غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

أحدهما عليه‌السلام ، قال : سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : «إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم» (١) وفي معناها ما رواه في السرائر عن نوادر البزنطي (٢).

وحسنة داود بن سرحان ؛ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم ، ووجب المهر كملاً» (٣).

وصحيحة محمّد بن إسماعيل (٤) ، ومرسلة حفص بن سوقة المصرّحة بذلك (٥).

ويؤيّده فحوى صحيحة زرارة القائلة : «أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعاً من ماء» (٦) وكلّ ما دل على وجوب الغسل بالجماع في الفرج ، فإنّ الفرج أعم.

وذهب الشيخ إلى عدم الوجوب (٧) ، لصحيحة الحلبي (٨) ، ومرفوعة البرقي (٩).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ١١٨ ح ٣١٠ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ ح ٣٥٨ ، الوسائل ١ : ٤٦٩ أبواب الجنابة ب ٦ ح ١.

(٢) مستطرفات السرائر ٣ : ٥٥٧.

(٣) الكافي ٦ : ١٠٩ ح ٣ ، الوسائل ١٥ : ٦٥ أبواب المهور ب ٥٤ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١١٨ ح ٣١١ ، الاستبصار ١ : ١٠٨ ح ٣٥٩ ، الوسائل ١ : ٤٦٩ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٢.

(٥) التهذيب ٧ : ٤١٤ ح ١٦٥٨ ، الاستبصار ١ : ١١٢ ح ٣٧٣ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ١. وفيها : عن الرجل يأتي أهله من خلفها ، قال : هو أحد المأتيّين ، فيه الغسل.

(٦) التهذيب ١ : ١١٩ ح ٣١٤ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ أبواب الجنابة ب ٦ ح ٥.

(٧) الإستبصار ١ : ١١١ ، النهاية : ١٩.

(٨) الفقيه ١ : ٤٧ ح ١٨٥ ، التهذيب ١ : ١٢٤ ح ٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١١١ ح ٣٧٠ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الجنابة ب ١١ ح ١. عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج ، قال : ليس عليها غسل ، وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل.

(٩) الكافي ٣ : ٤٧ ح ٨ ، التهذيب ١ : ١٢٥ ح ٣٣٦ ، الاستبصار ١ : ١١٢ ح ٣٧١ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ٢. وفيها : إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليها ، فإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها.

٢٢١

ومع عدم وضوح دلالة الأُولى وضعف الثانية ، كيف يعارض بهما ما ذكرنا من الأدلّة ، فيلزم طرحهما.

وأما في دبر الغلام ، فادّعى السيد فيه أيضاً الإجماع ، وادّعى أنّ من قال بالوجوب في المرأة قال به هنا (١) ، وقال الشيخ : إنّ لأصحابنا فيه روايتين (٢) ، والأقوى قول السيد ، للإجماع المنقول ، وفحوى الصحيحة المتقدّمة (٣).

وأما الوطء في فرج البهيمة ، فعن الأكثر عدم الوجوب (٤) ، وعن السيد الوجوب ، واختاره في المختلف (٥) ، لفحوى الصحيحة (٦).

ويشكل ذلك على القول بعدم وجوب الحد ، فإنّ فيه خلافاً ، فأوجب المشهور التعزير فقط ، ولا ريب أنّه أحوط (٧).

ويؤيّده استصحاب شغل الذمة ، والشكّ في الشرط ، هذا الكلام في الواطئ.

وأما الموطوء ، فالمرأة لا خلاف فيه ولا إشكال إذا كان الوطء في قُبلها.

وكذلك الموطوءة دبراً ، على القول بكونه موجباً للغسل كما اخترنا ، لما ادّعى السيد الإجماع على عدم الفرق ، وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، ورواية السرائر ، وغيرهما من الإطلاقات ، وفحوى الصحيحة.

وكذلك الموطوء دبراً على الأظهر ، للإجماع المنقول عن السيد ، وفحوى الصحيحة.

ثم إنّ الأكثر لم يفرّقوا في المفعول بين الحيّ والميّت مطلقاً.

__________________

(١) نقله في المعتبر ١ : ١٨١ ، والمختلف ١ : ٣٢٨.

(٢) المبسوط ١ : ٢٧.

(٣) وهي صحيحة زرارة المتقدّمة وفيها : أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعاً من ماء.

(٤) كالشيخ في المبسوط ١ : ٢٨ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ٢٦ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٨.

(٥) نقله عن السيد واختاره في المختلف ١ : ٣٣٠.

(٦) وهي صحيحة زرارة المشار إليها.

(٧) في «م» زيادة : بل أقوى.

٢٢٢

الثاني : في الحيض.

وفيه أبحاث :

الأوّل : قد يطلق الحيض ويُراد به : الحالة المانعة عن الصلاة المعهودة.

وقد يُراد به نفس الدم المعهود ، وهو دم تعتاده المرأة في كلّ شهر غالباً ، مخلوق في رحمها لأجل مصالح ، منها تغذية الجنين به وحفظه له ، باكتنافه إيّاه وصيرورته لبناً وغذاءً له بعد الوضع ، كما يستفاد من الأخبار والتجربة والاعتبار.

والاستحاضة إنّما تكون من عَرَض ومرض ، فالأصل عدم كون الدم الخارج عن المرأة غير الحيض ، لأصالة الصحّة ، وعدم عروض العَرَض.

وهو في الأغلب حار ، عبيط ، أسود ، له دفع وحرقة ، كما يستفاد من الأخبار (١) ، ويخرج من الطرف الأيسر على الأظهر ، للخبر المعتضد بالتجربة (٢) والفقه الرضوي (٣).

ولما كان أغلب أحكام الشرع من باب سدّ الأبواب وحماية الحمى ، فجعل لذلك حدّا محدوداً ، لتتناسق الأحكام المعلّقة عليه ، فجعل لأقلّه وأكثره حدّا ، ولتحقّقه شرائط. فما أمكن أن يكون حيضاً من جهة عدم المانع وحصول الشرائط فهو حيض ، وهو مجمع عليه ، على ما نصّ عليه الفاضلان (٤) ، ومطابق للأصل والاعتبار ، ومستفاد من تتبع الأخبار.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٣٧ أبواب الحيض ب ٣ ح ١.

(٢) محمّد بن يحيى رفعه عن أبان قال : قلت لأبي عبد الله (ع) فتاة منّا بها قرحة في جوفها والدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة؟ فقال : مرها فلتستلق على ظهرها ثم ترفع رجليها وتستدخل إصبعها الوسطى فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو الحيض وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة. التهذيب ١ : ٣٨٥ ح ١١٨٥ ، الوسائل ٢ : ٥٦٠ أبواب الحيض ب ١٦ ح ١. وعكسه في الكافي ٣ : ٩٤ ح ٣.

(٣) فقه الرضا (ع) : ١٩٣.

(٤) المحقّق في المعتبر ١ : ٢٠٣ ، والعلامة في المنتهي ٢ : ٢٨٧.

٢٢٣

ولا عبرة بمخالفة الصفات مع الإمكان ، كما في أيّام العادة للصحيح وغيره (١).

وما قيل من أنّ الأصل هو العمل على الصفات لحسنة حفص بن البختري ونحوها إلّا ما خرج بالدليل (٢) ، ففيه مع تسليم دلالتها وحجّيّة المفهوم وعمومه : أنّه معارض بأقوى منه من الأخبار (٣) المعتضدة بالاعتبار والإجماع.

فرع : لو رأت الدم ثلاثة فانقطع ورأت قبل تمام العشر ، فالجميع حيض لحسنة محمَّد بن مسلم وغيرها (٤) ، وكذلك كلّما تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة ، وهو المشهور بينهم.

وكذلك لو تأخر مقدار عشرة أيّام ، ثم رأت دماً جامعاً لشرائط الحيض ، فهما حيضتان.

الثاني : لا حيض قبل إكمال التسع بالإجماع ، والأخبار (٥). وبعد اليأس ، وهو إكمال ستّين للقرشيّة ، والخمسين في غيرها ، لمرسلة ابن أبي عمير المفصّلة ، الجامعة بين ما دلّ على الخمسين مطلقاً والستّين مطلقاً (٦).

وقد تُلحق النبطيّة بالقرشيّة ، ولم نعرف مستنده.

والمعتبر الانتساب بالأب على الأظهر.

والأظهر تحقّقه مع الحمل كما عليه الأكثر (٧). وقيل : لا حيض مع الحمل (٨) ،

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٤٠ أبواب الحيض ب ٤ ح ١.

(٢) كما في المدارك ١ : ٣٢٤ ، والحسنة فيها : إذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة الكافي ٣ : ٩١ ح ١ التهذيب ١ : ١٥١ ح ٤٢٩ ، الوسائل ٢ : ٥٣٧ أبواب الحيض ب ٣ ح ٢. وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٣٩ أبواب الحيض ب ٤.

(٤) إذا رأت الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الاولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة. الكافي ٣ : ٧٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٥٩ ح ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٥٥٤ أبواب الحيض ب ١١ ح ٣.

(٥) انظر الوسائل ١٥ : ٤٠٦ أبواب العدد ب ٣.

(٦) الكافي ٣ : ١٠٧ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٩٧ ح ١٢٣٦ ، الوسائل ٢ : ٥٨٠ أبواب الحيض ب ٣١ ح ٢.

(٧) كالصدوق في الفقيه ١ : ٥١ ح ١٩٧ ، والسيد في الناصريات (الجوامع الفقهيّة) : ١٩١.

(٨) هذا منقول عن المفيد وابن الجنيد في المعتبر ١ : ٢٠٠ ، والمختلف ١ : ٣٥٦.

٢٢٤

وعن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه إذا استبان ، وقال : إنّما الخلاف في غيره (١). وقيل : ما تراه في أيّام العادة حيض ، وما تراه بعد عشرين يوماً من العادة فليس بحيض (٢).

لنا : الأخبار المعتبرة المستفيضة جدّاً (٣).

وللمانع رواية ضعيفة عاميّة (٤).

وللمفصّل صحيحة الحسين بن نعيم الصحّاف (٥) ، ولا يبعد ترجيح هذا التفصيل ، لصحّة الرواية ، وكونها مقيّدة ، والأخبار المثبتة مطلقةً. وخصوصاً مع أنّها واردة مورد الغالب.

نعم هنا كلام آخر ، فللمانع أن يقول إنّ الحيض مما تُستبرأ به الإماء وتحصل العدة برؤيته ، فإنّ ذلك لأجل أنّه كاشف عن عدم الحمل.

قلت : لما كان الغالب أنّ الحامل لا ترى الحيض ، فرؤيته قرينة على عدم الحمل غالباً ، والتربّص بهذا القدر مما يستبين به الحمل غالباً ، فالعمدة هو مرور الزمان الذي يحصل به الظنّ بعدم الحمل ، ولذلك لم يعتبر الحيض في المسترابة ، واكتفي بالشهور الثلاثة ، فإذا انضمّ إلى ذلك رؤية الدم فيقوى الظنّ بعدمه ، وقد عرفت أنّ ما يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض ، وهذه الأخبار أيضاً مما يشيّد هذه القاعدة ويؤيّدها فتنبّه.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٣٩ مسألة ٢٠٥.

(٢) النهاية : ٢٥ ، التهذيب ١ : ٣٨٨ ، الإستبصار ١ : ١٤٠.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٧٦ أبواب الحيض ب ٣٠.

(٤) رواية السكوني عن جعفر عن أبيه (ع) قال قال النبيّ (ص) ما كان الله ليجعل حيضاً مع حبل ، والسكوني عاميّ. التهذيب ١ : ٣٨٧ ح ١١٩٦ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ ح ٤٨١ ، الوسائل ٢ : ٥٧٩ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ١٢.

(٥) الكافي ٣ : ٩٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨٨ ح ١١٩٧ ، الاستبصار ١ : ١٤٠ ح ٤٨٢ ، الوسائل ٢ : ٥٧٧ أبواب الحيض ب ٣٠ ح ٣.

٢٢٥

وأقلّه ثلاثة أيّام ، وأكثره عشرة كأقلّ الطهر بالإجماع والأخبار (١).

والأظهر الأشهر اعتبار التوالي في الثلاثة ، لأنّ اليقين لا يحصل إلّا به ، والطهارة مستصحبة ، وعمومات التكاليف ظاهرة الشمول ، والأصل عدم ثبوت التكاليف الحيضيّة ، فلا يخرج عن هذه الأدلّة إلّا باليقين ، وإطلاق الأخبار لا يقاوم ما ذكر ، مع أنّ صريح عبارة الهداية وفقه الرضا ثلاثة أيّام متواليات (٢).

وقد يتمسّك بالتبادر.

وفيه ما لا يخفى على المتأمل المتعمّق ، إذ قولهم عليهم‌السلام : «أقلّ الحيض ثلاثة أيّام وأكثره عشرة أيّام» لا يتبادر منه إلّا أقلّ زمان الحيض (لا أقلّ أيّام الحيض) (٣). وانفهام اشتراط التوالي بالمعنى الأوّل لا يوجب اشتراطه بالمعنى الثاني ، فكون أقلّ أيّامه أيضاً ثلاثة وإن كان يفهم منه أيضاً ، إلّا أنّه لا يفهم اشتراط التوالي بالنسبة إلى هذا المعنى.

نعم لو قيل : أقلّ أيّام الحيض ثلاثة كما رواه في الخصال في حديث شرائع الإسلام (٤) وصرّح به في الهداية (٥) ، فيتبادر منه المعنى الثاني ، مع أنّه صرّح فيما بعده بالتوالي كما ذكرنا.

فعلى هذا ، فكون العشرة المحفوفة بثلاثة في أوّله ويوم في أخره من جملة أكثر الحيض إنّما ثبت من دليل خارج ، وما دلّ على عدم تجاوز حكم الحيض عن العشرة أيّام يوجب تقييد أكثر أيّام الحيض بالعشرة ، وإلّا فلا تقييد فيه كأقلّ أيّامه ، فكان إطلاقه يقتضي تحقّق تلك العشرة أيّام في خمسة عشر يوماً فصاعداً.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٥١ أبواب الحيض ب ١٠.

(٢) الهداية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٠ ، فقه الرضا (ع) : ١٩٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في «م» ، «ز».

(٤) الخصال : ٦٠٦.

(٥) الهداية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٠.

٢٢٦

ويكفي في التوالي تحقّق مسمّاه في كلّ يوم على الأشهر ، فيتحقّق بمجرّد دخول اليوم الثالث وإن انقطع بعد لحظة.

وقيل : يشترط اتصاله في مجموع الثلاثة (١).

وقيل : يعتبر حصوله في أوّل الأوّل وآخر الأخر ، وفي أي جزء كان من الوسط (٢).

والتحقيق : أن يقال إن كان المراد من الحيض هو نفس الدم فالأقوى هو الأوسط ، وإن كان المراد حكمه ، فالأقوى هو الأخير.

وأما قول المشهور فيستلزم المجاز على التقديرين ، ولا يبعد ترجيح المشهور بملاحظة استقراء أخبار الحيض.

الثالث : إذا اشتبه دم الحيض بدم العذرة فيُعتبر بالقطنة فإن خرجت مطوّقة فهو للعذرة ، وإلّا فهو حيض للصحاح (٣).

والأولى أن تضع القطنة فتستلقي على ظهرها ، وترفع رجليها ، ثم تصبر هُنيئة ، ثم تُخرجها إخراجاً رقيقاً ، كما ذكره الشهيد الثاني (٤) ، ولعلّه استند في ذلك إلى مرفوعة أبان (٥) ، وفيه إشكال.

الرابع : المرأة تنقسم باعتبار رؤية الدم إلى : ذات عادة ، ومبتدأة ، ومضطربة.

والعادة تحصل باستقرار الوقت ، أو العدد ، أو كليهما ، فأقسامها ثلاثة.

ولا تحصل إلّا بتكرّره مرّتين ، للخبرين (٦) ، والإجماع. فتحيض في الثالث

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٣٧ ، المحرر (الرسائل العشر) : ١٤٠.

(٢) حكاه في المدارك ١ : ٣٢٢.

(٣) الوسائل ٢ : ٥٣٥ أبواب الحيض ب ٢.

(٤) المسالك ١ : ٥٦.

(٥) المتقدّمة في ص ٢٠٥ ، وهي في التهذيب ١ : ٣٨٥ ح ١١٨٥ ، والوسائل ٢ : ٥٦٠ أبواب الحيض ب ١٦ ح ١ ، الواردة في المشتبه بدم القرحة.

(٦) الوسائل ٢ : ٥٥٩ أبواب الحيض ب ١٤.

٢٢٧

بمجرّد الرؤية في الأوّل والثالث للإجماع والأخبار (١).

وأما الثاني فظاهر كلام الأكثر هو ذلك أيضاً ، لظاهر الأخبار مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها ، فقال : «لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها ، فإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت» (٢).

ورواية يونس ، عن بعض رجاله ، عنه عليه‌السلام : «فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض» (٣).

ويشمله ظاهر دعواهم الإجماع ، فإن الفاضلين بعد تقسيم ذات العادة وذكر أقسامها قالا : تترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم في أيّامها ، وهو مذهب أهل العلم (٤) ، ثم قالا : وأما المبتدأة والمضطربة ، وساقا الكلام فيهما.

ويظهر من الشهيدين الخلاف في ذلك بإلحاقها بالمضطربة ، لاضطرابها في الوقت ، فيجي‌ء فيه الخلاف الاتي (٥).

ولا يبعد ترجيح الأوّل ، سيّما إذا وافقت صفاته للحيض ، وإن أمكن القدح بأنّ ظاهر الأخبار هي الوقتيّة. ولعلّ ذلك لندرة هذا الفرض ، وأنّ الإطلاقات محمولة على الغالب.

والحاصل أنّ الذي يقوى في نفسي هو أنّ ذلك يصير خُلُقاً معروفاً لها ، سيّما إذا تكرّر وكانت المرأة سليمة ، فإنّ الأصل عدم الاستحاضة ، لما مرّ في البحث الأوّل ، وإن كان الأحوط الاستظهار.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٥٥٩ أبواب الحيض ب ١٤.

(٢) الكافي ٣ : ٧٨ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٩٦ ح ١٢٣٠ ، الوسائل ٢ : ٥٤٠ أبواب الحيض ب ٤ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٧٦ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٥٨ ح ٤٥٢ ، الوسائل ٢ : ٥٥٩ أبواب الحيض ب ١٤ ح ٣.

(٤) المحقّق في المعتبر ١ : ٢١٣ ، والعلامة في المنتهي (الطبعة الحجريّة) ٢ : ٣٤٦.

(٥) الشهيد الأوّل في البيان : ٥٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٠.

٢٢٨

وأما لو تقدّم الدم أو تأخّر بيوم أو يومين أو أكثر فظاهر الأكثرين أيضاً الحكم بالتحيّض ، ويدلّ عليه ما تقدّم من العمومات ، مضافاً إلى موثّقة سماعة وما في معناها المصرّحة بذلك (١) ، ويظهر من الشهيدين أيضاً الخلاف كما تقدّم (٢).

ثم إنّ ذات العادة الوقتيّة فقط إنّما تكون مستقرة الحكم بالنظر إلى الأوّل.

وأما بالنظر إلى الأخر فقيل : إنّها مضطربة العدد (٣) ، وقيل بالأخذ بالأقلّ لتكرّره (٤) ، والأوّل أرجح في النظر.

وأما المبتدأة ، ففي استظهارها ثلاثة أيّام ثم التحيّض ، أو التحيّض أوّلاً ، قولان ، أقواهما الأوّل ، لاستصحاب الطهارة ، وعدم حصول التكاليف الحيضيّة ، وعدم تخصيص العمومات التكليفيّة الظاهرة الشمول لها.

والقاعدة المتقدّمة المجمع عليها غير منطبقة عليه ، لأنّ المدّعى عليه الإجماع هو ما يمكن أن يحكم عليه بالفعل أنّه حيض ، لا ما يمكن أن يكون في نفس الأمر حيضاً ، وهو لا يتحقّق إلّا بمضيّ الثلاثة مع سائر شرائطها.

وكلّ ما استدلّ به في المدارك والذخيرة وغيرهما من الأخبار على القول الثاني فهي غير واضحة الدلالة (٥) ، وأقواها حسنة الحفص بن البختري المعتبرة للوصف (٦) ، وهي في مستمرّة الدم ، ولا عموم فيها يشمل ما نحن فيه. ومحلّ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٧ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٥٨ ح ٤٥٣ ، الوسائل ٢ : ٥٥٦ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١. إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة فإنّه ربما تعجّل بها الوقت.

(٢) الشهيد الأوّل في الذكرى : ٢٩ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٠.

(٣) جامع المقاصد ١ : ٣٧.

(٤) كما في منتهى المطلب ٢ : ٣١٥ ، والذكرى : ٢٨.

(٥) انظر المدارك ١ : ٣٢٩ ، ذخيرة المعاد : ٦٤.

(٦) قال : دخلت على أبي عبد الله امرأة فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدم .. فقال : فإذا كان للدم حرارة ودفع فلتدع الصلاة الكافي ٣ : ٩١ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٥١ ح ٤٢٩ ، الوسائل ٢ : ٥٣٧ أبواب الحيض ب ٣ ح ٢ ، وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم.

٢٢٩

النزاع مطلق ، وتخصيص صاحب المدارك بالمتّصف بصفة الحيض توهّم.

ومما ذكرنا يظهر الكلام في المضطربة.

الخامس : التلوّث في الباطن حيض.

فلا يحصل الطهر بمجرّد انقطاع الدم ، فيجب الاستبراء بالقطنة حين الانقطاع لدون العشرة ، لصحيحة محمّد بن مسلم (١).

والأولى أن تقوم فتلصق بطنها بالحائط ، وترفع رجلها كما يرفع الكلب وقت البول ، كما في موثّقة سماعة (٢). والأولى رفع الرجل اليسرى كما في رواية شرحبيل (٣) ، لكونها أوفق بما رجّحنا من اعتبار الأيسر. فإن خرجت نقيّة فتغتسل بالإجماع والأخبار.

وقيل : ولو اعتادت النقاء في أثناء العادة فلا يجب عليها الغسل (٤) ، وليس ببعيد ، عملاً بالعادة.

ولو خرجت متلطّخة ولو مثل رأس الذباب ، فإن كانت مبتدأة فتصبر حتّى تنقى أو تمضي عشرة أيّام ، لما مرّ من أنّه يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض ، ولحسنة محمّد ابن مسلم وغيرها (٥).

وإن كانت ذات عادة ، فتستظهر بترك العبادة إذا كانت عادتها دون العشرة إلى العشرة ، على الأقوى.

__________________

(١) وفيها : إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فيها شي‌ء من الدم فلا تغتسل ..» الكافي ٣ : ٨٠ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٦١ ح ٤٦٠ ، الوسائل ٢ : ٥٦٢ أبواب الحيض ب ١٧ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٦١ ح ٤٦٢ ، الوسائل ٢ : ٥٦٢ أبواب الحيض ب ١٧ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٨٠ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٦١ ح ٤٦١ ، الوسائل ٢ : ٥٦٢ أبواب الحيض ب ١٧ ح ٣.

(٤) المدارك ١ : ٣٣٢.

(٥) الكافي ٣ : ٧٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٥٩ ح ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٥٥٤ أبواب الحيض ب ١١ ح ٣. وفيها : وإذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الاولى .. وهي حسنة بإبراهيم بن هاشم.

٢٣٠

وقيل : تستظهر بيوم أو يومين (١) ، وقيل : أو ثلاثة (٢).

وطريقة الجمع بين الأخبار الواردة في كلّ منها : حمل ما ورد على طبق الأقوال على مراتب عادة النساء وأمزجتهنّ ، والمقصود اختبار الحال وأنّه هل يتجاوز العشرة أم لا.

وفي كون ذلك واجباً أو جائزاً أو مستحباً أقوال ، أشهرها وأظهرها الثالث ، للأخبار الدالّة على سقوطه ، مثل ما ورد في المستحاضة ، وهي كثيرة جدّاً (٣) ، حيث لم تُؤمر فيها بالاستظهار ، بل أُمرت فيها بالعبادة في غير أيّام أقرائها ، فهي قرينة لإرادة الاستحباب الذي هو أقلّ مراتب الأمر ، فسقط احتجاج الأوّلين بكون الأمر للوجوب ، مع أن الوارد بلفظ الأمر قليل ، واختلاف الأخبار في مقداره أيضاً شاهد.

والمراد من استحباب الاستظهار : رجحان الإتيان بتكاليف الحائض ، والعبادة التي لا يصح القول باستحباب تركها هي ما ثبت كونها عبادة مطلوبة ، وهو أوّل الكلام ، فسقطت حجّة القول بالجواز أيضاً.

وفي ثبوت الاستظهار للمبتدأة والمضطربة إشكال ، وعن الدروس التصريح باستظهارهما (٤) ، وعن الذكرى إيجاب استظهار المبتدأة بيوم (٥) عند رجوعها إلى عادة نسائها (٦) ، لموثقة زرارة ومحمّد بن مسلم (٧).

__________________

(١) النهاية : ٢٤.

(٢) المدارك ١ : ٣٣٥.

(٣) انظر الوسائل ٢ : ٦٠٤ أبواب الاستحاضة ب ١.

(٤) الدروس ١ : ٩٨.

(٥) بيوم ليست في «ز».

(٦) الذكرى : ٢٩.

(٧) التهذيب ١ : ٤٠١ ح ١٢٥٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ ح ٤٧٢ ، الوسائل ٢ : ٥٤٦ أبواب الحيض ب ٨ ح ١ ، وفيها : يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها ، ثم تستظهر على ذلك بيوم. وهي موثّقة

٢٣١

ثم المشهور أنّه إذا انقطع الدم في العشرة فيحكم بكون الجميع حيضاً ، وتقضي صومها.

وإذا تجاوز الدم العشرة ظهر أنّ ما بعد العادة طهر ، فتقضي صلاة أيّام الاستظهار كصومها.

واستشكله في المدارك بعدم الدليل على جميع ذلك (١).

أقول : الدليل هو الأخبار الصحاح المستفيضة جدّاً ، الدالّة على ثبوت الاستظهار.

ومعنى الاستظهار طلب ظهور الحال حتّى يعامل مع كلّ من الدمين معاملته ، فحكم من تترك الصلاة في الطهر القضاء ، ومن تترك في الحيض العدم ، وهكذا فالرخصة في الترك لا تستلزم سقوط القضاء.

وما في بعضها من أنّها بعد أيّام الاستظهار مستحاضة (٢) محمول على ما بعد العشرة كما نبّهنا عليه سابقاً ، فالمراد أنّه إن تجاوزها فمستحاضة ، فلا ينافي سقوط القضاء لو انقطع على العشرة للصلاة ، كما لا ينافيه (٣) وجوب قضاء الصوم ، مع أنّه لا ضير في كون المراد مستحاضة ظاهراً وفي البادئ.

السادس : إذا تجاوز الدم عشرة أيّام ، فأما ذات العادة ، فإن لم يكن لها تمييزاً ، أو ) وافق تمييزها أيّام العادة ، فترجع إلى عادتها للإجماع ، والأخبار.

ولو اختلفا ، فإن كان بينهما أقلّ الطهر ففيه إشكال ، من جهة الأخبار الحاكمة باعتبار العادة مطلقاً ، ووجود ما يمكن أن يكون حيضاً ، والمنقول عن جماعة

__________________

بعليّ بن الحسن بن فضال فإنّه فطحي.

(١) المدارك ١ : ٣٣٦.

(٢) الوسائل ٢ : ٥٥٦ أبواب الحيض ب ١٣.

(٣) في «ز» : كما ينافيه.

(٤) في النسخ : و.

٢٣٢

جعلهما حيضاً (١) ، وقال في المعتبر : لا بحث في ذلك (٢) ، ولا يبعد ترجيحه. لكنها بالنسبة إلى التمييز كالمبتدأة والمضطربة ، فتستظهر إلى ثلاثة أيّام ، ثم تتحيّض إلى أن تحصل عادة اخرى بالتمييز ، وإلّا فإن أمكن الجمع بينهما بأن لا يتجاوز المجموع عن العشرة فالأقرب أيضاً جعلهما حيضاً ، لأنّ العادة تتقدّم وتتأخّر ، وتزيد وتنقص ، والدم إلى العشرة مما يمكن أن يكون حيضاً.

وقيل : ترجع إلى التمييز (٣) ، وقيل إلى العادة (٤) ، ويظهر وجههما مما سبق.

وإن لم يمكن الجمع فالأشهر الأظهر تقديم العادة ، للأخبار الكثيرة المعتبرة المصرّحة بأنّ المستحاضة تجلس أيام حيضها ، وتنتظر عدّة ما كانت تحيض ، فلتمسك عن الصلاة عدد أيّامها ، من غير تفصيل بانتفاء التمييز وعدمه (٥).

والظاهر أنّ العدد في العادة أيضاً مقدّم على التمييز ، كما يظهر من صحيحة محمّد بن عمرو بن سعيد (٦) ، وصحيحة زرارة (٧) ، المشتملتين على حكم الاستظهار ، مضافاً إلى سائر العمومات.

والشيخ في النهاية على تقديم التمييز (٨) ، وكذا المحقّق الشيخ علي (٩) ، إن كانت العادة مستفادة من التمييز ، دون الأخذ والانقطاع ، لئلا يزيد الفرع على الأصل ، وهو كما ترى.

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢١.

(٢) لم يذكر ذلك في المعتبر المطبوع انظر ج ١ : ٢١٢ ، بل هذا كلام صاحب المدارك ٢ : ٢١.

(٣) النهاية : ٢٤ ، المبسوط ١ : ٤٨.

(٤) المبسوط ١ : ٤٩.

(٥) الوسائل ٢ : ٥٤١ أبواب الحيض ب ٥.

(٦) التهذيب ١ : ١٧٢ ح ٤٩١ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ ح ٥١٥ ، الوسائل ٢ : ٥٥٧ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١٠.

(٧) الكافي ٣ : ٩٩ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٣ ح ٤٩٦ ، الوسائل ٢ : ٦٠٥ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٨) النهاية : ٢٤.

(٩) جامع المقاصد ١ : ٣٠٨.

٢٣٣

وقيل بالتخيير جمعاً بين الأدلّة (١).

وفيه : أنّ ما دلّ على العمل بالتمييز إنّما هو فيما لم تعلم العادة ، وما دلّ على العادة أقوى.

وأما المبتدأة فهي أيضاً ترجع إلى التمييز إن أمكنها ، بأن تختلف صفات الدم ، بأن يكون بعضه بصفة دم الحيض دون بعض ، كالأسود والأحمر ، أو أشبه بها ، كالأحمر والأصفر ، والأشقر والأصفر. والأظهر اعتبار مراتب الألوان والغلظة. واعتبر جماعة الرائحة أيضاً ومراتبها (٢).

وبأن لا يكون المشابه له أقلّ من الثلاثة ويعتبر فيها التوالي ، والظاهر أنّه لا يضرّ فيه تخلّل الدم الضعيف إذا حصل القوي في الأيّام الثلاثة في الجملة كما مرّ ولا أكثر من عشرة ، وأن لا ينقص الضعيف مع أيّام النقاء من أقلّ الطهر.

وأصل اعتبار التمييز إجماعيّ ، نقله الفاضلان (٣) ، وتدلّ عليه حسنة حفص بن البختري وغيرها من الأخبار المعتبرة (٤).

ولم يظهر منهم خلاف فيما اعتبر فيه ، إلّا ما يظهر من الشيخ في المبسوط في من اشتراط عدم التجاوز عن العشرة (٥).

ولعلّ وجهه أنّ العمل على حسنة حفص وما في معناها لا ينافي تركه فيما زاد على العشرة لدليل (٦).

وفيه : أنّ اعتبار الوصف للكشف عن الحيض النفس الأمري بالأمارة ، والحيض لا يزيد عن عشرة في نفس الأمر. وترجيح المتقدّم بالزمان بكونه حيضاً لا مرجّح

__________________

(١) الوسيلة : ٦٠.

(٢) كالعلامة في النهاية ١ : ١٣٥ ، وصاحب المدارك ٢ : ١٥.

(٣) المحقّق في المعتبر ١ : ٢٠٤ ، والعلامة في المنتهي ٢ : ٣٢٢.

(٤) الكافي ٣ : ٩١ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٥١ ح ٤٢٩ ، الوسائل ٢ : ٥٣٧ أبواب الحيض ب ٣ ح ١ ٣.

(٥) المبسوط ١ : ٤٦.

(٦) في «ز» : فيما من العشرة لدليل.

٢٣٤

له ، مع أنّ ظاهر تلك الأخبار الحكم على كلّ ما بالصفة بكونه حيضاً ، فينحصر فيما لو لم يتجاوز. وبعض الأخبار الدالّة على عدم الاعتبار متروك الظاهر.

وفي اشتراط عدم نقصان الضعيف عن أقلّ الطهر أيضاً قول بالعدم (١) ، ويظهر وجهه وجوابه مما تقدّم.

قيل : فلو رأت خمسة أسود ، ثم أربعة أصفر ، ثمّ عشرة أسود ، فعلى المشهور لا تمييز لها ، وعلى هذا القول حيضها خمسة (٢).

وإن لم يمكنها بفقدان أحد الأُمور المذكورة ، فترجع إلى عادة أقاربها ، لأبٍ كانت أو لُام ، أو لكليهما إن اتفقن ، لرواية سماعة ، قال : سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها فدامَ دمها ثلاثة أشهر ، وهي لا تعرف أيّام أقرائها ، قال : «أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات ، فأكثر جلوسها عشرة أيّام ، وأقلّه ثلاثة أيّام» (٣).

وضعفها (٤) منجبر بعمل الأصحاب ، وادّعى في الخلاف الإجماع على مضمونها (٥).

وإطلاقها يشمل الحيّة والميتة.

والظاهر إرادة العادة المتعارفة ، فيبعد أخذ المبتدأة عادة أُمها في أواخر رؤيتها ، بل الظاهر اعتبار حال تقارب أسنانهن ، كما قرّبه العلامة في النهاية (٦) ، ولا يبعد اعتبار

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ١٣٥ ، كشف اللثام ١ : ٨٩.

(٢) المدارك ٢ : ١٥.

(٣) الكافي ٣ : ٧٩ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٨٠ ح ١١٨١ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ ح ٤٧١ ، الوسائل ٢ : ٥٤٧ أبواب الحيض ب ٨ ح ٢.

(٤) بالإرسال والإضمار.

(٥) الخلاف ١ : ٢٣٠ مسألة ١٩٧.

(٦) نهاية الأحكام ١ : ١٣٩.

٢٣٥

أكثرهنّ مع الاختلاف ، كما اختاره الشهيد (١).

وأما اعتبار اتّحاد البلد كما اختاراه فمشكل ، وخروج عن إطلاق النص. وإن كان اعتبار الأغلب أيضاً مثل ذلك ، إلّا أنّه يمكن استفادة حكمه من الرواية وتتبع موارد أحكام الحيض وخصوص موثّقة زرارة ومحمّد بن مسلم ، فإنّ فيها : «تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها» (٢) ولكن العمل على إطلاقها بحيث يشمل الواحدة منها أيضاً متروك.

قيل : وإن اختلفن أو فقدن فإلى أقرانها (٣) ، أي مماثلاتها في السن. والظاهر صدقها على من ولدن في السنة والسنتين ، ويحتمل الثلاثة أيضاً. وقيل : أو إلى أقرانها (٤) ، ولم نقف على مستنده.

وقال الشهيدان : لفظ نسائها في رواية سماعة يشملها ، لكفاية أدنى ملابسة في الإضافة (٥).

وفيه نظر ، لأنّ المتبادر هو الأقارب.

فإن لم يمكن ذلك أيضاً فتتحيّض في كلّ شهر بسبعة على ما في رواية يونس (٦) ، أو بعشرة في شهر وثلاثة في آخر ، وهكذا ، لموثّقتي ابن بكير (٧) ، منضمّاً إلى رواية سماعة المتقدّمة ، وفهم الأصحاب ، وإلّا فالظاهر من الموثّقتين الأخذ

__________________

(١) الذكرى : ٣٠.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠١ ح ١٢٥٢ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ ح ٤٧٢ ، الوسائل ٢ : ٥٥٧ أبواب الحيض ب ١٣ ح ٥.

(٣) المبسوط ١ : ٤٦.

(٤) العطف بأو منقول عن التلخيص للعلامة كما في مفتاح الكرامة ١ : ٣٥٣. والعطف بالواو في المختصر النافع : ٩.

(٥) الشهيد الأوّل في الذكرى : ٣٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٦٩.

(٦) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٥٤٧ أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٢ وص ٤٠٠ ح ١٢٥١ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ ح ٤٦٩ ، ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٥٤٩ أبواب الحيض ب ٨ ح ٥ ، ٦.

٢٣٦

بثلاثة في كلّ شهر إلّا في الدور الأول.

والأولى العمل على السبعة كما في رواية يونس ، لكونها أصفى من التشويش ، وإن كان فيها أيضاً التخيير بين الستّة والسبعة كما اختاره بعض الأصحاب أيضاً (١) ، فإنّ التأمّل في تمام الحديث يقتضي اختيار السبعة.

والمحقّق أسقط الأحاديث رأساً لضعفها ، وتبع ابن الجنيد في الأخذ بالثلاثة في كلّ شهر عملاً بالمتيقّن (٢) ، كما ذهب بعض فقهائنا إلى اختيار العشرة في كلّ شهر (٣) ، لإمكان كونه حيضاً. وجعل في موضع من المبسوط الحيض عشرة والطهر عشرة وهكذا (٤). وعن السيد والصدوق أنّها تجلس من ثلاثة إلى عشرة (٥) ، وظاهره التخيير في هذه المدة. وقد يقال : إنّ ذلك مطابق لرواية سماعة المتقدّمة ، وقيل أقوال أُخر (٦) ، والأوجه ما اخترناه.

والتخيير بين الأقلّ والأكثر في المذكورات غير مضرّ ، فإنّه يرجع إلى التخيير بين تروك الحيض وأعمال المستحاضة ؛ فلا إشكال ، مع أنّ التخيير بين الزائد والناقص غير عزيز في الشرع كالقصر والإتمام ونحوه.

والظاهر أنّ التي رأت الدم مراراً لكنها لم يستقر لها عدد ووقت ، فهي داخلة في المضطربة ، وسيجي‌ء حكمها ، ولذلك فسّر المحقّق المبتدأة بمن رأت الدم أوّل مرّة (٧). وتظهر الثمرة في الرجوع إلى نسائها ، فإنّه معلّق في الأخبار على من رأت أوّل الدم

__________________

(١) المختصر النافع : ٩ ، التحرير ١ : ١٤ ، نهاية الأحكام ١ : ١٣٨.

(٢) المعتبر ١ : ٢١٠ ، وحكاه عن ابن الجنيد في المختلف ١ : ٣٦٣ ، والتنقيح الرائع ١ : ١٠٤.

(٣) قد يستفاد من كلام الصدوق في الفقيه ١ : ٥١ فإنّه قال : فإن كنّ نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام ، وحكاه في المعتبر ١ : ٢٠٩.

(٤) المبسوط ١ : ٤٦.

(٥) نقله عن السيّد في المعتبر ١ : ٢٠٧. وقد نقلت كلام الصدوق آنفاً.

(٦) الأقوال في المسألة كثيرة فقد أحصى ستّ وعشرين قولاً مع ذكر القائل في مفتاح الكرامة ١ : ٣٥٤.

(٧) المعتبر ١ : ٢٠٧.

٢٣٧

واستمرّ دمها.

وأما المضطربة ، وهي الناسية لعادتها وقتاً وعدداً ، وهي المسمّاة بالمتحيّرة عندهم ، فترجع إلى التمييز ، لحسنة حفص بن البختري (١) ، ورواية يونس الطويلة (٢) ، وغيرهما.

ومع فقد التمييز ، فترجع إلى الروايات ، أي السبعة أو الثلاثة والعشرة على المشهور كما مرّ ، ونقل الشيخ في الخلاف الإجماع عليه (٣).

وذهب الشيخ في المبسوط إلى لزوم الاحتياط ، بالجمع بين عمل الحيض والاستحاضة ، وغسل الحيض في كلّ وقت يحتمل انقطاعه (٤).

ونقل ابن إدريس فيه أقوالاً ستّة : الأخذ بالثلاثة ثم العشرة ، وبالعكس ، وبسبعة أيّام ، وبستّة أيّام ، وبثلاثة أيّام في كلّ شهر ، والتحيّض بعشرة والطهر بعشرة (٥).

والأقوى عندي العمل بالسبعة ، لرواية يونس كما يستفاد من آخرها (٦) ، وإن كان يظهر من أوّلها تخصيص الحكم بالمبتدئة. مع أنّ السبعة هي الغالبة في العادة. وموثّقتا ابن بكير صريحتان في المبتدأة (٧) ، وأما القول بالاحتياط فهو حرج منفيّ في الدين.

وأما الذاكرة للوقت فقط أو العدد فقط ، فالظاهر أنّهما ذات اعتبارين ، فتدخلان في المضطربة من وجه ، وفي ذات العادة من آخر. فالاستدلال فيهما إنّما يستنبط من

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩١ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٥١ ح ٤٢٩ ، الوسائل ٢ : ٥٣٧ أبواب الحيض ب ٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٥٣٨ أبواب الحيض ب ٣ ح ٤.

(٣) الخلاف ١ : ٢٤٢ مسألة ٢١١.

(٤) المبسوط ١ : ٥١.

(٥) السرائر ١ : ١٤٨ ، ١٤٦.

(٦) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٥٤٧ أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٢ وص ٤٠٠ ح ١٢٥١ ، الاستبصار ١ : ١٣٧ ح ٤٦٩ ، ٤٧٠ ، الوسائل ٢ : ٥٤٩ أبواب الحيض ب ٨ ح ٥ ، ٦.

٢٣٨

أدلّتهما ، وإلّا فلا نصّ فيهما بالخصوص.

أما الأُولى : فإن ذكرت أوّلها ، أكملته ثلاثة باليقين ، وتبقى في السبعة الباقية المحتملة مضطربة. فعلى الاحتياط تجمع بين الأعمال الثلاثة. وعلى المشهور تجعله مع الثلاثة إحدى الروايات.

وإن ذكرت آخرها ، فتجعله نهاية الثلاثة ، وتحتاط عند الشيخ في السبعة المتقدّمة بالعملين ، وتتمها بإحدى الروايات على المشهور.

وإن ذكرت الوسط ، حفّته بيومين ، وتكمله عشرة على الاحتياط ، أو تسعة إن لم يمكن جعله وسط العشرة. كما لو ذكرت أنّ الوسط كان يوماً واحداً وهكذا. أو تجعله وسط إحدى الروايا ت على المشهور ، فيما لم يحصل لها العلم بكونه أقلّ من أحدها أو أكثر ، وإلّا فتعمل على علمها ، وكذا في جميع الصور. وعملها على الاحتياط يظهر مما سبق.

وإن ذكرت وقتاً ما ، فهو المتيقّن ، وتكمله عشرة على الاحتياط ، وتجمع فيها بين التكاليف الثلاثة ، وتجعله نهاية عشرة ، تجمع فيها بين التكليفين. وعلى المشهور تجعله إحدى الروايات ، مخيّرة في جعله أولاً أو آخراً ، أو وسطاً. وعلى الاحتياط تقضي صوم أحد عشر من شهر رمضان ، مع احتمال التلفيق ، وإلّا فتقتصر على ما حصل لها العلم به.

وأما الثانية : فإن وجد التمييز فكالسابقة ، والأظهر تقديم العدد على التمييز ، لما تقدّم من تقديم العادة مطلقاً ، وخصوص صحيحتي محمّد بن عمرو بن سعيد (١) وزرارة (٢). وإلّا فالأكثر على أنّها تضع عددها حيث شاءت من الشهر. وقيل : تجتهد ، ومع عدم الأمارة تتخير ، وأوّل الوقت أولى (٣).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٧٢ ح ٤٩١ ، الاستبصار ١ : ١٤٩ ح ٥١٥ ، الوسائل ٢ : ٥٥٧ أبواب الحيض ب ١٣ ح ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٩٩ ح ٤ ، التهذيب ١ : ١٧٣ ح ٤٩٦ ، الوسائل ٢ : ٦٠٥ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

(٣) الذكرى : ٣٢ ، البيان : ٥٩.

٢٣٩

ومذهب المبسوط الاحتياط في كلّ الزمان بما يناسبه من الأعمال الثلاثة (١).

والأوّل أظهر ، للزوم العسر والحرج في الاحتياط ، هذا إذا نقص العدد عن نصف الزمان الذي أضلّته فيه ، أو ساواه.

ولو زاد ، كما لو أضلّت ستّة في العشر الأولى أو علمت أنّ عددها كان ستّة وأنّها كانت تمزج أحد نصفي الشهر بالآخر ، فهي متيقّنة بشي‌ء ، فتكمله بالعدد ، فالخامس هنا والسادس محفوظ عندها في الأول ، وكذا الخامس عشر والسادس عشر. فعلى المشهور تختار بين إكمال العدد متقدّماً ومتأخّراً وبالتلفيق. وعلى الاحتياط تستكملها عشرة ، تجمع في الأربعة المتقدّمة بين العملين ، وفي المتأخّرة بين الثلاثة.

ثم إنّ ظاهر رواية يونس العمل بالسبعة للمضطربة مطلقاً (٢).

ويشكل الحكم فيما لو علمت كون دورها أزيد من شهر ، ولم تعرف مقدارها ، أو لم تعلم مقدار الدور ، ولا أوّلها ، فالحكم بالتحيّض في كلّ شهر بسبعة أو ستّة إما محمول على الغالب من حصول الحيض للنساء في كلّ شهر ، أو تعبّد واطراد في الحكم.

ويشكل الكلام في ذاكرة العدد ، والبناء عليه حينئذٍ أيضاً ، إلّا أنّه بعد البناء على الروايات حينئذٍ لا بدّ من ملاحظة العدد ، فلا تأخذ بما أفاد الأقلّ منه من الروايات.

الثالث : في النفاس.

وهو دم الولادة ، معها أو بعدها. والظاهر أنّ تعريف بعض الفقهاء بما يتعقّب

__________________

(١) المبسوط ١ : ٥١.

(٢) الكافي ٣ : ٨٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٨١ ح ١١٨٣ ، الوسائل ٢ : ٥٤٧ أبواب الحيض ب ٨ ح ٣.

٢٤٠