المهذّب البارع - ج ٢

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

بستانه (١) وبه قال الشيخ في الكتابين (٢) ونصّ أهل اللغة عليه (٣) واختاره ابن إدريس (٤) والمصنف (٥) والعلامة (٦) لاشتراك الموضعين في الحاجة الداعية إلى المشروعية. ولا فرق بين مالك الدار أو مستأجرها. وكذا لا فرق بين مالك البستان أو مشتري ثمرته.

والظاهر ان الخان ، والبزارة (٧) والمعصرة (٨) والدباسة (٩) كذلك ، لاشتراك الكل في العلّة ، وهي كراهة صاحب الدار دخول مالك الثمرة اليه واحتياج صاحب النخلة إلى الثمرة ، فاقتضت حكمة الشارع تسويغ البيع بخرصها تمرا من غيرها ليتم المقصود لهما.

__________________

الإنسان لغيره.

(١) المهذب : ج ١ بيع العرية ص ٣٨٤ س ٦ قال : وهي النخلة تكون للرجل في بستان غيره.

(٢) النهاية : باب بيع المياه والمراعى ص ٤١٨ س ٥ قال : وهي النخلة تكون في دار الإنسان لرجل آخر. والخلاف ، كتاب البيوع مسألة ١٥٤.

(٣) العرية ، النخلة التي يعريها صاحبها غيره ليأكل تمرها (المنجد لغة العرية) ومثله في مجمع البحرين فلا حظ.

(٤) السرائر : في بيع الثمار ص ٢٤٥ س ٣٥ قال : وهو أن يكون لرجل في بستان غيره نخلة يشق عليه الدخول إليها ، أو في داره إلخ.

(٥) الشرائع : في بيع الثمار ، الرابعة ، قال : والعرية هي النخلة تكون في دار الإنسان ، وقال أهل اللغة أو في بستانه ، وهو حسن.

(٦) المختلف : في معنى العرية ص ٢٠٠ س ٢٠ قال بعد نقل قول الشيخ وابن إدريس : وهو الأقوى ، لنص أهل اللغة عليه إلخ.

(٧) وقال بعضهم : البذر في الحبوب كالحنطة ، والبزر بالزاء المعجمة للرياحين والبقول (مجمع البحرين).

(٨) والعصير من العنب يقال : عصرت العنب عصرا من باب ضرب استخرجت ماءه واسم الماء العصير (مجمع البحرين).

(٩) الدبس بالكسر ما يستخرج من التمر والرطب بالنار وبدونها.

٤٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهنا شروط ورخص

أمّا الشروط ، فأربعة :

(أ) أن يكون من النخل ، فلا عرية في غيره كالنبق.

(ب) أن يكون واحدة ، فلو تعدّدت لم يجز الّا مع تعدّد الموضع ، أو المالك ، لا العقد.

(ج) أن يشتريها بخرصها ، فلو اشتراها بزائد أو ناقص لم يجز.

(د) الحلول ، فلا يجوز اسلاف أحدهما في الآخر.

فروع

(أ) هل المراد بخرصها المماثلة بين ثمرة النخلة عند صيرورتها تمرا وبين التمر الذي هو الثمن ، أو المماثلة بين ما عليها رطبا وبين الثمن؟ فيكون قد بعنا الرطب بالتمر متساويا ، قال في المبسوط : بالأول (١) وقال العلامة في التذكرة : بالثاني (٢) قال : لأنه مستثنى.

وهو ضعيف ، لعدم ما يدل عليه ، مع ندوره ، فإنه لم يذكره في غير هذا الكتاب ، بل وافق الأصحاب في سائر كتبه.

(ب) هل يشترط التقابض في المجلس؟ قال في المبسوط : نعم (٣) ولم يشترطه

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ في بيع الثمار ص ١١٨ س ١٦ قال : فاذا عرفا مقدار الرطب إذا جف صار كذا تمرا فيبيع بمثله من التمر.

(٢) التذكرة : ج ١ ص ٥٠٩ س ٣٣ قال : مسألة إذا تبايعا العرية وجب أن ينظر إلى الثمرة على النخلة ويحرز ذلك رطبا إلخ.

(٣) المبسوط : ج ٢ في بيع الثمار ص ١١٨ س ١٧ قال : ومن شرط صحة البيع أن يتقابضا قبل التفرق إلخ.

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ابن إدريس (١) واختاره المصنف (٢) والعلامة (٣)

(ج) هل يجوز بتمر منها؟ ظاهر ابن حمزة تحريمه (٤) ، بل من غيرها ، لئلا يلزم اتحاد الثمن والمثمن ، ويحتمله ضعيفا ، للإذن ، ووجود المقتضي ، وهو الرخصة.

والتحقيق : أنه إن شرطه في العقد لم يجز ، وان أطلق جاز أن يدفع اليه من تمرها إن صبر عليه حتى يصير تمرا ، وإلّا فالعقد يجب كونه حالّا.

وأمّا الرخص ، فثلاثة :

(أ) لا يشترط التماثل بين تمرها عند الجفاف وثمنها ، لعسره ، فتسقط ، للخبر ، بل يجب التماثل عند العقد في ظن الخارص.

(ب) لو زادت ثمرتها عند اعتبارها وقت الجذاذ عن ثمنها ، ملك المشتري الزيادة ، ولو خرجت أنقص لم يجب على البائع ردّ الفاضل ، للحكم بصحة العقد ، فيترتب عليه أثره.

(ج) لا فرق بين مالك النخلة ومالك ثمرتها دون أصلها ، لإتحاد الحكمة المبيحة للرخصة.

فرع

هذا البيع رخصة ، لقيام المقتضي للمنع منه ، وهو تحريم المزابنة ، فلو حلف :

__________________

(١) السرائر : في بيع الثمار ، ص ٢٤٦ س ٤ قال : والذي يقتضيه الأدلة انه يجوز التفرق قبل القبض إلخ.

(٢) الشرائع : في بيع الثمار ، الرابعة ، قال : ولا يشترط في بيعها بالتمر ، التقابض قبل التفريق إلخ.

(٣) المختلف : في معنى العرية ص ٢٠٠ س ٢٤ قال بعد نقل قول ابن إدريس بجواز التفرق قبل القبض : وهو الأقوى.

(٤) الوسيلة : في بيان بيع الثمار ، ص ٢٥٠ س ١٥ قال : وقد روي في بعض الاخبار الى أن قال : وفي العرية بيع ما على النخل بتمر منه ، والصحيح ما ذكرنا.

٤٤٣

وإذا مرّ الإنسان بثمرة النخل جاز له أن يأكل ما لم يضرّ أو يقصد. ولا يجوز أن يأخذ معه شيئا. وفي جواز ذلك في غير النخل من الزرع والخضر تردّد.

______________________________________________________

لا يوقع عقدا مرخصا ، أو لا يفعل رخصة ، حنث بإيقاعه.

قال طاب ثراه : وإذا مرّ الإنسان بثمر النخل جاز أن يأكل ما لم يضرّ أو يقصد ، ولا يجوز أن يحمل معه (١) وفي جواز ذلك في غير النخل من الزرع والخضر تردّد.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في إباحة التناول من ثمرة النخل ، ولم يتردّد فيه المصنّف هنا ، وأكثر الأصحاب عليه ، ومنع العلامة في المختلف (٢).

الثانية : غير النخل من شجر الفواكه والمباطخ والزرع والباذنجان ، وأكثر الأصحاب لم يفرقوا بين النخل وغيره ، وتردد المصنف في غير النخل (٣) ومنع العلامة في الجميع (٤) وباقي الأصحاب على الإباحة في الكلّ ، وكذا العلامة في كتاب الفتوى ، اعني المعتمد (٥) جزم بالجواز في الجميع.

احتج المسوغون بصحيحة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يمرّ بالنخل والسنبل والثمرة ، أيجوز له أن يأكل منها من غير اذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال : لا بأس (٦) وبما رواه محمّد بن مروان قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام أمرّ بالثمرة فآكل منها ، فقال : كل

__________________

(١) هكذا في النسخ المخطوطة ، ويؤيّده ما في حديث محمّد بن مروان من قوله : (ولا تحمل منها) وفي النسخة المطبوعة ، (ولا يجوز أن يأخذ معه) كما أثبتناه.

(٢) المختلف : فيما يحرم الاكتساب به ص ١٦٥ س ٢٤ قال : والأقرب المنع.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٤) تقدم آنفا.

(٥) (المعتمد في الفقه) لا يوجد عندنا ذكره في الذريعة : ج ٢١ ص ٢١٣.

(٦) التهذيب : ج ٧ (٧) باب بيع الثمار ، ص ٩٣ الحديث ٣٦.

٤٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا تحمل منها ، قلت : جعلت فداك انّ التجار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : اشتروا ما ليس لهم (١) وفي معناهما رواية يونس (٢).

احتج المانعون بصحيحة الحسن بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر ، أيحلّ له أن يتناول منه شيئا ويأكل بغير إذن صاحبه ، وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيّم فليس له؟ وكم الحدّ الذي يسعه أن تتناول منه؟ فقال : لا يحلّ له أن يأخذ منه شيئا (٣) وحملها الشيخ في التهذيب على تحريم الأخذ دون الأكل (٤) وحمل العلامة ما ورد من الإباحة على ما إذا علم بشاهد الحال إباحة المالك ، ثمَّ أيّده بما رواه مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : الرجل يمرّ على قراح الزرع (٥) يأخذ منه السنبلة؟ قال : لا ، قلت : أيّ شي‌ء سنبلة!؟ قال : لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ سنبلة كان لا يبقى شي‌ء (٦) (٧). وهذه الرواية مع إرسالها يتضمّن تحريم الأخذ ، لا الأكل ، فيحمل على الحمل ، بخلاف الأخبار المبيحة ، فإنّها صريحة الدلالة في الإباحة. قال التقي : أباح القديم سبحانه عابري السبيل ، الانتفاع بما ينبته الحرث من الخضر والثمار والزرع من غير حمل ولا

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٧) باب بيع الثمار ، ص ٩٣ الحديث ٣٧ وفي ج ٦ أيضا ص ٣٨٣ الحديث ٢٥٥.

(٢) التهذيب : ج ٦ (٩٣) باب المكاسب ، ص ٣٨٣ الحديث ٢٥٦.

(٣) التهذيب : ج ٧ (٧) باب بيع الثمار ص ٩٢ الحديث ٣٥ ثمَّ قال بعد نقل الحديث : قال محمّد بن الحسن : قوله عليه السلام : (لا يحل له أن يأخذ منه شيئا) محمول على ما يحمله معه ، فأمّا ما يأكله في الحال من الثمرة فمباح إلخ.

(٤) التهذيب : ج ٧ (٧) باب بيع الثمار ص ٩٢ الحديث ٣٥ ثمَّ قال بعد نقل الحديث : قال محمّد بن الحسن : قوله عليه السلام : (لا يحل له أن يأخذ منه شيئا) محمول على ما يحمله معه ، فأمّا ما يأكله في الحال من الثمرة فمباح إلخ.

(٥) والقراح أيضا المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر والجمع أقرحة (مجمع البحرين لغة قرح).

(٦) التهذيب : ج ٦ (٩٣) باب المكاسب ص ٣٨٥ الحديث ٢٦١.

(٧) المختلف : فيما يحرم الاكتساب به ص ١٦٥ س ٣٠ قال بعد نقل استدلال الشيخ : والجواب الحمل على ما إذا علم بشاهد الحال اباحة المالك لذلك إلخ.

٤٤٥

الفصل السابع : في بيع الحيوان

إذا تلف الحيوان في مدّة الخيار فهو من مال البائع ولو كان بعد القبض ، إذا لم يكن بسببه ولا عن تفريط منه ، ولا يمنع العيب الحادث من الردّ بالخيار. وإذا بيعت الحامل فالولد للبائع على الأظهر (١) ما لم يشترطه المشتري. ويجوز ابتياع بعض الحيوان مشاعا.

______________________________________________________

إفساد (١) وقال القاضي : إذا مرّ الإنسان بشجر الفواكه جاز أن يأكل منها من غير إفساد (٢) وهو الأرجح لشهرته.

واعلم أن للإباحة شروطا عند القائل بها.

(أ) عدم علمه بكراهية المالك.

(ب) عدم القصد إلى الثمرة ليأكل منها ، بل يكون مجتازا.

(ج) أن لا يحمل معه.

(د) أن لا يفسد على أربابه ، فيحرم بشاهد الحال.

فرع

لو اجتاز اثنان جاز لأحدهما أن يجني من الثمرة ما يأكلانه ، وإن زاد عن حاجة المجني ، لأنّه مأذون لهما في ذلك ، كتلقم الصبيان بعضهم لبعض.

قال طاب ثراه : وإذا بيعت الحامل فالولد للبائع على الأظهر.

أقول : قد تقدم البحث في هذه المسألة.

__________________

(١) الكافي : الضرب الرابع من الأحكام ، فصل في الاذن ص ٣٢٢ س ٨ قال : واباحة القديم تعالى إلخ.

(٢) المختلف : فيما يحرم الاكتساب به ص ١٦٥ س ٢١ قال : وقال ابن البراج : إذا مرّ الإنسان إلخ.

٤٤٦

ولو باع واستثنى الرأس أو الجلد ، ففي رواية السكوني : يكون شريكا بنسبة قيمة ثنياه. (١) ولو اشترك جماعة في شراء حيوان واشترط أحدهم الرأس أو الجلد بماله كان له منه بنسبة ما نقد ، لا ما شرط. ولو قال : اشتر حيوانا بشركتي ، صحّ ، وعلى كلّ واحد نصف الثمن.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو باع واستثنى الرأس أو الجلد ففي رواية السكوني يكون شريكا بنسبة ثنياه.

أقول : للأصحاب في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

(أ) صحة البيع ، والاستثناء إذا كان معيّنا كالرّأس والجلد والصوف ـ وهو قول المفيد (١) والسيد (٢) والتقي (٣) وابن إدريس (٤) وأبي علي (٥) ـ فيكون له ما استثناه ، لأنّه استثنى معلوما ، وعقد البيع غير مانع من اشتراط ما هو معلوم ، لقوله عليه السلام : الشرط جائز بين المسلمين (٦).

(ب) الصحة ويكون البائع شريكا بقدر قيمة الثنيا ، فيقال : كم قيمة هذا الحيوان لو بيع جميعه؟ فاذا قيل : عشرة ، وقيمة منزوع الرأس تسعة ، كان شريكا

__________________

(١) المقنعة : باب اشتراط البائع على المبتاع ص ٩٤ س ٣٦ قال : ولا بأس ان يشترط البائع على المبتاع شيئا يستثنيه ممّا باعه مثل أن يبيعه شاة ويشترط عليه جلدها أو رأسها بعد الذبح لها إلخ.

(٢) الانتصار : كتاب مسائل البيوع ص ٢١٢ س ٤ قال : وممّا ظن انفراد الإمامية ، القول بجواز بيع الإنسان الشاة أو البعير ويشترط إلخ.

(٣) الكافي : البيع ، ص ٣٥٤ س ١ قال : وإذا اقترن العقد باستثناء لبعض ما تناوله الى أن قال : مضى العقد فيما عدا المستثنى.

(٤) السرائر : باب ابتياع الحيوان ص ٢٤١ س ١٦ قال : وإذا باع الإنسان بعيرا أو غنما واستثنى الرأس والجلد كان ذلك جائزا صحيحا إلخ.

(٥) المختلف : في بيع الحيوان ص ٢٠٦ س ١١ قال : وقال أبو علي بن الجنيد : لو استثنى رأس الحيوان أو صوفه أو جلده لجاز.

(٦) عوالي اللئالى : ج ٣ ، باب التجارة ص ٢٢٥ الحديث ١٠٣.

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بعشر الحيوان ، لأنّ البائع قبض ما يساوي تسعة أعشار الثمن ، لأنّ أجزاء الثمن متقسطة على أجزاء المبيع ، ويلغو التعيين ، وهو قول الشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) والخلاف (٣) وتبعه القاضي (٤).

(ج) بطلان البيع بهذا الاستثناء ، لأدائه إلى الغرر والتنازع ، لأنّ المشتري قد يختار التبقية ، وفيها منع للبائع عن الانتفاع بملكه ، وجاز أن يؤول حاله إلى نقصه ، أو عدم الانتفاع به لجواز موته. وان اختار البائع الذبح كان فيه منعا لتسلط المشتري على ملكه بالانتفاع به في تبقيته نفع بظهره ولبنه ونتاجه وعظمه. واختار العلامة قدّس الله روحه ـ ونعم ما اختار ـ وجها رابعا ، وهو صحة البيع والشرط إن كان الحيوان مذبوحا ، أو اشتراه للذبح ، والمنع ان لم يكن كذلك. واحتجّ على الأوّل بأنه استثناء لمعلوم ولا غرر فيه ، فكان جائزا ، وعلى الثاني بما فيه من الجهالة وتضرّر الشريك لو أراد أخذ حقه وضرره لو أجبر على بقائه (٥).

فرع

لو استثنى من اللحم رطلا معلوما ، ظاهر سلار الجواز (٦) ومنع أبو علي لتفاوت

__________________

(١) النهاية : باب ابتياع الحيوان ، ص ٤١٣ س ١٧ قال : وإذا باع الإنسان الى أن قال : واستثنى الرأس والجلد كان شريكا إلخ.

(٢) المبسوط : في بيع الثمار ، ص ١١٦ س ١٥ قال : ومتى فعل ذلك كان شريكا بمقدار الرأس أو الجلد إلخ.

(٣) الخلاف : كتاب البيوع ، مسألة ١٤٩ قال : ومتى باع كذلك كان شريكا له بمقدار ما يستثني منه إلخ.

(٤) المهذب : ج ١ ، باب بيع الثمار ، ص ٣٨٢ س ١٣ قال : وان فعل ذلك كان له مقدار الجلد والرأس إلخ.

(٥) المختلف : في بيع الحيوان ، ص ٢٠٦ س ١٦ قال : والتحقيق أن نقول : إن كانت مذبوحة إلخ.

(٦) المراسم : ذكر بيع الثمار ، ص ١٧٨ س ٥ قال : وكل شرط شرطه البائع الى ان قال : أو بعضها

٤٤٨

ولو قال : الربح لنا ولا خسران عليك ، لم يلزم الشرط. وفي رواية : إذا شارك في جارية وشرط الشريك الربح دون الخسارة ، جاز.

ويجوز النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها إذا أراد شراءها.

ويستحب لمن اشترى رأسا أن يغير اسمه ، ويطعمه شيئا حلوا ويتصدّق عنه بأربعة دراهم ويكره أن يريه ثمنه في الميزان.

______________________________________________________

مواضع اللحم بالجودة وعدمها ، فان عيّن المكان بما لا يختلط بغيره جاز (١).

قال طاب ثراه : ولو قال : الربح لنا ولا خسران عليك لم يلزم الشرط ، وفي رواية : إذا شارك في جارية وشرط للشريك الربح دون الخسارة ، جاز.

أقول : مذهب الشيخ في النهاية لزوم الشرط (٢) وتبعه القاضي (٣) واختاره العلامة في المختلف (٤) لأصالة الجواز ، ووجوب الوفاء بالشرط للآية (٥) والرواية (٦) ولصحيحة رفاعة قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل شارك في جارية له ، وقال : إن ربحنا فيها فلك نصف الربح وإن كان وضيعة فليس عليك شي‌ء؟

فقال : لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية (٧) وقال ابن إدريس :

__________________

بالوزن ، فجائز.

(١) المختلف : في بيع الحيوان ص ٢٠٦ س ٢٣ قال : وقال أبو على : لا يجوز لأنّ مواضع اللحم بتفاضل إلخ.

(٢) النهاية : باب ابتياع الحيوان ص ٤١١ س ٤ قال : فان اشترط عليه الى أن قال : وليس عليه من الخسران شي‌ء ، كان على ما اشترطا عليه.

(٣) المختلف : في بيع الحيوان ص ٢٠٣ س ٣٩ قال : فان اشترط عليه أن يكون له الربح إن ربح الى أن قال : وتبعه ابن البراج الى أن قال : فقول الشيخ (ره) هو المعتمد.

(٤) المختلف : في بيع الحيوان ص ٢٠٣ س ٣٩ قال : فان اشترط عليه أن يكون له الربح إن ربح الى أن قال : وتبعه ابن البراج الى أن قال : فقول الشيخ (ره) هو المعتمد.

(٥) كقوله تعالى (إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) النساء ـ ٢٩ : وقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة ـ ١.

(٦) قال عليه السلام : المؤمنون عند شروطهم ، لاحظ عوالي اللئالى : ج ٤ ص ٣٦٠.

(٧) الفروع : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب شراء الرقيق ص ٢١٢ الحديث ١٦.

٤٤٩

ويلحق بهذا الباب مسائل

الأولى : المملوك يملك فاضل الضريبة ، وقيل : لا يملك شيئا.

الثانية : من اشترى عبدا له مال ، كان ماله للبائع إلّا مع الشرط.

______________________________________________________

لا يلزم الشرط ، لأنّ الربح والخسران على قدر رؤوس الأموال ، فإذا شرط الخسران على أحدهما دون الآخر كان مخالفا للكتاب والسنة (١) وأجاب العلامة : بأنّ ذلك مع الشرط أو بدونه؟ الثاني مسلّم والأوّل ممنوع (٢).

قال طاب ثراه : المملوك يملك فاضل الضريبة ، وقيل : لا يملك شيئا.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

(أ) ملك المال ، لا مستقرا ، وهو ظاهر الصدوق (٣) وأبي علي (٤) فإنّهما أطلقا القول : بأنّ العبد يملك ، لقول الصادق عليه السلام : إذا أدّى الى سيّده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك (٥) ولفظة له حقيقة في الملك.

(ب) انه يملك التصرف خاصة وعليه الشيخ في النهاية (٦) فيجوز أن يتصدّق منه

__________________

(١) السرائر : باب ابتياع الحيوان ، ص ٢٣٩ س ٣٦ قال بعد نقل قول الشيخ : لأنه مخالف لأصول المذهب ، لأنّ الخسران على رؤوس الأموال بغير خلاف إلخ.

(٢) المختلف : في بيع الحيوان ، ص ٢٠٤ س ٩ قال : وقوله : إنّ الخسران على قدر رأس المال ، قلنا إلخ.

(٣) المقنع : باب العتق والتدبير ، ص ١٦١ س ٩ فإنه قدّس سرّه نقل رواية عمر بن يزيد ولم يزد عليها شيئا ، فلا حظ.

(٤) لم أعثر عليه.

(٥) الفروع : ج ٦ ، باب المملوك يعتق وله مال ص ١٩٠ قطعة من حديث ١.

(٦) النهاية : كتاب العتق ، باب المكاتبة ، ص ٥٥٠ س ٢ وفيه ما لفظه : «ولا يجوز لهذا المكاتب أن يتصرّف في نفسه بالتزويج ولا بهبة المال ولا بالعتق ما دام قد بقي عليه شي‌ء ، وانما يجوز له التصرّف في ماله بالبيع والشراء إلخ».

٤٥٠

الثالثة : يجب على البائع استبراء الأمة قبل بيعها بحيضة إن كانت ممّن تحيض ، وبخمسة وأربعين يوما إن لم تحض وكانت من سنّ من تحيض. وكذا يجب الاستبراء على المشتري إن لم يستبرئها البائع. ويسقط الاستبراء على الصغيرة واليائسة والمستبرأة وأمة المرأة. ويقبل

______________________________________________________

ـ ويعتق عبده ، واستند في العتق إلى صحيحة عمر بن يزيد (١).

(ج) اباحة التصرّف خاصة ، لا ملك التصرّف ، ولم يمنع من هذا الوجه الثالث مانع بل هو إجماع. والفرق بينه وبين الثاني من وجهين :

(أ) أنّ ملك التصرّف أقوى من إباحته ، فإنّ في الإباحة لو ظهر له شاهد حال من المالك بكراهة التصرّف لم يجز أن يتصرّف.

(ب) أن في ملك التصرّف ، له أنّ يتصدّق منه ويطعم غيره ، وليس له ذلك في الإباحة.

والذي ذهب إليه المصنف (٢) والعلامة في أكثر كتبه منع الملك بقسميه (٣) أي ملك الرقبة وملك التصرّف ، لقوله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (٤) وهو نكرة في سياق النفي ، فيفيد العموم ، ولقوله تعالى (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) (٥) وهو توبيخ في صورة الاستفهام ، واختاره ابن إدريس (٦).

__________________

(١) تقدم آنفا نقله عن الفروع.

(٢) الشرائع : كتاب التجارة ، في بيع الحيوان ، قال : الاولى العبد لا يملك ، وقيل : يملك فاضل الضريبة إلخ.

(٣) القواعد : كتاب الدين ، ص ١٧٠ س ١١ قال : والأقرب انه لا يملك شيئا إلخ والتذكرة ج ٢ كتاب الديون ص ٨ س ١٩ قال : مسألة المشهور بين علمائنا أنّ العبد لا يملك شيئا إلخ.

(٤) النحل : ٧٥.

(٥) الروم : ٢٨.

(٦) السرائر : باب ابتياع الحيوان ص ٢٤٠ س ٣٣ قال : لأنّ العبد عندنا لا يملك شيئا لقوله تعالى إلخ.

٤٥١

قول العدل إذا أخبر بالاستبراء. ولا توطأ الحامل قبلا حتى تمضى لحملها أربعة أشهر. ولو وطأها عزل ، ولو لم يعزل كره له بيع ولدها ، واستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو توطأ الحامل قبلا حتى يمضي لحملها أربعة أشهر ، ولو وطأها عزل ، ولو لم يعزل كره له بيع ولدها ، ويستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا.

أقول : هذه المسألة من المواضع المشكلة من علم الفقه ، وسبب إشكالها عدم ترتّبها على القوانين المقرّرة في علم الفقه ، وحصر البحث فيها يقع في مقامين :

الأوّل : في إباحة الوطء وعدمه ، وهو مقام مشكل ، وبيانه : أنّ الحمل إن كان عن نكاح صحيح ، أو شبهة لم يجز الوطء إلّا بعد الوضع لعموم قوله تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (١) وإن كان عن زنا جاز وطؤها في الحال لأن ماء الزنا لا حرمة له فكذا حمله.

ولئن قلت : لا نسلّم جواز وطء الموطوءة بالزنا قبل الاستبراء ، حذرا من اختلاط المائين ، وقد صرّح به العلامة في قواعده حيث قال : والقذف قد يجب بان يرى امرأته قد زنت في طهر لم يطأها فيه ، فإنه يلزمه اعتزالها حتى ينقضي العدة ، فإن أتت بولد لستة أشهر من حين الزنا ولأكثر من أقصى مدة الحمل من وطئه ، لزمه نفيه ، لتخلص من الإلحاق المستلزم للتوارث والنظر الى بناته وأخواته (٢).

قلنا : تسليم هذه المقدمة لا يضرّنا ، لأنّ التقدير على كون هذه الأمة حاملا ، فانتفى الاختلاط.

وإطلاق الأصحاب تحريم الوطء قبل أربعة الأشهر وعشرة الأيام ، وإباحته مع

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) القواعد : كتاب الفراق ، في اللّعان ، المقصد الرابع في اللواحق ، ص ٩٥ س ١٧ قال : والقذف قد يجب إلخ.

٤٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الكراهة بعدها ، مناف للأصول المقرّرة ، لأنّ الحمل لا يخلو في نفس الأمر عن أحد التقديرين فان كان عن نكاح صحيح حرم حتى الوضع ، وإن كان عن زنا لم يحرم في الحال.

والتحقيق في الجواب عن الإشكال أن نقول :

المراد بالزنا كما جزم به العلامة في كتاب فتواه ، أعني المعتمد ، وجاز اختصاص التحريم في هذا الموضع لخصوصية المسألة ، من حيث انّه داخل تحت مسمّى الاستبراء ، فيكون هذا النصاب قدر استبراء الحامل ، كما أنّ الحيضة قدر استبراء الحائل ، ولعلّ حكمة التخصيص إمّا لكون ذلك تكليفا للمشتري حذرا من التوثب على الفروج ، لأنّ المملوكة في محل الطمع ، وإمّا لأنّه قبل النصاب تشتدّ ملابسة الحمل بالواطئ ، لا أنه يصير جزءا من الرجل لانعقاده قبل وطيه ، بل لأنّ الجماع يثير الطمث ويفعل في مزاج المرأة ما يغير مزاج اللبن ، وهو غذاء الطفل وعليه نموّه ، ومنه تحريم المحلّل إذا ارتضع بلبن خنزيرة ، فلهذا حكمنا بنشر الحرمة في الرضاع وقلنا يصير صاحب اللبن أبا وليس مرتضعا من لبنه ، وجعل الشارع الحرمة المنتشرة في الفحل الى المرتضع أقوى من حرمة المرتضعة ، حيث حرّم على الصبيّ كل من ينسب إلى الفحل ولادة ورضاعا ومن ينسب إلى المرضعة ولادة خاصة ، مع انه يتغذى من لبنها وتشتد لحمه عليه ، وهو من دمها ، وليس ذلك إلّا لكون جماع الرجل يؤثّر في مزاج المرأة وفي لبنها كيفية توجب له تغييرا ، ويؤيّد هذا التأويل ما روي عنه صلّى الله عليه وآله : لا تقتلوا أولادكم غيلة (١) قالوا : معناه ، لا تجامعوا المرضعات فان الجماع يثير الطمث ويفسد اللبن ، ولهذا لا ينعقد الإيلاء لو كان وقوعه لصلاح اللبن ، والله أعلم.

__________________

(١) عوالي اللئالى : ج ٣ باب التجارة ص ٢٢٦ الحديث ١٠٧ ولا حظ ما علق عليه.

٤٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المقام الثاني : في أحكام هذه المسألة ، وأصل الفتوى ما رواه الحسين بن محبوب عن رفاعة موسى قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام قلت : أشتري الجارية فتمكث عندي الأشهر لا يطمث وليس ذلك من كبر ، قلت : فأريتها النساء فيقلن ليس بها حملا ، فلي أن أنكحها في فرجها؟ قال : انّ الطمث قد تحبسه الريح من غير حبل ، فلا بأس أن تمسّها في الفرج ، قلت : فان كانت حبلى فما لي منها ان أردت؟ فقال : لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حملها أربعة أشهر وعشرة أيام ، فإذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج (١). وروى محمّد بن يعقوب في كتابه بإسناده إلى إسحاق بن عمار قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل اشترى جارية حاملا وقد استبان حملها فوطئها ، قال : بئس ما صنع ، قلت : ما تقول فيه؟ فقال : أعزل عنها أم لا؟ قلت : أجنبي في الوجهين ، قال : إن كان عزل عنها فليتق الله ولا يعود ، وان كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد ولا يورثه ولكن يعتقه ويجعل له شيئا من ماله يعيش به ، فإنه قد غذّاه بنطفته (٢) وفي أخرى عن النبي صلّى الله عليه وآله : لأنّ نطفتك غذّت سمعه وبصره ولحمه ودمه (٣) وعن الصادق عليه السّلام : لأنه شارك في إتمام الولد (٤).

قوله «ولو وطأها عزل» أي ولو أراد وطءها ، وليس العزل مبيحا للوطء ، بل

__________________

(١) الفروع : ج ٥ ، كتاب النكاح ، باب الأمة يشتريها الرجل وهي حبلى ، ص ٤٧٥ الحديث ٢ وفيه الى قوله «لك ما دون الفرج» والظاهر أنّ ما بعده من قوله «الى أن تبلغ» إلى أخره من كلام المصنف.

(٢) الفروع : ج ٥ كتاب النكاح ، باب الرجل يشتري الجارية الحامل فيطؤها فتلد عنده ، ص ٤٨٧ الحديث ١.

(٣) الفروع : ج ٥ كتاب النكاح ، باب الرجل يشتري الجارية الحامل فيطؤها فتلد عنده ، ص ٤٨٧ قطعة من حديث ٢.

(٤) الفروع : ج ٥ كتاب النكاح ، باب الرجل يشتري الجارية الحامل فيطؤها فتلد عنده ، ص ٤٨٨ قطعة من حديث ٣.

٤٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مخفف لما يترتب عليه من الاحكام ، فلا يكره له بيع الولد ، ولا يترتّب عليه باقي الأحكام.

واعلم أنّ العلامة قدّس الله روحه اضطربت فتواه في هذه المسألة ، فذكرها في القواعد في ثلاثة مواضع وأفتى في كلّ موضع بخلاف الآخر ، فقال في كتاب التجارة : ويحرم وطوء الحامل قبلا قبل مضيّ أربعة أشهر وعشرة أيام ويكره بعده إن كان عن زنا ، وفي غيره اشكال (١) وقال في كتاب النكاح : ولو اشتراها حاملا كره له وطؤها قبلا قبل الوضع ، أو مضيّ أربعة أشهر وعشرة أيّام إن جهل حال الحمل لأصالة عدم إذن المولى في الوطء ، وإن علم إباحته بعقد أو تحليل حرم حتى يضع ، وإن علم كونه عن زنا فلا بأس (٢) وقال في كتاب الطلاق : كلّ من ملك جارية موطوءة ببيع أو غيره من استغنام أو صلح أو ميراث أو أيّ سبب كان لم يجز له وطؤها إلّا بعد الاستبراء فان كانت حبلى من مولى أو زوج أو وطء شبهة لم ينقض الاستبراء إلّا بوضعه أو مضىّ أربعة أشهر وعشرة أيام ، فلا يحلّ له وطؤها قبلا قبل ذلك ويجوز في غير القبل ويكره بعدها (٣).

ففي الوجه الأوّل جعل الاستبراء واعتبار نصابه وأحكامه ، محمولا على الزنا جزما ، وتوقف في غيره. وفي الثاني جعل الأحكام متعلّقة بجهل حال الحمل وجزم فيه بالكراهة ، وأسقط الأحكام مع العلم ، إذ مع إباحة الوطء يحرم حتى الوضع ،

__________________

(١) القواعد : كتاب المتاجر ، المطلب الثاني في الأحكام ، ص ١٣٠ س ٥ قال : ويحرم وطوء الحامل قبلا إلخ.

(٢) القواعد : كتاب النكاح ، الفصل الرابع في بقايا مسائل متبددة ، ص ٣٢ س ٣ قال : ولو اشتراها إلخ.

(٣) القواعد : كتاب الفراق ، في الطلاق ، المطلب الثاني في الاستبراء ص ٧٣ س ١٤ قال : فمن ملك جارية إلخ.

٤٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومع تحريمه يجوز في الحال ، لأنّ ماء الزّاني لا حرمة له. وفي الثالث جعل الأحكام متعلّقة بالوطء المباح ، ولعلّه استند إلى عموم الإذن في وطء المملوكة ولا حرمة لحمل الزنا ، فحمل الرواية على الوطء المباح ، وهو ضعيف لعموم قوله تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (١) وفي غزاة أوطاس (٢) أمر النبي صلّى الله عليه وآله مناديه : لا يوطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيال حتى يستبرئن بحيضة (٣).

والقول الأوّل فيه أيضا نظر ، لانّه حمل الرواية على الزنا واستشكل في غيره ، وهو صنفان ، علم الإباحة ، وعدم العلم بحال الحمل ، وفي الثاني يقوى جواز الوطء كما اختاره في الوجه الثاني ، أمّا أوّلا فلما ذكره من أصالة عدم إذن المولى ، وأمّا ثانيا فلما في المنع من معارضة جواز الانتفاع بالملك الّا مع تعيّن سبب المنع ، وليس ، ولعموم قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٤) وقوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٥). وعلى تقدير علم الإباحة قيام الدليل على التحريم حتى الوضع ظاهر ، فلا معنى للتوقف على هذا التقدير.

واعلم أنّ قول الثاني هو فتوى ابن إدريس (٦) وهو مذهب الشيخ في الخلاف (٧).

__________________

(١) الطلاق : ٤.

(٢) أوطاس واد في ديار هوازن فيه كانت وقعة حنين للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ببني هوازن ويومئذ قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : حمى الوطيس وذلك حين استعرت الحرب ، وهو صلّى الله عليه وآله وسلّم أوّل من قاله (معجم البلدان ج ١).

(٣) عوالي اللئالى : ج ٣ ، باب التجارة ص ٢٢٨ الحديث ١١٢ ولاحظ ما علق عليه.

(٤) النساء : ٢٤.

(٥) النساء : ٣.

(٦) السرائر : كتاب النكاح ، باب السراري وملك الأيمان ، ص ٣١٥ س ٦ قال : ومتى اشترى رجل جارية حاملة كره له وطؤها في القبل دون أن يكون ذلك محظورا إلخ.

(٧) الخلاف : كتاب العدة ، مسألة ٤٦ قال : إذا اشترى امة حاملا كره له وطؤها إلخ.

٤٥٦

الرابعة : يكره التفرقة بين الأطفال وأمّهاتهم حتى يستغنوا. وحدّه سبع سنين ، وقيل : أن يستغنى عن الرضاع ، ومنهم من حرّم.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ويكره التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم حتى يستغنوا ، وحدّه سبع سنين وقيل : أن يستغني عن الرضاع ، ومنهم من حرّم.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : هل التفرقة مكروهة أو محرّمة؟ بالأوّل قال الشيخ في باب العتق من النهاية (١) وتبعه ابن إدريس (٢) والمصنف (٣) والعلامة (٤) وبالثاني قال في باب بيع الحيوان من النهاية (٥) وبه قال المفيد (٦) والتقي (٧) وسلار (٨) وأبو علي (٩) وطرّد الحكم الى من يقوم مقامه في الشفعة كالأخوين.

__________________

(١) النهاية : باب العتق واحكامه ص ٥٤٦ س ٤ قال : ويكره أن يفرق بين الولد وبين أمّه إلخ.

(٢) السرائر : باب ابتياع الحيوان ص ٢٣٩ س ١٥ قال : ويكره التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم إذا ملكوا إلخ.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف : في بيع الحيوان ص ٢٠٣ س ١٦ قال : مسألة للشيخ في النهاية قولان في التفرقة بين الأطفال الى أن قال : والأقرب تغليظ الكراهة.

(٥) النهاية : باب ابتياع الحيوان ص ٤١٠ س ٦ قال : ولا يجوز التفرقة بين الأطفال وأمّهاتهم إذا ملكوا حتى يستغنوا عنهنّ.

(٦) المقنعة : باب ابتياع الحيوانات ص ٩٣ س ١٦ قال : ولا يجوز التفرقة بين الأطفال وأمّهاتهم إذا ملكوا حتى يستغنوا عنهنّ.

(٧) لم أعثر عليه في الكافي ، والظاهر انه اشتباه والصحيح القاضي ابن البراج ، وذلك لأن اعتماد المصنف قدّس سرّه غالبا على المختلف وما نقل فيه عن التقي في ذلك شيئا بل قال ما لفظه ، وممن قال بالأوّل ـ أي عدم الجواز ـ أبو علي بن الجنيد وشيخنا المفيد وابن البراج إلخ فلا حظ المهذب : ج ١ ، كتاب الجهاد ، باب الأسارى ص ٣١٨ س ٢ قال : وإذا سبيت المرأة وولدها لم يجز للإمام أن يفرّق بينهما إلخ.

(٨) المراسم : ذكر الشرط الخاص في البيع والمبيع ص ١٧٧ س ٥ قال : ولا يفرق بين الأطفال وأمهاتهم في البيع إلخ.

(٩) تقدم نقله عن المختلف.

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

احتج الأوّلون : بالأصل ، وبقوله عليه السّلام : الناس مسلّطون على أموالهم (١).

احتج المحرّمون بحسنة معاوية بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : اتي رسول الله صلّى الله عليه وآله بسبي من اليمن فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم ، فباعوا جارية من السبي كانت أمّها معهم ، فلمّا قدموا إلى النبي صلّى الله عليه وآله سمع بكاها فقال : ما هذه؟ قالوا : يا رسول الله احتجنا إلى نفقة فبعنا ابنتها ، فبعث بثمنها واتي بها وقال : بيعوهما أو أمسكوهما (٢) وبحسنة هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام قال : اشتريت له جارية من الكوفة قال : فذهبت لتقوم في بعض الحاجة فقالت : يا أمّاه فقال لها أبو عبد الله عليه السّلام ألك أمّ؟ قالت : نعم فأمر بها فردّت وقال : ما آمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره (٣) وعن سماعة قال : سألته عن مملوكين أخوين هل يفرق بينهما ، وعن المرأة وولدها؟ قال : لا ، هو حرام. إلّا أن يريدوا ذلك (٤).

الثانية : في الغاية التي يزول معها تحريم التفرقة أو كراهتها.

فنقول : الخلاف هنا مبنيّ على الخلاف في مدّة الحضانة ، وابن الجنيد جعلها سبع سنين في الذكر والأنثى (٥) والشيخ في النهاية جعلها مدّة الحولين في الذكر

__________________

(١) عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢٢٢ الحديث ٩٩ وص ٤٥٧ الحديث ١٩٨ وج ٢ ص ١٣٨ الحديث ٣٨٣ وج ٣ ص ٢٠٨ الحديث ٤٩ ولاحظ ما علق عليه.

(٢) الفروع : ج ٥ ، كتاب المعيشة ، باب التفرقة بين ذوي الأرحام من المماليك ص ٢١٨ الحديث ١.

(٣) المصدر نفسه ص ٢١٩ الحديث ٣.

(٤) المصدر نفسه ص ٢١٨ الحديث ٢.

(٥) المختلف : في لواحق النكاح ص ٢٦ س ٢٨ قال : وقال ابن الجنيد : الأمّ أحق بالصبيّ إلى سبع سنين الى أن قال : وأمّا البنت فالامّ أولى بها ما لم تتزوّج الأمّ.

٤٥٨

الخامسة : إذا وطأ المشتري الأمة ثمَّ بان استحقاقها انتزعها المستحق ، وله عقرها نصف العشر إن كانت ثيّبا ، والعشر ان كانت بكرا. وقيل : يلزمه مهر أمثالها ، (١) وعليه قيمة الولد يوم سقط حيّا ، ويرجع بالثمن وقيمة

______________________________________________________

وسبعا في الأنثى (١) وتبعه القاضي في الكامل (٢) وابن حمزة (٣) وابن إدريس (٤). والمفيد جعلها مدة الحولين في الذكر وتسعا في الأنثى (٥) وتبعه سلار (٦) ، والقاضي في المهذب جعلها في الذكر الى سبع وفي الأنثى إلى تسع (٧) والصدوق في المقنع قال : الأمّ أحقّ به ما لم تتزوّج (٨) ، ولم يفصّل بين الذكر والأنثى.

قال طاب ثراه : وإذا وطأ المشتري الأمة ثمَّ بان استحقاقها انتزعها المستحق ، وله عقرها نصف العشر إن كانت ثيبا والعشر إن كانت بكرا. وقيل : يلزمه مهر أمثالها.

__________________

(١) النهاية : باب الولادة والعقيقة ، ص ٥٠٣ س ١٩ قال : والامّ أولى بالولد من الأب مدّة الرضاع ، إلخ.

(٢) المختلف : في لواحق النكاح ص ٢٦ س ٣٩ قال : وابن البراج في الكامل تبع شيخنا في النهاية.

(٣) الوسيلة : فصل في بيان من له حظ في الحضانة ومن هو أولى بها ، ص ٢٨٨ س ٥ قال : فالامّ أولى بالابن حتى يفطم والبنت حتى تبلغ سبع سنين إلخ.

(٤) السرائر : كتاب النكاح ، باب أحكام الولادة ، ص ٣١٩ س ٤ قال : وأحق به مدّة حولين الى أن قال : فان كان الولد أنثى فالأمّ أحقّ بها الى سنتين (هكذا) ما لم يزوج الأمّ إلخ.

(٥) المقنعة : باب الحكم في أولاد المطلقات ، ص ٨٢ س ١٦ قال : فاذا فصل الصبي من الرضاع كان الأب أحقّ بكفالته من الامّ والامّ أحق بكفالة البنت حتى تبلغ تسع سنين إلخ.

(٦) المراسم : ذكر ما يلزم به ، ص ١٦٤ س ١٣ قال : فالذكر : الأب أحقّ بكفالته من الامّ ، والأنثى : الأمّ أحق بكفالتها حتى تبلغ تسع سنين إلخ.

(٧) المهذب : ج ٢ باب أحكام الولادة والعقيقة ص ٢٦٢ س ٧ قال : وإذا كان الولد ذكرا فوالدته أحق به من أبيه مدّة الرضاع الى أن قال : وإذا كان أنثى فوالدته أحق به من أبيه إلى سبع سنين إلخ.

(٨) المختلف : في لواحق النكاح ص ٢٦ س ٢٨ قال : وقال الصدوق في المقنع : إذا طلق الرجل زوجته وبينهما ولد فالمرأة أحق بالولد ما لم تتزوّج. ولم أعثر عليه في المقنع.

٤٥٩

الولد على البائع ، وفي رجوعه بالعقر قولان : (١) أشبههما الرجوع.

السادسة : يجوز ابتياع ما يسبيه الظالم ، وإن كان للإمام بعضه أو كلّه.

______________________________________________________

أقول : وجوب مهر المثل قول الشيخ (١) وابن إدريس (٢) قال : وذهب بعض أصحابنا الى أنّ عليها نصف عشر قيمتها مع الثيبوبة ، والعشر مع البكارة.

قال طاب ثراه : وفي رجوعه بالعقر قولان :

أقول : ذهب ابن إدريس إلى عدم رجوعه بالعقر ، وهو عوض البضع ، لحصول عوض في مقابلته ، وهو الوطء ، وهو بناء على انّ المغرور انّما يرجع على الغارّ بما لم يحصل له في مقابلته نفع كالنفقة وقيمة الولد والعمارة ، وأمّا ما حصل في مقابلته نفع كالثمرة والسكنى فلا (٣) وذهب العلامة في كتبه إلى الرجوع بالجميع لمكان الغرور (٤).

قال طاب ثراه : ويجوز ابتياع ما يسبيه الظالم ، وإن كان للإمام بعضه أو كلّه.

أقول : ما يسبيه الظالم في حال الغيبة يكون بأجمعه للإمام عليه السّلام ، وقد أباحوا ذلك لشيعتهم على ما عرفته في باب الخمس ، فهذا تصوير ما يكون للإمام

__________________

(١) المبسوط : ج ٣ ، كتاب الغصب ص ٦٦ س ٣ قال : فان كانت ثيبا فلا شي‌ء عليه سوى المهر إلخ

(٢) السرائر : باب العقد على الإماء والعبيد ص ٣٠٥ س ١٨ قال : وقد روي أنّ عليه لمولى الجارية عشر قيمتها إن كانت إلخ.

(٣) السرائر : باب ابتياع الحيوان ، ص ٢٣٩ س ١٩ قال : ومتى اشترى جارية فأولدها فظهر أنّها كانت مغصوبة ، الى أن قال : وليس له أن يرجع عليه بما غرمه عن وطئها لأنّه حصل له بدلا منه انتفاع ولذّة واستمتاع إلخ.

(٤) المختلف : في بيع الحيوان ص ٢٠٣ س ٣٧ قال : نعم له المطالبة بثمنه وحينئذ يرجع المشتري على البائع بقيمته. وفي التذكرة : ج ١ في أحكام البيع الفاسد ص ٤٩٦ س ١٩ قال : وأمّا لو اشترى جارية واستولدها فخرجت مستحقة يغرم قيمة الولد ويرجع على البائع لأنّه غرّه إلخ.

٤٦٠