المهذّب البارع - ج ٢

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

الغاصب (١) وعبارة المصنف في النافع يعطي العموم (٢).

والاولى اشتراط التوبة في الغاصب على القول بدخوله.

(ط) هل هذا الأمر للمستودع على سبيل الوجوب أو لا؟ الأقرب الأوّل ، لأنّه الأصل في إطلاق الأمر ، أو من باب الحسبة ، فلو لم يفعل وسلّم إلى الورثة فلم يحجوا عنه ضمن.

(ي) لو غلب على ظنه انهم يخرجون ، فسلّم إليهم فلم يخرجوا لم يضمن ، لأنه مخاطب بما في ظنّه.

(يا) لو عرف إخراج بعضهم وعدم الرضا من الباقين ، وجب اعلام المخرج واستيذانه ، لأنه أحق بالولاية ، إلّا مع خوف الضرر ، أو خوف أدائه إلى علم الباقين وحصول مفسدة فيه منه.

(يب) لو أخرج حيث سوّغنا له الإخراج ثمَّ اخرج الورثة عنه ، فإن أمكنه إعلامهم وأمكن استدراك ذلك إما بأن يكون الجميع في عام واحد ولم تخرج الرفقة فيفسخ عقده خاصة ويردّ المال على الورثة ، لأن ولايته مشروطة بامتناع الوارث من الإخراج ، أو يكون في عامين وعام الورثة متأخّر عن عامه ، فلا يخرجون شيئا ويسترجعون المال من أجيرهم إن أقام الودعيّ بيّنة على الاستيجار عن الميت ، وان لم يقم بيّنة هل يكون قوله مقبولا في حق الأجير الثاني ليتسلّط على فسخ عقده؟ يحتمله قويّا ، لأنّه أمين ، ويحتمل ضعيفا عدمه ، لأنّ الأصل صحة العقد وعدم نفوذ الإقرار في حق الغير ، فحينئذ يحتمل ضمان الودعي قويّا ، كما لو اشتركوا ، وعدمه للإذن شرعا.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانه.

(٢) لاحظ عبارة النافع في صدر الصفحة.

١٤١

الخامسة : من مات وعليه حجة الإسلام واخرى منذورة ، أخرجت حجة الإسلام من الأصل ، والمنذورة من الثلث ، وفيه وجه آخر.

______________________________________________________

(يج) لو علم سبق واحدة في الجملة أقرع.

(يد) هذا الإخراج واجب على الفور ، فيأثم بالتأخير ويضمن.

قال طاب ثراه : من مات وعليه حجة الإسلام واخرى منذورة ، أخرجت حجة الإسلام من الأصل ، وما نذره من الثلث ، وفيه وجه آخر.

أقول : الوجه الآخر : إخراج المنذورة من صلب المال وقسمته عليهما مع القصور كالدين وهو مذهب ابن إدريس (١) واختاره المصنف في الشرائع (٢) واليه ذهب العلامة (٣) وفخر المحققين (٤) والشهيد (٥).

والأول مختار الشيخ في المبسوط (٦) والنهاية (٧) والتهذيب (٨) وهو مذهب

__________________

(١) المختلف : كتاب الحجّ الفصل الخامس في مسائل متبدّدة من هذا الباب ص ١٥١ س ٣٥ قال : مسألة من نذر الحجّ ومات وعليه حجة الإسلام أخرجتا من صلب المال ، وهو اختيار ابن إدريس ، الى أن قال : والمنذورة من الثلث وهو اختيار ابن الجنيد ثمَّ قال : لنا انهما واجبان فيجب إخراجهما من صلب المال كالديون.

(٢) الشرائع : القول في شرائط ما يجب بالنذر قال : الأولى إذا نذر الحجّ مطلقا الى أن قال : ثمَّ مات قضي عنه من أصل تركته إلخ.

(٣) تقدم نقله عن المختلف.

(٤) القواعد : المطلب الخامس في شرائط النذر قال : نعم لو تمكن بعد وجوبه ومات لم يأثم ويقضى من صلب التركة ولو كان عليه حجة الإسلام قسمت التركة بينهما إلخ وارتضاه فخر المحققين ولم يعلق عليه شيئا.

(٥) الدروس : كتاب الحجّ ، درس ، قد يجب الحجّ والعمرة بالنذر ص ٨٧ س ٤ قال : ومن مات وعليه حجة الإسلام والنذر أخرجتا من صلب ماله إلخ.

(٦) المبسوط : كتاب الحجّ : ج ١ ص ٣٠٦ س ٣ قال : ومن نذر أن يحج الى أن قال : أخرجت حجة الإسلام من صلب المال وما نذر فيه من ثلثه إلخ.

(٧) النهاية : كتاب الحجّ ، باب آخر من فقه الحجّ ص ٢٨٣ س ١٨ قال : ومن نذر أن يحج الى أن قال : أخرجت عنه حجة الإسلام من صلب المال وما نذر فيه من ثلثه إلخ.

(٨) التهذيب : ج ٥ (٢٦) باب من الزيادات في فقه الحجّ ص ٤٠٦ قال : بعد نقل حديث ٥٨

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الصدوق (١) وأبي علي (٢).

وظاهر المصنف في النافع (٣) والمعتبر (٤) التوقف.

احتج الأوّلون بأن كل واحدة منهما لازمة للذمة ، وهو حق ماليّ ، فيتساويان كالدين ، إذ لا مزية ، نعم لو قصر نصيب كل واحدة بحيث لا يرغب فيه اجير ، اقتصر على حجة الإسلام.

احتج الآخرون بما رواه ضريس بن أعين قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل عليه حجة الإسلام ونذر في شكر ليحجّنّ رجلا فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام وقبل أن يفي لله بندرة ، فقال : ان ترك مالا حجّ عنه حجة الإسلام من جميع ماله ، ويخرج من ثلثه ما يحج به عنه النذر ، وان لم يكن ترك مالا الّا بقدر حجة الإسلام ، حجّ عنه حجة الإسلام ممّا ترك ، وحجّ عنه وليّه النذر فإنما هو دين عليه (٥).

وحملها العلامة على وقوع النذر في مرض الموت (٦) وحمل الشيخ حج الولي على الاستحباب (٧).

__________________

ما لفظه : ومن نذر أن يحج لله تعالى وقد وجب عليه حجة الإسلام ثمَّ مات ، يحج عنه حجة الإسلام من أصل ماله ويحج عنه ما نذر من ثلثه.

(١) الفقيه : ج ٢ ص ٢٦٣ (١٥٠) باب من يموت وعليه حجة الإسلام وحجة في نذر عليه ، الحديث ١.

(٢) تقدم نقله عن المختلف.

(٣) لاحظ ما نقلناه من عبارة النافع ، فقوله (وفيه وجه أخر) مشعر بالتوقف.

(٤) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٣٤ س ٢١ قال (ه) من مات وعليه حجة الإسلام واخرى منذورة إلخ. فاكتفى بنقل الأقوال من دون ترجيح قول منها.

(٥) التهذيب : ج ٥ (٢٦) باب من الزيادات في فقه الحجّ ص ٤٠٦ الحديث ٥٩.

(٦) المختلف : كتاب الحجّ ، الفصل الخامس في مسائل متبدّدة ص ١٥١ س ٣٩ قال بعد نقل استدلال الشيخ برواية ضريس : والجواب انه محمول على من نذر في مرض الموت.

(٧) التهذيب : ج ٥ (٢٦) باب من الزيادات في فقه الحجّ ص ٤٠٦ قال بعد نقل رواية ضريس : قوله عليه السّلام : (فليحج عنه وليّه ما نذر) على جهة التطوّع والاستحباب دون الفرض والإيجاب.

١٤٣

المقدّمة الثالثة

في أنواع الحج ، وهي ثلاثة ، تمتع ، وقران ، وافراد.

فالمتمتع هو الذي يقدّم عمرته أمام حجّه ناويا بها التمتع ، ثمَّ ينشئ إحراما آخر بالحج من مكّة.

وهذا فرض من ليس حاضري مكّة.

وحدّه : من بعد عنها ثمانية وأربعون ميلا من كلّ جانب ، وقيل : اثنى عشر ميلا فصاعدا من كل جانب.

ولا يجوز لهؤلاء العدول عن التمتع الى الافراد والقران الّا مع الضرورة.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وحدّه من بعد عنها بثمانية وأربعين ميلا من كلّ جانب ، وقيل : اثنى عشر ميلا فصاعدا من كل جانب.

أقول : مختار المصنف هو مذهب الشيخين في المقنعة (١) والنهاية (٢) والتهذيب (٣) والصدوق (٤) واختاره العلامة في المختلف (٥) والتذكرة (٦) وجزم به الشهيد (٧).

__________________

(١) لم أعثر عليه في المقنعة وما نقله العلامة عنه في المختلف.

(٢) النهاية : كتاب الحج باب أنواع الحج ص ٢٠٦ قال : فاما التمتع الى أن قال : أو يكون بينه وبينها ثمانية وأربعون ميلا.

(٣) التهذيب : ج ٥ (٤) باب ضروب الحج ص ٣٢ قال بعد نقل حديث ٢٤ : والذين لا يجب عليهم المتعة الى ان قال : أو يكون بينه وبين مكة ثمانية وأربعون ميلا.

(٤) الفقيه : ج ٢ (١١٠) باب وجوه الحاج ص ٢٠٣ قال : وحدّ حاضري المسجد الحرام أهل مكة وحواليها على ثمانية وأربعين ميلا.

(٥) المختلف : كتاب الحج ص ٩٠ س ٦ قال : والأقرب الأوّل ، أي قول الشيخ في النهاية.

(٦) التذكرة : ج ١ ص ٣١٨ س ٣٦ قال : مسألة اختلف علماؤنا في حدّ حاضري المسجد الحرام إلخ.

(٧) الدروس : درس أقسام الحج ثلاثة الى أن قال في ص ٩١ س ٢١ ثمَّ التمتع عزيمة في النائي عن

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وبه تشهد الروايات (١).

وما حكاه من تحديده باثني عشر ميلا ، هو مذهب الشيخ في الجمل (٢) والمبسوط (٣) والاقتصاد (٤) واختاره التقي (٥) وابن إدريس (٦) وهو مذهب العلامة في القواعد (٧) والإرشاد (٨).

قال الشهيد : ولا نعلم مستنده (٩).

__________________

مكّة بثمانية وأربعين ميلا.

(١) لاحظ التهذيب : ج ٥ (٤) باب ضروب الحج ص ٣٢ الحديث ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ و ٢٨.

(٢) الجمل والعقود : فصل في ذكر أقسام الحج ص ٦٩ س ٩ قال : وحدّه من كان بينه وبين مسجد الحرام اثنى عشر ميلا من أربع جوانب البيت.

(٣) المبسوط : ج ١ فصل في ذكر أنواع الحج ص ٣٠٦ س ١٤ قال : وهو من كان بينه وبين المسجد أكثر من اثنى عشر ميلا من أربع جهاته.

(٤) الاقتصاد : فصل في ذكر أقسام الحج ص ٢٩٨ س ١٤ قال : وهو من كان بينه وبين المسجد من كل جانب اثنى عشر ميلا.

(٥) الكافي : الحج ، الفصل الثاني ص ١٩١ قال : فاما القران والافراد ففرض أهل مكّة وحاضريها ومن كانت داره اثنى عشر ميلا من أيّ جهاتها.

(٦) السرائر : باب في أقسام الحج ص ١٢١ س ٢٨ قال : وحدّه من كان بينه وبين المسجد الحرام الى أن قال : من كل جانب اثنا عشر ميلا.

(٧) القواعد : المطلب الثاني في أنواع الحج ص ٧٢ قال : امّا التمتع فهو فرض من نأى عن مكة باثني عشر ميلا من كل جانب.

(٨) الإرشاد : كتاب الحج ، الأول في أنواعه قال : والتمتع فرض من نأى عن مكة باثني عشر ميلا من كل جانب (مخطوط).

(٩) الدروس : كتاب الحج ص ٩١ س ٢٢ قال : وقال في المبسوط والحلبي وابن إدريس اثنى عشر ميلا ولا نعلم مستنده.

١٤٥

وشروطه أربعة : النية ووقوعه في أشهر الحج ، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة.

وقيل : وعشر من ذي الحجة ، وقيل : تسع ، وحاصل الخلاف إنشاء الحج في الزمان الذي يعلم ادراك المناسك فيه ، وما زاد يصح أن يقع فيه بعض أفعال الحج (١) كالطواف والسعي والذبح.

وأن يأتي بالحج والعمرة في عام واحد. وأن يحرم بالحج له من مكّة ، وأفضله المسجد ، وأفضله المقام وتحت الميزاب.

ولو أحرم بحج التمتع من غير مكّة لم يجزئه ويستأنفه بها. ولو نسي وتعذر العود أحرم من موضعه ولو بعرفة.

ولو دخل مكة بمتعة وخشي ضيق الوقت ، جاز نقله الى الافراد ، ويعتمر بمفردة بعده وكذا الحائض والنفساء لو منعهما عذرهما عن التحلل وإنشاء الإحرام بالحج.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ووقوعه في أشهر الحج ، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وقيل : وعشر من ذي الحجة ، وقيل : وتسعة من ذي الحجة ، وحاصل الخلاف ، إنشاء الحج في الزمان الذي يعلم ادراك المناسك فيه وما زاد يصح أن يقع فيه بعض أفعال الحج.

أقول : في تحديد أشهر الحج ستة أقوال : حكى المصنف منها ثلاثة ، والرابع منها قبل طلوع فجر النحر ، والخامس طلوع شمس النحر ، والسادس ثمان من ذي الحجة.

فالأوّل مذهب الشيخ في النهاية (١) وبه قال : أبو علي (٢) وهو رواية زرارة

__________________

(١) النهاية : باب أنواع الحج ص ٢٠٧ س ١٨ قال : وهي (أي أشهر الحج) شوال وذو القعدة وذو الحجة.

(٢) المختلف : كتاب الحج ص ٩٠ قال : مسألة أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة الى أن قال وبه قال ابن الجنيد.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ومعاوية بن عمّار في الحسن والصحيح عن الصادق والباقر عليهما السّلام (١) (٢) واختاره المصنف (٣) والعلامة (٤).

والثاني قول السيّد (٥) والحسن (٦).

والثالث قوله في الجمل (٧) والاقتصاد (٨) وهو مذهب القاضي (٩).

والرابع قوله في الخلاف (١٠) والمبسوط (١١) وهو مذهب ابن حمزة (١٢)

__________________

(١) الكافي : ج ٤ باب أشهر الحج ص ٢٨٩ الحديث ١ و ٢.

(٢) الكافي : ج ٤ باب أشهر الحج ص ٢٨٩ الحديث ١ و ٢.

(٣) المعتبر : كتاب الحج ص ٣٣٦ قال : مسألة أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة.

(٤) تقدم نقله عن المختلف.

(٥) جمل العلم والعمل : كتاب الحج ص ١٠٣ س ٩ قال : وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشرون من ذي الحجة.

(٦) المختلف : كتاب الحج ص ٩٠ س ١٧ قال : وقال ابن عقيل : شوال وذو القعدة وعشر (ين ـ ظ) من ذي الحجة.

(٧) الجمل والعقود : فصل في كيفية الإحرام ص ٧١ س ٢ قال : وهي شوال وذو القعدة وتسعة من ذي الحجة.

(٨) الاقتصاد : فصل في الإحرام وكيفيته وشروطه ص ٣٠٠ قال : وهي شوال وذو القعدة وتسعة من ذي الحجة.

(٩) المهذب : ج ١ ص ٢١٣ باب الزمان الذي يصح الإحرام فيه قال : وهي شوال وذو القعدة والتسعة الأيام الأول من ذي الحجة.

(١٠) الخلاف : كتاب الحجّ ، مسألة ٢٣ قال : أشهر الحج شوال وذو القعدة إلى طلوع الفجر من يوم النحر إلخ.

(١١) المبسوط : ج ١ فصل في ذكر أنواع الحج ص ٣٠٨ س ٢٣ قال : وأشهر الحج شوال وذو القعدة والى يوم النحر قبل طلوع الفجر منه إلخ.

(١٢) الوسيلة : كتاب الحج قال : وأشهر الحج ثلاثة ، شوال وذو القعدة وذو الحجة إلى قبيل الفجر من ليلة النحر.

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والخامس قول ابن إدريس (١).

والسادس قول التقي (٢).

والتحقيق : انّ النزاع لفظي ، لأنّه لا خلاف بينهم في وجوب إيقاع الموقفين في وقتهما ، واجزاء إيقاع بعض أفعال الحج كالذبح والطوافين في طول ذي الحجة. فكان القائل بالأول أراد الزمان الذي يصح فيه إيقاع أفعال الحج.

وبالثاني ذلك ، مع صحة بعض أفعال الحج كصوم بدل الهدي ، فإنه يجوز من أوّل العشر ولا يجوز قبله (٣).

وبالثالث الذي يصح إنشاء الإحرام فيه مضيقا للمختار ، ولوقوع الوقوف بعرفة فيه ، وقال عليه السّلام : (الحج عرفة) (٤).

وبالرابع انه وقت فوات الوقوف بعرفة ، فلم يصح إنشاء الإحرام حينئذ ، لقوله عليه السّلام : الحج عرفة ، وبتعذر ادراك المشعر الّا اضطرارا. ولو أمكن إدراكه المشعر قبل طلوع الشمس مع إحرامه بعد الفجر أجزأ.

وبالخامس إكمال الموقفين في ذلك الوقت ، وهما أعظم أركان الحج ، لفواته بفواتهما عمدا وسهوا اختيارا واضطرارا.

__________________

(١) لا يخفى ان قول ابن إدريس في السرائر مخالف لما نقله المصنف من ان فتواه (طلوع شمس النحر) لا حظ السرائر كتاب الحج ، باب كيفية الإحرام ص ١٢٦ س ٢٤ قال : وأشهر الحج الى أن قال : والذي يقوى في نفسي مذهب شيخنا المفيد وشيخنا أبي جعفر في نهايته إلخ فلا حظ.

(٢) الكافي : الحج ص ٢٠١ س ١٨ قال : فاما الوقت للإحرام فأشهر الحج شوال وذو القعدة وثمان من ذي الحجة.

(٣) هكذا في نسخة (ألف) المصححة ، وفي نسخة (ب وج) ما لفظه : وبالثاني أنه الزمان الذي يفوت الحج بفواته ، أو الزمان الذي يمكن فيه إيقاع أفعال الحج.

(٤) عوالي اللئالى : ج ٢ ص ٩٣ الحديث ٢٤٧.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالسادس وجوب إنشاء الإحرام بالحج للمختار في ذلك القدر من الزمان.

تنبيه

أفعال الحج بالنسبة إلى التوقيت ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

فمنها : ما يجب وقوعه في وقته المعيّن له ، وهو مقامان اختياريّان واضطراريّان : ولو أهمل المكلّف أحدهما مختارا ، أو جميعهما مطلقا بطل حجّه ، وهو الموقفان.

ومنها : ما عيّن له الشارع وقتا ولم يجز فعله في غيره ، ولو فاته قضاه في القابل ، لا في باقي أشهر الحج ، ولا يبطل حجّه وان كان تركه مختارا ، وهو الرمي ، فإنه يفوت بفوات أيام التشريق ويقضى في القابل.

ومنها : ما يجب إيقاعه في وقته المعيّن له شرعا ، ومع تركه فيه يجزى فعله في باقي أشهر الحجّ ويقع موقعه وان ترك عمدا ، لكن يأثم بتأخيره عن وقته كالذبح والطوافين والسعي.

تذنيب واختلف في آخر وقت العمرة المتمتع بها على أربعة أقوال :

(أ) زوال الشمس يوم التروية ، قاله الفقيه : في المرأة إذا لم تطهر حتى تزول الشمس يوم التروية (١).

(ب) غروب شمس التروية قاله التقي : للمختار وللمضطر الى أن يبقى من

__________________

(١) المختلف : كتاب الحج ص ١٢٤ قال : مسألة اختلف علماؤنا في وقت فوات المتعة الى أن قال : وقال علي بن بابويه : في الحائض إذا طهرت يوم التروية قبل زوال الشمس فقد أدركت متعتها وان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت إلخ.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الزمان ما يدرك عرفة في آخر وقتها (١).

وفي صحيحة العيص توقيت المتعة بغروب شمس التروية (٢) وهو مذهب الصدوق (٣) والمفيد (٤).

(ج) زوال شمس عرفة ، قاله : في النهاية (٥) ، وهو في صحيحة جميل : له المتعة إلى زوال عرفة وله الحج الى زوال النحر (٦).

(د) ظاهر كلام ابن إدريس ، امتداده ما لم يفت اضطراري عرفة (٧). وفي صحيحة زرارة اشتراط اختياريها (٨).

وهو الأصح.

__________________

(١) الكافي : الحج ، الفصل الرابع ص ١٩٤ س ١٤ قال : فامّا طواف المتعة الى أن قال : والى أن تغرب الشمس من يوم التروية للمختار ، وللمضطر الى أن يبقى إلخ.

(٢) التهذيب : ج ٥ (١١) باب الإحرام للحج ص ١٧٢ الحديث ٢٠.

(٣) المقنع : باب الحج ص ٨٥ س ٤ قال : وان قدم المتمتع يوم التروية فله أن يتمتع ما بينه وبين الليل ، فان قدم ليلة عرفة فليس له أن يجعلها متعة إلخ.

(٤) المقنعة : كتاب المناسك ، باب تفصيل فرائض الحج ص ٦٧ قال : ومن دخل مكة يوم التروية الى أن قال : فان غابت الشمس قبل أن يفعل ذلك فلا متعة له إلخ.

(٥) النهاية : باب الإحرام للحج ص ٢٤٧ س ١٢ قال : فان دخلها (أي مكة) يوم عرفة جاز له أن يحل أيضا ما بينه وبين زوال الشمس فاذا زالت الشمس فقد فاتته العمرة.

(٦) التهذيب : ج ٥ (١١) باب الإحرام للحج ص ١٧١ الحديث ١٥.

(٧) السرائر : كتاب الحج باب السعي وأحكامه ص ١٣٧ س ٦ قال : ويجوز للمحرم المتمتع إذا دخل مكة أن يطوف ويسعى ويقصر إذا علم أو غلب على ظنه انه يقدر على إنشاء الإحرام بالحج بعده الى أن قال : أو يوم عرفة قبل زواله أو بعد زواله على الصحيح إلخ.

(٨) التهذيب : ج ٥ (١١) باب الإحرام للحج ص ١٧٤ الحديث ٣١.

١٥٠

والافراد : وهو أن يحرم بالحج أولا من ميقاته ، ثمَّ يقضي مناسكه ، وعليه عمرة مفردة بعد ذلك.

وهذا القسم والقران فرض حاضري مكة.

ولو عدل هؤلاء إلى التمتع اختيارا ففي جوازه قولان ، أشبههما : المنع (١) وهو مع الاضطرار جائز.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو عدل هؤلاء إلى التمتع اختيارا ، ففي جوازه قولان : أشبههما المنع.

أقول : الجواز أحد قولي الشيخ (١) لعدوله إلى الأفضل ، ولأنّه أتى بصورة حج الافراد وزيادة غير منافية.

ولصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن العالم عليه السّلام (٢).

والمنع مذهب الصدوقين (٣) والقديمين (٤) وابن إدريس (٥) والمصنف (٦) والعلامة (٧) وهو القول الآخر للشيخ (٨).

__________________

(١) النهاية : باب من حج عن غيره ص ٢٧٨ س ٨ قال : وإن امره أن يحج عنه مفردا أو قارنا جاز له أن يحج عنه متمتعا لأنه يعدل الى ما هو الأفضل.

(٢) الاستبصار : ج ٢ (٩١) باب فرض من ساكن الحرم من أنواع الحج ص ١٥٨ الحديث ٥ ونقل في المختلف ص ٩٠ س ٢٩ استدلال الشيخ بهذا الحديث لمطلوبه.

(٣) للمختلف : كتاب الحج ص ٩٠ س ٢٤ قال : وقال ابنا بابويه : لا يجوز لهم التمتع الى أن قال : وقال ابن عقيل : لا متعة لأهل مكة ، وفي المقنع (١٨) باب الحج ص ٦٧ قال : وليس لأهل مكة وحاضريها الّا القران والافراد وليس لهم التمتع الى الحج إلخ.

(٤) تقدم نقل فتوى ابن عقيل عن المختلف ولم نظفر على فتوى ابن الجنيد ، وهما المراد بالقديمين.

(٥) السرائر : باب في أقسام الحج ص ١٢١ س ٣٠ قال : وأمّا من كان حاضري المسجد الحرام الى أن قال : ولا يجزيه حجة التمتع.

(٦) لاحظ عبارة النافع.

(٧) التذكرة : ج ١ كتاب الحج ص ٣١٨ س ٣٢ قال : والثاني العدم إلى أن قال : وهذا الأخير هو المعتمد.

(٨) التذكرة : ج ١ كتاب الحج ص ٣١٨ س ٣١ قال : مسألة قد بيّنا أنّ فرض أهل مكّة وحاضريها

١٥١

وشروطه : النيّة ، وأن يقع في أشهر الحج من الميقات ، أو من دويرة أهله ان كانت أقرب الى عرفات.

والقارن كالمفرد ، غير انّه يضمّ إلى إحرامه سياق الهدي.

وإذا لبّى استحب له اشعار ما يسوقه من البدن بشقّ سنامه من الجانب الأيمن ويلطخ صفحته بالدم ولو كانت بدنا دخل بينها وأشعرها يمينا وشمالا.

والتقليد أن يعلّق في رقبته نعلا قد صلّى فيه ، والغنم تقلّد لا غير.

______________________________________________________

وأجابوا عن حجة الأوّلين ، بالمعارضة بالروايات الصحيحة (١) وبالمنع من كونه أتى بصورة الانفراد (٢) لأنّه أخلّ بالإحرام له من ميقاته ، وأوقع مكانه العمرة ، وليس مأمورا بها ، فوجب أن لا يجزيه ، وبأنّه أقلّ أفعالا ، لاشتماله على ثلاث طوافات ، وفي الافراد أربع طوافات.

وجوز الشيخ فسخ الإفراد إليه (٣) فلا فرق عنده بين العدول اليه ابتداء أو فسخا.

قال طاب ثراه : ولو كانت بدنا دخل بينها وأشعرها يمينا وشمالا.

أقول : معناه أن يشعر هذه في صفحة يمينها وهذه في صفحة يسارها ، فالمراد يمين البدنة وشمالها ، لا يمين المحرم وشماله.

روى حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا كان بدن كثيرة ،

__________________

القران أو الافراد فلو عدلوا إلى التمتع فللشيخ قولان : أحدهما الإجزاء إلخ.

(١) لاحظ الوسائل : ج ٨ كتاب الحج ، الباب ٦ من أبواب أقسام الحج.

(٢) إشارة إلى استدلال الشيخ قدّس سرّه بان التمتع آت بالانفراد وزيادة.

(٣) الخلاف : كتاب الحجّ مسألة ٣٧ قال : من أحرم بالحج ودخل مكة جاز أن يفسخه ويجعله عمرة ويتمتّع بها.

١٥٢

ويجوز للمفرد والقارن الطواف قبل المضي الى عرفات ، لكن يجدّدان التلبية عند كل طواف لئلّا يحلا.

وقيل : انما يحل المفرد ، وقيل : لا يحلّ أحدهما إلّا بالنية ، ولكن الأولى تجديد التلبية.

ويجوز للمفرد إذا دخل مكة العدول بالحج إلى المتعة ، لكن لا يلبي بعد طوافه وسعيه.

______________________________________________________

فأراد أن يشعرها دخل الرجل بين كل بدنتين ، فيشعر هذه من الشقّ الأيمن ويشعر هذه من الشقّ الأيسر ، ولا يشعرها حتى يتهيّأ للإحرام (١) (٢)

قال طاب ثراه : ويجوز للمفرد والقارن الطواف قبل المضيّ الى عرفات ، لكن يجدّدان التلبية عند كل طواف لئلّا يحلا ، وقيل : انما يحل المفرد ، وقيل : لا يحلّ أحدهما إلّا بالنية لكنّ الأولى تجديد التلبية.

أقول : البحث هنا في مقامين :

الأوّل : القارن والمفرد إذا دخل مكة جاز لهما التطوّع بالطواف قطعا ، ولا يجوز لهما تقديم طواف النساء اختيارا إجماعا. وهل يجوز لهما تقديم طواف الحج وسعيه على الموقفين اختيارا؟ منع منه ابن إدريس (٣) واجازه الباقون ، ومستنده صحاح الأخبار (٤).

الثاني : هل يجب عليهما تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف؟ فيه ثلاثة أوجه :

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ (٤) باب ضروب الحج ص ٤٣ الحديث ٥٧.

(٢) ليس في النسخة المعتمدة (ألف) الحديث المذكور في المتن ، ولكن في نسختي (ب وج) موجود.

(٣) السرائر : كتاب الحج ص ١٣٥ س ٢١ قال : واما المفرد والقارن فحكمه حكم المتمتع في انهما لا يجوز لهما تقديم الطواف قبل الوقوف بالموقفين على الصحيح من الأقوال لأنّه لا خلاف فيه.

(٤) الكافي : ج ٥ كتاب الحج ص ٤٥٩ باب تقديم الطواف للمفرد الحديث ١ و ٢.

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) الوجوب لحصول التحليل بالطواف مع وجوب الوقوف محرما ، ووجوب تأخير التحليل الى الحلق ، والتلبية موجبة لعقد الإحرام ، فيفسد الخلل الحاصل للإحرام من الإخلال بالطواف ، قاله الثلاثة (١) وسلار (٢) ولو لم يلبّ بطلت حجته وصارت عمرة ودخل في كونه محلّا.

(ب) لا يحل بمجرد الطواف بل بنية التحليل ، ولا يجب التلبية ، وهو قول ابن إدريس (٣) واختاره المصنف (٤) والعلامة (٥). واستحباب التلبية ليخرج من الخلاف ، وهو قول الشيخ في الجمل (٦). وفيه رواية ثالثة بوجوبها على المفرد دون القارن وهي رواية يونس بن يعقوب عمّن أخبره عن أبي عبد الله عليه السّلام (٧).

واستند الشيخ الى الروايات (٨) والمصنف والعلامة إلى عموم (الاعمال

__________________

(١) أي المفيد والسيد والطوسي : المقنعة ، كتاب المناسك ، باب ضروب الحج ص ٦١ س ٣٠ قال : وعليه (أي على القارن) في قرانه طوافان بالبيت وسعي واحد بين الصفا والمروة ويجدّد التلبية عند كل طواف. وجمل العلم والعمل ، كتاب الحجّ ص ١٠٥ س ٢ قال : ويجدّد التلبية عند كل طواف. والنهاية باب أنواع الحجّ ص ٢٠٨ قال : واما القارن الى أن قال : وان أراد أن يطوف بالبيت تطوّعا فعل الّا انّه كلما طاف بالبيت لبّى عند فراغه من الطواف إلخ.

(٢) المراسم : كتاب الحج ص ١٠٣ قال : وامّا القران الى أن قال : وتجديد التلبية عند كل طواف.

(٣) السرائر : كتاب الحجّ ص ١٣٣ س ١ قال : وان أراد أن يطوف بالبيت تطوّعا فعل ذلك الى أن قال : يستحب له أن يبني عند فراغه إلخ.

(٤) المعتبر : كتاب الحج ص ٣٤٠ س ١٩ قال : وقيل لا يحلّ مفرد ولا غيره الّا بالنية لا بمجرد الطواف والسعي لقوله عليه السّلام ولكل أمر ما نوى إلخ.

(٥) المختلف : كتاب الحج ص ٩٢ س ٣ قال بعد نقل قوله الشيخ والسيد : والأقوى انه لا يخلّ إلّا بنية التحليل.

(٦) الجمل والعقود : فصل في ذكر أفعال الحج ص ٧٠ س ١١ قال : ويستحب لهما تجديد التلبية عند كل طواف.

(٧) الكافي : ج ٤ كتاب الحج ، باب فيمن لم ينو المتعة ص ٢٩٩ الحديث ٣.

(٨) الكافي : ج ٤ كتاب الحج ، باب فيمن لم ينو المتعة ص ٢٩٩ الحديث ٢ و ٣ وفي التهذيب ج ٥‌

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بالنيات) (١) وحملا الروايات على قصد التحلّل.

فرع

ولا يجوز التقديم للمتمتّع إجماعا إلّا عند الضرورة ، وحينئذ هل يجب عليه تجديد التلبية؟ فيه القولان.

تنبيه

إذا أحرم المتمتع وأراد الخروج إلى منى ، وأراد أن يتطوّع بالطواف ، هل يجوز له ذلك؟ الأصح المنع وهو مذهب الشيخ في النهاية (٢) والمبسوط (٣) وابن إدريس (٤) والعلامة (٥) ومعظم الأصحاب. وقال الحسن : إذا أحرم بالحج طاف بالبيت سبعة أشواط (٦) وهو متروك.

ولو فعل ذلك عامدا ، هل يبطل إحرامه ، ويجب تجديده؟ أو يأثم خاصة ويكون

__________________

(٤) باب ضروب الحج ص ٤٤ الحديث ٦٠ و ٦١ و ٦٢.

(١) الوسائل : ج ١ الباب ٥ من أبواب مقدمة العبادات ، قطعة من حديث ١٠ وعوالي اللئالي ج ٢ ص ١١ الحديث ١٩.

(٢) النهاية باب الإحرام للحج ص ٢٤٨ س ١٦ قال : وإذا أحرم بالحج لم يجز له أن يطوف بالبيت الى أن يرجع من منى.

(٣) المبسوط : ج ١ ، فصل في ذكر الإحرام بالحج ص ٣٦٥ س ٧ قال : وإذا أحرم بالحج لم يجز له أن يطوف بالبيت إلخ.

(٤) السرائر : باب الإحرام بالحج ص ١٣٧ س ٢٨ قال : وإذا أحرم بالحج لا ينبغي له أن يطوف بالبيت الى أن يرجع من منى.

(٥) التذكرة : ج ١ ، المقصد الثالث في أفعال الحج ص ٣٧٠ قال : مسألة ولا يسن له الطواف بعد إحرامه إلخ.

(٦) المختلف : المقصد الثالث في أفعال الحج ص ١٢٧ قال : مسألة ، قال ابن عقيل : وإذا اغتسل يوم التروية وأحرم بالحج طاف بالبيت سبعة أشواط إلخ.

١٥٥

ولو لبّى بعد أحدهما بطلت متعته وبقي على حجّه على رواية.

ولا يجوز العدول للقارن.

والمكّيّ إذا بعد ثمَّ حج على ميقات أحرم منه وجوبا.

والمجاور بمكة إذا أراد حجة الإسلام خرج الى ميقاته فأحرم منه ، ولو تعذّر خرج الى أدنى الحل ، ولو تعذّر أحرم من مكة. ولو أقام سنتين انتقل فرضه الى الافراد والقران ولو كان له منزلان : بمكّة وناء ، اعتبر أغلبهما عليه ، ولو تساويا تخيّر في التمتع وغيره.

ولا يجب على المفرد والقارن هدي ، ويختص الوجوب بالتمتع.

ولا يجوز القران بين الحج والعمرة بنية واحدة ، ولا إدخال أحدهما على الآخر.

______________________________________________________

إحرامه صحيحا؟ ظاهر الشيخ في النهاية (١) والمبسوط بطلان الإحرام ، حيث قال : وإذا أحرم بالحج لم يجز أن يطوف حتى يرجع من منى ، فان سها فطاف لم ينتقض إحرامه غير انه يجدّده بالتلبية (٢) ، وقال ابن إدريس : ولا ينبغي أن يطوف حتى يرجع من منى ، وان سها فطاف لم ينتقض إحرامه ، ولا يجب عليه تجديد التلبية ، لأنّ إحرامه منعقد ولا حاجة الى انعقاد المنعقد (٣). واختار العلامة أنّ إحرامه لا يبطل (٤).

قال طاب ثراه : ولو لبّى بعد أحدهما بطلت متعته وبقي على حجّه على رواية.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وابن إدريس لم يعتبر التلبية ، بل النية (٥).

__________________

(١) النهاية : باب الإحرام للحج ص ٢٤٨ س ١٦ وقد تقدم آنفا.

(٢) المبسوط : ج ١ ، فصل في ذكر الإحرام للحج ، ص ٣٦٥ س ٧ وقد تقدّم آنفا.

(٣) السرائر : باب الإحرام بالحج ص ١٣٧ س ٢٨ وقد تقدم آنفا.

(٤) المختلف : المقصد الثالث في أفعال الحج ص ١٢٧ س ١٩ قال بعد نقل قول الشيخ وابن إدريس في النهاية والمبسوط والسرائر كما نقلناه آنفا. والأقرب انّ انعقاد إحرامه باق.

(٥) السرائر : باب السعي وأحكامه ص ١٣٦ س ٣٤ قال : فإن نسي التقصير حتى يهل بالحج فلا شي‌ء عليه ، إلى أن قال : والذي يقتضيه الأدلّة وأصول المذهب انّه لا ينعقد إحرامه بحج لأنّه بعد في عمرته لم يتحلل منها إلخ.

١٥٦

المقدّمة الرابعة في المواقيت ، وهي ستة : لأهل العراق (العقيق) وأفضله (المسلخ) وأوسطه (غمرة) وآخره (ذات عرق).

ولأهل المدينة (مسجد الشجرة) وعند الضرورة (الجحفة) وهي ميقات لأهل الشام اختيارا ولليمن (يلملم) ولأهل الطائف (قرن المنازل) وميقات المتمتع لحجة ، مكّة.

وكلّ من كان منزله أقرب من الميقات ، فميقاته منزله.

وكلّ من حج على طريق فميقاته ميقات أهله ، ويجرّد الصبيان من فخ.

وأحكام المواقيت تشتمل على مسائل :

الاولى : لا يصح الإحرام قبل الميقات إلّا لناذر ، بشرط أن يقع في أشهر الحج ، أو العمرة المفردة في رجب لمن خشي تقضّيه.

الثانية : لا يجاوز الميقات الّا محرما ، ويرجع إليه لو لم يحرم منه ، فان لم يتمكّن فلا حجّ له ان كان عامدا ، ويحرم من موضعه إن كان ناسيا أو جاهلا ، أو لا يريد النسك ، ولو دخل مكة خرج الى الميقات ، ومع التعذر من أدنى الحلّ ، ومع التعذّر يحرم من مكة.

الثالثة : لو نسي الإحرام حتى أكمل مناسكه ، فالمروي : انه لا قضاء ، وفيه وجه بالقضاء مخرّج.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : لو نسي الإحرام حتى أكمل مناسكه ، فالمرويّ انّه لا قضاء وفيه وجه بالقضاء مخرّج.

أقول : المشهور بين الأصحاب عدم القضاء واحتجوا بوجوه :

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) انه فات نسيانا ، فلا يفسد به الحج ، لقوله عليه السّلام : رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان (١).

(ب) انه مع استمرار النسيان يكون مأمورا بإيقاع بقية المناسك ، والأمر يقتضي الإجزاء.

(ج) رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال : سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ، ما حاله؟ قال : إذا قضى المناسك كلها فقد تمَّ حجّه (٢).

ورواية جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها فطاف وسعى ، قال : يجزيه نيّته إذا كان قد نوى ذلك ، وقد تمَّ حجّه ، وان لم يهل (٣).

(د) ان الإنسان في معرض السهو والنسيان ، وتكليفه بإعادة الحج مشقة عظيمة ، فلو أوجبناه لزم التكليف بالحرج ، وهو منفيّ بالأصل.

وذهب ابن إدريس إلى وجوب القضاء عليه ، لأنه لم يأت بالعبادة على وجهها فيبقى في العهدة (٤).

__________________

(١) كتاب الخصال : باب التسعة ص ٤١٧ الحديث ٩.

(٢) التهذيب : ج ٥ (١١) باب الإحرام للحج ص ١٧٥ قطعة من حديث ٣٢ وعوالي اللئالي ج ٣ ص ١٥٧ الحديث ٢٥.

(٣) الكافي : ج ٤ كتاب الحج باب من جاوز ميقات أرضه بغير إحرام ص ٣٢٥ قطعة من حديث ٨ وفي عوالي اللئالي : ج ٣ ص ١٥٧ الحديث ٢٦ كما في المتن.

(٤) السرائر : كتاب الحج باب كيفية الإحرام ص ١٢٤ س ١٣ قال : والذي يقتضه أصول المذهب انه لا يجزيه وتجب عليه الإعادة لقوله عليه السّلام الاعمال بالنيات ، وهذا عمل بلا نية فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد الى أن قال : فالرجوع إلى الأدلة أولى من تقليد الرجال ، وقال أيضا في باب الإحرام ص ١٣٧ س ٣٣ قال محمّد بن إدريس رحمه الله الذي يقتضيه أصول المذهب ما ذهب إليه في مبسوطه لقوله

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا الدليل غير ناهض بمطلوبه ، قاصر في الدلالة على ما يريده.

قال المصنف : ولست أدري كيف تخيل له هذا الاستدلال ، ولا كيف يوجهه ، فان كان يقول : الإخلال بالإحرام ، إخلال بالنية في بقية المناسك ، فنحن نتكلّم على تقدير إيقاع نية كل منسك على وجهه ظانا انه أحرم ، أو جاهلا بالإحرام ، فالنية حاصلة مع إيقاع كل منسك ، فلا وجه لما قاله : هذا آخر كلامه في المعتبر (١).

وحاصله انّ استدلاله غير متوجه ، لأنّه لا عمل هنا ، بل فات فعل اغتفره الشارع وعفى عن تركه سهوا ، كما لو نسي الطواف واجتزأ بباقي الافعال ، وهي واقعة مع النية.

وأيضا الأول يدلّ عليه الروايات بمنطوقها (٢) فيكون أولى ممّا يدلّ عليه بعموم أو تلازم.

وأيضا فإنه اجتهاد في مقابله نصّ ، وهو غير معتمد.

والتخريج تعدية الحكم من منطوق به الى مسكوت عنه.

واختار المصنف (٣) والعلامة الأوّل (٤) وهو مذهب الشيخ رحمه الله (٥) وعليه

__________________

تعالى (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) وقول الرسول صلّى الله عليه وآله الاعمال بالنيات ، وانما لكل امرء ما نوى ، وهذا الخبر مجمع عليه ، ولهذا افتي وعليه أعمل ، فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد وان وجدت.

(١) المعتبر : المقدمة الثالثة في المواقيت ، ص ٣٤٣ س ٣٢ قال : واحتج المنكر بقوله صلّى الله عليه وآله الاعمال بالنيات إلخ.

(٢) تقدم بعضها.

(٣) المعتبر : المقدمة الثالثة في المواقيت ص ٣٤٣ قال : مسألة لو نسي الإحرام إلى قوله : لنا انه فات نسيانا إلخ.

(٤) المختلف : في أفعال الحج ص ١٢٧ س ٢٢ قال : فان لم يذكر حتى يرجع الى بلده فان كان قد قضى مناسكه كلها لم يكن عليه شي‌ء.

(٥) النهاية : باب كيفية الإحرام ص ٢١١ س ١٢ قال : فان لم يذكر حتى يفرغ من جميع مناسكه

١٥٩

المقصد الأوّل (١) في أفعال الحجّ

وهي الإحرام ، والوقوف بعرفات ، وبالمشعر ، والذبح بـ «منى» والطواف وركعتاه ، والسعي ، وطواف النساء وركعتاه.

______________________________________________________

الأصحاب.

انما قدّم بيان أفعال الحج (٢) على بيان العمرة المتمتع بها ـ وهي متقدمة في التمتع ، وهو أفضل الأنواع والمكلّف به أكثر ، لأنّه النائي عن الحرم ، وقسيماه فرض حاضريه ، وهم بالنسبة الى أهل الدنيا قليل جدّا ـ لوجوه :

(أ) اقتداء بالله سبحانه ، فإنه ابتدأ به في كتابه فقال (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (٣).

(ب) أنه مقدم في نوعين من أنواع الحج. والعمرة مقدمة في نوع واحد ، فقدم ذكره لكثرة أفراده.

(ج) انه السابق في وقوع التكليف به في صدر الإسلام ، وحج التمتع وقع التكليف به في ثاني الحال ، فلذا قدمه ، لتقدمه في سبق التعبّد به.

(د) أنّ العمرة وان كانت نسكا برأسه الّا انها كالجزء من الحج ، ويظهر ذلك في وجوه :

(أ) وجوب إيقاعها في أشهر الحج.

(ب) وجوب إيقاعهما في عام واحد.

(ج) وجوب الإحرام بالحج بعد التحلل منها لو كانت مندوبة على الأقوى.

__________________

فقد تمَّ حجّه إلخ.

(١) هكذا في النسخة المطبوعة والمخطوطة من المختصر النافع وكذا في النسخة المعتمدة (ألف) ونسخة (ج) من مهذب البارع وفي نسخة (ب) المقصد الثالث ، والظاهر انه غلط من النساخ.

(٢) هكذا في جميع النسخ من دون قوله (أقول).

(٣) البقرة : ١٩٦.

١٦٠