غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سمعته يقول : «إذا لم تجد ماء وأردت التيمّم فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت ، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» (١) ففي قوله عليه‌السلام : «فإن فاتك الماء» إشعار برجاء حصوله. والإضمار غير مضرّ ، سيّما من مثل محمّد.

وموثّقة ابن بكير : عن الصادق عليه‌السلام : «فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت ، فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض» (٢). ورواها في قرب الإسناد أيضاً مع تفاوت في اللفظ.

وفي صحيحة محمّد بن حمران : «واعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت» (٣) وظاهره الاستحباب. وهذه الأخبار هي أدلة مذهب ابن الجنيد.

وقد يستدلّ له بوجوه أُخر ضعيفة أقواها : عدم صدق عدم وجدان الماء المعلّق عليه التيمّم في الآية وغيرها مع رجاء الحصول.

وأما أدلة التوسعة ، فإطلاق الآية ، فإنّ قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) (٤) من مدخولات قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ) على الأظهر ، كما مرّت الإشارة إليه في الغسل ، فإنّها تشمل بإطلاقها كلّ من أراد الصلاة ولم يجد ماء ، فإنّ ظاهر الآية خطاب من أراد الصلوات المعهودة المعلومة أوقاتها بحسب تحديد الزمان المعيّن بالذات. فما يقال : «من أنّ ذلك يتمّ إذا ثبت جواز الإرادة في أوّل الوقت لفاقد الماء ، بأن يجعل التعليق على فقدان الماء أيضاً توقيتاً» بعيد ، فإنّ السياق يأبى

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٠٣ ح ٥٨٨ ، الاستبصار ١ : ١٦٥ ح ٥٧٣ ، الوسائل ٢ : ٩٩٣ أبواب التيمّم ب ٢٢ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠٤ ح ١٢٦٥ ، قرب الإسناد : ٧٩ ، الوسائل ٢ : ٩٩٤ أبواب التيمّم ب ٢٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٣ ح ٥٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٦ ح ٥٧٥ ، الوسائل ٢ : ٩٩٢ أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٣.

(٤) النساء : ٤٣.

٣٦١

عن ذلك ، فإنّ الظاهر أنّ الآية على نسقٍ واحد عن آخرها.

وهذا هو الجواب ، لا أنّ حرمة الإرادة لا تنافي وجوب التيمّم حين الإرادة. ولا ما يقال : إنّ الإرادة أعمّ من المتّصلة ، ولا مانع في أوّل الوقت عن إرادة الصلاة في آخر الوقت ، لأنّ المتبادر من قوله (إِذا قُمْتُمْ) هو مجاز المشارفة. وإن لم يجعل من مدخولات (إِذا قُمْتُمْ) فالأمر أوضح. وكذلك الآية الأُخرى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (١) الآية.

نعم يبقى الكلام في صدق قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) مع رجاء الحصول ، وقد أشرنا سابقاً إلى أنّه في صورة العلم بالتمكّن في الوقت لا يجوز التيمّم ، وكذا في صورة الظنّ.

والإشكال في صدق عدم الوجدان في غير (٢) صورة العلم بعدم التمكّن أيضاً ، وأنّ كلامهم في ذلك غير محرر ، وكذلك ههنا لم يبيّنوا الإجمال ، ولم يحقّقوا المقال.

والظاهر أنّ كلامهم هذا مسبوق بكلامهم ثَمّة ، وأنّ هذا فيما لم يبقَ علم ولا ظنّ بوجود الماء ، فالمشهور يؤخّرون إلى آخر الوقت مع إمكان حصول القدرة وعدمه ، والموسّعون يتيمّمون في أوّل الوقت ، وإن أمكن حصول الماء.

وأما ابن الجنيد فيؤخّر مع إمكان الحصول ويقدم مع عدمه بأن يعلم عدمه ، وأما ظنّ العدم فهو وإن كان داخلاً في إمكان حصول الماء ، لكن ابن الجنيد ألحق الظنّ الغالب بالعلم بالعدم (٣).

وأما العلامة ، فلم يذكر الظنّ ، فراعى نفس الإمكان (٤) ، وهو الصواب ، وحينئذٍ

__________________

(١) النساء : ٤٣.

(٢) غير ليست في «ز».

(٣) فإنّه قال : إن وقع اليقين بفوت الماء إلى آخر الوقت أو غلب الظنّ فالتيمّم في أوّل الوقت أحبّ إليّ. المختلف ١ : ٤١٤.

(٤) المختلف ١ : ٤١٥.

٣٦٢

فالظاهر أنّه يصدق على موضوع المسألة ، أعني من يعلم عدم الماء أو يظنّه أو تساوى طرفاه بعد الطلب فيما احتاج إليه أنّه غير واجد للماء ، فيدخل في عنوان الآية ، ويتمّ الاستدلال.

وتدلّ عليه أيضاً : الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّه بمنزلة الماء ، وأنّه أحد الطهورين ، وأنّه يكفي عشر سنين ونحوها.

والأخبار الصحيحة الدالّة على عدم وجوب إعادة الصلاة إذا تيمّم وصلّى ثم وجد الماء وهو في الوقت ، فإنّ ترك الاستفصال فيها يقتضي شمولها لمن فعل ذلك في سعة الوقت ، ومن اجتهد للتضيق وانكشف فساد ظنّه.

ويؤيّده أيضاً ما سيجي‌ء من جواز الصلاة الأُخرى مع بقاء التيمّم في أوّل الوقت وفعل الفائتة حيثما أراد ، وما سيجي‌ء من الأخبار الدالّة على عدم جواز هدم الصلاة إذا وجد الماء في الأثناء ما لم يركع من دون تفصيل ، وغير ذلك.

ويؤيّده أيضاً كونه أوفق بنفي العسر والحرج ، سيّما في مثل صلاة العشاء.

وأما الإطلاقات مثل قولهم عليهم‌السلام : «إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلواً ولا شيئاً تغترف به فتيمّم بالصعيد» (١) و «إذا أجنب ولم يجد الماء يتيمّم» (٢) ونحو ذلك ، فهو من قبيل إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ، وإذا وجدت طعم النوم وجب الوضوء ، كما أشرنا إليه سابقاً ، وظاهرها بيان الموجب ، وإن كان لا يخلو عن تأييد.

والحاصل أنّ القول بالتوسعة قويّ ، لكن ترك الأخبار الدالّة على التأخير ، سيّما مع رجاء الزوال مشكل ، وإن كان حملها على الاستحباب أيضاً وجيهاً ، سيّما مع ملاحظة رواية محمَّد بن حمران ، فلا تترك الاحتياط.

ثم إنّا قد جرينا في الكلام إلى هنا على مذاق القوم ، ويسنحني الان كلام آخر

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٩٦٥ أبواب التيمّم ب ٣.

(٢) الوسائل ٢ : ٩٦٥ أبواب التيمّم ب ٣.

٣٦٣

في تأييد مذهب ابن الجنيد ، فنقول ممهّداً لمقدّمة في بيان دلالة الآية ، وهي أنّ لفظة «وجد» إما من باب الجدة مقابل الفقر ، ومنه قوله تعالى (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ) (١) أو من باب الوجدان ، كما في وجدت الضالّة ، ولم أجدها. وترقّب الحصول والطلب والرجاء مأخوذ في المعنى الثاني دون الأوّل.

فحينئذٍ نقول : الأظهر تقديم العرف العام إذا لم تثبت حقيقة شرعيّة ، وعدم الوجدان عرفاً مما ينبغي صدقه في جواز التيمّم ، وحيث ذكرنا سابقاً استدلالهم على وجوب الطلب بعدم صدق عدم الوجدان بدونه ، فذلك يتصوّر في هذه المادة بكلا المعنيين.

أما في الأوّل فمن جهة أنّ الواجد والغني يطلق على من حصل المال عنده ، وعلى من كان له كسب يقتدر به على تحصيله بالقوّة القريبة من الفعل ، فصدق عدم الوجود بهذا المعنى أيضاً لا يتمّ إلّا بعد اليأس عن حصوله بالأسباب المحصّلة له كالطلب والانتظار.

وأما في الثاني فأظهر ، إذ عدم وجدان الضالّة ، وعدم الوصول إلى المني ، إنّما يصحّ بعد الطلب ، أو انتظار زمان يُترقّب ويُرجى حصوله فيه.

ويمكن أن يقال : الأظهر في الآية إرادة المعنى الثاني ، بقرينة قوله تعالى (أَوْ عَلى سَفَرٍ) إذ الظاهر أنّه تعالى اكتفى بكونهم مرضى عن ذكر عدم تيسّر الاستعمال ، لكونه مظنّة ذلك ، وبذكر المسافر أشار إلى عدم وجود الماء بالفعل غالباً في الأسفار. وحينئذٍ يكون المعنى : إن كنتم على سفر ولم تجدوا الماء بالفعل فطلبتم أو انتظرتموه فلم تجدوه بالمعنى الثاني فتيمّموا.

والظاهر أنّ الصدق العرفي لا يتمّ إلّا في آخر الوقت ، فيلزم تتبع موارد الاحتمال ، وانتظار حصوله منها ، حتّى يتضيّق الوقت.

__________________

(١) التوبة : ٩١.

٣٦٤

فإن قلت لعبدك : اشتر لي فرساً للركوب ، فإن لم تجد فحماراً ، فعند أهل العرف أنّه لو لم يتفحص موارد احتمال وجود الفرس ومظانها ، ولم ينتظر في تحصيله مدة ينتفي فيها احتمال حصول الفرس ، أو يتضيّق وقت احتياج المولى إلى الركوب ، لا يعد ممتثلاً ، فيجب تتبّع موارد الاحتمال وانتظارها إلى أن يتضيّق زمان الحاجة.

إذا عرفت هذا ، فالذي نقل عن المشهور أمران الأوّل : تأخير التيمّم إلى آخر الوقت ، والثاني : الطلب بعد دخول الوقت بمقدار رمية أو رميتين.

ولا ريب أنّ المعنى الثاني ليس محصّلاً للصدق العرفي في عدم الوجود ، فينافي استدلالهم على وجوب الطلب لذلك كما أشرنا سابقاً.

فلا بد أن يكون مرادهم تحصيل الصدق من (١) القدر المشترك بين الأمرين ، فلا يكون الطلب المعيّن المحدود وحده علّة لذلك ، فلعلّ الشارع خفّف الطلب لتسهيل الأمر ، واكتفى بالانتظار إلى آخر الوقت منضمّاً إلى هذا القدر من الطلب ، كما أنّه يجوز أن يقول المولى لعبده في المثال المتقدّم : إنّه يكفي في تحصيل الفرس أن تراقب وجوده ، فإن رأيته أو أعلمك أحد به فاشتره ولكن تفحّص عن الفرس في الخان الفلاني ، أو السوق الفلاني ، ولا يجب عليك تتبّع جميع الأسواق والخانات والسكك والدور والمحلّات.

ومن هذا ينقدح عدم وجوب التأخير إذا علم عدم التمكّن من الماء في آخر الوقت ، لصدق عدم الوجود في أوّل الوقت ، فإن كان معيار كلام المشهور هو متابعة ظاهر الآية ، فلا حاجة إلى التأخير في صورة العلم ، وإلّا فلا معنى لاستدلالهم بذلك على وجوب الطلب كما مرّ ، فإما يوجبون الأمرين مضافاً إلى الصدق العرفي ، أو يكتفون بهما وإن لم يحصل الصدق العرفي. وعلى الثاني فيلزمهم

__________________

(١) في «ز» : مع.

٣٦٥

الإعراض عن الآية ، وعلى الأوّل فلا بد من الدليل في إثبات التأخير حتّى في صورة العلم.

وعلى هذا فيكون اختيار الأمرين لمحض التعبّد ، لعدم مدخليّة التأخّر في الصدق العرفي إذا علم بالعدم ، وكذلك الطلب المحدود لا يوجب ذلك كليّة ، ولكن الشأن في الدليل.

ويشجّعني ما ذكرته مضافاً إلى القرائن الخارجة على أن أقول : إنّ نسبة وجوب التأخير مطلقاً إلى المشهور وهم نشأ من المتأخّرين ، والظاهر أنّهم رأوا إطلاق كلماتهم وفتواهم بوجوب التأخير مطابقاً للروايات فظنّوا أنّهم قائلون بذلك حتّى في صورة العلم.

وظنّي أنّهم موافقون لابن الجنيد ، إلّا أنّ ابن الجنيد صرّح بالتفصيل وهم أطلقوا موافقاً للروايات.

وكما ذكرنا أنّ الروايات ظاهرها التفصيل فكذلك إطلاق كلام الفقهاء ، ولم أقف على مصرّح بوجوب التأخير وإن علم فقدان الماء وعدم التمكّن ، وإنّما نسب ذلك في المختلف إلى المشهور (١).

والذي يشهد بذلك أنّه في المختلف بعد نسبته إلى المشهور قال : ذهب إليه الشيخ والسيد وأبو الصلاح وسلّار وابن إدريس وابن البرّاج ثم قال : وهو الظاهر من كلام المفيد.

والذي يحضرني من كلام هؤلاء المشايخ هو المقنعة ونهاية الشيخ والانتصار والمسائل الناصريّة والسرائر ، وكلامهم لا ينافي مذهب ابن الجنيد قطعاً ، بل الظاهر منهم موافقته.

فقال المفيد في المقنعة : ومن فقد الماء فلا يتيمّم حتّى يدخل وقت الصلاة ، ثم

__________________

(١) المختلف ١ : ٤١٤.

٣٦٦

يطلبه أمامه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، مقدار رمية سهمين من كلّ جهة إن كانت الأرض سهلة ، وإن كانت حزنة طلبه في كلّ جهة مقدار رمية سهم ، فإن لم يجد يتيمّم في آخر أوقات الصلاة عند الإياس منه ، ثم صلّى بتيمّمه (١).

وأما السيد في الانتصار ، فبعد ما جعل وجوب تأخير التيمّم إلى آخر الوقت من منفردات الإماميّة في مقابل خلاف أبي حنيفة في جواز التقديم على الوقت ، والشافعي في جوازه في أوّل الوقت ، واستدل بالإجماع قال : وأيضاً فإنّ التيمّم بلا خلاف إنّما هو طهارة ضرورة ، ولا ضرورة إليه إلّا في آخر الوقت ، وما قبل هذه الحال لم تتحقّق فيه ضرورة (٢).

ويقرب منه كلامه في الناصريّة (٣).

وليس ذلك من قبيل أكل الميتة من حيث مطلوبيّة تقليل زمان أكله كمقداره ، فإنّ من يرجو الحلال يجب عليه التأخير بقدر الطاقة حتّى يحصل الحلال ، ومن لا يرجوه فيؤخّر أيضاً ليكون ذلك لمجرّد سد الرمق ، فيحصل التقليل في الأكل في العدد كالكمّ.

ولا يتصوّر ذلك في التيمّم ، فإنّ المتصوّر فيه إنّما هو رفع الحاجة بالمائيّة ، وبعد العلم بعدمه إلى آخر الوقت ، فلا يبقى مانع عن تحقّق الضرورة.

وأما ما ذكروه من أنّ من شرائط التيمّم التأخير إلى آخر الوقت وعدم الماء بعد الطلب المعلوم وجمعوا بين ذكر الشرطين ، فهو أيضاً لا ينافي ما ذكرنا كما لا يخفى.

وبالجملة فالأقوى هو التفصيل.

وحينئذٍ ، فعلى ما ذكرنا أنّ مراد المشهور هو أيضاً ذلك ، فالروايات كافية في تخصيص ظاهر الكتاب لو سلّم الصدق العرفي أيضاً ، وكذلك عموم سائر

__________________

(١) المقنعة : ٦١.

(٢) الانتصار : ٣١.

(٣) المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨٩.

٣٦٧

الأخبار والإجماعات المنقولة أيضاً لم تعلم إرادة ناقليها ما يشمل خصوص صورة العلم ، بل الإجماعات أيضاً مطلقة كفتاويهم ، والإجماع لا يقبل التخصيص كما ذكرنا.

فعمل الأصحاب ، مع تلك الإجماعات وهذه الروايات ، يصير أقوى من العمل بتلك العمومات ، فإنّ الخاص مقدّم على العام.

مع أنّ فرض حصول العلم بعدم التمكّن من الفروض النادرة التي لا تكاد توجد ، ولذلك لم يتعرّض الجمهور لبيانه ، فحسب من نسب إليهم التعميم لذلك ، والعمومات والخصوصات والفتاوى والإجماعات كلّها واردة مورد الغالب.

وأما الأخبار الدالّة على عدم وجوب الإعادة في الوقت (١) ، فمحمولة على ما لو كُشف فساد ظنّه في اعتبار التضيّق ، إذ لا يعتبر فيه اليقين جزماً ، وذلك التخلّف شائع غير نادر كما لا يخفى.

ثم لا وجه للقدح في دلالة الروايات ، لأنّ الأمر حقيقة في الوجوب ، ولا تنفيه رواية محمّد بن حمران (٢) ، لعدم المقاومة.

فظهر بذلك ضعف التوسعة ، وقوّة التفصيل ، وعليه اعتمد ، وبه أفتي ، والله العالم.

ثم إنّ الظاهر مما استفيد من الأخبار الدالّة على اعتبار الضيق : هو اعتباره في صلاة الفريضة الحاضرة لغير المتيمّم ، ولم يعلم من نقل (٣) الإجماع أيضاً إلّا ذلك ، فإنّ الإجماع من الأدلة القطعيّة التي لا تقبل التخصيص ، فتدور حجيته مدار العلم بالتحقّق ، أو بكونه مورد نقل الناقل قطعاً.

فعلى هذا ، فلو تيمّم لفريضة جاز له الدخول في أُخرى من دون اعتبار التضيق

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٩٨١ أبواب التيمّم ب ١٤.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٣ ح ٥٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٦ ح ٥٧٥ ، الوسائل ٢ : ٩٩٢ أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٣.

(٣) في «ز» ، «ح» : نقله.

٣٦٨

لعموم الأدلة (١) ، ولأنّه متيمّم.

وتجوز الصلوات الكثيرة بتيمّم واحد بلا خلاف ظاهر بين الأصحاب ، والصحاح به مستفيضة (٢) ، مضافاً إلى عموم المنزلة (٣) ، وأنّه أحد الطّهورين (٤).

والجواب عن عموم الآية (٥) وكلّ ما دلّ على وجوب الطّهارة عند القيام إلى الصّلاة قد مرّ في الوضوء والغسل (٦).

وأمّا صحيحة أبي همام (٧) فقد مرّ وجهها وتأويلها في التيمّم التجديدي.

ويجوز للفائتة في جميع الأوقات ، لما ذكرنا ، ولقوله عليه‌السلام : «متى ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها» (٨).

وللمرتّبة على الأظهر ، بل المبتدأة ، وكذلك الآيات وغيرها.

قيل : وعلى هذا فتضعف فائدة التضيّق ، لجواز الحيلة بأكثر ما ذكر ، ولا حاجة إلى ما ارتكبه بعضهم من نذر ركعتين ، فإنّه مع ثبوت الإشكال في انعقاد مثله إنّما يُحتاج إليه لو لم يصحّ الدخول في الفريضة بتيمّم النافلة ، وهو خلاف التحقيق ، بل نقل الإجماع على جوازه جماعة من الأصحاب (٩) (١٠).

الثاني : لا يعيد المتيمّم ما صلّى به مطلقاً ، ولا يقضي لأنّ الأمر يقتضي

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٩٩٠ أبواب التيمّم ب ٢٠.

(٢) الوسائل ٢ : ٩٩٠ أبواب التيمّم ب ٢٠.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠٠ ح ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٦ ، الوسائل ٢ : ٩٩٠ أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٣.

(٤) التهذيب ١ : ١٩٧ ح ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ١٦١ ح ٥٥٧ ، الوسائل ٢ : ٩٨٤ أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٥.

(٥) المائدة : ٦.

(٦) الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء ب ١.

(٧) التهذيب ١ : ٢٠١ ح ٥٨٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٤ ح ٥٦٩ ، الوسائل ٢ : ٩٩١ أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٦.

(٨) الكافي ٣ : ٢٩١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ح ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٩) ذخيرة المعاد : ١٠١ ، والبعض الذي أشار إليه هو الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٢٢.

(١٠) الخلاف ١ : ١٤٣ ، المعتبر ١ : ٤٠٢.

٣٦٩

الإجزاء ، والقضاء يحتاج إلى أمرٍ جديد ؛ وللصّحاح المستفيضة وغيرها (١).

وعن السيّد : أنّ الحاضر المتيمّم لفقد الماء يعيد (٢). وهو ضعيف غير معلوم الوجه.

وعن ابن أبي عقيل (٣) وابن الجنيد (٤) : وجوب الإعادة إذا فعلها في سعة من الوقت مع بقاء الوقت على القول بجوازه ، لصحيحة يعقوب بن يقطين (٥) وهي محمولة على الاستحباب ، لعدم مقاومتها لما ذكرناه ، سيّما ما صرّح فيها بأنّها لا تعاد مع بقاء الوقت أيضاً ، والتّصريح ببقاء الوقت في كثير منها وإن كان لا يستفاد منها أكثر من بقاء الوقت الّذي حصل من الاشتباه في تحديد آخر الوقت بحسب المظنّة ، ولكن إطلاق بعضها يشمل ما لو فعلها في التوسعة أيضاً.

وتؤيّده موثّقة منصور بن حازم ، عن الصّادق عليه‌السلام : في رجل تيمّم وصلّى ثمّ أصاب الماء ، قال : «أما أنا فإنّي كنت فاعلاً ، إنّي كنت أتوضّأ وأُعيد» (٦).

وما رواه أبو سعيد : إنّ رجلين تيمّما فوجدا الماء وصلّيا في الوقت فأعاد أحدهما ، وسألا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لمن لم يعد : «أصبت السّنة ، وأجزأتك صلاتك» ، وللآخر : «لك الأجر مرّتين» (٧).

وعن الشيخ إعادة من تعمّد الجنابة وخشي على نفسه وتيمّم وصلّى (٨) وقد مرّ الكلام فيه.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٩٨١ أبواب التيمّم ب ١٤.

(٢) نقله عنه في المعتبر ١ : ٣٦٥.

(٣) نقله عنه في المختلف ١ : ٤٤٧.

(٤) نقله عنه في الذكرى : ١١٠.

(٥) التهذيب ١ : ١٩٣ ح ٥٥٩ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ ح ٥٥١ ، الوسائل ٢ : ٩٨٣ أبواب التيمّم ب ١٤ ح ٨.

(٦) التهذيب ١ : ١٩٣ ح ٥٥٨ ، الاستبصار ١ : ١٥٩ ح ٥٥٠ ، الوسائل ٢ : ٩٨٣ أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٠.

(٧) سنن البيهقي ١ : ٢٣١.

(٨) المبسوط ١ : ٣٠.

٣٧٠

وعن الشيخ (١) أيضاً فيمن منعه زحام الجمعة وتيمّم وصلّى : أنّه يعيد إذا وجد الماء ، لرواية السّكوني (٢) وموثّقة سماعة (٣). والمشهور خلافه ، وهو الأقوى ، لعدم مقاومتهما للعمومات والإطلاقات ، من الآية (٤) والأخبار (٥) ، فتحملان على الاستحباب.

وعنه (٦) أيضاً فيمن اضطر إلى الصّلاة في ثوبه النّجس مع التيمّم : أنّه يعيد إذا وجد الماء ، لرواية عمّار (٧). والمشهور خلافه ، وتحمل الرواية على الاستحباب. والظّاهر أنّ هذه الإعادة إنّما هي لأجل النّجاسة.

الثالث : إذا تيمّم ثمّ وجد الماء ومضى زمان يتمكّن من استعماله شرعاً وعقلاً فينتقض تيمّمه ، وإن فقد الماء قبل استعماله بالإجماع ، والأخبار الكثيرة (٨).

وأما لو لم يمضِ زمان يتمكّن منه ففقده ، ففيه وجهان ، بل قولان : من جهة ظاهر الأخبار ، مثل صحيحة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : يصلي الرّجل بتيمّم واحد صلاة اللّيل والنّهار كلّها؟ قال : «نعم ، ما لم يحدث أو يصب ماء» (٩) وبمضمونها رواية السّكوني (١٠).

__________________

(١) النهاية : ٤٧ ، المبسوط ١ : ٣١.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٥ ح ٥٣٤ ، الاستبصار ١ : ٨١ ح ٢٥٤ ، الوسائل ٢ : ٩٨٥ أبواب التيمّم ب ١٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٨ ح ٦٧٨ ، الوسائل ٢ : ٩٨٥ أبواب التيمّم ب ١٥ ح ٢.

(٤) المائدة : ٦.

(٥) الوسائل ٢ : ٩٨١ أبواب التيمّم ب ١٤.

(٦) النهاية : ٥٥ ، المبسوط ١ : ٣٥.

(٧) التهذيب ١ : ٤٠٧ ح ١٢٧٩ ، وج ٢ : ٢٢٤ ح ٨٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٦٩ ح ٥٨٧ ، الوسائل ٢ : ١٠٠٠ أبواب التيمّم ب ٣٠ ح ١.

(٨) الوسائل ٢ : ٩٨٩ أبواب التيمّم ب ١٩.

(٩) التهذيب ١ : ٢٠٠ ح ٥٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٤ ح ٥٧٠ ، الوسائل ٢ : ٩٩٠ أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ١.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٠١ ح ٥٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٦٣ ح ٥٦٧ الوسائل ٢ : ٩٩١ أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٥.

٣٧١

ومثل صحيحة زرارة ، عن الصّادق عليه‌السلام : في رجل تيمّم ، قال : «يجزئه ذلك إلى أن يجد الماء» (١).

فإنّ المعتبر من الوجدان وإن كان ما يتمكّن منه شرعاً وعقلاً ولذلك لا ينتقض تيمّمه بمجرّد أن يصيب ماء مغصوباً ولكن الظّاهر أنّ ظنّ التمكّن يكفي في تعلّق التّكليف به ، فهو مكلّف في أوّل الإصابة بالتطهر بالماء ، ولذلك يجزم في النيّة ، ومع التّكليف بالوضوء لا معنى لبقاء التيمّم وصحته.

ويشكل بأنّ اقتضاء مطلق تعلّق التّكليف بالتطهر بالماء بطلان التيمّم ممنوع ، وإنّما المسلّم ما لو كان المطلوب نفسه في نفس الأمر ، لا الشّروع فيه.

ومن جهة أنّ التكليف مع العلم بانتفاء الشّرط غير جائز عندنا ، ففقدان الماء قبل مضي زمان التمكّن كاشف عن عدم تعلّق التكليف.

ويشكل بأنّه لا مانع من أن يكون التكليف بالشّروع أيضاً مقتضياً لذلك ، كما أنّا نمنع عدم وجوب الكفّارة على الحائض في آخر نهار رمضان لو أفطرت في أوّله. وتفريع عدم وجوب الكفّارة على القول بعدم جواز التكليف مع علم الأمر بانتفاء الشّرط ممنوع ، كما بيّناه في كتاب القوانين المحكمة (٢).

وعلى تقدير تساقط الوجهين فأيضاً الأظهر الأول ، لاستصحاب شغل الذّمة بالصلاة ، وظواهر الأخبار (٣) ؛ وإن كان يمكن منع تبادر هذا الفرد منها.

وأما لو وجده بعد الدّخول في الصلاة ، ففيه أقوال ، والمراد به على ما ذكره جماعة (٤) هو ما بعد إتمام التكبير. وربّما يظهر من بعضهم كفاية التّلبس بالتكبير

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٠ ح ٥٧٩ ، الوسائل ٢ : ٩٩٠ أبواب التيمّم ب ٢٠ ح ٢.

(٢) قوانين الأُصول : ١٢٥.

(٣) الوسائل ٢ : ٩٩٠ أبواب التيمّم ب ٢٠.

(٤) كالمفيد في المقنعة : ٦١.

٣٧٢

أيضاً (١) ، وليس ببعيد.

والأقوى وفاقاً لجماعة من القدماء (٢) وأكثر المتأخّرين (٣) القول بالمضيّ بمجرّد الدّخول ، للاستصحاب ، وقوله تعالى (لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٤) وقوله عليه‌السلام : «الصّلاة على ما افتتحت عليه» (٥).

وصحيحة محمّد بن حمران والظّاهر أنّه النهدي الثقة عن الصادق عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل تيمّم ثمّ دخل في الصلاة ، وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال : «يمضي في الصلاة» (٦).

وصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم قال ، قلت : في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمّم وصلّى ركعتين ، ثمّ أصاب الماء إلى أن قال : «فيتمها ولا ينقضها ، لمكان أنّه دخلها وهو على طهور بتيمّم» (٧) فإنّ العلّة المنصوصة تقتضي الحكم فيما نحن فيه.

ويدلّ عليه أيضاً : كلّ ما ورد في الأخبار من التعليل بأنّه أحد الطهورين (٨) ، وأنّ

__________________

(١) المنتهي ٣ : ١٤٠.

(٢) كالمفيد في المقنعة : ٦١ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٣٣ ، والخلاف ١ : ١٤١ ، والسيد ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٤٩٣ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ١٤٠ ، ونقله عن المرتضى في المعتبر ١ : ٤٠٠ ، والمهذب ١ : ٤٨.

(٣) كالمحقّق في المعتبر ١ : ٤٠٠ ، والشرائع ١ : ٥٠ ، والعلامة في نهاية الأحكام ١ : ٢١٠ ، وقواعد الأحكام ١ : ٢٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٤٦٢.

(٤) محمد : ٣٣.

(٥) عوالي اللآلي ١ : ٢٠٥ ، وفي الوسائل ٤ : ٧٢ أبواب النيّة ب ٢ ح ٢ عن معاوية قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل .. قال : هي على ما افتتح الصلاة عليه.

(٦) التهذيب ١ : ٢٠٣ ح ٥٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٦ ح ٥٧٥ ، الوسائل ٢ : ٩٩٢ أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٣.

(٧) الفقيه ١ : ٥٨ ح ٢١٤ ، التهذيب ١ : ٢٠٥ ح ٥٩٥ ، الاستبصار ١ : ١٦٧ ح ٥٨٠ ، الوسائل ٢ : ٩٩٢ أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٤.

(٨) التهذيب ١ : ١٩٧ ح ٥٧١ ، الاستبصار ١ : ١٦١ ح ٥٥٧ ، الوسائل ٢ : ٩٨٤ أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٥.

٣٧٣

ربّ الماء هو ربّ الصعيد (١) ، ونحو ذلك.

وذهب الصدوق (٢) وجماعة إلى أنّه يرجع ما لم يركع (٣) ، لصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام قال ، قلت : فإن أصاب الماء وقد دخل في الصّلاة؟ قال : «فلينصرف فليتوضّأ ما لم يركع ، فإن كان قد ركع فليمضِ في صلاته» (٤) وتقرب منها رواية عبد الله بن عاصم (٥)

وربّما يجمع بينهما ، بجعل صحيحة محمّد بن حمران (٦) مطلقة وهذه مقيّدة ؛ وأنت خبير بأنّ الظّاهر من قوله حين يدخل هو أوّل الصّلاة ، وإرادة مطلق الكون في الصّلاة منه إلغاز.

والأولى حمل الانصراف ما لم يركع على الاستحباب ، وعلى هذا فلا يحرم قطع الصلاة قبل الركوع وإن قلنا بتحريم إبطال العمل مطلقاً أيضاً.

وأمّا الاستشهاد على القول الأخير بمثل قوله عليه‌السلام : «الى أن يجد الماء» في صحيحة زرارة المتقدّمة ونحوها ، وبعموم الآية ونحوها ، فغير واضح ، لأنّ الظاهر منها ما قبل الصلاة والنظر فيها إلى بيان حال الطهارة في وقتها ، وهو ما قبل الصلاة.

ولو سلّمنا إطلاقاً لمفهوم الغاية فلا يعارض به ما قدّمناه لاعتضاده بالعقل ، والنقل ، وعمل الأكثر ، واليُسر والسهولة ، ونفي الحرج والعسر ، وغير ذلك.

وهنا أقوال أُخر لا شاهد لها من عقلٍ ولا نقل وما يُتراءى من دلالة بعض

__________________

(١) الفقيه ١ : ٥٧ ح ٢١٣ ، المحاسن ٣٧٢ ح ١٣٣ ، الوسائل ٢ : ٩٦٥ أبواب التيمّم ب ٣ ح ١.

(٢) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٣.

(٣) النهاية ٤٨ ، مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٤٠.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٠ ح ٥٨٠ ، الوسائل ٢ : ٩٩١ أبواب التيمّم ب ٢١ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٦٤ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٢٠٤ ح ٥٩١ ، ٥٩٣ ، الاستبصار ١ : ١٦٦ ح ٥٧٦ ، الوسائل ٢ : ٩٩٢ أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٢.

(٦) التهذيب ١ : ٢٠٣ ح ٥٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٦٦ ح ٥٧٥ ، الوسائل ٢ : ٩٩٢ أبواب التيمّم ب ٢١ ح ٣.

٣٧٤

الأخبار على بعضها فهو ممنوع أحدها : أنّه يرجع ما لم يقرأ ، والثاني : يرجع إذا غلب على ظنّه سعة الوقت للطهارة والصلاة ، والثالث : أن يقطع ما لم يركع الركعة الثانية إلّا أن يخاف ضيق الوقت ، فلا يقطع إذا صلّى ركعة أيضاً. وأما قبله ، فلا بدّ من القطع إذا وجد الماء.

ثم إنّ في بطلان التيمّم بالنسبة إلى صلاة أُخرى لو فقد الماء قبل الفراغ منه قولان ، الأظهر عدم البطلان ، لأنّ المراد بوجود الماء في الآية والأخبار هو ما يتمكّن من استعماله عقلاً وشرعاً ، والمفروض خلافه فيما نحن فيه.

وجواز القطع قبل الركوع كما قلنا باستحبابه أيضاً لا ينافي عدم التمكّن بناءً على البناء على ما رخّص فيه الشارع من إتمام الصلاة حينئذٍ.

وبذلك يظهر أنّ الكلام في النافلة أيضاً مثل الفريضة.

الرابع : لو أحدث المجنب المتيمّم بالحدث الأصغر فيتيمّم بدلاً عن الغسل ، ولا يتوضّأ لو وجد الماء بقدر الوضوء أيضاً على المشهور المعروف بين الأصحاب (١).

وعن السيد رحمه‌الله القول بوجوب الوضوء لو وجد ما يكفيه (٢) ، ويلزمه القول بالتيمّم بدلاً عنه لو لم يجد.

حجّة الأصحاب : أنّ التيمّم لا يرفع الحدث بإجماع العلماء إلّا من بعض العامة (٣) ، ولأنّ الحدث السابق لو لم يكن باقياً فما الذي أوجب المائيّة عليه إذا تمكّن منها من دون حدث؟ فإنّ وجود الماء ليس بحدث ، للإجماع ، كما ادّعاه

__________________

(١) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٣٤ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ٣٩٥ ، والعلامة في المختلف ١ : ٤٥٢ ، وصاحب المدارك ٢ : ٢٥٣.

(٢) نقله عنه في المعتبر ١ : ٣٩٥ ، والمختلف ١ : ٤٥٢.

(٣) قال الشيخ : التيمّم لا يرفع الحدث ، وإنّما يستباح به الدخول في الصلاة وبه قال كافّة الفقهاء إلّا داود وبعض أصحاب مالك فإنّهم قالوا يرفع الحدث. الخلاف ١ : ١٤٤ ، وانظر المجموع للنووي ٢ : ٢٢١ ، وتفسير القرطبي ٥ : ٢٣٤ ، وعمدة القارئ ٤ : ٢٤.

٣٧٥

المحقّق (١) ، ولأنّه لو كان حدثاً للزم مساواة مقتضاه ، فما الذي أوجب الفرق بوجوب الغسل على المجنب والوضوء على غيره؟ فالذي حصل من التيمّم هو إباحة الدخول في المشروطات إلى أن يجد الماء ، أو يحصل حدث جديد وإن كان حدثاً أصغر.

ولا يذهب عليك أنّ المراد بعدم رفع الحدث المدّعى عليه الإجماع هو رفع نفس الحالة ، فلا ينافي ما ذهب إليه بعض الأصحاب من ارتفاعه إلى زمان (٢).

والحاصل أنّ الحدث قد يطلق على السبب كالبول. وقد يطلق على الحالة المسببة عنه ، وهي المهانة الحاصلة للنفس المانعة عن الدخول في المشروطات كما أشرنا إليه في أوائل الكتاب. وقد يطلق على وصف مانعيّة تلك الحالة.

ولا كلام في الأوّل ، والذي ادّعي على عدم رفعه الإجماع هو نفس الحالة ، والذي جوّز بعض الأصحاب ارتفاعه هو وصف تلك الحالة ، ولا مانع من ارتفاعه في وقت دون وقت. فالنزاع لفظي كما أشرنا إليه سابقاً.

وقد يستدلّ على المشهور بصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : «ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنباً ، والوضوء إن لم تكن جنباً» (٣).

وبصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام : في رجل أجنب في سفر ومعه قدر ما يتوضّأ به ، قال : «يتيمّم ولا يتوضّأ» (٤) ودلالتهما غير واضحة.

وحجّة السيد : أنّ حدثه الأوّل قد ارتفع إلى زمان التمكّن من الغسل ، فلا يرجع حكمه قبل حصول جنابة أُخرى ، أو حصول التمكّن من الغسل ؛ والحدث الأصغر لا يوجب إلّا الوضوء أو التيمّم بدلاً عنه (٥).

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٩٤.

(٢) المدارك ٢ : ٢٥٣.

(٣) التهذيب ١ : ٢١٠ ح ٦١١ ، الاستبصار ١ : ١٧٢ ح ٥٩٩ ، الوسائل ٢ : ٩٧٨ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٤٠٥ ح ١٢٧٢ ، الوسائل ٢ : ٩٩٦ أبواب التيمّم ب ٢٤ ح ٤.

(٥) حكى احتجاجه في المختلف ١ : ٤٥٢.

٣٧٦

وفيه : أنّ ارتفاع الحالة إلى زمان التمكّن من الغسل ممنوع ، بل المسلّم منه هو إلى ذلك الزمان ، أو حصول حدث آخر.

ولا يمكن التمسك بالاستصحاب ، لأنّ الاستصحاب السابق لم يرتفع بمجرّد ذلك الاحتمال ، والقدر الثابت من الرافع هو الزمان المحدود ، وغاية الأمر جهالة الحدّ.

والحاصل أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ قطعة محدودة من هذا الزمان مستثناة من المنع هو زمان التيمّم مع العجز عن المائيّة إلى زمان معيّن لا بأن يكون المخصص هو مطلق الرخصة في الدخول في المشروطات بعد التيمّم حتّى يمكن استصحابه إلى زمان التمكّن من الغسل. غاية الأمر أنّ الحد مشتبه ، وهو لا يوجب جواز الاستصحاب.

على أنّا نقول حينئذٍ : إنّ الدخول بالتيمّم في المشروط أيضاً مخصص بغاية ، ومحدود بحدّ مشتبه مشكوك فيه ، والمخصص بالمجمل لا يمكن التمسك به في القدر المجمل ، فلا تثبت رافعيّة التيمّم إلّا إلى زمان حصول الحدث ، ولا يستصحب إلى زمان التمكّن من الغسل.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من إشكال ، فالأحوط الجمع بين الوضوء والتيمّم ، أو تيمّمين فيما لم يجد ما يكفي الوضوء.

الخامس : من عُدم الطهور مطلقاً سقطت عنه الصلاة أداءً على المعروف من مذهب الأصحاب (١). ونقل المحقّق قولاً بوجوب الصلاة والإعادة (٢). وعن المفيد

__________________

(١) منهم المفيد في المقنعة : ٦٠ ، والمحقّق في المعتبر ١ : ٣٧٩ ، والعلامة في المختلف ١ : ٤٤٤ ، وصاحب المدارك ٢ : ٢٤٢.

(٢) الشرائع ١ : ٤١.

٣٧٧

في رسالته إلى ولده أنّ عليه أن يذكر الله في أوقات صلاته بمقدارها (١).

والأقوى الأول ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلّا بطهور» (٢) فإنّ المراد نفي صورة الصحّة مطلقاً بدونه ، فإن بقي التكليف به مع عدم التمكّن لزم التكليف بالمحال ، وإلّا فإن وجبت الصلاة بدونه فيلزم تحقّق المشروط بدون الشرط ، فبقي عدم الوجوب.

وأما القضاء ، ففيه قولان ، أظهرهما الوجوب ، لقول الباقر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «ومتى ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها» (٣) ويقرب منها صحيحته الأُخرى (٤).

واحتجّ المخالف : بأنّ الأداء لم يثبت وجوبه ، ولم يثبت أمر جديد بالقضاء (٥).

وفيه : أنّ القضاء ليس تابعاً للأداء ، وقد عرفت الأمر الجديد.

__________________

(١) نقله في المختلف ٣ : ٣٠.

(٢) التهذيب ١ : ٤٩ ح ١٤٤ وص ٢٠٩ ح ٦٠٥ وج ٢ : ١٤٠ ح ٥٤٥ ، الاستبصار ١ : ٥٥ ح ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٥٦ أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩١ ح ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ ح ٣٤٠ ، الوسائل ٣ : ٢١١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٧٨ ح ١٢٦٥ ، الوسائل ٥ : ٣٥٠ أبواب القضاء ب ٢ ح ١.

(٥) المعتبر ١ : ٣٨٠.

٣٧٨

الفصل الرابع

في النجاسات

وطريق إزالتها وتطهيرها وأنواع المطهرات

وفيه مقاصد :

٣٧٩
٣٨٠