المهذّب البارع - ج ٢

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

الله (١) وقال عليه السّلام : من بات كادّا في طلب الحلال غفر له (٢) وروى الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه قال : رأيت أبا الحسن عليه السّلام يعمل في أرض له وقد استنقعت قدماه في العرق!! فقلت له : جعلت فداك اين الرجال؟ فقال : يا علي عمل باليدين من هو خير منّي ومن أبي في أرضه. فقلت : ومن هو؟ قال : رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السّلام وآبائي كلّهم عملوا بأيديهم ، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والصالحين (٣) وعن الفضل بن أي قرة قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام وهو يعمل في حائط له ، فقلنا : جعلنا فداك دعنا نعمله أو يعمله بعض الغلمان؟ فقال : لا ، دعوني فإنّي أشتهي أن يراني الله عزّ وجلّ أعمل بيدي وأطلب الحلال في أذى نفسي (٤) ، وكان أمير المؤمنين عليه السّلام يخرج في الهاجرة في الحاجة وقد كفيها يريد أن يراه الله عزّ وجلّ يتعب نفسه في طلب الحلال (٥) وروى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السّلام يحتطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة عليها السّلام تطحن وتعجن وتخبز (٦) وقال الكاظم عليه السّلام : ان الله تعالى ليبغض العبد النوام ، انّ الله

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٣ الحديث ٦٦.

(٢) الوسائل : ج ١٢ كتاب التجارة باب ٤ من أبواب مقدماتها ، الحديث ١٦ نقلا عن الأمالي ولفظ الحديث (من باب كالا من طلب الحلال بات مغفورا له).

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٨) باب المعايش ، والمكاسب والفوائد والصناعات ص ٩٨ الحديث ٢٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ٩٩ الحديث ٣٠.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ٩٩ الحديث ٣١.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٤ الحديث ٧٥.

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

ليبغض العبد الفارغ (١).

تنبيه

وطلب الرزق بالتجارة أولى من طلبه بإيجار نفسه للعمل. روى عمار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الرّجل يتجر وإن هو آجر نفسه أعطي أكثر ممّا يعطى في تجارته ، قال : لا يواجر نفسه ولكن يسترزق الله عزّ وجلّ ويتجر ، فاذا آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق (٢) وروى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : شكى رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله الحرفة ، فقال : أنظر بيوعا فاشترها ثمَّ بعها ، فما ربحت فيه فألزمه (٣) وروى السدير الصيرفي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام أيّ شي‌ء على الرجل في طلب الرزق؟ قال : يا سدير إذا فتحت بابك وبسطت بساطك فقد قضيت ما عليك (٤).

تتمة

ينبغي لطالب التجارة أن يعتدّ أمورا :

(أ) التفقّه ، فانّ رجلا قال لأمير المؤمنين عليه السّلام يا أمير المؤمنين إني أردت

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٣ الحديث ٧٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٧ الحديث ٩١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٤ الحديث ٧٢.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٥٨) باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ص ١٠٠ الحديث ٤٢.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

التجارة فقال : أفقهت في دين الله؟ قال : يكون بعض ذلك ، قال : ويحك التفقه ثمَّ المتجر ، فإنه من باع واشترى ولم يسأل عن حرام وحلال ارتطم في الربا ثمَّ ارتطم (١) وقال عليه السّلام : الفقه ثمَّ المتجر ، إنّ من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثمَّ ارتطم (٢).

ومعنى (ارتطم) ارتكب عليه أمره فلم يقدر على الخروج منه.

وقال عليه السّلام : من اتّجر بغير علم تورّط في الشبهات (٣) مأخوذ من الورطة ، وهي أرض مطمسة لا طريق فيها.

(ب) الإجمال في الطلب وترك الحرص ، كيلا يحمله على اجتذاب المحارم. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله في حجة الوداع : انّى والله لا أعلم عملا يقرّبكم من الجنة إلّا وقد نبأتكم عليه ، ولا أعلم عملا يقرّبكم الى النار إلّا وقد نهيتكم عنه ، وانّ الروح الأمين نفث في روعي أن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب انه ليس عبد من عباد الله إلّا وله رزق بينه وبينه حجاب ان صبر آتاه الله به حلالا ، وان لم يصير وهتك الحجاب فأكله حراما ، قوصص (٤) به من رزقه وحوسب عليه ، فلا يحملنّ أحدكم استبطاء شي‌ء من الرزق ان يطلبه من غير حلّه ، لأنه لا ينال من عند الله إلّا بطاعة الله (٥)

ويكره للصانع سهر الليل كله في عمل صنعته ، لما فيه من كثرة الحرص على الدنيا وترك الالتفات إلى أمر الآخرة. قال الصادق عليه السّلام : من بات ساهرا

__________________

(١) المستدرك : ج ٢ الباب ٢ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ١ نقلا عن دعائم الإسلام.

(٢) المستدرك : ج ٢ الباب ٢ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٤ نقلا عن دعائم الإسلام.

(٣) المستدرك : ج ٢ الباب ٢ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٥ نقلا عن دعائم الإسلام.

(٤) القص ، القطع ، يقال : قصصته قصا من باب قتل ، قطعته (مجمع البحرين).

(٥) عوالي اللئالى : ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٢ الحديث ٣٣ ولاحظ ما علق عليه.

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في كسب ولم يعط العين حظّها من النوم فكسبه ذلك حرام (١) وقال عليه السّلام : الصنّاع إذا سهروا الليل كلّه (في عمل صنعته) فهو سحت (٢) وهو محمول على الكراهة الشديدة ، أو على التحريم إذا منع شيئا من الواجبات كقسم الزّوجات.

(ج) ذكر الله بقلبه ولسانه ، لا يغفل جهده ، فإنه مطردة للشيطان ومدفعة للمكاره ، والمواظبة على الآداب اللائقة المذكورة في المتن ، لأنّ صفة التجارة صنعة خطيرة ، فإذا لم يحترس الإنسان من أخطارها خيف عليه الهلاك ، أولا ترى ما ورد عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه مرّ بالتجّار ، وكانوا يسمّون السّماسرة ، فقال لهم : أما إنّي لا اسمّيكم السّماسرة ولكن أسمّيكم التّجار ، والتاجر فاجر والفاجر في النار ، فغلّقوا أبوابهم وأمسكوا عن التجارة ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله من غد فقال : أين الناس؟ فقالوا : سمعوا ما قلت بالأمس فأمسكوا ، قال : وأنا أقوله اليوم ، إلّا من أخذ الحق وأعطاه (٣) وقال : بعثني ربي رحمة ، ولم يجعلني تاجرا ولا زارعا ، إنّ شرار هذه الأمّة التجّار والزارعون ، إلّا من شحّ على دينه (٤).

(د) عدم الاستهانة تقليل الرزق ، لما رواه على بن هلال عن الحسين الجمال قال : شهدت إسحاق بن عمار وقد شدّ كيسه وهو يريد أن يقوم ، فجاء إنسان يطلب دراهم بدينار ، فحلّ الكيس وأعطاه دراهم بدينار ، فقلت : سبحان الله ما كان فضل هذا الدينار فقال إسحاق بن عمار : ما فعلت هذا رغبة في الدنيا ولكن

__________________

(١) الفروع : ج ٥ باب السحت ص ١٢٧ الحديث ٦.

(٢) الفروع : ج ٥ باب السحت ص ١٢٧ ي الحديث ٧ وليس فيه جملة (في عمل صنعته).

(٣) عوالي اللئالى : ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٣ الحديث ٣٦. وروى نحو الجملة الأخيرة في الفقيه : ج ٣ (٦١) باب التجارة وفضلها وفقهها ص ١٢١ الحديث ١٣ فلاحظ.

(٤) عوالي اللئالى : ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٣ الحديث ٢٧.

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

سمعت الصادق عليه السّلام يقول : من استقلّ قليل الرّزق حرم الكثير (١).

(ه) الأشهر استحباب الزراعة ، لما روى سيابة إنّ رجلا سأل الصادق عليه السّلام سمع قوما يقولون : إنّ الزراعة مكروهة!؟ فقال : ازرعوا وأغرسوا ، فلا والله ما عمل الناس عملا أحلّ ولا أطيب منه ، والله ليزرعنّ الزرع وليغرسنّ النخل بعد خروج الدّجال (٢) وسأل هارون بن يزيد الواسطي الباقر عليه السّلام عن الفلاحين؟ فقال : هم الزارعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شي‌ء أحبّ إلى الله من الزّراعة ، وما بعث الله نبيّا إلّا زارعا إلّا إدريس فإنّه كان خيّاطا (٣).

(و) الدعاء عند دخول السوق قال الصادق عليه السّلام : فاذا دخلت سوقك فقل : اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها وأعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها. اللهمّ إني أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أبغي أو يبغى عليّ أو أعتدي أو يعتدى عليّ ، اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ إبليس وجنوده وشرّ فسقه العرب والعجم حسبي الله لا إله إلّا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم (٤).

وإذا اشترى شيئا قال ما روي عن الصادق عليه السّلام : إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره ، فكبّر ثمَّ قل : اللهمّ إني اشتريته ألتمس فيه من فضلك فاجعل لي فضلا ، للهمّ إني اشتريته ألتمس فيه رزقك فاجعل لي فيه رزقا ، اللهمّ إني اشتريته ألتمس فيه بركتك فاجعل لي فيه بركة (٥). وقال عليه السّلام : إذا اشتريت دابّة أو

__________________

(١) الفروع : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب النوادر ص ٣١١ الحديث ٣٠.

(٢) الفروع : ج ٥ ، كتاب المعيشة ، باب فضل الزراعة ص ٢٦٠ الحديث ٣.

(٣) عوالي اللئالي : ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٣ الحديث ٤٠ ولاحظ ما علّق عليه.

(٤) الفروع : ج ٥ كتاب المعيشة ، باب من ذكر الله تعالى في السوق ص ١٥٦ الحديث ٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ (٦٤) باب الدعاء عند شراء المتاع للتجارة ص ١٢٥ الحديث ١ وليس فيه جملة (اللهمّ انى اشتريته ألتمس فيه بركتك إلخ) وزاد في آخره (ثمَّ أعد كلّ واحدة منها ثلاث مرّات).

٣٤٥

والأرواث والأبوال ممّا لا يؤكل لحمه. وقيل : بالمنع من الأبوال (كلها خ) إلّا أبوال الإبل. (١) والخنزير والكلاب عدا كلب الصيد.

______________________________________________________

رأسا فقل : اللهمّ ارزقني أطولها حياة وأكثرها منفعة وخيرها عاقبة (١).

قال طاب ثراه : وقيل بالمنع من الأبوال (كلها خ) إلّا أبوال الإبل.

أقول : القائل بذلك المفيد (٢) وتلميذه (٣) والشيخ في النهاية (٤) واختاره المصنف في كتاب الأطعمة من الشرائع (٥) لاستخباثها ، ولأنها من الفضلات فاشتبهت البصاق والمخاط ، وخرج بول الإبل لفائدة الاستشفاء عند الضرورة ، فبقي الباقي على أصله.

وقال في المبسوط بالجواز (٦) لمكان طهارتها ، ولأصالة الإباحة ، وجواز الانتفاع ، فجاز البيع كبول الإبل ، واختاره ابن إدريس (٧) والمصنف في النافع (٨). وللعلامة

__________________

(١) التهذيب : ج ٧ (١) باب فضل التجارة وآدابها ص ١٠ ذيل حديث ٣٤.

(٢) المقنعة : ص ٩٠ أبواب المكاسب س ٢٦ قال : والأبوال كلها حرام الّا أبوال الإبل خاصة فإنه لا بأس ببيعها والانتفاع بها إلخ.

(٣) المراسم : كتاب المكاسب ص ١٧٠ س ٨ قال : والأبوال ببيع وغيره حرام الّا بيع بول الإبل خاصة إلخ.

(٤) النهاية : باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة ص ٣٦٤ س ٧ قال : وجميع النجاسات الى أن قال : الّا أبوال الإبل خاصة إلخ.

(٥) الشرائع : كتاب الأطعمة والأشربة ، قال : الرابع الأعيان النجسة كالبول الى أن قال : الّا أبوال الإبل فإنه يجوز الاستشفاء بها إلخ.

(٦) المبسوط : ج ٢ كتاب البيوع ، فصل في حكم ما يصح بيعه وما لا يصحّ ص ١٦٧ س ١١ قال : واما الطاهر الذي فيه منفعة فإنه يجوز بيعه إلخ واستدل في المختلف لقول المفيد بهذه الجملة أيضا لا حظ : كتاب المتاجر ص ١٦٢ س ٦.

(٧) السرائر : باب ضروب المكاسب ص ٢٠٧ س ٣٠ قال : ولا بأس بأبوال وأرواث ما يؤكل لحمه.

(٨) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٣٤٦

وفي كلب الماشية والحائط والزرع قولان. (١) والمائعات النجسة عدا الدهن لفائدة الاستصباح. ولا يباع ولا يستصبح بما يذاب من شحوم الميتة وألياتها.

الثاني : الآلات المحرّمة كالعود والطبل والزمر وهياكل العبادة المبتدعة كالصنم والصليب وآلات القمار كالنرد والشطرنج.

______________________________________________________

مثل القولين ، فأجاز في المختلف (١) ومنع في القواعد (٢).

قال طاب ثراه : وفي كلب الماشية والحائط والزرع قولان :

أقول : أمّا كلب الصيد فقريب من الإجماع ، وفيه قول بالمنع متروك ، وانما الخلاف في الثلاثة الباقية ، أعني كلب الزرع ، والحائط ، وهو البستان ، وكذا القول في كلب الدار ، لدعاء الضرورة إليه ، فمنع الشيخان (٣) والقاضي (٤) والمصنف في الشرائع (٥) ، واجازه ابن حمزة (٦) وأبو علي (٧) وابن إدريس (٨) والعلامة (٩).

__________________

(١) المختلف : كتاب المتاجر ص ١٦٢ س ٧ قال بعد نقل قول المبسوط : والأقرب الجواز.

(٢) القواعد : كتاب المتاجر ص ١٢٠ س ٧ قال : والأقرب في أبوال ما يؤكل لحمه التحريم ، للاستخباث إلّا بول الإبل للاستشفاء.

(٣) المقنعة : أبواب المكاسب ص ٩٠ س ٣٧ قال : وثمن الكلب حرام إلّا ما كان سلوقيا للصيد إلخ وفي النهاية : باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة ص ٣٦٤ س ١٦ قال : وكذلك ثمن الكلب الّا ما كان سلوقيا للصيد إلخ.

(٤) لم أعثر عليه في المهذب ، ولكن في المختلف : كتاب المتاجر ص ١٦٣ س ١٥ قال : وقال ابن البراج : يجوز بيع كلب الصيد دون غيره.

(٥) الشرائع : كتاب التجارة ، قال : مسائل الاولى : لا يجوز بيع شي‌ء من الكلاب إلّا كلب الصيد إلخ.

(٦) الجوامع الفقهية الوسيلة : كتاب البيع ص ٧٠٧ س ٩ قال : والثاني اما يمكن الانتفاع بها مثل جوارح الصيد والسباع وكلب الصيد والماشية والزرع والحراسة الى أن قال : جاز بيع جميع ذلك.

(٧) المختلف : كتاب التجارة ص ١٦٣ س ١٤ قال : وقال ابن الجنيد : لا بأس بشراء الكلب الصائد والحارس للماشية والزرع الى أن قال : وبه قال ابن حمزة ، وهو الأقرب.

(٨) المختلف : كتاب التجارة ص ١٦٣ س ١٤ قال : وقال ابن الجنيد : لا بأس بشراء الكلب الصائد والحارس للماشية والزرع الى أن قال : وبه قال ابن حمزة ، وهو الأقرب.

(٩) السرائر : باب ضروب المكاسب ص ٢٠٦ س ٣٣ قال : واقتناء الكلاب الّا لصيد أو حفظ

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

احتجّ المانعون بما رواه الوليد القماري قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد ، فقال : سحت ، أمّا الصيود فلا بأس (١) ولأنها عين نجسة فيحرم معها كالعذرات.

احتج المجوزون بأصالة الإباحة ، وبأنّ المقتضي لجواز بيع كلب الصيد ـ وهو الانتفاع به وثبوت الحاجة الى المعاوضة عليه ـ موجود في الباقي ، قال العلامة : ولأن لهاديات منصوصة فيجوز المعاوضة عليها ، ولأنّه يجوز إجارتها فيجوز بيعها (٢).

ولقائل أن يقول : تنصيص الشارع على جعل الدّيات لها ، ربما كان دليلا مانعا من صحة بيعها ، لأنّا استقرينا الأعيان التي ينتفع بها ويجوز بيعها ، فوجدنا الشارع قدّر فيها عند إتلافها على مالكها قيمتها السوقية كالبهيمة والعبد ، وما كان منهما ينتفع به انتفاعا محلّلا ولا يجوز المعاوضة عليه ولا أخذ القيمة عنه جعل في إتلافه مقدّرا منصوصا ، وهو المسمّى بالدية كالحرّ ، فلما أجاز الشارع الانتفاع بهذه الكلاب ولم يكن لها في نظره قيمة ، جعل في إتلافها عدوانا دية مقدّرة كما جعل في الحرّ ، لأنّها لو كانت مالا لجعل في إتلافها القيمة كالعبد. وأمّا الإجارة فلا تدلّ على جواز البيع قطعا ، فإنّها يجوز على الحرّ ، ولا يصح بيعه ، وعلى أمّ الولد ولا يصح بيعها ، وعلى الوقف والمرهون ولا يصح بيعهما.

ويمكن أن يجاب عنه قوله : لو جاز بيعها لزم في إتلافها القيمة كالبهيمة ، قلنا : منقوض بالعبد ، فان الواجب في إتلافه قيمة ما لم تزد عن دية الحرّ ، فيلزم ديته خاصة وان تجاوزت قيمته أضعاف الدية ، ففيه أيضا مقدرة وصحة بيعه إجماع.

وفيه نظر ، لأنّ ردّ الشارع القيمة مع التجاوز إلى الدّية لمانع ، وهو عدم جواز

__________________

ماشية أو زرع أو حائط.

(١) الفروع : ج ٥ باب السحت ص ١٢٧ الحديث ٥.

(٢) المختلف : كتاب التجارة ص ١٦٣ س ١٩ قال : ولأنّ لهاديات إلخ.

٣٤٨

الثالث : ما يقصد به المساعدة على المحرّم كبيع السلاح لأعداء الدّين في حال الحرب ، وقيل : مطلقا ، (١) واجارة المساكن والحمولات للمحرمات ، وبيع العنب ليعمل خمرا ، والخشب ليعمل صنما ، ويكره بيعه ممّن يعمله.

______________________________________________________

تفضيل العبد على الحرّ ، بل لا يجوز مساواته في القصاص إجماعا ، فكيف يفضل عنه في الدية ، ولا يلزم من كونها مقدرة بالدية في صورة جزئية ، لمانع ، أن يكون مقدرة مطلقا وينخرم بها ضابط إجماعي ، وأيضا فإنّ العبد قد يجب بقتله قيمته وان تجاوزت أضعاف الدية ، فيما لو قتله الغاصب.

فرعان

(أ) كلب الدار وهو ما يتخذ للحفظ بالليل للبيوت ، وما تتخذه أصحاب الطنب (١) يجوز اقتناؤه على الأقرب ، لأنّه في معنى الثلاثة ، وجزم به الشيخ في المبسوط (٢) والأقوى جواز البيع أيضا للمشاركة في الضرورة المسوّغة للبيع.

(ب) كلب الماء طاهر ، ويجوز الانتفاع بخصيته إذا كان ذكيّا ، ومنع ابن إدريس منهما (٣) وهو نادر.

قال طاب ثراه : ما يقصد به المساعدة على المحرّم كبيع السلاح لأعداء الدين في حال الحرب وقيل : مطلقا.

__________________

(١) الطنب والطنب معا : حبل الخباء والسرادق ونحوهما ، والاطناب ما يشدّ به البيت من الحبال بين الأرض والطرائق (لسان العرب : ج ١ ص ٥٦٠ لغة طنب).

(٢) المبسوط : ج ٢ فصل في حكم ما يصحّ بيعه وما لا يصحّ ص ١٦٦ س ٧ قال : وكذلك يجوز اقتناؤه لحفظ البيوت.

(٣) السرائر : باب ضروب المكاسب ، ص ٢٠٨ س ١ قال : لا بأس ببيع أربعة كلاب وشرائها وأكل ثمنها وما عداها محرّم محظور ثمنه وثمن جلده ، سواء ذكّي أم لم يذكّ لانّه لا تحلّه الحياة ، وسواء كان كلب برّ أو بحر إلخ.

٣٤٩

الرابع : ما لا ينتفع به كالمسوخ ، برّية كانت كالدبّ والقرد ، أو بحرية كالجري والسلاحف ، وكذا الضفادع والطافي ، ولا بأس بسباع الطير والهر والفهد ، وفي بقية السباع قولان ، أشبههما الجواز.

الخامس : الأعمال المحرمة ، كعمل الصور المجسمة ، والغناء عدا المغنيّة لزفّ العرائس إذا لم تغن بالباطل ، ولم تدخل عليها الرجال ، والنوح بالباطل ، أمّا بالحق فجائز ، وهجاء المؤمنين ، وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض ، وتعلّم السحر والكهانة ، والقيافة ، والشعبذة ، والقمار ، والغش بما يخفى ، وتدليس الماشطة ، ولا بأس بكسبها

______________________________________________________

أقول : بيع السلاح لأهل الحرب لا يجوز إجماعا. وأما أعداء الدين كأصحاب معاوية ، هل يحرم بيع السلاح منهم مطلقا؟ أو في حال الحرب خاصة؟ بالأوّل قال الشيخان (١) وسلار (٢) والتقي (٣) وبالثاني قال المصنف (٤) وابن إدريس (٥).

ودلالة الأخبار عليه أوضح من دلالتها على مذهب الشيخ (٦).

قال طاب ثراه : وفي بقية السباع قولان : أشبههما الجواز.

__________________

(١) المقنعة : أبواب المكاسب ص ٩٠ س ٢٧ قال : وبيع السلاح لأعداء الدين حرام ، وعمله لمعونتهم على قتال المسلمين حرام. وفي النهاية ، باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة ص ٣٦٥ س ٨ قال : وبيع السلاح لسائر الكفار وأعداء الدين حرام ، وكذلك عمله لهم والتكسب بذلك إلخ.

(٢) المراسم : كتاب المكاسب ص ١٧٠ س ٩ قال : وبيع السلاح لأعداء الله تعالى وعمله.

(٣) الكافي : فصل فيما يحرم فعله ص ٢٨٢ س ٣ قال : وعمل السلاح وغيره لمعونة أعداء الدين من ضروب المحاربين والمظالم.

(٤) لاحظ عبارة المختصر النافع فإنّه قدّس سرّه قال : في حال الحرب.

(٥) السرائر : كتاب المكاسب ، باب ضروب المكاسب ص ٢٠٧ س ٢ قال : وعمل السلاح مساعدة ومعونة لأعداء الدين وبيعه لهم إذا كانت الحرب قائمة بيننا وبينهم إلخ.

(٦) لاحظ التهذيب : ج ٦ (٩٣) باب المكاسب ص ٣٥٣ الحديث ١٢٥ و ١٢٦ و ١٢٧ و ١٢٨).

٣٥٠

مع عدمه ، وتزيين الرجل بما يحرم عليه ، وزخرفة المساجد والمصاحف ، ومعونة الظالم ، واجرة الزانية.

______________________________________________________

أقول : للأصحاب في السباع خمسة أقوال :

(أ) الجواز مطلقا حتى في الضبع والذئب ، لطهارتهما والانتفاع بجلدهما أو ريشهما ، وهو مذهب ابن إدريس (١) والعلامة (٢) وظاهر القاضي (٣).

(ب) المنع مطلقا ، وهو مذهب الحسن (٤) فإنه جعل المناط ما يحرم أكله من السباع والطير والسمك والنبات والثمار والبيض.

(ج) تحريم ما عدا الفهد ، وهو قول الأكثر من المتقدمين ، وبه قال الشيخ في النهاية (٥) والخلاف (٦) وسلار (٧).

(د) تحريم ما عدا الفهد وسباع الطير وهو قول المفيد (٨).

__________________

(١) السرائر : باب ضروب المكاسب ص ٢٠٧ س ٣٥ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : قال محمّد بن إدريس : قوله : الفيلة والدببة ، فيه كلام وذلك ان ما جعل الشارع وسوغ الانتفاع به فلا بأس ببيعه الى أن قال بعد أسطر : فلا فرق بين الذئب والأسد والدب وبين الأرنب والثعلب إلخ.

(٢) المختلف : كتاب المتاجر ص ١٦٣ س ٢ قال بعد نقل الأقوال : والأقرب الجواز.

(٣ و ٤) المختلف : كتاب المتاجر ص ١٦٣ س ١ قال : وقال ابن البراج : لا يجوز بيع ما كان مسخا من الوحوش ويجوز بيع جوارح الطير والسباع والوحوش. وقال قبل أسطر : وقال ابن أبي عقيل : جميع ما يحرم بيعه وشراؤه ولبسه عند آل الرسول بجميع ما ذكرناها إلخ.

(٥) النهاية : باب المكاسب المحظورة والمكروهة ، ص ٣٦٤ س ١٧ قال : وبيع جميع السباع إلى ن قال : الّا الفهود خاصة.

(٦) الخلاف : كتاب البيوع ، مسألة ٣٠٧ قال : لا يجوز بيع شي‌ء من المسوخ إلخ.

(٧) المراسم : كتاب المكاسب ص ١٧٠ س ١٤ قال : وكل محرم الأكل من البحر أو البرّ ، وقال في المختلف (ص ١٦٢ س ٢٩) وقال سلار : يحرم بيع القردة والسباع والفيلة والدباب : ولم أعثر على هذه العبارة في المراسم.

(٨) المقنعة : أبواب المكاسب ص ٩١ س ١ قال بعد عدّ المحرمات : والتجارة في الفهود والبزاة وسباع الطير التي يصاد بها حلال.

٣٥١

السادس : الأجرة على القدر الواجب من تغسيل الأموات وتكفينهم وحملهم ودفنهم ، والرّشا في الحكم ، والأجرة على الصلاة بالناس ، والقضاء ، ولا بأس بالرزق من بيت المال ، وكذا على الأذان ، ولا بأس بالأجرة على عقد النكاح.

والمكروه اما لإفضائه إلى المحرم غالبا كالصرف ، وبيع الأكفان ، والطعام ، والرقيق ، والصّباغة والذباحة ، وبيع ما يكنّ من السلاح لأهل الكفر كالخفين والدرع.

وأمّا لصنيعته كالحياكة ، والحجامة إذا شرط الأجرة ، وضراب الفحل ، ولا بأس بالختانة وخفض الجواري.

وأمّا لتطرق الشبهة ككسب الصبيان ومن لا يجتنب المحارم. ومن المكروه ، الأجرة على تعليم القرآن ونسخه ، وكسب القابلة مع الشرط ، ولا بأس به لو تجرّد ، ولا بأس بأجرة تعليم الحكم والآداب.

وقد يكره الاكتساب بأشياء أخر تأتي إن شاء الله تعالى.

مسائل ست

الاولى : لا يؤخذ ما ينثر في الأعراس إلّا ما يعلم معه الإباحة.

______________________________________________________

(ه) إباحة الجميع الّا ما لا ينتفع به منها كالسبع والذئب وهو قول الشيخ في المبسوط (١).

قال طاب ثراه : ولا بأس بالأجرة على عقد النكاح.

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ فصل في حكم ما يصح بيعه وما لا يصح ص ١٦٦ س ١٦ قال : وما لا يؤكل لحمه مثل الفهد والنمر والفيل الى أن قال : فهذا كله يجوز بيعه ، وإن كان ممّا لا ينتفع به فلا يجوز إلخ.

٣٥٢

الثانية : لا بأس ببيع عظام الفيل واتخاذ الأمشاط منها.

الثالثة : يجوز أن يشترى من السلطان ما يأخذه باسم المقاسمة واسم الزكاة من ثمرة وحبوب ونعم ، وإن لم يكن مستحقا له.

الرابعة : لو دفع اليه مالا ليصرفه في المحاويج وكان منهم ، فلا يأخذ منه إلّا بإذنه على الأصح (١) ولو أعطى عياله جاز إذا كانوا بالصّفة ، ولو عيّن له لم يتجاوز.

______________________________________________________

أقول : يريد بجواز أخذ الأجرة أو الجعالة على تولّي إيقاع عقد النكاح ، بأن يكون وكيلا لأحد الزوجين. أمّا تلقين الصيغة وإلقاؤها على المتعاقدين ، فلا ، لأنّ ذلك من باب تعليم الأحكام الشرعية الواجب من باب الحسبة ، ولا يجوز أخذ الأجرة على الواجب.

قال طاب ثراه : لو دفع إليه مالا ليصرفه في المحاويج وكان منهم ، فلا يأخذ منه إلّا ب إذنه على الأصح.

أقول : قال الشيخ في النهاية : يجوز أن يأخذ مثل ما يعطى غيره (١) ومنع في المبسوط (٢) ولابن إدريس مثل القولين ، فأجاز في المكاسب (٣) ومنع في الزكاة (٤)

__________________

(١) النهاية : باب المكاسب المحظورة والمكروهة والمباحة ص ٣٦٦ س ٥ قال : وأمّا ما هو مباح ، فمن ذلك إذا أعطى الإنسان غيره شيئا ليضعه في الفقراء الى أن قال : جاز له أن يأخذ منه مثل ما يعطى غيره إلخ.

(٢) المبسوط : ج ٢ ، كتاب الوكالة ص ٤٠٣ س ٤ قال : إذا وكله في تفرقة ثلثه في الفقراء والمساكين لم يجز أن يصرف الى نفسه منه شيئا وان كان فقيرا مسكينا إلخ.

(٣) السرائر : باب ضروب المكاسب ص ٢٠٨ س ٢٦ قال : ومن المباح إذا أعطى الإنسان غيره شيئا ليضعه في الفقراء وكان هو محتاجا إلى شي‌ء من ذلك جاز له أن يأخذ منه إذا كان مستحقا ومن أهله مثل ما يعطى غيره إلخ.

(٤) السرائر : كتاب الزكاة ، باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى منها ص ١٠٧ س ٢٤ قال : وروي

٣٥٣

الخامسة : جوائز الظالم محرمة إن علمت بعينها ، وإلّا فهي حلال.

السادسة : الولاية من العادل جائزة ، وربما وجبت ، وعن الجائر محرمة إلّا مع الخوف ، نعم لو تيقّن التخلّص من المآثم والتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحبت. ولو أكره لا مع ذلك أجاب دفعا للضرر وينفذ أمره ولو كان محرفا ، إلّا في قتل المسلم.

______________________________________________________

وكذا المصنف فإنه منع في النافع (١) وأجاز في الشرائع (٢) واختار العلامة المنع (٣) لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو مساكين ، وهو محتاج أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال : لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه (٤) وهي مقطوعة ، وفصّل بعض الناس فقال : إن كان المالك قال له : اصرف هذا إذا أخرجه ، لم يجز ، وإن قال له : ضعه جاز ، وليس بشي‌ء ، والعلامة في المختلف قال مسألة : من دفع الى غيره مالا ليضعه في المحاويج (٥) فجعل موضوع المسألة ، الوضع ، فلا تفاوت بين اللفظين.

__________________

انّ من أعطى غيره زكاة الأموال ليفرّقها على مستحقيها وكان مستحقا للزكاة جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره الى أن قال : والأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية إلخ.

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) الشرائع : كتاب التجارة ، مسائل ، الثالثة ، قال : وإن أطلق جاز أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة.

(٣ و ٥) المختلف : كتاب التجارة ص ١٦٥ س ٩ قال : مسألة من دفع مالا إلى غيره ، ليضعه في المحاويج الى أن قال : والأقرب ما ذكره في المبسوط.

(٤) التهذيب : ج ٦ (٩٣) باب المكاسب ص ٣٥٢ الحديث ١٢١.

٣٥٤

الفصل الثاني : في البيع وآدابه

أمّا البيع : فهو الإيجاب والقبول اللذان تنتقل بهما العين المملوكة من مالك الى غيره بعوض مقدّر.

وله شروط :

الأول : يشترط في المتعاقدين كمال العقل والاختيار ، وأن يكون البائع مالكا أو وليّا كالأب والجدّ للأب والحاكم وأمينه والوصيّ ، أو

______________________________________________________

الفصل الثاني : في البيع وآدابه

أمّا البيع فهو الإيجاب والقبول اللّذان تنتقل بهما العين المملوكة من مالك إلى غيره بعوض مقدّر.

فقوله : (الإيجاب والقبول) كالجنس ، ويخرج بهما انتقال عين لا بإيجاب وقبول ، كالإرث وكالعين المأخوذة بالشفعة ، ويشمل سائر العقود ، والبواقي كالفصول يخرج غير البيع من العقود ، فقوله : «اللذان ينتقل بهما العين» احترازا عن إيجاب وقبول لا يوجبان نقل عين ، بل يملكان ولاية كالوصية والنكاح ، أو نقل منفعة كالإجارة ، وقوله : «المملوكة» احترازا من انتقال عين غير مملوكة بإيجاب كالوصية بالكلب على القول بعدم بيعه ، وقوله «بعوض مقدّر» احترازا عن انتقال عين مملوكة بعوض غير مقدّر كالهبة التي شرط فيها مطلق العوض.

هذا مفهوم الحدّ ، وفيه نظر ، لأنّه يدخل فيه الهبة التي شرط فيها عوض مقدّر ، فلا بدّ من ضمّ قيد ، وهو قوله : بعوض مقدّر لازم له ، أي لماهية العقد ، فانّ التقدير في الهبة ليس من لوازمه ، وهو من لوازم عقد البيع.

٣٥٥

وكيلا. ولو باع الفضولي فقولان : أشبههما : وقوفه على الإجازة.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو باع الفضولي فقولان : أشبههما : وقوفه على الإجارة.

أقول : وقوف العقد على الإجازة مذهب المفيد (١) والشيخ في النهاية (٢) وابن حمزة (٣) وأبي علي (٤) واختاره المصنف (٥) والعلامة (٦).

وقال في المبسوط (٧) والخلاف يقع باطلا (٨) وتبعه ابن إدريس (٩).

احتج الأوّلون : بأنّه بيع صدر من أهله في محله ، فكان صحيحا. أمّا صدوره من أهله؟ فلصدوره من بالغ عاقل مختار ، وجامع هذه الصفات ، أهل للإيقاعات. وأمّا كونه في محلّه؟ فلوقوعه على عين يصح تملّكها وينتفع بها ، قابلة للنقل من مالك إلى غيره. وأمّا الصحة فلثبوت المقتضى السالم عن معارضة كون الشي‌ء غير

__________________

(١) المقنعة : باب اجازة البيع وصحته وفساده ص ٩٤ س ١٧ قال : ومن باع ما لا يملك بيعه كان البيع موقوفا على اجازة المالك له أو إبطاله إيّاه إلخ.

(٢) النهاية : باب الشرط في العقود ص ٣٨٥ س ٢ قال : فان باع ما لا يملك كان البيع موقوفا على صاحبه ، فإن أمضاه مضى إلخ.

(٣) الجوامع الفقهية ، الوسيلة : ص ٧٠٧ فصل في بيان بيع الفضولي ، قال : فاذا باع كان البيع موقوفا ، فان أجازه مالكه صحّ إلخ.

(٤) المختلف : كتاب التجارة ص ١٧٠ س ١٥ قال : مسألة شرط لزوم البيع ، الملك الى أن قال : وهو مذهب ابن الجنيد الى قوله لنا أنّه بيع صدر من أهله في محلّه فكان صحيحا إلخ.

(٥) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٦) المختلف : كتاب التجارة ص ١٧٠ س ١٥ قال : مسألة شرط لزوم البيع ، الملك الى أن قال : وهو مذهب ابن الجنيد الى قوله لنا أنّه بيع صدر من أهله في محلّه فكان صحيحا إلخ.

(٧) المبسوط : ج ٢ ، كتاب الوكالة ص ٣٩٧ س ١٤ قال : إذا أعطاه دينارا وقال : اشتر به شاة فاشترى به شاتين الى أن قال : فالظاهر أنّ الشراء لم يلزم الموكل إلخ.

(٨) الخلاف : كتاب الوكالة ، مسألة ٢٢ وفيه فان الشراء يلزم الموكل فيكون الشاتان له الى أن قال : دليلنا ان شراء الشاتين وقع للموكل بماله وقد بيّنا أن عقد الوكيل للموكل فيجب أن يكون شراؤهما إلخ وهذا خلاف ما قاله في المبسوط وفي المختلف ص ١٧٠ س ١٧ نسب بطلان الفضولي إلى الخلاف والمبسوط حيث قال : وقال في الخلاف والمبسوط يقع باطلا غير موقوف على الإجازة إلخ وهو كما ترى.

٣٥٦

ولو باع ما لا يملكه مالك كالحرّ وفضلات الإنسان والخنافس والديدان لم ينعقد. ولو جمع بين ما يملك وما لا يملك في عقد واحد كعبده وعبد غيره ، صحّ في عبده ، ووقف الآخر على الإجازة. أمّا لو باع العبد والحرّ ، أو الشاة والخنزير صحّ فيما يملك وبطل في الآخر ويقومان ، ثمَّ يقوّم أحدهما ويسقط من الثمن ما قابل الفاسد.

الثاني : الكيل أو الوزن أو العدد ، فلو بيع ما يكال أو يوزن أو يعد لا كذلك ، بطل. ولو تعسر الوزن أو العدد اعتبر مكيال واحد بحسابه ، ولا يكفي مشاهدة الصبرة ولا المكيال المجهول ، ويجوز ابتياع جزء مشاع بالنسبة من معلوم ، وإن اختلفت أجزاؤه.

الثالث : لا تباع العين الحاضرة إلا مع المشاهدة أو الوصف. ولو

______________________________________________________

مملوك للعاقد ، فان ذلك غير صالح لمانعية صحة العقد ، لأنّ المالك لو أذن له قبل العقد صحّ ، فكذا بعده ، إذ لا فارق. ولما رواه عروة بن الجعد البارقي : انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أعطاه دينارا ليشتري به شاة ، فاشترى شاتين به ، ثمَّ باع أحدهما بدينار في الطريق قال : فأتيت النبي صلّى الله عليه وآله بالدينار والشاة فأخبرته ، فقال : بارك الله لك في صفقة يمينك (١) احتجّ المانعون بوجهين :

(أ) أنه غير مقدور على تسليمه ، فهو كبيع الآبق والطير في الهواء.

(ب) رواية عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : لا طلاق إلّا فيما يملك ، ولا عتق إلّا فيما يملك ، ولا بيع إلّا فيما يملك (٢) ونفي البيع عن غير الملك ، ونفي الحقيقة غير ممكن فيحمل على أقرب المجازات وهو نفي الصحة.

__________________

(١) عوالي اللئالى : ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٥ الحديث ٣٦ ولا حظ ما علق عليه.

(٢) عوالي اللئالى : ج ٣ باب التجارة ص ٢٠٥ الحديث ٣٧.

٣٥٧

كان المراد طعمها أو ريحها ، فلا بدّ من اختبارها إذا لم يفسد به ولو بيع ولمّا يختبر فقولان : أشبههما الجواز (١) وله الخيار لو خرج معيبا ، ويتعيّن الأرش بعد الإحداث فيه. ولو أدّى اختباره إلى إفساده كالجوز والبطيخ

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولو بيع ولمّا يختبر ، فقولان : أشبههما الجواز.

أقول : المبيع إمّا أن يمكن اختاره من غير إفساد له كاللبن والسيلان ، أو لا يمكن إلّا بعد إفساد كالبيض والبطيخ ، فهنا قسمان :

الأوّل : ما يمكن اختباره. شرط لزوم العقد فيه اختباره ، وهل هو شرط الصحة؟

قال الشيخان : نعم (١). وبه قال سلار (٢) والتقي (٣) والقاضي (٤) وابن حمزة (٥) ولابن إدريس هنا اضطراب (٦) واختار المصنف (٧) والعلامة الصحة (٨) ويكون

__________________

(١) المقنعة : باب بيع ما يمكن معرفته بالاختبار ص ٩٥ س ٩ قال : وما لا يمكن اختباره الّا بإفساده إلى أن قال : فإنه لا يصح بيعه بغير اختبار له وفي النهاية : باب بيع الغرر والمجازفة وما يجوز بيعه وما لا يجوز ص ٤٠٤ س ٧ قال : وكل شي‌ء من المطعوم والمشروب يمكن الإنسان اختباره الى أن قال : فان بيع من غير اختبار كان البيع غير صحيح إلخ.

(٢) المراسم : ذكر البيوع ص ١٧١ س ١٥ قال : وأمّا الثاني (أي من الشرائط) الى أن قال : وبيع ما يعرف بالاختبار.

(٣) الكافي : فصل في عقد البيع وشروط صحته وأحكامه ص ٣٥٤ س ١٤ قال : ومن شرط صحة بيع الحاضر اعتبار حال ما يمكن اعتباره الى أن قال : ولا يصح من دون ذلك إلخ.

(٤) لم أعثر عليه في المهذب ، وفي المختلف : في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ٥ وقال ابن البراج : لا يجوز بيعه الّا بعد ان يختبره إلخ.

(٥) الجوامع الفقهية الوسيلة : فصل في بيان الغرر ص ٧٠٦ س ٣٥ قال : وكل ما أمكن اختباره من غير إفساد لم يصح بيعه من غير اختبار إلخ.

(٦) السرائر : باب بيع الغرر والمجازفة ص ٢٣٥ س ٧ قال : وكل شي‌ء من المطعوم والمشروب يمكن الإنسان اختباره الى ان قال : فاذن لا بدّ من شمّه واختباره.

(٧) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٨) المختلف : في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ١٢ قال : والمعتمد أن نقول : البيع صحيح إلخ.

٣٥٨

جاز شراؤه ، ويثبت الأرش لو خرج معيبا ، لا الردّ ، ويرجع بالثمن إن لم يكن لمكسوره قيمة. وكذا يجوز بيع المسك في فأره وإن لم يفتق.

______________________________________________________

الخيار للمشتري إذا خرج معيبا بين الأرش والردّ ، إذا لم يتصرف ، ومعه الأرش خاصة.

الثاني : ما لا يمكن اختباره ، هل يجوز بيعه مطلقا؟ أو لا ، بل بشرط الصحة ، أو البراءة ، الأكثر على الجواز ، ويكون الأصل الصحة ، فإن خرج معيبا من غير تصرف تخيّر بين الردّ والأرش ، ومع التصرف الأرش خاصة ، وهو اختيار المصنف (١) والعلامة (٢) ومنع القاضي من دون الشرطين (٣) وهو ظاهر الشيخين (٤).

فرع

ولا فرق بين الأعمى والمبصر في ذلك ، وقال سلار : تثبت له الخيار وان تصرّف (٥) ، وهو نادر.

__________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٢) المختلف : في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ١٣ قال : وان خرج معيبا كان للمشتري الخيار بين الردّ والأرش.

(٣) المختلف : في الغرر والمجازفة ص ١١١ س ٢٨ قال : وقال ابن البراج ، وأمّا ما لا يمكن اختباره الّا بإفساده ، فلا يجوز بيعه إلّا بشرط الصحة أو البراءة من العيوب إلخ.

(٤) المقنعة : باب بيع ما يمكن معرفته بالاختبار ص ٩٥ س ١٠ قال : وما لا يمكن اختباره الّا بإفساده واستهلاكه كالبيض الى أن قال : فابتياعه جائز على شرط الصحة إلخ. وفي النهاية : باب بيع الغرر والمجازفة ص ٤٠٤ س ١٢ قال : وما لا يمكن اختباره إلّا بإفساده وإهلاكه كالبيض الى أن قال : فابتياعه جائز على شرط الصحة أو البراء من العيوب إلخ.

(٥) المراسم : ذكر ، بيع الأعدال المخرومة والجرب المشدودة ص ١٨٠ س ٩ قال : وأمّا ما يفسده كالبيض الى أن قال : الّا أن يشتريه أعمى فإنه يكون له أرشه أو ردّه.

٣٥٩

ولا يجوز بيع سمك الآجام لجهالته ، ولو ضم اليه القصب على الأصح (١) وكذا اللّبن في الضرع ، ولو ضمّ اليه ما يحتلب منه. وكذا أصواف

______________________________________________________

قال طاب ثراه : ولا يجوز بيع سمك الآجام ، لجهالته ، وإن ضمّ اليه القصب على الأصح.

أقول : ما اختاره المصنف مذهب الشيخ في المبسوط (١) وبه قال ابن إدريس (٢) والجواز مذهبه في النهاية (٣) وبه قال القاضي (٤) وابن حمزة (٥). وفصّل العلامة ، وأجاز البيع إن كان القصب هو المقصود بالبيع والسّمك تابعا ، وعكس مع العكس (٦) والشيخ عوّل على رواية معاوية عن الصادق عليه السّلام قال : لا بأس أن يشتري الإنسان الآجام إذا كان فيها قصب (٧) وفي طريقها ضعف (٨) مع إمكان حملها على تفصيل العلامة.

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ ، فصل في بيع الغرر ، ص ١٥٧ س ٧ قال : السمك في الماء ، لا يجوز بيعه إجماعا ، وروى أصحابنا انه يجوز بيع قصب الآجام مع ما فيها من السمك.

(٢) السرائر : باب بيع الغرر والمجازفة ص ٢٣٣ س ١٧ قال : فان كان فيها شي‌ء من القصب الى أن قال : لم يكن به بأس ثمَّ قال : والاحتياط عندي ترك العمل بهذه الرواية فإنها من شواذ الأخبار إلخ.

(٣) النهاية : باب بيع الغرر والمجازفة ص ٤٠١ س ٤ قال : فان كان فيها شي‌ء من القصب الى أن قال : لم يكن به بأس.

(٤) لم أعثر عليه في المهذب وفي المختلف : ص ٢٠٩ س ٣١ قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : وتبعه ابن البراج.

(٥) الجوامع الفقهيّة ، الوسيلة : ص ٧٠٦ س ٣٠ قال : وجاز بيع ثمرة شجرة إلى أن قال : وبيع ما في الأجمة من السمك إذا أخذ شيئا منها أو مع قصبها وشجرها إلخ.

(٦) المختلف : في الغرر والمجازفة ص ٢٠٩ س ٣٤ قال : والتحقيق أن نقول المضاف إلى السمك إن كان هو المقصود في البيع ويكون السمك تابعا له فالبيع صحيح إلخ.

(٧) التهذيب : ج ٧ (٩) باب الغرر والمجازفة ص ١٢٦ الحديث ٢١.

(٨) سند الحديث كما في التهذيب (الحسن بن محمّد بن سماعة عن محمّد بن زياد عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السّلام).

٣٦٠