، لعلّه مفرّ من إيراد العامّة ، وإصلاح لحال التقيّة ، وتعليم وإرشاد للجواب عنهم إذا اطلعوا على اجتنابهم عن ذلك.

واحتجّ المخالف (٣) بقوله تعالى (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) (٤) فإنّه يشمل ما باشروه بالرطوبة. وبالأخبار الكثيرة الصحيحة وغيرها ، الواضحة الدلالة على المطلوب (٥).

وفيه : أنّ الطعام هو البُرّ ، كما نصّ عليه جماعة من اللغويين وأصحاب الحديث من العامّة ، قال في المجمل : قال بعض أهل اللغة ؛ الطعام البُرّ خاصّة (٦) ، وفي الصحاح : وربّما خصّ اسم الطعام بالبُرّ (٧).

وفي المغرب : اسم لما يؤكل وغلب في البُرّ (٨).

وفي القاموس : البُرّ وكلّ ما يؤكل (٩).

سلّمنا العموم ، لكن الأخبار المستفيضة المعمول بها خصّته بالحبوب ، وحصرته فيها. ووجه تخصيصهم بالذكر مع عدم الاختصاص لعلّه كان بملاحظة شأن النزول.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٣ ح ٦٤٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٢٠ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٩.

(٢) الوسائل ١٦ : ٤٧٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥٤ ح ٤ ٦ ، ففي رواية إسماعيل بن جابر في طعام أهل الكتاب : لا تتركه تقول إنّه حرام ، ولكن تتركه تتنزّه عنه ، إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير.

(٣) كما في المدارك ٢ : ٢٩٧.

(٤) المائدة : ٥.

(٥) انظر الوسائل ٢ : ١٠١٨ أبواب النجاسات ب ١٤ ، وج ١٦ : ٤٧٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥٣.

(٦) مجمل اللغة ٣ : ٣٢٣.

(٧) الصحاح : ١٩٧٤.

(٨) المغرب ٢ : ١٤.

(٩) القاموس المحيط ٤ : ١٤٥.

٤١٣

لا يقال : عطف الخاص على العام إنّما يكون لنكتة ، فعطف طعامهم على الطيّبات إنّما يتمّ إذا حمل على العموم ، وإلّا فالحبوب من الطيّبات ، ولا وجه لأفرادها.

لأنّا نقول : مظنّة مباشرتهم له رطباً سيّما في حال الرض والتصفية لما أوهم خروجها من الطيبة أدخلها بعطفها على الطيبات.

مع أنّا نقول : حليّة طعامهم من حيث إنّه طعامهم لا ينافي نجاسته من جهة مباشرتهم ، كما أنّ حرمة عقد نسائهم دواماً إنّما هو من جهة أنّها نساؤهم.

وأما الأخبار ، فهي محمولة على التقيّة ، لموافقتها للعامّة ، سيّما والقائل بها من الأصحاب ابن الجنيد والذي أغلب فتاويه موافق لهم ، ويلوح ذلك من خصوص حسنة الكاهلي (١) ، وصحيحة إسماعيل بن جابر (٢) وغيرهما.

وهذه الأخبار كلّما ازدادت عدداً وسنداً ودلالة مع هجر معظم الأصحاب إيّاها ازدادت ضعفاً. خصوصاً مع عملهم على ما هو أقلّ منها عدداً وسنداً ودلالة.

ثم ما مرّ من الكافر هو ما قابل المسلم ، وهو من أنكر أحد الأُصول الثلاثة : التوحيد والنبوّة والمعاد ، بل الأصلين الأوّلين ، فإنّ الثالث يرجع إلى إنكار الأوّلين ، لكونه إنكاراً للبديهي من الدين ، بل جميع الأديان ، وكلّ منكر للبديهي منه كافر ، لأنّه يرجع إلى إنكار المخبر عنه أو صدقه.

فعلى هذا يكون الخارجي والناصبي كفّاراً منتحلين للإسلام ، ولا خلاف في نجاستهم ، وفي عدّة أخبار النهي عن الاغتسال بغُسالة الحمّام معلّلاً بأنّ فيها غُسالة

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٦٣ ح ٤ ، التهذيب ٩ : ٨٨ ح ٣٧٠ ، الوسائل ١٦ : ٤٧٣ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥٣ ح ٢ ، ففيها : أما أنا فلا أؤاكل المجوسيّ ، وأكره أن أُحرّم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم.

(٢) الكافي ٦ : ٢٦٤ ح ٩ ، التهذيب ٩ : ٨٧ ح ٣٦٨ ، المحاسن : ٤٥٤ ح ٣٧٧ ، الوسائل ١٦ : ٤٧٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٥٤ ح ٤ ، فإنّ فيها : عن طعام أهل الكتاب فقال : لا تأكله ، ثم سكت هُنيئة ثم قال : لا تأكله ، ثم سكت هُنيئة ثم قال : لا تأكله ولا تتركه ، إلى آخر الحديث.

٤١٤

الناصب ، وفي رواية ابن أبي يعفور : «إنّ الله لم يخلق خلقاً شرّاً من الكلب ، وأنّ الناصب أهون على الله من الكلب» (١) وفي رواية أُخرى له موثّقة : «إيّاك أن تغتسل من غُسالة الحمّام ، ففيها تجتمع غُسالة اليهودي ، والنصراني ، والمجوسي ، والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرّهم ، إنّ الله لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وإنّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه» (٢).

وكذلك الغالي ، وهو القائل بالوهيّة عليّ عليه‌السلام أو أحدٍ من الناس ، فإنّهم مشركون منكرون للتوحيد ، فيكونون كفاراً مندرجين تحت نقل الإجماعات والآية ، وبالجملة لا خلاف بينهم في كفرهم ، والكافر نجس.

وأما المجبّرة ، فلا دليل على نجاستهم ، لأنّهم مقرّون بالشهادتين ، ولا ينكرون ما هو البديهي من الدين ، وما به تحقن الدماء ، وتحلّ الذبائح ، وتثبت المواريث ، وتجوز المشاورة والمعاشرة ، وهو ظهور الإسلام بسبب الإقرار بالشهادتين كما نطقت به الأخبار.

وما استدلّ به في الكشّاف على تكذيبهم للرسل والكتب بقوله تعالى (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْ‌ءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا) (٣). بتقريب أنّ المستفاد من العقل والكتب براءة الله تعالى من مشيئة القبيح ، فإسناد القبيح إليه تعالى تكذيب لله وكتبه (٤) ؛ لا ينهض حجّة ، لأنّهم لعلّهم أرادوا أنّ ذلك مرضيّ لله تعالى ، مستحسن عنده ، لا أنّه قبيح لكنه حصل بمشيئته.

ولعلّ التكذيب راجع إلى إخباره بأنّ الله تعالى منعهم عن الشرك ونحو ذلك ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤ ح ١ ، علل الشرائع : ٢٩٢ ، الوسائل ١ : ١٥٩ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٤ ح ١ ، علل الشرائع : ٢٩٢ ، الوسائل ١ : ١٥٩ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٥.

(٣) الأنعام : ١٤٨.

(٤) الكشاف ٢ : ٧٦.

٤١٥

فيكون كذلك إشارة إلى قوله تعالى قبل هذا (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) (١)

وقد ورد عن عليّ عليه‌السلام : «إنّ التوضّؤ بفضل وضوء المسلمين أحبّ إليّ من التوضّؤ من ركوّ أبيض مخمّر ، فإنّ أحبّ دينكم إلى الله الحنيفيّة السمحة السهلة» (٢).

وأما المجسّمة فاختلف فيهم كلام الأصحاب ، فذهب الشيخ وجماعة إلى النجاسة (٣)

وقد يعلّل بأنّ القائل بالجسم لا بدّ أن يقول بحدوثه تعالى ، لحدوث الأجسام.

وفيه منع ؛ إذ الاعتقاد بالملزوم لا يستلزم الاعتقاد باللازم ، فلعلّ اعتقادهم الفاسد : هو الجسميّة مع القدم ، وإن كان مستحيلاً في نفس الأمر.

وأما المخالفون غير النصّاب ، فلا إشكال في طهارتهم ، كما يستفاد من عموم الأخبار المعتضدة بالأصل.

وقول السيد بنجاستهم مطلقاً (٤) ، وابن إدريس بنجاسة غير المستضعفين منهم (٥) ، ضعيف.

وقد نقل عن السيد : الاستدلال بقوله تعالى (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٦).

وبقوله تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٧) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ

__________________

(١) الأنعام : ١٤٧.

(٢) الفقيه ١ : ٩ ح ١٦ ، الوسائل ١ : ١٥٢ أبواب الماء المضاف ب ٨ ح ٣.

(٣) المبسوط ١ : ١٤.

(٤) حكاه في الذخيرة : ١٥٢.

(٥) السرائر ١ : ٨٤.

(٦) الأنعام : ١٢٥.

(٧) آل عمران : ١٩.

٤١٦

دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (١) والإيمان تستحيل مغايرته للإسلام ، فمن ليس بمؤمن ليس بمسلم.

وفيهما منع ظاهر.

وعن الصدوق (٢) والسيد (٣) وابن إدريس (٤) القول بنجاسة ولد الزنا ، لكفره ، لمرسلة الوشاء ، عن الصادق عليه‌السلام : «إنّه كره سؤر ولد الزنا واليهودي والنصراني والمشرك ، وكلّ من خالف الإسلام ، وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب» (٥) بتقريب أنّ ظاهر السياق مخالفته للإسلام ، وأنّ النجاسة ليست إلّا من جهة الكفر.

ورواية حمزة بن أحمد ، عن الكاظم عليه‌السلام : «لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام ، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرّهم» (٦).

ورواية ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليه‌السلام : «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غُسالة الحمّام ، فإنّ فيها غُسالة ولد الزنا ، وهو لا يطهر إلى سبعة إباء» (٧).

قال في المعتبر : ربّما يعلل المانع يعني من سؤر ولد الزنا بأنّه كافر ، ونحن نمنع ذلك ونطالبه بدليل دعواه ، ولو ادّعى الإجماع كما ادّعاه بعض الأصحاب كانت المطالبة باقية ، فإنّا لا نعلم ما ادّعاه (٨).

__________________

(١) آل عمران : ٨٥.

(٢) الفقيه ١ : ٨.

(٣) الانتصار : ٢٧٣.

(٤) السرائر ١ : ٣٥٧.

(٥) الكافي ٣ : ١١ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٢٣ ح ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ١٨ ح ٣٧ ، الوسائل ١ : ١٦٥ أبواب الأسآر ب ٣ ح ٢.

(٦) التهذيب ١ : ٣٧٣ ح ١١٤٣ ، الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ١.

(٧) الكافي ٣ : ١٤ ح ١ ، الوسائل ١ : ١٥٩ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٤.

(٨) المعتبر ١ : ٩٨ ، ولعلّه أراد بالبعض هو ابن إدريس فإنّه قال : وولد الزنا لا خلاف بيننا أنّه قد ثبت كفره بالأدلّة أيضاً بلا خلاف. السرائر ١ : ٣٥٧.

٤١٧

والحقّ أنّه مسلم وطاهر ، كما عليه سائر الأصحاب ، للأصل ، ولما استفيض عنه عليه‌السلام : «كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه» (١) فيبقى على الطهارة حتّى تثبت النجاسة بدليل.

وما ذكر من الأخبار مقدوح السند والدلالة ، فلا يعارض ما ذكرنا ، فإنّ من المنهيّات في بعضها غُسالة الجنب ، وليس ذلك للنجاسة ، فيكون المراد بالكراهة القدر المشترك مع عدم دلالته على الحرمة.

ويمكن أن يكون ولد الزنا في الأخبار كناية عن الناصب ، وهو المناسب لتكرّر وروده في الأخبار ، فإنّ العلم بولد الزنا الحقيقي في غاية الندرة ، فلا يناسب الحكم بالجزم بوجود غسالته في المستنقع.

ويؤيّده إفراده بالذكر في رواية ابن أبي يعفور.

وقد يستدلّ على منع كفره بلزوم تكليف ما لا يطاق.

وهو إنّما يلزم لو قيل بأنّه يخلق كافراً ، لا إذا قيل بأن هؤلاء يكفرون في الواقع لسوء اختيارهم ، كما في خصوص إيمان أبي لهب ، فالقول بأنّهم يكفرون بعد البلوغ بسوء اختيارهم لا يستلزم تكليف ما لا يطاق ، فيبقى الكلام مع دليلهم في ثبوت كفرهم ، وقد مرّ ضعفه.

وأما الإجماع المنقول ، فالأمارات شاهدة على خطأ ناقلة ، فلا اعتماد عليه.

تذنيبات :

الأوّل : الأشهر الأقوى نجاسة ما لا تحلّه الحياة من الحيوانات الثلاث خلافاً للسيد ، فطهّره (٢).

__________________

(١) أُصول الكافي ٢ : ١٣ ح ٤.

(٢) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨٢.

٤١٨

لنا : إطلاق قول تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (١) فإنّه يشمل جميع أجزائهم ، وإطلاقات الأخبار الصحيحة الدالّة على نجاستها ؛ وهي مشتملة على تلك الأجزاء ، والأخبار الصحاح وغيرها المستفيضة الدالّة على أنّه إذا أصاب الكلب الثوب يجب غسله (٢)

وكذلك رواية عليّ بن جعفر في الخنزير (٣) تدلّ على نجاسة شعرهما ، فإنّ الغالب أنّ الإصابة بالشعر ، وخصوص الروايات الواردة في نجاسة شعر الخنزير.

حجّة السيد : أنّ ما لا تحلّه الحياة ليس من أجزاء نجس العين.

وفيه منع واضح ، سيّما في العظام.

وأنّ ما لا تحلّه الحياة منها مثله من الميتة ، فيكون طاهراً ، وهو قياس مع الفارق ، مع أنّ الأصل غير ثابت ، فإنّ خروجه إنّما كان من جهة النصوص ، وصحيحة الحلبي المتقدّمة ثمَّة إنّما دلّت على أنّ الصوف ليس بنجس ، لعدم خروج الروح عنه ، لا لمحض أنّه غير ذي روح (٤) كما لا يخفى.

وصحيحة زرارة (٥) ورواية حسين ابنه (٦) في جواز الاستقاء بحبل يكون من شعر الخنزير والتوضّؤ من ذلك الماء. وهما لا تقاومان ما تقدّم من الأدلّة ، مع عدم استلزام الاستقاء به ملاقاة الماء.

الثاني : ما يتولّد من الكلب والخنزير فمع مشاركته لأحدهما في الاسم فلا إشكال في النجاسة.

__________________

(١) التوبة : ٢٨.

(٢) الوسائل ٢ : ١٠١٥ أبواب النجاسات ب ١٢.

(٣) الكافي ٣ : ٦١ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٦١ ح ٧٦٠ ، الوسائل ٢ : ١٠١٧ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٨ ح ١٥٣٠ ، الوسائل ٢ : ١٠٨٨ أبواب النجاسات ب ٦٨ ح ١. ففيها : لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ، إنّ الصوف ليس فيه روح.

(٥) الكافي ٣ : ٦ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ ح ١٢٨٩ ، الوسائل ١ : ١٢٥ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٢٥٨ ح ٣ ، الوسائل ١ : ١٢٦ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٣.

٤١٩

وإن باين كليهما فصرح جماعة بنجاسته ، لنجاسة أصلية (١) ، واستشكله بعضهم (٢) ، والطهارة قويّة ، للأصل. ونجاسة الأصلين لم يثبت كونها علة لنجاسة الفرع ، فإنّ كونه جزءاً منهما لا يوجب النجاسة ، لاستحالته ، كما أنّ المني يستحيل حيواناً طاهراً.

وإن تولّد بين أحدهما وحيوان طاهر ، فإن شارك النجس في الاسم فنجس ، وإن وافق الطاهر فطاهر ، وإن باينهما ففيه الإشكال السابق ، وهنا أضعف.

الثالث : ظاهر أكثر الأصحاب تبعيّة ولد الكافرين لهما (٣) ، ويظهر من بعضهم وجود الخلاف في ذلك (٤).

ولعلّ وجهه : أنّ الأصل الطهارة ، وتبعيّة ولد الحيوان لأصله مطلقاً غير مسلّم كما بيّنا ، وإنّما هو من جهة الاسم ، والصبي قبل البلوغ لا يسمّى كافراً ، وإنّما ذلك وصف عرضيّ ، فإن كان إجماع ، وإلّا فالحكم مشكل.

وأما إذا سباه مسلم ، فعن بعض الأصحاب : أنّ ظاهر الأصحاب عدم الخلاف بينهم في طهارته والحال هذه ، وإنّما اختلفوا في تبعيّته للمسلم في الإسلام ، بمعنى ثبوت أحكام المسلم له ، فإن ثبت الإجماع فهو ، وإلّا ففيه إشكال ، للاستصحاب (٥).

نعم لما كان أصل الحكم محلّ إشكال ، فالطهارة حينئذٍ أقوى ، لأنّ الإجماع المتوهم لو ثبت في الأصل فإنّما هو ما دام عند والديه ، واستصحاب حال الإجماع فيه ما فيه ، هذا.

ولكن الشهيد قال في الذكرى : ولد الكافرين نجس ، ولو سباه مسلم وقلنا

__________________

(١) كالشهيد الأوّل في الذكرى : ١٤ ، والبيان : ٩١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٢ ، والروضة البهيّة ١ : ٢٨٥.

(٢) كصاحب المدارك ٢ : ٢٨٦.

(٣) كالعلامة في التذكرة ١ : ٦٨ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ١ : ٣٦٤ ، والشهيد الأوّل في الذكرى : ١٤.

(٤) يشعر بوجود الخلاف كلام العلامة في النهاية ١ : ٢٧٤ ، وخالف صاحب المدارك ٢ : ٢٨٩.

(٥) المعالم : ٢٦٠.

٤٢٠