المهذّب البارع - ج ٢

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ووجهه أصالة براءة الذمة من الزائد ، ولأنّ الشاة تجب في القطاة فلا يساويها المتحرك من بيضها كما لا يتساوى في النعامة وتحقيقا لقوله تعالى (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (١).

(ج) وجوب مخاض عن البيضة ، والمراد به ما يصح أن يكون حاملا ، ولا يلزمه الحامل ، وهو قول العلامة في المختلف (٢) وبه قال الشيخ (٣) وابن إدريس (٤) وابن حمزة (٥) وجعل مع العجز لكلّ بيضة درهما.

(د) لم يعتبر المفيد التحرك وعدمه ، بل أوجب الإرسال من رأس حيث قال : فان كسر بيض القطاة أو القبج وما أشبههما أرسل فحولة الغنم في إناثها فكان ما نتج هديا لبيت الله تعالى (٦) ، فان لم يجد كان عليه لكلّ بيضة دم شاة ، فان لم يجد أطعم عن كلّ بيضة عشرة مساكين ، فان لم يجد صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيام.

الثانية : إذا تعذّر الإرسال ، قال المفيد ، عليه لكلّ بيضة شاة ، ومع العجز عشرة مساكين ، فان لم يجد فلكل بيضة صيام ثلاثة أيام (٧) وقال الشيخ : فان عجز عن

__________________

الغنم الى أن قال : إن كان قد تحرك فيه الفرخ.

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١٠٦ س ٤ قال : والأقرب عندي انّه ان تحرك الفرخ فعن كل بيضة مخاض من الغنم إلخ.

(٣) النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة ص ٢٢٧ س ١١ قال : وإذا أصاب المحرم بيض القطاة أو القبج إلخ.

(٤) السرائر : باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ص ١٣٢ س ٣٤ قال : وإذا أصاب المحرم بيض القطاة أو القبج إلخ.

(٥) الوسيلة : في بيان الكفارات ، ص ٦٨٩ س ٢١ قال : الثاني بيض القطاة والقبح وما يشاكلهما إلخ.

(٦ و ٧) المقنعة : باب الكفارات ص ٦٨ س ٣١ قال : فان كسر بيض القطاة أو شبهها أرسل فحولة الغنم إلخ. وقال قبيل ذلك : فان لم يجد فعليه لكل بيضة شاة إلخ.

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

الإرسال كان حكمه حكم بيض النعام (١) قال ابن إدريس : معناه أنّ النعام إذا كسر بيضه فتعذّر الإرسال وجب في كل بيضة شاة ، والقطاة إذا كسر بيضه فتعذر إرسال الغنم ، وجب في كل بيضة شاة ، فهذا وجه المشابهة بينهما ، فصار حكمه حكمه ولا يمتنع ذلك إذا قام الدليل عليه (٢).

وفسره المتأخّرون : بوجوب إطعام عشرة مساكين عن كلّ بيضة ، ومع العجز صيام ثلاثة أيام.

وما ذهب اليه المفيد وتأوّله ابن إدريس ، ضعيفان ، لأنه لا يجوز استبدال الأقوى عن الأضعف عند العجز عن الأضعف ، لامتناع التكليف بمثل ذلك ، ولا ريب أنّ الإرسال أضعف في التكليف ، لأنّه ربما لا يحصل النتاج ، ولأنّه أخف مئونة على المالك ، إذ لا ثمن ولا قيمة لما يرسل ، وينتقل من الفحول الى أرحام الإناث ، فكيف يجب الشاة مع العجز ، وهي لا تجب مع المكنة.

والظاهر ان الذي حمل ابن إدريس على تفسيره المذكور وجوه :

(أ) انه موافق لمذهب المفيد.

(ب) ان عبارة المبسوط شديدة الالتباس بإبهامها تفسيره ، فإنه قال بعد أن ذكر حكم الإرسال : فان لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء (٣).

(ج) روى سليمان بن خالد في الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال : في كتاب عليّ عليه السّلام في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام (٤).

__________________

(١) النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة ص ٢٢٧ س ١٥ قال : فان لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء.

(٢) السرائر : باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ص ١٣٣ س ١ قال : بعد نقل قول الشيخ :

ومعنى قوله : حكمه حكم النعام ، أن النعام إذا كسر بيضة إلخ.

(٣) نقلناه آنفا عن النهاية حرفا بحرف.

(٤) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطأ المحرم ص ٣٥٧ الحديث ١٥٣.

٢٤٢

(الثاني) ما لا بدل لفديته ، وهو خمسة :

الحمام : وهو كل طائر يهدر ويعبّ الماء. وقيل : كل مطوّق (١) ويلزم المحرم في قتل الواحدة شاة ، وفي فرخها حمل ، وفي بيضها درهم. وعلى المحلّ فيها درهم وفي فرخها نصف درهم ، وفي بيضها ربع درهم. ولو كان محرما في الحرم اجتمع عليه الأمران كفارتان. ويستوي فيه الأهلي وحمام الحرم ، غير أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علفا لحمامه.

______________________________________________________

تنبيه

المراد بقولهم أرسل فحولة الإبل في إناث بعدد البيض ، كون الإناث بعدد البيض ، لا الفحول ، فجاز أن ينزي فحلا واحدا على العدد الواجب ، قال أبو علي : قرع الفجل عددها من النعاج أو المعزى (١) وفي صحيحة سليمان بن خالد ومنصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام ، قالا : سألناه عن محرم وطئ بيض القطا فشدخه؟ قال : يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في عدة البيض من الإبل (٢).

قال طاب ثراه : الحمام وهو كل طائر يهدر ويعبّ الماء ، وقيل : كلّ مطوّق.

أقول : قال الكسائي : كل مطوّق حمام ، وقال صاحب الصحاح : الحمام عند العرب ذوات الأطواق ، من نحو الفواخت ، والقماري ، وساق حر (٣) والقطا ، والوراشين ، وأشباه ذلك ، يقع على الذكر والأنثى ، لأنّ الهاء انما دخلته على انه

__________________

(١) المختلف : في كفارات الإحرام ، ص ١٠٦ س ١٧ قال : وابن الجنيد قال : وما كان جزاء الام منه شاة قرع الفحل إلخ.

(٢) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطأ المحرم ص ٣٥٦ الحديث ١٥٠.

(٣) وساق حر : الذكر من القماري ، وقيل : الساق الحمام وحرّ فرخها ، ويقال : ساق حر صوت القماري (لسان العرب : ج ٤ حرف الراء ص ١٨٣).

٢٤٣

وفي القطاة حمل قد فطم ورعى الشجر. وكذا في الدراج وشبههما ، وفي رواية دم.

وفي الضبّ جدي ، وكذا في القنفذ واليربوع ، وفي العصفور مدّ من طعام ، وكذا في القنبرة والصعوة. وفي الجراد كفّ من طعام ، وكذا في القملة يلقيها عن جسده ، وكذا قيل : في قتل العظاية (٢) ولو كان الجراد

______________________________________________________

واحد من جنس ، لا للتأنيث ، وعند العامة انها الدواجن فقط (١).

والدواجن جمع داجن ، والواحدة داجنة ، وهو الذي يألف البيوت. ويقال ذلك للشاة والبقر أيضا من الدواجن (٢) ، والتفسير الأول ذكره الشيخ في المبسوط ، والعبّ شرب الماء دفعة واحدة من غير أن يقطعه كالدجاج ، بل يضع منقاره فيه ويكرع كما تكرع الشاة والهدر تواصل الصوت (٣).

قال طاب ثراه : وكذا في الدراج وشبهها ، وفي رواية دم.

أقول : يريد في كل من الحجل والدراج والقطاة ، حمل قد فطم ورعى الشجر ، وهو المشهور في فتاوى الأصحاب ، وفي رواية سليمان بن خالد قال : في كتاب علي عليه السّلام من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهنّ فعليه دم (٤).

قال طاب ثراه : وكذا قيل في قتل العظاية.

أقول : يريد في قتل العظاية كفّ طعام ، قاله الصدوق في كتابه (٥) وفي

__________________

(١) الصحاح : ج ٥ ص ١٩٠٦ لغة حمم.

(٢) دجن ، فيه ذكر الدواجن ، وهي على ما قاله أهل اللغة الشاة التي تعلفها الإنسان (مجمع البحرين لغة «دجن»).

(٣) المبسوط : ج ١ فيما يلزم المحرم من الكفارة بما يفعله ص ٣٤٦ س ١١ قال : وكلما هدر وعبّ الماء فهو حمام إلخ.

(٤) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطأ المحرم ص ٣٤٤ الحديث ١٠٤.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ (١١٩) باب ما يجب على المحرم في أنواع ما يصيب من الصيد ص ٢٣٥

٢٤٤

كثيرا فدم شاة ، ولو لم يمكن التحرّز منه فلا اثم ولا كفارة.

ثمَّ أسباب الضمان إمّا مباشرة ، وإمّا إمساك ، وإمّا تسبيب.

أمّا المباشرة : فمن قتل صيدا ضمنه ، ولو أكله ، أو شيئا منه لزمه فداء آخر. وكذا لو أكل ما ذبح في الحل ، ولو ذبحه المحلّ.

ولو أصابه ولم يؤثر فيه ، فلا فدية ، وفي يديه كمال القيمة ، وكذا في رجليه ، وفي قرنيه نصف قيمة ، ولو جرحه أو كسر رجله أو يده ورآه سويّا فربع الفداء ، ولو جهل حاله ففداء كامل قيل : وكذا لو لم يعلم حاله ، أثّر فيه أم لا.

______________________________________________________

المقنع (١) وبه قال الشيخ في التهذيب (٢) وقال أبو علي : كفّ طعام أو تمرة (٣) والمعتمد الأوّل لصحيحة معاوية قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : محرم قتل عظاية ، قال : كفّ من طعام (٤).

قال طاب ثراه : ولو جهل حاله ففداء كامل ، قيل : وكذا لو لم يعلم أثّر فيه أم لا.

أقول : القائل بذلك الشيخ رحمه الله (٥) وعليه الأصحاب ، ولم يجزم به المصنف (٦) ، ولعلّه نظر الى أصالة عدم التأثير ، وأصالة براءة الذمة.

والحاصل : ان الرامي لا يخلو إمّا أن يعلم الإصابة ، أو يعلم عدمها ، أو يجهلها.

وإذا علم الإصابة ، لا يخلو إمّا أن يعلم تأثيرها أولا. وإذا علم تأثيرها ، فإمّا أن

__________________

س ٧ قال : وان قتل عظاية فعليه ان يتصدّق إلخ.

(١) المقنع : باب الحج ص ٧٩ س ١١ قال : فان قتل عظاية فعليه أن يتصدق بكفّ من طعام.

(٢) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطأ المحرم ص ٣٤٥ الحديث ١٠٧.

(٣) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١٠٤ س ٢١ قال : وقال ابن الجنيد : كفّ من تمر أو طعام.

(٤) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١٠٤ س ٢١ قال : وقال ابن الجنيد : كفّ من تمر أو طعام.

(٥) النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله ص ٢٢٨ س ١ قال : فان لم يعلم هل أثّر فيه أو لا ومضى على وجهه كان عليه الفداء.

(٦) لا حظ عبارة المختصر النافع.

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يراه سويا بعد ذلك أو لا ، فالأقسام خمسة :

(أ) أن يعلم عدم الإصابة ، ولا شي‌ء فيه إجماعا سوى الإثم.

(ب) أن يجهل الإصابة ، فهل يضمن أم لا؟ قال القاضي : نعم (١) ، لأنّ الأصل الإصابة مع الرمي ، وشرط الباقون الإصابة ، لأصالة العدم وبراءة الذمة.

(ج) أن يعلم الإصابة ويجهل التأثير ، فهل تجب الكفارة؟ قال الشيخ : نعم (٢) وعليه الباقون لجواز التأثير ، وعلم الجناية على الصيد المحرم ، فيبنى على الاحتياط التام. وتوقف المصنف (٣) نظرا إلى أصالة عدم التأثير وبراءة الذمة.

(د) أن يعلم التأثير ولا يعلم حاله ، فعليه الفداء الكامل إجماعا.

(ه) أن يعلم تأثيره ثمَّ يراه سويا ، فلا يخلو إمّا أن يكون سبب الجناية الجرح أو الكسر ، وعلى التقديرين لا يخلو إمّا أن يبرأ من الكسر ، أو يبقى به عرج ، فالأقسام أربعة

(أ) أن تكون الجناية بالكسر ويبرأ ، فربع الفداء عند الشيخ (٤) والقاضي (٥) وابن إدريس (٦) واختاره العلامة (٧) والصدقة بشي‌ء

__________________

(١) المهذب : ج ١ ص ٢٢٨ س ١٢ قال : فان لم يعلم أصابه أم لم يصبه ، فعليه الفداء.

(٢) المبسوط : ج ١ فيما يلزم المحرم من الكفارة بما يفعله ص ٣٤٣ س ٣ قال : ومن رمى صيدا فأصابه الى أن قال : فان لم يعلم هل أثّر فيه أم لا؟ ومضى على وجهه ، لزمه الفداء.

(٣) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٤) النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله ص ٢٢٨ س ٢ قال : فإن أثّر فيه الى أن قال : ثمَّ رآه بعد ذلك قد صلح كان عليه ربع الفداء.

(٥) المهذب : ج ١ ص ٢٢٨ قال : فإن أثّر فيه الى أن قال : كان عليه ربع الفداء.

(٦) السرائر : باب ما يلزم المحرم عن جناياته ص ١٣٣ س ١٢ قال : فإن أثر فيه الى أن قال : فكان عليه ربع الفداء.

(٧) التذكرة : ج ١ في أسباب الضمان ص ٣٤٨ س ١٧ قال : ولو كسر يده أو رجله ثمَّ رآه وقد صلح وجب عليه ربع الفداء.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عند التقي (١) والمفيد (٢) والفقيه (٣) ولا شي‌ء عند الصدوق في المقنع (٤).

احتج الشيخ بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال : سألته عن رجل رمى صيدا فكسر يده أو رجله وتركه فرعى الصيد ، قال : عليه ربع الفداء (٥).

احتج الصدوق برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن محرم رمى صيدا فأصاب يده فعرج ، فقال : إن كان الظبي مشى عليها ورعى وهو ينظر إليه فلا شي‌ء عليه (٦).

(ب) أن يبرأ ويبقى به العرج ، وفيه الأرش عند التقي (٧) والعلامة (٨). والجميع عند الشيخ (٩) لأنّه مفض إلى تلفه ، وهو قويّ.

(ج) أن يكون السبب الجرح ، وهو كالكسر عند الشيخ فمع برئه سويّا ، فيه

__________________

(١) الكافي : الحج ص ٢٠٦ س ١٠ قال : ومن رمى صيدا فأصابه إلى أن قال : وان رآه سليما تصدّق بشي‌ء.

(٢) المقنعة : باب الكفارات ص ٦٨ س ٣٦ قال : فان رآه بعد ذلك حيا وقد صلح الى أن قال : تصدّق بشي‌ء.

(٣) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١١٠ س ١١ قال : وقال الشيخ علي بن بابويه : يتصدّق بشي‌ء إلخ.

(٤) المقنع : باب الحجّ ص ٧٨ س ١ قال : فان رمى محرم ظبيا فأصاب يده فعرج منها فان كان مشى عليها ورعى فليس عليه شي‌ء.

(٥) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣٥٩ الحديث ١٦٠.

(٦) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣٥٨ قطعة من حديث ١٥٨.

(٧) الكافي : الحج ص ٢٠٦ س ١٠ قال : وإن رآه بعد ذلك كسيرا فعليه ما بين قيمته سليما وكسيرا.

(٨) و

(٩) التذكرة : ج ١ ص ٣٤٨ س ١٩ قال : ولو جرح الصيد فاندمل وصار غير ممتنع ، فالوجه الأرش ، ثمَّ قال : وقال الشيخ : يضمن الجميع لأنه مفض الى تلفه.

٢٤٧

وقيل : في كسر يد الغزال نصف قيمته ، وفي يديه كمال القيمة ، وكذا في رجليه ، وفي قرنيه نصف قيمته ، وفي كلّ واحدة ربع ، وفي المستند ضعف.

______________________________________________________

الربع ، ومع عدمه الفداء (١) ، وهو قسمان. وعند التقي الصدقة بشي‌ء مع البرء ومع عدمه الأرش (٢) فالشيخ سوّى بين الكسر والجرح ، والروايات وردت بالكسر (٣) واختار العلامة في المختلف الصدقة بشي‌ء مع البرء ولم يذكر حكم عدم البرء (٤) وقال في التحرير : ولو جرح الصيد ضمن الجرح على قدره ، ثمَّ إن رآه سويّا بعد ذلك وجب الأرش (٥) وقال في التذكرة : لو جرح الصيد ضمن الجرح على قدره ، ثمَّ قال بعد كلام : ولو جرح الصيد فاندمل وصار غير ممتنع ، فالوجه الأرش وقال الشيخ : يضمن الجميع وهو قول أبي حنيفة ، لأنّه مفض إلى تلفه (٦).

قال طاب ثراه : وقيل في كسر يد الغزال نصف قيمته ، وفي يديه كمال القيمة ، وكذا في رجليه وفي قرنيه نصف القيمة ، وفي كلّ واحدة ربع ، وفي المستند ضعف.

أقول : هنا مسألتان :

الاولى : في كل واحدة من العينين واليدين والرجلين نصف القيمة ، وفيهما

__________________

(١) النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله ص ٢٢٨ س ٢ قال : فإن أثر فيه بان دماه أو كسر يده أو رجله ثمَّ رآه بعد ذلك قد صلح كان عليه ربع الفداء.

(٢) الكافي : الحج ص ٢٠٦ س ١٠ قال : ومن رمى صيدا الى أن قال : وإن رآه سليما تصدق بشي‌ء.

(٣) التهذيب : ٥ ـ ٣٥٩.

(٤) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١١٠ س ١٢ قال : فالاعتماد على قول المفيد (أي لزوم الصدقة بشي‌ء مع البرء).

(٥) التحرير : في أسباب الضمان ص ١١٧ س ١٦ قال (ز) لو جرح الصيد إلخ.

(٦) التذكرة : ج ١ في أسباب الضمان ص ٣٤٨ س ١٤ قال : مسألة لو جرح الصيد إلخ.

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كمال القيمة قاله الشيخ في المبسوط (١) ووافقه العلامة في القواعد على الجميع. (٢) وفي المختلف في العينين (٣) لأنه مع الجناية عليهما كالميت. وقال المفيد وتلميذه : وان فقأ عين الصيد تصدّق بصدقة (٤).

احتج الشيخ بما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السّلام قال : قلت : فإن فقأ عينيه ، قال : عليه قيمته (٥) قال في المختلف : ولا بأس بالأرش إذا كانت الجناية على أحد العينين (٦).

الثانية : كسر القرنين ، وفيهما ثلاثة أقوال :

(أ) نصف القيمة ، وفي أحدهما الربع قاله الشيخ (٧) وتبعه العلامة في القواعد (٨) والمصنف في الشرائع (٩).

__________________

(١) المبسوط : ج ١ فصل في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة بما يفعله ص ٣٤٢ س ١٨ قال : فإن فقأ عينيه إلخ.

(٢) القواعد : فيما يتحقق به الضمان ص ٩٦ س ٥ قال : وفي عينيه القيمة وفي كسر كل يد وكل رجل نصف القيمة.

(٣) المختلف : في كفارة الإحرام ص ١١٠ س ٢٥ قال بعد نقل قول الشيخ : والأقرب خيرة الشيخ.

(٤) المقنعة : باب الكفارات ص ٦٩ س ٨ قال : والمحرم إذا فقأ عين الصيد إلخ. وفي المراسم ، ذكر أحكام الخطأ ص ١٢٢ س ٦ قال : ومن فقأ عين الصيد ، تصدّق بصدقة.

(٥) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣٨٧ قطعة من حديث ٢٦٧.

(٦) المختلف : في كفارة الإحرام ص ١١٠ س ٢٧ قال : ولا بأس بالقول بالأرش في الصورة الثانية.

(٧) المبسوط : ج ١ فصل في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة بما يفعله ص ٣٤٢ س ١٧ قال : وإذا كسر المحرم قرني الغزال إلخ.

(٨) القواعد : فيما يتحقق به الضمان ص ٩٦ س ٤ قال : وفي كسر قرني الغزال نصف قيمته وفي كل واحد الربع.

(٩) الشرائع : كتاب الحجّ ، أما المباشرة قال : وروي في كسر قرني الغزال نصف قيمته وفي كل واحد ربع.

٢٤٩

ولو اشترك جماعة في قتله لزم كل واحدة منهم فداء. ولو ضرب طيرا على الأرض فقتله لزمه ثلاث قيم ، وقال الشيخ : دم وقيمتان. (١) ولو شرب لبن ظبية لزمه دم وقيمة اللبن.

وأمّا اليد : فإذا أحرم ومعه صيد زال عنه ملكه ووجب إرساله ، ولو تلف قبل الإرسال ضمنه. ولو كان الصيد نائيا عنه لم يخرج عن ملكه. ولو أمسكه محرم في الحلّ وذبحه بمثله لزم كلا منهما فداء. ولو كان أحدهما محلا ضمنه المحرم. وما يصيده المحرم في الحلّ لا يحرم على المحل.

______________________________________________________

والمستند رواية أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قلت له : ما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل ، قال : عليه ربع قيمة الغزال ، قلت : فان كسر قرنيه ، قال : عليه نصف قيمته يتصدق به (١).

(ب) الأرش قاله العلامة في المختلف (٢) لأنه أعاب صيدا فكان عليه أرشه ، واستضعف سند الرواية.

(ج) الصدقة بشي‌ء قاله الفقيه (٣) والمفيد (٤) وتلميذه (٥).

قال طاب ثراه : ولو ضرب بطير على الأرض لزمه ثلاث قيم ، وقال الشيخ : دم وقيمتان.

أقول : فتوى الشيخ في المبسوط ، أنّ عليه دما وقيمتين ، فالدم جزاء الطير وموجبه

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣٨٧ قطعة من حديث ٢٦٧.

(٢) و

(٣) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١١٠ س ٢٨ قال : والأقرب الأرش. وقال فيه أيضا : وقال شيخنا علي بن بابويه : يتصدّق بشي‌ء.

(٤) المقنعة : باب الكفارات ص ٦٩ س ٨ قال : والمحرم إذا فقأ عين الصيد أو كسر قرنه تصدّق يصدقة.

(٥) المراسم : ذكر أحكام الخطأ ص ١٢٢ س ٦ قال : ومن فقأ عين الصيد أو كسر قرنه تصدّق بصدقة.

٢٥٠

وأمّا التسبيب : فاذا أغلق على حمام وفراخ وبيض ضمن بالإغلاق ، الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم ، ولو أغلق قبل إحرامه ضمن الحمامة بدرهم ، والفرخ بنصف والبيضة بربع ، وشرط الشيخ مع الاغلاق الهلاك.

______________________________________________________

الإحرام ، وقيمة للحرم واخرى لاستصغاره (١) وجزم به المصنف في الشرائع (٢) والعلامة في القواعد (٣).

وفي رواية معاوية بن عمّار ثلاث قيم (٤).

والضمير في الهاء في «استصغاره» هل هو راجع الى الصيد؟ أو الى الحرم؟ احتمالات.

وتظهر الفائدة فيما لو فعل ذلك في الحلّ ، فان قلنا بالثاني لم يجب سوى الفداء ، وان قلنا بالأوّل وجب معه قيمة.

ويمكن أن يقال : المراد استصغار الطير ، لا مطلقا ، بل الطير الذي يكون في الحرم ، وافتى المصنف في الشرائع بقول الشيخ (٥) وفي النافع بالرواية ، وهي ما رواه معاوية بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : في محرم اصطاد طيرا في الحرم فضرب به الأرض فقتله ، قال : عليه ثلاث قيم (٦).

قال طاب ثراه : وشرط الشيخ مع الاغلاق الهلاك.

__________________

(١) المبسوط : ج ١ فصل في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة فيما يفعله ص ٣٤٢ س ٧ قال : ومن ضرب بطير في الأرض.

(٢) الشرائع : المباشرة ، قال : ومن ضرب بطير على الأرض كان عليه دم وقيمة للحرم واخرى لاستصغاره

(٣) القواعد : البحث الثاني فيما به يتحقق الضمان ص ٩٦ س ١ قال : ولو ضرب بطير على الأرض فمات فعليه دم وقيمتان.

(٤) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣٧٠ الحديث ٢٠٣.

(٥) تقدّم آنفا نقله عن الشرائع.

(٦) تقدّم نقله آنفا ، وتمام الحديث (قيمة لإحرامه ، وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إيّاه).

٢٥١

وقيل : إذا نفر حمام الحرم ولم يعد فعن كل طير شاة. ولو عاد فعن الجميع شاة.

ولو رمى اثنان فأصاب أحدهما ضمن كلّ واحد منهما فداء.

ولو أو قد جماعة نارا فاحترق فيها حمامة أو شبهها ، لزمهم فداء. ولو قصدوا ذلك لزم كلّ واحد فداء.

ولو دلّ على صيد ، أو أغرى كلبه فقتل ، ضمنه.

______________________________________________________

أقول : المشهور بين الأصحاب هو قول الشيخ (١) لأنّه مع عدم الهلاك لم تحصل منه جناية على الصيد ، فيكون بمنزلة من رمى صيدا ولم يؤثّر فيه. وقيل : بل يضمن بنفس الاغلاق عملا بإطلاق الروايات المتضمّنة لوجوب الجزاء بنفس الاغلاق. وحملت على التلف أو جهل الحال كما لو رمى الصيد وأصابه وجهل تأثيره.

قال طاب ثراه : وقيل : إذا نفر حمام الحرم ولم يعد فعن كل طير شاة ، ولو عاد فعن الجميع شاة.

أقول : هذا القول للفقيه (٢) وتبعه الشيخان (٣) والقاضي (٤) وابن حمزة (٥)

__________________

(١) النهاية : باب ما يجب على المجرم من الكفارة فيما يفعله ص ٢٢٤ س ١٢ قال : ومن أغلق على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض فهلكت إلخ.

(٢) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١١٠ س ٣٦ قال : مسألة قال الشيخان وعلي بن بابويه : الى أن قال : من نفر حمام الحرم إلخ.

(٣) المقنعة : باب الكفارات ص ٦٨ س ٢٧ قال : ومن نفر حمام الحرم فعليه دم شاة إلخ وفي النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله ص ٢٢٤ س ١٧ قال : ومن نفر حمام الحرم فعليه دم شاة إلخ.

(٤) المهذب : ج ١ باب ما ينبغي للمحرم اجتنابه ص ٢٢٣ س ١٨ قال : فأما الذي يجب فيه شاة الى أن قال : أو ينفر ذلك إلخ.

(٥) الوسيلة : فصل في بيان موجبات الكفارة ص ٦٨٨ س ٣٧ قال : والشاة تلزم الى أن قال : وبإطارتها عنه وقد رجعت ، وإن لم ترجع لزم عن كل حمامة شاة.

٢٥٢

ومن أحكام الصيد مسائل :

الأولى : ما يلزم المحرم في الحلّ والمحل في الحرم ، يجتمعان على المحرم في الحرم ما لم يبلغ بدنة.

الثانية : يضمن الصيد بقتله عمدا أو سهوا أو جهلا ، وإذا تكرّر خطأ دائما ، ضمن ، ولو تكرّر عمدا ، ففي ضمانه في الثانية روايتان ، أشهرهما : انه لا يضمن (١).

______________________________________________________

وسلار (١) وابن إدريس (٢) وقال أبو علي : من نفر طيورا كان عليه لكلّ طائر ربع قيمة (٣) والظاهر أنّ مراده إذا رجعت ، لأنّ مع عدم الرجوع يكون متلفا ، فيجب عليه لكلّ واحدة شاة. قال الشيخ في التهذيب : ولم أجد به حديثا مسندا (٤).

قال طاب ثراه : ولو تكرر عمدا ففي ضمانه في الثانية روايتان ، أشهرهما انّه لا يضمن.

أقول : ذهب الشيخ في كتابي الفروع الى تكريرها (٥) وتبعه ابن إدريس (٦)

__________________

(١) المراسم : ذكر أحكام الخطأ ص ١٢٠ س ٦ قال : وثالثة ما فيه دم شاة الى أن قال : وفيمن نفر حمام الحرم إلخ.

(٢) السرائر : باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ص ١٣١ س ٣٢ قال : ومن نفر حمام الحرم فعليه دم شاة إذا رجعت ، فان لم يرجع كان عليه لكل طير شاة.

(٣) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١١٠ س ٣٧ قال : وقال ابن الجنيد : ومن نفر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع قيمته.

(٤) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطأ المحرم ص ٣٥٠ قال بعد نقل قول المقنعة : ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته ولم أجد به حديثا مسندا.

(٥) المبسوط : ج ١ فصل في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة ص ٣٤٢ س ١٢ قال : المحرم إذا تكرّر منه الصيد الى أن قال : وان كان عامدا فالأحوط أن يكون مثل ذلك ، وفي الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٢٥٩ قال : إذا عاد الى قتل الصيد وجب عليه الجزاء ثانيا.

(٦) السرائر : باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ص ١٣٢ س ١٩ قال : وكلّما تكرّر من المحرم

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والعلامة (١) وأطلق السيد (٢) والتقي (٣) وأبو علي (٤) تكريرها ، ولم يفصّلوا بين العامد وغيره. ووجهه عموم قوله تعالى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (٥) وكما يتناول المرة يتناول ما زاد ، ولبراءة الذمة بفعل التكفير يقينا ، فيكون واجبا ، لقوله عليه السّلام : دع ما يريبك الى ما لا يريبك (٦). والقول الآخر للشيخ في النهاية انه لا يضمن ويكون ممن ينتقم الله منه (٧) ولأنّ الكفارة تجب لتكفير الذنب ، وإذا توعد الله بالانتقام انتفت فائدة التكفير ، والأصل براءة الذمة ، وهو مذهب القاضي (٨) والصدوق في كتابيه اعنى المقنع (٩) ومن لا يحضره الفقيه (١٠)

__________________

الصيد كان عليه الكفارة.

(١) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١٠٧ س ٥ قال : يتكرّر الكفارة بتكرّر الصيد خطأ إجماعا ، وفي تكرّرها مع العمد الى أن قال بعد نقل أقوال الشيخ : والأقرب الأوّل (أي التكرر) وقال : وهو الظاهر من كلام السيد المرتضى الى أن قال : فعليه بتكرار الإتلاف تكرار الفدية ، الى أن قال : وكذا قال : ابن الجنيد.

(٢) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١٠٧ س ٥ قال : يتكرّر الكفارة بتكرّر الصيد خطأ إجماعا ، وفي تكرّرها مع العمد الى أن قال بعد نقل أقوال الشيخ : والأقرب الأوّل (أي التكرر) وقال : وهو الظاهر من كلام السيد المرتضى الى أن قال : فعليه بتكرار الإتلاف تكرار الفدية ، الى أن قال : وكذا قال : ابن الجنيد.

(٣) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١٠٧ س ٥ قال : يتكرّر الكفارة بتكرّر الصيد خطأ إجماعا ، وفي تكرّرها مع العمد الى أن قال بعد نقل أقوال الشيخ : والأقرب الأوّل (أي التكرر) وقال : وهو الظاهر من كلام السيد المرتضى الى أن قال : فعليه بتكرار الإتلاف تكرار الفدية ، الى أن قال : وكذا قال : ابن الجنيد.

(٤) الكافي : الحج ص ٢٠٥ س ١٠ قال : وتكرير القتل يوجب تكرير الكفارة.

(٥) المائدة : ٩٥.

(٦) عوالي اللئالى : ج ١ ص ٣٩٤ الحديث ٤٠ وج ٣ ص ٣٣٠ الحديث ٢١٤ وما علق عليه.

(٧) النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة ص ٢٢٦ س ١٢ قال : وان فعله مرتين فهو ممن ينتقم الله منه.

(٨) المهذب : ج ١ كتاب الحجّ ص ٢٢٨ س ١ قال : فان تعمد مرتين لم يلزمه كفارة ، بل ينتقم الله منه كما قال الله تعالى.

(٩) المقنع : باب الحج ص ٧٩ س ٤ قال : فان عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه وينتقم الله منه في الآخرة.

(١٠) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ (١١٩) باب ما يجب على المحرم في أنواع ما يصيب من الصيد ص ٢٣٤ قال : فان عاد فقتل صيدا آخر متعمّدا فليس عليه جزاؤه وهو ممن ينتقم الله منه إلخ.

٢٥٤

الثالثة : لو اشترى محلّ بيض نعام لمحرم فأكله المحرم ، ضمن كلّ بيضة بشاة ، وضمن المحل عن كلّ بيضة درهما.

______________________________________________________

واختاره المصنف (١) والروايات بالوجهين (٢).

قال طاب ثراه : لو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله المحرم ، ضمن كلّ بيضة بشاة ، وضمن المحل عن كل بيضة درهما.

لفت نظر

لمّا كانت النسخ في شرح عبارة المصنف مختلفة ، فلتتميم الفائدة ننقل ما في النسخ ، ففي النسخة المختارة وهي (ألف) هكذا :

أقول : إذا اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله ، كان على المحل الإثم ، لمساعدته على فعل المحرم ، ثمَّ لا يخلو إمّا أن يكون ذلك في الحرم ، أو في الحل ، وعلى التقديرين فالبيض امّا أن يكون مطبوخا ، أو نيئا ، فان كان مطبوخا فهو موضوع المسألة المذكورة في الكتاب.

فالشاة على المحرم هو المقدر الشرعي في ذلك ، لأنّ المسلوق (٣) وان كان تالفا الّا أنّه يجرى مجرى لحم الصيد المذبوح ، وهو محرم على المحرم ، وأوجب الشارع فيه الفداء ، أو قيمة المأكول على الخلاف المشهور ، وهنا المقدّر الشرعي شاة بالإجماع ، وعلى المحلّ عن كلّ بيضة درهم ، ولا فرق بين أن يكون في الحرم أو في الحل.

وهنا سؤالان :

الأوّل : انّ البيض إن كان نيئا وجب اعتباره بالتحرك وعدمه ، وحينئذ يجب

__________________

(١) لا حظ عبارة المختصر النافع.

(٢) الوسائل : ج ٩ ، كتاب الحج ، الباب ٤٧ و ٤٨ من أبواب كفارات الصيد وتوابعها.

(٣) سلقت البيض سلقا إذا غليته بالنار (مجمع البحرين لغة سلق).

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على المحرم البكارة أو الإرسال ، فإيجاب الشاة مع ترك الاستفصال موضع إشكال.

هذا بالنسبة إلى المحرم ، وأمّا بالنسبة إلى المحل ، فيقال : إن كان في الحرم وجب عليه القيمة ، وإن كان في الحل لم يكن عليه شي‌ء ، لعدم تحريم الصيد إلّا بأحد أمرين ، الحرميّة ، والإحرام ، وليس أحدهما حاصلا ، فإيجاب الدرهم عليه مطلقا من غير تفصيل مشكل.

(السؤال الثاني) إن كان البيض مطبوخا ، فالذي يقتضيه الأصول المقررة : انّ المحل لا شي‌ء عليه فيه ، لأنّه إن كان في الحل فظاهر ، وان كان في الحرم ، فلأنّ الصيد المذبوح في الحلّ يجوز للمحل أكله في الحرم إجماعا. وأمّا البيض فاذا كسره المحلّ في الحلّ لم يكن عليه شي‌ء وكذا لو كسره المحرم ، فإنه يحل على المحل ، لعدم اشتراط التذكية فيه ، فاذا لم يضمن مع إتلافه بمباشرة ، فأولى أن لا يضمن تسبيبا ، فإيجاب الدرهم عليه خلاف الأصل.

وأمّا المحرم ، فالأصل انه إذا أكل من الصيد ، هل يلزمه فداء؟ أو قيمة ما أكل؟ قولان مشهوران ، فعلى الأوّل يجب عن البيضة إرسال ، لأنه فداها ، وعلى الثاني قيمة البيضة ، فتقديره بالشاة يخالف كل واحد من القولين.

والجواب عن الأوّل : قوله «ان كان نيئا وجب إعباره بالتحرك وعدمه ، فترك الاستفصال موضع إشكال».

قلنا : لا إشكال مع وجود القرينة الرافعة للإجمال ، وهو هنا كذلك ، لأنّ بيضا تحرك فيه الفرخ ، لا يؤكل ، فاعتبار التحرك فيه محال.

قوله : «فالواجب الإرسال».

قلنا : لم لا يجوز أن تكون الشاة هنا من المحرم والدرهم من المحل قائما مقام الإرسال في نظر الشرع ، ويؤيده أنّ الإرسال قد لا يحصل منه نتاج ، وهو شي‌ء مؤجل لا ينتفع به الفقراء في الحال.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله : «لا شي‌ء على المحل في إتلاف الصيد».

قلنا : متى إذا لم يكن مشتملا على مفسدة وانتهاك حرمة ، أعظمها الشارع وأجلها ، أو مطلقا ، الأوّل مسلّم ، والثاني ممنوع ، وهنا قد اشتمل على مفسدة ، وهو مساعدة المحرم على فعل المحرم ، فعاقبه الشارع بإيجاب الكفارة عليه ، كما أوجبها على المحل العاقد للمحرم.

والجواب عن الثاني : قوله «لا شي‌ء على المحل فيه».

قلنا : تقدم الجواب عنه ، وهو كون إيجاب الكفارة عليه من باب العقوبة من حيث مساعدة المحرم.

قوله : «والمحرم يجب عليه الفداء ، أو القيمة السوقية».

قلنا : الفداء قول مرجوح ، وجاز الاقتناع بالشاة عن الفداء لما قلناه. وأمّا القيمة فلم لا يجوز أن تكون القيمة مقدرة بالشاة كما قدر الشارع على المحل في الحرم قيمة الحمامة بدرهم ولم يحل على السوق.

وأصل الفتوى رواية أبي عبيدة أنه سأل الباقر عليه السّلام عن رجل محلّ اشترى لرجل محرم بيض نعام فأكله المحرم ، فما على الذي أكله؟ فقال : على الذي اشتراه فداء لكلّ بيضة درهم ، وعلى المحرم لكل بيضة شاة (١) والأصحاب أجروا الفتوى مجرى هذه الرواية على عمومها ، ولم يفصّلوا بين كون المحل في الحل أو الحرم ، ولا فصّلوا بين كون البيض نيئا أو مطبوخا ، قال الشهيد رحمه الله : هذا إذا اشتراه مكسورا ، أو كسّره المحل أو كان مسلوقا ، إذ لو لم يكن كذلك وكسره المحرم فعليه الإرسال (٢).

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣٥٥ الحديث ١٤٨.

(٢) الدروس : كتاب الحج ص ١٠٣ س ٢٤ قال : درس ، لو اشترى محلّ بيض نعام لمحرم إلخ.

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والأقرب حمل الرواية على عمومها ، وقد حققنا البحث فيه.

وفي هامش نسخة (ب) وفي نسخة (ج) هكذا :

أقول : مستند هذه الفتوى ما رواه أبو عبيدة انه سأل الباقر عليه السّلام عن رجل محلّ اشترى لرجل محرم بيض نعام ، فأكله المحرم فما على الذي أكله؟ فقال على الذي اشتراه فداء كل بيضة درهم ، وعلى المحرم لكل بيضة شاة (١).

والتحقيق أن نقول : لا يخلو إمّا أن يكون المحل قد اشتراه مكسورا ، أو صحيحا وكسره المحلّ ، أو كان مسلوقا ، وفي جميع هذه الصور يضمن البيضة عن المحل بدرهم وعن المحرم بشاة.

أما الأوّل : فلا عانة المحرم على فعل المحرّم كما تجب عليه الفدية لو عقد للمحرم.

وأمّا الثاني : فلتحريم الصيد على المحرم بالإجماع.

ولو اشتراه صحيحا وكسره المحرم وجب عليه الإرسال ، ردّا للمسألة إلى أصولها ، وتجب الشاة أيضا بسبب الأكل.

وهنا مسائل

الاولى : لا فرق في المحل بين كونه في الحل ، أو الحرم ، عملا بالعموم. وامّا المحرم ففي صورة الإرسال يجب معه ضمان القيمة ، وهل يتضاعف عليه الجزاء في الصورة عن الباقية؟ فتجب شاتان ، فيه احتمالان ، أحدهما ، نعم : لعموم ضعف الجزاء على المحرم في الحرم ، والآخر : لا ، لسبق التلف على مباشرة المحرم ، وهو أقوى.

الثانية : لو كان المشتري محرما ، هل عليه الدرهم أو الشاة؟ يحتمل ضعيفا الأوّل ، لأصالة البراءة وعدم النص فيقضى باليقين ، ويحتمل قويا الثاني لمساواته

__________________

(١) تقدّم آنفا.

٢٥٨

الرابعة : لا يملك المحرم صيدا معه ، ويملك ما ليس معه.

الخامسة : لو اضطر إلى أكل صيد وميتة ، فيه روايتان ، أشهرهما :

يأكل الصيد ويفديه ، وقيل : إذا لم يمكنه الفداء أكل الميتة.

______________________________________________________

المحرم للأكل ، إذ لا فرق في ضمان المحرم بين المباشرة والتسبيب ، وحينئذ هل يتضاعف عليه لو كان في الحرم؟ إشكال ، والظاهر عدمه.

الثالثة : لو اشتراه المحرم لنفسه ، هل يجب عليه ما يجب على المحل ، وهو درهم ، أو ما يجب على المحرم وهو شاة ، أو لا يجب عليه شي‌ء سوى الفداء؟ الأقرب الأخير.

الرابعة : لو ملكه المحل بغير شراء أبذله للمحرم فأكله هل يجب عليه الدرهم ، أو لا يجب؟ لعدم تحريم الصيد عليه وخروجه عن النص؟ الأقوى الأوّل ، لأنّ السبب إعانته للمحرم ، ولا أثر لخصوصية بسبب تملك العين.

الخامسة : هل ينسحب الحكم لو اشترى له غير البيض من المحرمات ، نظر.

قال طاب ثراه : ولو اضطر إلى أكل صيد وميتة فروايتان ، أشهرهما يأكل الصيد ويفديه ، وقيل : إن لم يمكنه الفداء أكل الميتة.

أقول : التفصيل وهو الأكل من الصيد مع القدرة على الفداء ، ومن الميتة مع العجز. مذهب الشيخ (١) وأبي علي (٢) والقاضي (٣) وقال الصدوق في المقنع : إذا اضطر إلى أكل صيد وميتة ، فإنه يأكل الصيد (٤) وقد روي في حديث آخر انّه

__________________

(١) النهاية : ما يجب على المحرم من الكفارة ص ٢٣٠ س ١ قال : وإذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة والصيد إلخ.

(٢) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١٠٩ س ٢٢ قال : وقال ابن الجنيد : وإذا اضطر المحرم المطيق للفداء إلى الميتة إلخ.

(٣) المهذب : ج ١ كتاب الحج ص ٢٣٠ س ١٢ قال : وإذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة وكان قادرا على فداء الصيد إلخ.

(٤) المقنع : باب الحج ص ٧٩ س ٢ قال : وإذا اضطر المحرم الى صيد وميتة فإنّه يأكل الصيد ويفدي

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يأكل الميتة (١) لأنّها قد حلت له ولم يحل له الصيد ، وقوى ابن إدريس الأكل من الميتة على كلّ حال ، لانّه مضطرّ إليها ولا كفارة عليه في أكلها ولحم الصيد ممنوع منه لأجل الإحرام (٢) ، وقال المفيد : من اضطر الى صيد وميتة فليأكل الصيد ويفديه ، ولا يأكل الميتة (٣) وأطلق وكذا قال السيد (٤) وسلار (٥) قال العلامة : والأقرب عندي خيرة المفيد (٦) احتج برواية منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن محرم اضطر إلى أكل الصيد والميتة ، قال : أيّهما أحبّ إليك أن تأكل من الصيد أو الميتة؟ قلت : الميتة ، لأنّ الصيد محرّم على المحرم ، فقال : أيهما أحب إليك أن يأكل من مالك أو الميتة؟ قلت : آكل من مالي ، قال : فكل الصيد وأفده (٧) ولم يبين حكم العاجز عن الفداء ، وكذا المصنف صدر المسألة ولم يبيّن حكم العاجز ، بل جعله قولا ، فقال : وقيل : إن لم يمكنه الفداء أكل الميتة (٨).

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطا المحرم ص ٣٦٩ الحديث ١٩٩.

(٢) السرائر : باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ص ١٣٣ س ٣٢ قال : قال محمّد بن إدريس والأقوى عندي أنه يأكل الميتة.

(٣) المقنعة : باب الكفارات ص ٦٩ س ١ قال : ومن اضطر الى صيد وميتة فليأكل الصيد ويفديه إلخ.

(٤) جمل العلم والعمل : فصل فيما يلزم المحرم عن جنايته من كفارة ص ١١٤ س ١٠ قال : ومن اضطر إلى أكل صيد أو ميتة فليأكل الصيد ويفديه ، ولا يقرب الميتة.

(٥) المراسم : ذكر أقسام الخطأ ص ١٢١ س ٨ قال : ومن اضطر إلى أكل صيد وميتة ، فدى الصيد وأكله.

(٦) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١٠٩ س ٣٠ قال : والأقرب إلخ.

(٧) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطا المحرم ص ٣٦٨ الحديث ١٩٥ وفيه «عن منصور بن حازم قال : سألته إلخ» وفي الاستبصار : ج ٢ (١٣٥) باب من اضطر إلى أكل الميتة والصيد ، ص ٢٠٩ الحديث ١ وفيه «سألت أبا عبد الله عليه السّلام».

(٨) لاحظ عبارة المختصر.

٢٦٠