غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

وعن الشيخين (١) والمرتضى (٢) وأتباعهم (٣) وجوب أربعين في بول الرجل أيضاً ، لرواية عليّ بن أبي حمزة (٤) ، ويعارضها أخبار مثل صحيحة معاوية بن عمار (٥) الدالّة على وجوب نزح الجميع في انصباب البول ، وصحيحة ابن بزيع المشتملة على نزح دلاء لقطراته (٦) ، ورواية كردويه المشتملة على الثلاثين (٧). وربما رجّح بعض المتأخّرين العمل على الصحيحتين (٨) في موردهما (٩).

والأظهر الأوّل ، لاعتضاد الرواية بالشهرة ، وهجرهم العمل على ظاهر الصحيحة الاولى ، بل الأخيرة أيضاً.

ثم إن الأكثر على تفاوت حكم بول الرجل والمرأة (١٠) ، وابن إدريس ساوى بينهما محتجّاً بتناول لفظ الإنسان لهما (١١) ، وردّ بعدم ورود النصّ معلّقاً على بول الإنسان (١٢).

__________________

(١) الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٦ ، والشيخ الطوسي في التهذيب ١ : ٢٤٣ ، والمبسوط ١ : ١٢ ، والنهاية : ٧.

(٢) نقله عنه في المعتبر ١ : ٦٧.

(٣) منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٠ ، وسلار في المراسم : ٣٥.

(٤) التهذيب ١ : ٢٤٣ ح ٧٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤ ح ٩٠ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ٢.

(٥) التهذيب ١ : ٢٤١ ح ٦٩٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥ ح ٩٤ ، الوسائل ١ : ١٣٢ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٤ ح ٧٠٥ ، الاستبصار ١ : ٤٤ ح ١٢٤ ، الوسائل ١ : ١٣٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢١.

(٧) التهذيب ١ : ٢٤١ ح ٦٩٨ ، ورواه في الاستبصار ١ : ٣٥ ح ٩٥ ، وص ٤٥ ح ١٢٥ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ٢.

(٨) المنتهي ١ : ٨٦.

(٩) صحيحة معاوية بن عمار ، وصحيحة ابن بزيع.

(١٠) المختلف ١ : ٢٠٨ ، الدروس ١ : ١٢٠.

(١١) السرائر ١ : ٧٨.

(١٢) كما في المختلف ١ : ٢٠٨.

٥٦١

ثم إنّ جماعة من الأصحاب ألحق بول المرأة بما لا نصّ فيه (١) ، وبعضهم أوجب ثلاثين لرواية كردويه (٢). وربما يستشكل الأوّل بوجود النص العام مثل صحيحة معاوية وصحيحة ابن بزيع ورواية كردويه ، ويمكن دفعه بأنّها مهجورة عندهم في البول ، والأحوط فيه على القول بالنجاسة نزح الجميع.

والظاهر عدم الفرق بين بول الكافر والمسلم ، وكذلك الكلام في العذرة والدم ، لعموم النصّ (٣) ، واحتمل بعضهم الفرق (٤) ، لأنّ لنجاسة الكفر تأثيراً ، ولذلك يجب النزح لوقوع الماء المتنجّس بملاقاة بدن الكافر. والإشكال هنا أضعف منه في نزح سبعين لموت الكافر ، لتطرّق المنع إلى تعدّد النجاسة في البول مثلاً حينئذٍ ، وقوّة الإطلاق وخفاء اعتبار الحيثية في الفهم العرفي ، لظهور جواز انفكاك نجاسة الكفر عن الموت بخلاف ما نحن فيه.

السادسة : المشهور بين الأصحاب وجوب ثلاثين لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلب لرواية كردويه ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الكلاب ، قال : «ينزح منها ثلاثون دلواً وإن كانت مُبخرة» (٥).

وعن الشيخ أنّها بضمّ الميم وسكون الباء الموحدة وكسر الخاء بمعنى مُنتنة (٦) ، ويروى على صيغة اسم المكان أيضاً ، ولا بد من تقييد الرواية بإذهاب النتن.

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٤٢ ، الروضة البهيّة ١ : ٢٦٤.

(٢) المعتبر ١ : ٦٨.

(٣) الوسائل ١ : ١٣١ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ، ١٥.

(٤) نقله في الذخيرة عن بعض المتأخّرين : ١٣٣.

(٥) الفقيه ١ : ١٦ ح ٣٥ ، التهذيب ١ : ٤١٣ ح ١٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣ ح ١٢٠ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ٣.

(٦) انظر هامش المبسوط ١ : ١٢.

٥٦٢

والتعدّي من الرواية فيما لو مازجه شي‌ء آخر من النجاسات لا يجوز ، كما أنّ الظاهر أنّه يكفي الثلاثون لو كان الموجود بعض المذكورات.

وأما الإشكال بمنافاة الرواية من جهة ترك الاستفصال لما تقرّر من وجوب الخمسين للعذرة الذائبة أو الرطبة ، وكذلك أربعين لبول الرجل ، سيّما مع لحوق غيرهما بهما أيضاً ، فمدفوع بأنّ المخالطة مع ماء المطر مما يصلح أن يكون مغيّراً للحكم ، فلا إشكال وإن كان عين المذكورات موجوداً فيه أيضاً. مع أن دليل الخمسين والأربعين قد عرفت حاله ، وتخصيص الشهرة بالشهرة لا غائلة فيه.

السابعة : المشهور وجوب سبع للطير ، واغتسال الجنب ، ولخروج الكلب حيّاً ، ولبول الصبي ، ولموت الفأرة إذا تفسّخت.

أما الطير فتدلّ عليه أخبار كثيرة ، منها الموثّق كالصحيح (١). ولا يعارضها ما ورد بنزح خمس دلاء كصحيحة أبي أُسامة (٢). وما تضمّن نزح دلوين أو ثلاثة كرواية إسحاق (٣) لاعتضاد الأُول بالعمل. وأما بعض الصحاح المتضمّنة لنزح دلاء (٤) فيحمل على السبعة قضيّة للجمع.

وأما اغتسال الجنب ، فالأخبار الواردة فيه أربعة ، ثلاثة منها دالّة على وجوب النزح للوقوع أو النزول أو الدخول ، وهي صحيحة الحلبي (٥) ، وصحيحة ابن

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٦ ح ٦٨١ ، الاستبصار ١ : ٣٦ ح ٩٨ ، الوسائل ١ : ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٣٧ ح ٦٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧ ح ١٠٢ ، الوسائل ١ : ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٧ ح ٦٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨ ح ١٠٥ ، وص ٤٣ ح ١٢٢ ، الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ١٨ ح ٣.

(٤) الوسائل ١ : ٢٣٦ أبواب الماء المطلق ب ١٧.

(٥) الكافي ٣ : ٦ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٢٤٠ ح ٦٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤ ح ٩٢ ، الوسائل ١ : ١٣٢ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٦.

٥٦٣

سنان (١) ، وصحيحة محمّد بن مسلم (٢) ، ورواية أبي بصير على وجوبه لاغتسال الجنب حيث سئل فيها عن اغتسال الجنب (٣).

وخصّ ابن إدريس الحكم بالارتماس دون مطلق المباشرة (٤) ، والمشهور اشترطوا الغسل (٥) ، واكتفى بعض الأصحاب بمجرّد المباشرة (٦) ، وادّعى ابن إدريس الإجماع على الوجوب بالارتماس دون مطلق المباشرة (٧) ، ولا يبعد أن يكون مراده الغسل ارتماساً ، وإن كان لفظه مطلقاً. وقد قدح المحقّق في دعوى الإجماع وشنّع عليه (٨).

وأنت خبير بأنّ الأخبار لا تدلّ على مطلق المباشرة ، وما يتوهّم من الجمع بينها بحمل المطلقات على المقيّدات وهي رواية أبي بصير في غاية الضعف ، لأنّ إثبات الحكم في صورة الاغتسال لا ينافي ثبوته في غيره حتّى يلزم التقييد ، سيّما والقيد في كلام السائل.

نعم لا يبعد أن يقال : إن فهم الأصحاب قرينة على ذلك ، سيّما والأصل عدم الوجوب ، فيخرج عن مقتضاه في موضع اليقين.

وقد يوجّه (٩) اشتراط الاغتسال بأنّه لا وجه للنزح بدونه ، لأنّ المفروض عدم استصحابه لنجاسة أُخرى ، وإلّا لوجب له مقدّرة سيّما المني ، فإنّه يجب له نزح الجميع ، والاكتفاء بذلك شاهد باشتراط عدم المني ، والأصل عدم غيره أيضاً ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤١ ح ٦٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤ ح ٩٣ ، الوسائل ١ : ١٣١ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٤٤ ح ٧٠٤ ، الوسائل ١ : ١٤٢ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤٤ ح ٧٠٢ ، الوسائل ١ : ١٤٢ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٤.

(٤) السرائر ١ : ٧٩.

(٥) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٨ ، وروض الجنان : ١٥٣.

(٦) كصاحب المدارك ١ : ٨٨.

(٧) السرائر ١ : ٧٩.

(٨) المعتبر ١ : ٧١.

(٩) كما في المعتبر ١ : ٧٠ ، والمختلف ١ : ٢٢٠.

٥٦٤

فيكون ذلك من جهة سلب الطهوريّة.

وردّ بأنّ المني لما لم يثبت مقدّرة من غير الإجماع كما مرّ ، وما نحن فيه ليس من موارده ، فلا مانع من الفرق بين ما صاحبه الجنب وغيره ، فالأخبار واردة مورد الغالب من استصحاب المني ، مع أنّه لا مانع من أن يكون سببه النجاسة الحكميّة جعلها الشارع منجّسة في البئر نجاسة عينيّة ، أو يكون لزوال النفرة ، فإن فهم من الأخبار الاغتسال أو اعتمد على فهم الأصحاب فهو ، وإلّا فلا يحسن الاعتماد على مثل ذلك.

وقد أغرب بعضهم (١) في دفع التمسّك بسلب الطهوريّة ، حيث قال : إنّ قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة في أوائل الباب : «لا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم» (٢) يدلّ على حرمة الغسل ، فيكون باطلاً ، فلا يكون غسلاً ، فلا تكون غُسالته رافعة للطهوريّة.

وجميع هذه المقدّمات ممنوعة ، سيّما وذلك لا يفيد العموم ، فإنّ ظاهر الرواية أنّه في غير البئر المباحة له ، وظاهر الفقهاء أيضاً أنّ الاغتسال الصحيح موجب لذلك لا الأعم منه ، وإلّا فيلزم أن يكون مراد كل من ذكر الاغتسال أيضاً مجرّد المباشرة ، وليس كذلك.

والأولى أن يعتبر النزح لمجرّد المباشرة كيف ما اتفق ، ويسكت عن سببه كما سكت الله عنه. وأما على المختار من استحباب النزح فيكفي للاستحباب مجرّد زوال النفرة ونحوه.

ثم هل يرتفع الحدث لو اغتسل؟ فيه وجهان ، بل قولان ، من جهة أنّ النزح لسلب الطهوريّة ، ولا يكون إلّا مع ارتفاع الحدث وصدق الامتثال ، ومن جهة منع المقدّمتين.

__________________

(١) روض الجنان : ١٥٤.

(٢) الكافي ٣ : ٦٥ ح ٩ ، التهذيب ١ : ١٤٩ ح ٤٢٦ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ ح ٤٣٥ ، الوسائل ١ : ١٣٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢٢.

٥٦٥

وأما خروج الكلب حيّاً ، فالمشهور فيه أيضاً ذلك ، لرواية أبي مريم (١) المعتضدة بعمل الأصحاب ، فلا تعارضها صحيحة أبي أُسامة المكتفية بالخمس (٢) ، وعليها يحمل إطلاق صحيحة عليّ بن يقطين المتضمّنة للدلاء (٣).

وذهب ابن إدريس إلى وجوب أربعين ، طرحاً للروايات على أصله ، وتعدّياً عن حكمه إذا مات في البئر من باب الأولويّة (٤).

وأما بول الصبي ، وهو غير البالغ ، ولا يطلق عرفاً على الرضيع ، يعني من كان له دون الحولين على تفسير ابن إدريس (٥) ، أو من لم يأكل الطعام كما نقل عن الشيخ (٦) ، وقيّده بعضهم بكونه غالباً على اللبن أو مساوياً له (٧) ، فهو على قول الأكثر (٨) ، لمرسلة منصور (٩).

ولا تعارضها صحيحة معاوية بن عمار المتضمّنة لوجوب نزح الجميع (١٠) ، ولا رواية عليّ بن أبي حمزة المتضمّنة لدلوٍ واحد (١١) ، لضعف الثانية (١٢) ، وكون الاولى مخالفة لإجماعهم ظاهراً.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٧ ح ٦٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٨ ح ١٠٣ ، الوسائل ١ : ١٣٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٣٧ ح ٦٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧ ح ١٠٢ ، الوسائل ١ : ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٧ ح ٦٨٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧ ح ١٠١ ، الوسائل ١ : ١٣٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٢.

(٤) السرائر : ١ : ٧٦ و ٧٧. (٥) السرائر ١ : ٧٨.

(٦) المبسوط ١ : ١٢ ، النهاية : ٧.

(٧) الذكرى : ١١.

(٨) كالشيخ في المبسوط ١ : ١٢ ، والنهاية : ٧ ، وابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢ ، وأبي الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٠ وسلار في المراسم ٣٦.

(٩) التهذيب ١ : ٢٤٣ ح ٧٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٣ ح ٨٩ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ١.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٤١ ح ٦٩٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥ ح ٩٤ ، الوسائل ١ : ١٣٢ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٤.

(١١) التهذيب ١ : ٢٤٣ ح ٧٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤ ح ٩٠ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ٢.

(١٢) لعلّ وجه الضعف أنّ في سندها عليّ بن أبي حمزة فإنّه من عُمُد الواقفة وضعيف.

٥٦٦

والصدوق (١) والسيد (٢) أوجبا ثلاث دلاء ، وربما يستدلّ عليه بصحيحة ابن بزيع المتضمّنة لنزح دلاء لقطرات البول (٣) بضميمة الإجماع المركّب في عدم الفرق بين القليل والكثير.

وفيه : أنّه أعم من بول الصبي ، ولا يقاوم صريح المرسلة (٤) مع اعتضادها بالشهرة.

وأما الفأرة ، فقيّد الأكثرون السبع بالتفسّخ ، واكتفوا فيما دونه بالثلاث (٥) ، وزاد جماعة منهم الانتفاخ (٦) ، وأطلق المرتضى السبع (٧) ، وذهب الصدوق إلى الدلو الواحد في غير صورة التفسّخ (٨).

حجّة الأوّلين : الجمع بين ما ورد من إطلاقات السبع من الأخبار الكثيرة من الصحاح وغيرها (٩) ، وبين ما ورد من إطلاقات الثلاث ، مثل صحيحة معاوية بن عمار (١٠) ، وصحيحة عبد الله بن سنان (١١) ، مستشهداً برواية أبي عيينة ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الفأرة تقع في البئر فقال : «إذا خرجت حيّة فلا بأس ، وإن تفسّخت فسبع دلاء» (١٢) ورواية أبي سعيد المكاري (١٣) ، ولكن في هذه الرواية

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٣.

(٢) كما نقله عنه في المعتبر ١ : ٧٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٤ ح ٧٠٥ ، الاستبصار ١ : ٤٤ ح ١٢٤ ، الوسائل ١ : ١٣٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢١.

(٤) مرسلة منصور المتقدّمة.

(٥) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٦ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٧ ، وابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢.

(٦) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٢.

(٧) نقله عنه في المختلف ١ : ٢٠٣.

(٨) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٤.

(٩) الوسائل ١ : ١٣١ أبواب الماء المطلق ب ١٥.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٣٨ ح ٦٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٩ ح ١٠٦ ، الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٢.

(١١) التهذيب ١ : ٢٣٨ ح ٦٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٩ ح ١٠٧ ، الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٢.

(١٢) التهذيب ١ : ٢٣٣ ح ٦٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣١ ح ٨٣ ، الوسائل ١ : ١٢٨ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٣.

(١٣) التهذيب ١ : ٢٣٩ ح ٦٩١ ، الاستبصار ١ : ٣٩ ح ١١٠ ، الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ١.

٥٦٧

«تسلّخت» موضع «تفسّخت» في بعض نسخ التهذيب (١).

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة أبي أُسامة المتضمّنة لنزح خمس دلاء ما لم تتفسّخ (٢) ، بحمل الخمس في غير التفسّخ على الاستحباب.

وأما الانتفاخ ، فلم نقف على تصريح به في الأخبار يطابق الفتوى المذكورة. وربما قيل : إنّ أوّل درجة التفسّخ هو الانتفاخ (٣) ، وهو غير واضح بالنسبة إلى فهم العرف واللغة.

وأما السيد فلعل أخبار السبع عنده كانت متواترة ولم يعارضها شي‌ء من الأخبار عنده ، ولم نقف للصدوق على شي‌ء في الأخبار.

الثامنة : يجب نزح خمس لذرق الدجاج عند الشيخ (٤) ، وقيّده جماعة بالجلّال (٥) ، ولعلّ إطلاق الشيخ مبنيّ على قوله بنجاسته مطلقاً ، وعموم قول أبي الصلاح بنزح الجميع لخرء ما لا يؤكل لحمه (٦) يقتضي ذلك في الجلّال إن كان مراده أعمّ من التحريم بالعرض.

وقرّب المحقّق (٧) إدخاله في حكم العذرة ، واحتمل الثلاثين لرواية كردويه (٨).

ولم نقف على نصّ يدلّ على الخمس مطلقاً. وقد مرّ ضعف قول أبي الصلاح.

__________________

(١) انظر التهذيب ١ : ٢٣٨ ح ٦٨٧ ، ٦٩٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٣٧ ح ٦٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧ ح ١٠٢ ، الوسائل ١ : ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٧.

(٣) كما في السرائر ١ : ٧٧.

(٤) المبسوط ١ : ١٢ ، والنهاية : ٧.

(٥) المقنعة : ٦٨ ، المراسم : ٣٦ ، المهذّب ١ : ٢٢ ، السرائر ١ : ٨٠ ، الشرائع ١ : ٦.

(٦) الكافي في الفقه : ١٣١ ، ونقله عنه في المختلف ١ : ١٩٢.

(٧) المعتبر ١ : ٧٦.

(٨) الفقيه ١ : ١٦ ح ٣٥ ، التهذيب ١ : ٤١٣ ح ١٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣ ح ١٢٠ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ٣.

٥٦٨

والعذرة لا تصدق على الذرق عرفاً ، ورواية كردويه أيضاً ممنوعة الدلالة.

وقد يستدلّ على الخمس بالإجماع على عدم وجوب الزائد ، وعدم تيقّن البراءة بالأقلّ. ولعلّه مبني على عدم الاعتناء بخلاف أبي الصلاح ، أو يحمل كلامه على المحرّم بالذات. وكيف كان الأظهر الاكتفاء بالخمس.

التاسعة : المشهور وجوب ثلاث للحيّة (١) ، وعن عليّ بن بابويه وجوب سبع (٢).

ويدلّ على الأوّل صحيحة الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا سقط في البئر شي‌ء صغير فمات فيها فانزح منها دلاء» (٣) تنزيلاً لها على الأقلّ.

وقد يناقش بمنع كون الحيّة ذات نفس سائلة ، فتخرج من الصحيحة (٤) بما ورد في الأخبار من أنّ ما لا نفس له لا يفسد الماء (٥). وبأنّها مقيّدة بصحيحة ابن سنان الدالّة على نزح سبع دلاء للدابة الصغيرة (٦).

والأوّل مدفوع بأنّ الحيّة ذات نفس ، كما صرّح به المحقّق (٧) ، وسمعت ثقة قتلها وشاهد أنّ لها دماً سيّالاً في غاية القوّة كالسائل عن الفصد ، وسمعت بعض مشايخنا أيضاً أنّه سمع ثقة آخر كذلك.

مع أنّ ما لا نفس له أعمّ من الشي‌ء الصغير من وجه كما يشاهد في السمك الكبير

__________________

(١) كما في المقنعة : ٦٧ ، والنهاية : ٧ ، والكافي في الفقه : ١٣٠ ، والمراسم : ٣٦ ، والمهذّب ١ : ٢٢ ، والسرائر ١ : ٨٣.

(٢) نقله عنه في المختلف ١ : ٢١٢.

(٣) الكافي ٣ : ٦ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٢٤٠ ح ٦٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٤ ح ٩٢ الوسائل ١ : ١٣٢ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٦ مع اختلاف يسير.

(٤) صحيحة الحلبي المتقدّمة.

(٥) الوسائل ١ : ١٢٥ أبواب الماء المطلق ب ١٤.

(٦) التهذيب ١ : ٢٤١ ح ٦٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤ ح ٩٣ ، الوسائل ١ : ١٣١ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ١ مع اختلاف يسير.

(٧) المعتبر ١ : ٧٥.

٥٦٩

وترجيحه يحتاج إلى دليل ، إلّا أن يتمسّك بالأولويّة ، فينحصر الترجيح في اشتهار العمل ، والدابة أيضاً محمولة على المعنى العرفي ، فلا تدخل فيها الحيّة. ولعلّ دليل السبع هو صحيحة ابن سنان ودلالتها غير واضحة. وقد ذكر له وجوه أُخر كلّها ضعيفة.

وعن الشيخين (١) وجماعة من الأصحاب (٢) وجوب الثلاث للوزغة أيضاً ، وعن سلّار (٣) وأبي الصلاح (٤) دلو واحد.

حجّة الأوّلين : صحيحة معاوية بن عمار (٥) وصحيحة ابن سنان (٦) المتقدّمتين في الفأرة ، ولا يعارضهما رواية يعقوب بن عثيم الدالّة على السبع لضعفها (٧) (٨).

وحجّة الدلو الواحد : رواية يعقوب بن عثيم المرويّة في الفقيه (٩) ، ومرسلة عبد الله بن المغيرة المرويّة في الكافي (١٠) ، ولا يعارض بهما ما تقدّم.

وقال ابن إدريس : إنّه لا يجب لها شي‌ء ، لأنّه لا نفس لها سائلة (١١).

وعن الشيخ (١٢) وابن البراج (١٣) وأبي الصلاح (١٤) أيضاً وجوب ثلاث للعقرب.

__________________

(١) المقنعة : ٦٧ ، النهاية : ٧ ، المبسوط ١ : ١٢.

(٢) كالصدوق في المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٤ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٢٠ ، واللمعة : ١٥.

(٣) المراسم : ٣٥.

(٤) الكافي في الفقه ١٣٠ ، ونقله عنه في المعتبر ١ : ٧٤.

(٥) التهذيب ١ : ٢٣٨ ح ٦٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٩ ح ١٠٦ ، الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٢.

(٦) التهذيب ١ : ٢٣٣ ح ٦٨٩ ، الاستبصار ١ : ٣٩ ح ١٠٧ ، الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٢.

(٧) التهذيب ١ : ٢٤٥ ح ٧٠٧ ، الاستبصار ١ : ٤١ ح ١١٤ ، الفقيه ١ : ١٥ ح ٣٢ ، الوسائل ١ : ١٣٨ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٧.

(٨) لأنّ راويها لم يوثّق ، انظر معجم رجال الحديث ٢٠ : ١٤٣ ، ١٤٤.

(٩) الفقيه ١ : ١٥ ح ٣٠ ورواها الشيخ بإسناده عن يعقوب بن عثيم في التهذيب ١ : ٤١٩ ح ١٢٣٥.

(١٠) الكافي ٣ : ٦ ح ٩ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٩.

(١١) السرائر ١ : ٨٣.

(١٢) المبسوط ١ : ١٢ ، النهاية : ٧.

(١٣) المهذّب ١ : ٢٢.

(١٤) الكافي في الفقه ١٣٠ ، ونقله عنه في المعتبر ١ : ٧٤.

٥٧٠

ولا دليل له ، ورواية هارون بن حمزة الغنوي لا دلالة فيها أصلاً (١) ، ورواية منهال المشتملة على نزح عشر دلاء مع ضعفها (٢) (٣) مهجورة عند الأصحاب ، ولعلّ وجهها الاجتناب عن سمها.

وذهب المحقّق إلى استحباب ثلاث فيهما (٤) ، ولا بأس به.

العاشرة : المعروف من مذهب الأصحاب وجوب دلو للعصفور ولم ينقل خلاف ، إلّا أنّ الصدوق ذكر الصعوة مكان العصفور (٥) ، فإن ترادفا أو أراد منها العصفور مجازاً فلا خلاف ، وإلّا فالمرجع هو ما دلّ عليه من الأخبار (٦).

ويدلّ على المشهور موثّقة عمار المتقدّمة في موت الإنسان (٧) ، ويخصص بها كلّ ما ورد في مطلق الطير أو الشي‌ء الصغير من نزح الدلاء أو غيره ، وإن كان صحيحاً.

ومن تأمّل في هذه الموثّقة وما ورد في وجوب السبع للطير (٨) ، سيّما مع عطف الدجاجة على الطير كما في موثّقة أبي أُسامة وأبي يوسف (٩) ورواية عليّ (١٠) يظهر له صحّة ما ذهبوا إليه من أنّ العصفور وما أشبهه مما دونه وما فوقه إلى الحمامة حكمه

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٨ ح ٦٩٠ ، الاستبصار ١ : ٢٤ ح ٥٩ ، وص : ٤١ ح ١١٣ ، الوسائل ١ : ١٣٨ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٥ ، وص ١٧٢ أبواب الأسآر ب ٩ ح ٥.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣١ ح ٦٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧ ح ٧٠ ، الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٧.

(٣) لأنّ راويها لم يوثّق. انظر معجم رجال الحديث ١٩ : ٨.

(٤) المعتبر ١ : ٧٥.

(٥) المقنع (الجوامع الفقهيّة) : ٤.

(٦) الوسائل ١ : ١٤١ أبواب الماء المطلق ب ٢١.

(٧) التهذيب ١ : ٢٣٤ ح ٦٧٨ ، الوسائل ١ : ١٤١ أبواب الماء المطلق ب ٢١ ح ٢.

(٨) الوسائل ١ : ١٣٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧.

(٩) التهذيب ١ : ٢٣٣ ح ٦٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣١ ح ٨٤ ، الوسائل ١ : ١٢٨ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٢.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٣٥ ح ٦٨٠ ، الاستبصار ١ : ٣٦ ح ٩٧ ، المعتبر ١ : ٧٠ ، الوسائل ١ : ١٣٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٣.

٥٧١

دلو واحد ، ومن الحمامة وما فوقها إلى النعامة سبع ، لا لأنّ العصفور حقيقة فيما دون الحمامة والطير حقيقة فيها وفيما فوقها لغة أو عرفاً ، بل لأنّ المستفاد من موثّقة عمار المعمول بها عند الأصحاب التي لا يوجد لها راد كما ذكره في المعتبر (١) بعد التأمّل أنّ المعيار في أحوال الحيوانات ما بينهما هو ملاحظة الجثّة وموافقة المتقاربات.

ثم بملاحظة التنصيص في الدجاجة والطير والمستفاد منه ثبوت السبع في الدجاجة وما أشبهها في الجثّة ، وخصوصاً بعد ملاحظة صحيحة البقباق (٢) وصحيحة الفضلاء (٣) المتضمّنتين لنزح الدلاء في الطير ، المستحقتين لحملهما على السبع جمعاً ، مع بُعد بقاء جميع أفراد الطير تحت السبع مع تباعد جثثها ، وعدم اعتبار مقاربة جثّة ما دون الحمامة من صغار الطيور عن الاعتبار ، وعدم القول بالواسطة بين نزح الدلو والسبع يتعين القول برجحان ما اشتهر من التفصيل.

وعن الراوندي إخراج الخفّاش عن شبه العصفور ، معللاً بنجاسته لأنّه مسخ (٤).

وأُجيب بمنع المقدّمتين.

والأظهر أنّ المراد بالمشابهة هي المشابهة في الجثة في نوعها ، لا في شخصها كما توهّمه بعض الأصحاب (٥).

والأكثر على وجوب دلو لبول الرضيع أيضاً (٦) ، لرواية عليّ بن أبي حمزة

__________________

(١) المعتبر ١ : ٧٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٧ ح ٦٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧ ح ١٠٠ ، الوسائل ١ : ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٦ ح ٦٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٦ ح ٩٩ ، الوسائل ١ : ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٥.

(٤) نقله عنه في المعتبر ١ : ٧٤.

(٥) مشارق الشموس : ٢٣٨.

(٦) كالشيخ المفيد في المقنعة ١ : ٦٧ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٢ ، والنهاية : ٧ ، وابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢.

٥٧٢

المشتملة على نزح دلو لبول الفطيم (١) ، ولعلّه من باب الأولويّة. وقد يستشكل مع القول بوجوب السبع في بول الصبي ، ويمكن أن يمنع صدق الصبي على الفطيم ، فإنّ لإطلاق الفطيم زماناً قصيراً محدوداً ، والمشتق حقيقة في المتلبّس بالمبدإ ، والأصل عدم ثبوت الزائد من الدلو الواحد.

وعن أبي الصلاح (٢) وابن زهرة (٣) نزح ثلاث ، وقد يستدلّ له بصحيحة ابن بزيع المتضمّنة لنزح دلاء لقطرات البول (٤) بعمومها بحملها على الثلاث ، مع انضمام عدم القول بالفرق بين القليل والكثير.

الحادي عشر : إذا تغيّرت البئر بالنجاسة فالأقوى الاكتفاء بنزح ما يزول به التغيّر بلا خلاف ظاهر بين القائلين بعدم الانفعال (٥) ، للأخبار المعتبرة منها صحيحة ابن بزيع (٦) وصحيحة أبي أُسامة (٧).

ولا يقاومها ما يدلّ على نزح الجميع مثل صحيحة معاوية بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «لا يغسل الثوب ، ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلّا أن ينتن ، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر» (٨) لاعتضاد أخبارنا بالأصل ، مع عدم وضوح دلالتها ، فيحمل على ما يزيل التغيّر.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٣ ح ٧٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤ ح ٩٠ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ٢.

(٢) الكافي في الفقه : ١٣٠.

(٣) الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٤ ح ٧٠٥ ، الاستبصار ١ : ٤٤ ح ١٢٤ ، الوسائل ١ : ١٣٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢١.

(٥) كصاحب المدارك ١ : ١٠١ ، وصاحب الرياض ١ : ١٦٦.

(٦) التهذيب ١ : ٢٣٤ ح ٦٧٦ ، الاستبصار ١ : ٣٣ ح ٨٧ ، الوسائل ١ : ١٢٦ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٦.

(٧) الكافي ٣ : ٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٣٧ ح ٦٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧ ح ١٠٢ ، الوسائل ١ : ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٧.

(٨) التهذيب ١ : ٢٣٢ ح ٦٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠ ح ٨٠ ، الوسائل ١ : ١٢٧ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٠.

٥٧٣

وكذلك صحيحة أبي مريم ، مع أنّها لم يذكر فيها التغيّر ، بل إنّما هو تأويلها (١). وكذلك موثّقة عمار المشتملة على نزح كلّ الماء لوقوع الكلب والفأرة والخنزير ، مع ما فيها من الجمع بين المذكورات (٢) ، وكذلك رواية أبي خديجة (٣) لضعفها ، فنحملها على الاستحباب.

وللقائلين بالانفعال أقوال شتّى ، منها : نزح الجميع ، فإن تعذّر فالتراوح (٤) ، للروايات المذكورة (٥) ، ولقيامه مقام ما تعذّر فيه نزح الجميع مما له مقدّر. وضعفه ظاهر مما تقدّم.

ومنها : النزح حتّى يزول التغيّر (٦) ، للمعتبرة التي اعتمدناها (٧).

وفيه : أن بينها وبين ما ورد في المقدّرات عموماً من وجه ، ولم يمكن تخصيصها بغير صورة التغيّر ، للزوم كون التغيّر أنقص من عدمه في مقدار النزح. فالأولى تخصيص المعتبرة ، ومقتضاها الرجوع إلى أكثر الأمرين.

ومنها : نزح الجميع ، فإن تعذّر فإلى أن يزول التغيّر جمعاً بين ما دلّ على نزح الجميع وما دلّ على مُزيل التغيّر (٨).

وفيه : أنّه لا دليل على هذا الجمع من عقل ولا نقل ، والأولى حمل الأوّل على الاستحباب.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٧ ح ٦٨٧ ، وص ٤١٥ ح ١٣١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨ ح ١٠٣ ، الوسائل ١ : ١٣٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٤ ح ٨٣٢ ، الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٢٣ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٩ ح ٦٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠ ح ١١٠ ، الوسائل ١ : ١٣٨ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٣ ، ونقله عن والد الصدوق في المختلف ١ : ١٩٠ ، المراسم : ٣٥.

(٥) الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٢٣.

(٦) المقنعة : ٦٦ ، الكافي في الفقه : ١٣٠ ، المهذّب ١ : ٢٢ ، البيان : ٩٩ ، المدارك ١ : ١٠١.

(٧) صحيحة ابن بزيع وصحيحة أبي أُسامة.

(٨) المبسوط ١ : ١١ ، النهاية : ٧.

٥٧٤

ومنها : وجوب أكثر الأمرين إن كان مقدّر ، وإلّا فالجميع ، ثم التراوح مع التعذّر (١). أما الأوّل فلما مرّ من تخصيص ما ورد في مزيل التغيّر بما ورد في المقدّر. وأما الثاني فلكونه مما لا نصّ فيه ، ويجب فيه نزح الجميع عندهم في المتغيّر منه أيضاً من باب الأولويّة ونيابة التراوح عنه فيما لو تعذّر مثل القول الأوّل.

والجواب عن الأوّل : منع المقاومة على أصلنا ، فلا يخصص. وعن الثاني المنع كما تقدّم.

ومنها : نزح الجميع ، فإن غلب اعتبر أكثر الأمرين (٢) ، ويظهر دليله وجوابه مما مرّ.

ومنها : نزح مزيل التغيّر ، ثم المقدّر إن كان مقدّر ، وإلّا فالجميع ، ثم التراوح إن تعذّر (٣) ، لأصالة عدم تداخل الأسباب في الأوّل ، وعدم إمكان إعمالها إلّا بتقديم مُزيل التغيّر كما لا يخفى ، ولكونه مما لا نصّ فيه في الثاني ونيابة التراوح عنه عند التعذّر كما مرّ.

والجواب على أصلنا يتّضح مما تقدّم ، وإن كنا نقول بأصالة عدم تداخل الأسباب إلّا فيما يدلّ عليه الدليل ، مع أنّ الظاهر أنّ الدليل موجود هنا كما سيجي‌ء.

ومنها : أكثر الأمرين فيما له مقدّر ، والاكتفاء بزوال التغيّر في غيره (٤) ، وهذا القول أنسب بالقول بالانفعال من غيره ، ويظهر وجهه مما مرّ ، وكذلك جوابه على ما اخترناه في الأصل.

__________________

(١) السرائر ١ : ٧٢ ، جامع المقاصد ١ : ١٣٧ ، روض الجنان : ١٤٣.

(٢) المعتبر ١ : ٧٦ ، ٧٧ ، الدروس ١ : ١٢٠.

(٣) نسبه إلى المحقّق وحكاه عن بعض مشايخه في المعالم : ٨٧.

(٤) نقله عن بعض الفضلاء المتأخرين واختاره في المعالم : ٨٨ ، وجعله أقرب بناءً على الانفعال في الذخيرة : ١٢٦.

٥٧٥

الثانية عشر : الأقوى عدم تداخل النزح مع تضاعف النجاسات سواء تخالفت في النزح كالإنسان والكلب ، أو تماثلت في المقدار كالكلب والشاة ، أو في الاسم كالشاتين ، لأنّ الأصل عدم التداخل كما مرّ في مباحث الأغسال ، وهو مذهب جماعة منهم الشهيدان رحمهما‌الله (١).

وقد استثنوا من ذلك ما لو حصل بالتعدّد في المماثل ما يوجب تفاوت الحكم ، كما لو لحق بالدم القليل بعد صبّه ما يصيّره كثيراً ، وزاد في الذكرى ما لو زاد به أصل الكثرة (٢) ، فإنّه أيضاً كثير. وفيهما أيضاً إشكال.

وذهب العلامة إلى التداخل مطلقاً (٣) ، واختار المحقّق الأوّل مع الاختلاف وإن تماثلت في مقدار النزح ، وتردد في المتساويين كالشاتين (٤).

حجّة العلامة : صدق الامتثال بالنزح لأكثر الأمرين مع التخالف ، والمقدّر لهذا النوع مع التماثل ، لمنع دلالة الأخبار على تعدّد النزح ، وقد يُزاد في الاستدلال في صورة التماثل تناول الاسم للقليل والكثير ، ويظهر لك ما فيه بالتأمّل فيما مرّ. مع أنّ الأخير لا يتمّ فيما تعلّق الحكم بفرد من الجنس.

وأما تردد المحقّق في المتساوي (٥) ؛ فمن ملاحظة اتّحاد نوع النجاسة كالنجاسة الكلبيّة أو البوليّة ، ومن أنّ كثرة الواقع توجب كثرة مقدار النجاسة. ولا يخفى ضعف الأوّل ، سيّما فيما تعلّق الحكم بالفرد.

والظاهر الاكتفاء بنزح الجميع فيما قصر الماء عن استيفاء كلّ منها ، وكذا لو زاد

__________________

(١) الذكرى : ١٠ ، المسالك ١ : ٢٠.

(٢) الذكرى : ١٠.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ١٨٨ ، نهاية الأحكام ١ : ٢٦٠.

(٤) الشرائع ١ : ٦ ، المعتبر : ٧٨.

(٥) المعتبر ١ : ٧٨.

٥٧٦

المقدّر الواحد عن الجميع ، لأنّ الحكم إنّما تعلّق بما فيه من الماء.

وقد يتأمّل في ذلك بأنّ طهارة أرض البئر لم تثبت إلّا بنزح المقدّر ، فنجاستها مستصحبة.

وفيه : منع نجاسة الماء الخارج بعد ذلك ، لعدم استفادتها من أدلة نجاسة البئر ، والأصل طهارة الماء الخارج ، وسيجي‌ء تمام الكلام.

ولو تعدّد موجب نزح الجميع وتعذّر ، ففي الاكتفاء بتراوح يوم إشكال ، يظهر وجهه من أصالة عدم التداخل ، ومن كون البدل في حكم المبدل.

الثالثة عشر : اختلفوا في حكم أبعاض ما له مقدّر فعن جماعة إلحاقها بالكلّ (١) ، ولا دليل عليه لتغايرهما. وألحقها بعضهم بما لا نصّ فيه (٢). وفصّل صاحب المعالم بكفاية مقدّر الكلّ إن كان أقلّ من منزوح ما لا نصّ فيه ، تعدّياً من باب الأولويّة ، وإلّا فمنزوح ما لا نصّ فيه (٣). وليس ببعيد.

وأما لو تعدّدت الأجزاء ، فإن وقع جميع الأجزاء دفعة ففيه إشكال ، لعدم انفهام ذلك من إطلاق الاسم.

وربما يفهم مما تقدّم من استثناء مثل مصير الدم القليل كثيراً استثناء ذلك من عدم تداخل الإجزاء أيضاً ، بل الشهيد جعل الحكم هكذا فيما لو وقع جميع الأجزاء في أكثر من دفعة أيضاً (٤).

وفيه نظر ؛ لعدم صدق اسم الكلّ عليه حينئذٍ ، بخلاف الدم الكثير ، فعلى الاستثناء والقول بالتداخل يجب نزح المقدّر مرّة ، أو منزوح ما لا نصّ فيه مرّة على

__________________

(١) كالشهيد في الذكرى : ١٠ ، فإنّه قال : أبعاض المقدّر كالمقدّر ، ويظهر من المنتهي ١ : ١٠٧.

(٢) احتمله في جامع المقاصد ١ : ١٤٥.

(٣) المعالم : ٩٧ ، ٩٨.

(٤) الذكرى : ١٠.

٥٧٧

القولين. وأما على ما ذكرنا من الإشكال في أصل الاستثناء في أصل المسألة فيعتبر كلّ واحد على حدة.

ويظهر لك حكم التداخل وعدمه في الأجزاء في غير صورة الاستثناء أيضاً مما مرّ ، وكذلك أجزاء ما لا نصّ فيه. وكذلك يظهر حكم جزءين من إنسانين وقعا في البئر مما تقدّم.

وأما الحيوان الحامل إذا علم وصول الماء إلى جوفها ، ففيه أيضاً إشكال. وكذلك الإشكال في ذات الرجيع النجس إذا وصل الماء إلى جوفها. والإطلاقات تقتضي عدم التعدّد ، وإن كان قد يناقش في انصرافها إلى الأوّل.

وأما نحن معاشر القائلين بعدم الانفعال فبمعزل عن تلك الإشكالات والحمد لله.

الرابعة عشر : النزح بعد إخراج النجاسة أو استهلاكها وانعدامها لأنّها ما دامت باقية فيها يثبت لها حكم الملاقاة أوّلاً ، لصدق الملاقاة ، والظاهر عدم الخلاف فيه.

وتدلّ عليه صحيحة الفضلاء (١) ، وصحيحة البقباق (٢).

هذا إذا لم تكن موجبة لنزح الجميع ، وإلّا فلا يضرّ نزح بعض الماء قبل الإخراج ، ووجهه ظاهر.

ولو تفرّقت أجزاء الحيوان وشاعت في الماء ، فينزح بعد خروج جميعها ، والظاهر الاكتفاء بالظن الغالب.

وكذلك الشعر من نجس العين ، أو مطلقاً على القول بنجاسته باعتبار أُصوله المتصلة بالميتة ، كما احتمله في الذكرى (٣). ولو استمرّ خروجه نزح الجميع ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٦ ح ٦٨٢ ، الاستبصار ١ : ٣٦ ح ٩٩ ، الوسائل ١ : ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٥.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٧ ح ٦٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧ ح ١٠٠ ، الوسائل ١ : ١٣٥ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٦ ، وفيها وفي سابقتها : عن الفأرة وغيرها تقع في البئر فتموت قال : يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ..

(٣) الذكرى : ١١.

٥٧٨

أو يعطّل حتّى يحصل العلم أو الظنّ بالخروج أو الاستهلاك.

الخامسة عشر : يحمل الدلو في الأخبار على العرف العام لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، وجهالة عرف زمانهم عليهم‌السلام ، وفي اعتبار معتاد تلك البئر أو معتاد الابار المتعارفة إشكال. وكذلك في اعتبار معتاد تلك البئر بحسب المتعارف أو بحسب عادة أهلها.

والأظهر اعتبار المتعارف في الابار المتعارفة.

وربما قيل بتحديد الدلو بثلاثين رطلاً ، وقيل بأربعين (١) ، ولا يحضرني لهما مأخذ.

وهل يعتبر العدد في الدلو ، أو يكفي النزح بآلةٍ تَسَع العدد؟ فيه قولان ، أظهرهما : الأوّل ، وقوفاً مع النص (٢).

ووجه الثاني : أنّ العلّة للتطهير هو إخراج ذلك المقدار من الماء ، وتقييده بالعدد لانضباطه ، سيّما والغالب ذلك ، فالحكم وارد مورده.

وفيه : منع العلّة ، إذ لعلّ للتكرير وكثرة تمويج الماء مدخليّة في التطهير كما في تعدّد الغسلات في التطهير ، ونظيره كثير.

وأما في مزيل التغيّر ، فالظاهر أنّه لا حاجة إلى اعتبار العدد ، بل ولا الدلو ، وكذلك فيما يوجب نزح الجميع ، وما يوجب نزح الكرّ.

السادسة عشر : يعفى عن المتساقط من الدلو ، وعن جوانبها إذا تساقط عليها وحمأتها (٣) وبطهرها يطهر المباشر ، والدلو والرشا (٤).

__________________

(١) حكاه القاضي في المهذّب ١ : ٢٣.

(٢) الوسائل ١ : ١٣١ أبواب الماء المطلق ب ١٥ الى ب ٢٢.

(٣) الحمَأ : الطين الأسود ، قال الله تعالى «مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» وكذلك الحمأة بالتسكين ، تقول منه : حمأت البئر حمأ بالتسكين ، إذا نزعت حمأتها. الصحاح ١ : ٤٥.

(٤) الرِّشاء : الحبل الذي يوصل به إلى الماء. لسان العرب ١٤ : ٣٢٢ (رشا).

٥٧٩

أما الأوّل : فلا إشكال في المتعارف منه وإلّا لم يمكن التطهير عادة ، وأما غير المتعارف مثل أن يصبّ كلّ الدلو أو أغلبه فقيل : لا يوجب شيئاً ، للأصل (١).

وفيه : أنّ كون ذلك نجاسة لم يرد فيها نصّ ، فيجب فيه ما يجب فيه يخرجه عن الأصل ، وقيل : كذلك فيما عدا الدلو الأخير ، فيجب فيه ما يجب في ما لا نصّ فيه (٢). وفرقه مبني على الفرق بين وصول النجاسة بالماء الطاهر والماء النجس ، وهو غير واضح ، لأنّ لكلّ نجاسة تأثيراً.

وقيل : بأقلّ الأمرين من منزوح أصل النجاسة ومنزوح ما لا نصّ فيه (٣) ، لأنّ الفرع لا يزيد على الأصل ، وهو أحسن الأقوال وإن كان لا يخلو عن إشكال.

وأما الثاني : فلا إشكال فيه بعد الخلاص عن النزح ، وأما قبله ففيه إشكال ، سيّما في الحمأة. قال في الذكرى : وأجمعوا على طهارة الحمأة والجدران (٤) ، وهذه العبارة محتملة لهما.

وأما الثالث : فلا إشكال في طهارة الدلو والرشا ، ويدلّ عليه استحباب بعض مراتب النزح ، كالأربعين فيما يجب فيه ثلاثون من دون لزوم تطهير بينهما ، وإلّا لنبّه عليه الشارع. والظاهر أنّ المباشر أيضاً كذلك لذلك ، وطريق الاحتياط واضح. وكلّ ذلك مما يؤيّد عدم الانفعال ، هذه أحكام النزح.

وأما تطهيرها بغير النزح فصريح جماعة من الأصحاب إمكانه ، وأنّه مثل غيره من المياه (٥) ، وظاهر المحقّق في المعتبر انحصاره في النزح (٦) ، والأظهر الأوّل ، فيمكن تطهيرها بالجاري والكثير والغيث بالشرائط المتقدّمة في غيرها ، لما ذكرنا

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٢٦١ ، البيان : ١٠١.

(٢) المنتهي ١ : ١٠٨.

(٣) المعالم : ٩٩ ، ونقله عنه في الذخيرة : ١٣٧.

(٤) الذكرى : ١٠.

(٥) الدروس ١ : ١٢٠ ، البيان : ٩٩ ، جامع المقاصد ١ : ١٣٧.

(٦) المعتبر ١ : ٥٥.

٥٨٠