زبدة التّفاسير - ج ١

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ١

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-03-7
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٣٨

قدروا عليه من قليل أو كثير. وافتتح بذكر الإنفاق لأنّه أشقّ شيء على النفس ، وأدلّه على الإخلاص ، ولأنّه كان في ذلك الوقت أعظم الأعمال ، للحاجة إليه في مجاهدة العدوّ ومواساة فقراء المسلمين.

وفي الحديث أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «السخاء شجرة في الجنّة ، وأغصانها في الدنيا ، من تعلّق بغصن من أغصانها قادته إلى الجنّة. والبخل شجرة في النار ، أغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها قادته إلى النار».

وقال عليّ عليه‌السلام : «الجنّة دار الأسخياء». وقال : «السخيّ قريب من الله ، قريب من الجنّة ، قريب من الناس ، بعيد من النار. والبخيل بعيد من الله ، بعيد من الجنّة ، بعيد من الناس ، قريب من النار».

(وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) الممسكين على ما في أنفسهم من الغيظ ، المتجرّعين له بالصبر ، الكافّين عن إمضائه مع القدرة ، من : كظم القربة ، إذا ملأها وشدّ فاها.

وفي الحديث : «من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا». وفي خبر آخر : «ملأه الله يوم القيامة رضا». رواه أبو أمامة.

وروي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ليس الشديد بالصرعة ، ولكن الشديد الّذي يملك نفسه عند الغضب». (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) التاركين عقوبة من استحقّوا مؤاخذته. وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ هؤلاء في أمّتي قليل إلّا من عصم الله ، وقد كانوا كثيرا في الأمم الّتي مضت».

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما عفا رجل عن مظلمة قطّ إلّا زاده الله بها عزّا».

وروي : «ينادى يوم القيامة : أين الّذين كانت أجورهم على الله؟ فلا يقوم إلّا من عفا».

(وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) يحتمل الجنس ويدخل تحته هؤلاء ، والعهد فتكون الاشارة إليهم.

روي : «أن جارية لعليّ بن الحسين عليه‌السلام جعلت تسكب عليه الماء ليتهيّأ

٥٦١

للصلاة ، فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه إليها ، فقالت له الجارية : إنّ الله تعالى يقول : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) ، فقال لها : قد كظمت غيظي ، قالت : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) ، قال : عفا الله عنك ، قالت : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ، قال : اذهبي فأنت حرّة لوجه الله».

ثم عطف على المتّقين قوله : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) فعلة بالغة في القبح كالزنا (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بأن أذنبوا أيّ ذنب كان. وقيل : الفاحشة الكبيرة ، وظلم النفس الصغيرة. ولعلّ الفاحشة ما يتعدّى ، وظلم النفس ما ليس كذلك. (ذَكَرُوا اللهَ) أي : ذكروا نهي الله أو وعيده أو عقابه فانزجروا عن المعصية ، أو حقّه العظيم وجلاله الموجب للخشية والحياء منه (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) وقالوا : اللهمّ اغفر لنا ذنوبنا ندما وتوبة.

(وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) استفهام بمعنى النفي ، يعني : الذنوب الّتي يستحقّ عليها العقاب لا يغفرها إلّا الله. والجملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه ، منبّهة على لطيف فضله وجليل عفوه وكرمه ، باعثة على التوبة وطلب المغفرة ، دالّة على سعة الرحمة وعموم المغفرة ، ووعد بقبول التوبة ، وردع عن اليأس والقنوط.

(وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) ولم يقيموا على أفعالهم القبيحة غير مستغفرين. وفي الحديث : «ما أصرّ من استغفر ، ولو عاد في اليوم سبعين مرّة». وروي : «لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار». (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) حال من فعل الإصرار ، والمعنى : وليسوا ممّن يصرّون على قبيح فعلهم عالمين بالنهي عنه والوعيد عليه.

ثمّ وعد المتّقين والتائبين منهم الجنّة والمغفرة ، فقال : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها). فهذه جملة مستأنفة مبيّنة لما قبلها ، وذلك إن عطفت الجملة الموصولة ـ أعني : قوله : (الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً)

٥٦٢

على «المتّقين» أو على «الّذين ينفقون». وإن ابتدأت به فهذا خبره.

ولا يلزم من إعداد الجنّة للمتّقين والتائبين جزاء لهم أن لا يدخلها المصرّون ، كما لا يلزم من إعداد النار للكفّار جزاء لهم أن لا يدخلها غيرهم.

وتنكير «جنّات» على الثاني يدلّ على أنّ ما لهم أدون ممّا للمتّقين الموصوفين بالصفات المذكورة في الآية المتقدّمة ، فإنّ التنكير لا يفيد العموم ، فتخصيصه بهم مشعر بتقليل نصيبهم منها. وكفاك فارقا بين القبيلين أنّه تعالى ختم آيتهم بأنّهم محسنون مستوجبون لمحبّة الله ، وذلك لأنّهم حافظوا على حدود الشرع ، وتخطّوا إلى التخصّص بمكارمه ، وختم هؤلاء بقوله : (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ، لأنّ المتدارك لتقصيره كالعامل لتحصيل ما فوّت على نفسه ، وكم من فرق بين المحسن والمتدارك ، والمحبوب والأجير! ولعلّ تبديل لفظ الجزاء بالأجر لهذه النكتة.

والمخصوص بالمدح محذوف تقديره : ونعم أجر العاملين ذلك ، يعني : المغفرة والجنّات. وفي هذا بيان أنّ المؤمنين ثلاث طبقات : متّقون ، وتائبون ، ومصرّون ، وأن للمتّقين والتائبين منهم الجنّة والمغفرة.

روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ الله عزوجل أوحى إلى موسى : ما أقلّ حياء من يطمع في جنّتي بغير عمل ، كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي؟!».

وعن شهر بن حوشب : طلب الجنّة بلا عمل ذنب من الذنوب ، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور ، وارتجاء الرحمة ممّن لا يطاع حمق وجهالة.

وعن الحسن : يقول الله يوم القيامة : جوزوا الصراط بعفوي ، وادخلوا الجنّة برحمتي ، واقتسموها بأعمالكم».

وعن رابعة البصريّة أنّها كانت تنشد :

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها

إنّ السفينة لا تجري على اليبس

عن ابن مسعود : السبب في نزول هذه الآية أنّ قوما من المؤمنين قالوا : يا

٥٦٣

رسول الله بنو إسرائيل أكرم على الله منّا ، كان أحدهم إذا أذنب أصبحت كفّارة ذنبه مكتوبة على عتبة بابه : اجدع أنفك أو أذنك ، أو افعل كذا وكذا. فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزلت الآية ، فقال عليه‌السلام : ألا أخبركم بخير من ذلكم؟ وقرأ عليهم هذه الآية.

وعن عطاء : أنّ نبهان التمّار أتته امرأة تبتاع منه تمرا ، فقال لها : هذا التمر ليس بجيّد ، وفي البيت أجود منه ، وذهب بها إلى بيته فضمّها إلى نفسه وقبّلها. فقالت له : اتّق الله. فتركها وندم ، وأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر له ، فنزلت الآية.

(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨))

ولمّا بين سبحانه ما يفعله بالمؤمن والكافر في الدنيا والآخرة ، بيّن أنّ ذلك عادته سبحانه في خلقه ، فقال : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) وقائع سنّها الله تعالى في الأمم الخالية المكذّبة رسلها ، من الاستئصال بالعذاب ، وتبقية الديار للاتّعاظ والانزجار والاعتبار ، كقوله (وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) (١). وقيل : أمم. (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) لتعتبروا بما ترون من آثار هلاكهم ، وتنتهوا عن مثل ما فعلوه.

(هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) إشارة إلى قوله : «قد خلت» أو مفهوم قوله : «فانظروا» ، أي : أنّه مع كونه بيانا وإيضاحا لسوء عاقبة المكذّبين ، فهو زيادة بصيرة وموعظة للمتّقين. أو إشارة إلى ما لخّص وبيّن من أمر المتّقين والتائبين والمصرّين. وقوله : «قد خلت» اعتراض للبعث على الإيمان والتوبة. وقيل : إلى

__________________

(١) الأحزاب : ٦١ ـ ٦٢.

٥٦٤

القرآن. وإنّما خصّ المتّقين به مع كونه بيانا وهدى وموعظة للناس كافّة ، لأنّ المتّقين هم المنتفعون به ، والمهتدون بهداه ، والمتّعظون بمواعظه.

(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠) وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١))

قيل : لمّا انهزم المسلمون في الشعب ، وأقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ لا يعلنّ علينا ، اللهمّ لا قوّة لنا إلّا بك ، اللهمّ ليس يعبدك بهذه البلدة إلّا هؤلاء النفر ، فنزلت : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) تسلية من الله لرسوله وللمؤمنين عمّا أصابهم يوم أحد. والمعنى : لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم ، ولا تبالوا بذلك ، ولا تحزنوا على من قتل منكم.

(وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) وحالكم أنّكم أعلى منهم شأنا وأغلب ، فإنّكم على الحقّ ، وقتالكم لله ولإعلاء كلمته ، وقتلاكم في الجنّة ، وأنّهم على الباطل ، وقتالهم للشيطان ، وقتلاهم في النار. أو لأنّكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر ممّا أصابوا منكم اليوم. أو تكون هذه بشارة لهم بالعلوّ والغلبة في العاقبة ، كقوله : (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) (١).

__________________

(١) الصافّات : ١٧٣.

٥٦٥

(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) متعلّق بالنهي ، أي : ولا تهنوا إن صحّ إيمانكم ، لأنّ صحّة الإيمان توجب قوّة القلب ، وتقتضي الثقة بالله ، وقلّة المبالاة بأعداء الله. أو متعلّق بـ «الأعلون» ، أي : أنتم الأعلون إن كنتم مصدّقين بما يعدكم الله من الغلبة.

(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) قرأ حمزة والكسائي وابن عيّاش عن عاصم بضمّ القاف ، والباقون بالفتح. وهما لغتان ، كالضّعف والضّعف.

وقيل : هو بالفتح الجراحات ، وبالضمّ ألمها. يعني : إن أصابوا منكم يوم أحد فقد أصبتم منهم قبله يوم بدر مثله ، ثم إنّهم لم يضعفوا ولم يجبنوا ، فأنتم أولى بأن لا تضعفوا ، فإنّكم ترجون من الله ما لا يرجون.

وقيل : كلا المسّين كان يوم أحد ، فإنّ المسلمين نالوا من الكفّار قبل أن يخالفوا أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

عن أنس بن مالك : أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليّ يومئذ وفيه نيّف وستّون جراحة ، من طعنة وضربة ورمية ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسحها وهي تلتئم بإذن الله كأن لم تكن.

وعن ابن عبّاس قال : لمّا كان يوم أحد صعد أبو سفيان الجبل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ إنّه ليس لهم أن يعلونا. فمكث أبو سفيان ساعة وقال : يوما بيوم ، إنّ الأيّام دول ، وإنّ الحرب سجال. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أجيبوه. فقالوا : لا سواء ، قتلانا في الجنّة ، وقتلاكم في النار. فقال : لنا عزّى ، ولا عزّى لكم. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله مولانا ، ولا مولى لكم. فقال أبو سفيان : أعل هبل. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أعلى وأجلّ.

(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) نصرفها بينهم ، نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى ، كقوله :

فيوما علينا ويوما لنا

ويوما نساء ويوما نسرّ

والمداولة كالمعاودة ، يقال : داولت الشيء بينهم فتداولوه. والأيّام تحتمل

٥٦٦

الوصف والخبر. و «نداولها» يحتمل الخبر والحال. والمراد بها أوقات النصر والغلبة.

وقوله : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) عطف على علّة محذوفة ، أي : نداولها ليكون كيت وكيت وليعلم الله ، إيذانا بأنّ العلّة في هذه المداولة غير واحدة من المصالح ما لا يعلم غير الله. أو الفعل المعلّل به محذوف تقديره : وليتميّز الثابتون على الإيمان من غيرهم فعلنا ذلك. وهو من باب التمثيل ، أي : فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان منكم ومن غير الثابت ، وإلّا فإنّه سبحانه لم يزل عالما بما يكون قبل كونه. فالقصد في أمثاله ونقائضه ليس إلى إثبات علمه تعالى ونفيه ، بل إلى إثبات المعلوم ونفيه على طريقة البرهان.

وقيل : معناه : وليعلمهم علما يتعلّق به الجزاء ، وهو أن يعلمهم موجودا. أو المراد بالعلم لازمه ، وهو التمييز ، أي : ليتميّز المؤمنون الثابتون على الإيمان من الّذين على حرف.

وقيل : معناه : ليظهر المعلوم من صبر من يصبر ، وجزع من يجزع.

(وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) أي : وليكرم ناسا منكم بالشهادة ، يريد شهداء أحد. أو يتّخذ منكم شهودا معدّلين على الأمم يوم القيامة ، بما صودف منهم من الثبات والصبر على الشدائد ، كقوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (١).

(وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الّذين يضمرون خلاف ما يظهرونه ، أو الكافرين.

وهو اعتراض بين بعض التعليل. وفيه تنبيه على أنّه تعالى لا ينصر الكافرين على الحقيقة ، وإنّما يغلّبهم أحيانا استدراجا لهم ، وابتلاء للمؤمنين.

(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ليطهّرهم ويصفّيهم من الذنوب إن كانت الدولة عليهم (وَيَمْحَقَ) الله (الْكافِرِينَ) ويهلكهم إن كانت عليهم. والمحق نقص الشيء قليلا قليلا.

__________________

(١) البقرة : ١٤٣.

٥٦٧

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣) وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦)) (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧) فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨))

ولمّا حثّ الله تعالى العباد على الجهاد ورغّب فيه ، زاد في البيان بأنّ الجنّة لا تنال إلّا بالبلوى والاختبار ، فقال : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) أم منقطعة ، والتقدير : بل أحسبتم. ومعنى الهمزة فيها للإنكار. (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا

٥٦٨

مِنْكُمْ) أي : ولمّا تجاهدوا ، لأنّ العلم يتعلّق بالمعلوم كما مرّ ، فنزّل نفي العلم منزلة نفي متعلّقة ، لأنّه ينتفي بانتفائه ، تقول : ما علم الله في فلان خيرا ، تريد : ما فيه خير حتى يعلمه. و «لمّا» بمعنى «لم» إلّا أن فيها ضربا من التوقّع ، فدلّ على نفي الجهاد فيما مضى ، وعلى توقّعه فيما يستقبل. (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) نصب بإضمار «أن» على أنّ الواو للجمع ، كقولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن. والمعنى : أظننتم أنّكم تدخلون الجنّة ولمّا يقع العلم بوجود المجاهدين منكم والعلم بصبر الصابرين؟!

(وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) أي : الحرب ، فإنّها من أسباب الموت ، أو الموت بالشهادة (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدّته وصعوبة مقاساته. والخطاب للّذين لم يشهدوا بدرا ، وتمنّوا أن يشهدوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشهدا لينالوا ما نال شهداء بدر من الكرامة ، فألحّوا يوم أحد على الخروج.

(فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) أي : فقد رأيتم الموت معاينين له ، حين قتل دونكم من قتل من إخوانكم ، وشارفتم أنتم أن تقتلوا. فهذا تأكيد للرؤية ، كما يقال : رأيته عيانا ، ورأيته بعيني وسمعته بأذني ، لئلّا يتوهّم رؤية القلب وسمع العلم. ويجوز تمنّي الشهادة ، لأنّ المراد منه نيل كرامة الشهداء لا غير ، كما أنّ من شرب دواء الطبيب النصراني قاصدا إلى حصول المأمول من الشفاء ، لا يخطر بباله أنّ فيه جرّ منفعة وإحسان إلى عدوّ الله. فلا يقال : كيف يجوز تمنّي الشهادة ، وفي تمنّيها تمنّي غلبة الكافر على المسلم؟!

وقيل : معناه : تمنّي توفيق الصبر على الجهاد إلى أن يقتلوا. وهو توبيخ لهم على أنّهم تمنّوا الحرب ، وتسبّبوا خروج رسول الله بإلحاحهم ، ثم جبنوا وانهزموا عنها.

روي أنّه لمّا رمى عبد الله بن قمئة الحارثي رسول الله بحجر فكسر رباعيته

٥٦٩

وشجّ وجهه ، فذبّ عنه مصعب بن عمير ، وكان صاحب الراية ، فقتله ابن قمئة وهو يرى أنّه قتل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : قد قتلت محمدا ، وصرخ صارخ : ألا إنّ محمدا قد قتل ، قيل : الصارخ هو إبليس ، فنكص الناس فانهزموا. وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إليّ عباد الله ، حتّى انحاز إليه ثلاثون من أصحابه ، فلامهم على الفرار. فقالوا : يا رسول الله أتانا الخبر بأنّك قد قتلت ، فرعبت قلوبنا فولّينا مدبرين. ثم حموا الرسول حتى كشفوا عن المشركين ، وتفرّق الباقون.

وروي أنّه قال بعضهم : ليت عبد الله بن أبيّ يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان.

وقال أنس بن النضر ـ عمّ أنس بن مالك ـ. إن كان محمد قتل فإنّ ربّ محمد حيّ لا يموت ، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ، فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله ، وموتوا على ما مات عليه. ثم قال : اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا يقول هؤلاء ـ يعني : المسلمين ـ وأبرأ منه ، ثم شدّ بسيفه فقاتل حتى قتل ، فنزلت :

(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) يعني : أنّه بشر اختاره الله لرسالته إلى خلقه (قَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) فسيخلوا كما خلوا بالموت أو القتل (أَفَإِنْ ماتَ) حتف أنفه (أَوْ قُتِلَ) أو قتله الكفّار (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) ارتددتم كفّارا بعد إيمانكم. فسمّى الارتداد انقلابا على العقب ، وهو الرجوع القهقرى ، لأنّ الردّة خروج إلى أقبح الأديان ، كما أنّ الانقلاب على العقب خروج إلى أقبح ما يكون من المشي. والفاء معلّقة للجملة الشرطيّة بالجملة قبلها ، على معنى التسبيب. والهمزة لإنكار ارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدين ، لخلوّه بموت أو قتل ، بعد علمهم بخلوّ الرسل قبله وبقاء دينهم متمسّكا به.

والمعنى : كما أنّ أتباع الرسل بقوا متمسّكين بدينهم بعد خلوّهم ، فعليكم أن تتمسّكوا بدينه بعد خلوّه ، لأنّ الغرض من بعثة الرسول تبليغ الرسالة وإلزام الحجّة ، لا وجوده بين أظهر قومه.

٥٧٠

وقيل : الفاء للسببيّة ، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته.

(وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ) ومن يرتدد عن دينه (فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) بارتداده ، بل لا يضرّ إلّا نفسه ، لأنّه يستحقّ العقاب الدائم (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) الّذين لم ينقلبوا ، لأنّهم شكروا على نعمة الإسلام بالثبات عليه ، كأنس وأضرابه.

(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) يعني : أنّ موت النفوس محال أن يكون إلا بمشيئة الله تعالى ، أو بإذنه لملك الموت في قبض روحه. فأخرجه مخرج فعل لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلّا أن يأذن الله له فيه. وملخّص المعنى : أنّ لكلّ نفس أجلا مسمّى في علمه تعالى وقضائه ، لا يستأخرون ولا يستقدمون بالتقاعد عن القتال والإقدام عليه. وفيه تحريض وتشجيع على القتال ، ووعد للرسول بالحفظ ، وتأخير الأجل.

وقوله : (كِتاباً) مصدر مؤكّد ، إذ المعنى : كتب الموت كتابا (مُؤَجَّلاً) صفة له ، أي : مؤقّتا له أجل معلوم لا يتقدّم ولا يتأخّر.

(وَمَنْ يُرِدْ) بجهاده (ثَوابَ الدُّنْيا) يعني : الغنيمة (نُؤْتِهِ مِنْها) أي : من ثوابها. هذا تعريض لمن شغلتهم الغنائم يوم أحد ، فإنّ المسلمين كما مرّ حملوا على المشركين وهزموهم وأخذوا ينهبون ، فلمّا رأى الرماة ذلك أقبلوا على النهب وخلّوا مكانهم ، فانتهز المشركون وحملوا عليهم من ورائهم فهزموهم.

(وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) أي : من ثوابها (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) الّذين شكروا نعمة الله ، فلم يشغلهم شيء عن الجهاد. وفي تكراره تأكيد وتنبيه على عظم منزلة الشاكر.

وروي أبان بن عثمان عن أبي جعفر عليه‌السلام : «أنّه أصاب عليّا عليه‌السلام يوم أحد

٥٧١

ستّون جراحة ، فأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمّ سليم وأمّ عطيّة أن تداوياه ، فقالتا : إنّا لا نعالج منه مكانا إلّا انفتق مكان آخر ، وقد خفنا عليه. فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون يعودونه ، فجعل يمسح جراحاته بيده ويقول : إنّ رجلا لقي هذا في الله فقد أبلى وأعذر. وكان القرح الّذي يمسحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلتئم. فقال عليّ عليه‌السلام : الحمد لله إذ لم أفرّ ولم أولّ الدبر. فذكر الله تعالى له ذلك الشكر في موضعين من القرآن ، وهو قوله : (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (١) ، (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ).

(وَكَأَيِّنْ) أصله «أي» دخلت الكاف عليها فصارت بمعنى «كم» ، والنون تنوين أثبت في الخطّ على غير قياس. وقرأ ابن كثير : وكائن كطاعن. ووجهه : أنه قلب الكلمة الواحدة ، كقولهم : رعملي في لعمري ، فصار كيّأن ، ثم حذفت الياء الثانية للتخفيف ، ثم أبدلت الياء الأخرى ألفا ، كما أبدلت من طائي.

(مِنْ نَبِيٍ) بيان له (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) ربّانيّون علماء أتقياء صبّر ، أو عابدون لربّهم. وقيل : جماعات. والربّي منسوب إلى ربّة ، وهي الجماعة للمبالغة.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب : قتل. وإسناده إلى «ربّيون» ، أو ضمير النبيّ ، و «معه ربّيّون» حال منه ، يعنى : قتل كائنا معه ربّيون.

(فَما وَهَنُوا) فما فتروا ، ولم ينكسر جدّهم (لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) من قتل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو بعضهم (وَما ضَعُفُوا) عن جهاد العدوّ بعده ، أو في الدين (وَمَا اسْتَكانُوا) وما خضعوا للعدوّ. وأصله : استكن من السكون ، لأنّ الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده ، والألف من إشباع الفتحة. أو استكون من الكون ، لأنّه يطلب من نفسه أن يكون لمن يخضع له. وهذا تعريض بالوهن الّذي أصابهم عند الإرجاف بقتله عليه‌السلام ، وبضعفهم عند ذلك ، واستكانتهم للمشركين حين أرادوا أن يعتضدوا بالمنافق عبد الله بن أبيّ في طلب الأمان من أبي سفيان. (وَاللهُ يُحِبُّ

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

٥٧٢

الصَّابِرِينَ) فينصرهم ويعظّم قدرهم.

(وَما كانَ قَوْلَهُمْ) عند لقاء العدوّ مع ثباتهم وقوّتهم في الدين وكونهم ربّانيّين (إِلَّا أَنْ قالُوا) أي : إلّا قولهم : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) استرها علينا بترك عقابنا (وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) وتجاوزنا الحدّ. وإضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم والاستغفار عنهما هضما لأنفسهم واستقصارا (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) في مواطن الحرب بتقوية القلوب ، وفعل الألطاف الّتي معها تثبت الأقدام ، فلا تزول للانهزام (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) الّذين هم عدوّنا ، بإلقاء الرعب في قلوبهم ، وإمدادنا بالملائكة.

وإنّما قدّموا الاستغفار من الذنوب على طلب تثبيت الأقدام في مواطن الحرب والنصر على العدوّ ، ليكون طلبهم إلى ربّهم عن زكاء وطهارة وخضوع ، فيكون أقرب إلى الاستجابة. وإنّما جعل «قولهم» خبرا ، لأنّ «أن قالوا» أعرف ، لدلالته على جهة النسبة وزمان الحدث.

(فَآتاهُمُ اللهُ) بسبب الاستغفار واللجأ إلى الله (ثَوابَ الدُّنْيا) النصر والغنيمة والعزّ وحسن الذكر في الدنيا (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) وهو الجنّة والنعيم في الآخرة. وخصّ ثوابها بالحسن إشعارا بفضله ، وأنّه المعتدّ به عنده. والثواب : هو النفع المستحقّ المقارن للتعظيم والتبجيل. (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) في أقوالهم وأفعالهم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩) بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠)

٥٧٣

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢))

عن علي عليه‌السلام : لمّا قال المنافقون للمؤمنين يوم أحد عند الهزيمة وإرجاف قتل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : راجعوا إلى إخوانكم وارجعوا إلى دينهم ، أمر سبحانه بترك الائتمار لمن ثبّطهم عن الجهاد من الكفّار والمنافقين ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : إن أصغيتم إلى قول الكفّار والمنافقين أنّ محمدا قتل ، فارجعوا إلى عشائركم (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) لأنفسكم. ولا خسران أعظم من أن يبدّلوا الكفر بالإيمان ، والنار بالجنّة.

وعن الحسن : معناه : إن تستنصحوا اليهود والنصارى وتقبلوا منهم يردّوكم على أعقابكم ، لأنّهم كانوا يستغوونهم ويوقعون لهم الشبه في الدين ، ويقولون : لو كان نبيّا حقّا لما غلب ، ولما أصابه وأصحابه ما أصابهم ، وإنّما هو رجل حاله كحال غيره من الناس ، يوما له ويوما عليه.

وعن السدّي : إن تستكينوا لأبي سفيان وأصحابه وتستأمنوهم يردّوكم إلى دينهم.

وقيل : هذا عامّ في مطاوعة الكفر والنزول على حكمهم.

٥٧٤

(بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) ناصركم وأولى بنصرتكم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) لأنّ منصوره لا يصير مغلوبا أبدا ، بخلاف منصور الغير ، فاستغنوا به عن ولاية غيره ونصره.

روي أنّه لمّا ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجّهين إلى مكّة قالوا : بئس ما صنعنا ، قتلناهم حتّى إذا لم يبق منهم إلّا الشريد تركناهم ، ارجعوا فاستأصلوهم. فلمّا عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عمّا همّوا به ، فقبل وقوع هذه القضيّة نزلت : (سَنُلْقِي) سنقذف (فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) وضع الظاهر موضع المضمر للتغليظ والتعليل. وقيل : المراد ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب ، ونادى أبو سفيان : يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن شاء الله.

وقرأ ابن عامر والكسائي ويعقوب بضمّ العين في كلّ القرآن.

(بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ) بسبب إشراكهم به (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي : آلهة لم ينزل الله على إشراكها حجّة قويّة. وأصل السلطنة القوّة ، ومنه : السليط لقوّة اشتعاله ، والسلاطة : لحدّة اللسان.

وملخّص المعنى : كان السبب في إلقاء الرعب في قلوبهم إشراكهم بالله آلهة ليس على إشراكها حجّة. وما عنى الله سبحانه أنّ هناك حجّة لم تنزل عليهم ، وإنّما أراد نفي الحجّة ونزولها جميعا ، وهو كقوله : ولا ترى الضبّ بها ينجحر (١).

(وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) أي : مثواهم. والمخصوص محذوف ، أي : بئس مثوى الظالمين هي.

روي : «أنّ الكفّار دخلوا مكّة منهزمين مخافة أن يكون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) في هامش النسخة الخطّية : «أولها : لا تفزع الأرنب أهوالها ، أي : ليس بها أهوال فيفزع الأرنب. أو ليس بها إرنب فتفزعه الأهوال ، يصف مفازة خالية عن الحيوان. منه».

٥٧٥

وأصحابه الكرّة عليهم ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نصرت بالرعب مسيرة شهر».

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) أي : وفي الله لكم بما وعدكم من النصر على عدوّكم بشرط الصبر والتقوى ، في قوله : (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ) (١). فكان كذلك حتى خالف الرماة ، فإنّ المشركين لمّا أقبلوا جعل الرماة يرشقونهم والباقون يضربونهم بالسيف ، حتّى انهزموا والمسلمون على آثارهم. وذلك قوله : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ) أي : تقتلونهم ، من : حسّه إذا أبطل حسّه (بِإِذْنِهِ) بعلمه. وقيل : بلطفه ، لأنّ أصل الإذن الإطلاق في الفعل ، واللطف تيسير للفعل ، كما أن الإذن كذلك ، فحسن إجراء اسمه إليه.

(حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) إذا جبنتم وضعف رأيكم ، أو ملتم إلى الغنيمة ، فإنّ الحرص من ضعف العقل (وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) اختلفتم في أمركم ، يعني : اختلاف الرماة حين انهزم المشركون ، فقال بعضهم : قد انهزم المشركون فما وقوفنا هنا؟ وقال آخرون : لا نخالف أمر رسول الله. فثبت مكانه عبد الله بن جبير ـ وهو أمير الرماة ـ في نفر دون العشرة ، وهم المعنيّون بقوله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ). ونفر الباقون للنهب ، وهم المعنيّون بقوله : (وَعَصَيْتُمْ) أمر نبيّكم في حفظ المكان (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) من الظفر والغنيمة وانهزام العدوّ. وجواب «إذا» محذوف ، وهو : منعكم نصركم ، أو أوقعكم في المحنة ، أو ابتلاكم وامتحنكم.

(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) وهم التاركون المركز للغنيمة (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) وهم الثابتون محافظة على أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فكرّ المشركون على الرماة لعصيانهم ومخالفتهم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقتلوا عبد الله بن جبير ، واقبلوا على المسلمين حتى هزموهم ، وقتلوا من قتلوا ، وهو قوله : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) ثمّ كفّكم عنهم ، بأن رفع النصرة عنكم ، ووكّلكم إلى أنفسكم ، بخلافكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتّى

__________________

(١) آل عمران : ١٢٥.

٥٧٦

حالت الحال فغلبوكم فانهزمتم (لِيَبْتَلِيَكُمْ) ليمتحن صبركم على المصائب ، وثباتكم على الإيمان عندها. يعني : يعاملكم معاملة المختبر في مظاهرة العدل.

(وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) تفضّلا ، ولما علم من ندمكم على المخالفة (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يتفضّل عليهم بالعفو ، أو في الأحوال كلّها ، سواء أديل لهم أو عليهم ، إذ الابتلاء يستعمل في الرحمة أيضا.

روي الواحدي (١) بإسناده عن سهل بن سعد الساعدي قال : «جرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد ، وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه. وكانت فاطمة بنته تغسل الدم عنه ، وعليّ بن أبي طالب يسكب عليها الماء بالمجنّ (٢). فلمّا رأت فاطمة أنّ الماء لا يزيد الدم إلّا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته ، حتى إذا صار رمادا ألزمته الجرح ، فاستمسك الدم».

(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣))

ثمّ ذكر سبحانه المنهزمين من أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد ، فقال : (إِذْ تُصْعِدُونَ) متعلّق بـ «صرفكم» ، أو «ليبتليكم» ، أو بمقدّر كـ : أذكر. والإصعاد الذهاب والإبعاد في الأرض ، يقال : أصعدنا من مكّة إلى المدينة. (وَلا تَلْوُونَ عَلى

__________________

(١) الوسيط ١ : ٥٠٥.

(٢) المجن : الترس.

٥٧٧

أَحَدٍ) لا يقف أحد لأحد ، ولا ينتظره ، ولا تلتفتون إلى من خلّفتم (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ) يناديكم من ورائكم ، يقول : إليّ عباد الله ، أنا رسول الله ، من يكرّ فله الجنّة (فِي أُخْراكُمْ) في ساقتكم وجماعتكم المتأخّرة ، تقول : جئت في آخر الناس وأخراهم ، كما تقول : في أوّلهم وأولاهم ، بتأويل مقدّمتهم وجماعتهم الأولى.

(فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) عطف على «صرفكم». والمعنى : فجازاكم الله عن فشلكم وعصيانكم غمّا متّصلا بغمّ ، صادرا من الاغتمام بالقتل والجرح وظفر المشركين وفوت الغنيمة والإرجاف بقتل الرسول. أو فجازاكم غمّا بسبب غمّ أذقتموه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعصيانكم له.

(لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ) أي : لتتمرّنوا على الصبر في الشدائد ، فلا تحزنوا فيما بعد على نفع فائت وضرّ لاحق. وقيل : «لا» مزيدة ، والمعنى : لتأسفوا على ما فاتكم من الظفر والغنيمة ، وعلى ما أصابكم من الجرح والهزيمة ، عقوبة لكم.

وقيل : ضمير «فأثابكم» للرسول ، أي : فواساكم في الاغتمام ، فاغتمّ بما نزل عليكم ، كما اغتممتم بما نزل عليه من الشجّ وغيره ، ولم يعيّركم على عصيانكم تسلية لكم ، فلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر ، ولا على ما أصابكم من الهزيمة.

(وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) عالم بأعمالكم ، وبما قصدتم. فيه ترغيب في الطاعة ، وترهيب عن المعصية.

(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ

٥٧٨

مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥))

ثمّ ذكر سبحانه ما أنعم به عليهم بعد ذلك ، من إنزال النعاس عليهم في تلك الحالة ـ حتّى كانوا يسقطون على الأرض ـ حتّى تراجعوا وأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) أي : أنزل الله الأمن على المؤمنين ، وأزال عنهم الخوف الّذي كان بهم ، حتى نعسوا وغلبهم النوم. وكان المنافقون لا يستقرّون ، قد طارت عقولهم.

والأمنة : الأمن ، نصب على المفعول. ونعاسا بدل الاشتمال منها ، أو هو المفعول ، و «أمنة» حال منه متقدّمة ، كقولك : رأيت راكبا رجلا ، أو مفعول له ، أو حال من المخاطبين ، بمعنى : ذوي أمنة ، أو على أنّه جمع آمن ، كـ : بارّ وبررة.

(يَغْشى) أي : النعاس (طائِفَةً مِنْكُمْ) عن أبي طلحة : غشينا النعاس في المصافّ حتى كان السيف يسقط من يد أحدنا فيأخذه ثمّ يسقط فيأخذه ، وما أحد إلّا ويميل تحت حجفته (١).

__________________

(١) الحجفة : التّرس من جلد بلا خشب.

٥٧٩

وقرأ حمزة والكسائي بالتاء ردّا على الأمنة. والطائفة : المؤمنون حقّا.

(وَطائِفَةٌ) هم المنافقون مبتدأ محذوف الخبر ، أي : ثمّ طائفة. وقوله : (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) صفة ، أي : طائفة أوقعتهم أنفسهم في الهموم ، إذ ما يهمّهم إلّا همّ أنفسهم وطلب خلاصها.

(يَظُنُّونَ بِاللهِ) صفة اخرى لطائفة ، أو حال ، أو استئناف على وجه البيان لما قبله. وقوله : (غَيْرَ الْحَقِ) نصب على المصدريّة ، أي : يظنّون بالله غير الظنّ الحقّ الّذي يحقّ أن يظنّ به. وقوله : (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) بدل منه ، أي : الظنّ المختصّ بالملّة الجاهليّة وأهلها. والمعنى : يتوهّمون أنّ الله لا ينصر محمّدا وأصحابه ، كظنّهم في الجاهليّة.

وقيل : ظنّهم ما ذكر بعده من قوله : (يَقُولُونَ) أي : لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو بدل من «بظنّون» (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) هل لنا ممّا أمر الله تعالى ووعد من النصر والظفر نصيب قطّ؟ قالوا ذلك على سبيل التعجّب والإنكار ، أي : أنطمع أن يكون لنا الغلبة على هؤلاء؟ أي : ليس لنا من ذلك شيء. وقيل : أخبر ابن أبيّ بقتل بني الخزرج ، فقال ذلك. والمعنى : أنّا منعنا تدبير أنفسنا وتصريفها باختيارنا ، فلم يبق لنا من الأمر شيء. أو هل يزول عنّا هذا القهر ، فيكون لنا من الأمر شيء؟

(قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) أي : الغلبة الحقيقيّة لله وأوليائه ، فإنّ حزب الله هم الغالبون. أو القضاء له ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وهو اعتراض. وقرأ أبو عمرو ويعقوب : كلّه بالرفع على الابتداء.

وقوله : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) حال من ضمير «يقولون» ، أي : يقولون مظهرين أنّهم مسترشدون طالبون للنصر ، مبطنين الإنكار والتكذيب وما لا يستطيعون إظهاره.

(يَقُولُونَ) هو بدل من «يخفون» ، أو استئناف على وجه البيان لما يخفون ، أي : يقولون في أنفسهم وإذا خلا بعضهم إلى بعض (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ) من الظفر

٥٨٠