زبدة التّفاسير - ج ١

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ١

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-03-7
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٣٨

شاة حيث أحصر.

(وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) أي : لا تحلّوا حتى تعلموا أنّ الهدي المبعوث إلى الحرم بلغ محلّه ، أي : مكانه الّذي يجب أن ينحر فيه. والمحلّ بكسر الحاء يطلق على المكان والزمان. ومحلّه منى يوم النحر إن كان الإحرام بالحجّ ، ومكّة إن كان الإحرام بالعمرة. فهذا إن كان محصرا بالمرض. وأمّا إن كان مصدودا بالعدوّ فمحلّه الموضع الّذي يصدّ فيه ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحر هديه بالحديبية.

(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) مرضا يحوجه إلى الحلق (أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) يحتاج فيه إلى الحلق للمداواة ، أو تأذّى بهوامّ رأسه أو جراحة فحلق لذلك (فَفِدْيَةٌ) فعليه فدية ، أي : بدل وجزاء يقوم مقامه (مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) بيان لجنس الفدية. وأمّا قدرها فقد روي عن أئمّتنا عليهم‌السلام أنّ الصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على ستّة مساكين ، وروي عشرة ، والنسك شاة ، وهو مخيّر فيها. ورووا ذلك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لكعب بن عجرة : «لعلّك آذاك هو امّك؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : احلق وصم ثلاثة أيّام ، أو تصدّق بفرق على ستّة مساكين ، أو انسك شاة». والفرق (١) ثلاثة أصوع. والنسك مصدر. وقيل : هو جمع نسيكة ، أي : ذبيحة.

ولمّا ذكر حكم المحصر ومن به أذى أو مرض قال : (فَإِذا أَمِنْتُمْ) الإحصار ، يعني : فإذا لم تحصروا وكنتم في حال أمن وسعة (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ) فمن استمتع وانتفع بالتقرّب إلى الله بالعمرة قبل الانتفاع بتقرّبه بالحجّ. وقيل : من استمتع بعد التحلّل من عمرته باستباحة محظورات الإحرام قاصدا إلى أن يحرم بالحجّ (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فعليه دم استيسره بسبب التمتّع من هدي المتعة.

__________________

(١) الفرق : مكيال ضخم لأهل المدينة معروف.

٣٢١

وهو واجب بالإجماع ، على خلاف في أنّه نسك أو جبران ، فعندنا وعند أبي حنيفة أنّه نسك يؤكل منه ، وعند الشافعي هو جبران جار مجرى الجنايات ولا يؤكل منه.

واعلم أنّ حجّ التمتّع قد يكون ابتداء ، كمن يحرم أوّلا بالعمرة ثمّ بعد قضاء مناسكها يحرم بالحجّ ، وذلك ممّا لا نزاع في مشروعيّته. وقد يكون بالعدول عن حجّ الإفراد ، فإنّ من دخل مكّة محرما بحجّ الإفراد فالأفضل أن يعدل إلى عمرة التمتّع ويتمّ حجّ التمتّع. وهذا الّذي منعه جميع فقهاء العامّة متمسّكين بقول عمر : متعتان في عهد رسول الله ، أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما. وأمّا من دخل قارنا فلا يجوز العدول.

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أي : الهدي (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ) فعليه صيامها في أيّام الاشتغال به بعد الإحرام وقبل التحلّل. والأفضل أن يصوم يوما قبل التروية ، والتروية ، وعرفة (١) (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) إلى بلادكم وأهاليكم. ولو أقام بمكّة انتظر قدر وصول صحبه إلى بلده ، أو مضيّ شهر.

(تِلْكَ عَشَرَةٌ) فذلكة (٢) الحساب. وفائدتها أن لا يتوهّم أنّ الواو بمعنى «أو» ، كقولك : جالس الحسن وابن سيرين ، وأن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلا ، فإنّ أكثر العرب لم يحسنوا الحساب ، وفي أمثال العرب : علمان خير من علم ، وأنّ المراد بالسبعة هو العدد دون الكثرة ، فإنّه يطلق لهما (كامِلَةٌ) صفة مؤكّدة تفيد المبالغة في محافظة العدد ، فإنّ فيه زيادة توصية بصيامها ، وأن لا يتهاون بها ، ولا ينقص من عددها ، كما تقول للرجل إذا كان لك اهتمام بأمره تأمره به وكان منك بمنزلة : الله الله لا تقصّر ، أو مبيّنة كمال العشرة ، فإنّه أوّل عدد كامل ، إذ به تنتهي

__________________

(١) أي : الأفضل أن يصوم يوم التروية وعرفة ويوما قبلهما.

(٢) في هامش النسخة الخطّية : «الفذلكة في الحساب إجماله بعد التفصيل ، وذلك بأن يذكر أولا تفاصيله ثم تجمل تلك التفاصيل ، ويكتب مؤخّر الحساب : فذلك كذا وكذا. منه».

٣٢٢

الآحاد وتتمّ مراتبها ، أو صفة مقيّدة تفيد كمال بدليّتها من الهدي ، أي : كاملة في وقوعها بدلا من الهدي.

(ذلِكَ) إشارة إلى التمتّع. وقال الشافعي : إلى الهدى أو الصيام. والحقّ الأوّل ، لأنّ اللام في ذلك للبعيد ، وذكر التمتّع أبعد من الهدي ، وأيضا فإنّه أجمع فائدة (لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فعند الشافعي لم يكن عليهم هدي ولا صيام. وحاضروه من كان بينهم وبينه ثمانية وأربعون ميلا فما دون من كلّ جانب ، لما رواه زرارة (١) عن الصادق عليه‌السلام. والقول بأنّه اثنا عشر ميلا لم نظفر بدليل متين فيه.

(وَاتَّقُوا اللهَ) في المحافظة على أوامره ونواهيه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن خالف أمره وتعدّى حدوده.

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ) أي : وقته ، كقولك : البرد شهران. وقيل : أشهر الحجّ أشهر ، فحذف المضاف. وقيل : جعل الحجّ الأشهر لمّا كان الحجّ فيها ، كقولك : ليل نائم (مَعْلُوماتٌ) معروفات ، وهي شوّال وذو القعدة وتسع من ذي الحجّة. وإنّما سمّي شهران وبعض الشهر أشهرا إقامة للبعض مقام الكلّ. والأصحّ أنّها شوّال وذو القعدة وذو الحجّة عند أصحابنا ، وبه قال مالك ، لأنّ الأشهر جمع ، والجمع لا يصدق على أقلّ من ثلاثة ، وإطلاق الاسم على الكلّ حقيقة وعلى البعض مجاز ، والأصل عدمه. ومعنى كونها أشهر الحجّ أنّ الإحرام بالحجّ أو بالعمرة الّتي يتمتّع بها إلى الحجّ لا يصحّ إلّا فيها.

(فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) أي : أوجب على نفسه ، بأن أحرم فيهنّ بالحجّ

__________________

(١) لم نجد لزرارة رواية عن الصادق عليه‌السلام في هذا الباب. نعم ، روى عن الباقر عليه‌السلام ، انظر التهذيب ٥ : ٣٣ ح ٩٨ ، الاستبصار ٢ : ١٥٧ ح ٥١٦ ، الوسائل ٨ : ١٨٧ «ب» ٦ من أبواب أقسام الحج ح ٣ و ٧.

٣٢٣

(فَلا رَفَثَ) فلا جماع عندنا. وقيل : الفحش من الكلام (وَلا فُسُوقَ) ولا كذب عندنا. وقيل : لا خروج عن حدود الشريعة بارتكاب المحظورات (وَلا جِدالَ) وهو قول : لا والله وبلى والله ، صادقا وكاذبا عندنا. وقالوا : إنّه المراء والسباب ، أي : لامراء مع الرفقاء والخدم والمكارين (فِي الْحَجِ) في أيّامه. نفي الثلاثة على قصد النهي للمبالغة ، والدلالة على أنّها حقيقة بأن لا تكون ، وما كانت منها مستقبحة في أنفسها ففي الحجّ أقبح ، كلبس الحرير في الصلاة ، والتطريب (١) بقراءة القرآن ، لأنّ الحجّ خروج عن مقتضى الطبع والعادة إلى محض العبادة.

وقرأ أبو عمرو وابن كثير الأوّلين بالرفع على معنى : لا يكوننّ رفث ولا فسوق ، والثالث بالفتح ، على معنى الإخبار بانتفاء الخلاف ، كأنّه قيل : ولا شكّ ولا خلاف في الحجّ ، وذلك أنّ قريشا كانت تخالف سائر العرب ، فيقفون بالمشعر الحرام ولا يروحون إلى عرفة ، ويقولون : إنّا سدنة البيت لا يجوز لنا أن نخرج إلى الحلّ ، وكانوا يقدّمون الحجّ ويؤخّرونه سنة ، فارتفع الخلاف بأن أمروا بأن يقفوا أيضا بعرفة ، ولا يحجّون إلّا في الوقت المعيّن المأمور به شرعا ، فقد ارتفع الخلاف في الحجّ.

ثمّ حثّ على أفعال الخير والبرّ عقيب النهي عن الشرّ ليستبدل به ويستعمل مكانه ، فقال : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) فيجازيكم به أحسن الجزاء (وَتَزَوَّدُوا) لمعادكم بالأعمال الصالحة والخصال الحسنة (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) عن المحارم والقبائح ، وعن عدم الامتثال بأوامر الله تعالى. قيل : نزلت في أهل اليمن ، كانوا يحجّون ولا يتزوّدون ، ويقولون : نحن متوكّلون ، ونحن نحجّ بيت الله ، فيكونون كلّا على الناس ، فأمروا أن يتزوّدوا في طريق الحجّ ، ويتّقوا الإبرام

__________________

(١) في هامش النسخة الخطّية : «التطريب ما يفعل به بعض الأعاجم ، من الألحان المؤدّية إلى زيادة حرف وتغير حرف. منه».

٣٢٤

والإلحاح في الاستطعام على الناس ، فإنّ خير الزاد الاجتناب عن هذا العمل (وَاتَّقُونِ) فيما أمرتكم (يا أُولِي الْأَلْبابِ) فإنّ قضيّة اللبّ خشية الله وتقواه ، ومن لم يتّقه فكأنّه لا لبّ له. حثّهم على التقوى ، ثمّ أمرهم بأن يكون المقصود بها هو الله تعالى ، فيتبرّءوا عن كلّ ما سواه ، وهو مقتضى العقل المعرّى عن شوائب الهوى ، فلذلك خصّ أولي الألباب بهذا الخطاب.

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩))

قيل : كانوا يتأثّمون بالتجارة في الحجّ ، فرفع الله سبحانه التحرّج عمّن يتّجر في الحجّ بقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا) في أن تطلبوا (فَضْلاً) رزقا وعطاء (مِنْ رَبِّكُمْ) وهو النفع والربح في التجارة. وقيل : كان عكاظ ومجنّة وذو المجاز أسواقهم في الجاهليّة ، يقيمونها مواسم الحجّ ، وكانت معايشهم منها ، فلمّا جاء الإسلام تأثّموا منه ، فكفّوا عن البيع والشراء ، فلم تقم لهم سوق ، فنزلت هذه الآية. وقيل : كان في الحجّ أجراء ومكارون ، وكان الناس يقولون : هؤلاء الدّاجّ (١) وليسوا بالحاجّ ، فبيّن سبحانه أنّه لا إثم على الحاجّ في أن يكون أجيرا لغيره أو مكاريا.

(فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) الإفاضة الدفع بكثرة ، من إفاضة الماء وهي صبّه

__________________

(١) الدّاجّ : الّذين مع الحاجّ من الأجراء والمكارين والأعوان. (لسان العرب ٢ : ٢٦٣)

٣٢٥

بكثرة. وأصله : أفضتم أنفسكم ، ترك ذكر المفعول به كما ترك في : دفعوا من موضع كذا.

وعرفات علم للبقعة ، سمّيت بالجمع كأذرعات (١) وقنّسرين. وحدّها من الأراك إلى ذي المجاز إلى ثويّة إلى عرنة. وسمّيت عرفات لأنّ إبراهيم عليه‌السلام عرفها بعد أن وصفها الله له. وقيل : لأنّ آدم وحوّاء اجتمعا فيه فتعارفا. وقيل : إنّ جبرئيل عليه‌السلام كان يري إبراهيم عليه‌السلام المناسك ، فيقول : عرفت عرفت. وقيل : إنّ إبراهيم عليه‌السلام رأى ذبح ولده ليلة الثامن ، فأصبح يتروّى يومه أجمع يفكّر أهو أمر من الله أم لا؟ فسمّي يوم التروية ، ثمّ رأى الليلة الثانية ذلك ، فلمّا أصبح عرف أنّه من الله. وقيل : إنّ آدم عليه‌السلام اعترف بذنبه. وقيل : سمّيت بذلك لارتفاعها وعلوّها ، ومنه عرف الديك ، لارتفاعه.

وإنّما نوّن وكسر وفيه العلميّة والتأنيث ، لأنّ تنوين الجمع تنوين المقابلة ، لا تنوين التمكين الّذي هو مختصّ بالصرف ، وذهاب الكسرة تبع ذهاب التنوين من غير عوض ، لعدم الصرف ، وهنا ليس كذلك. أو لأنّ التأنيث لا يخلو إمّا أن يكون بالتاء الّتي في لفظها ، وإمّا بتاء مقدّرة ، كما في سعاد ، فالّتي في لفظها ليست للتأنيث ، وإنّما هي مع الألف الّتي قبلها علامة جمع المؤنّث ، ولا يصحّ تقدير التاء فيها ، لأنّ هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنّث مانعة من تقديرها ، كما لا يقدّر تاء التأنيث في بنت ، لأنّ التاء الّتي هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنّث كتاء التأنيث ، فأبت تقديرها.

واعلم أنّه لا خلاف في وجوب الوقوف بعرفة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحجّ عرفة». وهو ركن يبطل الحجّ بتركه عمدا. ووقته من الزوال يوم التاسع إلى الغروب. هذا للمختار ، أمّا المضطرّ فإلى طلوع فجر النحر.

__________________

(١) أذرعات بلد بالشام. وقنّسرين مدينة بينها وبين حلب مرحلة.

٣٢٦

(فَاذْكُرُوا اللهَ) بالتلبية والتهليل والدعاء. وقيل : بصلاة العشاءين (عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) جبل يقف عليه الإمام ، ويسمّى قزح. والمشعر : المعلم ، لأنّه معلم للعبادة. وسمّيت المزدلفة جمعا لأنّ آدم اجتمع فيها مع حوّاء ، وازدلف منها ، أي : دنا منها. وقيل : لأنّه يجمع فيها بين الصلاتين. ووصف بالحرام لحرمته. وفيه إشعار بوجوب الكون به كما يقوله أصحابنا ، لأنّ الذكر المأمور به عنده يستلزم الكون به ، فيكون واجبا. وهو ركن كالوقوف بعرفات ، ولو أخلّ بهما سهوا بطل حجّه ، لا بأحدهما فتجزئ بالآخر. ووقته من طلوع الفجر العاشر إلى طلوع شمسه للمختار ، وللمضطرّ إلى الزوال. وحدّه من المأزمين (١) إلى الحياض إلى وادي محسّر. وعند العامّة الوقوف فيه مستحبّ.

(وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) «ما» مصدريّة أو كافّة ، أي : اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة لأداء شكرها ، فإنّ الشكر على النعمة واجب. أو واذكروه كما علّمكم كيف تذكرونه ولا تعدلوا عنه (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) قبل الهدى (لَمِنَ الضَّالِّينَ) أي : الجاهلين ، لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه. و «إن» هي المخفّفة من الثقيلة.

روي عن جابر : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا صلّى الفجر بالمزدلفة بغلس ـ وهو الظلمة الباقية عند أوّل الفجر المعترض ـ ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام ، فدعا وكبّر وهلّل ولم يزل واقفا حتى أسفر.

(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) أي : من عرفة لا من المزدلفة. والخطاب مع قريش ، كما نقل عن الباقر عليه‌السلام وابن عبّاس وجماعة أنّ الأمر لقريش وحلفائهم ،

__________________

(١) في هامش النسخة الخطّية : «المأزم : كلّ طريق ضيّق بين الجبلين. وموضع الحرب أيضا مأزم. ومنه سمّي الموضع الذي بين المشعر وبين عرفة مأزمين. منه».

٣٢٧

ويقال لهم الحمس (١) ، لتشدّدهم في دينهم ، فإنّهم كانوا يقفون بجمع وسائر العرب بعرفة ، ويرون ذلك ترفّعا على الناس ، فلا يساووهم في الموقف ، ويقولون : نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه ، فأمرهم الله تعالى بموافقة سائر العرب.

وقيل : «النّاس» هو آدم عليه‌السلام. وقيل : هو إبراهيم عليه‌السلام ، أي : أفيضوا من حيث أفاض. وسمّاه بالناس كما سمّاه أمّة (٢) ، وكما قال : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) (٣).

والمراد نعيم بن مسعود. أو أنّه أراد إبراهيم عليه‌السلام وولديه ، وفي ذلك تنبيه على أن الحجّ من السنن القديمة. وعن الجبّائي : المراد به الإفاضة من المزدلفة إلى منى يوم النحر قبل طلوع الشمس للرمي والنحر ، قال : والآية تدلّ عليه ، لأنّه قال : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) ثمّ قال : (ثُمَّ أَفِيضُوا) فوجب أن يكون إفاضة ثانية ، فدلّ ذلك على أنّ الإفاضتين واجبتان.

وقال في كنز العرفان : «هذا الوجه أقوى في نفسي ، لأنّه ذكر إفاضة عرفات أوّلا ، فوجب كون هذه غير تلك ، تكثيرا للفائدة بتغاير الموضوع. وأيضا تكون «ثمّ» على حقيقتها من المهلة والترتيب ، فيكون «أفيضوا» معطوفا على : اذكروا ، والمهلة هي أوّل الوقت إلى آخره. والمراد بالناس على هذا قيل : هم الحمس ، كما حكينا وقوفهم بالمزدلفة. وقيل : هو إبراهيم عليه‌السلام. وقيل : آدم عليه‌السلام كما ذكر. وعلى القول الأوّل معنى الترتيب أنّ التراخي كما يكون في الزمان كذا يكون في المرتبة ، كقوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٤) فإنّ مراتب العلم

__________________

(١) في هامش النسخة الخطّية : «الحمس : الشدّة ، والأحمس : المكان الصّلب ، والأحمس أيضا : الشديد الصلب في الدين. منه».

(٢) النحل : ١٢٠.

(٣) آل عمران : ١٧٣.

(٤) التكاثر : ٣ ـ ٤.

٣٢٨

متفاوتة بحسب حال النفس في البعد عن العوائق ، كذلك نقول هنا : إنّ مطلق الإفاضة المأمور به أوّلا يقصر رتبة عن الإفاضة المقيّدة المأمور بها ثانيا» (١).

(وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) اطلبوا منه المغفرة بالندم على ما سلف في جاهليّتكم من تغيير المناسك ونحوه. وفيه تنبيه على أنّ الإتيان بأفعال الحجّ سبب معدّ لاستحقاق الغفران وإفاضة الرّحمة (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) كثير المغفرة (رَحِيمٌ) واسع الرحمة ، يغفر ذنب المستغفر وينعم عليه.

(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢) وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣))

روي أنّ العرب إذا فرغوا من مناسكهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل ، فيعدّون فضائل آبائهم ويذكرون أيّامهم ، فنزلت : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) فإذا أدّيتم أفعال حجّكم وفرغتم منها (فَاذْكُرُوا اللهَ) فأكثروا ذكره وبالغوا فيه (كَذِكْرِكُمْ

__________________

(١) كنز العرفان ١ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

٣٢٩

آباءَكُمْ) كما تفعلون بذكر آبائكم في المفاخرة ، أو تعداد محاسن آبائكم (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) مجرور عطفا على ما أضيف إليه الذكر في قوله : «كذكركم» بمعنى : أو كذكر قوم أشدّ منكم ، أو منصوب عطفا على «آباءكم» وذكرا من فعل المذكور بمعنى : أو كذكركم أشدّ مذكوريّة من آبائكم.

ثمّ فصّل الذاكرين إلى مقلّ لا يطلب بذكر الله إلّا الدنيا ، وإلى مكثر يطلب به خير الدارين ، وبه حثّ على الإكثار والإرشاد إليه ، فقال : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) اجعل إيتاءنا ومنحتنا في الدنيا (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) من نصيب وحظّ ، لأنّ همّته مقصورة على الدنيا الدّنيّة ، أو من طلب خلاق (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) من الصحّة والكفاف وتوفيق الطاعات والخيرات (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) من الثواب العظيم والأجر الجزيل (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) بالعفو والمغفرة.

وروي عن عليّ عليه‌السلام : «الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة ، وفي الآخرة الحوراء ، وعذاب النار امرأة السّوء».

وعن الحسن : «الحسنة في الدنيا العلم والعبادة ، وفي الآخرة الجنّة». و (قِنا عَذابَ النَّارِ) معناه : احفظنا من الشهوات والذنوب المؤدّية إلى النار. وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من أوتي قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الدنيا وآخرته ، فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، ووقي عذاب النار».

(أُولئِكَ) إشارة إلى الفريق الثاني ، أي : أولئك الداعون بالحسنتين (لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) من جنس ما اكتسبوا من الأعمال الحسنة ، وهو الثواب الّذي هو المنافع الحسنة ، أو من أجل ما كسبوا ، أو لهم نصيب ممّا دعوا به نعطيهم منه بحسب مصالحهم في الدنيا واستحقاقهم في الآخرة. وسمّي الدعاء كسبا لأنّه من الأعمال ، والأعمال موصوفة بالكسب. ويجوز أن يكون «أولئك» للفريقين ، فإنّ

٣٣٠

لكلّ فريق نصيبا من جنس ما كسبوا ، ومصداقه قول الباقر عليه‌السلام : «ما يقف أحد على تلك الجبال برّ ولا فاجر إلّا استجاب الله له ، أمّا البرّ فيستجاب له في آخرته ودنياه ، وأمّا الفاجر فيستجاب له في دنياه» (١).

(وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) يحاسب العباد على كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمحة ، فلا يشغله حساب أحد عن حساب غيره.

وروي أنّه يحاسب الخلق في قدر حلب شاة. وروي في مقدار فواق (٢) ناقة. وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : معناه أنّه يحاسب الخلق دفعة كما يرزقهم دفعة. وقيل : معنى «سريع الحساب» أنّه يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب العباد ، فبادروا إكثار الذكر وطلب الآخرة.

واعلم أنّ المراد بالذكر الذكر اللساني تارة والقلبي أخرى ، لكنّ المقصود بالذات هو الثاني ، وأمّا الأوّل فترجمان للثاني ، ومنبّه للقلب عليه ، لكونه في الأغلب مأسورا في يد الشواغل البدنيّة والموانع الطبيعيّة ، وهذا هو السرّ في تكرار الأذكار والتسبيحات والتحميدات وغيرها. والأمر في هذه الأزمنة الشريفة والأمكنة المنيفة الّتي هي مظانّ الإجابة لا يقتضي انقطاعه بانقطاع المناسك ، لأنّ دلالة مفهوم المخالفة باطلة كما تقرّر في الأصول.

ولمّا كان الذكر متضمّنا للعبادات القلبيّة والتوجّهات السرّيّة إلى الله أمره به في مواضع أخر من المشاعر ، فقال : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) كبّروه في أدبار الصلوات الخمس عشرة : أوّلها الظهر يوم النحر لمن كان بمنى ، وعقيب عشر لمن كان بغيرها. وصورته : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، ولله الحمد ، الله

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦٢ ح ٣٨ ، الوسائل ٨ : ١١٤ بـ «٦٢» من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ح ٢.

(٢) الفواق ما بين الحلبتين من الوقت ، لأنّها تحلب وتترك سويعة يرضعها الفصيل لتدرّ ثمّ تحلب.

٣٣١

أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ، والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام. وقيل : مطلق الذكر عند ذبح القرابين ورمي الجمار وغيرها في أيّام التشريق ، وهو الحادي عشر ويسمّى يوم القرّ ، ويوم الثاني عشر ويسمّى يوم الصدر ، ويوم الثالث عشر ويسمّى يوم النفر. وسمّيت أيّام التشريق لتشرّق لحوم الأضاحي فيها. وقيل : تشرّق القمر فيها طول الليل.

(فَمَنْ تَعَجَّلَ) استعجل النفر (فِي يَوْمَيْنِ) يوم القرّ وبعده ، أي : ومن نفر في أيّام التشريق بعد رمي الجمار (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) باستعجاله (وَمَنْ تَأَخَّرَ) في النفر حتى رمى في اليوم الثالث من أيّام التشريق (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) الصيد والنساء. ومعنى نفي الإثم بالتعجيل والتأخير التخيير بينهما والرّد على أهل الجاهليّة ، فإنّ منهم من أثّم المتعجّل ومنهم من أثّم المتأخّر (وَاتَّقُوا اللهَ) باجتناب معاصيه في مجامع أموركم (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) للجزاء بعد الإحياء ، فيجازيكم على أعمالكم. وأصل الحشر الجمع وضمّ المتفرّق.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦))

وبعد ذكر أحوال المؤمنين المنقادين للأحكام المذكورة ، والكافرين المعاندين المنكرين لها ، بيّن أحوال المنافقين المذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ) يروقك ويعظم في قلبك.

٣٣٢

والتعجّب حيرة تعرض للإنسان لجهله بسبب المتعجّب منه (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) متعلّق بـ «قوله» أي : ما يقوله في أمور الدنيا وأسباب المعاش ودقائق تدابيره فيها ، أو في معنى الدنيا ، فإنّها مراده من ادّعاء المحبّة وإظهار الإيمان ، أو بـ «يعجبك» أي : يعجبك قوله في الدنيا حلاوة وفصاحة ، ولا يعجبك في الآخرة ، لما يعتريه من الدهشة والحبسة (١).

(وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) يحلف ويستشهد الله على أنّ ما في قلبه موافق لكلامه من محبّتك والإيمان بك (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) شديد العداوة والجدال للمسلمين. والخصام المخاصمة. ويجوز أن يكون جمع خصم ، كصعب وصعاب ، بمعنى أشدّ الخصوم خصومة. وإضافة ألدّ إلى الخصام بمعني «في».

قيل : نزلت في الأخنس بن شريق الثقفيّ ، وكان حسن المنظر حلو المنطق ، يوالي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويدّعي الإسلام. وقيل : عامّة في المنافقين ، كانت تحلولي (٢) ألسنتهم ، وقلوبهم أمرّ من الصّبر.

(وَإِذا تَوَلَّى) أدبر وانصرف عنك ، وقيل : إذا غلب وصار واليا (سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) كما فعله الأخنس بثقيف ، إذ بيّتهم وأحرق زروعهم ، وأهلك مواشيهم. أو كما يفعله ولاة السوء بالقتل والإتلاف أو بالظلم ، حتى يمنع الله بشؤمه المطر ، فيهلك الحرث والنسل (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) لا يرتضيه ، فاحذروا غضبه عليه.

وفيه دلالة على بطلان قول المجبّرة : إنّ الله تعالى يريد القبائح ، لأنّه سبحانه نفي عن نفسه محبّة الفساد ، والمحبّة هي الإرادة ، لأنّ كلّ ما أحبّ الله أن يكون فقد أراد أن يكون ، وما لا يحبّ أن يكون لا يريد أن يكون.

__________________

(١) الحبسة : تعذّر الكلام.

(٢) أي : كان منطقهم حلوا ، واحلولى الشيء : صار حلوا. والصّبر : عصارة شجر مرّ.

٣٣٣

(وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) من قولك : أخذته بكذا ، إذا حملته عليه وألزمته إيّاه. يعني : حملته الأنفة وحميّة الجاهليّة على الإثم الّذي يؤمر باتّقائه لجاجا (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) كفته جزاء وعذابا. وجهنّم علم لدار العقاب ، وهو في الأصل مرادف للنّار (وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) جواب قسم مقدّر ، والمخصوص محذوف ، للعلم به. و «المهاد» : الفراش. وقيل : ما يوطأ للجنب.

وفي هذه الآية دلالة على أنّ من تكبّر عن قبول الحقّ إذا دعي إليه كان مرتكبا أعظم كبيرة ، ولذلك قال ابن مسعود : إنّ من الذنوب الّتي لا تغفر أن يقال للرجل : اتّق الله ، فيقول : عليك نفسك.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧))

ثمّ عاد سبحانه إلى وصف المؤمن الآمر بالمعروف في قوله : «وإذا قيل له اتّق الله أخذته العزّة» فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ) يبيعها ، أي : يبذلها في الجهاد ، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى يقتل (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) لابتغاء مرضاته وطلب رضوانه. وإنّما أطلق عليه اسم البيع لأنّه إنّما فعله لطلب رضا الله ، كما أنّ البائع يطلب الثمن بالمبيع.

روي السدّي ، عن ابن عبّاس أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام حين هرب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المشركين إلى الغار ، ونام عليّ عليه‌السلام على فراش النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونزلت هذه الآية بين مكّة والمدينة. وهذه الرواية رواها الثعلبي أيضا في تفسيره.

وروي أنّه لمّا نام على فراشه قام جبرئيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجبرئيل ينادي : بخ بخ ، ومن مثلك يا ابن أبي طالب؟!

وعن عكرمة : نزلت في أبي ذرّ الغفاري ، لأنّ أهل أبي ذرّ أخذوا أبا ذرّ

٣٣٤

فانفلت منهم ، فقدم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقيل : نزلت في صهيب بن سنان ، أراده المشركون على ترك الإسلام ، وقتلوا نفرا كانوا معه ، فقال لهم : أنا شيخ كبير ، إن كنت معكم أنفعكم ، وإن كنت عليكم لم أضرّكم ، فخلّوني وما أنا عليه وخذوا مالي ، فقبلوا منه ماله ، وأتى المدينة.

وقيل : نزلت في كلّ مجاهد في سبيل الله.

(وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) حيث كلّفهم الجهاد ، وعرضهم لثواب الشهداء في يوم المعاد.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠))

ثمّ خاطب أهل النفاق بأن أطيعوا الله باطنا كما أظهروها ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) السّلم بالفتح والكسر الاستسلام والطاعة ، ولذلك يطلق في الصلح والإسلام ، فتحه ابن كثير ونافع والكسائي ، وكسره الباقون. و «كافّة» اسم للجملة ، لأنّها تكفّ الأجزاء من التفرّق ، حال من الضمير أو السّلم ، لأنّها تؤنّث كالحرب. والمعنى : استسلموا لله وأطيعوه جملة ، ظاهرا وباطنا.

وقيل : الخطاب لأهل الكتاب. والمعنى : أدخلوا في الإسلام بكلّيّتكم ، ولا تخلطوا به غيره ، من تعظيم السبت وتحريم الإبل وألبانها ، أو بشرائع الله كلّها ، والأنبياء والكتب جميعا. أو الخطاب للمسلمين. والمعنى : لا تخلّوا بشيء من

٣٣٥

أحكام الإسلام وشعبه. وروى أصحابنا أنّه الدخول في الولاية.

(وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) بالتفرّق والتفريق (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهر العداوة.

ولمّا أمر سبحانه عباده بالطاعة عقّبه بالوعيد على تركها ، فقال : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ) تنحّيتم عن الدخول في السلّم (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) الآيات والحجج الشاهدة على أنّه الحقّ (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب لا يعجزه الانتقام منكم (حَكِيمٌ) لا ينتقم إلّا بالحقّ.

ثمّ عقّب سبحانه ما تقدّم من الوعيد بوعيد آخر ، فقال : (هَلْ يَنْظُرُونَ) استفهام في معنى النفي ، بقرينة قوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) أي : يأتيهم أمره أو بأسه ، كقوله : (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) (١) وقوله : (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) (٢) غير أنّه ذكر ذاته تفخيما للبأس ، وهذا كما يقال : دخل الأمير البلد ، ويراد بذلك جنده. أو يأتيهم الله ببأسه ، فحذف المأتيّ به للدلالة عليه بقوله : «أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ» (فِي ظُلَلٍ) جمع ظلّة ، كقلّة وقلل ، وهي ما أظلّك (مِنَ الْغَمامِ) بيان لظلل. والغمام : السحاب الأبيض. وإنّما يأتيهم العذاب فيه لأنّه مظنّة الرحمة ، فإذا جاء منه العذاب كان أفظع ، لأنّ الشرّ إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أصعب ، فكيف إذا جاء من حيث يحتسب الخير؟!

(وَالْمَلائِكَةُ) بالرفع ، أي : يأتيهم الملائكة ، فإنّهم الواسطة في إتيان أمره ، أو الآتون على الحقيقة ببأسه (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أتمّ أمر إهلاكهم وفرغ منه ، وهو المحاسبة وإنزال أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار. وضع الماضي موضع المستقبل لدنوّه وتيقّن وقوعه (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) في سؤاله عنها ومجازاته

__________________

(١) النحل : ٣٣.

(٢) الأعراف : ٥.

٣٣٦

عليها. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو على البناء للمفعول ، على أنّه من الرجع. وقرأ الباقون على البناء للفاعل بالتأنيث غير يعقوب ، على أنّه من الرجوع.

(سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢١٢))

ولمّا ذكر سبحانه شرائع الإسلام وأنّ النّاس فيها ثلاث فرق : مؤمن وكافر ومنافق ، ثمّ وعد وأوعد ، بيّن بعد ذلك أنّ تركهم الإيمان ليس لتقصير في الحجج ، ولكن لسوء طباعهم الخبيثة ، وخبث أعمالهم السّالفة قبل الإسلام ، فقال تقريعا لهم : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) أمر للرسول أو لكلّ أحد (كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) معجزة ظاهرة على أيدي أنبيائهم ، أو آية في التوراة شاهدة على صحّة نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمنهم من آمن ومنهم من جحد ، ومنهم من أقرّ ومنهم من بدّل. و «كم» استفهاميّة مقرّرة أو خبريّة ، ومحلّها النصب على المفعوليّة ، أو الرفع بالابتداء على حذف العائد من الخبر ، و «آية» مميّزها ، و «من» للفصل بين التمييز والمفعول.

(وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ) أي : آياته ، فإنّها سبب الهدى الّذي هو أجلّ النعم. وتبديلها بجعلها سبب الضلالة وازدياد الرجس ، أو بالتحريف والتأويل والزيغ (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) من بعد ما تمكّن من معرفتها ، أو من بعد ما عرفها. وفيه تعريض بأنّهم بدّلوها بعد ما عقلوها (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) فيعاقبه أشدّ عقوبة ، لأنّه ارتكب أشدّ جريمة.

٣٣٧

ثمّ بيّن الله سبحانه أنّ عدولهم عن الإيمان إنّما هو لإيثارهم الحياة الدنيا ، فقال : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) حسنت في أعينهم ، وأشربت محبّتها في قلوبهم ، حتى تهالكوا عليها وأعرضوا عن غيرها. والمزيّن هو الشيطان ، حسّنها في أعينهم بوساوسه ، فلا يريدون غيرها. ويجوز أن يجعل ما خلق الله فيها من الأشياء المشتهاة وما ركّبه فيهم من الشهوة لها تزيينا ، لأنّ التكليف لا يتمّ إلا مع الشهوة.

(وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) يريد فقراء المؤمنين ، كبلال وعمّار وصهيب ، أي : يسترذلونهم ويستهزءون بهم على رفضهم الدنيا ، وإقبالهم على العقبى. و «من» للابتداء ، كأنّهم جعلوا مبدأ السخريّة.

(وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) لأنّهم في علّيين ، وهم في أسفل السافلين في سجّين. أو حالهم عالية رفيعة ، لأنّهم في كرامة وهم في هوان ومذلّة. أو لأنّهم يتطاولون عليهم ، فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدنيا. وإنّما قال : (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا) بعد قوله : (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) ليدلّ على أنّهم متّقون ، وأنّ استعلاءهم للتقوى ، ليكون حثّا وبعثا للمؤمنين على التقوى إذا سمعوا ذلك.

(وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) في الدارين (بِغَيْرِ حِسابٍ) بغير تقدير ، فيوسّع في الدنيا استدراجا تارة وابتلاء أخرى ، أو يعطي أهل الجنّة ما لا يأتي عليه الحساب.

(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣))

٣٣٨

ثمّ بيّن سبحانه أحوال من تقدّم من الكفّار تسلية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) متّفقين على الحقّ فيما بين آدم وإدريس أو نوح أو بعد الطوفان ، أو متّفقين على الجهالة والكفر في فترة إدريس أو نوح. والأوّل أوجه. ويؤيّده ما روي عن ابن عبّاس أنّه كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون على شريعة الحقّ. والأمّة عبارة عن القوم المجتمعين على شيء واحد بعضهم ببعض. (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) أي : اختلفوا فبعثهم الله تعالى. وعلى الوجه الثاني : فبعد بعثهم اختلف الكفّار عليهم ، وإنّما حذف لدلالة قوله : (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ).

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «كانوا قبل نوح أمّة واحدة على فطرة الله لا مهتدين ولا ضلّالا ، فبعث الله النبيّين». وعلى هذا فالمعنى : أنّهم كانوا متعبّدين بما في عقولهم ، غير مهتدين إلى نبوّة ولا شريعة ، ثمّ بعث الله النبيّين بالشرائع لما علم أنّ مصالحهم فيها.

وعن كعب الأحبار : الّذي علمته من عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفا ، والمرسل منهم ثلاث مائة وثلاثة عشر ، والمذكور في القرآن باسم العلم ثمانية وعشرون.

(وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) يريد به الجنس ، ولا يريد أنّه أنزل مع كلّ واحد كتابا يخصّه ، فإنّ أكثرهم لم يكن لهم كتاب يخصّهم ، وإنّما كانوا يأخذون بكتب من قبلهم (بِالْحَقِ) حال من الكتاب ، أي : ملتبسا بالحقّ شاهدا به (لِيَحْكُمَ) أي : الله أو النبيّ المبعوث أو كتابه (بَيْنَ النَّاسِ) في زمانهم (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي : في الحقّ الذي اختلفوا فيه ، أو فيما التبس عليهم.

(وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) في الحقّ أو الكتاب (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) أي : الكتاب المنزل لإزالة الخلاف ، أي : عكسوا الأمر ، فجعلوا ما أنزل مزيحا للاختلاف فيه ، سببا لاستحكامه (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) حسدا بينهم وظلما ،

٣٣٩

لحرصهم على الدنيا.

(فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِ) «من» بيان لما اختلفوا فيه قبل إنزال الكتاب ، أي : للحقّ الّذي اختلف فيه من اختلف (بِإِذْنِهِ) بأمره ، أو بإرادته ولطفه (وَاللهُ يَهْدِي) باللطف والتوفيق (مَنْ يَشاءُ) من المكلّفين المسترشدين للحقّ (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) لا يضلّ سالكه ، فهو طريق الإسلام.

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ (٢١٤))

ثمّ ذكر سبحانه ما جرى على المؤمنين من الأمم الخالية ، تسلية لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأصحابه فيما نالهم من المشركين وأمثالهم ، وتشجيعا لهم على ثباتهم مع مخالفيهم ، لأنّ سماع أخبار الصالحين يرغّب في مثل أحوالهم ، فقال خاطبا به النبيّ والمؤمنين : (أَمْ حَسِبْتُمْ) «أم» منقطعة ، ومعنى الهمزة فيها التقرير وإنكار الحسبان واستبعاد (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ) ولم يأتكم ، فإنّ أصل «لمّا» لم ، زيدت عليها ما ، وفيها توقّع (مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) حالهم الّتي هي مثل في الشدّة ، أي : مثل ما امتحنوا به (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ) بيان له على الاستئناف. والبأساء نقيض النعماء ، والضرّاء نقيض السرّاء. وقيل : البأساء القتل ، والضرّاء الفقر ، أو البأساء شدّة الفقر ، والضرّاء المرض والجوع والخروج عن الأهل والمال.

(وَزُلْزِلُوا) وأزعجوا إزعاجا شديدا شبيها بالزلزلة بما أصابهم من الشدائد والأهوال (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) لتناهي الشدّة واستطالة المدّة ، بحيث تقطّعت حبال الصبر. وفي هذه الغاية دليل على تناهي الأمر في الشدّة

٣٤٠