زبدة التّفاسير - ج ١

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ١

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-03-7
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٣٨

والمعنى : أنّ نفقات هؤلاء زاكية عند الله لا تضيع بحال ، وإن كانت تتفاوت باعتبار ما ينضمّ إليها من أحواله. أو يكون التمثيل لحالهم عند الله بالجنّة على الربوة ، ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطلّ ، وكما أن كلّ واحد من المطرين يضعّف أكل الجنّة ، فكذلك نفقتهم ـ كثيرة كانت أو قليلة ـ زاكية عند الله.

(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تحذير عن الرئاء ، وترغيب في الإخلاص.

(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) الهمزة فيه للإنكار (أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) أي : بستان مملوء (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) جعل الجنّة من النخيل والأعناب ، مع ما فيها من سائر الأشجار ، تغليبا لهما ، لشرفهما وكثرة منافعهما. ثمّ ذكر أنّ فيها من كلّ الثمرات ليدلّ على اشتمالها على سائر أنواع الأشجار. ويجوز أن يكون المراد بالثمرات المنافع.

(وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) أي : كبر السنّ ، فإنّ الفاقة والعالة في الشيخوخة أصعب.

والواو للحال. ويجوز أن يكون للعطف ، حملا على المعنى ، فكأنّه قال : أيودّ أحدكم لو كانت له جنّة وأصابه الكبر (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) صغار لا قدرة لهم على الكسب (فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) عطف على «أصابه» أو تكون باعتبار المعنى كما مرّ آنفا. والإعصار : الريح الّتي تستدير ثمّ تسطع من الأرض نحو السماء كالعمود.

والمعنى : تمثيل حال من يفعل الأفعال الحسنة ، ويضمّ إليها ما يحبطها ، كرئاء وإيذاء في الحسرة والأسف ، فإذا كان يوم القيامة واشتدّ حاجته إليها ووجدها محبطة ، بحال من كانت له جنّة من أبهج الجنان وأبهاها ، وفيها أنواع الثمار ، فبلغه الكبر وله أولاد ضعفاء والجنّة معاشهم ، فهلكت بالصاعقة.

(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) أي : تتفكّرون فيها ، فتعتبرون بها.

٤٢١

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩) وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢))

لمّا تقدّم الإنفاق وبيان صفة المنفق ، وأنّه يجب أن ينوي بالصدقة التقرّب ، وأن يحفظها ممّا يبطلها من المنّ والأذى ، بيّن سبحانه صفة الصدقة والمتصدّق عليه ليكون البيان جامعا ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) من

٤٢٢

حلاله ، أو جياده وخياره (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) ومن طيّبات ما أخرجنا من الحبوبات والنباتات والمعدنيّات ، فحذف المضاف لتقدّم ذكره.

(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ) ولا تقصدوا الرديء منه ، أي : من المال أو ممّا أخرجنا. وتخصيصه بذلك لأنّ التفاوت فيه أكثر (تُنْفِقُونَ) حال من فاعل «تيمّموا». ويجوز أن يتعلّق بـ «منه» ، ويكون الضمير للخبيث ، والجملة حالا منه. (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) أي : وحالكم أنّكم لا تأخذونه في حقوقكم لرداءته (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) إلّا أن تتسامحوا في أخذه. مجاز من : أغمض بصره إذا غضّه ، ويقال : أغمض البائع إذا لم يستقص ، كأنّه لا يبصر. وعن ابن عبّاس «كانوا يتصدّقون بحشف (١) التمر وشراره ، فنهوا عنه».

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن إنفاقكم ، وإنّما يأمركم به لانتفاعكم (حَمِيدٌ) مستحقّ للحمد ، أو محمود بقبوله وإثابته.

ثمّ حذّر سبحانه من الشيطان المانع من الصدقة ، فقال : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) بالإنفاق في وجوه البرّ ، وبإنفاق الجيّد من المال. والوعد في الأصل شائع في الخير والشرّ. (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) ويغريكم على البخل ، ومنع الصدقات الواجبة ، إغراء الآمر للمأمور. والعرب تسمّي البخيل فاحشا. وقيل : العاصي.

(وَاللهُ يَعِدُكُمْ) في الإنفاق (مَغْفِرَةً مِنْهُ) لذنوبكم وكفّارة لها (وَفَضْلاً) وخلفا أفضل ممّا أنفقتم في الدنيا والآخرة (وَاللهُ واسِعٌ) أي : واسع الفضل لمن أنفق (عَلِيمٌ) بإنفاقه.

ثم وصف سبحانه نفسه بإعطاء الحكمة العلميّة والعمليّة ، المشتملة على الإنفاق على الوجه المرضيّ والطريق الحسن عقلا وشرعا ، لمن اقتضت حكمته ومصلحته ، فقال : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ) تحقيق العلم وإتقان العمل (مَنْ يَشاءُ) مفعول

__________________

(١) الحشف : أردأ التمر ، واليابس الفاسد منه.

٤٢٣

أوّل ، أخّر للاهتمام بالمفعول الثاني. والحكيم عند الله : هو العالم العامل. وقيل : الحكمة القرآن والفقه (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) بناؤه للمفعول ، لأنّه المقصود. وقرأ يعقوب بالكسر ، أي : ومن يؤته الله الحكمة (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) التنكير للتعظيم ، أي : أيّ خير كثير ، إذ حيزت له خير الدارين.

(وَما يَذَّكَّرُ) وما يتّعظ بما قصّ من الآيات ، أو وما يتفكّر ، فإنّ المتفكّر كالمتذكّر لما أودع الله تعالى في قلبه من العلوم بالقوّة (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) ذوو العقول الخالصة عن شوائب الوهم والركون إلى متابعة الهوى.

وبعد ذكر المعترضة الحاثّة على الإنفاق المستحسن في نظر العقل والشرع ، عاد إلى ذكر حال الإنفاق وحسن خاتمته ، فقال : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) قليلة أو كثيرة ، سرّا أو علانية ، في سبيل الله أو في سبيل الشيطان (أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ) بشرط أو بغير شرط ، في طاعة أو معصية (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) لا يخفى عليه ، فيجازيكم عليه بحسبه (وَما لِلظَّالِمِينَ) الّذين ينفقون في المعاصي وينذرون فيها ، أو يمنعون الصدقات ولا يوفون بالنذر (مِنْ أَنْصارٍ) من ينصرهم من الله ، ويمنع عنهم العقاب.

ثمّ وصف كيفيّة الإنفاق فقال : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) فنعم شيئا إبداؤها. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون وكسر العين على الأصل ، وقالون وأبو عمرو وأبو بكر بكسر النون وإسكان العين أو إخفائها (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) أي : تعطوها إيّاهم مع الإخفاء (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) فالإخفاء خير لكم. وهذا في التطوّع ولمن لم يعرف بالمال ، فإنّ الأفضل في الفرائض لمعروف المال الإظهار دفعا للتهمة. وعن ابن عبّاس : «صدقة السرّ في التطوّع تفضل علانيتها سبعين ضعفا ، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرّها بخمسة وعشرين ضعفا».

٤٢٤

(وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) قرأه ابن عامر وعاصم في رواية حفص بالياء ، أي : والله يكفّر ، أو الإخفاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية ابن عيّاش بالنون مرفوعا ، على أنّه جملة فعليّة مبتدأة ، أو اسميّة معطوفة على ما بعد الفاء ، أي : ونحن نكفّر. وقرأ نافع وحمزة والكسائي بالنون مجزوما على محلّ الفاء وما بعده. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ترغيب في الأسرار.

(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) لا يجب عليك أن تجعل الناس مهديّين إلى الانتهاء عمّا نهوا عنه ، من المنّ والأذى والإنفاق من الخبيث وغير ذلك ، جبرا وقسرا ، وإنّما عليك الإرشاد والحثّ على المحاسن والنهي عن القبائح ، كالمنّ والأذى وإنفاق الخبيث (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يلطف بمن يعلم أنّ اللطف ينفع فيه ، فينتهي عمّا نهي عنه.

(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) من نفقة معروفة (فَلِأَنْفُسِكُمْ) فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم ، فلا تمنّوا على من تنفقونه عليه ولا تؤذوه (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) حال ، وكأنّه قال : وما تنفقوا من خير فلأنفسكم غير منفقين إلّا ابتغاء وجه الله ، أي : رضاه وطلب ثوابه. أو عطف على ما قبله ، أي : ليست نفقتكم إلّا لابتغاء وجهه ، فما لكم تمنّون بها وتنفقون الخبيث. وقيل : نفي في معنى النهي.

(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) من مال (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) جزاؤه وفاء تامّا من غير نقص ، بل أضعافا مضاعفة. فهو تأكيد للشرطيّة السابقة.

روي أنّ ناسا من المسلمين كانت لهم أصهار ورضاع في اليهود ، وكانوا ينفقون عليهم ، فكرهوا لمّا أسلموا أن ينفقوهم ، فنزلت. وهذا في غير الواجب ، أمّا الواجب فلا يجوز صرفه إلى الكافر.

(وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) لا تنقصون ثواب نفقتكم.

٤٢٥

(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤))

لمّا أمر سبحانه بالنفقة ، ورغّب فيها بأبلغ وجوه الترغيب ، وبيّن ما يكمل ثوابها ، عقّب ذلك ببيان أفضل الفقراء الّذين هم مصرف الصدقات ، فقال :

(لِلْفُقَراءِ) متعلّق بمحذوف ، والتقدير : اعمدوا للفقراء واجعلوا ما تنفقونه للفقراء ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : صدقاتكم للفقراء. (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أحصرهم الجهاد (لا يَسْتَطِيعُونَ) لاشتغالهم به (ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) ذهابا فيها للكسب.

قيل : هم أصحاب الصفّة ، وهم نحو من أربعمائة رجل لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر ، فكانوا يسكنون في صفّة المسجد ، وهي سقيفة يستغرقون أوقاتهم لتعلّم القرآن ، ويلتقطون في النهار النوى ويقنعون بدقيقه ، وكانوا يخرجون في كلّ سريّة يبعثها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن عنده فضل أتاهم به إذا أمسى.

وعن ابن عبّاس : وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما عليهم فرأي جهدهم وفقرهم وطيب قلوبهم بذلك فقال : «أبشروا يا أصحاب الصفّة ، فمن بقي من أمّتي على التعب الّذي أنتم عليه راضيا بما فيه فإنّهم رفقائي».

٤٢٦

(يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) من أجل تعفّفهم عن إظهارهم الحال وعن السؤال (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) من صفرة الوجه والضعف ورثاثة الحال.

والخطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لكلّ أحد. (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) إلحاحا.

والمعنى : لا يسألون ، وإن سألوا عن ضرورة سألوا بتلطّف ولم يلحّوا. وقيل : هو نفي للسؤال والإلحاف جميعا ، كقول امرئ القيس :

على لا حب لا يهتدي بمناره (١)

يريد نفي المنار والاهتداء به. ونصبه على المصدر ، فإنّه كنوع من السؤال ، أو على الحال.

(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) ترغيب في الإنفاق ، وخصوصا على هؤلاء.

ثمّ بيّن كيفية الإنفاق وثوابه ، فقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي : يعمّون أوقاتهم وأحوالهم بالصدقة ، لحرصهم على الخير.

وعن ابن عبّاس : نزلت في عليّ عليه‌السلام ، لم يملك إلّا أربعة دراهم ، فتصدّق بدرهم ليلا ، وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرّا ، وبدرهم علانية. روي ذلك عن الباقر والصادق عليهما‌السلام. وقيل : في ربط الخيل في سبيل الله تعالى ، والإنفاق عليها.

(فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) خبر (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) ، والفاء للسببيّة. وقيل : للعطف ، والخبر محذوف ، أي : ومنهم الّذين ، ولذلك جوّز الوقف على «وعلانية».

__________________

(١) ديوان امرئ القيس : ٩٥ وعجز البيت : إذا سافه العود النباطي جرجرا.

واللاحب : الطريق الواضح.

٤٢٧

(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦))

ولمّا حثّ الله سبحانه على الإنفاق ، وبيّن ما يحصل للمنفق فيه من الأجر العاجل ـ وهو نموّ المال وزيادة بركته ـ والآجل ، من الثواب العظيم في جنّات النعيم ، عقّبه بذكر الربا الّذي ظنّه الجاهل زيادة في المال ، وهو في الحقيقة محق في المال ، فقال : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) وهو لغة : الزيادة. وشرعا : هو الزيادة على رأس المال ، من أحد المتساويين جنسا ، ممّا يكال أو يوزن. والمراد بالجنس هنا هو الحقيقة النوعيّة. ويتحقّق ذلك بكون الأفراد يشملها اسم خاصّ لنوعه. والزيادة قد تكون عينيّة ، وهو ظاهر ، وحكميّة ، كبيع أحد المتجانسين بمساويه قدرا نسيئة.

والربا من الكبائر المتوعّد عليه بالنار في آخر الآية ، ولقول الصادق عليه‌السلام : «درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية كلّها بذات محرم في بيت الله الحرام». وقال عليّ عليه‌السلام : «لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الربا خمسة : آكله ، وموكله ، وشاهديه ، وكاتبه».

والمراد بآكل الربا في الآية الآخذ. وإنّما خصّص الأكل بالذكر لأنّه أعظم منافع المال ، ولأنّ الربا شائع في المطعومات. وإنّما كتب بالواو ـ كالصلاة ـ للتفخيم على لغة من يفخّم. وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع.

روي : أنّه كان الرجل في الجاهليّة إذا حلّ له مال على غيره وطالبه به يقول

٤٢٨

الغريم : زد في الأجل حتى أزيدك في المال ، فيفعلان ذلك ويقولان : سواء علينا الزيادة في أوّل البيع بالربح أو عند المحلّ لأجل التأخير ، فردّ الله عليهم بقوله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا).

(لا يَقُومُونَ) إذا بعثوا من قبورهم (إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ) إلّا قياما كقيام المصروع. وهو وارد على ما يزعمون أنّ الشيطان يخبّط الإنسان فيصرع. والخبط حركة على غير النحو الطبيعي وعلى غير اتّساق ، كخبط العشواء (مِنَ الْمَسِ) أي : من مسّ الشيطان ، فيختلط عقله فيصير مجنونا. وهو متعلّق بـ «لا يقومون» ، أي : لا يقومون من المسّ الّذي بهم بسبب أكل الربا ، أو بـ «يقوم» أو بـ «يتخبّط» ، فيكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين ، لا لاختلال عقولهم ، ولكن لأنّ الله تعالى أربى في بطونهم ما أكلوه من الربا فأثقلهم. ويكون هذا علامة لآكلي الربا يعرفون بها يوم القيامة ، كما أنّ على كلّ عاص من معصيته علامة تليق به ، فيعرف بها صاحبها ، وعلى كلّ مطيع من طاعته أمارة تليق به يعرف بها صاحبها ، وذلك معنى قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (١).

روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «لمّا أسري بي إلى السماء رأيت رجالا بطونهم كالبيوت فيها الحيّات ترى من خارج بطونهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء أكلة الربا».

روي أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمّا أسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم ولا يقدر عليه من عظم بطنه ، قال : قلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء الّذين يأكلون الربا لا يقومون إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشيطان من المسّ».

(ذلِكَ) أي : ذلك العقاب (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنّهم (قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ) الّذي لا

__________________

(١) الرحمن : ٣٩.

٤٢٩

ربا فيه (مِثْلُ الرِّبا) مثل البيع الّذي فيه الربا ، يعني : نظموا الربا والبيع في سلك واحد ، لإفضائهما إلى الربح ، فاستحلّوا الربا استحلال البيع ، قياسا على البيع. وهذا باطل ، لأنّ القياس المخالف للنصّ باطل اتّفاقا. وكان أصل الكلام : إنّما الربا مثل البيع ، ولكن عكس للمبالغة ، كأنّهم جعلوا الربا أصلا وقاسوا به البيع.

ثمّ أنكر تسويتهم ، وأبطل قياسهم الربا على البيع ، فقال : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) فمن بلغه وعظ من ربّه وزجر ، كالنهي عن الربا (فَانْتَهى) فاتّعظ وتبع النهي وامتنع منه (فَلَهُ ما سَلَفَ) أي : ما تقدّم من أخذه الربا وأكله قبل النهي عنه ، فلا يؤاخذ بما مضى منه ، ولا يستردّ منه. وقال الباقر عليه‌السلام : «من أدرك الإسلام ، وتاب ممّا كان عمله في الجاهليّة ، وضع الله عنه ما سلف».

و «ما» في موضع الرفع بأنّه فاعل الظرف ، إن جعلت «من» موصولة ، وبالابتداء إن جعلت شرطيّة ، على رأي سيبويه ، إذ الظرف غير معتمد على ما قبله.

(وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) بأن يجازيه على انتهائه إن كان عن قبول الموعظة وصدق النيّة. وقيل : يحكم في شأنه ولا اعتراض لكم عليه.

(وَمَنْ عادَ) إلى تحليل الربا بعد التحريم ، إذ الكلام فيه (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لأنّ ذلك لا يصدر إلّا من كافر مستحلّ للربا ، فلهذا توعّد بعذاب الأبد.

ثمّ أكّد سبحانه ما تقدّم بقوله : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) أي : ينقص ويذهب ببركته ، أو يهلك المال الّذي يدخل فيه حالا بعد حال إلى أن يتلف المال كلّه (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) أي : ينمي ما يتصدّق به ، بأن يضاعف عليه الثواب ، ويزيد المال الّذي أخرجت منه الصدقة ، ويبارك فيه. وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ الله يقبل الصدقات ،

٤٣٠

ولا يقبل منها إلّا الطيّب ، فيربيها كما يربي أحدكم مهره (١) أو فصيله ، حتى إنّ اللقمة لتصير مثل أحد». وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما نقصت زكاة من مال قطّ».

(وَاللهُ لا يُحِبُ) محبّته للتّوابين ولا يرتضي (كُلَّ كَفَّارٍ) مصرّ على تحليل المحرّمات (أَثِيمٍ) منهمك في ارتكابه. هذا تغليظ في أمر الربا ، وإيذان بأنّه من فعل الكفّار لا من فعل المسلمين.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧))

وبعد توعيد أصحاب الرّبا وعد المنفقين المنتهين عنه بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله وبرسله وبما جاءهم منه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) عطفهما على ما يعمّهما لشرافتهما على سائر الأعمال الصالحة (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من آت (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على فائت.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١))

__________________

(١) المهر : ولد الفرس.

٤٣١

روي عن الباقر عليه‌السلام : أنّ الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهليّة ، وبقي له بقايا على ثقيف ، فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلّم ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) أي : واتركوا بقايا ما شرطتم على الناس من الربا ، واقتصروا على رؤوس أموالكم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بقلوبكم ، فإنّ دليل الإيمان امتثال ما أمرتم به.

(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) أي : فاعلموا بها ، من : أذن بالشيء إذا علم به. وقرأ حمزة وعاصم في رواية ابن عيّاش : فآذنوا ، أي : فأعلموا بها من لم ينته عن ذلك ، من الإذن وهو الاستماع ، فإنّه من طرق العلم. وتنكير حرب للتعظيم ، أي : نوع عظيم من الحرب. وحرب الله هو حرب رسوله.

وقيل : حرب الله بالنار ، وحرب رسوله بالقتال. وذلك يقتضي أن يقاتل المربي بعد الاستنابة حتى يفيء إلى أمر الله ، كالباغي.

عن الصادق عليه‌السلام : «آكل الربا بعد البيّنة يؤدّب ، فإن عاد أدّب ، وإن عاد قتل».

وقيل : كان العبّاس وخالد شريكين في الجاهليّة ، يسلفان في الربا ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة ، فأنزل الله هذه الآية ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ألا إنّ كلّ ربا في الجاهليّة موضوع ، وأوّل ربا أضعه ربا العبّاس بن عبد المطّلب ، وكلّ دم في الجاهليّة موضوع ، وأوّل دم أضعه دم ربيعة بن حارث بن عبد المطّلب».

(وَإِنْ تُبْتُمْ) من الارتباء واعتقاد حلّه (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ) بأخذ الزيادة (وَلا تُظْلَمُونَ) بالمطل والنقصان.

٤٣٢

ولمّا أمر الله تعالى بأخذ رأس المال من الموسر بيّن بعده حال المعسر ، فقال : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) أي : إن وقع غريم من غرمائكم ذو عسرة (فَنَظِرَةٌ) أي : فالحكم ، أو فالأمر ، أو فعليكم ، أو فليكن نظرة ، وهي الإنظار (إِلى مَيْسَرَةٍ) إلى وقت يساره. وهو خبر في معنى الأمر. والمراد فأنظروه إلى وقت يساره. وقرأ نافع بضمّ السين. وهما لغتان ، كمشرقة ومشرقة.

(وَأَنْ تَصَدَّقُوا) تصدّقوا بالإبراء (خَيْرٌ لَكُمْ) أكثر ثوابا من الإنظار ، أو خير ممّا تأخذون ، لمضاعفة ثوابه ودوامه. وقيل : المراد بالتصدّق الإنظار ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحلّ دين رجل مسلّم فيؤخّره إلا كان له بكلّ يوم صدقة». (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ما فيه من الذكر الجميل والأجر الجزيل.

ثمّ حذّر سبحانه المكلّفين من بعد ما تقدّم من أمر الحدود والأحكام ، فقال : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) إلى جزاء يوم القيامة أو يوم الموت ، فتأهّبوا لمصيركم إليه. وقرأ أبو عمرو ويعقوب بفتح التاء وكسر الجيم. (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) جزاء ما عملت من خير أو شرّ (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقص ثواب وتضعيف عقاب.

وعن ابن عبّاس : أنّها آخر آية نزل بها جبرئيل عليه‌السلام ، وقال : ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة. وعاش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدها أحدا وعشرين يوما. وقيل : أحدا وثمانين. وقيل : سبعة أيّام. وقيل : ثلاث ساعات. وروي أصحابنا أنّه توفّي لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة ، ولسنة واحدة من ملك أردشير بن شيرويه بن أبرويز بن هرمز بن أنو شيروان.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ

٤٣٣

بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢))

لمّا أمر سبحانه بإنظار المعسر وتأجيله ، عقّبه ببيان أحكام الحقوق المؤجّلة وعقود المداينة ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) أي : إذا داين بعضكم بعضا ، تقول : داينته إذا عاملته بدين نسيئة معطيا أو آخذا ، كما تقول : بايعته إذا بعته أو باعك. وفائدة ذكر الدّين لئلّا يتوهّم من التداين المجازاة ، ويعلم تنوّعه إلى المؤجّل والحالّ ، وأنّه الباعث على الكتبة ، وأن يكون مرجع ضمير «فاكتبوه».

(إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) معلوم مؤقّت بالأيّام أو الأشهر أو السنين ، لا بالحصاد وقدوم

٤٣٤

الحاجّ ، لأنّه غير معلوم (فَاكْتُبُوهُ) في صكّ ، لأنّه أوثق وأدفع للنزاع. وبالإجماع هذا الأمر يكون مندوبا إليه. وعن ابن عبّاس : أنّ المراد به السلم. وقال : لمّا حرّم الله الربا أباح السّلم.

(وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) أي : كاتب مأمون على ما يكتب بالاحتياط والنصفة ، لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص. فقوله : «بالعدل» صفة لـ «كاتب». وفي هذا دلالة على أنّ الكاتب ينبغي أن يكون فقيها ، عالما بدقائق أحكام المعاملات وشروطها ، عادلا حتى يكون مكتوبه موثوقا معدّلا بالشرع. والأمر في الحقيقة للمتداينين باختيار كاتب فيه ديّن.

(وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) لا يمتنع أحد من الكتّاب (أَنْ يَكْتُبَ) في الصكّ على الوجه المأمور به (كَما عَلَّمَهُ اللهُ) مثل ما علّمه من كتبة الوثائق. وقيل : معناه : لا يأب أن ينفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها ، كقوله : وأحسن كما أحسن الله إليك. وهو فرض على الكفاية عند أكثر المفسّرين.

(فَلْيَكْتُبْ) تلك الكتابة المعلّمة ، أمر بها بعد النهي عن الإباء عنها تأكيدا. ويجوز أن تتعلّق الكاف بالأمر ، فيكون النهي عن الامتناع منها مطلقة ثمّ الأمر مقيّدة. (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) وليكن المملي من وجب عليه الحقّ ، لأنّه هو المقرّ المشهود عليه في ذمّته وإقراره به. والإملاء والإملال لغتان نطق بهما القرآن : (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ) (١).

(وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) أي : المملي أو الكاتب (وَلا يَبْخَسْ) ولا ينقص (مِنْهُ) أي : من الحقّ أو ممّا أملى عليه (شَيْئاً) قدرا وصفة.

(فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) مبذّرا محجورا عليه لسفهه وتبذيره ، وهو الّذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة (أَوْ ضَعِيفاً) صبيّا أو شيخا

__________________

(١) الفرقان : ٥.

٤٣٥

مختلّا (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) أو غير مستطيع للإملاء بنفسه ، لعيّ أو لخرس أو جهل باللغة (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) أي : الّذي يلي أمره ويقوم مقامه ، من قيّم إن كان صبيّا أو مختلّ العقل ، أو وكيل أو مترجم عملا عنه إن كان غير مستطيع.

(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) واطلبوا أن يشهد على الدين شاهدان (مِنْ رِجالِكُمْ) من رجال المؤمنين. وهو دليل اشتراط إيمان الشهود ، وإليه ذهب علماؤنا وأكثر العامّة. (فَإِنْ لَمْ يَكُونا) فإن لم يكن الشهيدان (رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) فليشهد ، أو فليستشهد رجل وامرأتان.

وشهادة النساء مقبولة عندنا في غير رؤية الهلال والطلاق مع الرجال. وهي مقبولة على الانفراد فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه ، مثل العذرة والأمور الباطنة للنساء. وتفصيل ذلك في كتب الفقه ، فليطالع ثمّة.

(مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) لعلمكم بعدالتهم (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) في موضع النصب بأنّه مفعول له. فهذا علّة اعتبار العدد ، أي : لأجل أنّ إحداهما إن ضلّت الشهادة بأن نسيتها (فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) والعلّة في الحقيقة التذكير ، ولكن لمّا كان الضلال سببا للتذكير نزّل منزلته ، ومثله قولهم : أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه ، وكأنّه قيل : إرادة أن تذكّر إحداهما الأخرى إن ضلّت. وفيه إشعار بنقصان عقلهنّ ، وقلّة ضبطهنّ.

وقرأ حمزة : إن تضلّ ، على الشرط ، «فتذكّر» بالرفع ، كقوله : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (١). ويعقوب : فتذكر من الإذكار.

(وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) لأداء الشهادة أو التحمّل. وسمّوا شهداء قبل التحمّل تنزيلا لما يشارف منزلة الواقع. و «ما» مزيدة. (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ) ولا تملّوا من كثرة مدايناتكم أن تكتبوا الدّين أو الحقّ أو الكتاب (صَغِيراً) كان الحقّ

__________________

(١) المائدة : ٩٥.

٤٣٦

(أَوْ كَبِيراً) أو مختصرا كان الكتاب أو مشبعا (إِلى أَجَلِهِ) إلى وقت حلوله الّذي اتّفق الغريمان على تسميته.

(ذلِكُمْ) إشارة إلى «أن تكتبوه» لأنّه في معنى المصدر ، أي : ذلكم الكتب (أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) أكثر قسطا (وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) وأثبت لها ، وأعون على إقامتها. وهما مبنيّان من : أقسط وأقام على غير قياس ، أو من قاسط ، على طريق النسب ، بمعنى : ذي قسط ، وأقوم من قويم ، أي : ذي قويم. وإنّما صحّت الواو في أقوم كما صحّت في التعجّب لجموده. (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) وأقرب في أن لا تشكّوا في جنس الدين وقدره وأجله والشهود ونحو ذلك.

(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) حرج وضيق (أَلَّا تَكْتُبُوها) في ترك كتابتها ، الاستثناء يكون من الأمر بالكتابة.

والمراد بالتجارة ما يتّجر فيه من الأبدال. والتجارة الحاضرة تعمّ المبايعة بعين أو دين. وبإدارتها بينهم تعاطيهم إيّاها يدا بيد. فالمعنى : إلّا أن تتبايعوا بيعا ناجزا يدا بيد ، فلا بأس أن لا تكتبوه ، لأنّه لا يتوهّم فيه ما يتوهّم في التداين من التنازع والنسيان.

ونصب عاصم «تجارة» على أنّه الخبر ، والاسم مضمر ، تقديره : إلّا أن تكون التجارة تجارة حاضرة. ورفعها الباقون على أنّه الاسم ، والخبر «تديرونها» أو على «كان» التامّة.

(وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) هذا التبايع أو مطلقا ، لأنّه أحوط. والأوامر في هذه الآية إلى هنا للاستحباب عندنا وعند جمهور العامّة إلّا شاذّا منهم ، فإنّها للوجوب. ثمّ اختلف في أحكامها ونسخها.

(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) يحتمل البناء للفاعل والمفعول. والمعنى : نهي الكاتب والشهيد عن ترك الإجابة إلى ما يطلب منهما ، وعن التحريف والزيادة والنقصان ، أو النهي عن الضرار بهما ، بأن يعجلا عن مهمّ ، أو لا يكلّف الكاتب

٤٣٧

الكتابة في حال عذر لا يتفرّغ إليها ، ولا يدعى الشاهد إلى إثبات الشهادة وإقامتها في وقت لا يتفرّغ لها (وَإِنْ تَفْعَلُوا) الضرار أو ما نهيتم عنه (فَإِنَّهُ) فإنّ هذا الضرار (فُسُوقٌ بِكُمْ) خروج عن الطّاعة لا حق بكم.

(وَاتَّقُوا اللهَ) في مخالفة أمره ونهيه (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) أحكامه المتضمّنة لمصالحكم (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) كرّر لفظ «الله» في الجمل الثلاث لاستقلالها ، فإنّ الأولى حثّ على التقوى ، والثانية وعد بإنعامه ، والثالثة تعظيم لشأنه ، ولأنّه أدخل في التعظيم من الكناية. وفي ذلك دلالة على أنّ الأحكام كلّها بتعليم الله ، لا بالقياس والاستحسان.

ذكر عليّ بن إبراهيم (١) في تفسيره أنّ في سورة البقرة خمسمائة حكم ، وفي هذه الآية خاصّة خمسة عشر حكما.

(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣))

ثمّ ذكر سبحانه حكم الوثيقة بالرهن عند عدم الوثيقة بالاشهاد ، فقال : (وَإِنْ كُنْتُمْ) أيّها المتداينون المبايعون (عَلى سَفَرٍ) أي : مسافرين (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) أي : فالّذي يستوثق به رهان ، أو فعليكم رهان ، أو فليؤخذ رهان. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : فرهن ، كسقف. وكلاهما جمع رهن بمعنى مرهون. وليس الغرض تخصيص الارتهان بحال السفر ، ولكنّ السفر لمّا كان مظنّة

__________________

(١) تفسير القمّي ١ : ٩٤.

٤٣٨

لإعواز الكتب والإشهاد ، أمر المسافر بأن يقيم الارتهان مقام الكتاب والاشهاد ، على سبيل الإرشاد إلى حفظ المال. والقبض شرط في صحّة الرهن عند أكثر علمائنا والجمهور غير مالك.

(فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي : أمن بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنّه به (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) وهو الّذي عليه الحقّ. أمر بأن يؤدّي الدين إلى صاحب الحقّ وافيا وقت محلّه من غير مطل ولا تسويف. وسمّي الدين أمانة لائتمانه عليه بترك الارتهان منه (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) في الخيانة وإنكار الحقّ. وفيه مبالغات.

ثمّ خاطب الشهود بقوله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) أيّها الشهود. ويحتمل أن يكون الخطاب للمديونين بشهادتهم إقرارهم على أنفسهم (وَمَنْ يَكْتُمْها) مع علمه بالمشهود به وتمكّنه من أدائها (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) رفع قلبه بآثم ، كأنّه قيل : يأثم قلبه.

والجملة خبر إنّ. وإسناد الإثم إلى القلب لأنّ الكتمان مقترفه ، ونظيره : العين زانية والأذن زانية ، أو للمبالغة ، فإنّه رئيس الأعضاء ، وأفعاله أعظم الأفعال ، فكأنّه تمكّن الإثم في نفسه وأخذ أشرف أجزائه. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) تهديد ووعيد.

وهذه الآية وما قبلها من بدائع لطف الله تعالى لعباده في أمر معاشهم ومعادهم ، وتعليمهم ما لا يسعهم جهله ، وفيها بصيرة لمن تبصّر ، وكفاية لمن تفكّر.

(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤))

ولمّا بيّن بيان الشرائع الّتي هي سبب انتظام أمورهم في الدنيا ، ذكر التوحيد

٤٣٩

والموعظة والإقرار بالجزاء ليستعدّوا له في الامتثال بالأوامر والانتهاء عن المناهي ، فقال : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا (وَإِنْ تُبْدُوا) تظهروا (ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) يعني : ما فيها ممّا يدخل في التكليف ، من السوء والعزم عليه ، لترتّب المغفرة والعذاب عليه (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) ويجازيكم عليه يوم القيامة (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) مغفرته (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) تعذيبه. وقد رفعهما ابن عامر ويعقوب على الاستئناف ، وجزمهما الباقون عطفا على جواب الشرط. ومن جزم بغير فاء جعلهما بدلا منه ، بدل البعض من الكلّ أو الاشتمال. (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على الإحياء والمحاسبة.

عن عبد الله بن عمر أنّه تلاها فقال : لئن أخذنا الله بهذا لنهلكنّ ، فذكر لابن عبّاس فقال : يغفر الله لأبي عبد الرحمن ، وقد وجد المسلمون منها مثل ما وجد ، فنزل (لا يُكَلِّفُ اللهُ) (١) إلخ.

(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥))

ولمّا ذكر سبحانه فرض الصلاة والزكاة وأحكام الشرع المنتجر (٢) للندائد الدنيويّة والأخرويّة ، ختم السورة بذكر تصديق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّته بجميع

__________________

(١) يأتي تفسيرها في ص : ٤٤٢.

(٢) كذا في النسخة الخطّية ، ولم نهتد إلى معنى صحيح له ، ولعلّه تحريف : المنجّز للفوائد الدنيويّة ...

٤٤٠