المهذّب البارع - ج ٢

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩١

السادسة : إذا كان الصيد مملوكا ، ففداؤه للمالك ، ولو لم يكن مملوكا تصدّق به وحمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه.

______________________________________________________

فاعلم أنّ الفرق بين هذا الإطلاق وبين التفصيل ، أنّ العاجز ينتقل فرضه إلى أكل الميتة ، ولا يجوز له غير ذلك. وعلى الإطلاق يكون الواجب عليه ، الأكل من الصيد مع الفداء ، فمع القدرة عليه يخرجه عن وجهه ، ومع العجز يرجع الى القواعد المقررة ، وهي أنّ هذا الصيد إن كان نعامة انتقل في إبدالها حتى ينتهي إلى ما يلزم العاجز ، وهو الصوم ، وكذا إن كان ظبيا ، أو غيرهما ، فهذا فرق ما بينهما ، فاعرفه.

فالحاصل أنّ في المسألة ثلاثة أقوال :

(أ) الأكل من الميتة من رأس ، وهو الذي قوّاه ابن إدريس (١) وقال الصدوق في المقنع لا بأس به (٢) وهو ظاهر الشيخ في الاستبصار ، حيث قال عند ما أورد رواية عبد الغفار قال سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها ، ووجد صيدا ، قال : يأكل الميتة ويترك الصيد (٣) : هذا محمول على التقية ، أو على من وجد الصيد غير مذبوح فإنّه يأكل الميتة (٤).

(ب) التفصيل

(ج) الأكل من الصيد للقادر ، ولم يذكر حكم العاجز ، والظاهر انه يأكل منه أيضا ، ويكون حكمه الرجوع الى الأصول المقرّرة.

قال طاب ثراه : إذا كان الصيد مملوكا ففداؤه للمالك ، ولو لم يكن مملوكا تصدّق به. وحمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه.

__________________

(١) تقدم نقله آنفا.

(٢) هذه الجملة في من لا يحضره الفقيه ، لا حظ الفقيه : ج ٢ (١١٩) باب ما يجب على المحرم في أنواع ما يعيب من الصيد ص ٢٣٥ س ١٦.

(٣) الاستبصار : ج ٢ (١٣٥) باب من اضطر إلى أكل الميتة والصيد ص ٢١٠ الحديث ٥.

(٤) الاستبصار : ج ٢ (١٣٥) باب من اضطرا إلى أكل الميتة والصيد ص ٢١٠ ذيل الحديث ٥.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

لفت نظر أيضا

لما كانت النسخ في شرح عبارة المصنف مختلفة ، فلتتميم الفائدة تنقل ما فيها برمّتها.

ففي نسخة (ألف) وهي المختارة هكذا :

أقول : الصيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

الأوّل : حمام الحرم ، ويشترى بفدائه علف لحمامه.

الثاني : غيره ممّا ليس بمملوك ، ويتصدّق به على الفقراء.

الثالث : المملوك ، وفيه بحثان :

(البحث الأول) كيف يتصور الملك؟

فنقول : يتصور ملك الصيد في ثلاث صور : (١) (أ) أن يكون الصيد في الحلّ ومالكه محلّ.

(ب) أن يكون من القماري والدباسي ، سواء كانت في الحلّ أو الحرم ، وسواء كان مالكها محلا أو محرما.

(ج) على القول بملك والصيد للمحلّ في الحرم وان وجب إرساله.

(البحث الثاني) فيما يترتب على ذلك من الفروع.

(أ) هذا الحكم ، أي كون فداء المملوك لصاحبه ، عام في جميع الأقسام حتى المحرم في الحرم.

(ب) هل التضمين هنا للمالك من باب ضمان المالية ، أو من قبيل الكفّارات ، أو هما باعتبارين؟ الأظهر انه من قبيل الكفارات.

__________________

(١) وفي نسخة (ب) يتصور ملك الصيد في أربع صور ، ثمَّ قال (د) أن يكون الصيد في الحرم ومالكه محل وان وجب إرساله.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) حكم كفارة الصيد وجوب الفدية بتمامها على كلّ واحد من المشاركين فيه ، وفي ضمان المالية يلزم كل واحد من الجماعة بقسطه ، فهل يكون الجميع للمالك هنا ، أو يكون له قيمة واحدة والباقي صدقة فيه احتمالان ، الأوّل ، لعموم النص بكون فداء المملوك لصاحبه ، والثاني ، لعدم ضمان ما زاد للإنسان بتلف ما فوت عليه.

(د) الصيد يضمن بالإشارة والدلالة ، وفي الضمان الماليّ لا يلزم ذلك ، فهل يلحق هنا الضمان للمالك بالضمان الماليّ ، أو بضمان الصيد؟ يحتمل الأوّل ، لأنّه ضمان ماليّ لآدمي ، ويحتمل الثاني لعموم النص بكون الضمان في الصيد إذا كان مملوكا لصاحبه ، وفعلى الأوّل يكون الفداء صدقة وعلى الثاني للمالك.

(ه) لو ضرب بطير على الأرض في الحرم ، وجب دم وقيمتان ، أو ثلاث قيم على الخلاف ، فهل يكون الجميع للمالك؟ أو يختص بقيمة واحدة والباقي صدقة؟

احتمالان ، والأقرب وجوب قيمة واحدة له ، والباقي صدقة.

(و) لو كان الجاني معسرا ، هل يضمن القيمة للمالك؟ ويضرب بها مع الغرماء ، أو ينتقل فرضه الى الصوم ويضرب المالك مع الغرماء ، فيجتمع عليه البدل والمبدل ، ويلزم الجاني بالصوم ، الثاني أولى. ولو كان الجاني عبدا حج بإذن سيّده ، تبعه المالك بعد العتق ، والزم بالصوم على الثاني ، ويحتمل التبعية بعد العتق خاصة.

(ز) لو زاد الفداء عن القيمة السوقية ، أو نقص ، فهل يكون للمالك بالغا ما بلغ؟ ولا يلزم الجاني بالنقصان؟ يحتمل ذلك للعموم ، والأقرب ضمانه للمالك بأكثر الأمرين ، من المقدّر الشرعي والقيمة السوقية ، ويحتمل في طرف الزيادة كون السوقية للمالك وما زاد صدقة ، وكذا البحث فيما فيه الفداء والقيمة ، فهل يكونان للمالك ، أو السوقية خاصة ، والباقي صدقة؟ يحتمل الأوّل لعموم النص ، والثاني

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لأنّ الزيادة من قبيل الكفارات ، فلا يستحقها المالك ، قال الشهيد : والأقرب جزاء وقيمة للمالك ، فعلى ما يجب جزاء لله تعالى (١) وفيه نظر لأصالة البراءة.

(ح) لو كانت الجناية على بيض الصيد قبل التحرك ، هل يضمن قيمة البيض للمالك؟ أو يكون عليه الإرسال فما نتج هدي للمالك؟ أو يضمن للمالك أكثر الأمرين؟ يحتمل الأوّل لثبوت ضمان المالية للآدمي كذلك ، والثاني للعموم ، ويحتمل الثالث لأنّ حق الآدمي مبني على الاحتياط ، والكلّ مشكل.

(ط) لو اجتمع الدال والقابل ، وجب على كلّ منهما فدية وكان حكمه حكم المتشاركين في الاحتمالين المتقدم ، والأشبه اختصاص المالك بواحدة والثاني صدقة.

هذا تمام الكلام في نسخة (ألف) و (ب).

وفي نسخة (ج) ما يأتي.

أقول : الصيد ينقسم إلى ثلاثة :

الأوّل : حمام الحرم ويشترى بفدائه علف لحمامه.

الثاني : غيره ممّا ليس بمملوك ويتصدّق به على الفقراء.

الثالث : المملوك ، وفيه بحثان :

(الأوّل) كيف يتصوّر الملك؟

فنقول : يتصور ملك الصيد في أربع صور :

(أ) أن يكون الصيد في الحل ومالكه محلّ.

(ب) أن يكون من القماري والدباسي ، سواء كانت في الحل أو الحرم ، وسواء كان مالكها محلا أو محرما.

__________________

(١) الدروس : ص ١٠٢.

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) على القول بملك الصيد للمحرم.

(د) أن يكون الصيد في الحرم ومالكه محلّ وان وجب إرساله.

(البحث الثاني) في كيفية الضمان ، فنقول : عبارة المصنف في كتابيه ، ولو كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه (١) ومثلها عبارة العلامة في المعتمد (٢) والإرشاد (٣) ، وفي القواعد ، وفداء المملوك لصاحبه وان زاد على القيمة على اشكال (٤) قال فخر المحققين في شرحه : ينشأ من عموم وقولهم : وفداء المملوك لصاحبه ، ومن أنّ المضمون للمالية المحضة انما هو القيمة ، فيتصدّق بالزائد والأقوى انه للمالك ، هذا آخر كلامه (٥) والمعتمد ما قاله الشيخ في المبسوط : وعبارته : ولو كان الصيد مملوكا فعليه الجزاء لله والقيمة للمالك (٦) ومثلها عبارة التحرير (٧) والشهيد في دروسه قال : ولو كان الصيد مملوكا فعليه الجزاء لله والقيمة للمالك.

وفي القماري في الحرم نظر ، أقربه وجوب جزاء وقيمة للمالك ، فعلى هذا يجب جزاء آخر لله تعالى أيضا ، ولو قيل بالمساواة بين الحرمي وغيره هنا كان قويا ، هذا آخر كلامه (٨) وفي تمثيله بالقماري نظر ، لأنه يوهم انحصار الفرض فيهما وقد عرفت

__________________

(١) لاحظ عبارة المختصر النافع ، وفي الشرائع : الفصل الرابع في التوابع ، قال : وإذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه.

(٢) لم أعثر عليه.

(٣) الإرشاد : المطلب الرابع في الكفارات قال : وفداء المملوك لصاحبه (مخطوط).

(٤) القواعد : البحث الثالث في اللواحق ، مسائل ص ٩٨ س ٨ قال : وفداء المملوك لصاحبه إلخ.

(٥) إيضاح الفوائد : ج ١ ، في اللواحق ص ٣٤٣ س ٦ قال : أقول : منشأه من عموم قولهم إلخ.

(٦) المبسوط : ج ١ فصل في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة بما يفعله ص ٣٤٦ س ٩ قال : وإذا قتل المحرم صيدا مملوكا لغيره لزمه الجزاء والقيمة لصاحبه.

(٧) التحرير : الفصل الثاني فيما يجب على المحرم من الكفارة ص ١١٥ قال : (و) يجب الجزاء بقتل الصيد المملوك لله تعالى والقيمة للمالك.

(٨) الدروس : كتاب الحج ص ٩٩ س ٢١ قال : ولو كان الصيد مملوكا فعليه الجزاء لله والقيمة للمالك إلخ.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

إمكان تصوره في غيرها.

فقد تحصل من عبارة المصنف والعلامة : ان فداء المملوك لصاحبه ثمَّ فرّع العلامة ما لو كان الفداء زائدا عن القيمة ، هل يعطى المالك الزيادة ، أو يتصدّق بها. وأمّا الشيخ فأوجب الجزاء لله والقيمة للمالك وتابعه في التحرير ، والشهيد فرّع عليه ما لو كان في الحرم واستقرب وجوب جزاء آخر لله ثمَّ قوى الاقتصار على القيمة الواحدة وانه لا فرق بين الحلّ والحرم في ذلك فتبع إطلاق الشيخ.

بقي هنا شي‌ء : وهو أنّ القيمة لو كانت مقدّرة بأصل الشرع كالحمامة ، فإنّ الشرع قدر قيمتها في الحرم بدرهم فلو فرضنا كانت مملوكة وهي في الحرم وكان الدرهم زائدا عن قيمة السوق ، أو ناقصا ، هل يعطاه المالك؟ الأقرب اعتبار أكثر الأمرين من المقدّر الشرعي وقيمة السوق ، وأمّا وجوب الزائد عن المقدّر الشرعي لو نقص عن القيمة ، فقضية لضمان المالية ، وأمّا دفع الزائد عنها ، فلأنّه المقدّر الشرعي ، وقد نصّ على كونه للمالك ، وعلى هذا يحتمل قول القواعد.

تذنيب

الحق وجوب الجزاء لله والقيمة للمالك ، فلو تعددت القيمة ، أو الفداء ، أو هما ، لا يجب للمالك أكثر من واحدة والباقي صدقة. فلو اجتمع الحافر (الجاعل خ ل) والدالّ ، والممسك والذابح والآكل ، فعلى كلّ واحد فداء ، فان كانوا في الحلّ فقيمة واحدة للمالك يتوزّعونها بالسوية ، وان كانوا في الحرم فعلى كل واحد فداء وقيمة بكمالها ، فان لم نفرق بين الحلّ والحرم كانت واحدة منها للمالك والبواقي صدقة ، وان فرقنا وجبت اخرى للمالك موزّعة. ولو ضرب طيرا على الأرض في الحرم ، الزم دما وقيمتين ، إحداهما للمالك ، ويحتمل على ما استقر به الشهيد كون القيمتين صدقة ووجوب ثالثة للمالك ، ولو كانت الجناية على بيض الصيد قبل

٢٦٦

السابعة : ما يلزم المحرم يذبحه أو ينحره بـ «منى» ولو كان معتمرا فب «مكّة».

الثامنة : من أصاب صيدا فداؤه شاة ، فان لم يجد أطعم عشرة مساكين ، فان عجز صام ثلاثة أيام في الحج.

ويلحق بهذا الباب صيد الحرم ، وهو بريد في بريد.

______________________________________________________

التحرك ، وجب الإرسال لله والقيمة للمالك. ولو قتل في الحرم وأكل فيه ، وجب فداء المقتول وقيمة للحرم ، وهل تدفع الى المالك ، أو يتصدّق بها وتجب اخرى؟ فيه الاحتمالان.

قال طاب ثراه : من أصاب صيدا فداؤه شاة ، فان لم يجد أطعم عشرة مساكين ، فان عجز صام ثلاثة أيام في الحج.

أقول : قال العلامة عند ما حكى قول القاضي : إنّ من وجبت عليه شاة ولم يقدر عليها قوّمها وفضّ ثمنها على البر وأطعم عشرة مساكين ، كل مسكين نصف صاع ، فان زاد على ذلك لم يلزمه غيره وان نقص لم يجب عليه أكثر منه ، فان لم يقدر على ذلك صام عن كل نصف صاع يوما ، فان لم يقدر صام ثلاثة أيام ، وحكم الحمل والجدي يجري هذا المجرى ، مع انه عدّ أشياء كثيرة تجب فيها الشاة فان قصد جميع ذلك فهو في موضع المنع ، إذ الابدال انما يجب في الظبي والثعلب والأرنب على اشكال وكذا فيما يوجب البدنة والبقرة (١) وهذا يدلّ على عدم اختياره لإطّراد هذه القاعدة ، والمصنف أجراها في النافع على قول القاضي وزاد بقوله (في الحج) (٢).

__________________

(١) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١٠٣ س ١٦ قال : قال ابن البراج : إذا وجب عليه شاة إلخ.

(٢) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٢٦٧

من قتل فيه صيدا ضمنه ولو كان محلا ، وهل يحرم وهو يؤم الحرم؟ الأشهر الكراهية ، ولو أصابه فدخل الحرم ومات ، لم يضمن على أشهر الروايتين (١)

ويكره الصيد بين البريد والحرم ، ويستحب الصدقة بشي‌ء لو كسر قرنه أو فقأ عينه. والصيد المربوط في الحل يحرم إخراجه لو دخل الحرم. ويضمن المحلّ لو رمى الصيد من الحرم فقتله في الحلّ ، وكذا لو رماه من الحلّ فقتله في الحرم. ولو كان الصيد على غصن في الحل وأصله في الحرم ضمنه القاتل. ومن أدخل الحرم صيدا وجب عليه إرساله ، ولو تلف في يده ضمنه ، وكذا لو أخرجه فتلف قبل الإرسال. ولو كان طائرا مقصوصا حفظه حتى يكمل ريشه ثمَّ أرسله وفي تحريم حمام الحرم في الحل تردد ، أشبهه الكراهية.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وهل يحرم وهو يؤم الحرم ، الأشهر الكراهية ، ولو اصابه فدخل الحرم ومات فيه لم يضمن على أشهر الروايتين.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية إلى التحريم ووجوب الفدية (١) ومنعها ابن إدريس (٢) واختاره المصنف (٣) والعلامة (٤) والروايات بالوجهين (٥).

قال طاب ثراه : وفي تحريم حمام الحرم في الحل تردد ، أشبهه الكراهية.

__________________

(١) النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله ص ٢٢٨ س ٥ قال : ولا يجوز لأحد أن يرمي الصيد والصيد يؤم الحرم الى أن قال : وعليه الفداء.

(٢) السرائر : باب ما يلزم المحرم عن جناياته ص ١٣٣ س ١٤ قال بعد نقل قول الشيخ : وهذا غير واضح ، والأطهر إلخ.

(٣) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٤) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١٠٨ س ٢٢ قال بعد نقل قول ابن إدريس : وهو المعتمد.

(٥) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطأ المحرم ص ٣٥٩ الحديث ١٦٢ الى ١٦٥.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : المشهور عند علمائنا انّ الموجب لتحريم الصيد البرّي أمران : الإحرام والحرم ، فما كان من الصيد في الحلّ لا يحرم على المحلّ مطلقا ، أي سواء كان من الطير أو الوحش ، من أيّ أنواع الصيد كان.

وفرق بين حمام الحرم وغيره من ثلاثة أوجه :

(أ) التحريم حيث كان ، وهو مذهب الشيخ في أحد قوليه (١) وللعلامة مثل القولين (٢) ، لأنّ للحرم حرمة ليست لغيره ، فيناسب تحريم الملتجئ اليه ، وان خرج عنه بحيث صار منسوبا إليه ، للآية (٣) ولصحيحة علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى عليه السّلام عن حمام الحرم يصاد في الحلّ؟ فقال : لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم (٤) وقال في كتابي الفروع في كتاب الأطعمة بالجواز (٥) وهو مذهب ابن إدريس (٦) للأصل واختاره المصنف (٧).

(ب) في تقدير فدية حمام الحرم ، إذا قتل حيث منع منه ، قال التقي : في كلّ

__________________

(١) النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة فيما يفعله ص ٢٢٤ س ٥ قال : ولا يجوز صيد حمام الحرم وان كان في الحلّ.

(٢) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١٠٦ س ٢٤ قال بعد نقل الأقوال : والأولى الأوّل ، أي عدم الجواز.

(٣) المائدة : ٩٦.

(٤) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطأ المحرم ص ٣٤٨ الحديث ١٢٢.

(٥) المبسوط : ج ٥ كتاب الصيد والذبائح ص ٢٧٥ س ١ قال : إذا قتل المحل صيدا في الحلّ فلا جزاء عليه إلخ وفي الخلاف : كتاب الصيد والذبائح مسألة ٢٩ قال : إذا قتل المحل صيدا في الحل فلا جزاء عليه.

(٦) السرائر : باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ص ١٣١ س ٢٣ قال : وقد روي انه لا يجوز صيد حمام الحرم الى أن قال : والأصل الإباحة إلخ.

(٧) لاحظ عبارة المختصر النافع.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

حمامة من حمام الحرم شاة وفي فرخها حمل وفي بيضها درهم ، وفي حمامة الحلّ درهم وفي فرخها نصف درهم وفي بيضها ربع درهم (١) وأطبق الباقون على التسوية ، اللهمّ إلّا أن يكون قصده بحمامة الحرم ، ما وجد في الحرم ، وبحمامة الحلّ ما قتل في الحلّ ، لكن يضاف الأوّل كون القاتل له محرما ، وحينئذ يضاف الى ما ذكره القيمة ، وهي درهم في الحمامة ، ونصف في الفرخ ، وربع في البيضة ولم يذكره. وان كان القاتل في الحرم غير محرم فإنه يكون عليه القيمة. وقدّرها الشرع بدرهم في الحمامة ونصف في فرخها وربع في بيضها ، لا الشاة والحمل ، فعبارته على كلّ تقدير غير خالية من خلل.

(ج) قيمة الحمام لمالكه إن كان له مالك ، إمّا في الحلّ أو مطلقا على الخلاف. وغير المملوك صدقة ، وقيمة حمام الحرم يشترى بها علف لحمامه وعليه الأكثر ، ومستنده ما رواه زياد الواسطي (٢) وفي رواية حمّاد بن عثمان : وليكن قمحا (٣) وخيّر في رواية فضيل بين الصدقة وشراء العلف (٤). وكذا البيض يشتري به العلف على رواية يزيد بن خليفة (٥).

__________________

(١) الكافي : الحج ، واما كفارة ما يأتيه المحرم ص ٢٠٦ س ٣ قال : وفي كل حمامة إلخ.

(٢) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣٥٠ الحديث ١٣٠ قال : عليهم قيمة كل طائر درهم يشتري به علفا لحمام الحرم.

(٣) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣٥٣ الحديث ١٤١ قال : يشترى بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ (٦٥) باب تحريم صيد الحرم وحكمه ص ١٦٧ الحديث ٤ و (١١٩) باب ما يجب على المحرم في أنواع ما يصيب من الصيد ص ٢٣٣ الحديث ٨ والحديث عن محمّد بن الفضيل.

(٥) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣٥٧ الحديث ١٥٤ و ١٥٥.

٢٧٠

ومن نتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة يسلمها بتلك اليد. وما يذبح من الصيد في الحرم ميتة ولا بأس بما يذبح المحلّ في الحلّ. وهل يملك المحلّ صيدا في الحرم؟ الأشبه انّه يملك ويجب إرسال ما يكون معه.

______________________________________________________

فائدة

الأصل في حمام الحرم ما روي عن علي بن الحسين عليهما السّلام انه نظر الى حمام مكة فقال : أتدرون ما سبب كون هذا الحمام في الحرم؟ قالوا : وما هو يا ابن رسول الله؟ قال : كان في أوّل الزمان رجل له دار فيها نخلة قد آوى الى خرق من جذعها حمام فاذا أفرخ صعد الرجل فأخذ فراخه فذبحها ، فأقام كذلك دهرا طويلا لا يبقى له نسل ، فشكى ذلك الحمام الى الله عزّ وجلّ ما ناله من الرجل ، فقيل له : إن رقى إليك بعدها فأخذ لك فرخا صرع من النخلة فمات ، فلما كبرت فراخ الحمام رقى اليه الرجل ، ووقف الحمام لينظر الى ما يصنع به ، فلما توسط الجذع وقف سائل بالباب فنزل فأعطاه شيئا ، ثمَّ ارتقى وأخذ الفراخ ونزل بها وذبحها ولم يصبه شي‌ء ، فقال : ما هذا يا رب؟ فقيل : إنّ الرجل تلافى نفسه بالصدقة فدفع عنه ، وأنت فسوف يكثر الله في نسلك ويجعلك وإياهم بموضع لا تهاج منهم شي‌ء الى أن تقوم الساعة ، واوتي به الى الحرم فجعل فيه (١).

قال طاب ثراه : وهل يملك المحلّ صيدا في الحرم؟ الأشبه انّه يملك ويجب عليه إرسال ما يكون معه.

أقول : هذا هو المشهور لا اعرف فيه مخالفا ، وذهب المصنف في الشرائع إلى انّه لا يملك (٢) اما المحرم فموضع الإشكال.

__________________

(١) عوالي اللئالى : ج ٣ باب الحج ص ١٧٧ الحديث ١٠٤ ولا حظ ما علق عليه.

(٢) الشرائع : كتاب الحج ، الفصل الرابع في التوابع ، قال : ولا يدخل الصيد في ملك المحرم باصطياد ولا بابتياع إلخ.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

وتحرير البحث فيه أن نقول : لا يجوز للمحرم إمساك الصيد إجماعا ، بل يجب عليه إرسال ما يكون معه. وهل ينافي ملكه فيخرج بالإحرام ما كان مملوكا له ، ولا يدخل بميراث وشبهه أو يدخل ويجب إرسال الحاضر منه؟ تحقيق البحث فيه يقع في أربع مسائل :

(أ) إذا أحرم ومعه صيد وجب إرساله سواء كان في الحرم أو في الحل ، ولو تلف قبل إرساله ضمنه ، وهو إجماع ، ولقول الصادق عليه السّلام : لا يحرم واحد ومعه شي‌ء من الصيد حتى يخرجه من ملكه (١) فقد دلّ هذا الحديث على وجوب تفريغ اليد منه قبل الإحرام كيلا يضمنه بعد إحرامه ، وفي ضمانه له بعد إحرامه دليل على خروجه عن ملكه ، وحينئذ لو كان في الحلّ ملكه من أثبت يده عليه ، ولو أحلّ المالك قبل ذلك لم يعد الى ملكه الّا بسبب جديد.

(ب) ما كان نائيا عنه لا يخرج عن ملكه ، لأصالة بقاء الملك وله نقله عنه ببيع أو هبة أو غيرهما ، ولأنّ جميلا سأل الصادق عليه السّلام ، الصيد يكون عند الرّجل من الوحش في أهله ، أو من الطير ، فيحرم (يحرم خ ل) وهو في منزله قال : لا بأس لا يضره (٢).

(ج) هل يدخل في ملكه الموروث؟ قال العلامة : الأقرب نعم ويزول ملكه عنه عقيب ثبوته إن كان حاضرا ويجب إرساله ، ولو كان نائيا عنه استقر ملكه (٣) وهو الذي قوّاه الشيخ في المبسوط (٤) ولو قلنا بعدم دخول الموروث ، ملكه باقي الورثة

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣٦٢ قطعة من حديث ١٧٠.

(٢) الكافي : ج ٤ ، باب النهي عن الصيد وما يصنع به ص ٣٨٢ الحديث ٩.

(٣) التذكرة : ج ١ كتاب الحج ص ٣٥١ س ٤ قال : وهل ينتقل بالميراث؟ الأقرب ذلك إلخ.

(٤) المبسوط : ج ١ فصل في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة ص ٣٤٧ سن ٢١ قال : ويقوى في نفسي انه ان كان حاضرا معه إلخ.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن كانوا أبعد وكان الإحرام بالنسبة إلى الصيد من موانع الإرث ، وينتقل اليه ما عدا الصيد من التركة إن كان أولى ، وقدر نصيبه ان كان مشاركا ، ولو أحلّ قبل قسمة التركة بين شركائه في الميراث شارك في الصيد ، وان أحلّ بعدها فلا شي‌ء له منه ، وإن كان هو أولى من باقي الورثة وكان البعيد واحدا لم يكن له نصيب في الصيد ، ولو كان البعيد متعدّدا وأحلّ بعد قسمة الصيد فكذلك ، والا كان له دون البعيد ، وقيل : يبقى على ملك الميت فاذا حلّ ملكه.

(د) لا يدخل في ملكه ما يبتاع (بابتياع خ ل) ولا هبة ، لأن الصعب بن جثامة أهدى الى رسول الله صلّى الله عليه وآله حمارا وحشيا فردّه وقال : إنّا لم نرده عليك إلّا أنا حرم (١) وسأل الحكم بن عتيبة الباقر عليه السّلام ما تقول في رجل اهدي له حمام أهلي وهو في الحرم في غير الحرم ، فقال : أما إن كان مستويا خليت سبيله (٢) فلو أخذه بأحد هذه الأسباب ضمنه ، ولو اشتراه الوكيل نائبا عنه ، الأظهر انه كالميراث يدخل في ملكه. ويفرق بين التملك الاختياري والاضطراري ، فالأوّل لا يدخل في الملك ، والثاني يدخل ثمَّ يخرج في الحال مع الحضور ، ويستقر مع الغيبة.

وزاد هنا في نسخة (ب) ما يأتي :

وقال الشيخ رحمه الله : يقوى عندي انّه إن كان حاضرا عنده انتقل اليه ويزول ملكه عنه (٣).

وتظهر فائدته في مسائل :

يملك البائع الثمن على قول الشيخ ، ولا يملك على الأوّل.

لو قتله قاتل ، فان كان في الحلّ فلا شي‌ء عليه ، وعلى قول الشيخ إن كان

__________________

(١) عوالي اللئالى : ج ٣ ص ١٧٨ الحديث ١٠٨ ولا حظ ما علق عليه.

(٢) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣٤٨ قطعة من حديث ١٢٠.

(٣) المبسوط : ج ١ كتاب الحجّ ص ٣٤٧ س ٢١.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في الحلّ عليه القيمة للمالك.

لو حصل له نماء كان مباحا عند الشيخ ، وللبائع عند الآخر.

لو أمسكه وتلف في يده فعليه الجزاء لله تعالى والقيمة للمالك على قول الشيخ ، وعلى الآخر يكون عليه القيمة والجزاء للمالك.

تذنيب

وكما يخرج الصيد عن الملك بالإحرام كذا يخرج عن ملك المحلّ بدخوله الحرم ، وقيل : يملك وعليه إرساله ، وهو الأظهر ، لعدم المنافاة بين الملك والإرسال.

فروع

لو قتله العبد ضمن القيمة للمالك على الثاني ، والجزاء أو القيمة أو هما لله على الأوّل.

لو حصل له نماء وهو في الحرم كان للمالك على الثاني دون الأوّل.

لو باعه أو اشتراه يملك كل من البائع والمشتري الثمن والمثمن على الثاني خاصة.

لو تلف في يده وقلنا بزوال الملك فعليه القيمة للفقراء ، وان قلنا بثبوته احتمل قويا عدم الضمان مع الإثم ، وكذا لو قتله.

لو خرج هذا الصيد عن الحرم جاز للغير تملكه على الأوّل ، لأنّه صيد في الحلّ ، وعلى الثاني لا يملكه وعليه ردّه على المالك.

لو خرج كل من الصيد والمالك إلى الحلّ لم يعد الملك إلّا بأحد الأسباب المملوكة على الأوّل وعلى الثاني لا يحتاج إلى سبب.

لو جنى على الصيد أو على شي‌ء من أطرافه بما يوجب الأرش ، كان الأرش

٢٧٤

الثالث : في باقي المحظورات ، وهي تسعة :

الاستمتاع بالنساء ، فمن جامع أهله قبل أحد الموقفين ، قبلا أو دبرا ، عامدا عالما بالتحريم ، أتمّ حجّه ولزمه بدنة والحجّ من قابل ، فرضا كان حجّه أو نفلا. وهل الثاني عقوبة؟ قيل : نعم ، والاولى فرضه ، وقيل : الأولى فاسدة والثانية فرضه ، والأوّل هو المرويّ. (١) ولو أكرهها وهي محرمة حمل عنها الكفارة ولا حج عليها في القابل. ولو طاوعته لزمها ما يلزمه ولم يتحمل عنها كفارة. وعليهما الافتراق إذا وصلا موضع الخطيئة حتى يقضيا المناسك ، ومعناه ألّا يخلوا إلّا مع ثالث. ولو كان ذلك بعد الوقوف بالمشعر لم يلزمه الحج من قابل وجبره ببدنة.

______________________________________________________

للمالك على الثاني وعلى الأول على الجاني الصدقة إن كان في الحرم ولا شي‌ء في الحل.

لو مات المالك والصيد في الحرم ، كان تركة ، فان اتّفق خروجه قضى منه الدين وليتبع به الوصايا.

لو كان مرهونا وهو في يد المالك فدخل به الحرم بطل الرهن ، فيتخيّر المرتهن بين فسخ البيع بالمشروط به على الأوّل ، وعلى الثّاني يتخيّر أيضا بين الفسخ والبقاء على الرهن.

(١٠) لو اشتراه ثمَّ فلس بعد دخول الحرم ، ضرب المالك بالثمن على الأوّل ، ويتخيّر بين الضرب والرجوع في العين على الثاني وينتظر خروجه من الحرم وله النماء كالبيض وان لم يخرج.

(١١) لو نذر أو أوصى أو وقف على من ملك نوع ذلك الصيد ، استحق على الثاني دون الأوّل.

قال طاب ثراه : وهل الثانية عقوبة؟ قيل : نعم ، والاولى فرضه ، وقيل : الأولى فاسدة والثانية فرضه ، والأوّل مرويّ.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : البحث هنا يقع في مسائل :

الأولى : يفسد الحج بالجماع قبل الوقوف بالمشعر وان وقف بعرفات ، وهو المشهور ، وعليه الشيخ (١) والصدوقان (٢) والقديمان (٣) والقاضي (٤) وابن حمزة (٥) وابن إدريس (٦) واختاره المصنف (٧) والعلامة (٨) وقال المفيد : يفسد إن كان قبل الوقوف بعرفة ، وبعده قبل المشعر عليه البدنة ، وليس عليه الحج من قابل (٩) وبه قال التقي (١٠) وسلار (١١) وللسيد مثل القولين فبالاول قال في الانتصار (١٢)

__________________

(١) النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة ص ٢٣٠ س ٦ قال : وإذا جامع المحرم امرأته متعمّدا قبل الوقوف بالمزدلفة إلخ.

(٢) المختلف : في الاستمتاع ص ١١١ س ٢٧ قال بعد نقل قول الشيخ ، وبه قال شيخنا علي بن بابويه وابنه في المقنع الى أن قال : وهو قول ابن الجنيد الى أن قال : وقال ابن عقيل ، فان جامع قبل أن يشهد الموقفين بطل حجه وعليه بدنة والحج من قابل ، وهو المعتمد.

(٣) المختلف : في الاستمتاع ص ١١١ س ٢٧ قال بعد نقل قول الشيخ ، وبه قال شيخنا علي بن بابويه وابنه في المقنع الى أن قال : وهو قول ابن الجنيد الى أن قال : وقال ابن عقيل ، فان جامع قبل أن يشهد الموقفين بطل حجه وعليه بدنة والحج من قابل ، وهو المعتمد.

(٤) المهذب : ج ١ باب ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة ص ٢٢٢ س ١٢ قال : أو يجامع في الفرج متعمّدا إلخ.

(٥) الوسيلة : فصل في بيان الكفارات ص ٦٨٨ س ٢٧ قال : فالبدنة تلزم بالجماع في فرج حرام قبل الوقوف بالمشعر.

(٦) السرائر : باب ما يلزم المحرم عن جناياته من كفارة ص ١٢٩ س ٢ قال : ومن ذلك إذا جامع المرأة في الفرج إلخ.

(٧) لاحظ عبارة المختصر النافع.

(٨) تقدم آنفا.

(٩) المقنعة : باب الكفارات ص ٦٨ س ٨ قال : وإن جامع بعد وقوفه فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل.

(١٠) الكافي : الحج ص ٢٠٣ س ١٥ قال : وبعد عرفة بدنة.

(١١) المراسم : ذكر أحكام الخطأ ص ١١٨ س ١٥ قال : فما يفسد الحج فهو أن يجامع المحرم قبل الوقوف بعرفة في الفرج فعليه بدنة إلخ.

(١٢) الانتصار : ص ٩٦ قال : مسألة وممّا انفردت به الإمامية القول : بانّ من وطأ عامدا في الفرج

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالثاني قال في الجمل (١).

احتج الأوّلون بصحيحة معاوية عن الصادق عليه السّلام قال : إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة ، أو قبل ان يأتي مزدلفة فعليه الحج من قابل (٢) واحتج الآخرون بما روي عنهم عليهم السّلام : الحج عرفة (٣).

الثانية : إذا وجب عليه الحجّ من قابل ، فهل الأولى حجة الإسلام ، والثانية عقوبة؟ أو بالعكس؟ بالأول قال الشيخ في النهاية (٤) واختاره المصنف (٥) وبالثاني قال ابن إدريس ونقله عن الشيخ في الخلاف (٦) ورجّحه العلامة في المختلف. قال : وهو اختيار والدي (٧).

احتج الأوّلون بوجوه :

(أ) بالاستصحاب ، وتقريره انها كانت حجة الإسلام قبل الجماع فكذا بعده.

__________________

قبل الوقوف إلخ.

(١) جمل العلم والعمل : فصل فيما يلزم المحرم عن جنايته ص ١١٢ قال : فان جامع بعد الوقوف فعليه بدنة ولا حج عليه.

(٢) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣١٩ الحديث ١٢.

(٣) عوالي اللئالى : ج ٢ ص ٢٣٦ الحديث ٥ ولا حظ ما علق عليه.

(٤) النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة ص ٢٣٠ س ٨ قال : وتكون حجته الاولى له والثانية تكون عقوبة.

(٥) لا حظ عبارة المختصر النافع حيث قال : والأوّل هو المرويّ.

(٦) السرائر : باب ما يلزم المحرم عن جناياته ص ١٢٩ س ٢ قال : إذا جامع المرأة في الفرج قبل الوقوف بالمشعر وبعض أصحابنا يقول : ويعتبر قبل الوقوف بعرفة إلى أن قال : ويجب عليه المضيّ في فاسده وعليه الحج من قابل قضاء إلخ.

(٧) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١١٢ قال بعد نقل قول ابن إدريس : فالترجيح لما قاله ابن إدريس وهو اختيار والدي قدّس الله روحه.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(ب) انّ الجماع بعد الوقوف بمزدلفة لا يخرجه عن كونه حج الإسلام ، فكذا قبله ، وإيجاب الإعادة لا يستلزم الخروج عن كونه حج الإسلام.

(ج) ما رواه زرارة في الصحيح قال : سألته عن رجل غشي امرأته الى أن قلت :

فأيّ الحجّتين لهما؟ قال : الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا والأخرى عليهما عقوبة (١).

وأجاب الآخرون عن الأول ، بوجوب المصير إلى الدليل الناقل عنه الى خلافه.

وعن الثاني بالفرق بين حال السّلامة عن الذنب والوقوع فيه ، وبين الجماع قبل المشعر وبينه بعده ، ولذا وجبت الإعادة ، في الأوّل دون الثاني.

وعن الثالث بأنّ الرواية وإن كانت صحيحة ، إلّا أنّها مقطوعة.

احتج الآخرون بأنه حج فاسد فلا يجزى ولا يبرئ الذمة ، فلا يكون حج الإسلام.

وأجيب بمنع الأولى ، فإن الأحاديث وان تضمنت الإعادة فلم تتضمن الفساد إلّا في العمرة. وعن الثانية ، سلّمنا أنّ الذمة لا تبرأ بها ، بل بها وبالثانية ، نعم إطلاق الفقهاء القول بفساد الحج يرجّح قول ابن إدريس.

الثالثة : يجب عليهما الافتراق ، وفي كيفيته ثلاثة أقوال :

(أ) وجوبه في القضاء إذا بلغا موضع الذنب حتى يقضيا المناسك الّا مع ثالث محترم ، وهو قول الشيخ في النهاية (٢) والمبسوط (٣) واختاره المصنف (٤) والعلامة في

__________________

(١) الكافي : ج ٤ باب المحرم يواقع امرأته قبل أن يقضي مناسكه ص ٣٧٣ قطعة من حديث ١.

(٢) النهاية : باب ما يجب على المحرم من الكفارة ص ٢٣٠ س ١١ قال : وينبغي أن يفترقا إذا انتهيا الى المكان إلخ.

(٣) المبسوط : ج ١ ، فصل في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة ص ٣٣٦ س ١٣ قال : وينبغي أن يفترقا انتهيا إلى المكان إلخ.

(٤) لا حظ عبارة المختصر النافع.

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أكثر كتبه (١).

(ب) وجوب التفرقة من موضع الذنب الى قضاء المناسك في الحجّتين معا وهو قول الفقيه (٢) قال العلامة في المختلف : ولا بأس به (٣) وهو في صحيحة زرارة قال : سألته عن محرم غشي امرأته وهي محرمة ، فقال : جاهلين أو عالمين؟ قلت : أجبني عن الوجهين جميعا فقال : إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ومضيا على حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه وعليهما بدنة ، وعليهما الحج من قابل ، فاذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، قلت : فأيّ الحجّتين لهما؟ قال : الاولى الذي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأخرى عليهما عقوبة (٤).

(ج) وجوب التفريق في الحجتين وبعد الإحلال في موضع الذنب ، وهو قول أبي علي (٥) ولعلّ مستنده صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق عليه السّلام : ويفرّق بينهما حتى يقضيان المناسك ويرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحج من قابل (٦).

المسألة الرابعة : لا فرق بين القبل والدبر في المشهور ، وصرّح به في المبسوط (٧)

__________________

(١) التذكرة : ج ١ ، فيما يجب بالاستمتاع ص ٣٥٥ س ٢٢ قال : فاذا انتهيا الى المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا فرّق بينهما.

(٢) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١١٢ س ١١ قال : وقال شيخنا علي بن بابويه :

ويجب أن يفرق بينك وبين أهلك الى أن قال : فأوجب التفريق في الحجتين معا ، الى أن قال : وقول ابن بابويه لا بأس به.

(٣) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١١٢ س ١١ قال : وقال شيخنا علي بن بابويه :

ويجب أن يفرق بينك وبين أهلك الى أن قال : فأوجب التفريق في الحجتين معا ، الى أن قال : وقول ابن بابويه لا بأس به.

(٤) الكافي : ج ٤ ، باب المحرم يواقع امرأته قبل أن يقضي مناسكه ص ٣٧٣ الحديث ١.

(٥) المختلف : في كفارات الإحرام ص ١١٢ س ١٣ قال : وقال ابن الجنيد : يفرق بينهما إلخ.

(٦) التهذيب : ج ٥ (٢٥) باب الكفارة عن خطإ المحرم ص ٣١٨ قطعة من حديث ٨.

(٧) المبسوط : ج ١ ، فصل في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة ص ٣٣٦ س ٧ قال : إذا جامع المرأة في الفرج قبلا كان أو دبرا إلخ.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال في الخلاف : بوجوب البدنة دون الإفساد (١) ويقرب منه قول التقي : وفي التلوط والاستمناء وإتيان البهائم بدنة (٢). وابن حمزة عمّم الحكم بالفساد بالجماع في فرج كل حيوان (٣).

فرع

لا فرق بين الفاعل والمفعول في الأحكام المتقدمة ، وان كان الموطوء ذكرا ولا فرق بين الزوجة والأجنبية.

تنبيه

فائدة الخلاف بين قول الشيخ وابن إدريس تظهر في مسائل :

(أ) إذا قلنا : إنّ الاولى حجّة الإسلام والثانية عقوبة ، كانت نيته في الثانية : أحرم بالحجّ الواجب علي بالإفساد ، وكذا باقي الأفعال ، فيقول في الطواف : أطوف طواف الحج الواجب علي بالإفساد. وإن قلنا بالعكس ، نوى في الثانية حجة الإسلام.

(ب) إذا أفسد النائب وجب عليه القضاء ، فان قلنا بالأوّل لم نرجع عليه بشي‌ء ، وان قلنا بالعكس استعيدت منه الأجرة ، ولا يجزئ عن المنوب عنه ، لأنّه

__________________

(١) الخلاف : كتاب الحج ، مسألة ٢٠٩ قال : إذا وطأ المحرم فيما دون الفرج لا يفسد حجّه.

(٢) الكافي : الحجّ ، وأمّا كفارة ما يأتيه المحرم ص ٢٠٣ س ١٤ قال : فان كان في الفرج فسد الحج الى أن قال : وفي الاستمناء والتلوط وإتيان البهائم بدنة.

(٣) الوسيلة : فصل في بيان الكفارات ص ٦٨٨ س ٢٧ قال : فالبدنة تلزم بالجماع في فرج حرام قبل الوقوف بالمشعر ، وبالامناء قبل الوقوف به ويبطلان الحج إلخ.

٢٨٠