المهذّب البارع - ج ٢

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

كتاب الشركة

٥٤١
٥٤٢

كتاب الشركة

وهي اجتماع حق مالكين فصاعدا في الشي‌ء على سبيل الشياع. ويصح مع امتزاج المالين المتجانسين على وجه لا يمتاز أحدهما عن الآخر. ولا ينعقد بالأبدان والأعمال ، ولو اشتركا كذلك كان لكل واحد اجرة عمله. ولا أصل لشركة الوجوه والمفاوضة. وإذا تساوى المالان في القدر فالربح بينهما سواء ، ولو تفاوتا فالربح كذلك ، وكذا الخسران بالنسبة.

______________________________________________________

كتاب الشركة

مقدمات

(الأولى) الشركة في اللغة الخلط. وفي الشرع اجتماع حق مالكين فصاعدا في الشي‌ء على سبيل الشياع ، فـ «الاجتماع» جنس ، و «مالكين فصاعدا» ، لأنّه لا شركة مع وحدة المالك ، ولأنّ الاجتماع عبارة عن الانضمام وانما يكون بين شيئين فصاعدا ، و «على سبيل الشياع» ليخرج اجتماع حقوق الملّاك في شي‌ء تمتاز حق كل واحد عن صاحبه ، فإنّه لا شركة.

(الثانية) سبب الشركة قد يكون إرثا كما لو ورثا دارا عن أبيهما مثلا وقد يكون عقدا كما لو اشتريا حيوانا مثلا ، وقد يكون اختيارا كما لو مزجا المتجانسين ، وقد

٥٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون اتفاقا كما لو امتزج المتساويان بغير اختيارهما ، وقد يكون حيازة كما لو اغترفا ماء دفعة ، أو اقتلعا شجرة دفعة ، فهذه خمسة أسباب.

(الثالثة) محلّ الشركة قد يكون حقا كالقصاص ، والشفعة ، وحدّ القذف ، وخيار الرد بالعيب ، وخيار الشرط ، وحق الرهن ، وحدّ المرافق في الطرقات ، ومرافق الدار ، والصنعة ، والشرب ، والبئر ، والعين ، وتعيين المجهول في الوصية. وقد يكون مالا ، وقد يكون منفعة ، كما لو اشتريا دارا إشاعة.

(الرابعة) أقسام الشركة أربعة :

(أ) شركة العنان ، وهي شركة الأموال ، مأخوذة من عنان الدابة ، لاستواء الشريكين في ولاية التصرف والفسخ كاستواء طرفي العنان ، وسمّيت بذلك؟ لأنّهما متساويان ويتصرّفان فيها بالسوية ، فهما كالفارسين إذا سيّرا دابتيهما وتساويا في ذلك ، فإنّ عنانيهما في حال السير سواء ، وقال الفراهي : مشتقة من عنّ الشي‌ء إذا عرض ، يقال : عنّت له حاجة ، إذا عرضت ، فسمّيت الشركة بذلك ، لأنّ كل واحد منهما قد عنّ له أن يشارك صاحبه ، أي عرض له ، وقيل : اشقاقها من المعارضة ، يقال : عاينت فلانا ، إذا عارضته بمثل ماله وفعاله ، وكلّ واحد من الشريكين أخرج في معارضة صاحبه بماله وتصرفه مثل ما أخرجه ، فسمّيت بذلك شركة العنان ، واستصلحه الشيخ على الأولين (١).

(ب) شركة الأبدان ، وهي عقد لفظي يدلّ على تراضيهما واتفاقهما على اشتراكهما في كسب الأعمال التي يصدر عنهما على قدر الشرط ، كإنفاق الدلالين والحمالين وأرباب الصنائع على الاشتراك في الحاصل ، فرأس المال هنا الاعمال ،

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ كتاب الشركة ص ٣٤٣ س ٦ قال : فأما الشركة في الأعيان فمن ثلاثة أوجه :

بالميراث ، بالعقد ، بالحيازة ، الى أن قال : وأما الاشتراك في المنافع كالاشتراك في منفعة الوقف و.

فعلى هذا دخلت في شركة الأعيان.

٥٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والربح ما يحصل بها ، فخرج بالأعمال أرش الجناية. فلا يدخل في الشركة ، ولا أصل لها عند الإمامية ، وأجازها أبو علي (١) وقد تقدمها الإجماع وتأخر عنه. فان تميّز عمل كلّ منهما ، فلكلّ كسب عمله ، وان لم يتميز قسّم الحاصل على اجرة المثل ، لا الشرط ، ولو تراضيا وقت القسمة على ذلك ، جاز وكان صلحا.

(ج) شركة المفاوضة ، وهي عقد لفظي يدلّ على اتفاقهما على شركتهما في غنم وغرم يحدث لهما أو عليهما الّا الصداق وبذل الخلع والجناية ، وصيغة هذا العقد : اشتركنا شركة المفاوضة ، أو تفاوضنا ، فيقول أحدهما ذلك ويقبل الآخر ، أو يقولا ذلك معا. واتّفقت الإمامية على بطلانها.

(د) شركة الوجوه ، وقيل في تفسيرها ثلاثة أقوال :

(أ) أن يشترك وجيهان عند الناس ، فيبتاع كل منهما في ذمته إلى أجل على أنّ ما يبتاعه كل واحد منهما بانفراده يكون بينهما ، ثمَّ يبيع كلّ منهما ما اشتراه ويؤدي ثمنه ، فما فضل عنه كان بينهما.

(ب) أن يشترك وجيه لا مال له مع خامل له مال ، فيكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ، والربح بينهما.

(ج) أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعض الربح ، وهو تفسير العلامة في قواعده (٢) واتفقت الإمامية على بطلانها.

(الخامسة) الأصل في الشركة الكتاب والسنة والإجماع.

أمّا الكتاب فقوله تعالى

__________________

(١) المختلف : في الشركة ، ص ٢١ س ٣ قال : وقال ابن الجنيد : ولو اشترك رجلان بغير رأس مال على أن يشتريا ويبيعا بوجوههما جاز ذلك.

(٢) القواعد : كتاب الإجارة ، المقصد الرابع في الشركة ، ص ٢٤٢ س ١٨ قال : وشركة الوجوه ، وهي أن يبيع الوجيه مال الخامل.

٥٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (١) فجعل الغنيمة مشتركة بين الغانمين وبين أهل الخمس ، وجعل الخمس مشتركا بين أهله. وقال تعالى (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (٢) فجعل التركة مشتركة بين الورثة ، وقال تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (٣) فجعل الصدقات مشتركة بين أهلها ، لأنّ اللام للتمليك ، والواو للتشريك وأمّا السنة. فروى جابر بن عبد الله قال : نحرنا بالحديبية سبعين بدنة ، كلّ بدنة عن سبعة (٤) وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : يشترك البقر في الهدي (٥) وروى جابر عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنه قال : من كان له شريك في ربع أو حائط فلا يبيعه حتى يؤذن شريكه ، فإن رضي أخذه وان كره تركه (٦) وروي عن أبي المنهال أنه قال : كان زيد بن أرقم والبراء بن عازب شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وآله فأمرهما : أنّ كل ما كان بنقد فاجيزوه وما كان بنسيئة فردّوه (٧) وروى السائب بن أبي السائب قال : كنت شريكا للنبي صلّى الله عليه وآله في الجاهلية ، فلمّا قدم يوم فتح مكة قال : أتعرفني؟ قلت : نعم ، أنت شريكي ، وأنت خير شريك ، كنت لا توارى (٨) ولا تمارى (٩). فقال

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) النساء : ١١.

(٣) التوبة : ٦٠.

(٤) عوالي اللئالى : ج ٣ ، باب الشركة ، ص ٢٤٤ الحديث ١ لاحظ ما علق عليه.

(٥) عوالي اللئالى : ج ٣ ، باب الشركة ، ص ٢٤٤ ذيل حديث ١ لاحظ ما علق عليه

(٦) سنن الدارمي : ج ٢ باب الشفعة ، بأدنى تفاوت في الألفاظ ، ورواه في التذكرة : ج ٢ ، في الشركة ص ٢١٩ عن بعض العامة.

(٧) المنتقى من أخبار المصطفى : ج ٢ كتاب الشركة والمضاربة ، الحديث ٣٠٢٥ ورواه في التذكرة : ج ٢ ، في الشركة ص ٢١٩.

(٨) الورى معناه ما توارى عنك واستتر (مجمع البحرين).

(٩) المماراة ، المجادلة ، ومنه قوله تعالى «فَلا تُمارِ فِيهِمْ» أي لا تجادل في أمر أصحاب الكهف (مجمع البحرين).

٥٤٦

ولو شرط أحدهما في الربح زيادة ، فالأشبه أنّ الشرط لا يلزم. (١) ومع الامتزاج ليس لأحد الشركاء التصرف إلّا مع الإذن من الباقين. ويقتصر في التصرف على ما تناوله الإذن ، ولو كان الإذن مطلقا صحّ ، ولو شرط الاجتماع لزم. وهي جائزة من الطرفين ، وكذا الاذن في التصرف. وليس لأحد الشركاء الامتناع من القسمة عند المطالبة إلّا أن يتضمّن ضررا. ولا يلزم أحد الشريكين إقامة رأس المال ، ولا ضمان أحد الشركاء ما لم يكن بتعد أو تفريط. ولا تصح مؤجّلة ، وتبطل بالموت ، وتكره مشاركة الذمّي ، وإبضاعه ، وإيداعه.

______________________________________________________

عليه السّلام : يد الله على الشريكين ما لم يتخانا (١) وعنه عليه السّلام قال : يقول الله تعالى : أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فاذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما (٢).

وأمّا الإجماع. فمن سائر الأمّة لا يختلفون في جواز الشركة ، وان اختلفوا في فروعها.

قال طاب ثراه : ولو شرط أحدهما في الربح زيادة ، فالأشبه أنّ الشرط لا يلزم.

أقول : مقتضى عقد الشركة كون الربح والخسران على قدر رؤوس الأموال ، فإذا شرط التساوي مع التفاوت أو بالعكس ، فلا يخلو من شرطت له الزيادة من أن يكون عاملا بانفراده ، أولا ، بل يكونا عاملين ، فهنا قسمان :

__________________

(١) المنتقى من أخبار المصطفى : ج ٢ كتاب الشركة والمضاربة الحديث ٣٠٢٢ ورواه في جامع الأصول : ج ٦ ، الكتاب الثاني من حرف الشين ، في الشركة الحديث ٣٢١٦ نقلا عن أبي داود ، باختلاف في الألفاظ.

(٢) سنن أبي داود : ج ٣ كتاب البيوع ، باب في الشركة ، الحديث ٣٣٨٣ ورواه في التذكرة : ج ٢ في الشركة ص ٢١٩.

٥٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل : أن يكونا عاملين وشرط التفاوت ، فهل يلزم هذا الشرط أم لا؟ قال في الخلاف والمبسوط ، لا (١) (٢) وبه قال ابن إدريس (٣) واختاره المصنف (٤) فببطل الشركة ، وإن تحققت بالمزج ، ويكون معنى بطلانها ، بطلان الشرط وما تضمّنه ، ويحكم بصحة التصرف الواقع منهما بالاذن ، ويكون الربح والوضيعة على نسبة المالكين ، ولكلّ واحد اجرة عمله بعد وضع ما قابل عمله في ماله. وقال المرتضى : يصح الشركة ويلزم الشرط (٥) وهو ظاهر أبي علي (٦) واختاره العلامة (٧). وقال التقي : لو اصطلحوا في الربح على ذلك حلّ تناول الزيادة بالإباحة دون عقد الشركة ويجوز لمبيحها الرجوع بها ما دامت عينها باقية (٨).

احتج الأوّلون بأنّ هذا الشرط خلاف مقتضى عقد الشركة ، فيكون باطلا ، ولصحة الشركة مع تقسيط الربح على رأس المال ، وليس على جواز خلافه دليل.

__________________

(١) الخلاف : كتاب الشركة ، مسألة ٩ قال : لا يجوز ان يتفاضل الشريكان في الربح مع التساوي في المال ، ولا أن يتساويا إلخ.

(٢) المبسوط : ج ٢ ، كتاب الشركة ص ٣٤٩ س ٣ قال : ولا يجوز ان يتفاضل الشريكان في الربح مع التساوي في المال إلخ.

(٣) السرائر : باب الشركة ، ص ٢٥٤ س ٤ قال : وإذا انعقدت الشركة الشرعية اقتضت أن يكون لكل واحد من الشريكين من الربح بمقدار رأس ماله وعليه من الوضيعة بحسب ذلك إلخ.

(٤) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٥) الانتصار : مسائل شتّى ، في الاشتراك ، ص ٢٢٧ قال : مسألة ، وممّا انفردت به الإمامية القول : بأنّ المشتركين مع تساوي ماليهما إذا تراضيا بأن يكون لأحدهما من الربح أكثر ممّا للآخر جاز ذلك إلخ.

(٦) المختلف : في الشركة ، ص ٢١ س ١١ قال بعد نقل قول السيد : وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد ، ثمَّ قال بعد أسطر والحق عندي ما ذهب اليه المرتضى إلخ.

(٧) المختلف : في الشركة ، ص ٢١ س ١١ قال بعد نقل قول السيد : وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد ، ثمَّ قال بعد أسطر والحق عندي ما ذهب اليه المرتضى إلخ.

(٨) الكافي : فصل في الشركة ص ٣٤٣ س ٨ قال : وان اشترط في عقد الشركة تفاضل في الوضيعة صحت الشركة إلخ.

٥٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

احتج الآخرون بوجوه :

(أ) قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) وانما يقع الإيقاع إذا أجريت على ما وقعت عليه.

(ب) قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (٢) والتراضي انما وقع على ما شرطا ، فلا يسوغ غيره ، لخروجه عن حدّ التراضي.

(ج) المؤمنون عند شروطهم (٣).

(د) إنّ في الشركة إرفاقا لكل واحد من المشاركين باعتبار المساعدة بالانضمام ، وقد لا يرغب أحدهما فيها بدون الزيادة ، ومع عدم الجواز تفوت المصلحة الناشئة من المشروعية لغير معنى يوجب الانتفاء.

القسم الثاني : أن يكون من شرطت له الزيادة عاملا ، قال المصنف في الشرائع : صحّ ويكون بالقراض أشبه (٤) وقال التقي : يكون للعامل اجرة عمله من الربح وبحسب ماله (٥) وأولى بالجواز عند العلامة ، لصحة الشرط مع عدم العمل عنده (٦).

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢٣٥ الحديث ٨٠ وص ٢٩٣ الحديث ١٧٣ وج ٢ ص ٢٧٥ الحديث ٧ وج ٣ ص ٢١٧ الحديث ٧٧ :

(٤) الشرائع : كتاب الشركة ، الفصل الأوّل ، قال : أمّا لو كان العامل أحدهما وشرطت الزيادة للعامل صحّ ويكون بالقراض أشبه.

(٥) الكافي : فصل في الشركة ، ص ٣٤٢ س ١٠ قال : فان كان أحد الشريكين عاملا في البضاعة الى أن قال : وكان للعامل اجرة عمله ومن الربح بحسب ماله.

(٦) تقدم مختاره مع عدم العمل ، فاذا كان مع العمل فأولى بالجواز.

٥٤٩
٥٥٠

كتاب المضاربة

٥٥١
٥٥٢

كتاب المضاربة

وهي أن يدفع الإنسان إلى غيره مالا ليعمل فيه بحصة من ربحه.

ولكل منهما الرجوع سواء كان المال ناضّا أو مشتغلا. ولا يلزم فيها اشتراط الأجل. ويقتصر على ما تعين له من التصرف.

ولو أطلق ، تصرف في الاستثمار كيف شاء. ويشترط كون الربح مشتركا.

______________________________________________________

كتاب المضاربة

مقدمة

المضاربة والقراض عبارة عن معنى واحد. وهو أن يدفع الإنسان إلى غيره مالا يتّجر به على أن ما رزقه الله من ربح كان بينهما على ما يشترطانه.

فالمضاربة لغة أهل العراق ، واشتقاقها من الضرب بالمال في الأرض والتقليب له. وقيل : من ضرب كل واحد منهما بسهم في الربح. والمضارب بكسر الراء العامل ، لأنه الذي يضرب فيه ويقلبه ، وليس للمالك منه اشتقاق.

والقراض لغة أهل الحجاز ، وقيل في اشتقاقه وجهان :

(الأوّل) أنّه من القرض ، وهو القطع ، ومنه قيل : قرض الفأر الثوب ، إذا

٥٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قطعة (١). ومعناه أنّ المالك قطع من ماله قطعة وسلّمها الى العامل ، وقطع له قطعة من الربح ، ومنه سمّي القرض ، لأنّ المقرض يقطع من ماله قطعة ويدفعها إلى المقترض.

(الثاني) اشتقاقه من المقارضة ، وهي المساواة والموازنة ، ومنه قيل : يقارض الشاعران ، إذا تساويا في قول كل واحد منهما في صاحبه من مدح أو هجو ، ومثله قول أبي الدرداء : قارض الناس ما قارضوك ، فإن تركتهم لا يتركوك (٢) ، يعنى : ساوهم فيما يقولون فيك.

ومعناه هنا من وجهين :

(أ) أنّ من ربّ المال ، المال ، ومن العامل العمل.

(ب) يساوى كل واحد منهما صاحبه في الاشتراك في الربح.

والمقارض بكسر الراء ، المالك ، وبفتحها العامل.

والأصل فيه النص والإجماع.

أمّا النص. فعموم قوله تعالى (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٣) وقوله (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٤) ولم يفصل.

واستعمل الصحابة ، فروي ذلك عن علي ، وابن مسعود ، وحكيم بن حزام ، وأبي موسى الأشعري (٥) ولا مخالف لهم فيه.

__________________

(١) القراضة : فضالة ما يقرض الفأر من خبز أو ثوب أو غيرهما ـ لسان العرب : ج ٧ ص ٢١٦ لغة القرض.

(٢) والمقارضة تكون في العمل السي‌ء والقول السي‌ء يقصد الإنسان به صاحبه وفي حديث أبي الدرداء : وإن قارضت الناس قارضوك لسان العرب : ج ٧ ص ٢١٧ لغة قرض.

(٣) الجمعة : ١٠.

(٤) المزمل : ٢٠.

(٥) لاحظ التذكرة : ج ٢ كتاب القراض ص ٢٢٩ س ٢١ قال : وهذه المعاملة جائزة بالنص

٥٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما الإجماع. فلم يختلف فيه الأمة ، بل أجمعوا على مشروعيته ، وان اختلفوا في آحاد مسائله.

تنبيهان

الأول : في خواص العقد ، وهي أمور :

(أ) مقتضى هذا العقد أن العامل لا يشتري إلّا بعين المال ، فلا يملك الشراء في الذمة ، ولا يقع للمضاربة وإن قصدها ونقد من مال المضاربة ، وقف على الإجازة.

(ب) عدم الخسران على العامل ، بل يضع تعبه وعمله ، والخسارة على ربّ المال.

(ج) جهالة العوض والعمل غير قادح في هذا العقد.

(د) لو خسر المال ثمَّ ربح ، جبر الفائت من الربح ، فلو تقاسما الربح ثمَّ خسر المال ، ردّ العامل أقلّ الأمرين إن لم يكن حصل فسخ. ولو استمرت المعاملة سنين مطاولة من غير فسخ وكلما حصل ربح اقتسماه ثمَّ خسر المال ، أو تلف رجع على العامل بأقل الأمرين. ولو حصل الفسخ ثمَّ تقارضا ثمَّ خسر المال ، لم يجبر بالربح السالف ، لأنها معاملة مستأنفة وعقد جديد.

الثاني : هذا العقد مركّب من عقود ، فهو في الابتداء أمين ، ومع التصرف وكيل ، ومع ظهور الربح شريك ، ومع فساد العقد أجير ، ومع التعدّي غاصب ، وإذا مات المالك انفسخت ، فان كان الوارث عالما كانت كالوديعة لا يجب دفعها الّا مع التلف ، وان لم يكن عالما كانت أمانة مطلقة. يجب ردّها على الفور وإعلام المالك

__________________

والإجماع ، لما روى العامة ان الصحابة أجمعوا عليها إلخ ، ولا حظ السنن الكبرى للبيهقي ج ٦ كتاب القراض : ص ١١٠ و ١١١.

٥٥٥

ويثبت للعامل ما شرط له من الربح ما لم يستغرقه ، وقيل : للعامل اجرة المثل. (١) وينفق العامل في السفر من الأصل كمال النفقة ما لم يشترطه. ولا يشترى العامل إلّا بعين المال ، ولو اشترى في الذمة وقع الشراء له والربح له. ولو أمر بالسفر إلى جهة فقصد غيرها ضمن. ولو

______________________________________________________

بها ، فيضمن مع عدمه وإن كان بها عروض ، فان كان قد ظهر منها ربح قبل الموت فهو شريك بقدر حصته المشروطة ، وإن لم يكن ظهر ربح وأذن له الوارث في بيعها استحقت اجرة البيع إن لم يتبرع به ، سواء باعها بربح ظهر بعد موته ، أو لحصول راغب ، أو خسرة. ولو أقرّه الوارث على المضاربة لم يصح ، أمّا لو كان المال ناضّا فأقرّه فالأقوى انعقادها بلفظ التقرير ، لأنها عقد جائز فلا يتوقف على لفظ معيّن ، بل يكفي حصول المعنى.

تتمة

ويدخل تحت المضاربة البضاعة ، وهي أن يدفع الإنسان إلى غيره مالا أمانة يتّجر له به ، وليس له في فائدته حصة. فعلى هذا إن تبرّع العامل لم يكن له اجرة ، والّا كان له المطالبة بأجرة المثل. ولا يشترى إلّا بالعين ، ويشترى الصحيح والمعيب ، ويردّ بالعيب ، وليس له في السفر نفقة.

ويدلّ على مشروعيتها آيات ، كقوله تعالى (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ) (١) (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) (٢) (وَلَمّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) (٣). وعدم المانع منها مع ما فيها من المصالح المقصودة.

قال طاب ثراه : ويثبت للعامل ما شرط من الربح ما لم يستغرقه ، وقيل : للعامل اجرة المثل.

أقول : هنا مسألتان :

__________________

(١) يوسف : ٦٢.

(٢) يوسف : ٨٨.

(٣) يوسف : ٦٥.

٥٥٦

ربح كان الربح بينهما بمقتضى الشرط. وكذا لو أمره بابتياع شي‌ء فعدل الى غيره. وموت كل واحد منهما يبطل المضاربة.

______________________________________________________

الأولى : المشهور أنّ للعامل ما شرط له من الربح نصفا أو ثلثا أو ربعا أو غير ذلك ممّا وقع عليه ، التراضي ، لأنها معاملة صحيحة شرعية ، فيترتب عليها آثارها ، وآثارها ما اقتضته ، ويترتب عليها من الشروط السائغة ، وهو اختيار الشيخ في كتابي الخلاف (١) والاستبصار (٢) وابن حمزة (٣) وابي علي (٤) وابن إدريس (٥) واختاره المصنف (٦) والعلامة (٧) ، للآية والخبر ، ولرواية إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه السّلام قال : سألته عن مال المضاربة؟ قال : الربح بينهما والوضيعة على المال (٨) وقال في النهاية : للعامل اجرة المثل (٩) وبه قال المفيد (١٠) والقاضي (١١)

__________________

(١) المختلف : في القراض ص ٢٣ س ٤ قال : المضارب يستحق ما شرط من نصف الربح أو ثلثه أو غير ذلك ، اختاره الشيخ في الخلاف والمبسوط والاستبصار ، وفي الاستبصار : ج ٣ ص ١٢٦ (٨٤) باب أنّ المضارب يكون له الربح بحسب ما يشترط وليس عليه من الخسران شي‌ء ، فلا حظ.

(٢) المختلف : في القراض ص ٢٣ س ٤ قال : المضارب يستحق ما شرط من نصف الربح أو ثلثه أو غير ذلك ، اختاره الشيخ في الخلاف والمبسوط والاستبصار ، وفي الاستبصار : ج ٣ ص ١٢٦ (٨٤) باب أنّ المضارب يكون له الربح بحسب ما يشترط وليس عليه من الخسران شي‌ء ، فلا حظ.

(٣) الوسيلة : في بيان حكم القراض ص ٢٦٣ س ١١ قال : القراض ، وهو ان يدفع إنسان إلى غيره مالا ليتّجر به على أنّ ما رزقه الله تعالى عليه من الفائدة يكون بينهما على مقدار معلوم الى أن قال : وان عيّن مقدار ماله من الثلث أو الربع إلخ.

(٤) المختلف : في القراض ، ص ٢٣ س ٥ قال : والأول اختيار ابن الجنيد ، أي يستحق ما شرط ، وهو مختاره الى أن قال : لنا قوله تعالى. إلخ.

(٥) السرائر : باب المضاربة ص ٢٥٦ س ٥ قال : على أنّ ما رزقه الله من ربح كان بينهما على ما يشترطانه.

(٦) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٧) المختلف : في القراض ، ص ٢٣ س ٥ قال : والأول اختيار ابن الجنيد ، أي يستحق ما شرط ، وهو مختاره الى أن قال : لنا قوله تعالى. إلخ.

(٨) التهذيب : ج ٧ (١٨) باب الشركة والمضاربة ، ص ١٨٨ الحديث ١٥.

(٩) النهاية : باب الشركة والمضاربة ص ٤٢٨ س ٣ قال : وإن لم يجعله دينا عليه وأعطاه المال ليضارب له به كان للمضارب اجرة المثل إلخ.

(١٠) المقنعة : باب الشركة والمضاربة ص ٩٧ س ٣٤ قال : وللمضارب أجر عمله والربح كله لصاحب المال.

(١١) المختلف : في القراض ص ٢٣ س ٦ قال : والثاني «أي استحقاق اجرة العمل» ، اختيار المفيد

٥٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو ظاهر التقي (١) وسلار (٢).

احتجوا بأنّ النماء تابع للأصل ، فيكون للمالك ، ولأنّها معاملة فاسدة لجهالة العوض ، فيبطل ، فيكون الربح للمالك ، وعليه اجرة المثل للعامل ، لأنه لم يسلم له شرطه.

والجواب : بمنع فساد هذه المعاملة ، وقد بيّنا صحتها ، والجهالة لا تضرّ بجهالة العمل.

الثانية : على القول بلزوم الشرط ، إنّما يلزم المشروط إذا لم يكن مستغرقا ، وإن استغرق مجموع الربح ، فلا يخلو إمّا أن يكون الشرط للعامل أو للمالك ، فهنا قسمان :

(أ) أن يكون للعامل ، وهو مراد المصنف هنا ، ولم يذكر حكمه ، كأن يقول : قارضتك أو ضاربتك على هذه الألف ولك كلّ ربحها ، فيه قولان :

أحدهما : البطلان للإخلال بشرط القراض ، فيكون فاسدا والربح للمالك وللعامل الأجرة ، لفوات الشرط.

وثانيهما : الصحة ويكون قرضا نظرا إلى المعنى ، وتردّد المصنف (٣).

(ب) أن يكون للمالك ، كان يقول : خذه قراضا والربح لي ، قال في المبسوط والخلاف : كان قراضا فاسدا ولا يكون بضاعة (٤) (٥) لأن لفظة القراض تقتضي

__________________

وسلار وابن البراج إلخ. وفي المهذب : ج ١ كتاب المضاربة ص ٤٦٠ س ٢ قال : وهو أن يدفع إنسان إلى غيره مالا الى أن قال : كان ما بينهما على ما يشترطانه.

(١) الكافي : في ضروب الإجارة ص ٣٤٧ س ١٠ قال : والمضاربة خارجة عن باب الإجارة وإمضاء شرطها أفضل.

(٢) المراسم : ذكر الشركة والمضاربة ص ١٨٢ س ٧ قال : والمضاربة الى أن قال : فله اجرة مثله.

(٣) الشرائع : كتاب المضاربة ، الثالث في الربح قال : فلو قال خذه قراضا والربح لي فسد الى أن قال : وفيه تردّد وكذا التردّد لو قال والربح لك.

(٤) المبسوط : ج ٢ ، كتاب القراض ص ١٨٤ س ٢١ قال : فإن قال : على أنّ الربح كلّه لي ، فهو قراض فاسد أيضا إلخ.

(٥) الخلاف : كتاب القراض ، مسألة ١٢ قال : إذا قال خذ هذا المال قراضا على أن يكون الربح

٥٥٨

ويشترط في مال المضاربة أن يكون عينا ، دنانير أو دراهم ، ولا تصلح بالعروض. ولو قوّم عروضا وشرط للعامل حصة من ربحه كان الربح للمالك ، وللعامل الأجرة. ولا يكفي مشاهدة رأس مال المضاربة ما لم يكن معلوم القدر ، وفيه قول بالجواز.

______________________________________________________

الشركة في الربح ، فاذا شرط الربح لنفسه كان فاسدا ، كما لو شرط للعامل ، وقال العلامة : يصح العقد ولا اجرة للعامل لأنّه دخل على ذلك فيكون متبرعا بالعمل ، فلا اجرة له (١).

قال طاب ثراه : ولا يكفي مشاهدة رأس مال المضاربة ما لم يكن معلوم القدر ، وفيه قول بالجواز.

أقول : اشتراط العلم في رأس مال المضاربة شرط في صحة العقد ، حذرا من الجهالة المفضية إلى التنازع والغرر المنهي عنه في العقود ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف (٢) ، لأنّ القراض عقد يحتاج إلى دليل شرعي ، وليس في الشرع ما يدل على صحة هذا القراض ، فوجب بطلانه ، واختاره المصنف (٣) والعلامة (٤) وقوّى في المبسوط الصحة (٥).

__________________

كله لي كان فاسدا.

(١) المختلف : في القراض ص ٢٥ س ١٠ قال : والوجه عندي أنه لا اجرة للعامل الى أن قال : فكان متبرّعا إلخ.

(٢) الخلاف : كتاب القراض ، مسألة ١٧ قال : لا يصح القراض إذا كان رأس المال جزافا إلخ.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف : في القراض ، ص ٢٥ س ٢٩ قال : وما قوّاه الشيخ هو الأجود.

(٥) المبسوط : ج ٣ كتاب القراض ص ١٩٩ س ٤ قال : وقال قوم يصح القراض بمال مجهول الى أن قال : وهذا هو الأقوى عندي.

٥٥٩

ولو اختلفا في قدر رأس المال ، فالقول قول العامل مع يمينه. ويملك العامل نصيبه من الربح بظهوره وان لم ينضّ. ولا خسران على العامل الّا عن تعدّ أو تفريط. وقوله مقبول في التلف. ولا يقبل في الردّ إلّا ببيّنة على الأشبه. (١) ولو اشترى العامل أباه فطهر فيه ربح عتق نصيب العامل من الربح ، وسعى العبد في باقي ثمنه.

ومتى فسخ المالك المضاربة صحّ وكان للعامل أجرته إلى ذلك الوقت. ولو ضمّن صاحب المال العامل صار الربح له. (٢) ولا يطأ المضارب

______________________________________________________

ويكون القول قول العامل في قدر رأس المال واختاره العلامة في المختلف (١) لأصالة الصحة ، ولعموم الخبر القاضي بلزوم الشرط.

قال طاب ثراه : وقوله مقبول في التلف ، ولا يقبل في الردّ إلّا ببيّنة على الأشبه.

أقول : مختار المصنف هو الأصل ، لقوله عليه السّلام : على اليد ما أخذت حتى تؤدّي (٢) ولأن الأصل عدم الردّ ، فيكون البينة على مدعيه ، عملا بالخبر (٣) وقال الشيخ في المبسوط : إذا ادّعى العامل ردّ المال فهل يقبل قوله؟ فيه قولان :

أحدهما : وهو الصحيح ، انه يقبل (٤) ولعل وجهه كونه أمينا ، فيقبل قوله كالمستودع.

قال طاب ثراه : ولو ضمن صاحب المال العامل صار الربح له.

__________________

(١) المختلف : في القراض ص ٢٥ س ٢٨ قال : ويكون القول قول العامل في قدره إلى أن قال : وما قوّاه الشيخ هو الأجود.

(٢) عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢٢٤ الحديث ١٠٦ وص ٣٨٩ الحديث ٢٢ وج ٢ ص ٣٤٥ الحديث ١٠ وج ٣ ص ٢٤٦ الحديث ٢ وص ٢٥١ الحديث ٣ ولا حظ ما علق عليه.

(٣) عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢٤٤ الحديث ١٧٢ وص ٤٥٣ الحديث ١٨٨ وج ٢ ص ٢٥٨ الحديث ١٠ وص ٣٤٥ الحديث ١١ وج ٣ ص ٥٢٣ الحديث ٢٢ ولاحظ ما علق عليه.

(٤) المبسوط : ج ٣ كتاب القراض ص ١٧٤ س ٢٣ قال : وان ادّعى ردّه الى مالكه إلخ.

٥٦٠