المهذّب البارع - ج ٢

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

وللمرتهن استيفاء دينه من الرهن ، إن خاف جحود الوارث. ولو اعترف بالرهن وادّعى الدين ولا بيّنة ، فالقول قول الوارث. وله إحلافه إن ادّعى عليه العلم. ولو باع الرهن وقف على الإجازة. ولو كان وكيلا فباع بعد الحلول صحّ. ولو أذن الراهن في البيع قبل الحلول ، لم يستوف دينه حتى يحلّ.

ويلحق به مسائل النزاع ، وهي أربع :

الأولى : يضمن المرتهن قيمة الرهن يوم تلفه ، وقيل : أعلى القيم من حين القبض الى حين التلف.

______________________________________________________

وإن كان الذي رهنها يعلفها فليس له أن يركبها (١).

فالحاصل أنّ في المسألة أربعة أقوال :

(أ) جواز الانتفاع وكون الإنفاق بإزائه ، وهو قول الشيخ والتقي.

(ب) المنع من الانتفاع والرجوع بالإنفاق مع النية والإشهاد ، وهو قول ابن إدريس.

(ج) اشتراط اذن الحاكم في الرجوع ، وهو قول الشهيد.

(د) المنع من التصرف والقضاء بالتقاص ، وهو قول العلامة.

قال طاب ثراه : يضمن المرتهن قيمة الرهن يوم تلفه ، وقيل : أعلى القيم من حين القبض الى حين التلف.

أقول : إذا ثبت التفريط من المرتهن في الرهن ، بإقراره أو البينة ولزمه قيمته ، ففي اعتباره أربعة أقوال :

(أ) يوم التلف ، وهو مذهب الشيخين (٢) ووجهه أنه وقت استقرار الضمان

__________________

(١) الفقيه : ج ٣ (٩٥) باب الرهن ، ص ١٩٦ الحديث ٥.

(٢) المقنعة : باب الرهون ، ص ٩٧ س ١ قال : وإذا اختلف الراهن والمرتهن الى أن قال : في قيمة الرهن في يوم هلك دون يوم قبضه. وفي النهاية : باب الرهون وأحكامها ص ٤٣١ س ٨ قال : ومتى هلك

٥٠١

ولو اختلفا ، فالقول قول الراهن ، وقيل : القول قول المرتهن ، وهو أشبه.

______________________________________________________

وانتقاله إلى ذمة المرتهن.

(ب) أعلى القيم من يوم القبض الى يوم التلف نقله المصنف (١).

(ج) أعلى القيم من يوم التلف الى حكم الحاكم عليه بالقيمة ، وهو مذهب أبي علي (٢).

(د) أعلى القيم من حين التفريط إلى وقت التلف ، وهو ظاهر العلامة في المختلف (٣) وهو أقرب لأنه من حين التفريط كالغاصب.

قال طاب ثراه : ولو اختلفا فالقول قول الراهن ، وقيل : القول قول المرتهن ، وهو أشبه.

أقول : إذا اختلفا في قيمة الرهن اللازمة للمرتهن بسبب تفريطه أو تعدّيه على الرهن ، هل يكون القول قوله في ذلك مع يمينه ، أو القول قول المالك؟ بالأول قال ابن إدريس (٤) واختاره المصنف (٥) والعلامة (٦) لأنه منكر ، وقال عليه السّلام : اليمين على من أنكر (٧) ولأصالة براءة ذمته من الزائد ، وإسقاط حكم عدالته ،

__________________

بتفريط من جهته إلى أن قال : كان ضامنا لثمن الرهن في وقت هلاكه.

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف : في الرهن ص ١٣٩ س ٦ قال : وقال ابن الجنيد : فان تعدّى المرتهن في الرهن واستهلكه لزمه أعلى قيمته من يوم استهلاكه إلى يوم أن يحكم عليه بقيمته ، الى أن قال : وجب هنا على المرتهن أعلى القيم من حين التفريط الى وقت التلف.

(٣) المختلف : في الرهن ص ١٣٩ س ٦ قال : وقال ابن الجنيد : فان تعدّى المرتهن في الرهن واستهلكه لزمه أعلى قيمته من يوم استهلاكه إلى يوم أن يحكم عليه بقيمته ، الى أن قال : وجب هنا على المرتهن أعلى القيم من حين التفريط الى وقت التلف.

(٤) السرائر : باب الرهون وأحكامها ص ٢٥٩ س ٢٨ قال : وإذا اختلفا في مبلغ الرهن أو في مقدار قيمته الى أن قال : فالقول قول المرتهن أيضا.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) المختلف : في الرهن ص ١٣٩ س ٤ قال بعد نقل ابن إدريس : وهو الأقوى.

(٧) عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢٤٤ الحديث ١٧٢ وص ٤٥٣ الحديث ١٨٨ وج ٢ ص ٢٥٨ الحديث ١٠ وص ٣٤٥ الحديث ١١ وج ٣ ص ٥٢٣ الحديث ٢٢.

٥٠٢

الثانية : لو اختلفا فيما على الرهن فالقول قول الراهن ، وفي الرواية ، القول قول المرتهن ما لم يدّع زيادة على قيمة الرهن.

______________________________________________________

لا يسقط حكم : البينة على المدّعي واليمين على من أنكر ، كالدعوى في أصل الرهن. وبالثاني قال الشيخان (١) والقاضي (٢) وسلار (٣) والتقي (٤) وابن حمزة (٥) وأبي علي (٦) لأنّ خيانته تسقط عدالته ، فلا يؤخذ بقوله.

قال طاب ثراه : ولو اختلفا فيما على الراهن فالقول قول الراهن ، وفي رواية ، القول قول المرتهن ما لم يدع الزيادة عن قيمة الرهن.

أقول : يريد إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدر الدين الذين على الرهن ، فالأصل أنّ هذا اختلاف على ما في ذمة الراهن ، فيكون القول قوله في قدره ، وعلى المرتهن إقامة البينة فيما يدعيه ، وهو مذهب الشيخ في الكتب الثلاثة (٧) وبه قال

__________________

(١) المقنعة : باب الرهون ص ٩٧ س ١ قال : وإذا اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن الى ان قال : كان القول قول صاحب الرهن إلخ. وفي النهاية : باب الرهون وأحكامها ص ٤٣١ س ١٦ قال : وان اختلفا في قيمة الرهن كان القول قول صاحب الرهن إلخ.

(٢) المختلف : في الرهن ص ١٣٩ س ١ قال بعد نقل قول الشيخ والمفيد : وهو قول ابن البراج.

(٣) المراسم : ذكر : أحكام الرهون ص ١٩٣ س ٣ قال : فان اختلفا في قيمة الرهن فالقول قول صاحب الرهن مع يمينه.

(٤) الكافي : في أحكام الرهن ، ص ٣٣٥ س ٨ قال : وإذا ثبت التفريط واختلف في قيمة الرهن ، فالقول قول الراهن مع يمينه.

(٥) الوسيلة : في بيان حكم الرهن ص ٢٦٦ س ١٠ قال : وان اختلف المتراهنان الى أن قال : والثاني كذلك. أي القول قول الراهن في الاختلاف في قيمة الرهن.

(٦) المختلف : في الرهن ، ص ١٣٩ س ٢ قال : وهو أيضا قول ابن الجنيد فإنه قال : والأولى عندي أن نأخذ بقول الراهن.

(٧) النهاية : باب الرهون ص ٤٣١ س ١٨ قال : فان اختلفا في مقدار ما على الرهن من المال ، كان على المرتهن البينة إلخ. والخلاف : كتاب الرهن ، مسألة ٥٧ قال : وكذلك ان اختلفا في مقدار الحق ، كان القول قول الراهن والمبسوط ج ٢ ، كتاب الرهن ص ٢٣٦ س ١٢ قال : وان اتفقا على الرهن واختلفا في

٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الصدوق (١) والقاضي (٢) والتقي (٣) وابن حمزة (٤) وابن إدريس (٥) وقال أبو علي : يقدّم قول المرتهن ما لم يزد دعواه عن قيمة الرهن ، وله أن يستحلف الراهن على قوله (٦).

احتج الأوّلون بوجوه :

(أ) أن الأصل عدم الزيادة ، فيكون القول قولنا فيها.

(ب) ان الراهن منكر لزيادة ما يدعيه المرتهن ، والأصل براءة ذمته ، فيكون القول قوله.

(ج) صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام في رجل رهن عند صاحبه رهنا لا بيّنة بينهما فيه ادّعى الّذي عنده الرهن بأنّه بألف درهم ، وقال صاحب الرهن إنّه بمائة ، قال : البينة على الذي عنده الرهن أنه بألف درهم ، فإن لم يكن بيّنة فعلى الراهن اليمين (٧) ومثلها موثقة عبيدة بن زرارة عن الصادق

__________________

مقدار الحق ، كان القول قول الراهن.

(١) المقنع : باب الرهن والوديعة ص ١٢٩ س ٦ فان اختلف رجلان في الرهن فقال أحدهما : رهنته بألف درهم وقال الآخر بماءة ، فإنه يسأل صاحب الألف ، البينة إلخ.

(٢) المهذب : ج ٢ كتاب الرهن ص ٧٣ س ١٥ قال : وان اتفقا على الرهن واختلفا في مقدار الحق الذي رهناه إلخ.

(٣) الكافي : الرهن ، ص ٣٣٥ س ١٠ قال : وإذا ادّعى المرتهن مبلغا من الدين فأقر الراهن ببعضه إلخ.

(٤) الوسيلة : فصل في بيان حكم الرهن ص ٢٦٦ س ١٠ قال : وان اختلف المتراهنان لم يخل من أربعة أوجه : اما اختلفا في مقدار ما على الرهن الى أن قال : كان القول قول الراهن مع يمينه إلخ.

(٥) السرائر : باب الرهون ص ٢٥٩ س ٣١ قال : وإذا اختلفا في مبلغ الدين أخذ ما أقرّ به الراهن وحلف على ما أنكره إلخ.

(٦) المختلف : في الرهن ص ١٣٩ س ١٢ قال : وقال ابن الجنيد : المرتهن يصدّق في دعواه حتى يحيط بالثمن الى أن قال : وله أن يستحلف الراهن على ما يقوله.

(٧) التهذيب : ج ٧ (١٥) باب الرهون ص ١٧٤ قطعة من حديث ٢٦.

٥٠٤

الثالثة : لو قال القابض : هو رهن ، وقال المالك : هو وديعة فالقول قول المالك مع يمينه. وفيه رواية أخرى متروكة (١).

الرابعة : لو اختلفا في التفريط ، فالقول قول المرتهن مع يمينه.

______________________________________________________

عليه السّلام (١).

احتج أبو علي بما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليه السّلام في رهن اختلف فيه الراهن والمرتهن ، فقال الراهن : هو بكذا وكذا ، وقال المرتهن : هو أكثر قال عليّ عليه السّلام : يصدّق المرتهن حتى يحيط بالثمن ، لأنه أمينه (٢) والسند ضعيف (٣).

قال طاب ثراه : لو قال القابض : وهو رهن وقال المالك : هو وديعة ، فالقول قول المالك مع يمينه ، وفيه رواية أخرى متروكة.

أقول : للأصحاب هنا أربعة أقوال :

(أ) القول قول القابض وعلى المالك البينة ، وهو قول الشيخ في الاستبصار (٤) والصدوق في المقنع (٥).

(ب) القول قول المالك في عدم الرهن ، وهو فتوى النهاية (٦) وهو ظاهر

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (١٥) باب الرهون ص ١٧٤ الحديث ٢٧.

(٢) التهذيب : ج ٧ (١٥) باب الرهون ص ١٧٥ الحديث ٣١.

(٣) سند الحديث كما في التهذيب (محمّد بن علي بن محبوب عن احمد بن محمّد عن النوفلي عن السكوني).

(٤) الاستبصار : ج ٣ (٨١) باب انه إذا اختلف نفسان في متاع في يد واحد منهما ، فقال الذي عنده إنّه رهن وقال الآخر : انّه وديعة ، ص ١٢٢ فلا حظ.

(٥) المقنع : باب الرهن والوديعة ، ص ١٢٩ س ٨ قال : وان قال أحدهما : هو رهن ، وقال الآخر : هو وديعة عندك ، فإنه يسأل صاحب الوديعة ببيّنة إلخ.

(٦) النهاية : باب الرهون ص ٤٣٥ س ٧ قال : وإذا اختلف نفسان الى أن قال : كان القول قول صاحب المال إلخ.

٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الكتابين (١) وبه قال التقي (٢) والقاضي (٣) وابن إدريس (٤) واختاره المصنف (٥) والعلامة (٦).

(ج) إن اعترف القابض للمالك بكونه في يده على سبيل الأمانة ثمَّ صار رهنا ، كان القول قول المالك في عدم الرهن ، وان لم يعترف لم يبق الخلوص عن الوثيقة مع كونه في يده فعلى المالك ألبينة أنّه لم يخرجه عن يده إلّا على سبيل الوديعة ، وهو قول أبي علي (٧).

(د) إن اعترف المالك بالدين كان القول قول القابض ، وإن أنكره كان القول قوله وهو قول ابن حمزة (٨).

احتج الشيخ على قوله الأوّل برواية ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السّلام قال : إذا اختلفا في الرهن ، فقال أحدهما : هو رهن وقال الآخر : هو وديعة ، فقال :

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ أحكام الرهن ص ٢٢٣ س ٢٢ قال : وإذا وجّه اليه ثوبا وعبدا واختلفا إلى أن قال : فالقول قول الراهن.

(٢) الكافي : فصل في أحكام الرهن ص ٣٣٥ س ١١ قال : وإذا اختلف اثنان في شي‌ء الى أن قال : فعلى مدعى الرهن البينة.

(٣) المهذب : ج ٢ كتاب الرهن ص ٦٩ س ٩ قال : وإذا أرسل الى غيره عبدا وثوبا ثمَّ اختلفا ، فقال الراهن : العبد هو الرهن والثوب وديعة الى أن قال : فالقول حينئذ قول الراهن.

(٤) السرائر : باب الرهون ص ٢٥٩ س ٣٤ قال : ومتى اختلفا في متاع فقال الذي هو عنده انّه رهن وقال صاحب المتاع أنّه وديعة كان القول قول صاحب المتاع.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) المختلف : في الرهن ص ١٣٩ س ١٨ قال : مسألة ، إذا اختلفا الى أن قال : كان القول قول صاحب المتاع أنّه وديعة الى أن قال بعد أسطر ، وقال ابن الجنيد : وان ادّعى رجل أنّ له عقارا أو غيره في يد رجل عارية أو وديعة إلخ.

(٧) المختلف : في الرهن ص ١٣٩ س ١٨ قال : مسألة ، إذا اختلفا الى أن قال : كان القول قول صاحب المتاع أنّه وديعة الى أن قال بعد أسطر ، وقال ابن الجنيد : وان ادّعى رجل أنّ له عقارا أو غيره في يد رجل عارية أو وديعة إلخ.

(٨) الوسيلة : في بيان حكم الرهن ، ص ٢٦٦ س ١٧ قال : فان ادّعى صاحب المتاع كونه وديعة عنده وخصمه كونه رهنا ، فان اعترف صاحب المتاع بالدين كان القول قول خصمه إلخ.

٥٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

على صاحب الوديعة البينة ، فان لم يكن له بيّنة حلف صاحب الرهن (١).

وفي طريقها ضعف (٢).

واحتج على الثاني بصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام في رجل رهن عند صاحبه رهنا ، فقال الذي عنده الرّهن : ارتهنته عندي بكذا وكذا ، وقال الآخر : إنما هو عندك وديعة ، فقال : البينة على الذي عنده الرهن انه بكذا ، فان لم يكن إله عليه بيّنة فعلى الذي له الرهن اليمين (٣).

واحتج أبو علي : بأنّه صاحب يد ، وليست يده يد عادية ، والأصل بقاؤها ، وعلى مدعي زوالها ، البيّنة.

واحتج ابن حمزة بأنه يدّعي الظاهر ، فانّ الظاهر احتياط صاحب الدين على ماله ، وانما يتمّ بأخذ الرهن عليه ، فالظاهر أنّ المال هنا رهن ، ولوجود قرينة الأداء به (٤). واعترف المالك له بالأمانة وجعله أمينا ، يوجب تقديم قوله في التلف وغيره.

والوجهان الأخيران يصلحان حجة لابن الجنيد أيضا.

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (١٥) باب الرهون ، ص ١٧٤ ذيل الحديث ٢٨.

(٢) سند الحديث كما في التهذيب (الحسن بن محمّد بن سماعة عن غير واحد عن ابان عن ابن أبي يعفور).

(٣) التهذيب : ج ٧ (١٥) باب الرهون ، ص ١٧٤ ذيل حديث ٢٦.

(٤) في نسخة الالف المعتمدة كما أثبتناه ، وفي نسخة (ب وج) هكذا (ولوجود قرينة الإدانة).

٥٠٧
٥٠٨

كتاب الحجر

٥٠٩
٥١٠

كتاب الحجر

المحجور هو الممنوع من التصرّف في ماله.

وأسبابه ستة : الصغر ، والجنون ، والرق ، والمرض ، والفلس ، والسفه.

ولا يزول حجر الصغير الّا بوصفين :

______________________________________________________

كتاب الحجر

مقدمة

الحجر لغة المنع والحظر والتضييق ، قال الله تعالى (حِجْراً مَحْجُوراً) (١) أي حراما محرّما ، ومنه قوله تعالى (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (٢) أي عقل ، وسمّي العقل حجرا؟ لمنعه من ارتكاب القبيح ، وحجر البيت مانع من الطواف فيه.

وشرعا منع الإنسان من التصرف في ماله.

وهو ثابت بالنص والإجماع ، قال الله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) (٣) وقال تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) (٤).

وهو قسمان :

__________________

(١) الفرقان : ٢٢.

(٢) الفجر : ٥

(٣) النساء : ٤.

(٤) النساء : ٦.

٥١١

(الأوّل) البلوغ : وهو يعلم بإنبات الشعر الخشن على العانة ، أو خروج المنيّ الذي منه الولد من الموضع المعتاد. ويشترك في هذين الذكور والإناث.

أو السنّ ، وهو بلوغ خمس عشرة ، وفي رواية من ثلاث عشرة إلى أربع عشرة ، وفي رواية أخرى بلوغ عشرة ، وفي الأنثى بلوغ تسع.

______________________________________________________

حجر على الإنسان لحق غيره كالمفلس لحق الغرماء ، والمريض لحق الورثة ، والمكاتب لحق السيد ، والراهن لدين المرتهن.

وحجر لحق نفسه ، وهو ثلاثة : الصبي ، والسفيه ، والمجنون ، ويلحق بالمجنون ثلاثة : المغمى عليه ، والمصروع ، والمبرسم (١).

والحجر على هؤلاء الثلاثة عام بالنسبة إلى أموالهم وذممهم ، بخلاف القسم الأوّل فإنّ الحجر يختصّ بما في أيديهم من الأموال ، دون ذممهم.

وأسباب الحجر ستة : الصغر ، والجنون ، والسفه ، والفلس ، والرقّ ، والمرض.

ووجه الحصر أن نقول : الحجر إمّا عام أو خاص ، والأوّل إمّا أن يكون ذا غاية يعلم زوال سببها أولا ، الأوّل الصغر ، والثاني الجنون. والخاص إمّا أن يكون الحجر فيه مقصورا على مصلحة المحجور عليه ، أو لغيره ، والأوّل السفه. والثاني لا يخلو إمّا أن يكون مالكا للمحجور عليه أولا ، والأوّل الرقّ ، والثاني لا يخلو إمّا أن يكون موقوفا على حكم الحاكم أولا ، والأوّل الفلس ، والثاني المرض.

واعلم أنّ هناك أسبابا للحجر الخاص غير ما ذكرناه مذكورة في مواضعها ، كحجر البائع على السلعة حتى يقبض الثمن ، وكحجر الصّباغ والخياط على الثوب حتى يقبض الأجرة ، وكحجر المرأة على البضع حتى يقبض الصداق ، وغير ذلك.

قال طاب ثراه : والسن وهو بلوغ خمس عشرة سنة في الذكر ، وفي رواية من ثلاث عشرة إلى أربعة عشرة ، وفي أخرى ببلوغ عشرة ، وفي الأنثى بلوغ تسع.

__________________

(١) برسم أحدث فيه البرسام ، البرسام التهاب في الحجاب الذي بين الكبد والقلب (المنجد لغة برسم).

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : هنا بحثان :

(الأوّل) في الحدّ الذي يعرف به بلوغ الذكر ، وفيه للأصحاب أقوال ثلاثة :

(أ) المشهور خمس عشرة ، وهو في رواية حمزة بن حمران قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام متى يجب على الغلام أن يؤخذ منه الحدود التامة؟ قال : إذا خرج عنه اليتم ، قلت : لذلك حدّ؟ قال : إذا احتلم ، أو بلغ خمس عشرة سنة ، أو أشعر أو أنبت قبل ذلك أقيمت عليه الحدود. قلت : فالجارية ، قال : إذا زوجت ودخل بها ولها تسع سنين (١).

(ب) من ثلاث عشرة إلى أربع عشرة ، وهو مذهب أبي علي (٢) وهو في رواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه السّلام قال : قلت له : جعلت فداك في كم تجري الاحكام على الصبيان؟ قال : في ثلاث عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، قتل : فان لم يحتلم فيها؟ قال : وان لم يحتلم فإنّ الأحكام تجري عليه (٣) وفي معناها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الرابعة عشر ، وجب عليه ما وجب على المحتلم ، احتلم أو لم يحتلم ، كتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات وجاز له كل شي‌ء الّا أن يكون ضعيفا أو سفيها (٤) وفي طريق اخرى فقال : وما السفيه؟ قال : الذي يشتري الدرهم بأضعافه ، قال : وما الضعيف؟ قال : الأبله (٥) وفي رواية زرارة عن الباقر عليه السّلام قال : إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه تجوز وصيته في ماله ما أعتق وتصدق وأوصى على حدّ

__________________

(١) الفروع : ج ٧ ، كتاب الحدود ص ١٩٧ باب حد الغلام والجارية ، الحديث ١.

(٢) المختلف : في الحجر ، ص ١٤٥ س ١٤ قال : وقال ابن الجنيد : اربع عشر سنة.

(٣) التهذيب : ج ٦ (٩٢) باب من الزيادات في القضايا والأحكام ، ص ٣١٠ الحديث ٦٣.

(٤) الفروع : ج ٧ ، باب الوصي يدرك أيتامه فيمتنعون من أخذ ما لهم. ص ٦٩ الحديث ٧.

(٥) التهذيب : ج ٩ (٨) باب وصية الصبي والمحجور عليه ، ص ١٨٢ قطعة من حديث ٦.

٥١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

معروف وحق فهو جائز (١) وفي معناها كثير ، كرواية ابن بكير عن أبي عبد الله قال : يجوز طلاق الصبيّ إذا بلغ عشر سنين (٢).

وليست بصريحة في الدلالة على البلوغ ، ولا يعرف في الأصحاب مصرّحا بكون ذلك بلوغا ، لجواز ارادة رفع الحجر في أمور خاصة وان لم يكن بالغا.

وهو مذهب الشيخين في النهاية (٣) والمقنعة (٤) والفقيه في الرسالة (٥) والقاضي (٦) وابن حمزة (٧).

وذلك في مواضع :

(أ) العتق فينفذ مع بلوغها.

(ب) الوقف في وجوه البرّ.

(ج) الوصية في المعروف.

(د) إمضاء إقراره بمثل ذلك.

__________________

(١) الفروع : ج ٧ ، باب وصية الغلام والجارية التي لم تدرك وما يجوز وما لا يجوز ص ٢٨ الحديث ١.

(٢) التهذيب : ج ٨ (٣) باب أحكام الطلاق ، ص ٧٥ الحديث ١٧٣.

(٣) النهاية : باب شرائط الوصية ص ٦١١ س ٩ قال : فان بلغ عشر سنين ولم يكن قد كمل عقله الى أن قال : كانت وصية ماضية في المعروف من وجوه البرّ ، ثمَّ قال : وكذلك يجوز صدقة الغلام إذا بلغ عشر سنين.

(٤) المقنعة : باب وصية الصبي والمحجور عليه ص ١٠١ س ١٢ قال : وإذا بلغ الصبي عشر سنين جازت وصيته في المعروف من وجوه البرّ.

(٥) لم أظفر عليه.

(٦) المهذب : ج ٢ ، باب شروط الوصاية ، ص ١١٩ س ٨ قال : فان كان صغيرا الى أن قال : وصدقة الصبي إذا بلغ عشر سنين وهبته وعتقه إذا كان بالمعروف وفي وجوه البر على ما قدّمناه جائز.

(٧) الوسيلة : في بيان أحكام الوصية ص ٣٧٢ س ١٠ قال : وحكم كمال العقل يكون للمراهق الى أن قال : فان وصيته وصدقته وعتقه وهبته بالمعروف ماضية إلخ.

٥١٤

(الثاني) الرشد : وهو أن يكون مصلحا لما له. وفي اعتبار العدالة تردّد.

ومع عدم الوصفين أو أحدهما يستمر الحجر ولو طعن في السنّ.

ويعلم رشد الصبيّ باختباره بما يلائمه من التصرّفات ، ويثبت بشهادة رجلين في الرجال ، وبشهادة الرجال أو النساء في النساء.

والسفيه هو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة ، فلو باع والحال هذه لم يمض بيعه ، وكذا لو وهب أو أقرّ بمال ، ويصحّ طلاقه وظهاره وإقراره بما لا يوجب مالا. والمملوك ممنوع من التصرّفات الّا

______________________________________________________

(ه) مؤاخذته بالقصاص.

(و) مؤاخذته بالسرقة.

(ز) صحة نيابته في الحج.

(الثاني) بلوغ الأنثى ، وفيه قولان :

(أ) المشهور وهو تسع سنين ، ذهب اليه الشيخ في باب الحجر من كتاب المبسوط (١) وهو مذهب ابن إدريس (٢) والمصنف (٣) والعلامة (٤).

(ب) عشر سنين ذهب اليه الشيخ في باب الصوم من الكتاب (٥).

قال طاب ثراه : الرشد ، وهو أن يكون مصلحا لما له ، وفي اعتبار العدالة تردّد.

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ كتاب الحجر ص ٢٨٣ س ٢٢ قال : وفي الإناث تسع سنين إلخ.

(٢) السرائر : كتاب الصدقات ، باب شرائط الوصية. ص ٣٨٨ س ٢٦ قال : وفي النساء الاحتلام أيضا أو الإنبات ، أو بلوغ تسع سنين.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف : في الحجر ص ١٤٥ س ٢٤ قال : الثاني الحكم ببلوغ المرأة لتسع سنين وهو المشهور إلخ.

(٥) المبسوط : ج ١ في ذكر حقيقة الصوم وشرائط وجوبه ص ٢٦٦ س ١٩ قال : والمرأة تبلغ عشر سنين.

٥١٥

بإذن المولى والمريض ممنوع من الوصية بما زاد على الثلث. وكذا في التبرّعات المنجّزة على الخلاف. (١) والأب والجد للأب يليان على الصغير والمجنون ، فان فقدا فالوصيّ ، فإن فقد فالحاكم.

______________________________________________________

أقول : الرشد كيفية نفسانية يمنع من صرف المال في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء ، ويقابله السفه والتبذير ، وهو صرف المال في الوجوه الغير اللائقة بأفعال العقلاء. وهل يعتبر العدالة مع كونه مصلحا لما له أم لا؟ قال في المبسوط : إذا صار فاسقا إلّا أنّه غير مبذّر فالأحوط أنّه يحجر عليه (١) وبناه على أصله من أنّ العدالة شرط في الرشد مستدلا بما روي عنهم عليهم السّلام : شارب الخمر سفيه (٢) وقال تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) (٣) واختار العلامة عدم اعتبارها ، وأجاب بأنّ السفيه الذي في الحديث غير السفيه الذي في الآية (٤).

قال طاب ثراه : والمريض ممنوع من الوصية فيما زاد على الثلث ، وكذا في التبرعات المنجزة على الخلاف.

أقول : المشهور أنها من الثلث ، وهو أحد قولي الشيخ في المبسوط (٥) وبه قال الصدوق (٦).

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ كتاب الحجر ص ٢٨٤ س ٢ قال : وإيناس الرشد منه أن يكون مصلحا لما له عدلا في دينه إلخ. وقال أيضا في (٢٨٥) س ١٠ : وإذا صار فاسقا الّا أنّه غير مبذر لما له فالظاهر أنّه يحجر عليه.

(٢) عوالي اللئالى : ج ٣ باب الحجر ، ص ٢٤٠ الحديث ٧ ولا حظ ما علق عليه.

(٣) النساء : ٥.

(٤) المختلف : في الحجر ، ص ١٤٥ س ٣٤ قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط : ونحن قد منعنا أصله والسفيه الذي إلخ.

(٥) المبسوط : ج ٤ كتاب الوصايا ص ٤٣ س ١٤ قال : والعطية المنجرة هي ما يدفعه بنفسه الى أن قال : وتصح منه الوصية ويكون من الثلث

(٦) الهداية : (١٢٩) باب الوصايا ص ٨١ س ١٦ قال : وسئل عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكا ليس له غيره الى أن قال : ما يعتق منه الّا ثلثه.

٥١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأبو على (١) وظاهر الخلاف (٢) واختاره المصنف (٣) والعلامة (٤).

وقال الشيخان في النهاية والمقنعة : أنّها من الأصل (٥) (٦) وبه قال القاضي (٧) وابن إدريس (٨).

والروايات بالأوّل (٩)

احتج الآخرون : بأنّه مالك تصرف في ماله ، فيكون ماضيا لقوله عليه السّلام :

الناس مسلّطون على أموالهم (١٠).

__________________

(١) المختلف : في الوصايا ، ص ٦٦ س ٢١ قال : وللشيخ قول آخر في المبسوط انها من الثلث ، وهو قول الصدوق وابن الجنيد وهو المعتمد.

(٢) الخلاف : كتاب الوصايا ، مسألة ١٢ قال : وإن كان منجزا مثل العتاق والهبة والمحاباة ، فلأصحابنا فيه روايتان إحداهما انّه يصح والأخرى لا يصح الى أن قال : دليلنا على الاولى الأخبار المروية إلخ.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٤) تقدم آنفا ما اختاره.

(٥) النهاية : كتاب الوصايا ، باب الإقرار في المرض والهبة فيه ص ٦٢٠ س ١٥ قال : والهبة في حال المرض صحيحة إذا قبضها الى أن قال : والبيع في حال المرض صحيح كصحته في حال الصحة إلخ.

(٦) المقنعة : باب الوصية والهبة ص ١٠١ س ٣٣ قال : وإذا وهب في مرضه أو تصدق جاز ذلك له في جميع ماله إلخ.

(٧) المهذب : ج ١ في منجزات المريض ، ص ٤٢٠ س ١٨ قال : وإذا وهب المريض في حال مرضه شيئا واقبضه كانت الهبة صحيحة ولم يكن للوارث الرجوع فيها الى أن قال : وبيعه في حال مرضه صحيح إلخ.

(٨) السرائر : في الوصايا ص ٣٨٦ ص ٣١ قال : وعطايا المنجزة صحيحة على الصحيح من المذهب لا تحسب من الثلث بل من أصل المال.

(٩) لاحظ المختلف : في الوصايا ص ٦٦ س ٢٢ ففيه الأخبار الدالّة على انّها من الثلث.

(١٠) لا حظ عوالي اللئالى : ج ١ ص ٢٢٢ الحديث ٩٩ وص ٤٥٧ الحديث ١٩٨ وج ٢ ص ١٣٨ الحديث ٣٨٣ وج ٣ ص ٢٠٨ الحديث ٤٩.

٥١٧
٥١٨

كتاب الضمان

٥١٩
٥٢٠