المهذّب البارع - ج ٢

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

وإذا اختلفت أجناس العروض جاز التفاضل نقدا ، وفي النسيئة قولان : أشبههما الكراهية (١).

والحنطة والشعير جنس واحد في الربا ، وكذا ما يكون منهما كالسويق

______________________________________________________

قال طاب ثراه : إذا اختلفت أجناس العروض جاز التفاضل نقدا ، وفي النسيئة قولان : أشبههما الكراهية.

أقول : الثمن والمثمن إمّا أن يكونا ربويّين ، أو يكونا غير ربويّين ، أو يكون أحدهما دون الآخر ، فالأقسام ثلاثة :

الأوّل : ان يكونا ربويين ، فلا يخلو إمّا أن يتحد الجنس ، أو يختلف ، والثاني إمّا ان يكون أحدهما نقدا والأخر عرضا ، أو يكونا عرضيين ، فالأقسام ثلاثة :

(أ) ان يكون الجنس متحدا ، فيجب التساوي في القدر والحلول.

(ب) أن يختلف ويكون أحدهما نقدا ، فيجوز التفاوت قدرا نقدا قطعا ، ونسيئة كذلك ، لأنه مع التساوي في الحلول تكون مساومة ، ومع الاختلاف فيه يكون نسيئة ، أو سلفا ، ولا يجوز تساويهما في التأجيل ، لاشتراط القبض في مجلس العقد في السلف.

(ج) أن يكونا عرضيين ، فيجوز التفاضل فيهما نقدا ، وهل يجوز نسيئة أم لا؟ منع منه القديمان (١) والمفيد (٢) وتلميذه (٣) وتبعهم القاضي (٤) واختاره الشيخ في

__________________

(١) المختلف : في أحكام الربا ص ١٧٦ س ١٧ قال : ونصّ ابن عقيل على تحريمه وكذا ابن الجنيد.

(٢) المقنعة : باب بيع الواحد بالاثنين ص ٩٣ س ٣٣ قال : وان اختلف نوعه جاز بيع الواحد باثنين وأكثر نقدا يدا بيد ولم يجز نسيئة.

(٣) المراسم : باب بيع الواحد بالاثنين ص ١٧٩ س ٥ قال : فأمّا بيع قفيز من حنطة بقفيزين من ذرة أو أرز أو دخن أو سمسم فجائز نقدا لا نسيئة.

(٤) المهذب : ج ١ ، باب الربا ص ٣٦٤ س ١٢ قال : فان بيع بعض منه ببعض جنس آخر مخالف له جاز ذلك مماثلا ومتفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة.

٤٢١

والدقيق والخبز. وثمرة النخل وما يعمل منها جنس واحد ، وكذا ثمرة الكرم وما يكون منه ، واللحوم تابعة للحيوان في الاختلاف ، وما يستخرج من اللبن جنس واحد ، وكذا الأدهان تتبع ما يستخرج منه.

______________________________________________________

النهاية (١) وتبعه ابن حمزة (٢).

وقال في المبسوط : بالكراهية (٣) وبه قال ابن إدريس (٤) والمصنف (٥) والعلامة (٦).

احتج الأوّلون بقوله عليه السّلام : انما الربا في النسيئة (٧) ولصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام ، ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شي‌ء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأمّا نظرة. فلا يصلح (٨) وهو غير صريح في التحريم. واحتج ابن حمزة بقوله عليه السّلام : إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف

__________________

(١) النهاية : باب الربا ص ٣٧٧ س ٧ قال : ولا بأس ببيع قفيز من الذرة أو غيرها من الحبوب بقفيزين من الحنطة والشعير أو غيرهما من الحبوب ، يدا ويكره ذلك نسيئة (*).

(٢) الوسيلة : فصل في بيان الربا ص ٢٥٣ س ٢٠ قال : والثاني : يجوز بيع أحدهما بالآخر متماثلا ومتفاضلا نقدا ، ونسيئة على كراهية.

(*) راجع المختلف : ص ١٧٦ س ١١ في بيان معنى الكراهة في قول الشيخ.

(٣) المبسوط : فصل في ذكر ما يصح فيه الربا ص ٨٩ س ٥ قال : فان لم يكن في واحدة منهما الربا الى أن قال : جاز بيع بعضه ببعض متماثلا ومتفاضلا نقدا ويكره ذلك نسيئة.

(٤) السرائر : باب الربا ص ٢١٦ س ٥ قال : ولا بأس ببيع قفيز من الذرة بقفيزين من الحنطة نقدا الى أن قال : وانما روي كراهية بيع ذلك نسيئة دون أن يكون محرّما.

(٥) لاحظ قوله في المختصر : (وان اختلف أجناس العروض جاز التفاضل نقدا وفي النسيئة قولان : أشبههما الكراهية).

(٦) المختلف : في الربا ص ١٧٦ س ١٧ قال بعد نقل قول ابن إدريس : وهو الأقرب.

(٧) عوالي اللئالي : ج ٣ باب التجارة ص ٢٢٠ الحديث ٨٤ ولاحظ ذيله.

(٨) التهذيب : ج ٧ (٨) باب بيع الواحد بالاثنين ص ٩٣ الحديث ٢.

٤٢٢

وما لا كيل ولا وزن فيه فليس بربوي ، كالثوب بالثوبين والعبد بالعبدين ، وفي النسيئة خلاف (١) والأشبه الكراهية وفي ثبوت الربا في المعدود تردد ، أشبهه : الانتفاء.

______________________________________________________

شئتم (١) واحتج الآخرون بكونه جمعا بين الروايات.

القسم الثاني : أن لا يكونا ربويين كالثياب والعبد فيجوز التفاضل فيه نقدا قطعا كعبد بعبدين ، ودارا بدارين ، وهل يجوز نسيئة أم لا فيه ثلاثة أقوال :

(أ) المنع قاله الشيخ في النهاية (٢) والخلاف (٣) وبه قال القديمان (٤).

(ب) الجواز قاله الصدوق واختاره (٥).

(ج) الكراهية قاله في المبسوط (٦) واختاره المصنف (٧) واستند الكل الى الروايات (٨) القسم الثالث : أن يكون أحدهما ربويّا والآخر غير ربوي ، فيجوز بيعهما متفاوتين في التقدير ومتساويين ، ومع حلول أحدهما وتأجيل الآخر ، ولا يجوز مع تأجيلهما تساويا في الأجل أو اختلفا.

قال طاب ثراه : وما لا كيل فيه ولا وزن فليس بربوي كالثوب بالثوبين والعبد بالعبدين وفي النسيئة خلاف.

أقول : تقدم البحث عن هذه في المسألة السابقة.

قال طاب ثراه : وفي ثبوت الربا في المعدود تردّد ، أشبهه الانتفاء.

__________________

(١) عوالي اللئالى : ج ٣ ، باب التجارة ص ٢٢١ الحديث ٨٦ ولاحظ ذيله.

(٢) النهاية : باب الربا ص ٣٧٧ س ١٠ قال : وأمّا ما لا يكال ولا يوزن الى أن قال : ولا يجوز ذلك نسيئة مثل ثوب بثوبين.

(٣) الخلاف : كتاب البيوع ، مسألة ٦٧ قال : الثياب بالثياب لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة إلخ.

(٤) المختلف : في الربا ص ١٧٦ س ٢٤ قال : ومنع منه ابن أبي عقيل وابن الجنيد.

(٥) المقنع : باب الربا ص ١٢٥ س ١٧ قال : ولو أنّ رجلا باع بعيرا ببعيرين الى أن قال : لم يكن بذلك بأس.

(٦) تقدم آنفا مختارهما.

(٧) تقدم آنفا مختارهما.

(٨) لاحظ التهذيب : ج ٧ (٨) باب بيع الواحد بالاثنين ص ٩٣ الأحاديث (١ ـ ٢ ـ ٤ ـ ١٠ ـ ١٢).

٤٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : المعدود كالبيض والنارنج هل يثبت فيه الربا أم لا؟ بالأوّل قال المفيد (١) وتلميذه (٢) وأبو علي (٣) وبالثاني قال الصدوقان (٤) والقاضي (٥) وابن إدريس (٦) والشيخ في الخلاف (٧) وهو ظاهر الحسن (٨) والمبسوط (٩) والنهاية (١٠) واختاره المصنف (١١) والعلامة (١٢).

للأصل ، ولصحيحة سعيد بن يسار قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن البعير بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ قال : لا بأس (١٣) وعن منصور بن حازم عن الصادق

__________________

(١) المقنعة : باب بيع الواحد بالاثنين ص ٩٤ س ٨ قال : وحكم ما يباع عددا حكم المكيل والموزون.

(٢) المراسم : ذكر بيع الواحد بالاثنين ص ١٧٩ س ١٢ قال : وما يباع عددا فحكمه حكم المكيل والموزون.

(٣) المختلف : في الربا ، ص ١٧٥ س ٣٧ قال : وقال المفيد : انه يثبت وهو قول ابن الجنيد.

(٤) المقنع : باب الربا ص ١٢٥ س ١٧ قال : فلو أنّ رجلا الى أن قال : ممّا لم يكن فيه كيل ولا وزن لم يكن بذلك بأس.

(٥) المهذب : ج ١ ، باب الربا ص ٣٦٢ س ٦ قال : وليس يصح الربا الّا فيما كان مكيلا أو موزونا ، فامّا ما كان من غير ذلك فلا يدخل فيه.

(٦) السرائر : باب الربا ص ٢١٥ س ٢٠ قال : فامّا ما عداهما من جميع المبيعات فلا ربا فيها بحال.

(٧) الخلاف : كتاب البيوع ، مسألة ٧٢ قال : لا ربا في المعدودات إلخ.

(٨) المختلف : في الربا ص ١٧٥ س ٣٦ قال : وهو الظاهر من قول ابن أبي عقيل.

(٩) المبسوط : ج ٢ ، في ذكر ما يصح فيه الربا ص ٨٨ س ٢ قال : الربا في كل ما يكال أو يوزن ولا ربا فيما عداهما.

(١٠) النهاية : باب الربا ص ٣٧٦ س ١٧ قال : ولا يكون الربا الّا فيما يكال أو يوزن فامّا ما عداهما فلا ربا فيه.

(١١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(١٢) المختلف : في الربا ص ١٧٥ س ٣٧ قال بعد نقل المذاهب ، والأقرب الأول ، أي عدم الثبوت.

(١٣) الفروع : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب المعاوضة في الحيوان والثياب وغير ذلك ص ١٩١ الحديث ٤.

٤٢٤

ولو بيع شي‌ء كيلا أو وزنا في بلد وفي بلد آخر جزافا ، فلكلّ بلد حكمه ، وقيل : يغلب تحريم التفاضل.

______________________________________________________

عليه السّلام قال : سألته عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين؟ قال : لا بأس ما لم يكن كيل أو وزن (١) واحتج المفيد بروايات غير صريحة إلّا في الكراهة.

قال طاب ثراه : ولو بيع شي‌ء كيلا أو وزنا في بلد ، وفي بلد آخر جزافا ، فلكل بلد حكمه ، وقيل : يغلب تحريم التفاضل.

أقول : إذا اختلف البلدان في التقدير ، بأن كان في أحدهما كيلا أو وزنا ، وفي الآخر جزافا ، بنى على ما عرف عادته في عهده عليه السّلام ، فان كان التقدير بأحد الأمرين حرم التفاضل فيه ، وإن زال التقدير بعد ذلك وما عرف عدم تقديره بأحدهما لم يكن ربوبا وجاز التفاضل ، وان تقدر بأحدهما بعد ذلك ، لأنه عليه السّلام اثبت الربا في المكيل والموزون ونفاه عمّا خرج عنهما ، فيصرف الى الموجود في زمانه ، ويكون الحكم متناولا لعينه ، فكأنه عليه السّلام قال : هذا يثبت فيه الربا وهذا لا يثبت فيه الربا ، ولا عبرة بتغيّر العادات بعد ذلك ، وان لم يعرف عادته عليه السّلام في وقته اعتبر عادة البلد ، فان اختلفت البلدان فهل تثبت فيه الربا أو لا تثبت قيل فيه ثلاثة أقوال :

(أ) ثبوت التحريم في الكل ، لأصالة التقدير في جميع الأشياء حذرا من الغرر المفضي إلى التنازع ، ولأنه أحوط ، وهو قول الشيخ في النهاية (٢) وتبعه سلار (٣).

(ب) اعتبار حكم الأغلب والأعم ، لأنّ المعروف من عادة الشرع اعتبار

__________________

(١) الفروع : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب المعاوضة في الحيوان والثياب وغير ذلك ص ١٩١ الحديث ٨.

(٢) النهاية : باب الربا ص ٣٧٨ س ١٣ قال : وان كان الشي‌ء يباع في بلد جزافا وفي بلد آخر كيلا ، فحكمه ، حكم المكيل إلخ.

(٣) المراسم : ذكر بيع الواحد بالاثنين ص ١٧٩ س ١٣ قال : وإذا بيع شي‌ء في موضع بالكيل أو الوزن وفي موضع آخر جزافا فحكمه حكم المكيل والموزون.

٤٢٥

وفي بيع الرطب بالتمر روايتان ، أشهرهما المنع.

______________________________________________________

الأغلب وإطراح النادر قاله المفيد (١) وابن إدريس (٢).

(ج) اعتبار كلّ بلد بحكمه ، فما كان فيه مقدّرا بأحدهما حرم التفاضل فيه ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٣) وتبعه القاضي (٤) وهو اختيار المصنف (٥) والعلامة (٦) لأنّ لكلّ بلد عرف خاص ، فينصرف إطلاق الخطاب إليه ، ولأصالة عدم التحريم.

قال طاب ثراه : وفي بيع الرطب بالتمر روايتان ، أشبههما المنع.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

(أ) الجواز مطلقا قاله ابن إدريس (٧) والشيخ في موضع من المبسوط إذا كان التمر موضوعا على الأرض ، لا خرصا (٨).

__________________

(١) المقنعة : باب بيع الواحد بالاثنين ص ٩٤ س ٥ قال : وان كان الشي‌ء يباع في مصر من الأمصار كيلا ووزنا ويباع في مصر آخر جزافا فحكمه حكم المكيل والموزون إذا تساوت الأحوال ، وإذا اختلفت كان الحكم فيه حكم الأغلب إلخ.

(٢) السرائر : باب الربا ص ٢١٨ س ١ قال : وإذا اختلفت كان الحكم فيه حكم الأغلب والأعم إلخ.

(٣) المبسوط : ج ٢ ، في ذكر ما يصح فيه الربا ص ٩٠ س ١٤ قال : فان كان ممّا لا يعرف عادته في عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله حمل على عادة البلد الذي فيه ذلك الشي‌ء إلخ.

(٤) المهذب : ج ١ ، باب الربا ص ٣٦٣ ، ص ٦ قال : وما كان ممّا لا يعرف فيه عادة على عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله فإنه يحمل على عادة البلد إلخ.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) المختلف : في الربا ص ١٧٨ س ١٩ قال بعد نقل قول المبسوط والقاضي : وهو الأقرب.

(٧) السرائر : باب الربا ص ٢١٦ س ٣١ قال بعد نقل قول الشيخ بعدم الجواز ، وهذا غير واضح بل يجوز ذلك.

(٨) المبسوط : ج ٢ ، في ذكر ما يصح فيه الربا ص ٩٣ س ٧ قال : بيع الرطب بالتمر لا يجوز إذا كان خرصا بما يؤخذ منه ، فأمّا إذا كان تمرا موضوعا على الأرض فإنه يجوز ، فاما بيع العنب بالزبيب الى أن قال : فلا نص لأصحابنا فيه ، والأصل جوازه ، لقوله تعالى «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ»

٤٢٦

وهل تسري العلة في غيره كالزبيب بالعنب ، والبسر بالرطب؟ الأشبه ، لا.

______________________________________________________

(ب) المنع ، قاله الشيخ في الخلاف (١) والنهاية (٢) وموضع من المبسوط (٣) وبه قال القديمان (٤) والقاضي (٥) وابن حمزة (٦) واختاره المصنف (٧) والعلامة (٨).

(ج) الكراهية قاله الشيخ في الاستبصار (٩).

قال طاب ثراه : وهل تسري العلة في غيره كالزبيب بالعنب ، والبسر بالرطب؟ الأشبه ، لا.

__________________

(١) الخلاف : كتاب البيوع ، مسألة ١٠٥ قال : لا يجوز بيع الرطب بالتمر ، فاما بيع العنب بالزبيب الى أن قال : وما أشبه ذلك ، فلا نص لأصحابنا فيه ، والأصل جوازه ، لأنّ حملها على الرطب قياس ونحن لا نقول به.

(٢) النهاية : باب الربا ص ٣٧٧ س ٢٠ قال : ولا يجوز أيضا بيع الرطب بالتمر.

(٣) المبسوط : ج ٢ ، في ذكر ما يصح فيه الربا ، ص ٩٠ س ٥ قال : ولا يجوز بيع الرطب بالتمر لا متفاضلا ولا متماثلا على حال.

(٤) المختلف : في الربا ص ١٧٧ س ٣٧ قال : وقال ابن أبي عقيل : لا يجوز بيع التمر اليابس بالرطب الى أن قال : وقال ابن الجنيد : لا يشترى التمر اليابس بالرطب الى أن قال : والمعتمد تحريم كل رطب مع يابسه الّا العرية.

(٥) المهذب : ج ١ باب الربا ص ٣٦٢ س ١٣ قال : وما ذكرنا دخول الربا فيه ممّا يكال أو يوزن ، فانّ ما كان منه رطبا فإنه يجوز بيعه مثلا بمثل الى أن قال : وما كان منه يابسا ، جاز أيضا بيع بعضه ببعض إلخ.

(٦) الوسيلة : في بيان الربا ص ٢٥٣ س ١٧ قال : ولا يجوز بيع التمر بالرطب ، ولا بيع الزبيب بالعنب إلخ.

(٧) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٨) تقدم نقله عن المختلف آنفا.

(٩) الاستبصار : ج ٣ (٦١) باب بيع الرطب بالتمر ص ٩٣ قال بعد نقل الأخبار الدالة على المنع : فالوجه في هذه الأخبار ضرب من الكراهة دون الحظر.

٤٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : قال في النهاية (١) والخلاف (٢) وفي موضع من المبسوط (٣) : لا يسري العلة إلى الزبيب ، لعدم النص فيه ، والأصل جوازه ، وحمله على الرطب قياس ، ونحن لا نقول به ، وبه قال ابن إدريس (٤) واختاره المصنف (٥) وقال القديمان (٦) وابن حمزة (٧) : لا يجوز.

وعمّم الشيخ في موضع من المبسوط (٨) وأبو علي (٩) والعلامة (١٠) كل رطب مع يابسه ، لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال : لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أنّ اليابس يابس والرطب رطب فاذا يبس نقص (١١) فقد نصّ عليه السّلام على العلّة ، والعلّة المنصوصة تعدّي الحكم ، وقد ذكر ذلك محقّقا في موضعه ، وكذا الحكم في البسر بالرطب ، لأنّ البسر أثقل من الرطب ، فلا يجوز البيع اذن فيما ذكرناه متفاوتا ولا متساويا ، أمّا التفاضل فلتحريمه في الجنس المتحد ، واما التساوي فلأنّ مع أحدهما ما تنقص إذا جفّ ، ولا يجوز إسقاط قدره لفقد الطريق الى العلم بمقداره.

__________________

(١) النهاية : باب الربا ، ص ٣٧٩ س ١٧ قال : ولا يجوز بيع العنب بالزبيب الّا مثلا بمثل.

(٢) تقدم آنفا.

(٣) تقدم نقله.

(٤) السرائر : في الربا ص ٢١٧ س ٢١ قال : ولا يجوز بيع العنب بالزبيب الّا مثلا بمثل.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) تقدم نقل قولهم آنفا.

(٧) تقدم نقل قولهم آنفا.

(٨) المبسوط : ج ٢ ، في ذكر ما يصح فيه الربا ص ٩٣ س ١٠ قال : ولا يجوز بيع الحنطة المبلولة بالجافة وزنا مثلا بمثل لأنه يؤدّي إلى الربا لأنّ مع أحدهما ماء فينقص إذا جف ، والتفاضل لا يجوز لفقد الطريق الى العلم بمقدار الماء.

(٩) المختلف : في الربا ، ص ١٧٧ س ٣٩ قال : وقال ابن الجنيد : الى أن قال : في الفاكهة وغيرها من اللحم إلخ.

(١٠) تقدّم نقله عن المختلف في قوله : والمعتمد تحريم كل رطب مع يابسه.

(١١) الفروع : ج ٥ ، كتاب المعيشة ، باب المعاوضة في الطعام ص ١٨٩ قطعة من حديث ١٢.

٤٢٨

ولا يثبت الربا بين الوالد والولد ، ولا بين الزوج والزوجة ، ولا بين المملوك والمالك ، ولا بين المسلم والحربي.

وهل يثبت بينه وبين الذمّي؟ فيه روايتان ، أشهرهما أنّه يثبت.

ويباع الثوب بالغزل ولو تفاضلا.

ويكره بيع الحيوان باللحم ولو تماثلا.

وقد يتخلص من الربا بأن يجعل مع الناقص متاع من غير جنسه ، مثل درهم ومدّ من تمر بمدّين ، أو يبيع أحدهما سلعته لصاحبه ويشتري الأخرى بذلك الثمن.

______________________________________________________

فان قيل : الرطب يرسب في الماء ويطفو البسر ، فلم حكمت بأنّ البسر ينقص إذا ترطب ، والطفو علامة الخفّة ، والرسوب علامة الثقل.

والجواب : أنّ البسر انما طفا لتكاثف أجزائه وشدّة اكتناذها بعضها ببعض فلم يتخلله الماء كما يتخلل الرطب لرخاوة أجزائه ، فالرسوب فيه سببه ما يحتمله من الماء.

قال طاب ثراه : وهل يثبت بينه وبين الذمي؟ فيه روايتان أشهرهما انه يثبت.

أقول : ذهب الشيخ (١) والقاضي (٢) وابن إدريس إلى ثبوته (٣) ، وهو الظاهر من كلام ابن حمزة (٤) وأبي علي (٥) حيث قال : وأهل الذمة في دار المسلمين

__________________

(١) النهاية : باب الربا ، ص ٣٧٦ س ١٥ قال : والربا يثبت بين المسلم وأهل الذمّة إلخ.

(٢) المختلف : في الربا ، ص ١٧٥ س ٢٠ قال : وهو اختيار ابن البراج.

(٣) السرائر : في الربا ، ص ٢١٥ س ١٢ قال : والربا يثبت بين المسلمين وأهل الذمة كثبوته بينه وبين مسلم مثله.

(٤) الوسيلة : في بيان الربا ، ص ٢٥٤ س ١٧ قال : ولا ربا الى أن قال : ولا بين المسلم والحربي إلخ ومن هذا يظهر ثبوته بين المسلم وأهل الذمة.

(٥) المختلف : في الربا ، ص ١٧٥ س ٢١ قال : وقال ابن الجنيد : وأهل الذمة في دار الإسلام

٤٢٩

ومن هذا الباب ، الكلام في الصرف.

وهو بيع الأثمان بالأثمان.

ويشترط فيه التقابض في المجلس ، ويبطل لو افترقا قبله على الأشهر (١) ولو قبض البعض صحّ فيما قبض ، ولو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل ، ولو وكّل أحدهما في القبض فافترقا قبله بطل ولو اشترى منه دراهم ثمَّ

______________________________________________________

المقيمين والراحلين ، ولا يجوز أخذ الربا من أموالهم ، ولا بأس بأخذه منهم في دار حربهم. واختاره المصنف (١) والعلامة (٢) لعموم النهى عن الربا ، ولعصمة مال الذمّي ، فلا يؤخذ بعقد فاسد كالمسلم. وقال المفيد (٣) والسيد (٤) وابنا بابويه (٥) لا يثبت لما رواه الصدوق عن الصادق عليه السّلام ليس بين المسلم والذمّي ربا ، ولا بين المرأة وزوجها ربا (٦). وحمل على الذمّي المخلّ بالشرائط.

قال طاب ثراه : ويشترط فيه التقابض في المجلس ، ويبطل لو افترقا قبله على الأشهر.

أقول : الصرف في اللّغة هو الصوت ، ومنه صريف البكرة ، أى صوتها. وفي الشرع هو بيع الأثمان بمثلها ، ولمّا كان الصوت يحصل بتقليب الثمن والمثمن سمّي

__________________

إلخ ثمَّ قال : والأقرب اختيار الشيخ.

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف : في الربا ، ص ١٧٥ س ٢١ قال : وقال ابن الجنيد : وأهل الذمّة في دار الإسلام إلخ ثمَّ قال : والأقرب اختيار الشيخ.

(٣) لم أعثر عليه في المقنعة ، وفي المختلف : في الربا ص ١٧٥ س ٣٧ قال : وقال المفيد : انه يثبت.

(٤) الانتصار : مسائل البيوع والربا والصرف ، ص ٢١٢ قال : مسألة في الربا ، فإنه قدّس سرّه بعد أن ثبت عدم الربا بين المسلم والذمي ، قال : ثمَّ لما تأمّلت ذلك رجعت عن هذا المذهب إلخ.

(٥) المقنع : باب الربا ، ص ١٢٦ س ٢ قال : ولا بين المسلم والذمي.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٨٧) باب الربا ص ١٧٦ الحديث ١٢.

٤٣٠

اشترى بها دنانير قبل القبض ، لم يصح الثاني ولو كان له عليه دنانير فأمره أن يحوّلها إلى الدراهم وساعره ، فقبل صحّ وان لم يقبض ، لأنّ النقدين من واحد. (١) ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منهما ، ويجوز في المختلف ، ويستوي في اعتبار التماثل : الصحيح والمكسور والمصوغ. وإذا كان في أحدهما غشّ لم يبع بجنسه إلّا أن يعلم مقدار ما فيه ، فيزاد الثمن عن قدر الجوهر بما يقابل الغش. ولا يباع تراب الذهب بالذهب ، ولا تراب الفضة بالفضة ويباع بغيره ، ولو جمعا جاز بيعه بهما. ويباع جوهر الرصاص والنحاس بالذهب أو الفضة وان كان فيه يسير من ذلك. ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة إذا كانت معلومة الصرف ولو لم تكن كذلك لم يجز إلّا بعد بيانها.

______________________________________________________

صرفا ، ويشترط فيه ما يشترط في الربويّات ، وهل يعتبر فيه زائدا عن ذلك ، وهو التقابض في المجلس؟ قال الصدوق : لا ، لأصالة الصحة وعدم الاشتراط (١) والأكثرون على اشتراطه لقوله عليه السّلام : الذهب والفضة يباعان يدا بيد (٢).

قال طاب ثراه : ولو كان عليه دنانير فأمره أن يحولها إلى الدراهم وساعره فقبل صحّ وان لم يقبض ، لأنّ النقدين من واحد.

أقول : هذا مذهب الشيخ (٣) ومنع ابن إدريس من هذا الحكم وأبطل الصرف ،

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانه.

(٢) عوالي اللئالى : ج ٣ باب التجارة ص ٢٢٢ الحديث ٩١.

(٣) النهاية : باب الصرف وأحكامه ص ٣٨٠ س ١٤ قال : وإذا كان لإنسان على صيرفي دراهم الى أن قال : لأنّ النقدين جميعا من عنده.

٤٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

لاشتراط التقابض في المجلس ولم يحصل (١) ويقول الشيخ قال أبو علي (٢) واختاره المصنف (٣) والعلامة (٤).

وبه تشهد الروايات.

فمنها صحيحة معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : يكون للرجل عندي الدراهم ، فيلقاني فيقول : كيف سعر الوضح (٥) اليوم؟ فأقول : كذا وكذا ، فيقول : أليس لي عندك كذا وكذا ألف درهما وضحا؟ فأقول : نعم ، فيقول حولها لي دنانير بهذا السعر وأثبتها لي عندك ، فما ترى في هذا؟ فقال لي : إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك ، فقلت : إنّي لم أوازنه ولم أناقده وانما كان كلام مني ومنه ، فقال : أليس الدراهم من عندك والدنانير من عندك؟ قلت ، بلى قال : فلا بأس بذلك (٦).

فان قلت : هذه الرواية مخالفة للأصل من وجوه ثلاثة :

(أ) إنه صرف ولم يشترط فيه التقابض في المجلس.

(ب) أنه بيع دين بدين.

(ج) إنّ أمره بالمساعرة والتحويل قائم مقام التمليك والعقد.

قلنا : مسلّم لكنها من الروايات الصحاح ، وإذا أمكن العمل بها على وجه من

__________________

(١) السرائر : باب الصرف ص ٢١٨ س ١٨ قال بعد قول الشيخ : قال محمّد بن إدريس : إن أراد بذلك الى أن قال : فان افترقا قبل أن يتقابضا بطل البيع والصرف.

(٢) المختلف : في الصرف ص ١٨٠ س ٩ قال : وابن الجنيد وافق الشيخ ، الى أن قال : ولا استبعاد في مخالفة هذا النوع من الصرف لغيره باعتبار اتحاد من عليه الحق وكان كالتقابض إلخ.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف : في الصرف ص ١٨٠ س ٩ قال : وابن الجنيد وافق الشيخ ، الى أن قال : ولا استبعاد في مخالفة هذا النوع من الصرف لغيره باعتبار اتحاد من عليه الحق وكان كالتقابض إلخ.

(٥) الوضح من الدرهم ، الصحيح ، وكذا الدراهم الوضح ، والوضاحية نسبته الى ذلك (مجمع البحرين لغة وضح).

(٦) التهذيب : ج ٧ (٨) باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ص ١٠٢ الحديث ٤٧.

٤٣٢

مسائل

الأولى : إذا دفع زيادة عمّا للبائع صحّ ، وتكون الزيادة أمانة. وكذا لو بان فيه زيادة لا يكون الّا غلطا أو تعمّدا. ولو كانت الزيادة ممّا يتفاوت به الموازين لم تجب إعادته.

الثانية : يجوز له أن يبدل درهما بدرهم ويشترط صياغة خاتم ، لا يتعدّى الحكم. ويجوز أن يقرضه الدراهم ويشترط أن ينقدها بأرض أخرى.

______________________________________________________

التأويل ، وجب ، ولا يجوز ردّها ، لأنّ الأخذ من العمومات اجتهاد ، ولا يجوز العمل به وترك النص ، فالعمل بهذه مع ردّها إلى أصول توجب تأييدها ، أوجه وأولى.

وذلك أن نقول : هذه مبنيّة على مقدمات مسلّمة وإن وقع في بعضها شك وخلاف متروك ، وهي ثلاث :

(أ) إنّ ما في الذمة مقبوض.

(ب) إنّ قبض الوكيل قبض الموكّل.

(ج) إنّ الواحد يجوز له أن يتولى طرفي العقد.

إذا تقرّر هذا فنقول : لمّا أمره بالتحويل فقد وكله في المعاوضة ، إذا الوكالة لا يشترط في إيجابها لفظ خاص وما في الذمة مقبوض ، وقبض الوكيل قبض الموكّل ، فصار هذا في حكم بيع ما في يد الوكيل في البيع بما في يده ، فصحّ ، ولم يشترط فيه التقابض في المجلس ، والتحويل مع الرضا عقد شرعي وليس بيع دين بدين ، بل هو بمنزلة ما لو شرط كون الثمن ممّا للمشتري في ذمة البائع ، وقد نصّ على جواز ذلك في السلم فكيف في الحالّ ، فاذن الترجيح لجانب الرواية الصحيحة ، ولا عبرة بندور المخالف.

٤٣٣

الثالثة : الأواني المصوغة من الذهب والفضة ، إن أمكن تخليصها لم يبع بأحدهما ، وإن تعذّر وكان الغالب أحدهما بيعت بالأقل ، وان تساويا بيعت بهما.

الرابعة : المراكب والسيوف المحلّاة ، إن علم مقدار الحلية بيعت بالجنس مع زيادة تقابل المراكب ، أو النصل نقدا. ولو بيعت نسيئة نقد من الثمن ما قابل الحلية. وإن جهل بيعت بغير الجنس ، وقيل : إن أراد بيعها بالجنس ضم إليها شيئا.

الخامسة : لا يجوز بيع شي‌ء بدينار غير درهم ، لأنّه مجهول.

السادسة : ما يجتمع من تراب الصياغة يباع بالذهب والفضّة أو يجنس غيرهما ، ويتصدّق به ، لأنّ أربابه لا يتميّزون.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وقيل : إن أراد بيعها بالجنس ضمّ إليها شيئا.

أقول : القائل بذلك الشيخ في النهاية (١) ولعلّه سهو القلم ، إذ الواجب في الضميمة أن يكون الى الثمن ليزول الربا يقينا ، لأنّ الثمن المنقود حينئذ ان كان بقدر الحلية كانت الضميمة في مقابلة المحلى ، وإن كان أكثر كان التفاضل منه والضميمة في مقابلة الحلي ، وإن كان أنقص كانت الضميمة في مقابلة المحلّى وباقي الحلية. أو لعلّه أراد قدّس الله روحه : أنه لا يجوز بيعها منفردة عن المحلّى ، فيكون الضمير راجعا إلى الحلية فقط ، فيكون الضميمة إليها ليجوز بيعها ، إذ هي مجهولة ، فيفتقر إلى ضميمة يصحح بيعها كالمحلى نصلا أو مركبا أو غير ذلك. ويجوز أن يكون الضميمة إلى الحلية والمحلى معا ، كضمّ ثوب مثلا ، ويكون فائدته تكثير الثمن من

__________________

(١) النهاية : باب الصرف ص ٣٨٤ س ٦ قال : ومتى كانت محلاة بالفضة وأراد بيعها بالفضة الى أن قال : فليجعل معها شيئا آخر وبيع حينئذ بالفضة إلخ.

٤٣٤

الفصل السادس : في بيع الثمار

لا يصح بيع ثمرة النخل قبل ظهورها ما لم يبد صلاحها ، وهو أن يحمرّ أو يصفرّ على الأشهر (١) نعم لو ضم إليها شي‌ء ، أو بيعت أزيد من سنة ، أو بشرط القطع ، جاز. ويجوز بيعها مع أصولها وان لم يبد صلاحها. وكذا لا يجوز بيع ثمرة الشجر حتى تظهر ويبد وصلاحها ، وهو أن ينعقد الحب.

______________________________________________________

الجنس ليزيد عن قدر الحلية يقينا ، فيزول المحذور.

ومستند الفتوى ما رواه عبد الرحمن الحجاج قال : سألته عن السيوف المحلّاة فيها الفضة تباع بالذهب إلى أجل مسمّى؟ فقال : إنّ الناس لم يختلفوا في النسأ أنّه الربا وانما اختلفوا في اليد باليد ، قال : فقلت له : فنبيعه بدارهم نقد؟ فقال : كان أبي يقول : يكون معه عرض أحب إليّ ، فقلت له : إذا كانت الدراهم التي يعطي أكثر من الفضة التي فيها فقال : وكيف لهم بالاحتياط بذلك؟ فقلت : فإنهم يزعمون انّهم يعرفون ذلك ، فقال : ان كانوا يعرفون ذلك فلا بأس ، وإلّا فإنّهم يجعلون معه العرض أحب اليّ (١) وروى منصور الصيقل عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن السيف المفضض يباع بالدراهم؟ فقال : إذا كانت فضته أقل من النقد فلا بأس ، وان كانت فضته أكثر فلا يصلح (٢).

قال طاب ثراه : لا يصح بيع ثمرة النخل قبل ظهورها ما لم يبد صلاحها ، وهو أن يحمر أو يصفر على الأشهر.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (٨) باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ص ١١٣ الحديث ٩٣.

(٢) التهذيب : ج ٧ (٨) باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ص ١١٣ الحديث ٩٤.

٤٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(أ) بطلان البيع قبل بدو الصلاح المذكور ، وهو قول الشيخ في النهاية (١) وكتابي الفروع (٢) وبه قال الصدوق (٣) والتقي (٤) وأبو علي (٥) وابن حمزة (٦) وهو اختيار المصنف (٧).

(ب) الجواز على كراهية والحكم بصحة البيع مستقرا ، وهو قول الشيخ في كتابي الاخبار (٨) وبه قال ابن إدريس (٩) واختاره العلامة (١٠).

(ج) الصحة ويكون البيع مراعى ، فإن خاست الثمرة كان للبائع ما غلت دون

__________________

(١) النهاية : باب بيع الثمار ، ص ٤١٥ س ١ قال : فان باع قبل أن يبدو صلاحها لم يكن البيع ماضيا.

(٢) المبسوط : ج ٢ فصل في بيع الثمار ، ص ١١٣ س ١٤ قال : فان كان قبل بدوّ الصلاح الى أن قال : فان باع بشرط التبقية فلا يجوز إجماعا إلخ والخلاف ، كتاب البيوع ، مسألة ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٣) المقنع : باب المكاسب والتجارات ، ص ١٢٣ س ٣ قال : ولا يجوز أن يشتري النخل (هكذا) قبل أن يطلع ثمرة إلخ.

(٤) الكافي : البيع ، ص ٣٥٦ س ٣ قال ولا يصح بيع الثمار سنة واحدة حتى يبدو صلاحها.

(٥) المختلف : في بيع الثمار ، ص ١٩٨ س ٦ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : وبه قال الصدوق وابن الجنيد إلخ.

(٦) الوسيلة : في بيان بيع الثمار ص ٢٥٠ س ٥ قال : وان لم يبدأ الى أن قال : وان باع على أن يترك على الشجر لم يصح.

(٧) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٨) التهذيب : ج ٧ (٧) باب بيع الثمار ، ص ٨٨ قال بعد نقل حديث ١٨ : ما لفظه ، قال محمّد بن الحسن : الأصل في هذا أنّ الأحوط أن لا تشترى الثمرة سنة واحدة الى أن قال : ومتى اشترى من غير ذلك لم يكن البيع باطلا ، لكن يكون فاعله قد فعل مكروها إلخ وفي الاستبصار : ج ٣ (٥٨) باب متى يجوز بيع الثمار ، ص ٨٨ قال بعد نقل حديث ١٢ : قال محمّد بن الحسن إلخ كما في التهذيب.

(٩) السرائر : باب بيع الثمار ، ص ٢٤٣ س ٨ قال : والذي يقوى في نفسي الأوّل وهو مذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في استبصاره وتهذيبه.

(١٠) المختلف : في بيع الثمار ، ص ١٩٨ س ٧ قال : والمعتمد الأوّل ، أي الجواز على كراهية.

٤٣٦

وإذا أدرك ثمرة بعض البستان ، جاز بيع ثمرته أجمع وان أدرك ثمرة بستان ففي جواز بيع بستان آخر لم يدرك منضمّا اليه تردّد ، والجواز أشبه. (١) ويصح بيع ثمرة الشجر ولو كان في أكمامه منضمّا إلى أصوله ومنفردا ، وكذا يجوز بيع الزرع قائما وحصيدا. ويجوز بيع الخضر بعد انعقادها لقطة ولقطات. وكذا يجوز كالرطبة جزّة وجزّات. وكذا ما يخرط كالحنّاء والتوت خرطة وخرطات.

ولو باع الأصول من النخل بعد التأبير ، فالثمرة للبائع. وكذا الشجر

______________________________________________________

ما انعقد عليه البيع من الثمر ، وهو قول المفيد (١) وسلار (٢).

واستند الشيخ في الأول والثاني إلى الروايات (٣) وأصحاب القول الثالث الى كونه مشتملا على الجمع (٤).

واعلم أنّ هذا الخلاف انما هو إذا بيع عاما واحدا ، مجردا عن الضميمة ، لا بشرط القطع. ولو بيع أكثر من عام ، أو بشرط القطع ، أو لا بشرطه مع الضميمة ، جاز إجماعا.

قال طاب ثراه : ولو أدرك ثمرة بستان ففي جواز بيع بستان آخر لم يدرك منضما إليه تردّد ، والجواز أشبه.

__________________

(١) المقنعة : باب بيع الثمار ص ٩٣ س ١٩ قال : ويكره بيع الثمار سنة واحدة الى أن قال بعد أسطر :

وإذا خاست الثمرة المبتاعة قبل ظهورها كان للبائع قدر ما غلت إلخ.

(٢) المراسم : ذكر بيع الثمار والخضراوات ، ص ١٧٧ س ٩ قال : فالمكروه بيع ما لم يبد صلاحه في الثمر والخضراوات سنة واحدة الى أن قال : ومتى خاست الثمرة المبتاعة إلخ.

(٣) لاحظ التهذيب : ج ٧ ص ٨٤ (٧) باب بيع الثمار. والفروع : ج ٥ كتاب المعيشة ص ١٧٤ باب بيع الثمار وشرائها.

(٤) في هامش نسخة (ألف) ما لفظه (بين القول بالصحة مع السلامة وبين القول بالبطلان مع التلف).

٤٣٧

بعد انعقاد الثمرة ما لم يشترطها المشتري وعليه تبقيتها الى أو ان بلوغها. ويجوز أن يستثني البائع ثمر شجرات بعينها ، أو حصة مشاعة أو أرطالا معلومة ، ولو خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه.

ولا يجوز بيع ثمرة النخل بثمر منها ، وهي المزابنة. (١) وهل يجوز بثمر من غيرها؟ فيه قولان : أظهرهما المنع. وكذا لا يجوز بيع السنبل بحبّ منه ، وهي المحاقلة. وفي بيعه بحبّ من غيره قولان : أظهرهما التحريم. ويجوز

______________________________________________________

أقول : منع الشيخ في الكتابين ، لأنّ لكلّ بستان حكم نفسه (١) ولرواية عمار عن الصادق عليه السلام ، سئل عن الفاكهة متى يحلّ بيعها؟ قال : إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد وأطعم بعضها فقد حلّ بيع الفاكهة كلّها ، فاذا كان نوعا واحدا فلا يحلّ بيعه حتى يطعم ، فان كان أنواعا متفرقة فلا يباع منها شي‌ء حتى يطعم كلّ نوع منها وحده ثمَّ يباع تلك الأنواع (٢).

والأكثر على الجواز وهو اختيار المصنف (٣) والعلامة (٤) لأصالة الجواز ، ولأنّ غير المدرك يجوز بيعه مع الضميمة ، وقد ضم الى البستان الذي يجوز بيعه منفردا.

ويحمل الرواية على تعدّد العقود.

قال طاب ثراه : ولا يجوز بيع ثمرة النخل بثمر منها ، وهي المزابنة الى آخره.

أقول : هنا مسألتان :

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ ، في بيع الثمار ص ١١٤ س ١٤ قال : وان كان بستانان فبدا صلاح الثمرة في أحدهما ولم يظهر في الآخر لم يجز بيع ما لم يبن صلاحه ، لأنّ كل بستان له حكم نفسه إلخ وفي الخلاف ، كتاب البيوع مسألة ١٤٤ قال : وإن كان ذلك في بساتين فلا يجوز إلخ.

(٢) التهذيب : ج ٧ (٧) باب بيع الثمار ، ص ٩٢ الحديث ٣٤.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف : في بيع الثمار ، ص ١٩٨ قال : مسألة إذا بدا صلاح احد البستانين دون الآخر جاز بيعهما جميعا إلخ.

٤٣٨

بيع العرية بخرصها ، وهي النخلة تكون في دار آخر ، فيشتريها صاحب المنزل بخرصها تمرا. ويجوز بيع الزرع قصيلا وعلى المشتري قطعه ، ولو امتنع فللبائع إزالته ، ولو تركه كان له أن يطالبه بأجرة أرضه. ويجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزيادة عن الثمن قبل قبضها على كراهية. ولو كان بين اثنين نخل ، فتقبل أحدهما بحصّة صاحبه من الثمرة بوزن معلوم ، صحّ.

______________________________________________________

الاولى : المزابنة والمحاقلة محرّمتان إجماعا ، واختلف في تفسيرهما ، فقال في النهاية : هي بيع الثمرة في رؤوس النخل بتمر منها. والمحاقلة بيع الزرع بالحنطة من ذلك الزرع (١) وقال في المبسوط : الأحوط أن لا يجوز بيعه بحبّ من جنسه على كل حال لأنه لا يؤمن أن يؤدي إلى الربا في الثمرة والسنبل (٢) وأطلق المفيد القول بمنع بيع الثمر على الرؤوس بالثمر والسنبل بالحب (٣) وكذا ابن حمزة (٤) وسلار (٥). وقال التقي : ولا يجوز بيع الثمرة في رؤوس النخل بكيل ولا وزن منها ، ولا بيع الزرع بكيل ولا وزن ويصح ذلك بالعين والورق (٦) وللقاضي مثل القولين (٧)

__________________

(١) النهاية : باب بيع الثمار ص ٤١٦ س ٧ قال : ولا يجوز بيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر كيلا ولا جزافا. الى أن قال : فان باعه بحنطة من غير تلك الأرض لم يكن به بأس إلخ.

(٢) المبسوط : ج ٢ في بيع الثمار ص ١١٧ س ٢٢ قال : والأحوط أن لا يجوز بحبّ من جنسه إلخ.

(٣) المقنعة : ص ٦٠٣.

(٤) الوسيلة : فصل في بيان بيع الثمار ص ٢٥٠ س ١١ قال : فالمحاقلة بيع السنابل التي انعقد الحبّ فيها من ذلك السنبل إلخ.

(٥) المراسم : ذكر بيع الثمار ، ص ١٧٨ س ٣ قال : والمحاقلة محرمة ، وهي أن يبيع الثمرة في رؤوس النخل بالنخل والزرع بالحنطة إلخ.

(٦) الكافي : البيع ، ص ٣٥٦ س ٤ قال : ولا يجوز بيع الثمرة الى أن قال : ويصح ذلك بالعين والورق.

(٧) لا يوجد ممّا في أيدينا كتاب الكامل للقاضي ، ولكن قال في المختلف : في بيع الأثمار ص ٢٠٠

٤٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فالكامل كالنهاية ، والمهذب كالمبسوط. واختار ابن إدريس قول المبسوط (١) وكذلك المصنف (٢) والعلامة (٣) للاحتياط ، ولصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن المحاقلة والمزابنة ، قلت : وما هو؟ قال : أن تشتري حمل النخل بالتمر والزرع بالحنطة (٤) ومثله رواية عبد الرحمن البصري عنه عليه السلام قال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن المحاقلة والمزابنة قال : والمحاقلة بيع النخل بالتمر والمزابنة بيع السنبل بالحنطة (٥).

واحتج على قول النهاية : بالأصل ، وبعموم الآية (٦) وبرواية أبي الصباح الكناني (٧) وفي طريقها ضعف (٨).

الثانية : العرية مستثناة من هذا الحكم بالإجماع. وما هي؟ قال القاضي في الكامل : أنّها النخلة تكون في دار الإنسان لغيره (٩) وقال في المهذب : أو في

__________________

س ٤ ما لفظه : (ولابن البراج قولان أحدهما في الكامل مثل قول الشيخ في النهاية ، والثاني في المهذب كقول الشيخ في المبسوط) وفي المهذب : ج ١ ص ٣٨٣ بيع المحاقلة والمزابنة ، قال : ولا يجوز بيع المحاقلة والمزابنة الى أن قال : والأحوط ما ذكرناه من كونه مؤدّيا إلى الربا.

(١) السرائر : في بيع الثمار ص ٢٤٥ س ٢٢ قال : ولا يجوز الثمرة في رؤوس النخل الى ان قال بعد نقل قول الشيخ في الخلاف : الّا انه رجع عن ذلك كلّه وعاد الى القول الصحيح الذي اخترناه في مبسوطه إلخ.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٣) المختلف : في بيع الثمار ص ٢٠٠ س ١١ قال : والمعتمد عندي ما اختاره الشيخ في المبسوط.

(٤) التهذيب : ج ٧ (١٠) باب بيع الماء والمنع منه ص ١٤٣ الحديث ١٨.

(٥) التهذيب : ج ٧ (١٠) باب بيع الماء والمنع منه ص ١٤٣ قطعة من حديث ٢٠.

(٦) كقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ).

(٧) التهذيب : ج ٧ (٧) باب بيع الثمار ص ٩١ الحديث ٣٣.

(٨) سند الحديث كما في التهذيب (الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن ابن رباط عن أبي الصباح الكناني قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول).

(٩) المختلف : في معنى العرية ص ٢٠٠ س ١٩ قال : وقال في الكامل : هي النخلة تكون في دار

٤٤٠