غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

الولادة (١) مبيّن على الغالب. وكيف كان فالمذهب عدّهما في النفاس لشمول الأدلّة.

وأما ما تراه قبلها فليس بنفاس إجماعاً.

ويتحقّق بالسقط ولو مضغة إذا حصل العلم بكونه مبدأ نشوء آدمي. ويظهر كون ذلك معتبراً مع صدق العمومات من خصوص صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج في عدّة المطلّقة ، فقد سمّى فيها سقط المضغة بوضع الحمل ، بل وكلّ ما علم أنّه حمل (٢).

وتتقوّى دلالتها بانضمام صحيحة عبد الله بن سنان عن الباقر عليه‌السلام قال : «إذا وضعت تزوّجت ، وليس لزوجها أن يدخل بها حتّى تطهر» (٣).

وألحق في الذكرى العلقة لو فرض العلم ولو بقول أربع من القوابل (٤).

وأما النطفة ، فلا وجه لذلك فيها.

وليس لقليله حدّ شرعاً.

وأكثره أكثر الحيض مطلقاً عند الأكثر ، وذهب جماعة من المتأخّرين إلى أنّ ذات العادة تجلس عادتها ، والمبتدأة ، والمضطربة عشرة أيّام (٥). وجماعة منهم جعلوه ثمانية عشر يوماً مطلقاً (٦). وعن ابن أبي عقيل أنّه واحد وعشرون يوماً (٧).

__________________

(١) كالشيخ في الجمل (الرسائل العشر) : ١٦٥ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٦١.

(٢) الكافي ٦ : ٨٢ ح ٩ ، الفقيه ٣ : ٣٣٠ ح ٥٩٨ ، التهذيب ٨ : ١٢٨ ح ٤٤٣ ، الوسائل ١٥ : ٤٢١ أبواب العدد ب ١١ ح ١ ، وفيه : سألته عن الحبلى إذا طلّقها زوجها فوضعت سقطاً تمّ أو لم يتمّ أو وضعته مضغة فقال .. وهو في كلام الراوي فقط.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٧٤ ح ١٩٠١ ، وص ٤٨٩ ح ١٩٦٥ ، الاستبصار ٣ : ١٩١ ح ٦٩٢ ، الوسائل ١٥ : ٤٨١ أبواب العدد ب ٤٩ ح ١.

(٤) الذكرى : ٣٣.

(٥) كالعلامة في القواعد ١ : ٢٢٠ ، والشهيد في الذكرى : ٣٣.

(٦) كالسيّد في الانتصار : ٣٥ ، وابن بابويه في الفقيه ١ : ٥٥ ، ونقله عن ابن الجنيد في المختلف ١ : ٣٧٨.

(٧) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢٥٣.

٢٤١

والقول الأوّل هو المستفاد من فحوى الأخبار المعتبرة المستفيضة جدّاً (١) ، والتي هي أدلّة القول الثاني ، فإنّ الاستظهار المأمور به فيها بيوم أو يومين وإلى عشرة ناظر إلى (٢) العشرة كما يظهر لمن تأمّلها. مضافاً إلى ما مرّ في الحيض.

واستدلّ في المعتبر والمنتهى بأنّه حيض في الأصل ، فيعتبر فيه أكثره ، وبأنّ الأخذ به إجماع والأزيد منه مشكوك فيه ، وجعلا تلك الأخبار مؤيّدة لمذهبهما (٣). وظنّي أنّها أدلّة.

ولعلّ نظر المفيد أيضاً إلى تلك الأخبار ، حيث قال : وقد جاءت الأخبار معتمدة أنّ أقصى مدة النفاس عشرة أيّام ، وعليها أعمل لوضوحها عندي (٤).

والظاهر أنّ مرادهم من الإجماع المدّعى في العشرة هو على إمكان كونه نفاساً ، مثل أن تكون عادتها ذلك ، أو (٥) انقطع الدم على العشرة (٦) ، لا أنّ العشرة دائماً نفاس بالإجماع (٧).

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٦١١ أبواب النفاس ب ٣.

(٢) في «م» زيادة : مراد فيه ، وفي «ح» زيادة : مراقبة ، أقول : المراد واضح ، فإنّ المراد بالاستظهار هو طلب ظهور الحال ، فلو لم يكن أكثره عشرة ما كان في انتظارها طلب ظهور الحال ، فالذي تقتضيه أخبار الاستظهار ثبوته للعشرة.

(٣) المعتبر ١ : ٢٥٣ ، المنتهي ٢ : ٤٣٤.

(٤) المقنعة : ٥٧.

(٥) في «ز» ، «ح» : و.

(٦) هذه إشارة إلى بيان القدر المشترك بين الأوّل والثاني ، ودعوى عدم الخلاف بينهما رأساً (منه رحمه‌الله).

(٧) أي : وإن لم يكن ذلك إجماعيّاً ، فيلزم أن يكون إجماعهم على اتّحاد حكم الحائض والنفساء فيما يمكن أن يكون نفاساً بغير صورة تجاوز العشرة ، والإجماع لا يقبل التخصيص. والحاصل أنّ استثناء الرجوع إلى التمييز والنساء والروايات عن دعوى الإجماع وإن كان لا يدلّ على الإجماع على خلافه لكن اندارج صورة الإمكان وبقاءه تحت دعوى الإجماع بعد إخراج الرجوع منضمّاً إلى إطلاق فتاويهم وتصريح بعضهم يدلّ على أنّ عدم الرجوع إلى الأُمور المذكورة والأخذ بالعشرة مع التجاوز إجماعيّ فيتمّ الدليل على مطلبهم بسبب الإجماع ، ولا يمكن مثل هذا الكلام في ذات العادة في صورة التجاوز عن العشرة من أنّه أيضاً مندرج تحت قاعدة الإمكان ، فيلزمها أن تأخذ بالعشرة ، ولا ترجع إلى العادة ، لاستلزامه ترك الصحاح المعمول عليها من مدّعي الإجماع

٢٤٢

ويشهد بذلك أنّ الشيخ في التهذيب ادّعى إجماع المسلمين على أنّ العشرة نفاس ، واستدلّ على ذلك بالأخبار الدالّة على الأخذ بأيّامها فلاحظ (١).

وبملاحظة تلك الأخبار بانضمام ما حصل من الاعتبار وتتبّع سائر الأخبار من أنّ ذلك من فاضل دم الحيض الذي هو غذاء الطفل يعلم الارتباط بين الدمين ، ويعرف حكم المبتدأة والمضطربة ، وأنّهما لا تتجاوزان عن أكثر الحيض.

وتظهر الثمرة بين القولين فيما لو جاوز العشرة ، فترجع إلى العادة على القول الثاني ، لأنّ ذلك هو فائدة الاستظهار (٢) وتجعل الجميع نفاساً على القول الأول.

وظنّي أنّ مراد الأولين أيضاً هو ذلك (٣) ، فلاحظ نهاية الشيخ ، حيث اعتبر الاستظهار إلى العشرة (٤) ، ولا معنى للاستظهار إلّا ذلك ، وكذلك غيره.

لكن صريح المعتبر وغيره أنّ العشرة كلّها نفاس حينئذٍ (٥) ، ويلزمه كون الاستظهار في الأخبار لغواً ، فإن ثبت الإجماع فهو المتّبع ، ولكنه يلزم طرح تلك الأخبار.

وقد عرفت أنّ أقدم المتصدّين لنقل الإجماع لم يطرحها ؛ ، بل استدلّ بها ، وهو الشيخ في التهذيب ، هذا.

وأما المبتدأة والمضطربة ، فإن انقطع دمهما على العشرة فما دون فلا إشكال ، ومع التجاوز فلم نقف في الأخبار على تصريحٍ بحكمه ، ومقتضى ارتباطه بدم

__________________

المشتمل على حكم الاستظهار المستلزم للرجوع إلى العادة ، فإنّه قرينة على عدم دعوى الإجماع من متصدّي دعواه في هذه الصورة ، فتأمّل في هذه المطالب فإنّها دقيقة (منهرحمه‌الله).

(١) التهذيب ١ : ١٧٤ ذيل حديث ٤٩٨.

(٢) أي : الأخذ بالعشرة في غير صورة التجاوز والرجوع إلى العادة معه (منه رحمه‌الله).

(٣) النهاية : ٢٩.

(٤) المعتبر ١ : ٢٥٥.

(٥) أي : كون مجموع العشرة نفاساً مع التجاوز أيضاً (منه رحمه‌الله).

٢٤٣

الحيض الرجوع إلى التمييز ، ثم النساء ، ثم الروايات. ولكن مقتضى كلام الجماعة الأخذ بالعشرة مطلقاً ، إلّا أنّ الشهيد في البيان قال في المبتدأة إذا تجاوزت العشرة فالأقرب الرجوع إلى التمييز ثم النساء ثم العشرة ، والمضطربة إلى العشرة بعد فقد التمييز (١) (٢).

ويمكن توجيه كلامهم : بأنّ ما يأتي «من الإجماع على اتّحاد حكم الحائض والنفساء إلّا ما استثني» يقتضي الحكم بأنّ كلّ ما يمكن أن يكون نفاساً فهو نفاس.

وأما جريان أحكام التمييز والنساء والروايات فهو مستثنى ، فتبقى المبتدأة والمضطربة تحت حكم قاعدة الإمكان.

فحصل من جميع ما ذكرنا كون ذلك إجماعياً عندهم ، وإلّا فالإجماع من الأدلّة القطعيّة ، ولا يقبل التخصيص ، فحينئذٍ مخالفة الشهيد غير مضرّة لمن سبق عليه بدعوى الإجماع ، ولا يمكن مثل هذا الكلام في ذات العادة ، ولاستلزامه ترك الصحاح الكثيرة المعمول عليها.

وأما ما دلّ على الثمانية عشر ، فمحمولة على التقيّة ، مع أنّ في تلك الأخبار ما يدلّ على أنّ الحكم بالغسل بعد الثمانية عشر إنّما كان لأنّ السؤال عن الحكم كان عند

__________________

(١) البيان : ٦٧.

(٢) إشارة إلى دفع ما يمكن أن يقال على ظاهر كلام الجماعة من الأخذ بالعشرة مع ملاحظة كلماتهم السابقة المذكورة في بيان أكثر الحيض ، واستدلالاتهم مبنيّة على ارتباط دم النفاس مع الحيض ، ومقتضى ذلك رجوع المبتدأة المتجاوز دمها عن العشرة إلى التمييز والنساء كالحيض ، فإنّها بظاهرها متدافعة ، فيحتاج إخراج حكم المبتدأة المذكورة عن أحكام الحيض ولم يذكروا له دليلاً ، ولم يظهر هنا حكمها من الأدلّة السابقة. وحاصل توجيه كلامهم أنّ الفاضلين ادّعيا الإجماع على اتّحاد أحكام الحائض والنفساء كما سيجي‌ء ذكره فيما بعد ، واستثنى من ذلك أُموراً ، منها الرجوع إلى التمييز والنساء ، ويبقى في جملة المستثنى منه أنّ ما يمكن أن يكون نفاساً في جملة العشرة فيحكم بكون مجموع العشرة نفاساً بدليل الإجماع يرد به المقطوع به عند مدّعيه ، فاستثناء المذكورات شاهد على كون الباقي داخلاً في الإجماع فيكون إجماعيّاً (منه رحمه‌الله).

٢٤٤

مضيّ تلك المدّة ، ولو سألت قبلها لأُمرت بالغسل ، وبعضها مصرّحة بذلك (١). مع أنّ مخالفها من الأخبار أكثر عدداً ، وأصح سنداً ، وأوضح دلالة ، وأوفق بالعمومات وعمل الأصحاب.

والعلامة في المختلف جمع بين الأخبار بحمل تلك على المبتدأة (٢) ، وهو كما ترى ، إذ أكثر تلك الأخبار في حكاية أسماء ، وقيل : إنّها تزوّجت بأبي بكر بعد جعفر بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه بعد أن ولدت له عدّة أولاد (٣) ، ويبعد مع ذلك كونها مبتدأة.

قالوا : وإذا رأت الدم يوم العاشر فقط فهو النفاس ، واستشكله في المدارك (٤) ، ولعلّ دليله أنّ حاصل ما استفيد من الأخبار أنّ النفاس لا يتجاوز عن عشرة أيّام من الولادة ، لا من رؤية الدم ، فما تراه في ظرف العشرة فهو نفاس.

وعلى هذا فلو رأت الأوّل والعاشر وانقطع فالأمر أوضح لما ذكرنا ، ولأنّ الفاضلين (٥) ادّعيا إجماع أهل العلم على اتّحاد أحكام الحائض والنفساء إلّا في الأقلّ والأكثر ، فإنّ في أكثر النفاس خلافاً ، وفي الرجوع إلى عادة النساء والروايات والتمييز ، وفي مضيّ أقلّ الطهر بين نفاسين ، وليس ذلك منها.

وأما لو جاوز ، فالكلام فيه بالنسبة إلى ما زاد عن العادة قد مرّ ، وأما بالنسبة

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٦١٢ أبواب النفاس ب ٣ ح ٦ ، ٧ ، ١١. وفي الأخير : أنّ أسماء سألت رسول الله(ص) وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً قال : ولو سألت رسول الله (ص) قبل ذلك وأخبرته لأمرها بما أمرها.

(٢) المختلف ١ : ٣٨٠.

(٣) قال في أُسد الغابة ٥ : ٣٩٥ أسلمت أسماء قديماً وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب ، فولدت له بالحبشة عبد الله وعوناً ومحمّداً ثم هاجرت إلى المدينة ، فلمّا قتل عنها جعفر بن أبي طالب تزوّجها أبو بكر فولدت له محمّد بن أبي بكر ، ثم مات عنها ، فتزوّجها عليّ بن أبي طالب (ع) فولدت له ، يحيى لا خلاف في ذلك.

(٤) المدارك ٢ : ٥٠.

(٥) المعتبر ١ : ٢٥٧ ، المنتهي ٢ : ٤٤٩.

٢٤٥

إلى بعد العشرة فتعمل فيها ما تعمل المستحاضة ، سواء صادف أيّام العادة أم لا ، إلّا أن يفصل أقلّ الطهر بينهما. ونسب الخلاف في المنتهي إلى بعض العامة (١) ، ويظهر منه (٢) الفرق بين ما تراه قبل الوضع مع إمكان كونه حيضاً ، وما تراه بعد أقصى النفاس ؛ فيشترط في الثاني تخلّل الطهر ، دون الأول ، وفي كليهما إشكال.

وأما إذا فصل أقلّ الطهر ، فذات العادة تأخذ بعادتها ، إلّا أن يمكن في حقّها حيض جديد فتتحيّض بها أيضاً. وقد مرّ الكلام في مستمرّة الدم.

ويظهر بالتأمّل فيما تقدّم أحكام أقسام النساء.

ولا يجب تخلّل أقلّ الطهر بين النفاسين ، فلو ولدت توأمين بفاصلة أيّام فما تراه بعد كلّ منهما فهو نفاس مستقل.

الرابع : في الاستحاضة دم الاستحاضة في الأغلب بارد رقيق أصفر ، وكلّما لم يثبت كونه من قرح أو جرح ولم يمكن كونه حيضاً أو نفاساً فهو استحاضة.

والمشهور أنّها على ثلاثة أقسام : قليلة ، وكثيرة ، ومتوسّطة. لأنّه إذا اعتبر بالقطنة ، فإما أن يغمس القطنة ويثقبها ويسيل من خلفها إلى الخرقة ، فكثيرة ، وإن غمس وثقب ولم يسل من خلفها ، فمتوسّطة. وإن لم يغمسها ، فقليلة ، وإن دخل في جوف القطنة أيضاً.

أما القليلة ، فالمشهور أنّه يجب عليها الوضوء لكلّ صلاة ، وذهب ابن أبي عقيل

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٤٤٥ ، قال : إذا تجاوز الدم أكثر أيام النفاس فهو استحاضة سواء صادف أيام الحيض أو لم يصادف خلافاً لأحمد فإنّه قال إن صادف أيام العادة فهو حيض وإلّا فهو استحاضة. وانظر المغني والشرح الكبير لابني قدامة ١ : ٣٥٩ ، ٣٦٩.

(٢) في «ز» : فيه.

٢٤٦

إلى عدم وجوب شي‌ء عليها (١) ، وابن الجنيد إلى وجوب غسل واحد في اليوم والليلة (٢).

والأوّل هو المذهب ، للأخبار المعتبرة ، منها صحيحة معاوية بن عمار (٣) ، وصحيحة الصحّاف (٤) ، وموثّقة زرارة (٥).

وليس للمذهبين الآخرين ما يُعتمد عليه ، ولا دلالة لصحيحة عبد الله بن سنان على الأول (٦) ، ولا لرواية سماعة على الثاني (٧) كما توهم (٨).

وأما المتوسّطة ، فالمشهور أيضاً أنّه يجب عليها مع ذلك الغسل قبل صلاة الغداة ، وذهب ابن أبي عقيل إلى اتّحاد حكمها مع حكم الكثيرة ، وهو وجوب ثلاثة أغسال : غسل للصبح ، وغسل للظهرين ، وغسل للعشاءين. وهو المنقول عن ابن الجنيد (٩) وصاحب الفاخر ، واختاره الفاضلان في المعتبر والمنتهى (١٠) ،

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢٤٤ ، والمختلف ١ : ٣٧٢.

(٢) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢٤٤.

(٣) الكافي ٣ : ٨٨ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٧ ح ٢٧٧ ، الوسائل ٢ : ٦٠٤ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٩٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٨ ح ١١٩٧ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ ح ٤٨٢ ، الوسائل ٢ : ٦٠٦ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧.

(٥) التهذيب ١ : ١٦٩ ح ٤٨٣ ، الوسائل ٢ : ٦٠٧ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٩. وهي موثّقة بابن بكير فإنّه فطحيّ.

(٦) الكافي ٣ : ٩٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٧١ ح ٤٨٧ ، الوسائل ٢ : ٦٠٥ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٤ ، وفيها : المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر .. قال : وترك الوضوء يدل على عدم وجوبه.

(٧) الكافي ٣ : ٨٩ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٠ ح ٤٨٥ ، الوسائل ٢ : ٦٠٦ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٦. وفيها : المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين وللفجر غسلاً وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة.

(٨) نقل احتجاجهما في المختلف ١ : ٣٧٣.

(٩) نقله عنهما في المختلف ١ : ٣٧٢.

(١٠) المعتبر ١ : ٢٤٥ ، المنتهي ٢ : ٤١٢.

٢٤٧

وجماعة من متأخّري المتأخّرين (١) ، للأخبار الصحيحة الدالّة بعمومها على أنّ المستحاضة تغتسل ثلاثة أغسال ، أو الاستحاضة المثقبة للكرسف حكمها كذا.

والأقوى مذهب المشهور ، لخصوص صحيحة الصحّاف ، ففيها : «فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضّأ ولتصلّ عند وقت كلّ صلاة» (٢) فإنّها تشمل المتوسّطة ، ويبطل مذهب الخصم ، ويثبت غسل الغداة من دليل آخر.

وفيها أيضاً : «وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيباً لا يرقأ ، فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات» فإنّ مفهومها عدم وجوب ذلك في غير هذه الصورة.

ولصحيحة زرارة : «فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ثم صلّت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد» (٣) (٤).

وقد يناقش في إضمار الرواية ، وهو غير مضرّ ، سيّما من مثل زرارة. مع أنّه يظهر من الشيخ في التهذيب فيما بعد نقل هذه الرواية بورقة تخميناً أنّها عن الباقر عليه‌السلام.

ولموثّقة سماعة قال ، قال «والمستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين وللفجر غسلاً ، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة ، والوضوء لكلّ صلاة» (٥) والتقريب ما تقدّم.

__________________

(١) كالمقدس الأردبيلي في الفائدة ١ : ١٥٥ ، وصاحبي المدارك ٢ : ٣٢ ، والذخيرة : ٧٤.

(٢) الكافي ٣ : ٩٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٨ ح ١١٩٧ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ ح ٤٨٢ ، الوسائل ٢ : ٦٠٦ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٩٩ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٣ ح ٤٩٦ ، الوسائل ٢ : ٦٠٥ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٤) في «ز» زيادة : وقد يثبت كون الغسل الواحد في الغداة بالإجماع على عدم غسل آخر.

(٥) الكافي ٣ : ٨٩ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٠ ح ٤٨٥ ، الوسائل ٢ : ٦٠٦ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٦.

٢٤٨

والإضمار من سماعة أيضاً غير مضرّ ، سيّما مع اعتضادها بعمل الأصحاب.

ولما دلّ بمفهوم الشرط من الأخبار المعتبرة على أنّ هذا الحكم مخصوص بما إذا كان الدم صبيباً لا يرقأ (١) ، والفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام صريح في مذهب المشهور (٢) ، وهذه الأدلّة خاصة ، والخاص مقدم على العام ، سيّما إذا اعتضد بالعمل وموافقة الأصل ونفي العسر والحرج.

وأما الوضوء لكلّ صلاة ، فهو أيضاً مستفاد من الأخبار ، منها صحيحة الصحّاف وموثّقة سماعة المتقدّمتان.

ومنها خبر يونس الطويل ، ففي جملته : «فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثم تغتسل وتتوضأ لكلّ صلاة» قيل : وإن سال؟ قال : «وإن سال كالمثقب» (٣) ولم يتعرّض عليه‌السلام في هذا المقام لحكم الغسل ، وهو موافق لعموم الكتاب أيضاً.

بل ويظهر من العلامة في التذكرة إسناد وجوب الوضوء لكلّ صلاة إلى علمائنا في المستحاضة مطلقاً ، مؤذناً بدعوى الإجماع (٤).

وأما الكثيرة ، فلا إشكال في حكمها ، ولا خلاف. والصحاح بحكمها ناطقة (٥) ، وإذا أرادت صلاة الليل فتجمع بينها وبين الغداة بغسل بلا خلاف في ذلك.

وأما الوضوء لكلّ صلاة فأسنده في المختلف إلى المشهور (٦) ، وجعل المخالف فيه

__________________

(١) انظر الوسائل ٢ : ٦٠٧ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١١ ، ومعنى يرقأ : ينقطع. مجمع البحرين ١ : ١٩٤.

(٢) فقه الرضا (ع) : ١٩٣.

(٣) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٣ الوسائل ٢ : ٥٤٢ أبواب الحيض ب ٥ ح ١ ، وفيها المثعب بدل المثقب ، والثعب سيل الماء في الوادي.

(٤) التذكرة ١ : ٢٨٥.

(٥) الوسائل ٢ : ٦٠٥ أبواب الاستحاضة ب ١.

(٦) المختلف ١ : ٣٧١.

٢٤٩

المفيد في المقنعة (١) ، وقال في التذكرة : اقتصر الشيخ على الأغسال ، وكذا المرتضى وابنا بابويه ، وابن إدريس أوجب الوضوء لكلّ صلاة ، وهو حسن ، وعبارة علمائنا لا تنافي ذلك (٢).

فيظهر من كلام العلامة أنّ المخالف في المسألة صريحاً هو المفيد ، ولكن المحقّق في المعتبر شنّع على ابن إدريس بأنّ ذلك مما لم يذهب إليه أحد من طائفتنا (٣) ، واختار عدم الوجوب جماعة من متأخّري المتأخّرين (٤).

وكيف كان فرواية يونس مع عموم الآية وإطلاق إسناد العلامة في التذكرة ذلك إلى علمائنا يرجّح المشهور. ولعلّ قول العلامة «وعبارة علمائنا لا تنافي ذلك» تعريض على المحقّق.

ووجه العدم : هو إطلاقات الأخبار في حكم الكثيرة ، حيث اقتصر فيها على ذكر الغسل. وهو أيضاً لا ينافي إثباته من خارج ، كما أنّه لا ينافي إثبات الوضوء مع الغسل ، إذ الظاهر أنّ خلاف هؤلاء في الوضوء للصلاة الثانية ، وإلّا فالكلام في الوجوب مع الغسل قد عرفت.

ولو لم يثبت الدليل على وجوب الوضوء لكلّ صلاة مطلقاً فيجزئ احتمال العموم وشمول منع الوجوب مع الغسل على ما حقّقناه أيضاً ، من أنّ وجوب الوضوء مع الأغسال ليس من تتمة الغسل ، بل إنّما هو الوضوء الذي تحقّق موجبه ، وإن اخترنا وجوب الوضوء مع الغسل وعدم إجزائه عنه إذا حصل موجبه ، وأياً ما كان فالأحوط أن لا تترك الوضوء مطلقاً.

__________________

(١) المقنعة : ٥٧.

(٢) التذكرة ١ : ٢٨٤ ، وانظر النهاية : ٢٨ ، والمبسوط ١ : ٦٧ للشيخ ، والمسائل الناصريّة (الجوامع الفقهية : ١٨٨ للمرتضى ، والفقيه ١ : ٥٠ ، والمقنع : ١٥ لابن بابويه ، ونقله عن ابني بابويه في المعتبر ١ : ٢٤٧ ، وانظر السرائر ١ : ١٥٣.

(٣) المعتبر ١ : ٢٤٧.

(٤) كصاحب المدارك ٢ : ٣٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٧٥.

٢٥٠

ثم إنّ الحكم دائر مدار تحقّق الكثرة ، وكذلك غيرها ، فلو طرأت القلّة بعد غسل الغداة فغسلها واحد ، وإن طرأت بعد الظهرين فغسلها اثنان ، وكذلك لو طرأت الكثرة على القلّة بعد الصبح فتغتسل للظهرين ، وإن طرأت بعدهما فللعشاءين ، وهكذا.

والأظهر اعتبار مجرّد المسمّى في الكثرة والتوسّط ، ولا يشترط استمراره ، ولا اتصال الصفة بوقت الصلاة ، كما اختاره جماعة (١) ، وقيل باعتبار حصول السبب في وقت الصلاة (٢). والأوّل هو الموافق لعمومات الأدلّة. وكذلك في القليلة بالنسبة إلى الوضوء فهي موجبة له وإن ارتفعت قبل الصلاة.

واعلم أنّ ظاهر جماعة من الأصحاب أنّ الجمع بين الصلاتين بغسل إنّما هو لتحصيل الكفاية وتسهيل الأمر ، وإلّا فيجوز إفراد كلّ صلاة بغسل (٣). وذكر في المنتهي بعد ما صرّح باستحبابه : أنّه لا نعرف فيه خلافاً بين علمائنا ، بل إنّما نسب القول بالوجوب إلى بعض العامة (٤).

وفي رواية يونس الطويلة : «إنّ فاطمة بنت أبي حبيش كانت تغتسل لكلّ صلاة» (٥) فهي محمولة على الجواز.

وفي موثّقة يونس بن يعقوب : «فإن رأت الدم صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة» (٦).

ثم إنّ الأولى معاقبة الصلاة للغسل ، واشترطها جماعة في صحتها (٧) ، وهو

__________________

(١) كالشهيد الأوّل في البيان : ٦٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٨٥.

(٢) الدروس ١ : ٩٩.

(٣) المدارك ٢ : ٣٥.

(٤) المنتهي ٢ : ٤٢٤.

(٥) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٥٤٢ أبواب الحيض ب ٥ ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ٤٠٢ ح ١٢٥٩ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ ح ٥١٦ الوسائل ٢ : ٦٠٧ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١١.

(٧) حكاه واستحسنه في المدارك ٢ : ٣٥.

٢٥١

أحوط. ولا يضرّه تحصيل بعض المقدمات اللازمة.

وفي اشتراط معاقبة الوضوء قولان.

تنبيهان :

الأول : ذكر الأصحاب أنّه يجب على المستحاضة تغيير القطنة في كلّ صلاة وعدم العفو وادّعى عليه الإجماع في المنتهي (١). وألحق بذلك جماعة منهم غسل ظاهر الفرج لو تلطّخ به ، بناء على عدم العفو عن هذا الدم (٢). ويظهر من ذلك الكلام في الخرقة ، وسيجي‌ء تمام الكلام.

الثاني : لا تحديد في الأخبار للقطنة ، ولا لزمان رؤية الدم والمحكّم في ذلك العادة والعرف.

الخامس : في مسّ الميّت

وقد مرّ الكلام فيه ، وأما الموت فسيجي‌ء الكلام فيه وفيما يتعلّق به في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٤٠٩.

(٢) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٤٠.

٢٥٢

المقصد الثالث

في الأغسال المسنونة

وفيه بحثان :

الأول : قد عرفت أنّ الأغسال المتقدّمة لا وجوب لها في نفسها على التحقيق بل وجوبها إنّما هو للغير ولكنها مستحبّة في نفسها عند حصول أسبابها ، كما يستفاد من الإطلاقات ، ويقتضيه الخروج عن الخلاف وطريقة الاحتياط فيما تعارضت فيه الأدلّة ، وخصوص الأخبار ، مثل صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يواقع أهله ، أينام على ذلك؟ قال : «إنّ الله يتوفّى الأنفس في منامها ، ولا يدري ما يطرقه من البليّة ، إذا فرغ فليغتسل» (١).

وجعلها بعضهم مؤيّدةً للوجوب النفسي (٢) ، وهو باطل ، لإجماع الفريقين على عدم الوجوب حينئذٍ.

وأما عموم ما دلّ على حسن التطهّر ، مثل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٧٢ ح ١١٣٧ ، الوسائل ١ : ٥٠١ أبواب الجنابة ب ٢٥ ح ٤.

(٢) كصاحب المدارك ١ : ١٠.

٢٥٣

وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (١) و «المؤمن معقّب ما دام متطهّراً» (٢) ونحو ذلك ، فلا يدلّ إلّا على استحباب الكون على الطهارة ، هو غير ما نحن فيه كما مرّت الإشارة إليه.

ويستحبّ أيضاً لكلّ مندوبٍ مشروطٍ بالطهارة ، صحّة أو كمالاً ، كالصلاة ، والطواف ، ومسّ كتابة القرآن ، وقراءته ، ودخول المساجد ، وغيرها مما مرّ في الوضوء مما استحبّ فيه الوضوء للمحدث بالحدث الأصغر ، إما من جهة أنّ دليله ثَمَة كان يقتضي استحباب مطلق الطهارة ، أو لكون الغسل مجزئاً عن الوضوء في غيرها ، سواء كان منفرداً كغسل الجنابة ، أو مع الوضوء كغسل الحيض.

لا يقال : إنّ الشرط حينئذٍ هو الوضوء ، فأين استحباب الغسل.

لأنّا نقول : حدث الحيض مثلاً مناقض للوضوء ، فلا يجدي الوضوء فقط ، فهذه الأغسال لا تشرع إلّا مع حصول الأحداث الموجبة لها ، المانعة عن المشروطات.

ويظهر من المعتبر في مواضع متعددة استحباب أصل الغسل وإنّ لم يحصل له سبب من الأسباب المتقدّمة ، ولا مما يجي‌ء. والظاهر أنّه كان من المسلّمات عند الفقهاء ، فهو رحمه‌الله كثيراً ما يطعن في سند الروايات الواردة في الأغسال الاتية ، ويعتمد على أنّ فعل الغسل خير (٣).

وصرّح بذلك في المنتهي أيضاً (٤) ، وكذلك الشهيدان (٥) ، ولا بأس بمتابعتهم.

ولكن الظاهر أنّه لا يجزئ عن الوضوء ، ولا يرفع الحدث. ويجي‌ء على القول بإجزاء مطلق الغسل عن الوضوء الاكتفاء به ، وقد عرفت أنّ المذهب

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

(٢) الفقيه ١ : ٣٥٩ ح ١٥٧٦ ، الوسائل ٤ : ١٠٣٤ أبواب التعقيب ب ١٧ ح ٢.

(٣) انظر المعتبر ١ : ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، قال : والغسل مستحبّ مطلقاً.

(٤) المنتهي ٢ : ٤٦٦ ، قال : لأنّه طاعة في نفسه.

(٥) كالشهيد الأوّل في النفليّة : ٨ ، والذكرى : ٢٤ ، والشهيد الثاني في المقاصد العليّة : ٤٠ ، وروض الجنان : ١٧.

٢٥٤

هو الأوّل.

وهناك أغسال أُخر لا تتوقّف مشروعيتها على الحدث ، بل تستحبّ للمتطهر وغيره (١) :

منها : غسل الجمعة.

على المشهور ، بل الظاهر عدم الخلاف ، فإنّ نسبة القول بالوجوب إلى الصدوق ، أو هو مع أبيه (٢) ، إنّما تتمّ لو كان المراد من الوجوب في كلامه هو المصطلح الان ، وهو غير معلوم ، سيّما ويستفاد من أماليه أنّه جعل من دين الإماميّة الإقرار بأنّه ليس بفريضة (٣) ، فكيف يقول هو بوجوبه ، أو كيف يقول هذا مع كون أبيه قائلاً بالوجوب؟

وكيف كان فالمتّبع هو الدليل ، والأصل عدم الوجوب ، والأخبار متعارضة في إطلاق السنة والوجوب ، ودعوى ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيهما متصادمة ، فيتساقطان ، ويبقى الأصل سليماً.

مع أنّ في أدلّة المشهور من الأخبار قرائن جليّة تدلّ على إرادة السنة بالمعنى المصطلح ، بل بعضها واضحة الدلالة على ذلك ، مثل رواية عليّ بن أبي حمزة ، عن الصادق عليه‌السلام : عن غسل العيدين أواجب هو؟ فقال عليه‌السلام : «هو سنة» قلت : فالجمعة؟ قال : «هو سنة» (٤).

__________________

(١) فيما ذكرنا من التقرير تعريض على صاحب المفاتيح حيث خصّ استحبابها بالمتطهّر ، وفيه ما لا يخفى (منه رحمه‌الله).

(٢) نسب ذلك إليهما في المنتهي ٢ : ٤٦٠ ، وقال الصدوق : وغسل يوم الجمعة واجب على الرجال والنساء .. وقال بعد ذلك : وغسل يوم الجمعة سنّة واجبة. انظر الفقيه ١ : ٦١.

(٣) أمالي الصدوق : ٦٤٧.

(٤) التهذيب ١ : ١١٢ ح ٢٩٧ ، الاستبصار ١ : ١٠٣ ح ٣٣٥ ، الوسائل ٢ : ٩٤٥ أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ١٢ ، والرواية فيها عن عليّ والظاهر أنّه عليّ بن أبي حمزة بقرينة رواية القاسم عنه. راجع معجم رجال الحديث ١١ : ٢٢٨ ، وج ١٤ : ٨.

٢٥٥

ومثل ما دلّ على أنّ صلاة النافلة متمّمة صلاة الفريضة ، وصيام النافلة متمّم صيام الفريضة ، وغسل الجمعة متمّم وضوء الفريضة (١) ، وفي موضع آخر من التهذيب «متمّم وضوء النافلة» (٢) إلى غير ذلك من الأدلّة والأمارات.

وأما ما دلّ على الوجوب ، فنمنع ثبوت الحقيقة الشرعيّة في الوجوب.

وأما ما اشتمل على الأمر وكلمة «على» فلا يبقى «مع كون غسل الجمعة معدوداً فيها في عداد المستحبّات ، ومنضمّاً إلى فهم الأصحاب وطرحهم تلك الأخبار مع كثرتها» وثوق في الدلالة على الوجوب.

ويؤيّد ذلك أنّه من الأُمور العامة البلوى ، التي يحتاج إليها الرجال والنساء في كلّ أُسبوع ، فمن البعيد اختفاء أمر الوجوب فيه لو كان ثابتاً ، ولكان الناس يلتزمونه ، سيّما الصلحاء والعلماء ، وقد ترى خلافه.

ووقته ما بعد الفجر ، فلا يجزئ قبله ، للإجماع ، ولإضافته إلى اليوم الظاهر في النهار في الأخبار.

وأما بعد الفجر ، فيجزئ للإجماع والأخبار المعتبرة ، وسنصرّح ببعضها.

ويمتدّ وقته إلى الزوال على المشهور ، المدّعى عليه الإجماع من المحقّق والشهيد والشيخ في الخلاف (٣) ، ولكنه في موضع من الخلاف قال : إلى أن يصلّي الجمعة (٤) ، فيحتمل مخالفة المشهور وعدمه ، بناءً على أنّ الغالب الإتيان بالجمعة أوّل الزوال.

مع احتمال أن يكون الإجماع المدّعى وفتوى المشهور أيضاً على ذلك ، وذكرهم

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦٦ ح ١١١١ ، المحاسن : ٣١٣ ح ٣٠ ، وانظر الوسائل ٢ : ٩٤٤ أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٧ ، ١٦.

(٢) التهذيب ١ : ١١١ ح ٢٩٣.

(٣) المعتبر ١ : ٣٥٤ ، الذكرى : ٢٤ ، الخلاف ١ : ٢٢٠.

(٤) الخلاف ١ : ٦١٢.

٢٥٦

ما قبل الزوال من باب الغالب أيضاً ، فلم يلتفتوا إلى حكم النادر.

وأما الأخبار ، ففي حسنة زرارة : «وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال ، فإذا زالت فقم» (١) وفي موثّقة عمار : عن الرجل ينسى الغسل حتّى صلّى ، قال : «إنّ كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة» (٢) وفيه شي‌ء ، وهناك روايات أُخر دالّة بظاهرها على ذلك ، ذكرناها في المناهج.

والأحوط ترك نيّة الأداء والقضاء قبل صلاة الجمعة ، بل قبل صلاة الظهر أيضاً ، لإطلاق الصلاة.

وأما بعدهما فلا تجوز نيّة الأداء ، للإجماعات المنقولة ، وظواهر الأخبار الكثيرة.

وكلّما قرب من الزوال كان أفضل ، للحسنة المتقدّمة وغيرها.

ولو فاته الغسل قبل الزوال ، فالمشهور أنّه يقضي بعد الظهر أو يوم السبت ، لموثّقة سماعة (٣) ، وموثّقة عبد الله بن بكير (٤) ، وغيرهما من الأخبار. وعن ظاهر الأكثر استحباب القضاء ليلة السبت أيضاً ، وهو مشكل. نعم إذا خاف عدم التمكّن يوم السبت فلا بأس به ، اتّباعاً لهم.

وفي الفقه الرضوي إلحاق سائر أيّام الأُسبوع (٥) ، ولم نقف على عاملٍ بذلك.

والمشهور استحباب تعجيله يوم الخميس لخائف عوز الماء يوم الجمعة. وعمّم

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٧ ح ٤ ، الوسائل ٢ : ٩٤٣ أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٥.

(٢) التهذيب ١ : ١١٢ ح ٢٩٨ ، الاستبصار ١ : ١٠٣ ح ٣٣٨ ، الوسائل ٢ : ٩٤٨ أبواب الأغسال المسنونة ب ٨ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ١١٣ ح ٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ١٠٤ ح ٣٤٠ ، الوسائل ٢ : ٩٤٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٠ ح ٣.

(٤) التهذيب ١ : ١١٣ ح ٣٠١ ، الوسائل ٢ : ٩٤٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٠ ح ٤ ، وغيرهما من أخبار الباب.

(٥) فقه الرضا (ع) : ١٢٩.

٢٥٧

جماعة الحكم في خائف فوت الأداء (١) ، والرواية لا تدلّ إلّا على الأوّل ، ولا بأس بمتابعتهم.

وألحق الشيخ بالخميس ليلة الجمعة ، ناقلاً عليه الإجماع (٢).

وتستحبّ الإعادة لمن وجد الماء يوم الجمعة ، لإطلاق الأخبار.

وأما لو وجده بعد الزوال إلى آخر السبت فإشكال. وإن أمكن القول به ، لكون دليل القضاء أقوى من دليل التقديم ، ولإطلاقه.

ومنها : غسل العيدين

الفطر والأضحى ، بلا خلاف من العلماء كافّة ، كما في المعتبر والمدارك (٣) ، للصحاح وغيرها (٤).

ووقته بعد الفجر ، لتعليقه على اليوم ، الظاهر في النهار ، وفي قرب الإسناد رواية مصرّحة بعدم الإجزاء قبل الفجر (٥).

وظاهر الإطلاقات وصريح بعض الأصحاب امتداده بامتداد اليوم (٦) ، وقال في المنتهي : إنّه يتضيّق عند الصلاة (٧) ، وقال في الذكرى : إنّه ظاهر الأصحاب ، تخريجاً من تعليل الجمعة أنّه إلى الصلاة ، أو إلى الزوال الذي هو وقت صلاة العيد (٨).

أقول : ويظهر ذلك من الروايات وليس مستنده محض التخريج مثل موثّقة

__________________

(١) كالشيخ في المبسوط ١ : ٤٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٧ ، والمسالك ١ : ١٠٦.

(٢) الخلاف ١ : ٦١١ مسألة ٣٧٧.

(٣) المعتبر ١ : ٣٥٦ ، المدارك ٢ : ١٦٦.

(٤) الوسائل ٢ : ٩٥٤ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٥ ، ١٦.

(٥) قرب الإسناد : ٨٥ ، الوسائل ٢ : ٩٥٦ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٧ ح ١.

(٦) المدارك ٢ : ١٦٦.

(٧) المنتهي ٢ : ٤٧١.

(٨) الذكرى : ٢٤.

٢٥٨

عمار (١) ، وما رواه الصدوق في العلل والعيون في علّة الغسل (٢) ، وهو صريح فقه الرضا عليه‌السلام (٣).

ومنها : ليلة الفطر ، لرواية الحسن بن راشد (٤).

وأما ليلة الأضحى ، فلم نقف على قول بها ، ولا مستند. وفي الإقبال : وروى أنّه يغتسل قبل الغروب إذا علم أنّها ليلة العيد (٥). وهو ظاهر في الفطر.

ومنها : يوم عرفة ، للإجماع (٦) ، والروايات المعتبرة (٧).

ومنها : يوم التروية ، لصحيحة محمّد بن مسلم وغيرها (٨).

ومنها : يوم الغدير ، للإجماع المنقول في التهذيب (٩) ، ورواية عليّ بن الحسين العبدي ، وغيرها (١٠).

ومنها : يوم المباهلة ، والمشهور أنّه الرابع والعشرون من ذي الحجّة ، وقال في المعتبر : الخامس والعشرون (١١).

وفي الروايات ليس إلّا المباهلة ، سوى ما ذكره في المعتبر في نقل رواية سماعة ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٨٥ ح ٨٥٠ ، الاستبصار ١ : ٤٥١ ح ١٧٤٧ ، الوسائل ٢ : ٩٥٦ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٦ ح ٣ ، عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتّى صلّى؟ قال : إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته.

(٢) علل الشرائع : ٢٨٥ ب ٢٠٣ ح ٤ ، عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ٨٨ ب ٣٣.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١٣١.

(٤) الكافي ٤ : ١٦٧ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ١٠٩ ح ٤٦٦ ، التهذيب ١ : ١١٥ ح ٣٠٣ ، علل الشرائع : ٣٨٨ ح ١ ، الوسائل ٢ : ٩٥٤ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٥ ح ١.

(٥) الإقبال : ٢٧١ ، الوسائل ٢ : ٩٥٥ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٥ ح ٢.

(٦) في «ز» زيادة : المنقول.

(٧) انظر الوسائل ٢ : ٩٣٦ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ، ٢.

(٨) التهذيب ١ : ١١٤ ح ٣٠٢ ، الوسائل ٢ : ٩٣٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ١١.

(٩) التهذيب ١ : ١١٤.

(١٠) التهذيب ٣ : ١٤٣ ح ٣١٧ ، الوسائل ٢ : ٩٦١ أبواب الأغسال المسنونة ب ٢٨ ح ١.

(١١) المعتبر ١ : ٣٥٧.

٢٥٩

قال : «غسل يوم المباهلة واجب» (١) والمراد تأكّد الاستحباب ، ولكنها على ما رواه الشيخ بدون لفظ «اليوم».

ويحتمل الاستحباب لنفس المباهلة كما في صحيحة أبي مسروق (٢).

ومنها : يوم السابع عشر من ربيع المولود.

ومنها : يوم دحو الأرض ، الخامس والعشرون من ذي القعدة ، ولم نقف على مستندهما ، وتكفي الشهرة.

ومنها : يوم المبعث ، السابع والعشرون من رجب ، وليلة النصف منه. وفي الإقبال نقل الرواية على استحباب الغسل في أوّل رجب ووسطه واخره (٣).

ومنها : يوم النيروز ، لرواية معلّى بن خنيس (٤).

والأقوى أنّه يوم حلول الشمس في برج الحمل ، وقيل : عاشر أيار. وقيل : تاسع شباط. وقيل : أوّل يوم من فروردين القديم الفارسي (٥).

والمشهور المعروف الان بحيث لم يوجد مخالف هو ما ذكرناه ، وهو المعنى المنصرف إليه في العرف ، وهو المحكّم ، وله شواهد من العقل والنقل ذكرها ابن فهد رحمه‌الله في المهذّب (٦).

ومنها : ليلة النصف من شعبان ، لرواية أبي بصير وغيرها (٧).

ومنها : غسل فرادى ليالي رمضان ، نقل بها الرواية في الإقبال (٨). وفي كثير

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٥٧ ، وفي الفقيه ١ : ٤٥ ح ١٧٦ ، والتهذيب ١ : ١٠٤ ح ٢٧٠ ، والوسائل ٢ : ٩٣٧ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣ ، بدون لفظ يوم.

(٢) الكافي ٢ : ٥١٣ ح ١.

(٣) الإقبال : ٦٢٨ ، الوسائل ٢ : ٩٥٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ٢٢ ح ١.

(٤) مصباح المتهجد : ٧٩٠ ، الوسائل ٢ : ٩٦٠ أبواب الأغسال المسنونة ب ٢٤ ح ١.

(٥) انظر السرائر ١ : ٣١٥ ، والمهذب البارع ١ : ١٩١ ، وجامع المقاصد ١ : ٧٥.

(٦) انظر السرائر ١ : ٣١٥ ، والمهذب البارع ١ : ١٩١ ، وجامع المقاصد ١ : ٧٥.

(٧) التهذيب ١ : ١١٧ ح ٣٠٨ ، الوسائل ٢ : ٩٥٩ أبواب الأغسال المسنونة ب ٢٣ ح ١.

(٨) الإقبال : ١٢١.

٢٦٠