المهذّب البارع - ج ٢

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

باشتراط تبقيته ، ومع إطلاق الابتياع يلزم البائع إبقاؤه إلى إدراكه ، وكذا الثمرة ما لم يشترط الإزالة ، ويصح اشتراط العتق والتّدبير والكتابة ، ولو اشتراط ألّا يعتق أو لا يطأ الأمة قيل : يبطل الشرط دون البيع.

______________________________________________________

ولا أعرف بها عاملا حتى أنقله.

قال طاب ثراه : ويصح اشتراط العتق والتدبير والمكاتبة. ولو اشترط ألّا يعتق أو لا يطأ الأمة قيل : يبطل الشرط دون البيع.

أقول : البحث هنا يقع في فصلين :

الأوّل : في اشتراط فعل هذه الأمور ، وهي ثلاثة أقسام : (القسم الأوّل) اشتراط العتق ، وهو سائغ عند علمائنا أجمع ، لعموم قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) وقوله عليه السّلام : المؤمنون عند شروطهم (٢). فالمشتري إمّا أن يعتق أولا؟ وإذا لم يعتق إمّا أن يموت العبد أو لا؟ فهنا أبحاث ثلاثة :

الأوّل : وفيه مسائل :

(أ) مع العتق لا كلام في لزوم العقد لوفائه بما شرط عليه وخروجه عن العهدة.

(ب) هذا الشرط ، أي شرط العتق هل هو حق الله تعالى ، أو للبائع ، أو للعبد ، فيه ثلاث احتمالات وجه الأوّل ، انه غاية يتقرب بها الى الله تعالى ، فهو كالملتزم بالنذر.

ووجه الثاني ، تعلق غرض البائع به ، وظاهر أنه بواسطة هذا الشي‌ء يساغ في الثمن.

ووجه الثالث ، ملك العبد نفسه وتسلطه على تصرفات الأحرار ، ولهذا كان

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢٣٥ الحديث ٨٤ وص ٢٩٣ الحديث ١٧٣ وج ٢ ص ٢٧٥ الحديث ٧ وج ٣ ص ٢١٧ الحديث ٧٧.

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

كالنسب المخرج له من العدم الى الوجود.

فعلى الأوّل المطالبة للحاكم ، ولو أسقطه البائع لم يسقط.

وعلى الثاني المطالبة للبائع ، ويسقط بإسقاطه ، كإسقاط الرهن والكفيل ، دون الحاكم وعلى الثالث المطالبة للعبد لتحصيل فكاكه.

وأورد العلامة ـ على هذا الاحتمال ، بعد أن قوّاه ـ إشكالا ينشأ من كونه منوطا باختيار المشتري ، إذ له الامتناع ، غايته تسلط البائع على الفسخ والإمضاء ، ومن ثبوت حق للعبد للانتفاع به ، فكان له المطالبة به ، قال : وهذا أقرب (١).

(ج) هل يثبت هنا ولاء أم لا؟ يحتمل العدم ، لأنه عتق واجب بعقد البيع ، فلا يستعقبه ولاء ، والثبوت لأنّ له الإخلال بالشروط المشترطة في البيع من عتق وغيره ويثبت الخيار للبائع ، فالعتق في الحقيقة مستند الى اختياره ، فيكون متبرّعا ، فيستعقبه الولاء ، فعلى الأوّل لا ولاء هنا ، أمّا بالنسبة إلى البائع فلانتقال الملك عنه ، وصدور العتق عن غيره ، وقال عليه السّلام : الولاء لمن أعتق (٢) وأمّا بالنسبة إلى المشتري ، فلوجوب العتق عليه.

(د) إن أعتقه المشتري فقد وفى بما عليه ، والتزم بالبيع ، والولاء له إن قلنا بثبوته ، وإن امتنع ، فان قلنا أنّه حق للبائع لم يجز كما لو شرط الرهن والتضمين ، لكن يتخيّر في الفسخ لعدم سلامة ما شرط له ، وان قلنا انه حق لله ، أجبر عليه ، فيحتمل فيه وجهين ، حبسه حتى يعتق ، وإعتاق القاضي عليه.

(ه) هل يجوز إعتاقه عن الكفارة؟ فنقول : إن شرط البائع عتقه عن الكفارة أجزأ ويكون فائدة الشرط ، التخصيص لهذا العبد بالإعتاق ، وان لم يشترط ، فإن قلنا

__________________

(١) التذكرة : ج ١ ، في الشروط الجائزة في ضمن العقد ، ص ٤٩٢ س ١٩ قال : وعلى ما اخترناه نحن للعبد المطالبة بالعتق على اشكال إلخ.

(٢) عوالي اللئالى : ج ٣ ، باب التجارات ، ص ٢١٧ الحديث ٧٨ ولاحظ ذيله.

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ العتق لله تعالى لم يجز ، كإعتاق المنذور عتقه ، وان قلنا انه حق للبائع فكذلك ان لم يسقط حقه ، وان أسقطه جاز لسقوط وجوب العتق ، ويحتمل عدمه لأنّ البيع بشرط العتق لا يخلو عن محاباة ، فكأنه أخذ عن العتق عوضا. وان قلنا أنه حق للعبد أجزأ لحصول العتق في الجملة ووقوع مراد العبد.

(و) يجوز للمشتري الاستخدام ، لعدم خروجه عن الملك إلّا بالعتق ولم يحصل ، وكذا ما يحصل له من كسب أو التقاط يكون للمشتري.

(ز) إذا قلنا بثبوت الولاء للمشتري لم يصح اشتراطه للبائع ، لمنافاته النص ، وهل يفسد به البيع؟ وجهان مبنيان على بطلان البيع مع بطلان الشرط وعدمه.

البحث الثاني : إذا مات العبد ، أو قتل قبل العتق ، وفيه مسائل :

الأولى : يتخير البائع بين الفسخ ، فيرد ما أخذه من الثمن ، ويطالب بالقيمة يوم القبض لأنّه وقت انتقال الضمان إلى المشتري ، وبين الإمضاء فيرجع بما نقصه بشرط العتق ، فاذا قيل قيمته لو بيع مطلقا ، مائة ، وبشرط العتق خمس وسبعون زيد على الثمن مثل ثلثه.

فرع

ويحكم مع الإجازة ، بكون العبد مات على ملك المشتري ، ومع الفسخ على ملك البائع ، فمئونة التجهيز على البائع في الثاني ، وعلى المشتري في الأوّل. ومع قتله يكون المحاكمة إلى المشتري مع الإجازة والى البائع مع الفسخ. ولو كان هناك قسامة ، حلف المشتري مع الإجازة ، والبائع مع الفسخ.

تذنيبان

(أ) لو كان القاتل هو البائع ، كان له الخيار أيضا ، فإن اختار الفسخ ردّ الثمن

٤٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى المشتري ، وإن اختار الإمضاء رجع بالأرش ، ودفع الى المشتري القيمة. ولو كان القتل خطأ استوفاه المشتري من عاقلته في ثلاثة أحوال.

(ب) لو كان البائع حلف أن لا يقتل عبدا له ، ثمَّ فسخ بعد قتله لم يحنث ، لانتقال الملك إلى المشتري بالعقد والفسخ متجدّد. ولو كان المشتري هو القاتل يجبر القاتل أيضا ، فإن فسخ ردّ الثمن وألزم المشتري بالقيمة ، وحنث المشتري لو حلف أن لا يقتل عبدا له ، لتجدّد خروج الملك عنه. ولو جنى على طرفه بجناية أوجب أرشا وفسخ البائع ، احتمل قويا كون الأرش للمشتري ، لأنه نماء ملكه ، وللبائع ، لأنّه عوض عن بعض المبيع ، وهو قويّ أيضا.

الثانية : شرط العتق تناول السبب المباح ، فلو نكّل به لم يأت بالشرط ، وكان للبائع الخيار بين الفسخ والإمضاء كالتالف ويحكم بالعتق عقيب التنكيل ، فيرجع البائع بالقيمة مع الفسخ ، وبالتفاوت مع الإجازة كما تقدم.

الثالثة : شرط العتق إنما يتناول العتق مجانا ، فلو أعتقه وشرط عليه الخدمة ، أو شيئا من المال ، يتخيّر البائع أيضا ، فإن فسخ احتمل نفوذ العتق ، لابتنائه على التغليب ، فيرجع البائع بالقيمة كالتالف ، ويحتمل بطلانه لوقوعه على خلاف ما وجب عليه ، ويحتمل نفوذ العتق ولا خيار للبائع ولا شي‌ء له ، لحصول العتق له في الجملة.

البحث الثالث : لم يعتقه ولم يمت ، وفيه مسائل.

(أ) لو باعه ، أو أوقفه ، أو كاتبه ، تخيّر البائع ، فإن فسخ بطلت العقود ، لوقوعها في غير ملك تام.

(ب) لو باعه المشتري من غيره وشرط عليه العتق ، احتمل ضعيفا الصحة ، لوقوع غرض البائع به كما لو فعله بوكيله ، وقويّا البطلان ، لأنّ شرط العتق مستحق عليه فليس له نقله الى غيره.

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) لو نذر المشتري عتقه مطلقا ، أو علق بشرط وحصل ، تأكّد وجوب الإعتاق ، فإن أخلّ به كفّر ، وكان للبائع الفسخ ، ولو أعاده بملك مستأنف لم يجب العتق.

(القسم الثاني) اشتراط التدبير ، وفيه مسائل :

(أ) إن دبّره وفى بشرطه وخرج من العهدة ، سواء كان التدبير مطلقا أو مقيدا ، فان خرج قبل حصول الموت وجب عليه التّدبير ثانيا ، إن قلنا بعدم جواز الرجوع ، وان لم يفعل تخيّر البائع.

(ب) لو لم يدبّر تخير البائع بين الفسخ والإمضاء ، فيرجع بالتفاوت.

(ج) هل يجوز للمشتري الرجوع في هذا التدبير؟ احتمالان ، نعم ، قضية للتدبير ، غايته تسلط البائع على الفسخ ، والمنع لوجوب الوفاء بالشرط ، وعدم حصول غرض البائع ، فالرجوع فيه ابطال له ، فينافي صحة الشرط.

(القسم الثالث) اشتراط المكاتبة ، وفيه مسائل :

(أ) وهو صحيح عندنا ، خلافا للشافعي فيه ، وفي أحد قوليه في العتق ، لنا إنّه فعل سائغ مرغب فيه وعقد البيع قابل له. احتج بأنه شرط ازالة ملكه عنه ، فكان فاسدا ، لاقتضاء صحة العقد التمليك ، واقتضاء لزوم الشرط خروج الملك.

والجواب ، لا منافاة ، لاستناد إخراج الملك إلى اختيار المشتري ، إذ لا يجبر على الشرط ، وله فوائده الحاصلة قبل العتق والمكاتبة ، ففوائد الملك موجودة فيه.

(ب) أطلق الشرط ، فيتخير في المكاتبة بأيّ قدر شاء ، وإن عيّن قدرا تعيّن ، فيتخيّر مع الخلاف ، ولو طلب في المطلقة أزيد من القيمة وامتنع العبد ، تخيّر البائع أيضا بين الفسخ والإمضاء وإلزام المشتري بالكتابة به بقيمة العبد ، ولا يجب على المشتري المكاتبة بدون القيمة.

(ج) يتخيّر مع الإطلاق في المكاتبة المطلقة والمشروطة ، فإن عجز في المشروطة

٤٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فردّه رقّا ، فالأقرب عدم ثبوت الخيار ، للامتثال ، واستناد التفريط إلى المالك حيث لم يتعيّن المطلقة ، ولو عيّن له نوعا تعيّن ، فيتخيّر مع الخلاف في الفسخ والإمضاء ، وإلزامه بالكتابة ثانيا.

فرع

لو اشترى من ينعتق عليه بشرط العتق لم يصح ، لتعذّر الوفاء بالشرط ، فإنه ينعتق عليه قبل ان يعتقه.

الفصل الثاني : في اشتراط أضداد هذه الأمور ، كأن يشترط عليه أن لا يعتق ، أو لا يطأ الجارية. ولا شك أنّ مقتضى عقد البيع انتقال المبيع إلى المشتري ، ويلزمه تسليطه على المبيع بسائر أنواع التصرّفات ، فاذا شرط عليه أن لا يعتق أو لا يطأ فقد شرط ما ينافي العقد ، فيكون باطلا. وأيضا الكتاب والسنة وردا بتسويغ العتق ، بل واستحبابه وبوطء الأمة ، وهو مانع منهما ، فيكون مخالفا للكتاب والسنّة.

وإذا فسد الشرط هل يسري فساده إلى البيع؟ أو يكون صحيحا والباطل هو الشرط خاصة؟ المصنف (١) والعلامة على الأوّل (٢) والشيخ على الثاني (٣) وبه قال القاضي (٤) وأبو علي (٥).

احتج الأوّلون بأنّ الشرط له قسط من الثمن ، فإنّه قد يزيد باعتباره وقد ينقص ،

__________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف : في الشروط ص ١١٨ س ٢٥ قال : والمعتمد عندي بطلان العقد والشرط معا.

(٣) المبسوط : في تفريق الصفقة ص ١٤٨ س ٢٣ قال : إذا اشترى جارية الى أن قال : أو بشرط أن لا يبيعها أو لا يعتقها أو لا يطأها كان البيع صحيحا والشرط باطلا إلخ.

(٤) المختلف : في الشروط ص ١١٨ س ٢٥ قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط من بطلان الشرط خاصة : وبه قال ابن الجنيد وابن البراج ، ولا يخفى انّ هذا يوهم خلاف ما قصده المؤلف ، فتأمّل.

(٥) المختلف : في الشروط ص ١١٨ س ٢٥ قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط من بطلان الشرط خاصة : وبه قال ابن الجنيد وابن البراج ، ولا يخفى انّ هذا يوهم خلاف ما قصده المؤلف ، فتأمّل.

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فإذا بطل الشرط بطل ما بإزائه من الثمن وذلك غير معلوم ، فتطرقت الجهالة إلى الثمن ، فيبطل البيع. ولأنّ البائع إنّما رضي بنقل سلعته عنه بهذا الثمن على تقدير سلامة الشرط ، وكذلك المشتري إنما رضي ببذل هذا الثمن في مقابلة العين على تقدير سلامة هذا الشرط ، فاذا لم يسلم لأحدهما ما شرطه كان البيع باطلا ، لأنه يكون تجارة عن غير تراض.

احتج الآخرون بأنّ الأصح صحة البيع ، وبعموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) ولأنّ لزوم الشرط فرع على صحة البيع ، فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا على صحة الشرط لزم الدور ، وبأن عائشة اشترت بريرة بشرط ان تعتقها ويكون ولاؤها لمواليها ، فأجاز النبي صلّى الله عليه وآله البيع وأبطل الشرط (٢).

والجواب عن الأوّل ، بأنّ الأصل يصار عنه للدليل ، وقد بيّناه.

وعن الثاني ، بأن المراد البيع بشروطه.

وعن الثالث ، ان تسويغ الشرط ليس بشرط في الحقيقة لصحة العقد حتى يلزم الدور ، بل هي صفات للبيع ، فما كان منها سائغا داخلا تحت القدرة ، لزم باشتراطه في العقد ، كما لو شرط صفة كمال في البيع ، وان لم يكن سائغا بطل العقد لا من حيث فوات شرطه ، بل من حيث وقوع الرضا عليه ، وشروط الصحة انما هي المذكورة في أوّل الكتاب ، مثل كمال المتعاقدين ، وكون المبيع ممّا ينتفع به معلوما ، فهذه شروط الصحة يبطل العقد بفقد أحدها ، بخلاف هذه الشروط ، وصحة العقد يلزم ما تعيّن فيه من الشروط السائغة فلا دور.

وعن الرابع ، بمنع السند.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) عوالي اللئالي : ج ٣ باب التجارات ص ٢١٧ الحديث ٧٩ ولاحظ ذيله.

٤٠٧

ولو شرط في الأمة إلّا تباع ولا توهب ، فالمروي الجواز.

______________________________________________________

تتمة

روى الشيخ في أماليه والعلامة في تذكرته عن عبد الوارث بن سعيد قال : دخلت مكّة فوجدت بها ثلاثة فقهاء كوفيين ، أبو حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، فصرت الى أبي حنيفة فسألته عمّن باع بيعا وشرط شرطا؟ فقال : البيع والشرط فاسدان ، فأتيت ابن أبي ليلى فسألته؟ فقال : البيع جائز والشرط باطل ، فأتيت ابن شبرمة فسألته؟ فقال : البيع والشرط جائزان ، فرجعت إلى أبي فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك! فقال : لست أدري ما قالا ، حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله نهى عن بيع وشرط ، ثمَّ أتيت ابن أبي ليلى فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك. فقال : ما أدرى ما قالا ، حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت : لما اشتريت بريرة جاريتي شرط عليّ مواليها أن أجعل ولاءها لهم إذا أعتقتها ، فجاء النبي عليه السّلام فقال : الولاء لمن أعتق ، فأجاز البيع وأفسد الشرط ، فأتيت ابن شبرمة ، فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك! فقال : ما أدري ما قالا ، حدثني مسعر عن محارب عن جابر قال : ابتاع النبي صلّى الله عليه وآله منّي بعيرا بمكّة ، فلما نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة ، فأجاز النبي عليه السّلام : الشرط والبيع (١) (٢).

والمحقق عند علمائنا : أنّ الشرط إذا لم يكن مخالفا للكتاب والسنة ، ولا مؤدّيا إلى جهالة في المبيع أو الثمن لزم.

قال طاب ثراه : ولو شرط في الأمة أن لا تباع ولا توهب ، فالمروي الجواز.

أقول : روى صفوان عن ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن

__________________

(١) أمالي الشيخ الطوسي : ج ٢ الجزء الرابع عشر ص ٤.

(٢) التذكرة : ج ١ القسم الرابع النهي عن بيع وشرط ص ٤٩٠ س ٩.

٤٠٨

ولو باع أرضا جربانا معينة فنقصت ، فللمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء بالثمن ، وفي رواية ، له أن يفسخ أو يمضي البيع بحصّتها من الثمن وفي الرواية ، إن كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض لزم البائع أن يوفيه منها (١) ويجوز ان يبيع مختلفين صفقة ، وأن يجمع بين سلف وبيع.

______________________________________________________

الشرط في الإماء ألّا تباع ولا توهب؟ فقال : يجوز ذلك غير الميراث فإنّها تورث ، لأنّ كل شرط خالف كتاب الله فهو باطل (١) وقال العلامة : ببطلان الشرط لمنافاته العقد (٢) وهو مذهب الشهيد (٣) وفخر المحققين (٤) وفي بطلان البيع به الخلاف المتقدّم.

قال طاب ثراه : وفي الرواية ان كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض لزم البائع أن يوفيه منها.

أقول : إذا باعه أرضا على أنّها عشرة أجربة مثلا فخرجت خمسة ، فلا يخلو إمّا أن يكون للبائع أرض بجنب تلك الأرض أو لا ، فهنا مسألتان :

(أ) أن لا يكون مجاورا لها ، وفيه قولان :

أحدهما : له الخيار بين الفسخ وبين الرضا بكلّ الثمن قاله الشيخ في المبسوط (٥)

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٦) باب ابتياع الحيوان ، ص ٦٧ الحديث ٣.

(٢) التذكرة : ج ١ القسم الرابع ، النهي عن بيع وشرط ، ص ٤٨٩ س ٤١ قال : مسألة قد بيّنا أنّ كل شرط ينافي مقتضى العقد فإنه يكون باطلا الى أن قال : وكذا لو شرط عليه أن لا يبيعها إلخ.

(٣) الدروس : كتاب البيع ص ٣٤٣ س ٢ قال : درس في الشروط الى أن قال : ولو شرط ما ينافيه ، كعدم التصرف بالبيع والهبة والاستخدام والوطء الى أن قال : بطل وأبطل على الأقرب.

(٤) إيضاح الفوائد : ج ١ الفصل الثالث في الشرط ص ٥١٢ س ٥ قال : واما أن ينافي مقتضى العقد الى أن قال : فهذه الشروط باطلة إلخ ولم يعلق على هذا الفرع شيئا.

(٥) المبسوط : ج ٢ في بيع الصبرة وأحكامها ص ١٥٤ س ٥ قال : وإذا قال : بعتك هذه الأرض على انّها مائة ذراع فكانت تسعين ، فالمشتري بالخيار ان شاء فسخ البيع وان شاء أجازه بكل الثمن إلخ.

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وتبعه القاضي (١) والمصنف (٢) وهو الذي استقر به العلامة في القواعد (٣) واختاره فخر المحققين (٤) لأنّ العقد وقع على جميع الثمن ، فلا يتبعّض عليه ، بل يكون له الخيار بين الفسخ والإمضاء.

والآخر : له الخيار بين الفسخ والإمساك بقسطه من الثمن قاله في النهاية (٥) وتبعه ابن إدريس (٦) واختاره العلامة في المختلف (٧) لأنّه وجده ناقصا في القدر فكان له أخذه بقسطه من الثمن ، كما لو اشترى الصبرة على أنّها عشر أقفزة فبانت تسعة ، وكذا المعيب له إمساكه وأخذ أرشه ، لرواية عمر بن حنظلة (٨) وهو اختيار الأكثر.

__________________

(١) المختلف : في الغرر والمجازفة ص ١١٢ س ٢٥ قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط : وتبعه ابن البراج.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٣) القواعد : الفصل الثالث في الشرط ص ١٥٣ س ١٤ قال : والأقرب أنّ للبائع الى أن قال : وللمشتري الخيار في طرف النقصان فيهما بين الفسخ والإمضاء.

(٤) الإيضاح : ج ١ ص ٥١٧ س ٢٢ قال في شرح قول العلامة : والحق رجوع هذه المسائل إلى أنّ المقدار وصف والمبيع العين إلخ.

(٥) النهاية : باب بيع المياه والمراعي وأحكام الأرضين ص ٤٢٠ س ١١ قال : وإذا اشترى الإنسان من غيره جريانا معلومة من الأرض الى أن قال : فنقص عن المقدار الذي اشتراه كان بالخيار بين أن يردّ الأرض وبين أن يطالب بردّ ثمن ما نقص من الأرض ، وإن كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض وجب عليه أن يوفيه تمام ما باعه إلخ.

(٦) السرائر : باب بيع المياه وأحكام الأرضين ص ٢٤٧ س ٢٦ قال : وروي انه إذا اشترى الإنسان من غيره جريانا معلومة من الأرض فنقص كان بالخيار بين أن يردّ الأرض وبين أن يطالب بردّ ثمن ما نقص الى أن قال : وان كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض فغير واضح إلخ.

(٧) المختلف : في الغرر والمجازفة ص ١١٢ س ٢٢ قال : مسألة قال الشيخ في النهاية الى أن قال بعد نقل رواية عمر بن حنظلة : فالتخطي إلى الأرض المجاورة ممنوع.

(٨) سيأتي عن قريب.

٤١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

(ب) أن يكون له أرض يجاور المبيع ، قال في النهاية : كان للمشتري الخيار بين إمساكه بحصته من الثمن وبين إلزامه توفية الناقص من الأرض المجاورة (١) وقال ابن إدريس : بل له الخيار بين الفسخ والرجوع بقسط الناقص (٢) وهو مذهب العلامة في المختلف (٣).

احتج الشيخ بما رواه عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السّلام في رجل باع أرضا على أنّ فيها عشرة أجربة ، فاشترى المشتري منه بحدوده ونقد الثمن وأوقع صفقة البيع وافترقا ، فلما مسح الأرض فإذا هي خمسة أجربة ، قال : إن شاء استرجع ماله وأخذ الأرض ، وان شاء ردّ المبيع وأخذ ماله كلّه ، إلّا أن يكون بجنب تلك الأرض له أيضا أرضون ، فليوفيه ، ويكون البيع لازما له ، وعليه الوفاء له بتمام البيع ، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع ، فإن شاء المشتري أخذ الأرض واسترجع فضل ماله ، وإن شاء ردّ الأرض وأخذ المال كلّه (٤).

واللام في قوله (وفي الرواية) للعهد ، لأنّه حكى الحكم الأوّل من الرواية ، وهو قوله «كان له الخيار بين الفسخ والإمضاء بحصّتها» فقال : وفي الرواية ، أي في الرواية التي هي مستند هذا الحكم ، إذا كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض.

فرع لو اختار المشتري الأخذ للأرض بقسطها من الثمن على القول به ، هل يثبت للبائع خيار الفسخ؟ احتمالان :

__________________

(١) تقدم آنفا نقله عن النهاية.

(٢) تقدم نقله عن السرائر بقوله (فغير واضح).

(٣) تقدم نقله عن المختلف بقوله (فالتخطي إلى الأرض المجاورة ممنوع).

(٤) التهذيب : ج ٧ (١١) باب أحكام الأرضين ص ١٥٣ الحديث ٢٤.

٤١١

الخامس : في العيوب.

وضابطها ما كان زائدا عن الخلقة الأصلية ، أو ناقصا. وإطلاق العقد يقتضي السلامة. فلو ظهر عيب سابق تخيّر المشتري بين الردّ والأرش ، ولا خيرة للبائع. ويسقط الردّ ، بالبراءة من العيب ولو إجمالا ، وبالعلم به قبل العقد ، وبالرضا بعده ، وبحدوث عيب عنده ، وبإحداثه في المبيع حدثا ، كركوب الدابّة ، والتصرف الناقل ولو كان قبل العلم بالعيب.

أمّا الأرش فيسقط بالثلاثة الأول دون الأخيرين.

ويجوز بيع المعيب وان لم يذكر عيبه ، وذكره مفصّلا أفضل. ولو ابتاع شيئين فصاعدا صفقة ، فظهر العيب في البعض ، فليس له ردّ المبيع منفردا ، وله ردّ الجميع أو الأرش ولو اشترى اثنان شيئا صفقة ، فلهما الردّ بالعيب أو الأرش ، وليس لأحدهما الانفراد بالردّ على الأظهر (١) والوطء يمنع ردّ الأمة إلّا من عيب الحبل ، ويردّ معها نصف عشر قيمتها.

______________________________________________________

أحدهما : لا يثبت ، لأنّ الخيار إنما يثبت للتعيب بنقص المبيع ، والخيار في العيب للمشتري خاصة دون البائع ، ولاستناد العيب الى تفريطه ، فالعقد لازم له.

يحتمل ثبوت الخيار له ، لأنّه إنما رضي ببيعها بالثمن أجمع ، فإذا لم يصل اليه كان له الفسخ. فعلى هذا لو بذل له المشتري جميع الثمن ، منع الفسخ ، لزوال العيب.

قال طاب ثراه : ولو اشترى اثنان شيئا صفقة ، فلهما الردّ بالعيب أو الأرش ، وليس لأحدهما الانفراد بالردّ على الأظهر.

أقول : اختار الشيخ في كتاب الشركة من كتابي الخلاف انفراد أحدهما

٤١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بما يختاره من الردّ أو الأرش (١) واختاره ابن إدريس (٢) وهو مذهب أبي على (٣) لأن ذلك بمنزلة عقدين ، فالعيب مستند إلى البائع ومنع في النهاية (٤) وموضع آخر من الكتابين (٥) وبه قال المفيد (٦) وتلميذه (٧) والتقي (٨) وابن حمزة (٩) وللقاضي قولان ، حذرا من تبعيض الصفقة على البائع ، وانما يجوز ردّ العين مع سلامتها من العيب ، وهذا الردّ يتوجّه به عيب بسبب التبعيض (١٠) واختاره

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ كتاب الشركة ص ٣٥١ س ٩ قال : إذا اشترى الشريكان عبدا الى أن قال : فإن أراد أحدهما الردّ والآخر الإمساك كان لهما ذلك وفي الخلاف : كتاب الشركة ، مسألة ١٠ قال : فإن أراد أحدهما الرد والأخر الإمساك كان لهما ذلك.

(٢) السرائر : باب ابتياع الحيوان ص ٢٣٩ س ١ قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط : والى هذا أذهب وافتي وأعمل إلخ.

(٣) المختلف : في العيوب ص ١٩٦ س ٢٧ قال : وقال ابن الجنيد : لو كانت المعيبة بين رجلين الى أن قال : كان حكم الذي لم يرض في حقه قائما إلخ.

(٤) النهاية : باب ابتياع الحيوان ص ٤٠٩ س ١٥ قال : وإذا ابتاع اثنان عبدا أو أمة ووجدا به عيبا وأراد أحدهما الأرش والآخر الردّ لم يكن لهما الّا واحدا من الأمرين إلخ.

(٥) المبسوط : ج ٢ فصل في ان الخراج بالضمان ص ١٢٧ س ٢٣ قال : إذا اشترى نفسان عبدا ووجدا به عيبا كان لهما الردّ والإمساك فإن أراد أحدهما الردّ والآخر الإمساك لم يكن لهما ذلك إلخ وفي الخلاف ، كتاب البيوع مسألة ١٧٨ قال : إذا اشترى نفسان إلخ.

(٦) المقنعة : باب ابتياع الحيوانات ص ٩٣ س ٤ قال : وإذا ابتاع اثنان عبدا ووجدا به عيبا إلخ.

(٧) المراسم : ذكر الشرط الخاص في البيع والمبيع ص ١٧٦ س ١٥ قال : ويجوز شراء كل الحيوان بين الشركاء ، فان وجد به عيب فليس للشركاء أن يختلفوا فيه إلخ.

(٨) الكافي : البيع ص ٣٥٨ س ١٩ قال : وإذا ابتاع اثنان أو أكثر من ذلك حيوانا فظهر به عيب الى أن قال : لم يكن لهما إلّا أحد الأمرين.

(٩) الوسيلة : فصل في بيان أحكام الردّ بالعيب ص ٢٥٦ س ٥ قال : لو ابتاع جماعة متاعا بالشركة وظهر به عيب إلخ.

(١٠) المهذب : ج ١ ، باب بيع المعيوب ص ٣٩٣ س ١٧ قال : وإذا اشترى اثنان مملوكا صفقة واحدة إلخ.

٤١٣

وهنا مسائل

الأولى : التصرية تدليس ، يثبت بها خيار الردّ ، ويردّ معها مثل لبنها ، أو قيمته مع التعذّر ، وقيل صاع من برّ.

الثانية : الثيبوبة ليست عيبا ، نعم لو شرط البكارة فثبت سبق الثيوبة كان له الردّ ، ولو لم يثبت التقدّم فلا ردّ ، لأنّ ذلك قد يذهب بالنّزوة.

الثالثة : لا يردّ العبد بالإباق الحادث عند المشتري ، ويردّ بالسابق.

الرابعة : لو اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر فصاعدا ومثلها تحيض ، فله الردّ ، لأنّ ذلك لا يكون إلّا لعارض.

الخامسة : لا يردّ البزر والزيت بما يوجد فيه من التّفل المعتاد ، نعم لو خرج عن العادة جاز ردّه إذا لم يعلم.

السادسة : لو تنازعا في التبرّي من العيب ولا بيّنة ، فالقول قول منكره مع يمينه ، ما لم يكن هنا قرينة حال تشهد لأحدهما.

السابعة : يقوم المبيع صحيحا ومعيبا ، ويرجع المشتري على البائع بنسبة ذلك من الثمن ، ولو اختلف أهل الخبرة رجع إلى القيمة الوسطى.

______________________________________________________

المصنف (١) والعلامة (٢).

قال طاب ثراه : التصرية تدليس يثبت بها خيار الردّ ، ويردّ معها مثل لبنها أو قيمته مع التعذّر ، وقيل : صاع من برّ.

أقول : هنا مسائل :

__________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف : في العيوب ص ١٩٦ س ٢٨ قال بعد نقل قول المشهور : والأقرب الأوّل.

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأولى : التصرية عبارة عن تحفيل الشاة ، ومعناه أن يترك البائع حلبها أيّاما ليتوفّر اللبن في ضرعها ، ثمَّ يخرجها الى السوق فيراها المشتري فيظنّها حلوبة ، فيدخل على ذلك ، فله الخيار إجماعا وهل يردّ معها اللبن مع وجوده؟ أم لا؟ فيه ثلاثة أقوال :

(أ) نعم ، يردّه مع وجوده ، فإن بقيت أوصافه ردّه ولا شي‌ء عليه ، وان تغيّر ردّه مع الأرش ، ومع فقده يردّ مثله ، فإن تعذّر فعليه قيمته ، ذهب اليه الشيخ في النهاية (١) وبه قال المفيد (٢) والقاضي (٣) وابن إدريس (٤) واختاره المصنف (٥) والعلامة (٦).

(ب) يردّ معها لبنها أو عوضه صاعا من حنطة أو تمر قاله أبو علي (٧).

(ج) يردّ معها عوض اللبن صاعا من برّ أو تمر ، وان كان اللبن موجودا ، ولا يجبر البائع على أخذ عين اللبن ، فان تعذّر الصاع فقيمته وان بلغ قيمة الشاة قاله

__________________

(١) النهاية : باب العيوب الموجبة للردّ ص ٣٩٤ س ٥ قال : وتردّ الشاة المصراة الى أن قال : وإذا ردّها ردّ معها قيمة ما احتلب إلخ.

(٢) المقنعة : باب العيوب الموجبة للردّ ص ٩٢ س ٢٥ قال : وتردّ الشاة المصراة الى أن قال : وإذا ردّها ردّ مع قيمة ما احتلبه إلخ.

(٣) المهذب : ج ١ باب بيع المصراة ص ٣٩١ س ٢٠ قال : وإذا ابتاعها وأراد ردّها ، ردّها مع صاع من تمر أو صاع من برّ الى أن قال : فان لم يجد ذلك كان عليه القيمة ولو بلغت فيه القيمة قيمة الشاة.

(٤) السرائر : باب الشرط في العقود ص ٢٢٢ س ١٧ قال : فان كان مصراة وكان اللبن قائم العين ردّه بحاله وان كان تالفا إلخ.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) المختلف : في العيوب ص ١٩٤ س ٢٥ قال بعد نقل قول المقنعة والنهاية أوّلا : والمعتمد الأوّل ، وقال قبل ذلك بأسطر. قال ابن الجنيد : الى أن قال : يردّ معها عوضا عمّا حلب منها صاعا من حنطة أو تمر إلخ.

(٧) المختلف : في العيوب ص ١٩٤ س ٢٥ قال بعد نقل قول المقنعة والنهاية أوّلا : والمعتمد الأوّل ، وقال قبل ذلك بأسطر. قال ابن الجنيد : الى أن قال : يردّ معها عوضا عمّا حلب منها صاعا من حنطة أو تمر إلخ.

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

القاضي في المهذب (١) وتردّد الشيخ في المبسوط بين إجبار البائع على قبول عين اللبن مع وجوده ، وعدم إجباره ، بل له الصاع لعموم النص (٢) ويمكن حمل قول المبسوط والقاضي على تغيّر اللبن ، إذ هو الغالب لسرعة انفعاله ، لكن يبقى الإشكال في إلزامه بالصاع عند ذلك ، بل مقتضى الأصل ردّ أرشه ، ويخالف الدليل ، وهو عموم النص.

الثانية : هل تثبت التصرية في البقرة والناقة؟ قال الشيخ في الكتابين : نعم ، وادّعى عليه الإجماع (٣) وبه قال القاضي (٤) وابن إدريس (٥) وأبو علي (٦) وتوقف العلامة في المختلف ومال فيه الى عدم الثبوت (٧) واستقربه في القواعد (٨) وهو مذهب الشهيد (٩) وتردّد المصنف (١٠)

__________________

(١) تقدم آنفا.

(٢) المبسوط : ج ٢ فصل في بيع المصراة ص ١٢٤ س ٢٢ قال : المصراة أن يترك حلب الناقة أو البقرة أو الشاة الى أن قال : وإذا كان لبن التصرية باقيا لم يشرب منه شيئا فأراد ردّه مع الشاة لم يجبر البائع عليه وإن قلنا أنّه يجبر عليه كان قويا.

(٣) الخلاف : كتاب البيوع مسألة ١٦٩ قال : التصرية في البقرة مثل التصرية في الناقة والشاة. وفي المبسوط ما تقدم آنفا.

(٤) المهذب : ج ١ باب بيع المصراة ص ٣٩١ س ٩ قال : المصراة هي الناقة أو البقرة أو الشاة.

(٥) السرائر : باب العيوب الموجبة للردّ ص ٢٢٦ س ٣١ قال : وتردّ الشاة المصراة الى أن قال : وكذلك حكم البقرة والناقة.

(٦) المختلف : في العيوب ص ١٩٤ س ٢٩ قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط والخلاف : وبه قال ابن الجنيد ، ثمَّ قال : ونحن في ذلك من المتوقّفين.

(٧) المختلف : في العيوب ص ١٩٤ س ٢٩ قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط والخلاف : وبه قال ابن الجنيد ، ثمَّ قال : ونحن في ذلك من المتوقّفين.

(٨) القواعد : كتاب المتاجر ، المطلب الثالث في التدليس ص ١٤٧ س ٧ قال : والأقرب ثبوت التصرية في البقرة والناقة.

(٩) الدروس : كتاب الخيار ص ٣٦٣ س ٤ قال : ومن التدليس التصرية في الشاة والناقة والبقرة.

(١٠) الشرائع : كتاب التجارة ، الفصل الخامس في أحكام العيوب ، مسائل الأولى ، قال : ويثبت

٤١٦

الثامنة : لو حدث العيب بعد العقد وقبل القبض ، كان للمشتري الردّ ، وفي الأرش قولان أشبههما الثبوت. وكذا لو قبض المشتري بعضا وحدث في الباقي كان الحكم ثابتا فيما لم يقبض.

______________________________________________________

الثالثة : لا يثبت التصرية في الأمة والأتان عند الأكثر ، وبه قال الشيخ في الكتابين (١) وتبعه ابن إدريس (٢) والقاضي في المهذب قال : فأمّا ما عدى الشاة والبقرة والناقة فمختلف فيه وليس على صحة إجرائه فيه دليل (٣) وقال أبو علي : يثبت في كل حيوان آدمي أو غيره ، لأنّ التدليس بكثرة اللبن هو علة الردّ وقد يدعو الحاجة الى لبن الأمة وغيرها من أصناف الحيوان ، فيشرع الخيار دفعا للضرر المنفيّ بالآية والرواية (٤).

قال طاب ثراه : لو حدث العيب بعد العقد وقبل القبض ، كان للمشتري الردّ ، وفي الأرش قولان : وكذا لو قبض المشتري البعض وحدث في الباقي كان الحكم ثابتا فيما لم يقبض.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا حدث العيب قبل القبض كان للمشتري الردّ قطعا. وهل له

__________________

التصرية في الشاة قطعا ، وفي الناقة والبقرة على تردّد.

(١) المبسوط : ج ٢ فصل في بيع المصراة ص ١٢٥ س ١٢ قال : والتصرية في الجارية لا تصح ، ثمَّ قال : وإذا صرّى أتانا لم يكن له حكم التصرية ، وفي الخلاف : كتاب البيوع ، مسألة ١٧٠ و ١٧١.

(٢) السرائر : باب العيوب الموجبة للردّ ص ٢٢٦ س ٣١ قال : وتردّ الشاة المصراة الى أن قال وكذلك حكم البقرة والناقة ولا تصرية عندنا في غير ذلك.

(٣) المهذب : ج ١ باب بيع المصراة ص ٣٩١ س ١٣ قال : ولا فرق في تناول ذلك بما ذكرناه بين ناقة أو بقرة أو شاة فأما ما عدى ذلك إلخ.

(٤) المختلف : في العيوب ص ١٩٤ س ٣٣ قال : وقال ابن الجنيد : المصراة من كل حيوان آدمي وغيره.

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الإمساك مع الأرش؟ قولان : أحدهما نعم ، قاله الشيخ في النهاية (١) والآخر ، لا ، قاله في الكتابين (٢) واختاره ابن إدريس (٣) وبالأوّل قال القاضي (٤) والتقي (٥) واختاره العلامة (٦) لأن المبيع لو تلف ، كلّه لكان من ضمان البائع فكذا أبعاضه ، لأنّ المقتضي لثبوت الضمان في الكل وهو عدم القبض ، موجود في الأبعاض ، فيثبت الحكم. ويظهر من المصنف اختيار الأوّل ، لأنّه جزم في الشرائع بأنه إذا تلف بعض المبيع وليس له قسط من الثمن ، بثبوت الخيار للمشتري في الفسخ لا غير (٧) ووجهه أنّ إجبار البائع على دفع الأرش على خلاف الأصل ، لأنّه ما رضي ببذل عينه إلّا في مقابلة كلّ الثمن ، وأخذ المبيع منه ببعضه من غير اختياره يكون تجارة عن غير تراض ، وهو محرّم بالآية (٨). فيقتصر فيه على موضع الإجماع ، وهو في

__________________

(١) النهاية : باب العيوب الموجبة للردّ ، ص ٣٩٥ س ٨ قال : وان أراد أخذه وأخذ الأرش كان له ذلك.

(٢) المبسوط : فصل في ان الخراج بالضمان ص ١٢٧ س ١٣ قال : وإذا وجد المشتري عيبا الى أن قال : لم يجبر البائع على بذل الأرش إلخ وفي الخلاف : كتاب البيوع مسألة ١٧٧ قال : إذا حدث بالمبيع عيب الى أن قال : وليس له اجازة البيع مع الأرش.

(٣) السرائر : باب العيوب الموجبة للردّ ص ٢٢٥ س ٣٠ قال : كان المشتري مخيّرا بين ردّ المبتاع والمطالبة بالأرش.

(٤) المهذب : ج ١ باب بيع المعيوب ص ٣٩٢ س ٢٢ قال : من اشترى شيئا ثمَّ وجد به عيبا لم ينبه له البائع كان مخيرا بين الرضا به وبين ردّه واسترجاع الثمن.

(٥) الكافي : البيع ، ص ٣٥٨ س ٥ قال : ومقتضى العقد المطلق يوجب تسليم المبيع صحيحا والثمن جيدا ، فان ظهر عيب في أحدهما إلخ.

(٦) المختلف : في العيوب ص ١٥٩ س ٣٠ قال : والمعتمد الأوّل ، أي الإمساك مع الأرش.

(٧) الشرائع : كتاب التجارة ، النظر الثالث في التسليم ، قال : الثالثة ، لو باع جملة فتلف بعضها الى أن قال : وان لم يكن له قسط من الثمن كان للمشتري الردّ أو أخذه بجملة الثمن إلخ.

(٨) النساء : ٢٩.

٤١٨

الفصل الخامس : في الربا

وتحريمه معلوم من الشرع ، حتى أنّ الدرهم منه أعظم من سبعين زنية.

ويثبت في كل مكيل أو موزون مع الجنسية ، وضابط الجنس ما يتناوله اسم خاص ، كالحنطة بالحنطة ، والأرز بالارز. ويشترط في بيع المثلين التساوي في القدر ، فلو بيع بزيادة حرم نقدا ونسيئة ، «ويصح متساويا يدا بيد ، ويحرم نسيئة» ، ويجب إعادة الربا مع العلم بالتحريم ، فان جهل صاحبه وعرف الربا تصدّق به ، وإن عرفه وجهل الربا صالح عليه ، وان مزجه بالحلال وجهل المالك والقدر تصدّق بخمسة ولو جهل التحريم كفاه الانتهاء.

______________________________________________________

صورة سبق العيب على العقد ، لأنّ اجزاء الثمن مقسطة على أجزاء المبيع ، ويكون البائع قد قبض بعض الثمن ، وهو غير مستحق له ، فيرجع به إليه ، ولأنّه يقرب أن يكون من باب الغبن ، فبقي في الباقي على الأصل ، لعدم حصول هذه المعاني فيه ، وبالجملة المسألة مشكلة.

الثانية : إذا قبض بعضا وحدث في الباقي عيب ، قال المصنف : «كان الحكم ثابتا فيما لم يقبض» معناه أنّه يتخير المشتري بين إمساكه مجّانا ، أو مع المطالبة بأرشه على الخلاف ، وبين ردّه ، لاختصاصه بوجود العلة الموجبة للحكم المذكور ، فيختص به دون الباقي. ويحتمل قويا عدم جواز الردّ للبعض ، بل الكلّ ، أو يأخذ الأرش على الاحتمالين ، لمحذور تبعيض الصفقة على البائع.

قال طاب ثراه : ولو جهل التحريم كفاه الانتهاء.

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : هذا قول الشيخ (١) وبه قال الصدوق في كتابيه ، اعني المقنع (٢) وكتاب من لا يحضره الفقيه (٣) ، لقوله تعالى (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ) (٤) ولما روي عن الصادق عليه السلام : كلّ ربا أكله الناس بجهالة ثمَّ تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرفت منهم التوبة (٥) وقال ابن إدريس : بل يجب عليه ردّ المال (٦) وهو ظاهر أبي علي (٧) واختاره العلامة في كتبه (٨) لقوله تعالى (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) (٩) ولأنها معاوضة باطلة ، فلا ينتقل بها الملك ، وأجابوا عن الآية باحتمال العود إلى الذنب ، يعنى سقوطه عنه بالتوبة ، أو ما كان في زمن الجاهلية كما ذكره الشيخ في التبيان (١٠) وأجمع الكلّ على وجوب الاستغفار والتوبة منه مع ارتكابه مع العلم والجهالة ، لأنّه من الكبائر.

__________________

(١) النهاية : باب الربا ص ٣٧٦ س ٢ قال : فمن ارتكب الربا بجهالة ، فليستغفر الله في المستقبل وليس عليه فيما مضى شي‌ء.

(٢) ما وجدناه في المقنع ولكنه موجود في الهداية : لا حظ ص ٨٠ (١٣٧) باب الربا س (١٩) قال : ومن أكل الربا جهالة الى أن قال : ولا اثم عليه فيما لا يعلم إلخ.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٨٧) باب الربا ص ١٧٥ الحديث ٧ وقطعة من حديث ٩ وفيه (فمن جهله وسعة جهله حتى يعرفه)

(٤) البقرة : ٢٧٥.

(٥) تقدم نقله عن كتاب من لا يحضره الفقيه : ص ١٧٥ الحديث ٧.

(٦) السرائر : باب الربا وأحكامه ص ٢١٥ س ٥ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : المراد بذلك ليس عليه شي‌ء من العقاب ، الى أن قال : بل يجب عليه ردّه الى صاحبه.

(٧) المختلف : في أحكام الربا ، ص ١٧٤ س ٣٧ قال : وقال ابن الجنيد : من اشتبه عليه الربا لم يكن له أن يقدم عليه إلخ ثمَّ قال بعد نقل قول ابن إدريس بوجوب الردّ : وهو الأقرب.

(٨) المختلف : في أحكام الربا ، ص ١٧٤ س ٣٧ قال : وقال ابن الجنيد : من اشتبه عليه الربا لم يكن له أن يقدم عليه إلخ ثمَّ قال بعد نقل قول ابن إدريس بوجوب الردّ : وهو الأقرب.

(٩) البقرة : ٢٧٩.

(١٠) التبيان : ج ٢ ص ٣٦٠ س ٢٣ قال : قال أبو جعفر عليه السلام من أدرك الإسلام وتاب ممّا كان عمله في الجاهلية وضع الله عنه ما سلف.

٤٢٠