المهذّب البارع - ج ٢

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

الرابع : الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

______________________________________________________

إدريس (١) وأبو علي (٢) واختاره المصنف (٣) والعلامة (٤) وعليه الأكثر ، وقال في المبسوط : ولو قلنا انه يصير حرا على كل حال كان قويّا (٥).

احتج الأوّلون بما مرّ (٦) وبما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام انّ النبي صلّى الله عليه وآله حيث حاصر أهل الطائف ، قال : أيّما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر ، وأيّما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد (٧) احتج الآخرون : بأنّ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (٨) فاذا أسلم صار حرا ، والّا لكان الإسلام يعلى عليه ، ولانّه قد يتعذّر عليه الخروج إلينا ، أو يتعسّر فيسقط ، دفعا لاشتراط المشق ، ولما في ذلك من الترغيب له في الإسلام.

وأجاب العلامة عن الأوّل ، بأنه يباع من المسلمين إن لم يغنم (٩).

مقدّمة

المعروف هو كل فعل حسن اختص بوصف زائد على حسنه. والمنكر كلّ وصف قبيح. والأمر هو الحمل على فعل الطاعات. والنهى الحمل على ترك المنهيات.

__________________

(١) السرائر : باب قسمة الغنيمة وأحكام الأسارى ص ١٥٧ س ٣٣ قال : وعبيد المشركين إذا لحقوا بالمسلمين قبل مواليهم وأسلموا إلخ.

(٢) المختلف : في أحكام الغنيمة ص ١٦٠ س ١ قال : وهو اختيار ابن الجنيد الى أن قال : وهو الأقرب.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف : في أحكام الغنيمة ص ١٦٠ س ١ قال : وهو اختيار ابن الجنيد الى أن قال : وهو الأقرب.

(٥) المبسوط : ج ٢ ، فصل في حكم الحربي إذا أسلم في دار الحرب ص ٢٧ س ٧ قال : وإن قلنا إلخ.

(٦) من الأدلّة المتقدمة.

(٧) التهذيب : ج ٦ (٦٨) باب حكم عبيد أهل الشرك ص ١٥٢ الحديث ١.

(٨) الفقيه : ج ٤ (١٧١) باب ميراث أهل الملل ص ٢٤٣ الحديث ٣.

(٩) المختلف : في أحكام الغنيمة ص ١٦٠ س ٦ قال : والجواب : انه يباع إلخ.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهما من أعظم فرائض الإسلام وأهمّها في نظر الشرع.

والقرآن مشحون بالحثّ عليهما. قال تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١) وقال تعالى : (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) (٢) فمدحهم على أمرهم ونهيهم كما مدحهم على إيمانهم ، وقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٣).

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البرّ والتقوى ، فاذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء (٤) وقال عليه السّلام : من طلب مرضات الناس بما يسخط الله كان حامده من الناس ذامّا ، ومن آثر طاعة الله عزّ وجلّ بما يغضب الناس كفاه الله عزّ وجلّ عداوة كلّ عدو وحسد كلّ حاسد وبغي كلّ باغ ، وكان الله عزّ وجلّ له ناصرا وظهيرا (٥) وقال أمير المؤمنين عليه السّلام : من ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه ، فهو ميت بين الأحياء في كلام هذا ختامه (٦).

وروي جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال : يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون ، يتقرّؤون ويتنسّكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلّا إذا أمنوا الضرر ، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير ، يتبعون زلّات العلماء وفساد عملهم يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال ، ولو

__________________

(١) آل عمران : ١٠٤.

(٢) آل عمران : ١١٤.

(٣) آل عمران : ١١٠.

(٤) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٨١ الحديث ٢٢.

(٥) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٧٩ الحديث ١٥.

(٦) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٨١ الحديث ٢٣.

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها ، انّ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض ، هنا لك يتمّ غضب الله عليهم فيعمّهم بعقابه ، فيهلك الأبرار في دار الفجار والصغار في دار الكبار ، إنّ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء ، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب ، وتردّ المظالم ، وتعمر الأرض ، وينتصف من الأعداء ، ويستقيم الأمر ، فأنكروا بقلوبكم ، والفظوا بألسنتكم ، وصكّوا بها جباههم ، ولا تخافوا في الله لومة لائم ، فإن اتعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم ، (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ ، وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، هنا لك فجاهدوهم بأبدانكم وأبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بظلم ظفرا حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا الى طاعته (١). وقال الصادق عليه السّلام : ما قدست امّة لم يؤخذ لضعيفها من قويّها بحقه غير متعتع (٢) (٣). وقال عليه السّلام : الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر خلقان من خلق الله ، فمن نصرهما أعزّه الله تعالى ، ومن خذلهما خذله الله تعالى (٤) وقال الكاظم عليه السّلام : لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر ، أو ليستعملنّ عليكم شراركم ، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم (٥) وقال أمير المؤمنين عليه السّلام : أدنى الإنكار أن يلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة (٦) وقال الصادق

__________________

(١) الفروع : ج ٥ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ٥٥ الحديث ١.

(٢) متعتع بفتح التاء ، أي من غير أن يصيبه أذى يقلقه ويزعجه (مجمع البحرين).

(٣) الفروع : ج ٥ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ٥٦ الحديث ٢.

(٤) الفروع : ج ٥ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ٥٩ الحديث ١١.

(٥) الفروع : ج ٥ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ٥٦ الحديث ٣.

(٦) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٧٦ الحديث ٥.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام : حسب المؤمن (عزّا) إذا رأى منكرا أن يعلم الله من نيته أنّه له كاره (١) وقال عليه السّلام : إنّما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ ، أو جاهل فيتعلّم ، فأمّا صاحب سوط وسيف فلا (٢) وقال عليه السّلام لمفضل بن يزيد : يا مفضل من تعرض لسلطان جائر فأصابته ، بليّة لم يؤجر عليها ولم يرزق الصبر عليها (٣) وعن داود الرقى قال سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه ، قيل له : وكيف يذلّ نفسه؟ قال : يتعرّض لما لا يطيق (٤). وعن مفضل بن عمر عنه عليه السّلام قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه ، قلت : ما يذلّ نفسه؟ قال : لا يدخل في شي‌ء يعتذر منه (٥) وروى عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله عليه السّلام لما نزلت هذه الآية : «يا ايها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا» (٦) جلس رجل من المسلمين يبكي ، وقال : أنا قد عجزت عن نفسي ، كلفت أهلي!! فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك (٧) وروى سماعة عن أبي بصير في قول الله عزّ وجلّ (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) قلت : كيف أقيهم؟ قال : تأمرهم بما أمر الله عزّ وجلّ وتنهاهم عمّا نهى الله عزّ وجلّ ، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم ، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك (٨).

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٧٨ الحديث ١٠.

(٢) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٧٨ الحديث ١١.

(٣) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٧٨ الحديث ١٢.

(٤) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٨٠ الحديث ١٧.

(٥) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٨٠ الحديث ١٨.

(٦) التحريم : ٦.

(٧) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٧٨ الحديث ١٣.

(٨) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٧٩ الحديث ١٤.

٣٢٤

وهما واجبان على الأعيان في أشبه القولين. (١) والأمر بالواجب واجب ، وبالمندوب مندوب والنهى عن المنكر كله واجب ولا يجب أحدهما ما لم يستكمل شروطا أربعة ، العلم بانّ ما يأمر به معروف وما ينهى عنه منكر. وأن يجوّز تأثير الإنكار. وألّا يظهر من الفاعل أمارة الإقلاع. وألّا يكون فيه مفسدة. وينكر بالقلب ، ثمَّ باللسان ، ثمَّ باليد. ولا ينتقل إلى الأثقل إلّا إذا لم ينجح الأخف. ولو زال بإظهار الكراهية اقتصر ، ولو كان بنوع من اعراض. ولو لم يثمر انتقل إلى اللسان ولو لم يرتفع إلّا باليد كالضرب جاز. أمّا لو افتقر الى الجراح أو القتل لم يجز إلّا بإذن الإمام أو من نصبه.

______________________________________________________

وأجمع علماء الإسلام على وجوبهما.

قال طاب ثراه : وهما واجبان على الأعيان في أشبه القولين.

أقول : اختلف الأصحاب في مقامين :

(أ) هل وجوبهما عقلا أو سمعا ، الأوّل اختيار الشيخ (١) وابن إدريس (٢) والعلامة (٣) والثاني مذهب السيد (٤) والتقي (٥) وقوّاه الشيخ في الاقتصاد (٦) وهو

__________________

(١) الاقتصاد : فصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ١٤٧ س ٩ قال : ويقوى في نفسي انهما يجبان عقلا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، لما فيه من اللطف.

(٢) لا يخفى ان ابن إدريس قائل بوجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عقلا في مقام المدافعة فقط ، واما غير مقام المدافعة فوجوبهما بالسمع ، لا حظ السرائر باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ١٦٠ س ١٧.

(٣) المختلف : الفصل الثامن في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٥٨ س ١٨ قال : هل هما واجبان عقلا أو سمعا ، فقال السيد المرتضى بالثاني ، إلى أن قال : والأقرب ما اختاره الشيخ.

(٤) المختلف : الفصل الثامن في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٥٨ س ١٨ قال : هل هما واجبان عقلا أو سمعا ، فقال السيد المرتضى بالثاني ، إلى أن قال : والأقرب ما اختاره الشيخ.

(٥) الكافي : الفرض الثاني هو الأمر والنهي ص ٢٦٤ س ٩ قال : وطريق وجوب ما له هذه الصفة ، السمع وهو الإجماع دون العقل.

(٦) قال والذي يدلّ على الأول انه لو وجبا عقلا ، لكان في العقل دليل على وجوبهما وقد سبرنا أدلّة

٣٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

قول الأكثر.

احتج الأوّلون بأنه لطف ، وكلّ لطف واجب ، والمقدّمتان ظاهرتان.

واحتج السيد بأنه لو كان واجبا بالعقل لم يرتفع معروف ولم يقع منكر ، أو يكون الله تعالى مخلا بالواجب ، واللازم بقسميه باطل ، فالملزوم مثله ، بيان الملازمة : أنّ الأمر بالمعروف إذا كان هو الحمل عليه ، وحقيقة النهي عن المنكر هو المنع منه ، فإنّه يجب على كلّ من حصل وجه الوجوب في حقه كان يجب على الله تعالى الحمل على المعروف والمنع من المنكر ، فاما أن يفعلهما فلا يرتفع معروف ولا يقع منكر ويلزم الإلجاء أو لا يفعلهما ، فيكون مخلا بالواجب. قال العلامة : وفيه نظر لاحتمال أن يكون الواجب علينا في الأمر والنهى غير الواجب عليه ، فانّ الواجب يختلف باختلاف الآمرين والناهين ، فالقادر يجب عليه بالقلب واللسان واليد ، والعاجز بالقلب لا غير ، وإذا كان الوجوب مختلفا بالنسبة إلينا ، جاز اختلافه بالنسبة إلينا واليه تعالى ، ويوجب عليه من ذلك التوعّد والإنذار بالمخالفة ، لئلا يبطل التكليف (١).

(ب) هل وجوبهما على الأعيان أو الكفاية؟ قال الشيخ بالأول (٢) وعليه ابن حمزة (٣) والمصنف (٤) واحتجوا بعموم القرآن (٥) وبما رواه محمّد بن عرفة قال : سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول : لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليستعملن عليكم شراركم ، فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم (٦).

__________________

العقل فلم نجد فيها ما يدلّ على وجوبهما ، لا حظ الاقتصاد : ص ١٤٧ س ٢.

(١) المختلف : الفصل الثامن ، ص ١٥٨ س ٢٢ قال : وفيه نظر لاحتمال ان يكون الواجب إلخ.

(٢) النهاية : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ٢٩٩ س ٩ قال : وهما فرضان على الأعيان.

(٣) الوسيلة : فصل في بيان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ٦٩٧ س ٢١ قال : هما من فروض الأعيان.

(٤) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٥) تقدم في المقدمة.

(٦) التهذيب : ج ٦ (٨٠) باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٧٦ الحديث ١.

٣٢٦

وكذا الحدود لا ينفذها إلّا الإمام أو من نصبه ، وقيل : يقيم الرجل الحد على زوجته وولده.

وكذا قيل : يقيم الفقهاء الحدود في زمان الغيبة إذا أمنوا ويجب على الناس مساعدتهم.

ولو اضطر الجائر إنسانا على اقامة حدّ جاز ما لم يكن قتلا محرّما فلا تقية فيه. ولو أكرهه الجائر على القضاء اجتهد في تنفيذ الأحكام على الوجه الشرعي ما استطاع ، وان اضطر عمل بالتقية ما لم يكن قتلا.

______________________________________________________

وبالثاني قال السيد (١) والتقي (٢) وابن إدريس (٣) والعلامة (٤) واحتجوا بان المطلوب في نظر الشرع تحصيل المعروف وارتفاع المنكر ، ولم يتعلق غرضه بإيقاعه من مباشر بعينه ، فيكون واجبا على الكفاية ، وبقوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٥) ولم يعمّم ذلك.

قال طاب ثراه : وقيل : يقيم الرجل الحدّ على زوجته وولده.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : إقامة الحد على الولد والزوجة مختار الشيخ في النهاية (٦) واختاره

__________________

(١) المختلف : الفصل الثامن ، ص ١٥٨ س ٢٦ قال : وقال السيد المرتضى : انهما من فروض الكفاية الى أن قال : والأقرب قول السيد.

(٢) الكافي : الفرض الثاني هو الأمر والنهى ص ٢٦٧ س ٣ قال : وإذا تكاملت هذه الشروط ففرضهما على الكفاية.

(٣) السرائر : باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٦٠ س ٢٤ قال : قال محمّد بن إدريس : والأظهر بين أصحابنا انهما من فروض الكفاية.

(٤) المختلف : الفصل الثامن ، ص ١٥٨ س ٢٦ قال : وقال السيد المرتضى : انهما من فروض الكفاية الى أن قال : والأقرب قول السيد.

(٥) آل عمران : ١٠٤.

(٦) النهاية : باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ٣٠١ س ١ قال : وقد رخّص إلى أن قال : أن يقيم الإنسان الحد على ولده وأهله ومماليكه إذا لم يخف في ذلك ضررا إلخ.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

القاضي (١) والعلامة (٢) لعموم الأمر بإقامة الحدود والحذر من تعطيلها وانتشار المفاسد. ومنع سلار (٣) وابن إدريس (٤).

الثانية : إقامة الحد على المملوك مختار الشيخ (٥) والقاضي (٦) وابن إدريس (٧) والعلامة (٨) ومنع سلار (٩).

الثالثة : للفقهاء اقامة الحدود على العموم ، وهو مذهب الشيخ (١٠) وأبي يعلى (١١) واختاره العلامة (١٢) لما تقدم ولرواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السّلام قال : انظروا الى رجل منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا ردّ ، والرادّ علينا رادّ على الله وهو على

__________________

(١) المهذب : ج ١ ، كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ٣٤٢ س ١ قال : وقد رخص في إقامة حد لذلك على ولده واهله دون غيرهم.

(٢) المختلف : الفصل الثامن ، ص ١٥٩ س ٢٩ قال : والأقرب الأول. أي قول الشيخ في النهاية.

(٣) المراسم : باب ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ٢٦١ س ٥ قال : وقد روي ان للإنسان أن يقيم على ولده وعبده الحدود الى ان قال : والأول أثبت ، أي التفويض الى الفقهاء.

(٤) السرائر : باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ص ١٦١ س ١ قال : قال محمّد بن إدريس : والأقوى عندي انه لا يجوز له ان يقيم الحدود الّا على عبده فحسب دون ما عداه من الأهل والقرابات.

(٥) تقدم مختارهم قدّس الله أسرارهم.

(٦) تقدم مختارهم قدّس الله أسرارهم.

(٧) تقدم مختارهم قدّس الله أسرارهم.

(٨) تقدم مختارهم قدّس الله أسرارهم.

(٩) تقدم مختارهم قدّس الله أسرارهم.

(١٠) النهاية : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ٣٠٠ س ١٩ قال : فأمّا إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها الّا لسلطان الزمان المنصوب من قبل الله.

(١١) المراسم : باب ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ٢٦١ س ١ قال : فقد فوضوا عليهم السّلام الى الفقهاء اقامة الحدود والاحكام بين الناس إلخ.

(١٢) المختلف : الفصل الثامن ص ١٥٩ س ٣٥ قال : والأقرب عندي جواز ذلك للفقهاء.

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حدّ الشرك بالله عزّ وجلّ (١) ومنع ابن إدريس من ذلك وقال : لا يقيم غير الإمام إلّا على المملوك فقط (٢).

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات في القضايا والاحكام ص ٣٠١ قطعة من حديث ٥٢.

(٢) السرائر : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص ١٦٠ س ٣٦ قال : فأما إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها الّا لسلطان الزمان المنصوب من قبل الله تعالى أو من نصبه الإمام لإقامتها ولا يجوز لأحد سواهما إقامتها على حال الى أن قال : والأقوى عندي انه لا يجوز له أن يقيم الحدود الّا على عبده فحسب دون ما عداه من الأهل والقرابات.

قد تمَّ التحقيق والتنميق على يد الأحقر في السابع والعشرين من شهر الله الأعظم في محروسة قم من شهور ١٤٠٨ من الهجرة النبويّة على هاجرها آلاف الثناء والتحية.

٣٢٩
٣٣٠

كتاب التجارة

٣٣١
٣٣٢

كتاب التجارة

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : فيما يكتسب به

والمحرّم منه أنواع :

الأول : الأعيان النجسة ، كالخمر ، والأنبذة والفقاع ، والميتة والدم ،

______________________________________________________

كتاب التجارة

مقدّمة

التجارة استرباح بالبيع والشراء ، ويبحث فيه بالاستطراد عن المكاسب ، لأنه لما يبحث عما يكتسب به من جهة البيع والشراء استطرد البحث إلى أحكام التكسّب بغيرهما كالصنائع وأرزاق السلطان ، ولهذا من عقد للمكاسب كتابا منفردا من الفقهاء كالشيخ في النهاية لزمه أن يعقد للتجارة كتابا آخر.

وانما جاز الاستطراد من التجارة إلى المكاسب دون العكس؟ لكثرة أحكام

٣٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

التجارة ، فإنه يبحث فيها عن أحكام العقود وأقسام البيع ، وهي كثيرة الشعب ، وليس كذلك المكاسب ، والعادة اندراج الأقلّ تحت الأكثر.

إذا عرفت هذا ، فالتجارة تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة :

فمنها واجب : وهو ما اضطر الإنسان إليه في المباح ، ولا سبب له سواه ، قال تعالى (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) (١) (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٢) وقال النبي صلّى الله عليه وآله : ملعون ملعون من ضيّع من يعول (٣) وقال الصادق عليه السّلام : إذا عسر أحدكم فليضرب في الأرض يبتغى من فضل الله ولا تغمّ نفسه وأهله (٤) وسأله رجل أن يدعو الله له أن يرزقه في دعة؟ فقال له : لا أدعو لك واطلب كما أمرت (٥) وقال عليه السّلام : ينبغي للمسلم أن يلتمس الرزق حتى يصيبه حرّ الشمس (٦) وسأل الصادق عليه السّلام عن معاذ بيّاع الكرابيس؟ فقيل : ترك التجارة ، فقال : عمل عمل الشيطان ، من ترك التجارة ذهب ثلثا عقله ، أما علم أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قدمت عير من الشام ، فاشترى منه ، واتّجر وربح فيها ما قضى دينه (٧).

ومنها ما هو مندوب : وهو ما قصد به التوسعة على العيال ، والصدقة على المحاويج ،

__________________

(١) الملك : ١٥.

(٢) الجمعة : ١٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٨) باب المعايش والمكاسب ص ١٠٣ الحديث ٦٥.

(٤) عوالي اللئالى : ج ٣ باب التجارة ص ١٩٣ الحديث ٢ وفي التهذيب : ج ٦ (٩٣) باب المكاسب ص ٣٢٩ الحديث ٣٠ مثله ، والحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله.

(٥) الفروع : ج ٥ باب الحث على الطلب والتعرض الرزق ص ٧٨ الحديث ٣ نقلا بالمعنى.

(٦) عوالي اللئالى : ج ٣ باب التجارة ص ١٩٣ الحديث ٤ وفي الفروع ج ٥ باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة عليهم السّلام في التعرض للرزق ص ٧٦ الحديث ١٣ ما بمعناه.

(٧) التهذيب : ج ٧ (١) باب فضل التجارة وآدابها ص ٤ الحديث ١١.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قال أمير المؤمنين عليه السّلام : ما غدوة أحدكم في سبيل الله بأعظم من غدوة يطلب فيها لولده وعياله ما يصلحهم (١) وقال عليه السّلام : الشاخص في طلب الرزق الحلال كالمجاهد في سبيل الله (٢) وروى ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وقف بغزوة تبوك بشاب جلد يسوق أبعرة سمانا ، فقال أصحابه : يا رسول الله لو كانت قوة هذا وجلده وسمن أبعرته في سبيل الله لكان أحسن ، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : «أرأيت أبعرتك هذا ، أي شي‌ء تعالج عليها؟» قال : يا رسول الله لي زوجة وعيال وأنا اكتسب بها ما أنفقه على عيالي فأكفهم عن الناس ، وأقضي دينا عليّ ، قال : «لعلّ غير ذلك؟» قال : لا ، فلما انصرف قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : «لئن كان صادقا ، إنّ له لأجرا مثل أجر الغازي وأجر الحاج وأجر المعتمر» (٣) وقال صلّى الله عليه وآله : تحت ظل العرش يوم لا ظل الّا ظلّه رجل ضارب في الأرض يطلب من فضل الله ما يكفّ به نفسه ويعود به على عياله (٤) وعن الرضا عليه السّلام قال : أتى رجل الى النبيّ صلّى الله عليه وآله بدينارين فقال : يا رسول الله أريد أن أحمل بهما في سبيل الله ، قال : ألك والدان أو أحدهما؟ قال : نعم ، قال : اذهب فأنفقهما على والديك فهو خير لك أن تحمل بهما في سبيل الله ، فرجع ففعل ، فأتاه بدينارين آخرين قال : قد فعلت وهذان الديناران أجمل بهما في سبيل الله قال : ألك زوجة؟ قال : نعم ، قال : أنفقهما على زوجتك فهو خير لك من ان تحمل بهما في سبيل الله ، فرجع وفعل ، وأتاه بدينارين آخرين ، وقال : يا رسول الله قد فعلت وهذان ديناران أريد أن أحمل بهما في سبيل الله ، فقال : ألك

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣ ، باب التجارة ص ١٩٤ الحديث ٦.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ ، باب التجارة ص ١٩٤ الحديث ٧.

(٣) عوالي اللئالي : ج ٣ ، باب التجارة ص ١٩٤ الحديث ٨.

(٤) عوالي اللئالي : ج ٣ ، باب التجارة ص ١٩٤ الحديث ٩.

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

خادم؟ قال : نعم ، قال : فاذهب فأنفقهما على خادمك فهو خير لك من أن تحمل بهما في سبيل الله ، ففعل وأتاه بدينارين آخرين وقال : يا رسول الله أريد أن أحمل بهما في سبيل الله ، فقال : احملهما واعلم أنّهما ليسا بأفضل من دنانيرك (١).

ومنها مباح : وهو ما استغنى عنه ، وانتفى الضرر فيه.

ومنها مكروه : وهو على ثلاثة أقسام.

(أ) ما كره لأنه يفضي في الأغلب إلى محرّم أو مكروه ، كالصرف وبيع الأكفان والطعام والرقيق ، ومثله في المكاسب كالصياغة والقصابة ، روى إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السّلام قال : جاء رجل الى النبي صلّى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله علمت ابني هذا الكتابة ففي أي شي‌ء أسلّمه؟ فقال : أسلّمه ، لله أبوك ، ولا تسلّمه في خمس ، لا تسلّمه سباء ولا صائغا ولا قصابا ولا حناطا ولا نخاسا ، قال : فقال يا رسول الله : وما السباء؟ فقال : الذي يبيع الأكفان ويتمنى موت أمتي ، والمولود من أمتي أحب اليّ ممّا طلعت عليه الشمس وأما الصائغ فإنه يعالج رين (٢) أمتي ، وأمّا القصاب فإنه يذبح حتى تذهب الرحمة من قلبه ، واما الحناط فإنه يحتكر الطعام على أمتي ولئن يلقى الله العبد سارقا أحب إليّ من ان يلقاه قد احتكر طعاما أربعين يوما ، واما النخاس فإنه أتاني جبرئيل فقال : يا محمّد

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ كتاب الجهاد (٧٩) باب النوادر ص ١٧١ الحديث ٨ وفيه : بأفضل من ديناريك.

(٢) قال في ملاذ الأخيار : ج ١٠ ص ٣٤٧ ما لفظه : في الفقيه ومعاني الأخبار (غبن أمتي) وفي الكافي (زين) بالزاء المعجمة وهو الظاهر ، قال الوالد العلامة طاب ثراه : بالمهملة بخطه ، وكان في الحاشية : الرين الذنب ، وفي اللغة : الرين الطبع والختم كما قال تعالى (كَلّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين : ١٤) اي يغلب على قلوبهم حب الدنيا بحيث لا يستطيعون الخروج منها ، وأكثر النسخ بالزاي كما في العلل ، وهو أنسب.

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إن شرار أمتك الذين يبيعون الناس (١).

(ب) ما كره لتطرق الشبهة إليه كشراء ما يكسبه الصبيان ، ومعاملة من لا يجتنب المحارم كالظلمة ، وصاحب الماخور (٢) روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن كسب الأمة فإنها ان لم تجده زنت إلّا أمة قد عرفت بصنعة ، وعن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة ، فإنه إن لم يجد سرق (٣).

(ج) ما كره لضعته وخساسته كتجارة الشراء في المحقّرات والأشياء الخسيسة الّتي يؤذن بإسقاط مروّته وذهاب حشمته ولا يؤمن معها التجري عليه ، كبيع اللوبياج على رأسه ، ومع الضرورة يحلّ له الصّدقة ولا يجب عليه تكلّفها ، روي ان الصادق عليه السّلام وصّى بعض أصحابه وقال : لا تكن دوّارا في الأسواق ، ولا تلي شراء دقائق الأشياء بنفسك ، فإنه لا ينبغي للمرء المسلم ذي الدين والحسيب أن يلي

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ كتاب المكاسب (٩٣ ـ باب المكاسب ص ٣٦٢ لحديث ١٥٩.

(٢) اختلفت النسخ في ضبط تلك الكلمة. ففي النسخة المصححة المعتمدة ضبطها بالخاء المعجمة والراء المهملة من مادة (مخر) ويؤيّدها ما في المنجد في لغة (مخر) قال : الماخور جمع مواخر ومواخير مجلس الفساق ، بيت الريبة والدعارة ، من يلي ذلك البيت ويقود اليه. وفي النهاية لابن الأثير : ج ٤ ص ٣٠٦ قال : هي جمع ماخور ، وهو مجلس الريبة ومجمع أهل الفسق والفساد ، وبيوت الخمارين ، وهو تعريب مي خور.

وفي نسخة (ب) ضبطها بالجيم والراء المهملة من مادة (مجر) ويؤيّدها ما في المنجد أيضا في لغة (مجر) قال : ماجر مجارا ومماجرة وأمجر فلانا في البيع راباه الى ان قال : الفضل والربا ، القمار. وفي السرائر : (كتاب المتاجر ص ٣١٢) س ١٩ قال : ونهى عن بيع المجر بالميم المفتوحة والجيم المسكنة والراء الى ان قال : والمجر الربا ، والمجر القمار ، والمجر المحاقلة والمزابنة : والظاهر مناسبة كلتا المعنيين لما نحن فيه.

وفي نسخة (ج) ضبطها بالحاء المهملة والزاء المعجمة ، ولم نعثر على معنى مناسب له ، والله العالم.

(٣) التهذيب : ج ٦ كتاب المكاسب ٩٣ باب المكاسب ص ٣٦٧ الحديث ١٧٨.

٣٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

شراء دقائق الأشياء بنفسه ما خلا ثلاثة أشياء فإنه ينبغي لذي الدين والحسب أن يليها بنفسه العقار والإبل والرّقيق (١) وقال عليه السّلام : باشر كبار أمورك بنفسك ، وكل ما صغر منها إلى غيرك (٢) وجاء أعرابي إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : يا رسول الله أردت بيع إبلى هذه ، فبعها لي ، فقال : انى لست ببائع في الأسواق ، قال : فأشر عليّ ، قال : بع هذا بكذا ، وهذا بكذا (٣).

ومثله في المكاسب الحجامة والحياكة. روى أبو عمر والخياط عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام ومعى ثوبان ، فقال لي : يا أبا إسماعيل يجيئني من قبلكم أثواب كثيرة وليس يجيئني مثل هذين الثّوبين الذين تحملهما أنت ، فقلت : جعلت فداك ، تغزلهما أمّ إسماعيل وأنسجهما أنا ، فقال لي : حائك!؟ قلت : نعم ، قال : لا تكن حائكا ، فقلت : فما أكون؟ قال : كن صيقلا. وكان معي مائتا درهم فاشتريت بها سيوفا ومرايا عتقا وقدمت بها إلى الري وبعتها بربح كثير (٤).

ولا بأس بخفض الجواري. روى محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لمّا هاجرن النساء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، هاجرت فيهن امرأة يقال لها أمّ حبيب وكانت خافضة تخفض الجواري فلمّا رآها رسول الله صلّى الله

__________________

(١) الفروع : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب مباشرة الأشياء بنفسه ص ٩١ الحديث ٢.

(٢) الفروع : ج ٥ ، باب مباشرة الأشياء بنفسه ، ص ٩٠ الحديث ١ وفيه بدل كلمة (ما صغر) (ما شف) وتمام الحديث (قلت : ضرب أيّ شي‌ء؟ قال : ضرب أشرية العقار وما أشبهها).

(٣) الفروع : ج ٥ كتاب المعيشة باب النوادر ص ٣١٧ الحديث ٥٤ وتمام الحديث (حتى وصف له كل بعير منها ، فخرج الأعرابي إلى السوق فباعها ، ثمَّ جاء الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : والذي بعثك بالحق ما زادت درهما ولا نقصت درهما ممّا قلت لي ، فاستهدني يا رسول الله قال : لا ، قال : بلى يا رسول الله ، فلم يزل يكلّمه حتى قال له : اهد لنا ناقة ولا تجعلها ولها).

(٤) التهذيب : ج ٦ كتاب المكاسب (٩٣) باب المكاسب ص ٣٦٣ الحديث ١٦٣.

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه وآله قال لها : يا أمّ حبيب العمل الذي كان في يدك ، هو في يدك اليوم؟ قالت : نعم يا رسول الله ، إلّا أن يكون حراما فتنهاني عنه قال : لا ، بل حلال فادني منّي حتى أعلّمك ، قال : فدنت منه ، فقال لها : يا أمّ حبيب إذا أنت فعلت فلا تنهكي ، أي فلا تستأصلي وأشمّي ، فإنّه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج ، قال : وكان لأمّ حبيب أخت يقال لها أمّ عطيّة وكانت مقيّنة يعني ماشطة ، فلما انصرفت أمّ حبيب إلى أختها أخبرتها بما قال لها رسول الله ، فأقبلت أمّ عطية إلى النبي صلّى الله عليه وآله فأخبرته بما قالت لها أختها ، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله : ادني منّي يا أم عطية ، إذا أنت قيّنت الجارية فلا تغسلي وجهها بالحرقة ، فإن الخرقة تذهب بماء الوجه (١).

ومنها حرام : وهو قسمان : ما هو حرام في أينيته ، أي ماهيّته وحقيقته ، كبيع المعتكف ووقت نداء الجمعة ، ومنه ما هو حرام لتحريم غايته كبيع الخمر وآلات القمار وهياكل العبادة كالصنم وآلات اللهو كالعود.

تذنيب

ينبغي لذي الدين والعفّة ومريد الآخرة أن لا يتكبّر ولا يستنكف عن طلب الرزق ، بل إذا احتاج الى الطلب يطلب الرزق من الله تعالى بالتعرض للبيع والشراء ، ويبتغى الفضل من الله سبحانه.

(أمّا) أوّلا فلما فيه من إظهار التواضع والافتقار الى الله سبحانه ، ووضع قدر النفس وبيان حاجتها.

(وأمّا) ثانيا فلما فيه من التأسّي بالنبيّ والأئمّة عليهم السّلام فإنّهم تكسّبوا.

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ كتاب المكاسب (٩٣) باب المكاسب ص ٣٦٠ الحديث ١٥٦.

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(وأمّا) ثالثا فلما فيه من الاعتماد على الله سبحانه والوثوق بما عنده ، ولا يكون نفسه متطلّعة الى أحد من المخلوقين قريبا كان أو بعيدا حتى لو كان أبا أو ابنا ، فان الطلب الى الله تعالى وتوقع العناية أفضل من الأخذ منهم ، أو ما سمعت حكاية داود عليه السّلام ، فإنه كان يتوخّى من تلقاه من بني إسرائيل ممن لا يعرفه فيسأله عن حالته؟ فيثني عليه حتى لقي رجلا فسأله؟ فقال : نعم العبد لو لا خصلة فيه ، فقال : وما هي؟ قال : انه يأكل من بيت المال ، فبكى داود عليه السّلام وعلم انه قد أتي. فأوحى الله عزّ وجلّ الى الحديد : ان لن لعبدي داود ، فألان الله له الحديد فكان يعمل كلّ يوم درعا يبيعها بألف درهم ، فعمل عليه السّلام ثلاثمائة وستين درعا ، فباعها بثلاثمائة وستين ألفا فاستغنى عن بيت المال (١).

وإيّاك ثمَّ إيّاك والتجرّي على الدين ، فإنه مجلبة للهمّ ومشغلة للذمم ومسبتة للفكر ، وهو في الدنيا مذلّة وفي الآخرة تبعة : وحمل الى مسجد النبي صلّى الله عليه وآله ميّت ليصلي عليه السّلام عليه فقال : على ميّتكم دين؟ فقالوا : نعم درهمين يا رسول الله ، قال : تقدّموا فصلّوا على ميّتكم ، فقال على عليه السّلام : ضمنتها عنه يا رسول الله ، فقال : فكّ الله رهانك كما فككت رهان أخيك ، ثمَّ تقدّم فصلّى عليه (٢) وقد ورد رخصة في إباحته إذا كان له وليّ يقضيه أو مال يؤدّى عنه ، والأفضل تركه والطلب إلى الله بالغنى عنه بالتسبيب والتمعّس (٣) ففيه مع اشتماله على تفريغ الذمة من حقوق المخلوقين ، والراحة من الفكر ، مواساة الصالحين والفوز بثواب الكادّين ، حيث يقول عليه السّلام : الكادّ على عياله من حلال كالمجاهد في سبيل

__________________

(١) عوالي اللئالى : ج ٣ ص ١٩٩ الحديث ١٨ وفي الفروع : ج ٥ ص ٧٤ الحديث ٥ وفيه (اوحى الله عزّ وجلّ الى داود عليه السّلام انك نعم العبد إلّا انّك تأكل من بيت المال إلخ).

(٢) سنن الدار قطني : ج ٣ ص ٤٧ كتاب البيوع الحديث ١٩٤ وصفحة ٧٨ الحديث ٢٩١ و ٢٩٢.

(٣) تمعس في الحرب : حمل ورجل معّاس ومتمعّس : مقدام (لسان العرب : ج ٦ لغة معس).

٣٤٠