غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

التي يستفاد منها عدم اعتبار الجريان في الصبّ على بول الرضيع فضلاً عن الانفصال.

وأما استيعاب الماء للبول ونفوذه حيثما نفذ ، فالظاهر أنّه لا مجال لإنكاره ، كما يظهر من كلماتهم أيضاً ، فيظهر مما ذكرنا مع اتفاقهم ظاهراً غير ابن الجنيد (١) على النجاسة أنّ ذلك أيضاً نوع تطهير ، فلا مانع من أن تكون مخالطة الماء بالبول من المطهرات ولم يلزم من ذلك وجوب إزالة عين النجاسة.

فما يظهر من الذخيرة تبعاً للمدارك من اعتبار انفصال الماء إذا توقّف عليه زوال عين النجاسة ، وأنّ من قال بنجاسة هذا البول يوجب إخراج عينه منه (٢) ، غير مرتبط بكلماتهم ، وغير متناسق مع أدلّتهم كما عرفت.

ومن جملة أدلّتهم حسنة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بول الصبي ، قال : «يصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله غسلاً ، والغلام والجارية شرع سواء» (٣).

وتؤيّده رواية السكوني المتقدّمة في لبن الجارية (٤).

ومقابلة الصبّ للغسل تنادي بعدم اشتراط الجريان في الصبّ ، والقول بأنّ المراد عدم اشتراط العصر فهو إنّما يتمّ لو أخذنا العصر في مفهوم الغسل وأردنا الغسل الخالي عن العصر من الصبّ ، والأوّل ممنوع ، بل إنّما هو شرط في تأثيره في بعض النجاسات ، مع أنّه لا يجري فيما أصاب البدن ، فإنّه لا عصر فيه إجماعاً.

__________________

(١) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٥٩.

(٢) المدارك ٢ : ٣٣٣ ، الذخيرة : ١٦٤.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤٩ ح ٧١٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ ح ٦٠٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٠٣ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٢.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٠ ح ٧١٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ ح ٦٠١ ، الفقيه ١ : ٤٠ ح ١٥٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٠٣ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٤.

٤٤١

والثاني تجوّز لا قرينة عليه.

فمن يعمل على هذا الحديث ومثله والإجماع ، فليقطع النظر عن إخراج العين واعتبار الجريان ، وإلّا فليبيّن الدليل والمأخذ.

وأما رواية الحسين بن أبي العلاء ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الصبي يبول على الثوب قال : «تصبّ عليه الماء قليلاً ثم تعصره» (١) وموثّقة سماعة قال : سألته عن بول الصبي يصيب الثوب ، فقال : «اغسله» قلت : فإنّ لم أجد مكانه؟ قال : «اغسل الثوب كلّه» (٢) فقد توجّه الأُولى بأنّ المراد بالعصر : إخراج أجزاء النجاسة ، وفيه ما فيه ، بل الظاهر منه أنّه لإيصال الماء إلى جميع ما وصل إليه البول ، كما يشعر به وصف الماء بالقلّة ، أو يكون للإرشاد ، أو يحمل على الاستحباب جمعاً ، لكون الروايات المتقدّمة أقوى وأكثر وأشهر وأوفق بالأصل ، أو يحمل على من أكل. وكذلك موثّقة سماعة.

والمراد بالأكل : أن يطعم ما كان غذاءً له بالاشتهاء والإرادة ، ولا عبرة بالدواء والغذاء النادر.

وتعليق الحكم بالحولين كما فعله ابن إدريس (٣) غير واضح الوجه. نعم لا يبعد اعتباره إن لم يأكل شيئاً حتّى تمّ الحولان ، فإنّ المتبادر من الرضيع هو ما لم يتجاوز عن الحولين وإن لم يأكل بعد.

ثم إنّ العمومات وفتوى الأصحاب وخصوص ما رواه السيد كلّها تدلّ على أنّ الحكم مختصّ بالصبي ، فإلحاق الصدوق الصبيّة به (٤) ضعيف ، وقوله عليه‌السلام :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ ح ٧١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ ح ٦٠٣ ، الوسائل ٢ : ١٠٠٢ أبواب النجاسات ب ٣ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥١ ح ٧٢٣ ، وص ٢٦٧ ح ٧٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ ح ٦٠٤ ، الوسائل ٢ : ١٠٠٣ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٣.

(٣) السرائر ١ : ١٨٧.

(٤) كما في المدارك ٢ : ٣٣٣.

٤٤٢

«والغلام والجارية شرع سواء» (١) مع منع دلالته على ذلك ، إذ لعلّ المراد بعد الأكل ، لا يقاوم ما ذكرنا من الأدلّة.

مع أنّ الخروج عن الأصل بسبب هذه الرواية إنّما كان من جهة اعتضادها بفتوى الأصحاب ، وإلّا فهي بمجردها لا تقاوم ما دلّ على وجوب الغسل ، فيقتصر على ما وافق فتواهم.

الثالث : في غسل الأواني.

فاتفق الأصحاب على اعتبار العدد في غسلها من بعض النجاسات ، واختلفوا في غيرها.

أما الأولى ، فهي : ولوغ الكلب ، وهو شرب الكلب مما في الإناء بطرف لسانه ، والمشهور وجوب الغسل ثلاثاً أُولاهن بالتراب ، بل ادّعى عليه الإجماع جماعة منهم السيد (٢) والشيخ (٣) والشهيد (٤).

وعن ابن الجنيد : أنّه يغسل سبعاً أُولاهن بالتراب (٥) ، وهو مذهب الشافعي (٦).

لنا : رواية البقباق ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الكلب ، فقال : «رجس نجس لا تتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرّة ، ثم بالماء مرّتين» نقله في المعتبر (٧) ، وتبعه جماعة ممن تأخّر عنه (٨) ، والرواية صحيحة

__________________

(١) في حسنة الحلبي المتقدّمة.

(٢) الانتصار : ٩.

(٣) الخلاف ١ : ١٧٨.

(٤) الذكرى : ١٥.

(٥) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٥٩ ، والمنتهي ٣ : ٣٣٤.

(٦) الام ١ : ٦.

(٧) المعتبر ١ : ٤٥٨.

(٨) كالعلامة في المنتهي ٣ : ٣٣٦ ، والشهيد في الذكرى : ١٥.

٤٤٣

على ما في التهذيب ، ولكن ليس فيه ولا في غيره لفظ «مرّتين» (١) ولعلّهم وقفوا عليه في غير الكتب الحديثيّة المتداولة.

وكيف كان فرواية المحقّق وغيره مع اعتضادها بعمل الطائفة تكفي.

مع أنّ السيد رحمه‌الله نقل في المسائل الناصريّة والانتصار أخباراً متعدّدة من طرق العامّة على وجوب ثلاث مرات (٢) ، وتقيّدها هذه الرواية بكون أُولاهن بالتراب.

وتلك مع الإجماعات المنقولة وافية.

وعن المفيد : وسطاهن بالتراب (٣) ، ومستنده غير معلوم. واحتجّ ابن الجنيد برواية عاميّة (٤) ، وبموثّقة عمّار (٥) ، ولا يبعد حملها على الاستحباب.

واكتفى أكثر الأصحاب بالتعفير بالتراب ، وصرّح بعضهم بإجزاء الممتزج بالماء (٦) ، واشترط الشهيد الثاني في ذلك عدم خروجه عن اسم التراب (٧).

واشترط ابن إدريس المزج تحصيلاً لحقيقة الغسل (٨).

ورُدّ بعدم حصول الحقيقة ، والغسل في كليهما مجاز ، ولا ترجيح.

وأُجيب بتقديم أقرب المجازات.

__________________

(١) انظر التهذيب ١ : ٢٢٥ ح ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ ح ٤٠ ، الوسائل ١ : ١٦٣ أبواب الأسآر ب ١ ح ٤.

(٢) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨٢ ، الانتصار : ٩.

(٣) المقنعة : ٦٨.

(٤) نقل احتجاجه في المعتبر ١ : ٤٥٨ بما روي عن النبيّ (ص) أنّه قال : إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب. انظر صحيح البخاري ١ : ٥٤ ، صحيح مسلم ١ : ٢٣٤ ح ٩١ ، سنن أبي داود ١ : ١٩ ح ٧١.

(٥) التهذيب ٩ : ١١٦ ح ٥٠٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٩٤ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٣٠ ح ٢ ، وفيها : يغسل من الخمر سبعاً ، كذلك من الكلب.

(٦) كالشهيد في الذكرى : ١٥.

(٧) المسالك ١ : ١٣٣.

(٨) السرائر ١ : ٩١.

٤٤٤

وربّما يقال : مدلول النص الغسل بالتراب ، فإما يرتكب المجاز في الغسل أو في التراب ، ولا ترجيح لأحدهما.

أقول : ولعلّ مبنى كلام ابن إدريس على اختيار المجاز في المجموع ، ومجازان قريبان خير من حقيقة ومجاز بعيد.

وبالجملة فحمل اللفظين على الحقيقة لا يتمشّى ظاهراً إلّا على جعل الباء للملابسة ، فقد يمكن فيه الاكتفاء بأدنى ملابسة ، فيصدق بالغسل الحقيقي مع استعمال شي‌ء من التراب لا يخرج الغسل عن الحقيقة.

ولكن الأظهر جعله للاستعانة ، وهو ظاهر في استقلال المستعان به في الأليّة ، مثل كتبت بالقلم ، فلا يكتفى بأدنى ملابسة مع بقاء الحقيقة ، ولا يتصوّر ذلك مع إبقاء اللفظين على حقيقتهما ، ولا ترجيح لاختياره في أحد اللفظين ، مع كونه مرجوحاً بالنسبة إلى اختياره فيهما كما أشرنا.

وكيف كان فمذهب ابن إدريس أظهر من اللفظ.

ومع قطع النظر عمّا يفهم من ظاهر كلامه من تحصيل الحقيقة ، إن أُريد مع ذلك تحصيل الحقيقة ، فلا بدّ أن لا يخرج الماء من الإطلاق على القول باشتراط تحقّق الغسل بالماء المطلق ، إلّا أن يكتفى بصدق الاسم حقيقة قبل المزج وإن خرج بالمزج عن الحقيقة ، ولكن هذا إنّما يتمّ على جعل الباء بمعنى المصاحبة والملابسة لا الاستعانة.

والاحتياط في الجمع بين التعفير بالتراب أوّلاً ثم بالممزوج ثم غسله مرّتين.

ثم إنّ الظاهر من الرواية عدم لزوم الدلك بالتراب ، سيّما إذا لم نقل بلزومه في الغسل ، فيكفي الصبّ والتحريك والإفراغ ، وإلّا فيشكل الأمر في مثل الكوز من الأواني الضيقة الرأس.

والأظهر عدم جواز العدول إلى غير التراب من الرماد والنورة والأُشنان اختياراً ، بل ولا اضطراراً ، اقتصاراً على النص ، وتضعيفاً للعلة المستنبطة.

٤٤٥

وربّما قيل ببدليّة الغير مخيّراً (١) ، وقيل مرتّباً (٢) ، وقيل بسقوطه رأساً إذا فقد ، فقيل بتبديله بالماء كغسل الميت (٣) ، وقيل بالاكتفاء بالمرّتين (٤). والكلّ ضعيف ، لأنّ شرط طهارة هذه النجاسة هو ما ورد به النصّ ، والاضطرار لا يوجب طهارة شي‌ء نجس ، ولا يلزم التكليف بما لا يطاق إذا ثبت العفو كأكل الميتة.

ومما ذكرنا يظهر أنّ خوف فساد الانية بالتعفير أيضاً لا يوجب سقوطه.

ثم إنّ جماعة من الأصحاب جعلوا اللطع في حكم الولوغ نظراً إلى الأولويّة (٥) ، وفيه كلام ، إلّا أنّه أحوط.

وأما إلحاق وقوعه في إناء فيه ماء كما فعله الصدوقان (٦) ، أو لعابه الحاصل من غير الولوغ ، أو عرقه وسائر رطوباته ، أو ماء الولوغ كما فعله العلامة (٧) ، أو غُسالة الولوغ كما نقل عن الشيخ علي (٨) ، فلا دليل عليه ، والاعتبار الذي قد يتمسّك به ضعيف لا يعتمد عليه.

والأظهر تداخل الولوغات المتعدّدة ، بل وتداخلها مع غيرها من النجاسات ، ولو لاقاه في أثناء الغسل فيتمّ العدد لو اعتبر في اللاحق بعد إتمام العدد عن الولوغ.

وذلك لا ينافي ما قدّمناه في مباحث الأغسال من أنّ الأصل عدم تداخل الأسباب ، فإنّ الظاهر أنّ الوجوب فيما نحن فيه توصليّ ، والعلة ظاهرة ، والظاهر أنّه لا خلاف فيه أيضاً.

__________________

(١) نقله عن ابن الجنيد في المختلف ١ : ٤٩٧.

(٢) القواعد ١ : ١٩٨ ، المختلف ١ : ٤٩٧ ، التحرير ١ : ٢٦ ، الدروس ١ : ١٢٥.

(٣) القواعد ١ : ١٩٨ ، واحتمله في النهاية ١ : ٢٩٣.

(٤) المبسوط ١ : ٤١.

(٥) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٩٠ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣٩٠.

(٦) الفقيه ١ : ٨ ، ونقله عنهما في المنتهي ٣ : ٣٣٩.

(٧) نهاية الأحكام ١ : ٢٩٤.

(٨) جامع المقاصد ١ : ٢٠.

٤٤٦

وأما الثاني ، فمنها : ولوغ الخنزير ، فالمشهور بين المتأخّرين وجوب السبع (١) ، لصحيحة عليّ بن جعفر (٢).

وعن الشيخ أنّ حكمه حكم الكلب ، لأنّه كلب لغةً ، ولما ورد من عموم وجوب تثليث غسل الأواني (٣).

والأوّل ممنوع ، والثاني على فرض تسليمه معارض بمثله كما سيجي‌ء ، مع أنّه عام والصحيحة خاصّة. والدليل الثاني كالصحيحة لا يستلزم التراب ، بخلاف الدليل الأوّل.

والمحقّق حمل الصحيحة على الاستحباب (٤) ، فكأنّها لم تقاوم عنده العمومات ، لعدم ظهور عمل من تقدّم عليه بها كما ذكره بعض الأصحاب (٥).

ومنها : الخمر ، فذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب السبع (٦) ، لموثّقة عمّار الواردة في النبيذ (٧). وجماعة إلى الثلاث (٨) ، لموثّقته الأُخرى. وبعضهم إلى المرّة بعد إزالة العين (٩). وبعضهم إلى المرّة المزيلة (١٠) ، استضعافاً للموثّقتين ، وتمسّكاً بما ذكروه في غسل الإناء من سائر النجاسات كما سيجي‌ء. وبعضهم إلى المرّتين بناءً على كفايته في مطلق غسل الإناء (١١).

__________________

(١) كالعلامة في النهاية ١ : ٢٩٥ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٢٥ وصاحب المدارك ٣ : ٣٩٤.

(٢) الكافي ٣ : ٦١ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٦١ ح ٧٦٠ ، الوسائل ١ : ١٦٢ أبواب الأسآر ب ١ ح ٢.

(٣) الخلاف ١ : ١٨٦.

(٤) المعتبر ١ : ٤٦٠.

(٥) كصاحب الذخيرة : ١٧٨.

(٦) كالشيخ في المبسوط ١ : ١٥ ، والجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٧١.

(٧) التهذيب ٩ : ١١٦ ح ٥٠٢ ، الوسائل ١٧ : ٣٠٢ أبواب الأشربة المحرّمة ب ٣٥ ح ٢.

(٨) كالشيخ في النهاية : ٥٨٩ ، ٥٩٢ ، والتهذيب ١ : ٢٨٣ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٤٨.

(٩) كالمحقّق في المعتبر ١ : ٤٦٢ ، والعلامة في المختلف ١ : ٤٩٩.

(١٠) كالعلامة في النهاية ١ : ٢٩٥.

(١١) اللمعة الدمشقيّة : ١٦.

٤٤٧

والأظهر الاكتفاء بالثلاث ، وحمل رواية السبع على الاستحباب.

وصرّح جماعة بعدم الفرق بين الخمر وسائر المسكرات المائعة (١) ، وليس ببعيد ، كما يظهر مما سبق.

وعن ابن الجنيد المنع عن جواز تطهير القرع والخشب من أواني الخمر وما أشبههما ، نظراً إلى حدة نفوذ الخمر وبعض الروايات (٢) (٣).

وفيه : أنّ الماء أسرع نفوذاً ، مع عدم الإشكال في طهارة الظاهر. ودلالة الرواية غير واضحة ، ولا بأس بالحمل على الاستحباب.

ومنها : موت الفأرة ، ذهب الشيخ (٤) وجماعة (٥) إلى وجوب السبع فيه ، لموثّقة عمار ، وهي واردة في خصوص الجرذ (٦). ولعلّهم لم يفرّقوا بين أفراد الفأرة ، وحملها الباقون على الاستحباب.

واكتفى جماعة بالثلاث (٧) ، وبعضهم اكتفى بالمرّتين (٨) ، وبعضهم بالمرّة المزيلة (٩) ، وبعضهم بها بعد إزالة العين (١٠). ولعلّهم نظروا إلى أدلّتهم في

__________________

(١) المقنعة : ٧٣ ، النهاية : ٥٨٩.

(٢) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٦٧ ، والمنتهي ٣ : ٣٥٠.

(٣) كرواية محمّد بن مسلم عن أحدهما قال : نهى رسول الله (ص) عن الدباء والمزفت ، انظر الوسائل ٢ : ١٠٧٥ أبواب النجاسات ب ٥٢.

(٤) النهاية : ٥.

(٥) كابن حمزة في الوسيلة : ٨٠ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٢٥.

(٦) التهذيب ١ : ٢٨٤ ح ٨٣٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٧٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١٠. وفيها : اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ سبعاً.

(٧) كالشيخ في الخلاف ١ : ١٨٢ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٤٨.

(٨) اللمعة الدمشقيّة : ١٦.

(٩) كالعلامة في النهاية ١ : ٢٩٥.

(١٠) كالمحقّق في المعتبر ١ : ٤٦٢ ، والعلامة في المختلف ١ : ٤٩٩.

٤٤٨

جعله في عداد سائر ما تغسل منه الأواني كما سيجي‌ء.

وأما سائر النجاسات ففيها الأقوال المتقدّمة في موت الفأرة عدا السبع (١).

للأوّل : الاستصحاب ، وموثّقة عمّار الاتية.

وللثاني : استنباطه مما مرّ في الثوب والبدن ، والأصل عدم الزائد ، وهو قياس.

وللثالث : صدق الامتثال بالغسل ، وهو إنّما يتمّ فيما ثبت ورود الأمر في خصوص الأواني بمطلق الغسل ، ولا يحضرني الان ما يدلّ عليه إلّا فيما ذكرنا بخصوصه من النجاسات مثل الكلب والخمر والخنزير.

إلّا أن يتشبث بمثل قوله عليه‌السلام : «الماء يطهر ولا يطهر» (٢) في الأخبار الكثيرة ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة داود بن فرقد : «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض ، وقد وسّع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض ، وجعل لكم الماء طهوراً» (٣) والاستدلال بها لا يخلو عن إشكال.

وقال الشيخ في المبسوط : وقد روي غسلة واحدة (٤) ، فيظهر أنّ بها رواية ، ولكن صحّتها غير معلومة.

وقد يقال : صدق الامتثال إنّما يتمّ إذا استفيدت النجاسة من الأمر بالغسل ، وإن استفيدت من الإجماع فلا ، للاستصحاب.

ويدفعه عدم القول بالفصل ، مع أنّ ما ورد فيه الأمر في الثوب والبدن وغيرهما كيف يستفاد منه حكم الانية؟! وما الذي أوجب دلالة الأمر بالغسل على النجاسة

__________________

(١) اختار القول بالثلاث الشيخ في الخلاف ١ : ١٨٢ ، والقول بالمرّتين الشهيد في اللمعة : ١٦ ، والقول بالمرّة المزيلة المحقّق في الشرائع ١ : ٤٨ ، والعلامة في النهاية ١ : ٢٩٥ ، والقول بالمرّة بعد الإزالة المحقّق في المعتبر ١ : ٤٦٢ ، والعلامة في المختلف ١ : ٤٩٩.

(٢) الوسائل ١ : ١٠٠ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٦ ، ٧.

(٣) الفقيه ١ : ٩ ح ١٣ ، التهذيب ١ : ٣٥٦ ح ١٠٦٤ ، الوسائل ١ : ١٠٠ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٤.

(٤) المبسوط ١ : ١٥.

٤٤٩

فيما أُمر بغسله فضلاً عمّا لم يؤمر بغسله؟! فهل يجوز التعدّي إلّا من جهة الإجماع؟ فيعود المحذور إلّا في خصوص المورد.

وللرابع : ما ذكر ، مضافاً إلى أنّ سبب التنجيس ما دام موجوداً لم يؤثر ورود الماء.

وفيه : مع ظهور المنع الوارد عليه أنّ الرطوبة المتنجّسة أيضاً سبب كما سنحقّقه.

ومن يعمل بالموثّقات كما هو الأظهر فلا مناص له عن القول الأوّل ، سيّما مع استصحاب النجاسة ، وحصول اليقين بالثلاث دون الأقلّ ، ولا ريب أنّه أحوط أيضاً.

وأما كيفيّة غسل الأواني بالقليل كما ذكره كثير من الأصحاب ، فهو أن يصبّ فيها الماء ، ثم يحرّك حتّى يستوعب ما تنجّس منها ، ثم يفرغ.

ومستنده موثّقة عمار ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سئل عن الكوز أو الإناء يكون قذراً ، كيف يغسل؟ وكم مرّة يغسل؟ قال : «ثلاث مرات ، يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء ، ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء ، ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثم يفرغ منه ، وقد طهر» وقال : «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتاً سبع مرات» (١).

ولا يخفى أنّ هذا إرشاد لبعض الكيفيات ، وإلّا فيمكن في القصعة والإجانة والطست وما أشبهها إدارة الماء عليها بإبريق ونحوه ، بل هو أحوط وأمكن في التطهير.

نعم لما لم يمكن ذلك في كثير من الأواني الضيّقة الرأس ، فاكتفى في الرواية بما ذكر ، ولكنه أيضاً لا يمكن إجراء ظاهره في جميع الأواني ، إلّا أن يجعل التحريك أعمّ من الإجراء بالإبريق ونحوه.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨٤ ح ٨٣٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٧٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

٤٥٠

وقال في الذخيرة : وعن جماعة من الأصحاب أنّه لو ملأ الإناء ماء كفى إفراغه عن تحريكه ، وأنّه يكفي في التفريغ مطلقاً وقوعه بالة لكن بشرط عدم إعادتها إلى الإناء قبل تطهيرها ، وعن بعضهم اشتراط كون الإناء مثبتاً بحيث يشق قلعه ، والشرط الثاني لا وجه له ، والأوّل مبني على نجاسة الغُسالة (١).

أقول : ويشكل الاكتفاء بما ذكره الجماعة ، لعدم صدق الغسل عرفاً. نعم إذا أُدير عليها الماء فاجتمع في أسفله ثم استخرج ، فإنّه يصدق عليه.

وحينئذٍ فالظاهر عدم الفرق بين المثبَت وغيره ، إلّا أن يُستشكل في طهارة أسفل الانية الذي يجتمع فيه الغُسالة ، لعدم صدق الغسل العرفي بدون التحريك ، فيخرج عن مقتضاه في المثبتة ، لعدم الإمكان ، ولزوم الحرج ، فيبقى الباقي.

وظنّي أنّ الجمع بين الحكم بنجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة وإن كان في الانية ، وجواز التطهير به مع اشتراط طهارته قبل الشروع في الغسل ، إنّما يتمّ في الغالب بملاحظة القصد والنيّة.

فلو صبّ أحد ماء في إنية نجسة لا بقصد الغسل ، ثم أتى آخر بعد زمان فحرّكه وأفرغه فالظاهر عدم الطهارة ، بل ولو لم يحصل الفصل أيضاً وفعله هو أيضاً ، ولو صبّ فيه للغسل وحرّكه وأفرغه متتالياً فتحصل الطهارة. ويقع الإشكال فيما لو ترك التعاقب والتوالي في الصورة المفروضة.

ولكن يخدش فيه عدم اعتبار النيّة في الواجبات التوصليّة ، فالفرق إذاً بالتوالي والتعاقب وعدمه ليصدق الاسم عليه عرفاً ، وسيجي‌ء في غُسالة الاستنجاء ما يوضح ذلك.

نعم يمكن أن يقال : إنّ إطلاق ما سيجي‌ء من جواز تطهير اللحم المتنجّس بموت الفأرة في المرق يدلّ على جوازه في المركن إذا تشرّب الماء المتنجّس ، فلا يضرّ طول

__________________

(١) الذخيرة : ١٧٨.

٤٥١

المكث وعدم التعاقب ، وإلّا فلا يحصل النفوذ في الزمان القليل فلا يطهر.

ثم إنّ المشهور سقوط اعتبار العدد في الأواني أيضاً إذا غسلت في الماء الكثير ، لكن بشرط حصول التعفير فيما احتاج إليه قبله (١). وعن الشيخ كفايته عن غسلة ، فيعفّر بعده ويتمّ العدد (٢). وموثّقة عمّار وغيرها مما تقدّم ظاهرة في القليل ، فلا يبعد الاكتفاء بالمرّة بعد إزالة العين ، وإن كان التعدّد أحوط.

الرابع : يجب غسل ما لاقى المتنجّس رطباً كالملاقي لأصل النجس ، سواء كانت للنجاسة عين أم لا ، وسواء بقيت عينها أو أُزيلت ، بلا خلاف ظاهر من الأصحاب ، على ما يستفاد من تضاعيف أبواب أحكام المياه والنجاسات والمطهرات ، والأخبار المعتبرة به مستفيضة ، بل تقرب حدّ التواتر.

وبالجملة هذه المسألة لا يبعد أن تعدّ من الضروريات ، فضلاً عن الإجماعيات.

وقد ركب بعض المتفقّهين هنا متن عمياء ، فخبط خبط عشواء ، ولقد أشطّ في القول فأفرط ، وتعدّى عن الطور مجانباً عن المنهج وشحط ، وحكم بأنّ المتنجّس لا ينجس بملاحظة بعض الأخبار (٣) (٤) ، وحسب ذلك ضالّته في بيادي الأفكار ، فأضلّه ذلك عن مرافقة الأبرار وموافقة الأخيار ، فأخذ في الطعن والإزراء على الفقهاء الكرام ، ومؤسسي مسائل الحلال والحرام ، بما لا يليق أن يذكر باللسان ، أو يكتب بالأقلام.

واستند في ذلك تارة بظواهر تلك الأخبار الظاهر تأويلها ، وأُخرى بالأصل ، وأنّ دليل عدم النجاسة عدم دليلها.

__________________

(١) منهم العلامة في القواعد ١ : ١٩٨ ، ونهاية الأحكام ١ : ٢٩٦ ، والشهيد في البيان : ٩٣ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٩٢.

(٢) الخلاف ١ : ١٧٨ ، المبسوط ١ : ١٤.

(٣) المفاتيح ١ : ٧٥ ، الوافي ٦ : ١٤٥ ، ونقله في الحدائق ٥ : ٢٦٦.

(٤) الوسائل ١ : ٢٠٠ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٤ ، ٧.

٤٥٢

ومن تتبع أبواب تطهير الأواني وما ورد في وجوب غسل الانية بمجرّد ولوغ الكلب والخنزير في الماء مع عدم إصابته الإناء وهي كثيرة معتبرة.

وكذلك ما ورد أنّ الكلب إذا أصاب الثوب رطباً يجب غسل الثوب ، مع أنّ الملاصق بالثوب إنّما هو الماء المتنجّس ، فإنّ الكلب لا رطوبة في جلده وهي أيضاً كثيرة معتبرة.

وكذا فيما ورد في خنزير خرج من ماء فسال ماؤه في الطريق ، وأنّه يكفي في رفع نجاسة الرجل الموضوعة عليه تطهير الأرض إياها.

وكذلك ما ورد في أبواب المياه : أنّ الماء الذي ماتت فيه الفأرة واستعمل يجب غسل ما أصاب ذلك الماء.

وما ورد في وجوب غسل الثوب من استعمال ماء البئر المنتن.

وفيما ورد من اشتراط جفاف قصب البوريا في جواز الصلاة عليه إذا ابتلّ بماء قذر.

وما ورد من المنع في الأكل والشرب في أواني المشركين ، معلّلاً بأنّهم يشربون فيها الخمر ، أو يأكلون لحم الخنزير وإن حمل إطلاقها على الاستحباب ، والتعليل لا يستلزم بقاء عين النجاسات فيها حتّى تكون النجاسة باعتبار ملاقاة عين النجس.

وهكذا ما ورد في غسل الثياب المعارة عندهم أو ما نسجوها معلّلاً بما ذكر ، إلى غير ذلك من الأخبار.

يجد أنّ ذلك مما لا ينبغي التأمّل فيه ، وأنّ ذلك حقّ لا شبهة تعتريه.

وأما الأخبار التي ذكرها ، فأظهرها دلالة هي رواية سماعة قال ، قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : إنّي أبول ثم أتمسّح بالأحجار ، فيجي‌ء مني البلل ما يفسد سراويلي ، قال : «ليس به بأس» (١) وهو ضعيف.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥١ ح ١٥٠ ، الاستبصار ١ : ٥٦ ح ١٦٥ ، الوسائل ١ : ٢٠٠ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٤.

٤٥٣

والباقي له محمل ظاهر ، فمنها موثّقة حنان قال : سمعت رجلاً سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : إنّي ربّما بلت فلا أقدر على الماء ، ويشتدّ ذلك عليّ ، فقال : «إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك ، وإن وجدت شيئاً فقل هذا من ذلك» (١) وهو على الخلاف أدلّ كما لا يخفى ، وسائر الأخبار متقاربة المعنى.

وهذه الأخبار مع هجرها ومتروكيتها عند الأصحاب لا تقاوم ما ذكرنا.

ويدلّ على ما ذكرنا أيضاً مضافاً إلى ما تقدّم : موثّقة ابن بكير ، عن الصادق عليه‌السلام : الرجل يبول فلا يكون عنده الماء ، فيمسح ذكره بالحائط ، قال : «كلّ شي‌ء يابس زكي» (٢) ومفهومه يقتضي أنّه إذا صار رطباً ينجس.

الخامس : ذهب جماعة منهم السيد إلى اشتراط ورود الماء على النجاسة في التطهير وإلّا لنجس الماء ولم يفد الطهارة للمحلّ (٣). وذلك مبني على ما ذهب إليه من عدم نجاسة القليل إذا ورد على النجاسة.

وتبعه بعض المتأخّرين (٤) ، زعماً منه أنّ كلّ ما ورد في نجاسة القليل إنّما هو فيما وردت النجاسة على الماء ، فيبقى غيره تحت أصل الطهارة.

وهو باطل كما سيجي‌ء ، بل في الأخبار ما يدلّ على الأعمّ من ذلك وعلى النجاسة فيما يرد الماء على النجاسة أيضاً ، كما يظهر من رواية استسقاء غلام أبي عبد الله عليه‌السلام ، وخروج الفأرة في الدلو (٥) ، وحديث خروج الخنزير من

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٤١ ح ١٦٠ ، التهذيب ١ : ٣٥٣ ح ١٠٥٠ ، الوسائل ١ : ٢٠١ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٧.

(٢) التهذيب ١ : ٤٩ ح ١٤١ ، الاستبصار ١ : ٥٧ ح ١٦٧ ، الوسائل ١ : ٢٤٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٣١ ح ٥.

(٣) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٧٩.

(٤) مدارك الأحكام ١ : ١٢٢.

(٥) الوسائل ١ : ١١٦ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٥.

٤٥٤

الماء (١) ، وما روي في المنع عن أن يجعل في دن الخمر ماء أو خل أو غيره إلى أن يغسل (٢) إلى غير ذلك.

مع أنّ ذلك لا يفيد عدم جواز التطهير في غير صورة الورود ، لعدم ثبوت التنافي بين النجاسة وتطهير المحلّ كما في حجر الاستنجاء.

وبالجملة فنقول : أوّلاً بعد تسليم دلالة بعض الأخبار على النجاسة فيما ورد الماء على النجاسة أيضاً كما أشرنا أنّها في موارد خاصّة ، وليس ماء التطهير من جملتها ، وعدم القول بالفصل غير معلوم ، لوقوع النزاع فيه.

سلّمنا ، لكن لا منافاة بين التنجّس والتطهير ، فإنّ الأمر بالغسل يقتضي الإجزاء ، وقد تحقّق عرفاً فيما نحن فيه ، وفائدته الطهارة ، فتترتب عليه.

وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في الغسل في المركن أيضاً (٣) ، وعمل بها في المنتهي ، وقال : إذا غسل الثوب من البول في إجّانة بأن يصبّ عليه الماء فسد الماء وخرج من الثانية طاهراً ، اتّحدت الانية أو تعدّدت (٤). وقيد صبّ الماء ليس في الرواية ، بل هي أعمّ.

واستوجه في الذكرى أيضاً عدم اشتراط ورود الماء ، لصدق الغسل بدونه ، قال : وتنبّه عليه رواية الحسن بن محبوب التي تجي‌ء في مطهريّة النار (٥) (٦).

وربّما يؤيّد بموثّقة عمّار في غسل الأواني (٧) ، فإنّ تحريك الماء ليس نفس الورود.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ١٠٤٧ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ١٠٧٤ أبواب النجاسات ب ٥١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٠ ح ٧١٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٠٢ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٤) المنتهي ١ : ١٤٦.

(٥) الذكرى : ١٥.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٣٥ ح ٩٢٨ ، الوسائل ٢ : ١٠٩٩ أبواب النجاسات ب ٨١ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٢٨٤ ح ٨٣٢ ، الوسائل ٢ : ١٠٧٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

٤٥٥

ويمكن دفعه بأن يقال : يكفي الورود أوّلاً ، وأنّ الأصل طهارة الماء ، خرج ما ثبتت فيه النجاسة مما دلّت الأخبار عليه من ورود النجاسة على الماء ، وبقي الباقي. إلّا أنّ الأصل نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة إلّا فيما ورد الماء على النجاسة ، فتبقى حكاية مثل التحريك في الانية المشكوك فيه تحت أصل الطهارة.

وكيف كان فلا ريب أنّ الأحوط مختار السيد.

وقد يخترع تفريعاً على الأصل الفاسد من عدم تنجيس المتنجّس على القول بنجاسة الماء القليل القول بوجوب الغسل مرّتين في جميع النجاسات ، أحدهما : لزوال العين ، فتكون الغُسالة كالمحلّ متنجّسة ، والثاني : للتطيهر ، فيكونان طاهرين.

وهو مع فساد الأصل وعدم ذهاب أحد من الأصحاب إلى الفرق بين بقاء العين وعدمها في كيفيّة الغسل أنّه مبني على استلزام القول بنجاسة القليل بالملاقاة عدم التطهير ، وقد عرفت خلافه.

ثم إنّه قد ظهر مما ذكرنا أنّ الأظهر طهارة الغُسالة مطلقاً ، سيّما إذا ورد الماء على النجاسة ، للأصل ، والعمومات ، وخصوص صحيحة ابن مسلم في حكاية المركن ، فإنّ ظاهرها يعطي طهارة الغُسالة.

وتنزيلها على القول بنجاسة الغُسالة بعد الانفصال عن المحلّ أو الانية المغسول فيها بعيد ، كأصل المنزّل عليه ، لاستلزامه انفكاك المعلول عن علّته التامة كما قيل ، وعدم دلالة الأخبار بنجاسة الماء القليل عليه (١) ، وضعف ما سنذكره في دليل النجاسة ، وهو ظاهر الشهيدين (٢) ، والمنقول عن الشيخ عليّ في بعض أقواله (٣) ، وربّما نسب إلى جماعة من متقدّمي الأصحاب (٤) ، واختاره

__________________

(١) كذا ، والأنسب الأخبار الدالّة على نجاسة الماء القليل عليه.

(٢) الشهيد الأوّل في الذكرى : ٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٥٩.

(٣) كما في المعالم : ١٢٣ ، ومفتاح الكرامة ١ : ٩٠.

(٤) نسبه إلى الشيخ وابن إدريس في جامع المقاصد ١ : ١٢٨ ، وانظر مفتاح الكرامة ١ : ٩٠.

٤٥٦

السيد (١) وابن إدريس فيما لو ورد الماء على النجاسة (٢).

وذهب الفاضلان (٣) وجماعة من المتأخّرين (٤) إلى النجاسة.

واختلف كلام الشيخ في المبسوط ، وخصّ الكلام في موضع منه بذكر طهارة غُسالة ولوغ الكلب (٥) ، وعن الخلاف الحكم بنجاسة الاولى من غُسالة الثوب دون الثانية ، وطهارة غُسالة ولوغ الكلب مطلقاً (٦).

وحجّة القول بالنجاسة رواية عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضّأ به وأشباهه» (٧).

ورواية العيص ، قال : سألته عن رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء ، فقال : «إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه» (٨).

والرواية الأُولى ضعيفة (٩) ، ولا دلالة فيها على المطلوب ، وغايتها كونه من باب غُسالة الجنب في عدم الطهوريّة ، فإنّه لا إشكال فيه ، فقد ادّعى الفاضلان

__________________

(١) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٧٩.

(٢) السرائر ١ : ١٨١.

(٣) المحقّق في المعتبر ١ : ٩٠ ، والشرائع ١ : ٨ ، والعلامة في المنتهي ١ : ١٤١ ، والمختلف ١ : ٢٣٧ ، والتذكرة ١ : ٣٦.

(٤) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٢٩ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٢.

(٥) فقد قال في موضع منه : الماء الذي يزال به النجاسة نجس لأنّه ماء قليل خالطه بنجاسة وفي الناس من قال ليس بنجس إذا لم يغلب على أحد أوصافه بدلالة أنّ ما بقي في الثوب جزء منه وهو طاهر بالإجماع فما انفصل عنه فهو مثله وهذا أقوى والأوّل أحوط والوجه فيه أن يقال إنّ ذلك عفي عنه للمشقة ، انظر المبسوط ١ : ٩٢ وص ٣٦.

(٦) الخلاف ١ : ١٧٩ مسألة ١٣٥ ، وص ١٨١ مسألة ١٣٧.

(٧) التهذيب ١ : ٢٢١ ح ٦٣٠ ، الاستبصار ١ : ٢٧ ح ٧١ ، الوسائل ١ : ١٥٥ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ١٣.

(٨) المعتبر ١ : ٩٠ ، الذكرى : ٩ ، الوسائل ١ : ١٥٦ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ١٤.

(٩) فإنّ في طريقها أحمد بن هلال ، وقد قال عنه الشيخ : إنّه ضعيف مشهور بالغلوّ واللعنة فاسد المذهب لا يلتفت إلى حديثه. انظر التهذيب ٩ : ٢٠٤ ذ. ح ٨١٢ ، والاستبصار ٣ : ٢٨ ذ. ح ٩٠.

٤٥٧

الإجماع على أنّ ما يزال به النجاسة لا يرفع الحدث مطلقاً (١) ، بل هي ظاهرة في الطهارة.

وأما الثانية فمع أنّا لم نقف عليها إلّا في بعض الكتب الاستدلاليّة كالذكرى والمعتبر وقد قدحا فيها بالقطع والضعف دلالتها أيضاً ليست بواضحة.

وأما الإشكال (٢) على نجاسة الماء القليل فقد عرفت.

وقد يستدل بما ورد في غُسالة الحمّام ، وفيه مع ما فيه كما سيجي‌ء أنّه إنّما يتمّ إذا ثبت الإجماع المركب وهو ممنوع.

وإن أردت الاستدلال بالأخبار الواردة في المنع عن إدخال اليد في الإناء إذا كانت قذرة (٣) ، والأمر بإهراقه لو فعل ، بتقريب أنّها أعمّ من الإدخال لأجل الغسل وغيره.

وفيه : بعد تسليم ذلك ، والإغماض عن أنّ الظاهر منها إرادة أخذ الماء لا الغسل ، فإنّه قد يتفاوت الحكم بالقصد من أجل صدق الاسم وعدمه ، فإنّ أحكام الشرع تتبع العناوين غالباً.

وقد مرّت الإشارة وسنشير في غُسالة الاستنجاء إلى أنّ الأمر بالإهراق لعلّه كناية عن عدم الطهوريّة كما أشرنا ، لأنّ ظاهر هذه الأخبار بل صريح بعضها أنّه يريد أن يتوضّأ منه.

وإن أردت الاستدلال بمفهوم قوله عليه‌السلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء» (٤).

__________________

(١) المحقّق في المعتبر ١ : ٩٠ ، والعلامة في المنتهي ١ : ١٤٢.

(٢) في «م» : الاتّكال. والمراد على كلّ حال هو أنّ ماء الغسالة ماء قليل لاقى نجساً فينجس ، فالاتكال على هذا قد عرفت جوابه أو الإشكال في الاستدلال بذلك قد عرفته.

(٣) الوسائل ١ : ١١٣ أبواب الماء المطلق ب ٨.

(٤) الوسائل ١ : ١١٧ أبواب الماء المطلق ب ٩.

٤٥٨

ففيه : أنّ النكرة الواقعة في سياق الإثبات لا عموم لها ، ولا يمكن دعوى عدم القول بالفصل في هذه المعركة العظمى.

ودعوى أنّ المستفاد من تتبع أخبار نجاسة الماء القليل أنّ الأصل فيه النجاسة حتّى يثبت المخرج ، فهي غير بينة ولا مبينة.

وبالجملة لم نقف على ما تطمئن إليه النفس يدلّ على نجاسة الغُسالة ، سيّما فيما لو ورد الماء على النجاسة.

ثم قال في المدارك : إنّ جماعة من الأصحاب ذكروا أنّ من قال بطهارة الغُسالة اشترط ورود الماء (١).

أقول : وهو غير واضح المأخذ كما عرفت ، إلّا أن يثبت إجماع مركب ، فيكون القول بالطهارة مطلقاً خرقاً له ، وهو غير معلوم ، بل المستفاد من كلام الشهيدين (٢) وغيرهما عدمه.

ومع هذا كلّه فلا ينبغي ترك الاحتياط سيّما فيما ورد النجس على الماء ، فإنّه لا يخلو عن إشكال ، وإن كان ظاهر الأدلّة ما ذكرنا.

وأما دليل السيد ومن تبعه وجوابه فيظهر مما مرّ. وأما سائر الأقوال فلا دليل عليها يعتد به ، وتظهر أدلّتها وجوابها من التأمّل فيما مرّ.

ثم إنّ الظاهر أنّ الغُسالة على القول بنجاستها لا يلحق حكمها بالمحلّ ، فيكفي غسل ما أصابته مرّة ، وفاقاً لجماعة من المتأخّرين (٣) كما هو مقتضى إطلاق بعض أدلّة القائلين بالنجاسة ، وهي رواية العيص ، وإن كان في الاستدلال بها إشكال.

وهاهنا أقوال أُخر نقلها ابن فهد (٤) ، ومنها : أنّ حكمها حكم المحلّ بعد تلك

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ١٢٢.

(٢) الذكرى : ٩ ، روض الجنان : ١٥٩.

(٣) كالشهيد الثاني في الروضة البهيّة ١ : ٣١٠ ، وانظر مشارق الشموس : ٢٥٤.

(٤) المهذب البارع ١ : ١١٨.

٤٥٩

الغسلة ، وهو قول الشيخ في موضع من الخلاف (١).

ومنها : أنّ حكمها حكم المحلّ قبل الغسل ، ونقله عن الفاضلين (٢) وفخر المحقّقين (٣).

ومنها : أنّ حكمها حكم المحلّ قبل تلك الغسلة ، فيجب غسل ما أصابه من الغسلة الأُولى مرّتين ، ومن الغسلة الثانية مرّة ، ونقله عن الشهيد (٤) ، واختاره هو رحمه‌الله أيضاً (٥). وأدلّة هذه الأقوال غير واضحة.

ثم إنّ القول بطهارة الغُسالة إنّما هو إذا لم يتغيّر أحد أوصافها ، وإلّا فلا خلاف في نجاستها.

وكذلك ماء الاستنجاء المجمع على عدم وجوب اجتنابه ، المدلول عليه بالأخبار الصحيحة. واشترط في طهارته مضافاً إلى عدم التغيّر : عدم وقوعه على نجاسة خارجة عن المحلّ ، وأن تكون من الحدثين.

بل اشترط جماعة منهم عدم المخالطة بغيرهما أيضاً كالدم ، وأن لا ينفصل مع الماء أجزاء متميّزة ، لأنّها كالنجاسة الخارجة ينجس بها الماء بعد مفارقة المحلّ (٦) ، وتوقّف فيه بعض الأصحاب (٧).

وظنّي أنّ الأخبار في الاستنجاء واردة مورد الغالب ، وهو عدم الاطلاع على ذلك ، والأصل عدمه ، ولا يلزم التجسّس ، فمع العلم بوجود الأجزاء فيه يشكل الحكم بالطهارة ، ولم يعلم تحقّق الإجماع في هذه الصورة أيضاً.

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٧٩ مسألة ١٣٩.

(٢) المعتبر ١ : ٩٠ ، المختلف ١ : ٢٣٧.

(٣) نقله عنه في المقتصر : ٤٥ ، والمهذّب البارع ١ : ١١٩.

(٤) اللمعة الدمشقيّة : ١٦ ، الدروس ١ : ١٢٢.

(٥) المهذب البارع ١ : ١٢٠.

(٦) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٢٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٦٠.

(٧) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٢٨٩ ، وصاحب المدارك ١ : ١٢٤.

٤٦٠