المهذّب البارع - ج ٢

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستنابة ، فإن زال العذر بعد ذلك حجّ بنفسه ، وهو مذهب التقي (١) والقاضي (٢) وأبي علي (٣).

وذهب ابن إدريس الى عدم وجوب القضاء (٤).

واختاره المصنف (٥) والعلامة (٦) لأنه عبادة بدنية فيسقط مع العجز ، ولا تصح النيابة فيها كالصلاة ، لأنّ الوجوب مشروط بالاستطاعة ، وإذا سقط عنه لم يجب الاستنابة.

واستند الفريقان الى الروايات (٧).

__________________

(١) الكافي : فصل في النيابة في الحجّ ص ٢١٩ قال : ومن تعلق عليه التمكن بالسعة في المال فمنعه مانع فليخرج عنه نائبا الى أن قال : فاذا تمكن المستنيب من الحجّ بنفسه وجب عليه أداؤه.

(٢) المهذب : ج ١ كتاب الحجّ ، باب ما يفعله من وجب عليه الحجّ ولم يتمكن من أدائه ص ٢٦٧ قال : كان عليه إخراج نائب عنه فاذا ارتفع المانع وجب عليه الحجّ بنفسه إلخ.

(٣) المختلف : كتاب الحجّ ص ٨٧ س ١١ قال : وقال ابن الجنيد : الى أن قال : فإن أداه بأحدهما ثمَّ استجمعا له أعاد ليكون مؤديا بهما فريضة الحجّ عليه.

(٤) السرائر : كتاب الحجّ ص ١٢٠ س ٣٠ قال : وإذا حصلت الاستطاعة ومنعه من الخروج مانع الى أن قال بعد نقل قول الشيخ : وهذا غير واضح لأنّه إذا منع فما حصلت له الاستطاعة التي هي القدرة على الحجّ ولا يجب عليه أن يخرج رجلا يحجّ عنه لأنه غير مكلف بالحجّ حينئذ بغير خلاف إلخ ولا يخفى انه علم من ذلك عدم وجوب الأداء أيضا.

(٥) أي : وجوب الاستنابة كما في المتن والمعتبر والشرائع.

(٦) لا يخفى ان مختار العلامة في المختلف هو ما اختاره ابن إدريس من عدم وجوب الأداء أيضا ، لا حظ المختلف : كتاب الحجّ ص ٨٧ س ١٣ قال : ومنع ابن إدريس من ذلك وهو الأقرب.

(٧) دليل النافين كما يظهر من المختلف : ص ٨٧ س ١٥ مفهوم حديث حفص الكناسي حيث قال : «من كان صحيحا في بدنه» لا حظ التهذيب : ج ٥ (١) باب وجوب الحجّ ص ٣ الحديث ٢ ودليل المثبتين رواية معاوية بن عمار ، وعلي بن أبي حمزة ومحمّد بن مسلم ، راجع التهذيب : ج ٥ (١) باب وجوب الحجّ ص ١٤ حديث ٣٨ و ٣٩ و ٤٠.

١٢١

وفي اشتراط الرجوع إلى صنعة أو بضاعة قولان (١) أشبههما : أنّه لا يشترط.

ولا يشترط في المرأة وجود محرم ، ويكفي ظنّ السلامة.

ومع الشرائط لو حجّ ماشيا ، أو في نفقة غيره أجزأه.

والحجّ ماشيا أفضل إذا لم يضعفه عن العبادة.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وفي اشتراط الرجوع الى صنعة أو بضاعة قولان.

أقول : الاشتراط مذهب الشيخين (١) والتقي (٢) والقاضي (٣) وابن حمزة (٤).

وعدمه مذهب القديمين (٥) والسيد (٦) وابن إدريس (٧) واختاره المصنف (٨)

__________________

(١) المقنعة : كتاب المناسك ص ٦٠ س ٣٢ قال : وحصول ما يلجأ إليه في سدّ الخلة من صاعة يعود إليها في اكتسابه إلخ ، وفي النهاية : باب وجوب الحجّ ص ٢٠٣ س ٤ قال : والاستطاعة هي الزاد والراحلة والرجوع الى كفاية.

(٢) الكافي : الحجّ ، الفصل الثالث ص ١٩٢ س ١٣ قال : والعود إلى كفاية من صناعة أو تجارة أو غير ذلك.

(٣) لم أظفر به في المهذب ولكن نقله في المختلف : ص ٨٦ س ٢ قال : وبه «اشتراط الرجوع الى كفاية» قال : أبو الصلاح وابن البراج.

(٤) الوسيلة : كتاب الحجّ ص ٦٨٦ س ٨ قال : والرجوع الى كفاية من المال أو الصنعة أو الحرفة.

(٥) المختلف : كتاب الحجّ ص ٨٦ قال : وكذا ابن عقيل وابن الجنيد ، أي لم يجعلا الرجوع الى كفاية شرط الاستطاعة.

(٦) جمل العلم والعمل : كتاب الحجّ ص ١٠٣ س ٤ قال : ووجد من الزاد والراحلة ما ينهضه في طريقه وما يخلفه على عياله في النفقة.

(٧) الظاهر أن المصنف قدّس سرّه اعتمد على المختلف لنقل فتوى ابن إدريس ، ففي المختلف : ص ٨٦ س ٥ بعد نقل كلام السيد في جمل العلم والعمل من عدم اشتراط الرجوع الى كفاية قال : وهو اختيار ابن إدريس ولكن في السرائر على خلاف ذلك قال في عدّه شرائط حجة الإسلام : ووجود الزاد والراحلة والرجوع الى كفاية إمّا من المال أو الصناعة أو الحرفة ، لا حظ كتاب الحجّ ص ١١٨ س ١٧.

(٨) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٢٨ قال : الشرط الرابع والخامس الزاد والراحلة ، وهما شرط لمن يحتاج

١٢٢

وإذا استقر الحجّ فأهمل ، قضي عنه من أصل تركته ، ولو لم يخلف سوى الأجرة قضي عنه من أقرب الأماكن وقيل : من بلده مع السعة.

ومن وجب عليه الحجّ لا يحجّ تطوّعا.

ولا تحجّ المرأة ندبا إلّا بإذن زوجها ، ولا يشترط اذنه في الواجب ، وكذا في العدة الرجعية.

______________________________________________________

والعلامة (١).

احتج الشيخ برواية أبي الربيع الشامي قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن قول الله عزّ وجلّ (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فقال : ما يقول الناس؟ قال : فقلت له : الزاد والراحلة ، قال : فقال أبو عبد الله عليه السّلام : قد سئل أبو جعفر عليه السّلام عن هذا ، فقال : هلك الناس إذا ، لئن كان كلّ من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس ، ينطلق إليه فيسلبهم إيّاه ، لقد هلكوا إذا ، فقيل له : فما السبيل؟ فقال : السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقى بعض يقوت عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها الّا على من ملك مائتي درهم (٢).

وهي قاصرة الدلالة على مطلوبه ، لأنّها تضمنت اعتبار مئونة العيال حسب ، وهو شرط إجماعا ولم يذكر الرجوع الى كفاية.

واحتج الباقون بعموم الآية ، وبروايات لا نطوّل بذكرها.

قال طاب ثراه : وإذا استقر الحجّ فأهمل ، قضي عنه من أصل تركته ، ولو لم يخلف سوى الأجرة قضي عنه من أقرب الأماكن ، وقيل : من بلده مع السعة.

__________________

إليهما لبعد مسافة إلخ.

(١) المختلف : كتاب الحجّ ص ٨٦ س ١٠ قال : والأقرب عندي ما اختاره السيد المرتضى.

(٢) التهذيب : ج ٥ (١) باب وجوب الحجّ ص ٢ الحديث ١.

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : المراد بالاستقرار مضيّ زمان يمكنه فيه إيقاع أفعال الحجّ ، كبعض يوم النحر ، ويهمل مع القدرة عليه ، فيستقر في ذمته ، ويجب قضاؤه عندنا ، خلافا لأبي حنيفة ومالك حيث قالا : لا يقضى عنه كالصلاة.

ولو أوصى به خرج من الثلث.

لنا من طريق العامة ما رواه بريدة عن ابن عباس : انّ امرأة سألت النبي صلّى الله عليه وآله فقالت : إنّ أمّي ماتت ولم تحجّ ، فقال : حجّي عن أمّك (١).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السّلام : وقد سئل عن الرجل يموت وعليه حجة الإسلام ، ولم يوص بها وهو موسر ، قال : يحجّ عنه من صلب ماله ، لا يجوز عنه غيره (٢).

واختلف الأصحاب بعد اتفاقهم على وجوبه ، في كيفيته على قولين.

(أ) انه من أقرب الأماكن إلى الميقات سواء كان حجّ الإسلام أو منذورا ، وهو قول الشيخ في كتابي الفروع (٣) ، لأنّ المقصود إيقاع النسك ، وقطع المسافة غير مقصودة ، والأصل براءة الذمة من الزائد على ذلك وهو اختيار المصنف (٤).

__________________

(١) صحيح مسلم : ج ٢ كتاب الصيام (٢٧) باب قضاء الصيام عن الميت ص ٨٠٥ الحديث ١٥٧ و ١٥٨ والحديث عن بريدة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وفيه قالت : انها لم تحجّ قط أفأحجّ عنها؟ قال : «حجّي عنها» وفي صحيح البخاري : كتاب الاعتصام باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين ، ولفظ الحديث «عن ابن عباس ان امرأة جاءت إلى النبي صلّى الله عليه وآله فقالت : إنّ أمّي نذرت أن تحجّ فماتت قبل أن تحجّ ، أفأحجّ عنها؟ قال : نعم حجّي عنها أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضية؟ قالت : نعم ، فقال : فاقضوا الذي له فان الله أحق بالوفاء».

(٢) التهذيب : ج ٥ (١) في وجوب الحجّ ص ١٥ الحديث ٤١.

(٣) المبسوط : ج ١ ، كتاب الحجّ ، فصل في حقيقة الحجّ والعمرة وشرائط وجوبهما ص ٣٠٤ س ٢ قال : فان قال من أصل المال فعل كما قال من الميقات.

(٤) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٣٠ س ١٣ قال : ومن اين يحجّ عنه؟ الأفضل من بلده ، ولو حجّ عنه من ميقات جاز الى أن قال : وبه قال الشيخ في المبسوط والخلاف.

١٢٤

مسائل

الأولى : إذا نذر غير حجة الإسلام لم يتداخلا. ولو نذر حجّا مطلقا قيل : يجزئ ان حج بنية النذر عن حجة الإسلام ، ولا تجزئ حجة الإسلام عن النذر ، وقيل : لا تجزئ إحداهما عن الأخرى ، وهو أشبه.

______________________________________________________

(ب) انه من بلد الميت مع سعة التركة ، وهو قوله في النهاية (١) واختاره ابن إدريس (٢) لأنه كان يجب عليه نفقة الطريق من بلده ، فلما مات سقط الحجّ عن بدنه ، وبقي في ماله قدر ما كان يجب عليه لو بقي حيا.

وردّ بالمنع من وجوب نفقة الطريق ، إذ لو خرج متسكّعا ، أو في نفقة غيره ، أو اتفق له قطع المسافة لغير الحجّ كالتجارة ثمَّ أراده حينئذ لصحّ منه ، ولم يجب عليه نفقة ما فات من الطريق ، ولا بذل مال بقدرها إجماعا.

والمعتمد التفصيل. وهو أنّ الحجّ إن كان منذورا من بلد معيّن وجب الاستيجار عنه من ذلك البلد ، وان كان مطلقا ، أو حجّ الإسلام فمن أقرب الأماكن ، وهو اختيار العلامة في المختلف (٣).

قال طاب ثراه : إذا نذر غير حجة الإسلام لم يتداخلا ، ولو نذر حجا مطلقا قيل :

يجزئ ان حج بنية النذر عن حجة الإسلام ، ولا يجزئ حجة الإسلام عن النذر ، وقيل : لا يجزئ إحداهما عن الأخرى ، وهو أشبه.

__________________

(١) النهاية : كتاب الحجّ ، باب وجوب الحجّ ص ٢٠٣ س ١٤ قال : فان لم يخرج أحدا عنه والحال هذه الى أن قال : وأدركه الموت وجب أن يخرج عنه من صلب ماله الى أن قال : وكذلك الحكم إذا ترك قدر ما يحجّ به من بعض المواقيت إلخ.

(٢) السرائر : كتاب الحجّ ص ١٢٠ س ٣٤ قال : وأدركه الموت وكان الحجّ قد استقر عليه وجب أن يخرج عنه من صلب ماله ما يحجّ به من بلده.

(٣) المختلف : كتاب الحجّ ص ٨٧ س ٣١ قال : والأقرب عندي التفصيل إلخ.

١٢٥

الثانية : إذا نذر أن يحجّ ماشيا وجب ، ويقوم في مواضع العبور ، فان ركب طريقه قضى ماشيا وإن ركب بعضا قضى ، ومشى ما ركب ، وقيل : يقضي ماشيا لإخلاله بالصّفة.

ولو عجز قيل : يركب ويسوق بدنة ، وقيل : يركب ولا يسوق بدنة ، وقيل : إن كان مطلقا توقع المكنة ، وإن كان معينا بسنة يسقط لعجزه.

الثالثة : المخالف إذا لم يخلّ بركن لم يعد لو استبصر ، وان أخل أعاد.

______________________________________________________

أقول : القول الأول وهو الاكتفاء بالحجّ الواحد عن النذر وحجة الإسلام إذا حجّ بنية النذر قول الشيخ في النهاية (١) ومستنده رواية رفاعة عن أبي عبد الله عليه السّلام (٢).

والقول الثاني : وهو عدم الاجزاء بل لا بد من حجتين قوله في الجمل (٣) والمبسوط (٤) والخلاف (٥) ووجهه انهما فرضان اختلف سببهما فلم يجز أحدهما عن الآخر.

قال طاب ثراه : إذا نذر أن يحجّ ماشيا وجب ، ويقوم في مواضع العبور ، فان ركب طريقه قضى ماشيا ، وان ركب بعضا قضى ومشى ما ركب ، وقيل : يقضى ماشيا لإخلاله بالصفة. ولو عجز قيل : يركب ويسوق بدنة ، وقيل : يركب ولا يسوق بدنة ، وقيل : ان كان مطلقا توقع المكنة وان كان معينا بسنة سقط لعجزه.

__________________

(١) النهاية : كتاب الحجّ باب وجوب الحجّ ص ٢٠٥ س ٣ قال : فان حجّ الذي نذر الى أن قال : فقد أجزأت حجته عن حجة الإسلام.

(٢) الكافي : ج ٤ كتاب الحجّ باب ما يجزئ عن حجة الإسلام وما لا يجزئ ص ٢٧٧ قطعة من حديث ١٢.

(٣) الجمل والعقود : كتاب الحجّ ، فصل في ذكر وجوب الحجّ ص ٦٩ س ٢ قال : ولا يتداخل الفرضان وإذا اجتمعا لا يجزى أحدهما عن الآخر.

(٤) المبسوط : ج ١ كتاب الحجّ ، فصل في حقيقة الحجّ ص ٢٩٧ س ٥ قال : وان نذر أن يحجّ حجة الإسلام ثمَّ حجّ بنية النذر لم يجزه عن حجة الإسلام.

(٥) الخلاف : كتاب الحجّ مسألة ٢٠ قال : وفي بعض الأخبار ان ذلك لا يجزيه عن حجة الإسلام ، وهو الأقوى عندي.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : البحث هنا في مسائل :

الاولى : لو نذر الحجّ ماشيا هل ينعقد وصفه؟ بمعنى انه يجب عليه أن يحج كذلك ، ولا يجوز له الحجّ راكبا ، يبنى على مسألة : هي أنّ المشي أفضل في الحجّ أم الركوب؟

قيل فيه ثلاثة أقوال :

(الأول) المشي أفضل لوجوه :

(أ) إنه أشقّ وقال عليه السّلام : أجرك على قدر نصبك (١).

(ب) روى رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السّلام رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله ، قال : فليمش (٢).

(ج) فعل الحسن بن علي عليهما السّلام وسيّد العابدين والكاظم عليهما السّلام ، ومواظبتهم عليه ، ويساق معهم المحامل والجمال (٣).

قال المصنف في المعتبر : وعليه اتفاق العلماء (٤).

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : باب العمرة على قدر النصب ، ورواه مسلم في صحيحه : ج ٢ كتاب الحجّ الحديث ١٢٦ واحمد بن حنبل في مسنده : ج ٦ ص ٤٣ ولفظ الحديث «قالت عائشة : يا رسول الله صلّى الله عليه وآله يصدر الناس بنسكين واصدر بنسك واحد الى أن قال : ولكنها على قدر نصبك».

(٢) الاستبصار : ج ٢ (٨٩) باب من نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام هل يجوز أن يركب أم لا ص ١٥٠ الحديث ٤.

(٣) التهذيب : ج ٥ كتاب الحجّ باب وجوب الحجّ ص ١١ الحديث ٢٩ وص ١٢ الحديث ٣٣ قال : ان الحسن بن علي كان يمشي وتساق معه محامله ورحاله. وفي البحار : ج ٤٦ تاريخ علي بن الحسين السجاد عليه السّلام ص ٩١ الحديث ٧٨ وفيه : وحج عليه السّلام ماشيا فسار في عشرين يوما من المدينة إلى مكة ، وفيه أيضا نقلا عن عبد الله بن مبارك الى أن قال : وهو يسير في ناحية من الحاج بلا زاد ولا راحلة. وفي البحار : ج ٤٨ تاريخ الامام موسى بن جعفر عليهما السلام (٥) باب عبادته ص ١٠٠ الحديث ٢.

(٤) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٣٠ س ٤ قال : والحجّ ماشيا أفضل إذا لم يضعفه عن العبادة إلخ. ولم

١٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(الثاني) الركوب أفضل لوجوه :

(أ) اشتماله على زيادة صرف المال في الحجّ ، والدرهم فيه بألف ألف درهم في غيره (١).

(ب) انه عليه السّلام حجّ راكبا (٢).

(ج) ما روي عنه عليه السّلام انه أمر أخت عقبة بن عامر أن تركب (٣).

(د) روي ان الصادق عليه السّلام سئل : الركوب أفضل أم المشي؟ فقال : الركوب أفضل ، لأنّ الرسول صلّى الله عليه وآله ركب (٤).

(الثالث) التفصيل ، وهو أفضلية المشي مع عدم الضعف عن القيام بالفرائض ، ومعه الركوب أفضل ، وعليه الشيخ رحمه الله (٥) والعلامة (٦) وفخر المحققين (٧) وهو المعتمد.

والجواب عن الأوّل : ان البدن أفضل من المال فإنفاق الفضل منه وهو القوة الناهضة بالمشي أفضل من إنفاق فضل المال ، ولما فيه من التواضع وإعظام المزور.

__________________

أعثر على جملة (وعليه اتفاق العلماء).

(١) الفقيه : ج ٢ في فضائل الحجّ ص ١٤٥ الحديث ٨٨.

(٢) الكافي : ج ٤ كتاب الحجّ باب الحجّ ماشيا وانقطاع مشي الماشي ص ٤٥٦ قطعة من حديث ٤.

(٣) التهذيب : ج ٥ (١) باب وجوب الحجّ ص ١٣ الحديث ٣٧.

(٤) التهذيب : ج ٥ (١) باب وجوب الحجّ ص ١٢ الحديث ٣١.

(٥) المبسوط : ج ١ كتاب الحجّ ص ٣٠٢ س ٢٣ قال : ومن كان مستطيعا للزاد والراحلة وخرج ماشيا كان أفضل له من الركوب إذا لم يضعفه عن القيام بالفرائض إلخ.

(٦) التذكرة : ج ١ كتاب الحجّ ص ٣٠٧ س ١٣ قال : مسألة جامع الشرائط إذا قدر على المشي كان المشي أفضل من الركوب مع عدم الضعف عن أداء الفرائض إلخ.

(٧) قال في القواعد : السابعة المشي للمستطيع أفضل من الركوب مع عدم الضعف إلخ. وارتضاه فخر المحققين في إيضاح الفوائد : ج ١ كتاب الحجّ ص ٢٧٥.

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولقوله عليه السّلام : ما تقرب إلى الله بشي‌ء أفضل المشي إلى بيت الله على القدمين (١).

وعن الثاني : انها حكاية حال فلا تعم ، وليدل على الجواز.

وهو بعينه الجواب عن الثالث والرابع ، فلعلّه عليه السّلام : علم منها العجز.

وروي عنه عليه السّلام : أيّ شي‌ء أحبّ إليك؟ نمشي أو نركب؟ فقال :

تركبون أحبّ إليّ فانّ ذلك أقوى على الدعاء والعبادة (٢).

الثانية : إذا مرّ بمعبر هل يجب عليه أن يقوم فيه؟ أو يجوز له الجلوس؟ قيل :

بالأول لاشتمال المشي على أمرين ، القيام والحركة ، فلا يسقط أحدهما بتعذّر الآخر.

ولرواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام ، انّ عليا عليه السّلام سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت فمرّ بالمعبر ، قال : فليقم في المعبر حتى يجوز (٣) وظاهر الأمر الوجوب ، وهو اختيار الشيخ رحمه الله (٤).

وقيل : بالثاني لانصراف نذر المشي الى ما يتحصّل فيه حقيقة المشي عادة ، وهو هنا ساقط عادة ، فهو مستثنى ، وهو اختيار المصنف (٥) والعلامة (٦).

الثالثة : لو ركب ناذر المشي مختارا ، فان كان معيّنا بسنة كفّر لخلف النذر ،

__________________

(١) الفقيه : ج ٢ (٦٢) باب فضائل الحجّ ص ١٤٠ الحديث ٥٩.

(٢) التهذيب : ج ٥ (١) باب وجوب الحجّ ص ١٢ قطعة من حديث ٣٢.

(٣) التهذيب : ج ٥ (٢٦) باب من الزيادات في فقه الحجّ ص ٤٧٨ الحديث ٣٣٩.

(٤) المبسوط : ج ١ كتاب الحجّ ، فصل في حقيقة الحجّ والعمرة ص ٣٠٣ س ٤ قال : فاذا انتهى الى مواضع العبور قام قائما.

(٥) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٣١ س ١٧ قال بعد نقل رواية السكوني : والأقرب انّه على الاستحباب لأنّ نذر المشي ينصرف الى ما يصح المشي فيه إلخ.

(٦) التذكرة : ج ١ كتاب الحجّ ص ٣٠٨ س ٢١ قال : مسألة لو نذر الحجّ ماشيا انعقد نذره الى أن قال : فلو احتاج إلى عبور نهر عظيم في سفينة قيل : يقوم في السفينة ، والوجه الاستحباب.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا قضاء عليه ، وهو ظاهر العلامة في الإرشاد (١) والقواعد (٢) والتحرير (٣).

والشهيد أوجب القضاء (٤) وهو الذي صدّر به المصنف في المعتبر وفي آخر البحث : يمكن اجزاء الحجّ وان وجبت الكفارة (٥).

وان كان مطلقا وجب القضاء.

وان ركب بعض الطريق ومشى بعضه قال الشيخان (٦) والقاضي (٧) يقضي ويمشي ما ركب ويركب ما مشى ليحصل منهما حجة ملفقة ماشيا ، ولا استبعاد فيه ، فان الماشي لو عرض له قصد موضع معيّن فذهب إليه راكبا ثمَّ عاد الى الموضع الذي فارقه أوّلا ، ثمَّ أكمل مشيه إلى نهاية نسكه أجزأه ذلك فكذا هنا.

وقال أكثر الأصحاب : يقضي ماشيا لإخلاله بالصفة المشترطة في نذره إن كان

__________________

(١) الإرشاد : كتاب الحجّ ، النظر الثاني في الشرائط قال : ولو نذره ماشيا يجب ، فان ركب متمكنا أعاد وعاجزا يتوقع المكنة مع الإطلاق ، ومع التقييد يسقط. (مخطوط).

(٢) القواعد : كتاب الحجّ ، المطلب الخامس في شرائط النذر ص ٧٧ س ٢ قال : فان ركب طريقه قضاه ولو ركب البعض فكذلك على رأى ، ثمَّ قال : ولو عجز فان كان مطلقا توقع المكنة وإلا سقط على رأى.

(٣) التحرير : كتاب الحجّ ، المقصد الرابع عشر في الحجّ عن الميت وحج النذر ص ١٢٨ قال : (يط) لو نذر الحجّ ماشيا الى ان قال : وعندي في إبطال الحجّ بالركوب مختارا اشكال.

(٤) اللعمة الدمشقية : ج ٢ في حج الأسباب قال : فلو ركب طريقه أو بعضه قضى ماشيا الى ان قال : ثمَّ ان كانت السنة معينة فالقضاء بمعناه المتعارف إلخ.

(٥) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٣١ قال : مسألة ، لو نذر ان يحج ماشيا الى ان قال : ويمكن ان يقال : ان الإخلال بالمشي ليس مؤثرا في الحجّ آه.

(٦) عبارة المقنعة هكذا (ومن جعل على نفسه ان يحج ماشيا فمشى بعض الطريق ثمَّ عجز فليركب ولا شي‌ء عليه) لا حظ كتاب المناسك : ص ٦٩ باب من الزيادات في فقه الحجّ س ٢٢ وفي المبسوط : ج ١ كتاب الحجّ ص ٣٠٣ س ٥ قال : يركب ما مشى ويمشي ما ركب.

(٧) لم أعثر عليه في المهذب.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

النذر مطلقا ، وان كان معيّنا وجبت الكفارة ولا قضاء.

وأجابوا عما قاله الشيخ : بالفرق بين ما ذكره وبين صورة النزاع ، فإن الأوّل في حجة واحدة ، ويصدق انه مشى الكلّ ، بخلاف موضع النزاع ، وعليه المصنف (١) والعلامة (٢).

الرابعة : لو عجز عن المشي قيل فيه ثلاثة أقوال :

(أ) انه يركب ويسوق بدنة وجوبا ، وهو قول الشيخ في الخلاف (٣) لرواية الحلبي (٤).

(ب) يركب ويسوق بدنة ندبا ، وهو قول المفيد (٥) وعليه الأكثر ، واختاره المصنف (٦) والعلامة في القواعد (٧) للأصل ولرواية عنبسة بن مصعب (٨).

__________________

(١) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٣١ س ٢٧ قال : فان كان مع القدرة وجب عليه كفارة خلف النذر وحجه ماض.

(٢) المختلف : كتاب الحجّ ص ١٥٣ س ١٦ قال : ويحتمل ان يقال بصحة الحجّ الى أن قال : فيجب الكفارة وصحّ حجّه.

(٣) الخلاف : كتاب النذور ، مسألة ٢ قال : وان ركب مع العجز لم يلزمه شي‌ء ، وقد روي انّ عليه دما.

(٤) التهذيب : ج ٥ كتاب الحجّ (١) باب وجوب الحجّ ص ١٣ الحديث ٣٦.

(٥) المقنعة : كتاب المناسك باب من الزيادات في فقه الحجّ ص ٦٩ س ٢٢ قال : ومن جعل على نفسه أن يحج ماشيا إلخ وقد قدمنا نقله وقال أيضا في باب النذور والعهود ص ٨٧ س ٢٤ : ومن نذر أن يحج ماشيا أو يزور كذلك فعجز عن المشي فليركب ولا كفارة عليه.

(٦) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٣١ س ٢٤ قال : والذي يليق بمذهبنا الى أن قال : وان ركب مع العجز لم يجبره بشي‌ء.

(٧) القواعد : كتاب الحجّ ، المطلب الخامس في شرائط النذر ص ٧٧ قال : ولو عجز فان كان مطلقا توقع المكنة والّا سقط على رأي ، وقال في كتاب الايمان وتوابعها ص ١٤٢ : ولو نذر المشي فعجز فان كان النذر معيّنا بسنة ركب ويستحب أن يسوق بدنة إلخ.

(٨) عوالي اللئالى : ج ٣ ص ١٥٣ الحديث ١٥ وبمضمونه ما في مستطرفات السرائر ص ٤٧٤ س ١٨.

١٣١

القول في النيابة :

ويشترط فيه الإسلام ، والعقل ، وأن لا يكون عليه حج واجب.

فلا تصح نيابة الكافر ، ولا نيابة المسلم عنه ، ولا عن مخالف الّا عن الأب ، ولا نيابة المجنون ولا الصبي غير المميّز.

ولا بد من نية النيابة ، وتعيين المنوب عنه في المواطن بالقصد ، ولا ينوب من وجب عليه الحجّ ، ولو لم يجب عليه جاز وان لم يكن حج ، وتصح نيابة المرأة عن المرأة والرجل.

ولو مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه.

ويأتي النائب بالنوع المشترط ، وقيل : يجوز أن يعدل الى التمتع ، ولا يعدل عنه.

______________________________________________________

(ج) ان كان النذر معيّنا بسنة سقط لعجزه ، وان كان مطلقا ، توقع المكنة من وجود الصفة ، أي من حصول القدرة على المشي ، وهو قول ابن إدريس (١) واختاره العلامة في الإرشاد (٢).

القول في النيابة

قال طاب ثراه : ويأتي النائب بالنوع المشترط ، وقيل : يجوز أن يعدل إلى التمتع ، ولا يعدل عنه.

__________________

(١) السرائر : باب النذور والعهود ص ٣٥٧ س ٣٢ قال : قال محمّد بن إدريس رحمه الله الذي ينبغي تحصيله في هذه الفتيا إلخ.

(٢) تقدم آنفا.

١٣٢

وقيل : لو شرط عليه الحجّ على طريق ، جاز الحجّ بغيرها.

ولا يجوز للنائب الاستنابة إلّا مع الاذن.

ولا يؤجر نفسه لغير المستأجر في السنة التي استؤجر لها.

______________________________________________________

أقول : اختيار الشيخ العدول الى التمتع والى القران لمن استؤجر مفردا (١).

أمّا في الأوّل ، فلأنّه أفضل.

وأمّا في الثاني ، فلاشتماله على الافراد وزيادة ، بخلاف العكس. وكذا يجوز العدول عنده عن القرآن الى التمتع دون العكس.

والباقون على منعه ، لأنّه استؤجر لحج معين ، فلا يتناول غيره ، وهو المحكي عن علي بن رئاب من المتقدمين (٢) واختاره المصنف (٣) والعلامة (٤).

قال طاب ثراه : وقيل : لو شرط عليه الحجّ على طريق ، جاز الحجّ بغيرها.

أقول : يجب امتثال ما وقع عليه العقد ، فان كان نوعا من أنواع الحجّ فقد عرفت أن عند الشيخ يجوز العدول إلى الأفضل ، والأقرب المنع ، الّا أن يكون مندوبا أو منذورا مطلقا غير مقيد بنوع من أنواع الحجّ ، أو يكون من استؤجر عنه ذو المنزلين المتساويين.

__________________

(١) المبسوط : ج ١ كتاب الحجّ ، فصل في ذكر الاستيجار للحج ص ٣٢٤ س ٣ قال : إذا استأجر رجلا لنسك الى أن قال : فان خالفه ، وتمتع كان جائزا لأنه عدل الى ما هو أفضل إلخ.

(٢) مستنده : ما نقله في التهذيب ج ٥ (٢٦) باب من الزيادات في فقه الحجّ ص ٤١٦ الحديث ٩٣ عن الحسن بن محبوب عن علي ، والمراد به (على بن رئاب) ولذا قال الشيخ قدّس سرّه بعد نقله : فأوّل ما فيه انه حديث موقوف غير مسند الى أحد من الأئمة عليهم السّلام ، فعلى هذا يعلم ان ما في الاستبصار : (ج ٢ ص ٣٢٣ الحديث ٢) من قوله (عن علي عليه السّلام) غلط من النساخ.

(٣) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٣٢ قال : مسألة ويأتي النائب بالنوع الذي وقعت الإجارة عليه إلى قوله : فلا يعدل الى غيره وهو المحكي عن علي بن رئاب.

(٤) المختلف : كتاب الحجّ ص ١٤٣ س ٨ قال : والأقرب أن نقول : ان كان الفرض هو القران أو الافراد الى أن قال : لم يجز له التمتع إلخ.

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وان كان طريقا فلا يخلو إمّا أن يتعلق به غرض أو لا ، فهنا قسمان :

(أ) أن لا يتعلق به غرض ، قال الشيخ : يصحّ لأنّ المقصود بالذات هو إيقاع الحجّ وقد حصل (١) ولرواية حريز بن عبد الله في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن رجل اعطى رجلا يحج عنه من الكوفة ، فحج عنه من البصرة ، قال : لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تمَّ حجّة (٢) :

قال : ولا يرجع اليه بالتفاوت ، لإطلاق الرواية ، وهو اختيار المصنف (٣).

والحق الرجوع بالتفاوت إن كان ما سلكه أسهل ، لجريان العادة بنقصان اجرة الأسهل عن الأصعب. وان كان ما عدل إليه أشق لم يستحق اجرة ، وهو اختيار العلامة في التذكرة (٤).

(ب) أن يتعلق بالطريق غرض ويخالف ، فعند الشيخ يصح (٥) ، ولا يرجع عليه بشي‌ء ، لإطلاق الرواية. وقال المصنف : يرجع اليه بالتفاوت (٦) وقال العلامة : بل يبطل المسمى ويرجع إلى أجرة المثل ، ويجزئ الحجّ عن المستأجر ، سواء سلك

__________________

(١) النهاية : كتاب الحجّ باب من حج عن غيره ص ٢٧٨ س ٩ قال : ومن أمر غيره أن يحج عنه على طريق بعينها جاز له أن يعدل عن ذلك الى طريق آخر.

(٢) الكافي : ج ٤ كتاب الحجّ باب من يعطى حجة مفردة فيتمتع أو يخرج من غير الموضع الذي يشترط ص ٣٠٧ الحديث ٢.

(٣) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٣٣ قال : مسألة ولو استأجره ليحج على طريق فعدل الى غيره وأتى بأفعال الحجّ أجزأه إلخ.

(٤) التذكرة : ج ١ كتاب الحجّ ، البحث الثاني في شرائط النيابة ص ٣١٣ س ٣٠ قال : ولو استؤجر للسلوك بالأسهل فسلك الأصعب لم يكن له شي‌ء.

(٥) تقدم مختار الشيخ.

(٦) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٣٣ قال : مسألة ولو استأجره ليحج الى أن قال : نعم لو كان له غرض متعلق بطريق مخصوص الى أن قال : ويرجع عليه من الأجرة بتفاوت الطريق.

١٣٤

ولو صدّ قبل الإكمال استعيد من الأجرة بنسبة المتخلف.

ولا يلزم اجابته ولو ضمن الحج على الأشبه.

______________________________________________________

الأصعب أو الأسهل ، لأنه استؤجر على فعل وأتى ببعضه (١).

قلت : والأقرب أقل الأمرين من اجرة المثل والمسمى.

تنبيه

لو أحصر في طريق خالف بسلوكه لم يستحق اجرة ، سواء كان هناك غرض أو لا.

قال طاب ثراه : ولو صدّ قبل الإكمال استعيد من الأجرة بنسبة المتخلف ، ولا يلزم اجابته لو ضمن الحج على الأشبه.

أقول : قال الشيخان : إذا صدّ الأجير عن بعض الطريق ، كان عليه ممّا أخذ بقدر نصيب ما بقي من الطريق التي تؤدّي فيها الحج الّا أن يضمن العود لأداء ما وجب (٢).

وقال المصنف : لا يجب على المستأجر الإجابة ، لأنّ العقد تناول إيقاع الحج في زمان معيّن ولم يتناول غيره الّا أن يتفق الموجر والمستأجر على ذلك (٣).

وفي هذا التعليل على إطلاقه نظر ، لأنه خاص بما إذا كان العقد واقعا على سنة

__________________

(١) التذكرة : ج ١ كتاب الحج ، البحث الثاني في شرائط النيابة ص ٣١٣ س ٣١ قال : وان تعلق غرض المستأجر بطريق معيّن الى أن قال : فالأقرب فساد المسمى والرجوع الى أجرة المثل إلخ.

(٢) المقنعة : كتاب المناسك باب من الزيادات في فقه الحجّ ص ٦٩ س ٣٠ قال : وإذا حج الإنسان عن غيره فصدّ في بعض الطريق عن الحجّ كان عليه ممّا أخذه بمقدار نفقة ما بقي عليه من الطريق والأيام الى أن قال : الّا أن يضمن العود لأداء ما وجب عليه وفي النهاية كتاب الحجّ ، باب من حجّ عن غيره ص ٢٧٨ س ١٥ قال : وإذا حج عن غيره فصدّ عن بعض الطريق إلخ.

(٣) المعتبر : كتاب الحجّ ص ٣٣٣ س ٢٠ قال في مقام تضعيف قول الشيخين : لان العقد تناول إلخ.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بعينها وحصل له الصدّ فيها ، وموضع النزاع أعم من ذلك ، وان كان الإطلاق يقتضي التعجيل ، فلا يقال في التعليل أنّ العقد تناول إيقاع الحجّ في عام معين ، فإنه معنى التعيين ، ولو لم يحج في العام الذي صدّ فيه لم تنفسخ الإجارة إذا كان العقد مطلقا ، وموضوع البحث أعم ، فالتعليل غير مطابق لموضوع المسألة ، بل هو منطبق على تعيين سنة الإيقاع ، وليس هو موضوع النزاع.

وحقق العلامة رحمه الله فقال : ان كانت الإجارة في الذمة وجب على الأجير الإتيان بها مرّة ثانية ولم يكن للمستأجر فسخ الإجارة وكانت الأجرة بكمالها للأجير ، وإن كانت معينة فله ان يعود عليه بالمتخلف ، ولا يجب على المستأجر الإجابة في قضاء الحجّ ثانيا ، بل له فسخ العقد واستيجار غيره الّا أن يجيبه الى ذلك ، هكذا قال في تذكرته (١).

وفيه نظر من وجهين :

(أ) قوله : «ان كانت الإجارة في الذمة وجب على الأجير الإتيان بها مرّة ثانية».

فيه إبهام ، والتحقيق أن يقال : الصدّ إمّا قبل التلبّس بالإحرام أو بعده ، فان كان بعده كان له من الأجرة بنسبة ما فعل ، ولا يجب عليه الحجّ ثانيا.

اما الأول فلأنّه عمل عملا محترما غير متبرّع به فيستدعي عوضا.

وامّا الثاني فلتعيينها بالشروع فيها.

وإن كان قبله ، فمذهب العلامة إلزام الأجير بالحج ثانيا وبقاء العقد على حاله ، وإطلاق الأصحاب يقتضي أنّ له نسبة ما فعل ، قال المصنف في الشرائع : ولو صدّ

__________________

(١) التذكرة : ج ١ كتاب الحجّ ص ٣١٦ س ١٥ قال : مسألة لو صدّ الأجير عن بعض الطريق الى أن قال : ونحن نقول : ان كانت الإجارة في الذمة إلخ.

١٣٦

ولا يطاف عن حاضر متمكن من الطهارة ، لكن يطاف به «ويطاف عمّن لم يجمع الوصفين» (١) ولو حمل إنسانا فطاف به احتسب لكل واحد منهما طواف.

ولو حج عن ميت تبرّعا برئ الميت.

ويضمن الأجير جنايته في ماله.

______________________________________________________

قبل الإحرام ودخول الحرم استعيد من الأجرة بنسبة المتخلف ، ولو ضمن الحجّ في المستقبل لم يلزم اجابته ، وقيل : يلزم (١) فجعلها مسألة الخلاف. وقال الشهيد : إذا أحلّ بالحج في المطلقة لعذر يتخير كل من الموجر والمستأجر في الفسخ في وجه قوي ولا لعذر يتخير المستأجر خاصة (٢).

وإطلاق الأصحاب : انه يملك من الأجرة بنسبة ما عمل في باب الصدّ ، وهو يتناول ما قبل الإحرام وبعده والمطلقة والمعينة.

(ب) قوله : وان كانت معيّنة ، لا يجب على المستأجر الإجابة في قضاء الحجّ ثانيا ، بل له فسخ العقد ، وعلى هذا التقدير ينفسخ العقد في نفس الأمر ، ولا يتوقف على فسخه.

فالحاصل ، أنّ في المسألة ثلاثة أقوال :

(أ) وجوب الإجابة ، قاله الشيخان.

(ب) عدمه مطلقا ، قاله المصنف.

(ج) التفصيل الذي قاله العلامة.

قال طاب ثراه : ويطاف عمّن لم يجمع الوصفين.

__________________

(١) الشرائع : كتاب الحجّ ، القول في النيابة ، قال : ولو صدّ قبل الإحرام إلخ.

(٢) الدروس : كتاب الحجّ ، درس ، تجوز النيابة في الحجّ ص ٨٩ س ٢ قال : ولو أهمل لعذر فلكل منهما الفسخ في المطلقة في وجه قويّ ، ولو كان لا لعذر تخير المستأجر خاصة.

١٣٧

ويستحب أن يذكر المنوب عنه في المواطن ، وأن يعيد فاضل الأجرة ، وأن يتمّم له ما أعوزه ، وأن يعيد المخالف حجّه إذا استبصر وإن كانت مجزئة.

ويكره أن تنوب المرأة الصرورة.

مسائل

الاولى : من أوصى بحجة ولم يعيّن ، انصرف الى أجرة المثل.

الثانية : لو أوصى أن يحج عنه ولم يعيّن ، فان عرف التكرار حج عنه حتى يستوفي ثلثه ، والّا اقتصر على المرّة.

الثالثة : لو أوصى أن يحج عنه كل سنة بمال معيّن ، فقصر ، جمع ما يمكن به الاستيجار ، ولو كان نصيب أكثر من سنة.

الرابعة : لو حصل بيد إنسان مال لميّت وعليه حجة مستقرة وعلم أنّ الورثة لا يؤدون ، جاز أن يقتطع قدر أجرة الحجّ.

______________________________________________________

أقول : يريد الطهارة والحضور ، فغير الحاضر يطاف عنه وان كان متمكّنا من الطهارة ، والحاضر الذي لا يتمكن من الطهارة كالحائض ، أو المستحاضة ، والمبطون مع خوف التلويث يجوز لهما أن يستنيبا في الطواف.

قال طاب ثراه : لو حصل بيد إنسان مال لميت وعليه حجة مستقرة وعلم أنّ الورثة لا يؤدون ، جاز أن يقتطع قدر اجرة الحجّ.

أقول : الأصل في هذه المسألة صحيحة بريد بن معاوية العجلي عن الصادق عليه السّلام قال : سألته عن رجل استودعني مالا ، فهلك وليس لولده شي‌ء ولم يحج

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حجة الإسلام؟ قال : حج عنه وما فضل فأعطهم (١).

إذا عرفت هذا ، فإنّما يجوز بشروط :

(أ) علمه أنّ الورثة لا يؤدون ، ويكفي في هذا العلم غالب الظنّ.

(ب) أمنه من توجّه الضرر عليه أو على غيره.

(ج) أن لا يتمكن من الحاكم.

فإن تمكّن من الحاكم ، بأن يشهد له عدلان بذلك ، أو غير ذلك من الأسباب ، بثبوت الحجّ في ذمته وامتناع الورثة من الاستيجار ، فلا يستقل بالاستيجار من دون الشرط.

فروع (أ) ذهب بعض إلى وجوب استيذان الحاكم ، وأطلق الباقون.

(ب) لو تعدّد الودعيّ وعلم بعض ببعض ، توزّعوا الأجرة ، مع احتمال جعله فرض كفاية.

(ج) الاستيجار هنا من بلد الميت ، أو من أقرب الأماكن كغيره.

(د) يجوز أن يحج بنفسه ، وهو ظاهر الرواية ، ويجوز الاستيجار والجعالة ، وهي أولى إن اتفقت.

(ه) لو حج بنفسه ، الظاهر أنه يأخذ أجرة المثل ، لحصول الاذن من الشرع على عمل لم يتبرّع به ، فيستدعي الرجوع بقيمته ، وهي أجرة مثله.

والأحوط الرجوع بأقل الأمرين من اجرة المثل ومن المؤنة.

(و) لو لم يعلم الجماعة بعضهم ببعض ، وحجّوا ، قدّم السابق بالإحرام ، وهل

__________________

(١) الكافي : ج ٤ كتاب الحجّ باب الرجل يموت صرورة أو يوصى بالحج ص ٣٠٦ الحديث ٦.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يغرم الباقون مع الاجتهاد؟ تردّد الشهيد (١) وجزم به فخر المحققين (٢) لأنه مال الغير وقد تصرف فيه بغير إذنه.

والأقوى عدم الضّمان إن كان بإذن الحاكم ، والّا ضمن ، وحينئذ هل يضمن الحاكم للورثة في بيت المال؟ يحتمله قويا ، لظهور الخطأ ، وعدمه للأصل :

ولو اتفق إحرامهم دفعة ، سقط عن كلّ واحد منهم ما يختصه من الأجرة الموزّعة.

ولو علموا بعد الإحرام أقرع بينهم وتحلّل من لم تخرجه القرعة ، فإن كان هو الودعي فلا شي‌ء له عن العمل السابق. وان كان نائبا عنه ، فان كان على وجه الجعالة ، فلا شي‌ء ، لأنّ المانع شرعي ، ويحتمل استحقاقه لتحقق العذر من جهة الجاعل وكونه لمصلحته ، فهو كرجوعه ، وإن كان على وجه الأجرة استحق عليه بنسبة ما عمل قطعا ، وهل يضمنه الودعيّ؟ أو يكون من التركة؟ الأقرب الأول ، لبراءة الميت بغير حجّة.

(ز) هل يطّرد الحكم في غير حجة الإسلام ، كالمنذورة ، وكالعمرة؟ الظاهر ذلك قال الشهيد : بل وفي قضاء الدين (٣).

(ح) هل يطّرد الحكم في غير الوديعة كالمضاربة ، والدين ، وفاضل الرهن ، والأمانة الشرعية؟ قال الشهيد : نعم (٤) ، وفي الغصب ، ومنع فخر المحققين دخول

__________________

(١) الدروس : كتاب الحجّ ص ٩٠ فروع قال : لو تعدّد الودعي توازعوا الأجرة الى أن قال : ولو حجّوا جميعا قدم السابق ولا غرم على الباقين مع الاجتهاد على تردّد.

(٢) لم أعثر على فتواه وفي القواعد في شرائط النيابة ما لفظه (الخامسة) للمستودع بعد موت المودع المشغول بحجة واجبة اقتطاع الأجرة ويستأجر مع علمه بمنع الوارث ولم يعلق عليه فخر المحققين شيئا نفيا أو إثباتا.

(٣) الدروس : كتاب الحجّ ص ٩٠ فروع ، قال : الرابع الظاهر اطّراد الحكم الى قوله : بل وفي قضاء الدين ، وقال أيضا : وطردوا الحكم في غير الوديعة كالدين والغصب والأمانة الشرعية.

(٤) الدروس : كتاب الحجّ ص ٩٠ فروع ، قال : الرابع الظاهر اطّراد الحكم الى قوله : بل وفي قضاء الدين ، وقال أيضا : وطردوا الحكم في غير الوديعة كالدين والغصب والأمانة الشرعية.

١٤٠