غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: عباس تبريزيان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-182-7
الصفحات: ٥٨٤

والفاضلان (١) ، وربّما يُتعدّى إلى غير الإناء ولا يخلو عن إشكال ، بل الإشكال ثابت في الأكثر من الإناءين أيضاً لما ذكرنا.

ولو انقلب أحدهما واشتبه الأخر بمتيقّن الطهارة فالأظهر عدم وجوب الاجتناب ، للأصل ، وعدم شمول النصّ ، والإجماع.

وأوجب العلامة الاجتناب هنا أيضاً (٢) ، وكذلك حكم بوجوب اجتناب ملاقي الإناءين ، وجعل حكم المشتبه حكم النجس.

وفيه أيضاً منع واضح ، لاستصحاب الطهارة ، وعدم ثبوت حكم النجس للمشتبه به إلّا فيما ثبت فيه نصّ أو إجماع ، وليس ، فليس.

ثم إنّ الاشتباه بالنجس إما بأن يكون ماء طاهر وماء نجس ، ثم اشتبه أحدهما بالآخر ، أو (٣) يكفي أحدهما ويبقى الأخر ، أو بأن يكون ماءان طاهران وعلم وقوع النجاسة في أحدهما ، ولم يدرِ أيّهما هو.

وأما الشكّ في وقوع النجاسة في الماء ، أو الشكّ في أنّ الواقع نجاسة أم لا ، فليس من هذا القبيل ، لأصالة الطهارة ، وسيجي‌ء الكلام في تعارض البيّنتين في مباحث النجاسات.

وأما الفرق بين ما لو كان الاشتباه حاصلاً من حين العلم بوقوع النجاسة ، وبين ما لو طرأ الاشتباه بعد تعيّن النجس في نفسه ، بجريان الاستصحاب في الثاني ، لثبوت المنع اليقيني فيستصحب ، بخلاف الأوّل ، فهو مما لا وجه له (٤) ، لعدم الفرق في حصول أصل اليقين ، فتقييد النصّ وإطلاق كلام الأصحاب بلا دليل كما ترى.

الثالث : أن يكون مطلقاً على المشهور ، المدّعى عليه الإجماع ، خلافاً

__________________

(١) المحقّق في المعتبر ١ : ١٠٤ ، والعلامة في المنتهي ١ : ١٧٧ ، ونهاية الأحكام ١ : ٢٤٨.

(٢) منتهى المطلب ١ : ١٧٧.

(٣) في «ز» : و.

(٤) هذه إشارة إلى ما ذكره في المدارك ١ : ١٠٨.

١٦١

للصدوق ، حيث جوّزه بماء الورد (١) ، لرواية ضعيفة (٢) (٣). وأما سائر المياه المضافة ، فلا يجوز قولاً واحداً.

والإجماع المنقول وإطلاقات الآية والأخبار سيّما الحاصرة بأنّه هو الماء والصعيد (٤) تدفع قول الصدوق.

ولو اشتبه المطلق بالمضاف مع فقد غيرهما ، تطهّر بكلّ منهما ، لتوقّف براءة الذمّة عليه ، ولا يضرّ عدم الجزم بالنيّة ، سيّما في صورة عدم الإمكان ، لعدم الدليل.

ولا يبعد القول بالجواز مع وجود ماء مطلق يقيني ، وإن كان الأحوط الاجتناب.

ولو انقلب أحدهما فقال في المدارك : إنّ الأصحاب قطعوا بوجوب الوضوء بالباقي والتيمّم ، مقدّماً للأوّل على الثاني (٥). واعترض عليه بأنّ الواجب إن كان هو استعمال ما علم كونه ماء مطلقاً في الوضوء فينحصر الأمر حينئذٍ في التيمّم ، وإن كان هو استعمال ما لم يعلم كونه مضافاً فينحصر في الوضوء.

وفيه : أنّ الواجب استعمال الماء الواقعي ، فإنّ الألفاظ أسامٍ للمعاني النفس الأمريّة ، فيجب الوضوء لاحتمال وجوده ، ويجب التيمّم لاحتمال عدمه ، كما أنّه يجب الاجتناب عن المجهول الحال لاحتمال كونه فاسقاً.

__________________

(١) الهداية : ١٣ ، الفقيه ١ : ٦ ، أمالي الصدوق : ٥١٤.

(٢) روى يونس عن أبي الحسن (ع) في الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضّأ به للصلاة قال : لا بأس بذلك. الكافي ٣ : ٧٣ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٢١٨ ح ٦٢٧ ، الاستبصار ١ : ١٤ ح ٢٧ ، الوسائل ١ : ١٤٨ أبواب الماء المضاف ب ٣ ح ١ ، ووجه الضعف وقوع سهل بن زياد في سندها وأنّها من متفرّدات محمّد بن عيسى عن يونس.

(٣) وفرّق صاحب المفاتيح بين ماء الورد هو الماء الذي وقع فيه الورد وماء الزعفران بجعل الثاني مضافاً دون الأوّل ، وجعل الأوّل مثل ماء السماء تحكّم بحت إلّا أن يكون مراده أنّ ذلك مستحيل من البخار فهو ماء ، وهو ممنوع لصحّة السلب وليس مراده أنّ ماء الورد هو الماء الذي وقع فيه الورد كما قد توجّه به الرواية كما يستفاد من كتابه الوافي (منه رحمه‌الله).

(٤) انظر الوسائل ٢ : ٩٧٠ أبواب التيمُّم ب ٧ ح ٦.

(٥) مدارك الأحكام ١ : ١٠٩.

١٦٢

والحاصل أنّ وجوب الوضوء معلّق على نفس الماء ، ووجوب التيمّم على عدم وجدان الماء ، فإن كان المراد بالتعليق في التيمّم أيضاً هو عدم وجدان الماء في نفس الأمر ، فيتساويان في الاحتمال ، ويجبان معاً ، لإبراء (١) الذمّة.

وكذلك إن استفدنا من مفهوم التعليق في التيمّم على عدم وجدان الماء : التعليق في الوضوء على وجدانه أيضاً ، وإن قلنا حينئذٍ إنّ الظاهر من التعليق على وجدان الماء في الوضوء ، وعلى عدمه في التيمّم ، هو ما لو علم بالوجدان أو ظنّ به ، فإنّهما منتفيان فيما نحن فيه ، فلا علم ولا ظنّ بوجدان الماء ولا بعدمه ، فيتساقطان معاً ، ولما كان من البديهي بقاء التكليف بطهارة ، والأمر منحصر فيهما ، فيجبان معاً لتحصيل البراءة ، وربما يحتمل التخيير ، لأصل البراءة ، كما في بعض نظائره ، والأحوط ، بل الأظهر ما عليه الأصحاب.

الرابع : تجب المباشرة بنفسه في حال الاختيار للإجماع ، نقله جماعة من الأصحاب (٢) ، ولظاهر الأوامر ، ولفحوى قوله تعالى (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (٣) على ما ورد تفسيره في حسنة الوشّاء (٤) وغيرها. وعن ابن الجنيد جواز تولية الغير (٥) ، وهو ضعيف.

وأما في حال الاضطرار فتجوز توليته بمعنى وجوبها إجماعاً ، نقله الفاضلان في المعتبر والمنتهى (٦) ، والأحوط نيّتهما معاً.

__________________

(١) في «ز» : ويجبان مع الإبراء.

(٢) كالسيّد في الانتصار : ٢٩ ، قال : إنّه مما انفردت به الإماميّة ، والعلامة في المنتهي ٢ : ١٣٢.

(٣) الكهف : ١١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٦٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٦٥ ح ١١٠٧ ، الوسائل ١ : ٣٣٥ أبواب الوضوء ب ٤٧ ح ١.

(٥) نقله عنه في المختلف ١ : ٣٠١.

(٦) المعتبر ١ : ١٧٥ ، المنتهي ٢ : ١٣٣.

١٦٣

الخامس : تُشترط فيه النيّة والأصل فيها الوجوب في كلّ ما لم يُعلم الغرض فيه من الأوامر ، أو (١) عُلم أنّ الغرض منه بالذات هو تكميل النفس.

وأما ما علم أنّ المقصود منه مجرّد الوصول إلى الغير كغسل الثياب والأواني والجهاد ونحو ذلك فلا تشترط النيّة فيها ، فتترتب آثار الفعل عليه فيها مع عدمها ، بل إذا وقع مع نيّة الخلاف وعلى وجه المعصية أيضاً (فيخرج عن عهدة التكليف بحصولها كيف اتفق ، وإن حصلت له المعصية) (٢) ، بخلاف غيرها ، فإنّ الامتثال المطلوب فيها لا يحصل إلّا إذا قصد بها الإطاعة ، فإنّ مجرّد موافقة المأمور به بعنوان الاتفاق لا يسمّى في العرف امتثالاً.

وأما الواجبات التوصليّة وإن كان يجري فيها ذلك أيضاً ، سيّما إذا حصل الفعل بدون اختيار المكلّف ، لكن المراد هنا بحصول الامتثال : هو ترتّب الأثر والخروج عن عهدة الفعل ، فلا يُكلّف بالفعل ثانياً.

فحقيقة النيّة : قصد الفعل المأمور به ممتازاً عما سواه لله تعالى.

فإذا كان الداعي على الفعل هو ذلك فقد حصلت النيّة ، ولا حاجة إلى الإخطار بالبال مفصّلاً في أوّل جزء من الأجزاء ، كما فهمه أكثر المتأخرين (٣).

ولذلك فلا يتفاوت الحال بين أوّل الشروع فيه ، وحال التلبّس به ، فإنّ الداعي لا يجب فيه التذكّر ، بل يكفي وجوده في الحافظة ، ولا يرتفع الا بالذهول عن الفعل بالمرّة ، أو بنيّة الخلاف. وذلك هو المراد بالاستدامة الحكميّة ، فإذا كان الداعي له في الشروع هو قصد التقرّب إلى الأمر بالفعل المعيّن ، ولو (٤) كان خطوره

__________________

(١) في «ز» : و.

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» وفي «ز» بعد تلك العبارة زيادة : فيما لو نوى بها المعصية.

(٣) كالوحيد البهبهاني.

(٤) في «م» : فلو.

١٦٤

متقدّماً على زمان أوّل الشروع بكثير ، فيكفي ويستمرّ ويصحّ إلّا إذا حصل الداعي إلى خلافه.

فظهر عدم وجوب المقارنة لأوّل جزئه الذي ذكره الفقهاء أيضاً ، ولا الاستدامة بمعنى تجديد العزم (١) كما ذكر ، لامتناع التذكّر في الجميع سيّما فيما بَعُد زمانه كما ذكروه.

واختلفوا في وجوب قصد الوجه ، معلّلاً به وبدون التعليل ، أو قصدهما معاً ، أو وجه الوجه ، وعدمه. وكذا في خصوص الطهارة في وجوب نيّة الاستباحة ورفع الحدث معاً ، أو أحدهما ، أو الاستباحة فقط ، على أقوال. والأقوى العدم في الجميع.

وكذا في القيود المأخوذة في غير الوضوء ، أو ما عدا التقرّب بالمتعيّن إلّا إذا كان مميّزاً.

فإذا تردّد الأمر بين الواجب والندب كصلاة الفجر ونافلتها ولم يتميّز الفعل إلّا بالقصد فيجب ، بخلاف ما لو تردّد الأمر بين وجوب الفعل وعدمه ، كغسل الجمعة. وإن أمكنه تحصيل العلم به ، فلا يجب ، لتعيّن نفس الفعل ، ولا دليل على وجوب قصد الوجه.

وكذلك إذا تردّد الأمر بين الفائتة والحاضرة ، ولم يتميّز إلّا بقصد أحدهما ، فيجب ، بخلاف ما لو تردّد الأمر بين صيرورة الصلاة قضاءً أو أداءً ، كما لو استيقظ قُبيل (٢) طلوع الشمس وتردّد في الطلوع ، فلا يجب قصد الأداء ، ويكفي التقرّب بالفعل المعيّن ، وهكذا.

واحتجّوا لوجوب نيّة الوجه : بأنّ الفعل لما جاز وقوعه على وجه الوجوب تارة

__________________

(١) في «ح» : النيّة ، بدل العزم.

(٢) في «م» : قبل.

١٦٥

والندب اخرى فاشترط تخصيصه بأحدهما حيث يكون هو المطلوب ليحصل الامتثال ، ولا يحصل ذلك إلّا بالنيّة.

وفيه : أنّه إن أُريد وجوب تعيّنه وتميّزه حيث يشترك معه (١) فعل آخر في الهيئة مع اختلافهما في الوجه كالنافلة والفريضة فهو كذلك كما أشرنا ، مع أنّه يحتمل المنع فيه أيضاً على القول بالتداخل فيما أمكن ذلك ، كغسل الجنابة والجمعة ، وكالوضوء الواجب والمستحبّ.

وإن أُريد أنّ امتثال الأمر الإيجابي لا يحصل إلّا مع قصد الوجوب وإن لم تتعدد الأوامر ، ولم يشتبه المكلّف به بشي‌ء آخر ، كغسل الجمعة المتردّد بين الوجوب والاستحباب ، فإنّ المأمور به فيه متّحد ، وكذلك الأمر في نفس الأمر وإن اختلفت فيه الأوامر ظاهراً ، ففيه : أنّ الأصل عدم الاعتبار ، والامتثال يحصل بإيجاد فرد من ذلك الكلّي المأمور به ، وتصدق في العرف موافقة الأمر بمجرّد فعله امتثالاً ، ولا مدخليّة لقصد الوجوب في تحقّقه في الخارج عرفاً (٢).

وأما وجه الوجه ، فالمراد به : اللُّطف الحاصل بالإيجاب في التكاليف العقليّة ، فإنّ امتثال السمعيّات مقرّب لاتباع العقليّات ، مثل نفس بعثة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وغيرها ، فإنّها أيضاً لطف ، فالغرض (٣) من الإيجاب اللطف ، فاللطف وجه الإيجاب ، أو شكر المنعم على قول بعضهم ، فإنّه وجه الإيجاب وغيره. وأما على مذهب الأشاعرة فلا وجه ، ولا مرجّح.

وصرّح المتكلّمون : بأنّ حسن الفعل واستحقاق فاعله الثواب يتوقّف على فعله للوجه أو لوجهه. فإن كان مرادهم التقرّب والامتثال اللازم لذلك كما هو الظاهر فهو ، وإلّا فلا وجه له.

__________________

(١) في «ز» : مع.

(٢) عرفاً ليست في «م».

(٣) في «م» : في الغرض.

١٦٦

ومما ذكرنا ظهر أنّ القول «باشتراط قصد الوجه والتعليل به معاً منضمّاً إلى نيّة التقرّب كما يظهر من بعض الأصحاب (١)» في غاية البعد.

ولا دليل لاعتبار سائر القيود يعتدّ به ، إلّا ظاهر قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (٢) الآية بناءً على ما تقدّم من أنّ الظاهر منه كون الشرط غرضاً للجزاء ، وأنّ قصد رفع الحدث مستلزم لإباحة الصلاة ، فيتخير بينهما.

أو أنّ استلزام رفع الحدث للاستباحة لا يستلزم كون الوضوء المنوي (٣) فيه رفع الحدث مقصوداً فيه الاستباحة كما هو مدلول الآية ، فيتعين قصد الاستباحة (٤).

أو أنّ كون الوضوء واجباً للصلاة لا يستلزم وجوب قصد ذلك ، فإنّ المراد : أنّ الوضوء واجب للصلاة ، لا أنّ الوضوء الكائن للصلاة واجب ، فيثبت عدم اشتراط شي‌ء منها (٥).

واكتفى بعض من اشترط قصد الاستباحة في الوضوء للصلاة الواجبة باستباحة أيّ مشروط كان وإن لم يكن فعله ممكناً (٦). وهذا وهن في وهن.

وقد استدلّ على الجمع بينهما : بأنّ الحدث مانع ، فيجب رفعه ، وأنّ الاستباحة وجه لذلك الرفع ، فيجبان.

وفيه : أنّ وجوب الأوّل لا يستلزم وجوب قصده ، وكذلك كون الثاني وجهاً للأوّل.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٤٠ ، جامع المقاصد ١ : ٢٠١.

(٢) المائدة : ٦٠.

(٣) في «ز» : منوي.

(٤) لعدم انطباقه على مقتضى دليلهم المقدوح فيه ، ففيه وهنان (منه رحمه‌الله).

(٥) في «م» «ح» : منهما.

(٦) قال في جامع المقاصد ١ : ٢٠٢ بعد نقل قول العلامة في القواعد (أو استباحة فعل مشروط بالطهارة) قال : وتنكيره يشعر بأنّ المراد الاجتزاء بنيّة استباحة أيّ مشروط اتفق ، فلو نوى استباحة الطواف وهو بالعراق مثلاً صحّ كما يحكى عن ولد المصنف ، وصرّح به شيخنا الشهيد في البيان. انظر البيان : ٤٤.

١٦٧

وبأنّ الرفع والاستباحة قد يتفارقان في غسل الحائض بدون الوضوء ، والمتيمّم ، ولا يكفي قصد أحدهما عن الأخر.

ولا يخفى ضعفه ، لمنع لزومه (أصلاً) (١) ، فضلاً عن الاجتماع.

ثمّ إنّ المتداول في ألسنتهم «من اشتراط الاستباحة للصلاة في الوضوء ، واستدلالهم على ذلك بالآية» مبنيّ على الغالب ، أو على العمدة التي هي الوضوء للصلاة ، وإلّا فليس كلّما يشرع له الوضوء صلاة ، ولا مما لا يباح إلّا به ، فإنّه يستحبّ للقراءة ولدخول المساجد ونحوهما أيضاً. ففي الطواف لا بد لهم من اشتراط استباحته ، وكذلك في مسّ كتابة القرآن ونحوهما ، بخلاف ما تقدّم ، فإنّ الوضوء إنّما هو لتحصيل كماله ، فلو نوى ما يكون الوضوء مكمّلاً له فإما أن يقصد استباحته أو كماله أو نفسه.

فأما الأوّل فمقتضى أدلّتهم عدم الصحّة ، كما حكم به الشيخ (٢) وابن إدريس (٣) ، لأنّه مباح بدون ذلك.

وأما لو قصد الكمال ، فالظاهر الصحة ، لاستلزامه قصد رفع الحدث ، لأنّ الكمال لا يحصل إلّا برفع الحدث ، ومع حصوله يجوز الدخول به في المشروطات أيضاً ، وكلام الشيخ وابن إدريس لا ينفيه.

وكذلك لو قصد أصل الفعل ، لانصرافه إلى الوجه الصحيح ، وهو تحصيل الكمال.

وبالجملة يلزم على طريقتهم على مجاراة (٤) ما تقدّم قصد الغاية ، استباحة ،

__________________

(١) ليست في «م».

(٢) المبسوط ١ : ١٩ ، قال : ومتى نوى استباحة فعل من الأفعال التي ليس من شرطه الطهارة لكنّها مستحبّة .. لم يرتفع حدثه لأنّ فعله ليس من شرطه الطهارة.

(٣) السرائر ١ : ٩٨.

(٤) في «م» : محاذات ، وفي «ح» : مجازات.

١٦٨

أو كمالاً ، أو ما ينصرف إليهما ، أو رفع الحدث على القول بالتخيير.

وعلى ما ذكرنا ، فيكفي تميّز الفعل عما سواه ، فإن كان من الوضوءات الرافعة فيدخل به في كلّ مشروط به ، وإن لم يقصد الغاية بالوضوء ، وإن كان قلّ ما يخلو المكلّف عن قصدها. ولعلّه السرّ في التزامهم قصد الاستباحة أو ما يؤول إليه ، وذلك لا يستلزم وجوب قصدها.

ويكفي قصد رفع حدث واحد وإن حصل متعدداً ، وكذا مشروط واحد وإن فعل به متعدداً ، لما سنبيّنه في مسألة التداخل.

وأما لو نفى غيره ففيه إشكال ، لكونه لغواً بحتاً ، وللزوم الجمع بين المتنافيين. والظاهر أنّ ذلك محض اللعب ولا يدخل شي‌ء في القصد ، فيكون قصد العدم كالعدم.

بقي الكلام في معنى قصد التقرب ، ودليله :

قد سبق أنّ العرف يقتضي قصد الامتثال في صدق الإطاعة ، فلا يحصل الامتثال إلّا بقصده.

ونقول ههنا : إنّ الأصحاب اتفقوا على وجوب قصد التقرّب ، كما نقله الشيخ (١) والعلامة (٢) ، بل على اشتراط العبادة به.

نعم نقل عن السيد المخالفة في ذلك ، فيحكم بالصحة وسقوط العقاب مع عدم التقرّب ، وإن لم يحصل له ثواب ، فرقاً بين الإجزاء والقبول (٣). والظاهر أنّ مراده من عدم العقاب : هو على ترك الصلاة ، لا على ترك التقرّب ، فينافي الإجماع على وجوبه.

__________________

(١) نقل الشيخ الإجماع على وجوب أصل النيّة ولم يذكر القربة كما في الخلاف ١ : ٧١ ، والمبسوط ١ : ١٩ ، وانظر مفتاح الكرامة ١ : ٢١٧.

(٢) المنتهي ٢ : ٧ ، ١٤.

(٣) انظر الانتصار : ١٧ ، قال : إنّ الصلاة المقصود بها الرياء غير مقبولة بمعنى سقوط الثواب وإن لم تجب إعادتها.

١٦٩

ويدلّ عليه أيضاً : قوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) (١) الآية وما دلّ على حرمة الرياء وحرمة العمل المراءى فيه ، كقوله تعالى (يُراؤُنَ النّاسَ) (٢) و (لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (٣) وغير ذلك ، والنهي في العبادات مستلزم للفساد.

وذكروا في معنى القصد لله تعالى وجوهاً ، أفضلها : الإتيان بالعبادة لكونه تعالى أهلاً لها ، ثم للحياء منه والمهابة ، ثمّ للشكر له والتعظيم ، ثم لامتثال أمره وموافقة إرادته ، ثم للقرب منه والهرب عن البعد عنه ، ثم لنيل الثواب عنده أو الخلاص من عقابه.

فلم يؤخذ في النظر شي‌ء في الأوّل حتّى أمر الأمر ، بل لأنّ الحُسن بالذات إنّما هو للحَسن بالذات.

وفي الثاني ، وإن لم ينظر فيه إلى أمر الأمر أيضاً ، لكنه اعتبر هناك جاذب إلى الفعل ، وهو الحياء والمهابة ، فكأنّه شي‌ء يضعف الاختيار ، لكنه ليس بشي‌ء تعود فائدته إليه.

وفي الثالث لا يخلو المقام عن النظر إلى الفائدة وإن كانت متقدّمة ، فينزل عن سابقيه.

وفي الرابع ، ملاحظة أمره وموافقة إرادته ، فالداعي الخارج عن نفس المكلّف هناك أقوى من سابقيه ، فينزل عنهما.

وفي الخامس ، ملاحظة الفائدة المتأخرة عن الفعل وإن كانت روحانيّة.

وأما الأخيران فيثوب (٤) فيهما الدواعي من الملائمات الجسمانيّة.

__________________

(١) البيّنة : ٥.

(٢) النساء : ١٤٢.

(٣) الكهف : ١١٠.

(٤) في «ز» : فيثور ، وقد تقرأ فينوب ، وثاب هنا بمعنى رجع ، ويحتمل كونها تصحيف فتكون.

١٧٠

ولا خلاف في كفاية غير الأخيرين ، وفيهما خلاف عن ابن طاوس (١) ، ونسبه الشهيد في القواعد إلى الأصحاب (٢) (٣) ، والحقّ خلافه ، كما هو مذهب جمهور أصحابنا ، المستفاد من الآيات ، كقوله تعالى (يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) (٤) و (افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٥) وغير ذلك.

مضافاً إلى الأخبار الكثيرة ، وناهيك حسنة هارون بن خارجة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «العباد (٦) ثلاثة : قوم عبدوا الله عزوجل خوفاً ؛ فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب ؛ فتلك عبادة الأُجراء ، وقوم عبدوا الله عزوجل حبّا له ؛ فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة» (٧).

وكذلك الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ من بلغه ثواب على عمل ففعله التماس ذلك الثواب أُوتيه وإن لم يكن كما بلغه.

ويجب أن يكون الداعي إلى الفعل هو التقرّب لا غير ، بأن يكون خالصاً لله.

فإن انضمّ إليه شي‌ء آخر ، فإن كان رياءً أو سمعة ، فالمشهور بطلان العبادة خلافاً للسيد (٨) لقوله تعالى (وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٩) فإنّ الظاهر أنّ اللام بمعنى الباء ، وأنّ الدين هو الطاعة لا الملّة ، وأنّ المراد أعمّ من

__________________

(١) نقله عنه في روض الجنان : ٢٧.

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٧٧ ، نضد القواعد الفقهيّة : ١٧١.

(٣) ويظهر من كلام غيره من الأصحاب أيضاً كون ذلك إجماعيّاً ، ويمكن أن يوجّه بأنّ مرادهم من البطلان هو إذا كان المراد محض دفع الضرر عن النفس أو جلب النفع مع قطع النظر عن كونهما صادرين عن الله تعالى وعن كونهما طاعة ، وإلّا فيصير الأمر عسيراً جدّاً (منه رحمه‌الله).

(٤) الأنبياء : ٩٠.

(٥) الحج : ٧٧.

(٦) في «م» : العبادة ، ونسخ المصادر أيضاً مختلفة.

(٧) الكافي ٢ : ٦٨ ح ٥ ، الوسائل ١ : ٤٥ أبواب مقدّمة العبادات ب ٩ ح ١.

(٨) الانتصار : ١٧.

(٩) البيّنة : ٥.

١٧١

الإخلاص عن تشريك الأوثان ونحوها ، والحصر يفيد عدم كون غير الخالص مأموراً به ، فإذ لا أمر فلا امتثال.

ولأنّ الظاهر مما دلّ على حرمة الرياء في العبادات من الآيات والأخبار : هو حرمة العبادة المراءى فيها ، لا مجرّد الرياء ، والنهي في العبادة مستلزم للفساد.

وإن كان فعلاً راجحاً ، فظاهرهم الاتفاق على الجواز ، كضمّ الحِمية إلى الصوم ، والإرشاد إلى الوضوء ، والإعلام إلى التكبير ، أو إجهاره ، ونحو ذلك.

وظنّي أنّ مرادهم هنا : ما حصل الضمّ من جهة المكلّف ، بأن يكون بين الضميمة والعبادة عموم من وجه. وأما ما نصّ عليه كالتسبيح في الصلاة لأجل إعلام الغير (١) أو صلاة الليل لتوسيع الرزق (٢) ، ونحو ذلك مما هو من الكثرة بمكان ، فليس بمحلّ الإشكال ، لترخيص الشارع ، وإن كان من المباحات. ومن هذا الباب استيجار الحجّ ، والصلاة ، وغيرهما (٣).

وأما غير ذلك مما لا رخصة فيه ولا رجحان ، كضمّ التبرّد والتسخّن إلى الوضوء والغسل ونحو ذلك ، ففيه خلاف. للمجوّزين : أصالة البراءة عن التكليف ، ومنع ثبوت الوجوب ، وأن اللازم واجب الحصول وإن لم ينوه.

وللنافي : اشتراط الإخلاص ، وهو منافٍ له ، فيرتفع الأصل ؛ والنقض بالرياء ، فإنّ رؤية الناس أيضاً لازمة وإن لم ينوها.

ويمكن دفع الأوّل بعدم دلالة الآية على أزيد من الإخلاص عن الشرك والرياء ، وكذلك غيرها من الأدلّة ، والثاني بأنّه مخرج بالدليل.

__________________

(١) انظر الوسائل ٤ : ١٢٥٥ أبواب قواطع الصلاة ب ٩.

(٢) انظر الوسائل ٥ : ٢٧١ أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب ٣٩ ح ١١ ، ١٣ ، ١٦ ، ٤١.

(٣) ولعلّ من هذا الباب صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يدخل إلى أهله فيقول : عندكم شي‌ء وإلّا صمتُ ، فإن كان عندهم شي‌ء أتوه به وإلّا صام» فإنّه يدلّ على جواز الصوم لعدم حصول شي‌ء ولا ينافي القربة (منه رحمه‌الله).

١٧٢

نعم يرد المنع على أنّ اللازم واجب الحصول وإن لم ينوه على الإطلاق ، فإنّه لو اختار الماء البارد أو الحار للوضوء ؛ وكان التبرّد والتسخّن جزء الداعي ، وبسببه حصّل المكلّف ما يوجبه ، فليس كذلك.

نعم يمكن ذلك فيما لو انحصر الماء في البارد مثلاً ، وضمّ إلى قصد التقرب التبرّد أيضاً ، وحينئذٍ فلنفرض النقض بالرياء في نظيره ، ويجاب بما ذكرنا.

والحاصل أنّ الأظهر عدم البطلان بهذه الضميمة مطلقاً إذا كان الداعي إلى التقرّب قويّاً بحيث لولاها لفعله جزماً ، والاحتياط مما لا ينبغي تركه.

وأما التلذّذ بالماء البارد في أثناء الوضوء ، فلا يضرّ أصلاً.

بل الظاهر أنّ السرور برؤية أحد إيّاه في حال العبادة أيضاً لا يبطلها إذا لم يكن الداعي إلى الفعل هو ذلك ، كما في رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام : عن الرجل يعمل الشي‌ء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ، قال : «لا بأس ، ما من أحد إلّا ويحبّ (١) أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» (٢).

وأما طُران الرياء في الأثناء ، بأن يصير ضميمةً للداعي ، فالظاهر أنه مبطل أيضاً ، وظاهر المفاتيح يوهم خلافه (٣).

وبالجملة الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصمّاء ، ولكن رحمة الله أيضاً أوسع مما بين الأرض والسماء ، حيث سنّ لنا الملّة السهلة السمحة الحنيفة البيضاء ، وراقب أحوال القاصرين عن نيل ذرى العليا ، من الضعفاء والنساء ، وكلّ ميسّر لما خلق.

فلو قلنا ببطلان العبادة بمجرّد السرور في حال العمل باطلاع الغير و (٤) جزمنا

__________________

(١) في بعض النسخ : ويجب.

(٢) الكافي ٢ : ٢٢٥ ح ١٨ ، الوسائل ١ : ٥٥ أبواب مقدّمة العبادات ب ١٥ ح ١ بتفاوت يسير.

(٣) المفاتيح ١ : ٤٩.

(٤) في «م» : أو.

١٧٣

ببطلانها بالضمائم المباحة أيّاً ما كانت ، لزم العسر الشديد ، والحرج الوكيد ، فعليك بالاجتهاد والورع وتصفية النيّة عن كدر الشوب حسب المقدور ، فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور.

تنبيهان :

الأوّل : لو قصد الخروج والقطع في الأثناء فتبطل النيّة في اللاحق فإن عاد قبل فوات الموالاة ، فقالوا بالصحة لجمعه شرائطها ، وهو ظاهر الإطلاقات والعمومات.

الثاني : قد ذكرنا عدم اشتراط نيّة الوجه (١) وهو في صورة عدم القصد مع التذكر أو النسيان أو الاشتباه واضح ، والإشكال فيما لو بدّلها عمداً ، فقصد الوجوب في الندب ، أو عكس. أو جهلاً بالمسألة ، مع إمكان التعلّم.

ويظهر من بعضهم ، الصحة بناءً على عدم اشتراط نيّة الوجه (٢) (٣).

وفيه إشكال ، بل الأظهر البطلان.

وأما جواز الوضوء الندب حال اشتغال الذمة بالواجب ؛ فظاهر المشهور العدم ، والأظهر الجواز ، للأصل ، والإطلاقات ، والأمر بالشي‌ء لو سُلّم اقتضاؤه النهي عن الضد الخاص فإنّما هو في المضيّق ، وعدم جواز التداخل وسقوط الوجوب بالوضوء الندبي لا يستلزم خروج الواجب عن الوجوب ، فإنّ إطلاق الوجوب يعارضه إطلاق الندب ، فالوجوب ثابت ما لم يتحقّق مسقط له.

__________________

(١) في «م» : نيّة الوجوب.

(٢) في «م» : نيّة الوجوب.

(٣) المعتبر ١ : ١٣٩ ، المدارك ١ : ١٨٨.

١٧٤

المقصد الخامس

في الجبائر

من كان على بعض أعضائه جبيرة ينزعها مع المكنة ، وإلّا مسح عليها ، وكذا العصائب التي يُعصب بها الجرح والكسر ، وهو مذهب علمائنا أجمع ، قاله في المنتهي ، ثم قال : لا فرق في المسح بين الطهارة الكبرى والصغرى ، وهو قول عامة العلماء ، لأنّ الضرر يلحق بنزعها فيهما (١) ، والظاهر من ذلك أنّ وجوب الغسل مع المكنة والاكتفاء بالمسح مع عدمها إجماعيّ.

ويدلّ على الأوّل أيضاً : الأمر المطلق بالغسل. والظاهر أنّه مخيّر بين النزع وإدخال الماء تحته إن أمكن ، لصدق الغسل ، وعدم صراحة حسنة الحلبي الاتية في وجوب النزع معيناً.

ولموثّقة عمار الدالّة على وضع موضع الجبر في الماء حتّى يصل إلى جلده (٢) ، وإن احتمل أن تكون واردة في الغير القادر على النزع ، ولكنه لم يعهد قول بذلك التفصيل (٣).

__________________

(١) منتهى المطلب ٢ : ١٣٠.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٦ ح ١٣٥٤ ، الاستبصار ١ : ٧٨ ح ٢٤٢ ، الوسائل ١ : ٣٢٧ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٧.

(٣) يعني وجوب النزع أوّلاً إن أمكن ، وإلّا فإدخال الماء تحته إن أمكن ، وإلّا فالمسح عليه (منه رحمه‌الله).

١٧٥

وعلى وجوب المسح عليها أيضاً مضافاً إلى الإجماع : حسنة الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه ، أو نحو ذلك من موضع الوضوء ، فيعصبها بالخرقة ويتوضّأ ويمسح عليها إذا توضّأ ، قال : «إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة ، وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم يغسلها» قال : وسألته عن الجرح كيف يصنع به في غسله؟ قال : «يغسل ما حوله» (١).

وحسنة كليب الأسدي ، عنه عليه‌السلام : عن الرجل إذا كان كسيراً ، كيف يصنع بالصلاة؟ قال : «إن كان يتخوّف على نفسه ، فليمسح على جبائره وليصلّ» (٢).

ولا ينافي ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن الكاظم عليه‌السلام : عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به جراحة ، كيف يصنع بالوضوء وعند غسل الجنابة وغسل الجمعة؟ قال : «يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر ، مما ليس عليه الجبائر ، ويدع ما سوى ذلك ، مما لا يستطيع غسله ، ولا ينزع الجبائر ، ولا يعبث بجراحته» (٣) ومرسلة الصدوق : وقد روي في الجبائر ، عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : «يغسل ما حولها» (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ ح ١٠٩٥ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ح ٢٣٩ ، الوسائل ١ : ٣٢٦ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢ ، وعدّها حسنة لوقوع إبراهيم بن هاشم في طريقها ، فإنّه لم يظهر توثيقه.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٣ ح ١١٠٠ ، الوسائل ١ : ٣٢٧ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٨. وعدّها حسنة لوقوع الكلام في راويها وقد ضعّفه البعض ، ووثّقه البعض الآخر برواية صفوان وابن أبي عمير عنه أو لوقوعه في أسناد كامل الزيارات ، والكلّ غير جيّد ولم يذكر فيه إلّا مدحاً في الجملة. انظر معجم رجال الحديث ١٤ : ٩٧٥١ / ١٢٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦٢ ح ١٠٩٤ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ح ٢٣٨ ، ورواها عن أبي الحسن الرضا (ع) في الكافي ٣ : ٣٢ ح ١ ، الوسائل ١ : ٣٢٦ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩ ح ٩٤ ، الوسائل ١ : ٣٢٦ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٤.

١٧٦

لأنّ المراد منها عدم وجوب غسل موضع الجبائر ، ولا ينافي وجوب المسح عليها.

ولا يجب إجراء الماء على الجبيرة ، لعدم الدليل.

وأما استيعاب المسح ، ففيه إشكال : لصدق المسح بالمسمّى كالمسح في الوضوء ، ولنيابته عن الغسل. ويضعف الأوّل : بأنّ ذلك من جهة الباء. نعم لا يشترط الاجتهاد في تتبع الأجزاء (١) ، فلا يضر عدم وصول البلّة إلى الجميع.

وكلّ ما ذكرنا يجري في موضع المسح أيضاً ، إلّا أنّه مشروط بعدم إمكان تحصيل المسمّى بدون ذلك ، ولا يجب الاستيعاب فيه أيضاً.

وفي معنى الجبائر والعصائب الطلاء واللصوق ، لحسنة الوشّاء (٢) ، وحسنة عبد الأعلى مولى آل سام (٣) ، وغيرهما.

وفي اللصوق الذي يتضرر بإزالته مع عدم كون وضعه أوّلاً للعلّة ، وإلحاقه بالجبيرة والعصائب ، إشكال. كالزائد من قدر الاحتياج في الجبائر والعصائب ، فلا تترك الاحتياط ، وهو ضمّ التيمّم.

ثم إنّهم ذكروا أنّ المسح على الجبائر ، إنّما هو إذا كانت طاهرة ، وإلّا فيجب وضع شي‌ء طاهر عليها ثم مسحها. واحتمل الشهيد الاكتفاء بغسل ما حولها حينئذٍ كالجرح المجرّد (٤) ، والأوّل أحوط ، وقيل : بل الأحوط المسح على النجس أوّلاً ، ثم على الطاهر فوقه (٥).

__________________

(١) في «م» ، «ح» : الإجراء.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦٤ ح ١١٠٥ ، وفي عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ٢٢ ح ٤٨ بلفظ آخر ، الوسائل ١ : ٣٢٧ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٩ ، ١٠.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ ح ١٠٩٧ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ح ٢٤٠ ، الوسائل ١ : ٣٢٧ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٥.

(٤) ذكرى الشيعة : ٩٧.

(٥) نقله عن شرح المفاتيح في مفتاح الكرامة ١ : ٢٨١.

١٧٧

والإشكال إنّما هو إذا لم يمكن تطهيره ، وإلّا فيطهّر ، وكان في وجوبه أيضاً إشكال.

والمناص في أمثال ذلك هو الاحتياط.

وأما الجرح المجرّد ، فإذا لم يمكن غسله فيجب غسل ما حوله ، لصحيحة عبد الله بن سنان (١) ، وحسنة الحلبي المتقدّمة (٢).

وفي وجوب المسح عليه إن أمكن قولان ، من جهة الأصل وظاهر النص ، ومن جهة الإتيان بشبيه الغسل عند تعذّره ؛ والأوّل أظهر ، والثاني أحوط.

وأوجب بعض من قال بالثاني وضع شي‌ء عليه ومسحه إن لم يمكن المسح أيضاً (٣) ، تفريعاً على أصله ، وكونه حينئذٍ أحوط إذا لم يكن اللصوق مانعاً عن شي‌ء من الصحيح.

وعلى القول بعدم الوجوب ، فلو وضعه فهل يجب حينئذٍ المسح عملاً بظاهر حسنة الحلبي ، أو لا ، لأنّ المتبادر منها العصائب المحتاج إليها أوّلاً؟ إشكال.

وظاهرهم إلحاق القرح والكسر المجرّدين وغيرهما أيضاً بالجرح المجرّد. وعليك بالاحتياط فيما لا يستفاد من النص.

ثم إنّ جماعة من متأخري المتأخرين قد اشتبه عليهم الأمر في المقام من جهة كلمات الأصحاب ، واختلاف الأخبار ، وأخذوا تناقضاً ، واستشكلوا فيه ، وهو أنّهم ذكروا في مسألة الجبيرة وجوب الوضوء على النهج المذكور ، وذكروا في مبحث التيمّم أنّ من الأسباب الموجبة للتيمّم القروح والجروح وما أشبههما وأطلقوا ؛ وكذلك الأخبار الصحيحة مستفيضة في وجوب التيمّم على من به قرح أو

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٣ ح ١٠٩٦ ، الوسائل ١ : ٣٢٦ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ ح ١٠٩٥ ، الاستبصار ١ : ٧٧ ح ٢٣٩ ، الوسائل ١ : ٣٢٦ أبواب الوضوء ب ٣٩ ح ٢. وقد تقدّمت في ص ١٥٨.

(٣) كالعلامة في نهاية الأحكام ١ : ٦٦.

١٧٨

جرح ، وفي بعضها الكسر أيضاً (١).

وقد جمع بعضهم بين الأخبار بالتخيير ، أو بحمل الموجبة على ما إذا تضرر بغسل ما حول الجرح (٢). وبعضهم بين الأقوال ، بحمل قولهم في التيمّم على من استوعبت الجبيرة عضوه ، أو على من كان عذره مرضاً غير الجرح والقرح والكسر (٣).

وأنت خبير بأنّ أكثر ما ذكر لا يتمّ بالنظر إلى الأخبار ولا كلام الأصحاب ، فإنّ مطلق الأخبار يُحمل على المقيّد ، وكذلك مطلق كلام الأصحاب ، فإنّ مرادهم من إطلاقهم كون الجرح والقرح سبباً للتيمّم هو بيان السبب في الجملة ، لا في جميع الأحوال بقرينة إجماعهم وسائر تصريحاتهم.

وعمدة ما أوقعهم في هذا التوهّم : هو ما ذكره الشيخ في المبسوط والخلاف ، والعلامة في المنتهي والتذكرة ، وغيرهما ، قال في المبسوط : ومن كان في بعض جسده أو بعض أعضاء طهارته ما لا ضرر عليه ، والباقي عليه جراح أو ضرر في إيصال الماء ، جاز له التيمّم ، ولا يجب عليه غسل الأعضاء الصحيحة ، وإن غسلها وتيمّم كان أحوط ، سواء كان الأكثر عليلاً أو صحيحاً ، ذكر ذلك في مبحث التيمّم بعد ما ذكر في مبحث الوضوء أحكام الجبيرة على ما تقدّم من التفصيل (٤) ، وفي معناه سائر العبارات (٥) (٦).

وظنّي أنّ ذلك ليس مخالفة لسابقه ، بل هو ردّ على العامة ، حيث ذهب أبو حنيفة

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٩٦٦ أبواب التيمُّم ب ٥.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٢٣٩.

(٣) جامع المقاصد ١ : ٥١٥.

(٤) المبسوط ١ : ٣٥ ، ٢٣.

(٥) قد تقرأ في النسخ : العبادات.

(٦) انظر الخلاف ١ : ١٥٤ ، ١٥٨ ، والتذكرة ٢ : ١٧٠ ، ٢١٦ ، والمنتهي ٢ : ٣٢ وج ١ : ١٢٨.

١٧٩

ومالك إلى أنّ الأعضاء أو البدن إن كان الأكثر منها صحيحاً يجب غسله وإلّا فيتيمّم (١) (٢) ، والشافعي وأحمد إلى أنّه يجب غسل ما أمكنه ، ويتيمّم للباقي (٣).

ولما كان من المقرر الثابت عند الشيخ وسائر علمائنا وجوب العمل على مقتضى ما تقدّم في الجبائر ، وكان من المفروغ عنه عندهم أنّ العدول إلى التيمّم إنّما هو بعد العجز ، فمرادهم هنا من وجوب التيمّم وعدم غسل العضو الصحيح هو إذا لم يمكن غسل العضو العليل ولو بطريق المسح على الجبيرة.

والذي يشهد بذلك ملاحظة كلماتهم فيما قبل وفيما بعد ، فإنّها (٤) يخصّص بعضها بعضاً.

قال في التذكرة في مبحث الوضوء : إذا كانت الجبائر على جميع أعضاء الغسل وتعذّر غسلها ، مسح على الجميع مستوعباً بالماء ، ومسح رأسه ورجليه ببقيّة البلل ، ولو تضرّر بالمسح تيمّم.

وقال أيضاً : الجبيرة إن استوعبت محلّ الفرض مسح عليه أجمع ، وغسل باقي الأعضاء ، وإلّا مسح على الجبيرة ، وغسل باقي العضو ؛ ولو تعذّر المسح على الجبيرة تيمّم ، ولا يجب غسل باقي الأعضاء (٥).

وقال في بحث التيمّم : الطهارة عندنا لا تتبعّض ، فلو كان بعض بدنه صحيحاً ، وبعضه جريحاً ، تيمّم ، وكفاه عن غسل الصحيح.

ثم قال بعد ذلك : لو تمكّن من المسح بالماء على العضو الجريح ، أو على جبيرة

__________________

(١) في «م» ، «ح» : ولا يتيمّم ، قال في الخلاف ١ : ١٥٤ ، وقال أبو حنيفة : إن كان الأكثر منها صحيحاً غسل الجميع ولا يتيمّم ، وإن كان الأكثر سقيماً تيمّم ولا يغسل.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ١٢٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٥١ ، التفسير الكبير ١١ : ١٦٧.

(٣) المجموع ٢ : ٢٨٧ ٣٢٣ ، التفسير الكبير ١١ : ١٦٦ ، وانظر المغني لابن قدامة الحنبلي ١ : ٢٦١.

(٤) في «ز» : فإنّما.

(٥) التذكرة ١ : ٢٠٧ ، ٢٠٨.

١٨٠