غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

وأما صحيحة محمّد بن مسلم الدالّة على مذهب عليّ بن بابويه «من التفريق بين ضرب اليدين» (١) فهي محمولة على التقيّة ، ولا تقاوم ما ذكرناه من الأخبار في إثبات التفريق أيضاً.

وأما مستند المشهور ، فهي صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال ، قلت : كيف التيمّم؟ قال : «هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة ، تضرب بيديك مرّتين ثم تنفضهما نفضة ، مرّة للوجه ، ومرّة لليدين» (٢) الحديث وجعلوا الغسل مرفوعاً.

ولا يخفى بُعده بل الظاهر أنّه مجرور ، والمراد ب «ضرب واحد» قسم واحد.

ونقله في المعتبر بلفظ «ضربة واحدة» (٣) فإن ثبت لكان ظاهراً فيما قالوا ، ولكن الكلام في ثبوته ، ولم نقف عليه في غير المعتبر ، ولعلّه نقل بالمعنى على ما فهمه.

وأما ما استدلّ به في المنتهي من صحيحة محمّد بن مسلم : «إنّ التيمّم من الوضوء مرّة ومن الجنابة مرّتان» (٤) فالظاهر أنّه توهّم نشأ من الغفلة في فهم كلام الشيخ في التهذيب (٥) ، كما حقّقه صاحب المنتقى (٦) ، واستحسنه من تأخر عنه (٧).

هذا ولكن الأحوط أن لا تترك الضربتان ، سيّما في الغسل. وأحوط من ذلك أن يجمع بين الكيفيتين لكلّ من الطهارتين ، بأن يفعل تيمّمين كلّ منهما بنيّة القربة.

ثم إنّه لا فرق في التيمّم بين الأغسال أيضاً ، كما تصرّح به موثّقة سماعة ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١٠ ح ٦١٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٢ ح ٦٠٠ ، الوسائل ٢ : ٩٧٩ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٥.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٠ ح ٦١١ ، الاستبصار ١ : ١٧٢ ح ٥٩٩ ، الوسائل ٢ : ٩٧٨ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٤.

(٣) المعتبر ١ : ٣٨٨.

(٤) المنتهي ٣ : ١٠٣.

(٥) التهذيب ١ : ٢١١.

(٦) منتقى الجمان ١ : ٣٥١.

(٧) الوسائل ٢ : ٩٨٠ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٨.

٣٤١

وصحيحة أبي بصير (١).

والأظهر وجوب الوضوء أو تيمّم آخر لو لم يتمكّن من الوضوء في غير الجنابة. ولا تنافيه الروايتان ، إذ المراد اتحاد التيمّم الذي هو بدل عن الغسل أو الوضوء في الكيفيّة كما هو ظاهر ، وأما على قول المرتضى فيكفي تيمّم واحد مطلقاً.

الرابع : الأظهر اعتبار العلوق مما يتيمّم به باليدين خلافاً للمشهور ، ووفاقاً لجماعة (٢). وربّما أُسندت المخالفة إلى ابن الجنيد خاصة (٣) ، وليس كذلك ، ولعلّه نظر إلى كلام المختلف. وحاصل كلام المختلف أنّ ابن الجنيد أوجب التيمّم من المرتفع على اليدين من الصعيد ، والمشهور أوجبوا النفض (٤) ، وظاهر ذلك أنّ ابن الجنيد لا يوجب النفض ، لا أنّ المشترط للعلوق منحصر فيه.

وكيف كان ، فالأظهر الاعتبار ، لظاهر الآية ، بقرينة مقابلة الغسل في الوضوء والتطهّر ، ودلالة من التبعيضية عليه ، فإنّ الظاهر من قولك مسحت بدني من الدهن أو من الماء أو من التراب عرفاً : هو المسح ببعضها ، كما اعترف به الزمخشري (٥) مع كونه مخالفاً لطريقته من مذهب أبي حنيفة (٦).

وحملها على السببيّة بإرجاع الضمير إلى الحدث أو عدم وجدان الماء بعيد. وكذا على ابتداء الغاية بمعنى أنّ المسح موصول بالصعيد أو بالقصد. وكذا على البدليّة بمعنى بدل الماء.

ولا يترك الظاهر للاحتمال البعيد ، سيّما مع ورود صحيحة زرارة في تفسيرها ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٥ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٢١٢ ح ٦١٦ ، الوسائل ٢ : ٩٧٩ أبواب التيمّم ب ١٢ ح ٧.

(٢) كالشيخ البهائي في الحبل المتين : ٨٨ ، وصاحب الحدائق ٤ : ٣٣٣.

(٣) كما في المدارك ٢ : ٢١٩ ، وجامع المقاصد ١ : ٤٩٣.

(٤) المختلف ١ : ٤٣٠.

(٥) الكشّاف ١ : ٥١٥.

(٦) انظر شرح فتح القدير ١ : ١١٣.

٣٤٢

قال عليه‌السلام بعد ذكر بيان أية الوضوء وذكر أية التيمّم : «فلما وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً ، لأنّه قال (بِوُجُوهِكُمْ) ثم وصل بها (وَأَيْدِيَكُمْ) ثم قال (مِنْهُ) أي من ذلك التيمّم ، لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجرِ على الوجه ، لأنّه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ، ولا يعلق ببعضها» (١) الحديث ، والمراد بالتيمّم ما يتيمّم به كما هو واضح ، إذ إرادة المصطلح فاسد جزماً ، وإرادة المعنى اللغوي بعيد ، والتعليل إنّما هو للتبعيض المستفاد من قوله : «أي من ذلك التيمّم».

وربّما يقال إنّه تعليل لقوله عليه‌السلام : «أثبت بعض الغسل مسحاً» وهو مع أنّه بعيد من اللفظ غير صحيح ، إذ المناسب حينئذٍ أن يقال : إنّه علم أنّ ذلك لم يجرِ على الوجه أجمع إلى أخره لا ما ذكر.

ويدلّ على اعتبار العلوق : نفس البدليّة الثابتة للتيمّم ، وفهم عمار المنطبق على متفاهم العرف. ويؤيّده رجحان الضربة الثانية وغير ذلك مما سيجي‌ء في تعيين التراب أيضاً ، مع أنّ البراءة اليقينيّة لا تحصل إلّا به.

واحتجّوا بالأصل. وأنّ الصعيد يشمل الحجر الصلد. وباستحباب النفض المجمع عليه الوارد في الصحاح وغيرها (٢) وبالاكتفاء بضربة في الأخبار ، مع أنّه لا يبقى شي‌ء بعد مسح الجبهة.

الأوّل لا يقاوم الدليل ، وستعرف بطلان الثاني ، مع أنّ صاحب الذخيرة اعتبر العلوق مع الحجر أيضاً (٣).

والثالث لا ينافي ما ذكرناه ، بل إنّما هو لدفع تشويه الوجه ، كما لا ينافي تقليل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٥٦ ح ٢١٢ ، التهذيب ١ : ٦١ ح ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ح ١٦٨ ، الوسائل ٢ : ٩٨٠ أبواب التيمّم ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٩٧٧ أبواب التيمّم ب ١١ ، ١٢ ، ٢٩.

(٣) ذخيرة المعاد : ١٠٣.

٣٤٣

الماء في مسح الوضوء اعتبار البلّة ، بل كلّ ما دلّ على استحباب النفض يشعر باعتبار العلوق.

والمطلوب اعتبار مطلق العلوق ولا يوجب الاستمرار ، مع أنّ الظاهر بقاؤه بعد مسح اليدين أيضاً ، فضلاً عما بعد الجبهة ، مع أنّ رجحان الضربتين شاهدُ صدقٍ على ما ذكرناه ، فبطل الرابع أيضاً.

الخامس : يجب الترتيب بأن يضرب يديه معاً على الأرض ، ثم يمسح بهما جبهته وجبينيه ، ثم يمسح ظهر يده اليمنى ببطن اليسرى ، ثم بالعكس. للإجماع بسيطاً كما نقله العلامة في المنتهي ، وغيره (١) ، ومركّباً كما نقله السيد (٢) أنّ من قال به في المائيّة قال به في الترابيّة. وللأخبار المعتبرة الواردة في مقام البيان ، وفي جواب السؤال عن الكيفيّة (٣).

وتجب الموالاة أيضاً ، للإجماع كما يظهر من المنتهي (٤) ، ولوقوعهما في البيانات وفي الجواب عن الكيفيات. ولا أقلّ من الشك في مدخليتها في ماهيّة العبادة ، فلا يحصل اليقين بالبراءة إلّا بها (٥).

والظاهر عدم الفرق بين ما كان بدلاً عن الوضوء أو الغسل.

والأحوط اعتبار مدخليتها في الصحّة أيضاً.

ويرجع فيها إلى التتابع العرفي.

وتجب البدأة من الأعلى في الوجه ، وكذلك اليد ، لأنّه المتيقن والمتبادر من

__________________

(١) المنتهي ٣ : ٩٧ ، التذكرة ٢ : ١٩٦.

(٢) نقله عنه في المعتبر ١ : ٣٩٣.

(٣) الوسائل ٢ : ٩٧٥ أبواب التيمّم ب ١١ ، ١٢.

(٤) المنتهي ٣ : ١٠٨.

(٥) قوله مع أنّ البراءة اليقينيّة لا تحصل إلّا به هذا منافٍ لطريقته من العمل بأصل البراءة في الشك في الجزئيّة أو الشرطيّة أو المانعيّة للعبادة (أبو المعالي).

٣٤٤

الأخبار والمفتى به في كلام الأصحاب. وربّما علّل بتبعيّته للوضوء ، والأولى ما ذكرناه.

ويجب أيضاً كون مواضع المسح طاهرة ، على ما ذكره جماعة من الأصحاب (١). والإطلاقات تقتضي عدمه ، قال في المدارك : والمصرّح باشتراط ذلك قليل من الأصحاب (٢)

واستدلّ في الذكرى : بأنّ التراب ينجس ، وبمساواته لأعضاء الطهارة المائيّة.

وردّ : بأنّ الأوّل أخصّ من المدّعى ، والثاني قياس.

وإن تعذّرت الإزالة فالإطلاقات تقتضي جوازه وإن تعدّت النجاسة إلى التراب أيضاً ، وقيّده بعضهم بغير المتعديّ (٣) ، وربّما قيل بالعدول إلى ظهر الكف حينئذٍ (٤).

وكذلك الكلام إذا كانت النجاسة حائلة ، ولم يمكن رفعها. وربّما منعه بعضهم أيضاً (٥). وردّ بجواز المسح على الجبيرة ، وخصوصيّة النجاسة لا أثر لها. وفي العدول إلى الظاهر حينئذٍ إشكال.

والحاصل أنّ إطلاقات التيمّم تقتضي الوجوب في الكلّ على النهج المعهود ، والعدول عنها باحتمال أنّ تنجيس عضو آخر مضرّ بالصلاة ليس بأولى من ترك الصلاة ، فإنّ الصلاة مع النجاسة جائزة ، وبلا طهارة لا تجوز أصلاً.

وهذا إذا لم يمكن تطهير الموضع المتعدّى إليه ، وإلّا فالإشكال أقلّ.

ولما كانت الفروض نادرة غير متبادرة من الإطلاقات فلا تترك الاحتياط.

وأما طهارة سائر الأعضاء مع الإمكان ، فلا تشترط جزماً ، كما لا تشترط (٦)

__________________

(١) كالشهيد في الذكرى : ١٠٩ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ٥٠٣.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٢٢٨.

(٣) البيان : ٨٦ ، الدروس : ١٣٣ ، كشف اللثام ١ : ١٥٠ ، الحدائق ٤ : ٣٥٣ ، الروضة البهيّة ١ : ٤٥٥.

(٤) جامع المقاصد ١ : ٤٩٨ ، الروضة البهيّة ١ : ٤٥٥.

(٥) الذكرى : ١٠٩ ، كشف اللثام ١ : ١٥٠ ، الروضة البهيّة ١ : ٤٥٥.

(٦) في «ز» : كما يشترط.

٣٤٥

في الوضوء.

نعم يظهر من بعض الأصحاب وجوبه على القول باعتبار ضيق الوقت في التيمّم (١) ، ولا بأس به. ولكن ثبوت الاشتراط والحكم بالبطلان مشكل ، لمنع دلالة الأمر بالشي‌ء على النهي عن ضده الخاص.

السادس : تجب المباشرة بالنفس لما مر في الوضوء. وإذا عجز عن المباشرة فيستنيب ، والظاهر أنّه إجماعيّ كما يظهر من المدارك (٢).

قال في الذكرى : لا يجزئ معْك الأعضاء في التراب كما دلّ عليه الخبر ، نعم لو تعذّر الضرب واستنابة الغير أجزأ ، لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، بل يمكن تقديم المعك على نيابة الغير ، وهو يجي‌ء عند من لم يعتبر الضرب من الأفعال (٣) ، انتهى.

وقد عرفت أنّ الظاهر أنّه من الأفعال ، فيستنيب.

فتضرب يدي العليل بالتراب ويمسح بهما إن أمكن ، وإلّا فبيديه. والنيّة على العليل ، والأحوط نيتهما جميعاً.

السابع : يجب استيعاب الممسوح بلا خلاف ظاهر ، ونسبه في المنتهي إلى علمائنا وأكثر العامة (٤) ، وإنّما نقل الخلاف عن بعض العامة في جواز إبقاء ما دون الدرهم ، وعن بعضهم الفرق بين العمد والنسيان (٥).

__________________

(١) روض الجنان : ١٢٧ ، جامع المقاصد ١ : ١٠٧ ، المدارك ٢ : ٢٣٦.

(٢) المدارك ٢ : ٢٢٧.

(٣) الذكرى : ١٠٨.

(٤) المنتهي ٣ : ٩٥.

(٥) كما في المعتبر ١ : ٣٨٩.

٣٤٦

وكيف كان فالمذهب الاستيعاب ، وهو الظاهر من الأخبار ، إذ الجبهة والجبين واليد حقيقة في المجموع.

وأما الماسح ، فقال الشهيد الثاني : الظاهر عدم وجوبه ، لإطلاق الأدلّة (١) ، وتبعه صاحب الذخيرة (٢).

وقد استدلّ عليه بصحيحة زرارة في بيان التيمّم لعمّار : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله مسح جبينيه بأصابعه (٣).

ويمكن أن يقال بعد ما بيّنا وجوب مسح الجبهة بالإجماع المنقول والأخبار : أنّ المراد من ذلك لعلّه حصول مسح الجبينين بالأصابع ، وهو لا ينافي استعمال مجموع اليد في مجموع الجبهة والجبينين ، فإنّه يكفي مسح المجموع بالمجموع ، ولا يجب مسح كلّ من أجزاء أحدهما بكلّ من الأخر.

والأحوط أن يمسح بالمجموع في المجموع في المسحين ، لظاهر سائر الأخبار ، مثل قوله عليه‌السلام : «ثم مسح كفّيه إحداهما على ظهر الأُخرى» و «ضرب بيديه على الأرض ثم مسح على جبينيه وكفيه» و «تضرب بكفيك وتمسح وجهك ويديك» (٤) ونحوها.

وأما صحيحة داود بن النعمان (٥) ، وحسنة أبي أيوب الخزّاز (٦) الدالتان على أنّه عليه‌السلام مسح فوق الكف قليلاً ، فالظاهر منهما أنّه عليه‌السلام مسح الكف وما فوقه قليلاً ، وأنّ ذلك كان لأجل استيعاب (٧) الممسوح.

__________________

(١) روض الجنان : ١٢٧.

(٢) ذخيرة المعاد : ١٠٦.

(٣) الفقيه ١ : ٥٧ ح ٢١٢ ، الوسائل ٢ : ٩٧٧ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٨.

(٤) الوسائل ٢ : ٩٧٦ أبواب التيمّم ب ١١.

(٥) التهذيب ١ : ٢٠٧ ح ٦٠١ ، الاستبصار ١ : ١٧٠ ح ٥٩١ ، الوسائل ٢ : ٩٧٦ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٦٢ ح ٤ ، الوسائل ٢ : ٩٧٦ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٢.

(٧) في «م» : استيفاء.

٣٤٧

الثامن : قال في الذكرى (١) : الأقرب استحباب التسمية كما في المبدل منه لعموم «كلّ أمرٍ ذي بال» (٢) وتفريج الأصابع عند الضرب ، ونصّ عليه الأصحاب ، لتتمكّن اليد من الصعيد.

قال : ولا يستحبّ تخليلها في المسح ، للأصل. وقال أيضاً : الأقرب استحباب أن لا يرفع يده عن العضو حتّى يكمل مسحه لما فيه من المبالغة في الموالاة.

ويمكن تقدير الموالاة بزمان جفاف الماء لو كان وضوءاً ، فيستحبّ نقص زمان التيمّم عن ذلك ، ولو بلغه فالأقرب البطلان. أقول : والأولى ما ذكرناه من التتابع العرفي.

__________________

(١) الذكرى : ١٠٩.

(٢) تفسير الإمام العسكري (ع) : ٢٤ ، الوسائل ٤ : ١١٩٤ أبواب الذكر ب ١٧ ح ٤ ، وتمامه : لا يذكر بسم الله فيه فهو أبتر.

٣٤٨

المقصد الرابع

فيما يتيمّم به

وفيه مباحث :

الأوّل : الأقوى أنّه لا يجوز التيمّم اختياراً إلّا بالتراب وهو المنقول عن المفيد (١) والمرتضى في أحد قوليه (٢) وأبي الصلاح (٣) ، وهو قول الشافعي من العامة (٤).

وعن الشيخ (٥) وابن الجنيد (٦) والمحقّق (٧) وأكثر المتأخرين (٨) أنّه لا يجوز إلّا على ما يقع عليه اسم الأرض ، تراباً كان أو حجراً أو جصّاً أو غير ذلك. وهو المنقول عن السيد أيضاً في موضع آخر (٩) ، وهو مختار أبي حنيفة (١٠).

__________________

(١) المقنعة : ٥٨ ، ٦٠.

(٢) نقله عن شرح الرسالة في المعتبر ١ : ٣٧٢.

(٣) الكافي في الفقه : ١٣٦.

(٤) الامّ ١ : ٥٠ ، بداية المجتهد ١ : ٦٦ ، أحكام القرآن للشافعي : ٤٧.

(٥) الخلاف ١ : ١٣٤ ، المبسوط ١ : ٣١ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٦٨.

(٦) نقله عنه في المعتبر ١ : ٣٧٢.

(٧) الشرائع ١ : ٣٩ ، المعتبر ١ : ٣٧٢.

(٨) المدارك ١ : ١٩٧ ، القواعد ١ : ٢٣٧ ، روض الجنان : ١٢٠.

(٩) نقله عنه في المعتبر ١ : ٣٧٢.

(١٠) المبسوط للسرخسي ١ : ١٠٩ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٨٩.

٣٤٩

وعن ابن أبي عقيل أنّه جوّز بكلّ ما كان من جنسها ، كالكحل والزرنيخ (١) ، وادّعى جماعة الإجماع على عدم الجواز بمثلهما (٢).

لنا : الآية (٣) ، والأخبار مما اشتمل على الأمر بالتيمّم بالصعيد. والصعيد وإن اختلف كلام أهل اللغة فيه ، ولكن القرائن الخارجيّة مؤيّدة لما اخترناه.

والأظهر أنّ المراد منه التراب ، فقال جماعة من اللغويين : إنّه التراب (٤) ، نقله المرتضى (٥) والعلامة (٦) عن ابن دريد في الجمهرة عن أبي عبيدة.

وقال ابن فارس : الصعيد هو التراب (٧) ، وهو المنقول عن ابن عباس (٨).

وعن الغريبين : الصعيد التراب ، والصعيد وجه الأرض. وكذلك في القاموس (٩).

وعن الخليل (١٠) والزجّاج وابن الأعرابي والمطرزي : أنّه وجه الأرض (١١) ، وعن الزجّاج : أنّه لا يعلم في ذلك خلافاً بين أهل اللغة (١٢).

ويدلّ على المختار قوله عليه‌السلام : «جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً» (١٣) فذكر التراب بعد الأرض مع كون المقام مقام الامتنان والتسهيل يقتضي

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ١ : ٣٧٢.

(٢) الخلاف ١ : ١٣٤ ، الغنية (الجوامع الفقهيّة) : ٥٥٢ ، المنتهي ٣ : ٦٤.

(٣) فتيمّموا صعيداً طيّباً. المائدة : ٦.

(٤) انظر الصحاح ٢ : ٤٩٨ ، والقاموس المحيط ١ : ٣١٨ ، ومجمع البحرين ٣ : ٨٥.

(٥) كما في المعتبر ١ : ٣٧٢. وانظر مجمع البيان ٣ : ٨٥.

(٦) المنتهي ٣ : ٥٥ ، جمهرة اللغة ٢ : ٦٥٤.

(٧) نقله في الجامع لأحكام القرآن ٥ : ٢٣٧.

(٨) انظر الجامع لأحكام القرآن ٥ : ٢٣٧ ، والدر المنثور ٢ : ٥٥١.

(٩) القاموس المحيط ١ : ٣١٨.

(١٠) العين ١ : ٢٩٠ صعد.

(١١) نقله في التبيان ٣ : ٢٠٧ ، ومجمع البيان ٢ : ٥٢ ، ومجمع البحرين ٣ : ٨٥ ، والجامع لأحكام القرآن ٥ : ٢٣٦.

(١٢) معاني القرآن للزجاج ٢ : ٥٦.

(١٣) الفقيه ١ : ١٥٥ ح ٧٢٤ ، الخصال : ٢٩٢ ح ٥٦ ، الوسائل ٢ : ٩٦٩ أبواب التيمّم ب ٧ ح ٢.

٣٥٠

اختصاصه بالحكم كما لا يخفى. وما ورد بإسقاط لفظ ترابها في سائر الأخبار لا ينافي ذلك. مع أنّ طريقة الجمع تقتضي حمل المطلق على المقيّد.

وكذلك قوله عليه‌السلام : «التراب طهور المسلم» (١).

وصحيحة محمّد بن حمران وجميل بن درّاج ، قال : قلنا لأبي عبد الله عليه‌السلام : إمام قوم أصابته جنابة في السفر ، وليس معه ماء يكفيه للغسل ، أيتوضّأ بعضهم ويصلي بهم؟ قال : «لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلي بهم ، فإنّ الله قد جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً» (٢) ويظهر وجه الدلالة مما سبق.

وصحيحة رفاعة بن موسى ، عنه عليه‌السلام ، قال : «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء ، فانظر أجفّ موضع تجده ، فتيمّم منه ، فإنّ ذلك توسيع من الله عزوجل» (٣)

وحسنة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عنه عليه‌السلام قال : «يتيمّم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة» (٤).

ورواية زرارة ، عن أحدهما عليه‌السلام قال ، قلت : رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء ، وفيها طين ، ما يصنع؟ قال : «يتيمّم ، فإنّه الصعيد» (٥) فإنّ الضمير يعود إلى التراب الحاصل في الطين ، وظاهره الحصر.

ورواية عليّ بن مطر ، عن بعض أصحابنا ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب ، أيتيمّم بالطين؟ قال : «نعم ، صعيد طيب

__________________

(١) ورد هذا المعنى في الوسائل ٢ : ٩٦٩ أبواب التيمّم ب ٧ ، ومستدرك الوسائل ٢ : ٥٣٠ أبواب التيمّم ب ٥.

(٢) الفقيه ١ : ٦٠ ح ٢٢٣ ، الوسائل ٢ : ٩٩٥ أبواب التيمّم ب ٢٤ ح ٢ ، وفي الكافي ٣ : ٣٦٦ ح ٣ ، والتهذيب ١ : ٤٠٤ ح ١٢٦٤ بتفاوت.

(٣) التهذيب ١ : ١٨٩ ح ٥٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ ح ٥٣٩ وص ١٥٨ ح ٥٤٦ ، الوسائل ٢ : ٩٧٢ أبواب التيمّم ب ٩ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٦٨ ح ٢ ، الوسائل ٢ : ٩٦٧ أبواب التيمّم ب ٥ ح ٤.

(٥) التهذيب ١ : ١٩٠ ح ٥٤٧ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ ح ٥٤٠ ، الوسائل ٢ : ٩٧٣ أبواب التيمّم ب ٩ ح ٥.

٣٥١

وماء طهور» (١).

وما رواه ابن المغيرة في الصحيح ، عن معاوية بن ميسرة ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل في السفر لا يجد الماء ، ثم صلى ، ثم أتى الماء وعليه شي‌ء من الوقت ، أيمضي على صلاته أم يتوضّأ ويعيد الصلاة؟ قال : «يمضي على صلاته ، فإنّ ربّ الماء ربّ التراب» (٢).

ومما يدلّ على : إرادة التراب من الصعيد في الآية : التبعيض المستفاد من كلمة «من» كما صرّح به في صحيحة زرارة الدالّة على اعتبار العلوق (٣) ، وكلّ ما دلّ على لزوم العلوق كما مر. وفي لفظ «تيمّموا» أيضاً إشارة إلى ذلك ، فإنّ تحصيل التراب أحوج إلى القصد إليه من مطلق الأرض ، وكذلك في تنكير الصعيد ، لأنّ التراب تراب في أيّ موضع كان ، بخلاف وجه الأرض ، مع أنّه لا خلاف في عدم لزوم صدق وجه الأرض حين التيمّم.

غاية الأمر تعارض القرائن ، ولا ريب أنّ التراب مراد ، ولكن إثبات غيره يحتاج إلى الدليل.

ويؤيّد ما ذكرناه : كلّ ما ورد في الأخبار في كيفيّة التيمّم المتضمنة للأمر بنفض اليد (٤).

ويؤيّدها جميع الأخبار الواردة في حكاية تمرّغ عمار في التراب (٥) ، فإنّه كان فهم من الصعيد التراب وفعل ما فعل ، وهو من أهل اللسان.

ويؤيّده أيضاً : أنّ مقتضى بدليّة التيمّم عن الغسل والوضوء تقتضي المسح

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩ ح ٥٤٩ ، الوسائل ٢ : ٩٧٣ أبواب التيمّم ب ٩ ح ٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٥ ح ٥٦٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ ح ٥٥٤ ، الوسائل ٢ : ٩٨٤ أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٣ ، وفي الفقيه ١ : ٥٩ ح ٢٢٠ بتفاوت.

(٣) الكافي ٣ : ٣٠ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٥٦ ح ٢١٢ ، التهذيب ١ : ٦١ ح ١٦٨ ، الاستبصار ١ : ٦٢ ح ١٦٨ ، الوسائل ٢ : ٩٨٠ أبواب التيمّم ب ١٣ ح ١.

(٤) انظر الوسائل ٢ : ٣٧٦ أبواب التيمّم ب ١١ ، ١٢.

(٥) انظر الوسائل ٢ : ٣٧٦ أبواب التيمّم ب ١١ ، ١٢.

٣٥٢

بشي‌ء ، سيّما ما ورد في الأخبار الدالّة على استيعاب الوجه واليدين إلى المرفقين وغير ذلك.

وبالجملة من تتبّع الأخبار ولاحظ أحكام التيمّم يحصل الجزم له بأنّ التيمّم على الحجر الصلد الأملس سيّما بعد وقوع المطر عليه وغسله مع وجود التراب أجنبيّ بالنسبة إلى الشريعة المقدّسة.

مع أنّ كون الحجر مصداق اسم الأرض محل تأمل. ودعوى الإجماع من المحقّق على ذلك غير واضحة (١) ، فإنّ ذلك ليس من الأحكام الشرعيّة ، وأهل العرف لا يفهمون الحجر من الأرض. وربّما يقال في العرف لمن جلس على الأرض : قم من الأرض واجلس على الحجر ، سيّما إذا كان الحجر مرتفعاً من الأرض.

وبالجملة المتبادر من الأرض : الأجزاء المتماسكة من التراب ونحوه ما دام متماسكاً ، فقد يقال : أخرج التراب من الأرض ، وهو يفيد المغايرة للتراب أيضاً ، فضلاً عن كون الحجر مصداقها.

وعلى هذا فحكم الأرض الصلدة التي لا تراب عليها إنّما ثبت بالإجماع ، وكذلك الرمل ، كما يظهر من المنتهي ، حيث أسند الخلاف فيهما إلى بعض الجمهور ، ونسب صحّة التيمّم بهما إلى الأصحاب (٢).

وبالجملة ، إن أُريد من الأرض الكرة المطمئنة وما فيها ، فلا ريب أنّه معنى مجازي لها ، ويدخل فيها ما لا ترضى أنت به أيضاً ، وإن أُريد نفس الأرض ، فدخول الحجر ونحوه فيه ممنوع. ألا ترى أنك لا تقدر أن تقول : إنّ الشمس سماء ، أو القمر وغيرهما من الكواكب سماء ، بل يقال : إنّها كواكب في السماء ، فكذلك الحجر مخلوق في الأرض ، وكذلك المعادن ونحوها. مع أنّ إطلاق الأرض على الزرنيخ

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٧٦.

(٢) المنتهي ٣ : ٥٧ ، ٦٠.

٣٥٣

مثلاً أو الكبريت ونحوهما أولى من إطلاقه على الأحجار العظيمة الواقعة على وجه الأرض مع غاية الارتفاع ، ومع ذلك ينكرونه.

وعلى هذا يظهر أنّ ما اعتمدوا عليه من الأخبار الكثيرة الدالّة على مساواة الأرض للماء ، وأنّه يتيمّم على الأرض وغير ذلك ، لا دلالة فيها على جواز التيمّم بالحجر ونحوه.

كما أنّ كلام اللغويين ممن فسّر الصعيد بوجه الأرض أيضاً لا يقتضي كون الحجر أرضاً ، بل لما كان الغالب في وجه الأرض هو التراب ولو قليلاً مما أزعجته الرياح والأهوية ، ففسروه بذلك.

مع أنّا لو سلّمنا إطلاقها أيضاً ، نقول : إنّها مقيدة بما ذكرنا من الأدلّة.

ولو عارضونا بأنّ ذكر التراب في بعض أخباركم أيضاً محمول على الغالب.

قلنا : فحكم الحجر مثلاً غير مستفاد من شي‌ء من أدلّة الطرفين ، مع أنّ استصحاب شغل الذمة يقتضي ما ذكرنا.

ومما يضعّف قولهم : أنّهم أيضاً اختلفوا في التيمّم بالحجر حال الاختيار ، والقول بالتفصيل لا دليل عليه من عقل ولا نقل.

نعم نقل العلامة الإجماع على جواز التيمّم على الحجر إذا تعذر التراب (١) ، فإن تمّ الإجماع فلا بأس ، ولكنه لا يتمّ. مع ما عرفت من منع جماعة منهم التيمّم عليه مطلقاً ، إلّا أن يقول بأنّهم أيضاً مرادهم حال الاختيار.

ثم اختلفوا أيضاً في تقديمه على الغبار ، وكلّ ذلك مما يشوّش المذهب.

وأما الجصّ والنورة قبل الطبخ والإحراق ، فعند الأكثر يجوز عليه التيمّم لصدق اسم الأرض ، خلافاً لابن إدريس (٢) ، حيث جعلهما من المعادن ، والشيخ

__________________

(١) المختلف ١ : ٤٢١.

(٢) السرائر ١ : ١٣٧.

٣٥٤

في النهاية حيث جوّزه عند فقد التراب (١). وهذا أيضاً مما يضعف اعتباره مطلق وجه الأرض.

وأما على ما اخترناه ، فإن صدق عليه اسم التراب كما في أكثر الأماكن في خصوص الجصّ فهو ، وإلّا فلا.

وأما بعد الطبخ والإحراق ، فالأقوى العدم مطلقاً فيهما ، كما هو المشهور أيضاً ، لعدم صدق اسم الأرض أيضاً ، وعن المرتضى (٢) وسلار (٣) الجواز ، واستحسنه المحقّق (٤) ؛ لعدم خروجه باللون والخاصيّة عن اسم الأرض ، ولرواية السكوني. وهما ضعيفان.

وفي الخزف قولان ، والأظهر : العدم على القولين ، لعدم صدق اسم الأرض أيضاً.

ثم إنّ الأكثرين اختلفوا في جواز التيمّم بالحجر الصلد مع وجود التراب على قولين ، ونقل في المختلف الإجماع على جواز التيمّم بالحجر عند فقد التراب (٥).

ويشكل بما نقلوا عن السيّد وأبي الصلاح وغيرهما (٦) من عدم الجواز مطلقاً ، فإن ثبت الإجماع في صورة الاضطرار بأن يحمل منعهم على حالة الاختيار أو لم تعتبر مخالفتهم فهو ، وإلّا فالحقّ المنع مطلقاً كما ذكرناه.

وعلى أيّ حال فالقول بالتفصيل لا وجه له أصلاً ، فإنّ غاية ما ثبت من ذلك الإجماع لو ثبت الجواز حال الاضطرار ، وأما عدمه حال الاختيار فلا

__________________

(١) النهاية : ٤٩.

(٢) نقله عن المصباح للمرتضى في المعتبر ١ : ٣٧٥.

(٣) المراسم : ٥٣.

(٤) المعتبر ١ : ٣٧٥.

(٥) المختلف ١ : ٤٢١.

(٦) نقله عن شرح الرسالة للمرتضى في المعتبر ١ : ٣٧٢ ، وانظر الكافي في الفقه لأبي الصلاح : ١٣٦ ، وكذا المقنعة للشيخ المفيد : ٦٠.

٣٥٥

فما وجه التفصيل؟

الثاني : إذا فقد التراب فليتيمّم بغبار ثوبه ، أو لبد سرجه ، أو عُرف دابّته وأصل الجواز إجماعيّ كما نقله الفاضلان (١) ، والأخبار المعتبرة مصرّحة به (٢). وعن ظاهر المرتضى في الجمل : الجواز به اختياراً (٣) ، وهو ضعيف.

واختلفوا في تقديمه على الحجر على قولين ، أشهرهما العدم ، وهو أيضاً يضعّف قول الأكثر كما ذكرنا. وبذلك يظهر أنّ الإجماع الذي نقله العلامة على جواز التيمّم بالحجر إذا فقد التراب ليس معيّناً في تقديمه على الغبار ، بل إنّما يثبت الجواز في الجملة.

والأحوط الجمع بينهما لو فقد التراب.

والأظهر اعتبار نفضه ثم التيمّم كما يستفاد من رواية أبي بصير (٤) ، وهو الظاهر من جماعة من القدماء (٥) ، وإن كان سائر الأخبار مطلقة.

والظاهر اعتبار الإحساس بالغبار ، فلا يكفي وجوده في أعماق الجسم مع عدم خروجه أصلاً ، كما هو ظاهر الفتوى والروايات.

ولو فرض عدم الغبار أصلاً ، فيسقط التيمّم به.

ويجب أن يكون الغبار من التراب ، فلا يكفي من الرماد ونحوه ، كما هو الظاهر من الأخبار والفتاوى.

__________________

(١) المحقّق في المعتبر ١ : ٣٧٦ ، والعلامة في التذكرة ٢ : ١٨٠.

(٢) انظر الوسائل ٢ : ٩٧٢ أبواب التيمّم ب ٩.

(٣) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٢٦.

(٤) قال : إذا كنت في حال لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به فإنّ الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جافٍ ولا لبد تقدر على أن تنفضه وتتيمّم به. الكافي ٣ : ٦٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٨٩ ح ٥٤٣ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ ح ٥٣٧ ، الوسائل ٢ : ٩٧٣ أبواب التيمّم ب ٩ ح ٧.

(٥) كالمفيد في المقنعة : ٥٩ ، وسلّار في المراسم : ٥٣ ، ونقله عن ابن الجنيد في المختلف ١ : ٤٢١.

٣٥٦

وإن فقد الغبار ووجد الوحل ولم يمكنه التجفيف فيتيمّم به بلا خلاف ، ونقل عليه الإجماع (١). وتدلّ عليه الأخبار الصحيحة وغيرها (٢).

والظاهر من الأخبار : أنّه يضع يديه على الوحل ويفركهما ويتيمّم به ، كما ذكره الشيخان (٣).

وقيل : يضع يديه على الوحل ويتربّص ، فإذا يبس يتيمّم به (٤).

وهو بعيد ، إذ لو أمكنه التجفيف لزمه كما ذكرنا. مع أنّ ذلك مستلزم لتفويت الموالاة غالباً.

ويعتبر في الوحل أن يكون طيناً ، فلا يصحّ بوحل الرماد ونحوه.

والأظهر على ما اخترناه تقديم الوحل على الحجر أيضاً ، والأحوط الجمع بيّنهما أيضاً.

وأما الثلج ، فقد بينا أنّه ليس هناك شي‌ء يدلّ على جواز التيمّم به ، وإن كان لو انحصر الأمر في التيمّم به أحوط.

الثالث : يجب أن يكون التراب طاهراً للإجماع ، كما يظهر من المنتهي (٥) ، ويؤيّده قوله تعالى (صَعِيداً طَيِّباً) ولا يبعد القول بظهوره ، فيكون دليلاً ، وإن لم يكن الطيّب حقيقة في الطاهر.

وربّما يستدلّ بقوله عليه‌السلام : «جعل الله التراب طهوراً».

وفيه أيضاً إشكال ، لمنع استلزام الطهوريّة الطهارة.

__________________

(١) كما في المعتبر ١ : ٣٧٧ ، والتذكرة ٢ : ١٨٠ ، والمنتهي ٣ : ٦٨.

(٢) الوسائل ٢ : ٩٧٢ أبواب التيمّم ب ٩.

(٣) الشيخ المفيد في المقنعة : ٥٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٤٩.

(٤) الوسيلة : ٧١ ، التحرير : ٢٢.

(٥) المنتهي ٣ : ٧٨.

٣٥٧

وبالجملة يكفي ما ذكر مع استصحاب شغل الذمة.

ويجب أن يكون مباحاً ، لحرمة التصرف في مال الغير. وفي بطلان التيمّم إشكال.

ولو حبس في مكان مغصوب ولم يقدر على الماء أو تضرّر المكان باستعماله ، ففي جواز التيمّم بتراب البيت إشكال ، فإن شهد الحال برضا المالك فلا إشكال ، وإلّا فوجهان.

والمشهور كراهة التيمّم بالسبخة والرمل ، ولم نقف فيهما على نص ، ولا بأس بمتابعتهم.

واستحباب أن يكون من عوالي الأرض ، وأن لا يكون من أثر الطريق ، لرواية غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «نهى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتيمّم الرجل بترابٍ من أثر الطريق» (١).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٢ ح ٦ ، التهذيب ١ : ١٨٧ ح ٥٣٨ ، الوسائل ٢ : ٩٦٩ أبواب التيمّم ب ٦ ح ٢.

٣٥٨

المقصد الخامس

في الأحكام واللواحق

وفيه مباحث :

الأوّل : لا يجوز التيمّم قبل الوقت بلا خلاف ظاهر إلّا ما يظهر من الذكرى ، حيث نقل قولاً بوجوب الطهارات أجمع عند حدوث الأحداث بوجوب موسّع (١). وأما في الوجوب الغيري فلا نعرف به قائلاً ، وادّعى عليه الإجماع جماعة ، منهم الفاضلان (٢) والشهيدان (٣) وغيرهم (٤).

وأما بعد دخول الوقت ، فالمشهور وجوب التأخير إلى آخر الوقت. والظاهر أنّ مرادهم مقدار حصول الظنّ بفوات الوقت لو أُخّر عن ذلك الوقت ، وعن الشيخ (٥) والمرتضى (٦) وابن إدريس (٧) دعوى الإجماع عليه.

__________________

(١) الذكرى : ٢٣.

(٢) المحقّق في المعتبر ١ : ٣٨١ ، والعلامة في المنتهي ٣ : ٥٠.

(٣) الشهيد الأوّل في الدروس ١ : ١٣٢ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ١٢١.

(٤) كصاحب المدارك ٢ : ٢٠٨.

(٥) حكاه في المختلف ١ : ٤١٧ ، وانظر الخلاف ١ : ١٤٦ مسألة ٩٤.

(٦) الانتصار : ٣١ ، المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) : ١٨٩.

(٧) السرائر ١ : ١٤٠.

٣٥٩

وذهب الصدوق إلى التوسيع (١) ، وهو المنقول عن ظاهر الجعفي (٢) والعلامة (٣) والشهيد في بعض كتبهما (٤) ، ومال إليه جماعة من متأخّري المتأخّرين (٥).

وعن ابن الجنيد الجواز عند العلم أو الظنّ الغالب بعدم القدرة على الماء إلى آخر الوقت (٦) ، وهو مختار المعتبر (٧) والعلامة في بعض كتبه (٨) ، لكن قيّده بالعلم ، ولم يذكر الظنّ.

والأظهر بالنظر إلى ظواهر الأدلة : هو القول الثاني ، وإن كان الثالث أيضاً لا يخلو عن قوّة ، وهو أحوط.

وغاية الاحتياط العمل على المشهور ، وليس لهم إلّا الإجماعات المنقولة.

وأما الأخبار التي استدلوا بها ، فظاهرها يدلّ على مذهب ابن الجنيد ، لظهورها فيما يُرجى حصول القدرة على الماء مثل حسنة زرارة المتقدّمة : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم ، وليصلّ في آخر الوقت» (٩) وظاهر الأمر بالطلب هو الرجاء. إلّا أنّ الشيخ ذكر في التهذيب موضع فليطلب فليمسك ، وفي سنده قاسم بن عروة (١٠).

__________________

(١) الهداية : ١٨ ، قال : من كان جنباً أو على غير وضوء ووجبت الصلاة ولم يجد الماء فليتيمّم ، ولم يذكر التأخير ، ولكن قال في المقنع : ٨ ، لا تيمّم للرجل حتّى يكون في آخر الوقت.

(٢) نقله عنه في الذكرى : ١٠٦.

(٣) المنتهي ٣ : ٥٣.

(٤) البيان : ٨٦.

(٥) كالمقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٢٢٣ ، وصاحب المدارك ٢ : ٢١٢ ، والسبزواري في الكفاية : ٩.

(٦) نقله عنه في المختلف ١ : ٤١٤.

(٧) المعتبر ١ : ٣٨٤.

(٨) كالمختلف ١ : ٤١٥ ، والتذكرة ٢ : ٢٠١.

(٩) الكافي ٣ : ٦٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٠٣ ح ٥٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٦٥ ح ٥٧٤ ، الوسائل ٢ : ٩٩٣ أبواب التيمّم ب ٢٢ ح ٢.

(١٠) وهو لم يثبت توثيقه أو مدحه وطرق الشيخ إليه ضعيفة. انظر معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٦.

٣٦٠