زبدة التّفاسير - ج ١

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ١

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-03-7
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٣٨

(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥) لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦) اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧))

ولمّا قدّم سبحانه ذكر الأمم واختلافهم على أنبيائهم في التوحيد وغيره ، عقّبه بذكر التوحيد ، فقال : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) مبتدأ وخبر والمعنى : أنّه المستحقّ للعبادة لا غير. وللنحاة خلاف في أنّه هل يضمر لـ «لا» خبر مثل : في الوجود ، أو يصحّ أن يوجد ، أو لا؟ (الْحَيُ) الباقي الّذي لا سبيل عليه للفناء. وهو على اصطلاح المتكلّمين : الّذي يصحّ أن يعلم أو يقدر ، وكلّ ما يصحّ له فهو واجب لا يزول ، لامتناعه عن القوّة والإمكان (الْقَيُّومُ) الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه. فيعول من : قام بالأمر إذا حفظه (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) وهو ما يتقدّم النوم من الفتور

٤٠١

الّذي يسمّى النعاس (وَلا نَوْمٌ) وهو حال تعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة ، بحيث تقف الحواسّ الظاهرة عن الاحساس رأسا. وتقديم السنة عليه ، وقياس المبالغة عكسه ، بناء على ترتيب الوجود.

قال فخر الدين الجاربردي (١) : «ويرد في خاطري أنّه قدّم السنة على النوم لأنّه ـ والله أعلم ـ لا يذهب الوهم إلى جواز النوم عليه ، ويدلّ صريح العقل على امتناعه ، لكن يمكن أن يتوهّم جواز السنة فنفاها ، ثمّ ذكر النوم كالتتمّة للكلام. وبالجملة ، ذكر السنة أهمّ فقدّمها» انتهى كلامه.

أقول : ويؤيّد هذا القول ما زعمت اليهود أنّ الله يعرض له التعب واللغوب والفتور من خلق السماوات والأرض ، فلمّا فرغ من خلقهما يوم الجمعة يستريح يوم السبت.

والجملة نفي للتشبيه ، وتأكيد لكونه حيّا قيّوما ، فإنّ من أخذه نعاس أو نوم كان مؤف الحياة قاصرا في الحفظ والتدبير ، ولذلك ترك العاطف فيه ، وكذا في الجملة الّتي بعده ، وهي : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فإنّه تقرير لقيموميّته ، واحتجاج على تفرّده في الألوهيّة. والمراد بما فيهما : ما وجد فيهما داخلا في حقيقتهما ، أو خارجا عنهما متمكّنا فيهما. فهو أبلغ من قوله : له السموات والأرض وما فيهنّ.

روي : «أن موسى سأل الملائكة ـ وكان ذلك من قوله كطلب الرؤية ـ : أينام ربّنا؟ فأوحى الله إليهم أن يوقظوه ثلاثا ولا يتركوه ينام ، ثمّ قال : خذ بيدك قارورتين مملوءتين ، فأخذهما ، وألقى الله عليه النعاس فضرب إحداهما على

__________________

(١) هو أحمد بن الحسين الشافعي ، نزيل تبريز ، من فضلاء تلامذة القاضي البيضاوي ، له : شرح الشافية ، وشرح منهاج أستاذه ... توفّي بتبريز سنة ٧٤٢. الكنى والألقاب ٢ : ١٢٢.

٤٠٢

الأخرى فانكسرتا ، ثمّ أوحى إليه : قل لهؤلاء : إنّي أمسك السموات والأرض بقدرتي ، فلو أخذني نوم أو نعاس لزالتا».

(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) «من» استفهاميّة مرفوعة الموضوع بالابتداء ، و «ذا» خبره ، و «الذي» صفة «ذا» أو بدله. ومعنى الاستفهام الإنكار والنفي.

وهذا بيان لكبرياء شأنه وملكوته ، وأنّه لا أحد يساويه أو يدانيه ، يستقلّ بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة ، فضلا عن أن يعاوقه عنادا أو مناصبة.

والمعنى : أنّه لا يملك أحد أن يتكلّم يوم القيامة في شفاعة الغير إلّا إذا أذن له في الكلام. وهذا زعم المشركين ، فإنّهم يزعمون أنّ الأصنام تشفع لهم ، فأخبر الله تعالى أنّه لا شفاعة عنده إلّا بإذنه وأمره.

(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) الضمير لما في السموات والأرض ، لأنّ فيهما العقلاء ، أو لما دلّ عليه (مَنْ ذَا الَّذِي) من الملائكة والأنبياء ، أي : يعلم ما كان قبلهم وما يكون بعدهم ، ويعلم أحوالهم ، والمرتضى فيهم للشفاعة وغير المرتضى. أو يعلم ما بعدهم وما قبلهم ، عكس الأوّل ، لأنّك مستقبل المستقبل مستدبر الماضي. أو يعلم أمور الدنيا وأمور الآخرة ، أو عكسه ، أو ما يحسّونه وما يعقلونه ، أو ما يدركونه وما لا يدركونه.

(وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) من معلوماته (إِلَّا بِما شاءَ) إلّا بما علم واطّلع عليه. والإحاطة بالشيء علما أن يعلم كما هو في الحقيقة. وعطف ذلك على ما قبله ـ أعني : قوله : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ـ لأنّ مجموعهما يدلّ على تفرّده بالعلم الذاتي الدالّ على وحدانيّته.

(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) هذا تصوير لعظمته وتمثيل مجرّد ،

٤٠٣

كقوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (١) ، (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (٢) ، ولا كرسيّ في الحقيقة ولا قاعد.

وروي عن ائمّتنا عليهم‌السلام أنّ المراد بالكرسيّ العلم. فسمّي العلم كرسيّا تسمية بمكانه الّذي هو كرسيّ العالم.

وقال في المجمع (٣) : يقال للعلماء : الكراسي ، كما يقال : أوتاد الأرض ، لأنّهم قوام الدين والدنيا.

والكرسيّ في الأصل اسم لما يقعد عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد ، وكأنّه منسوب إلى الكرس (٤) ، وهو الملبّد. وقيل : كرسيّه ملكه ، تسمية لمكانه الّذي هو كرسيّ الملك. وقيل : الكرسيّ سرير دون العرش دونه السموات والأرض. ويؤيّده ما ورد في الحديث : ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلّا كحلقة في فلاة ، وما الكرسيّ عند العرش إلّا كحلقة في فلاة.

وروي الأصبغ بن نباتة أنّ عليّا عليه‌السلام قال : «السماوات والأرض وما فيهما من مخلوق في جوف الكرسي ، وله أربعة أملاك يحملونه بإذن الله. ملك منهم في صورة الآدميّين ، وهي أكرم الصور على الله ، وهو يدعو الله ويتضرّع إليه ، ويطلب الشفاعة والرزق لبني آدم. والملك الثاني في صورة الثور ، وهو سيّد البهائم ، وهو يدعو الله ويتضرّع إليه ، ويطلب الشفاعة والرزق للبهائم. والملك الثالث في صورة النسر ، وهو سيّد الطيور ، وهو يدعو الله ويتضرّع إليه ، ويطلب الشفاعة والرزق لجميع الطيور. والملك الرابع في صورة الأسد ، وهو سيّد السباع ، وهو يدعو الله

__________________

(١) الأنعام : ٩١.

(٢) الزمر : ٦٧.

(٣) مجمع البيان ١ : ٣٦٢.

(٤) الكرس : الطّين المتلبّد ، أي : الملتزق بعضه ببعض.

٤٠٤

ويتضرّع إليه ، ويطلب الشفاعة والرزق لجميع السباع».

(وَلا يَؤُدُهُ) من الأود ، وهو الاعوجاج. ومعناه : لا يشقّ على الله ولا يثقله.

(حِفْظُهُما) أي : حفظ السماوات والأرض ، فحذف الفاعل وأضاف المصدر إلى المفعول به (وَهُوَ الْعَلِيُ) عليّ الشأن ، المتعالي عن الأنداد والأشباه (الْعَظِيمُ) عظيم الملك بحيث يستحقر بالاضافة إليه كلّ ما سواه.

قال في الأنوار : «هذه الآية مشتملة على امّهات المسائل الإلهيّة ، فإنّها دالّة على أنّه تعالى موجود واحد في الإلهيّة ، متّصف بالحياة الذاتيّة ، واجب الوجود لذاته ، موجد لغيره ، إذ القيّوم هو القائم بنفسه المقيم لغيره ، منزّه عن التحيّز والحلول ، مبرّأ عن التغيّر والفتور ، لا يناسب الأشباح ، ولا يعتريه ما يعتري الأرواح ، مالك الملك والملكوت ، مبدع الأصول والفروع ، ذو البطش الشديد الّذي لا يشفع عنده إلّا من أذن له ، عالم الأشياء كلّها ، جليّها وخفيّها ، كلّيها وجزئيّها ، واسع الملك والقدرة على كلّ ما يصحّ أن يملك ويقدر عليه ، لا يؤده شاقّ ، ولا يشغله شأن ، متعال عمّا يدركه وهم ، عظيم لا يحيط به فهم ، ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أعظم آية في القرآن آية الكرسي ، من قرأ بعث الله تعالى ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيّئاته إلى الغد من تلك الساعة» (١).

وقال عليّ عليه‌السلام : «سمعت نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أعواد المنبر وهو يقول : من قرأ آية الكرسيّ في دبر كلّ صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنّة إلّا الموت ، ولا يواظب عليها إلّا صدّيق أو عابد ، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره ، والأبيات حوله».

وفي المدارك : «قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ آية الكرسي عند منامه بعت إليه ملك يحرسه حتى يصبح». وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ هاتين الآيتين حين يمسي حفظ بهما

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ : ٢٥٩.

٤٠٥

حتى يصبح ، ومن قرأهما حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي : آية الكرسي ، وأوّل حم (المؤمن) إلى قوله : إليه المصير» (١).

وفي الكشّاف : «قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما قرأت هذه الآية في دار إلّا اهتجرتها (٢) الشياطين ثلاثين يوما ، ولا يدخل ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة. يا عليّ علّمها ولدك وأهلك وجيرانك ، فما نزلت آية أعظم منها» (٣).

وروي : «أنّ الصحابة تذاكروا في أفضل ما في القرآن ، فقال لهم عليّ عليه‌السلام : أين أنتم من آية الكرسيّ؟ ثمّ قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ ، سيّد البشر آدم ، وسيّد العرب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا فخر ، وسيّد الفرس سلمان ، وسيّد الروم صهيب ، وسيّد الحبشة بلال ، وسيّد الجبال الطور ، وسيّد الشجر السدر ، وسيّد الشهور الأشهر الحرم ، وسيّد الأيّام يوم الجمعة ، وسيّد الكلام القرآن ، وسيّد القرآن البقرة ، وسيّد البقرة آية الكرسي» (٤).

وفي المصابيح : «قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ حم (المؤمن) إلى قوله : وإليه المصير ، وآية الكرسي حين يصبح ، حفظ بهما حتى يمسي ، ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح» (٥).

وفي الوسيط : «عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ آية الكرسي في دبر كلّ صلاة خرقت سبع سماوات ، فلم يلتئم خرقها حتى ينظر الله إلى قائلها فيغفر له ، ثمّ يبعث الله إليه ملكا فيكتب حسناته ويمحو سيّئاته إلى الغد من

__________________

(١) مدارك التنزيل وحقائق التأويل المطبوع بهامش تفسير الخازن ١ : ١٨١.

(٢) في هامش النسخة الخطّية : «يقال : هجر الشيء إذا كان الفاعل مفردا ، واهتجر الناس إذا كان الفاعل مجموعا. منه».

(٣) تفسير الكشّاف ١ : ٣٠٢.

(٤) كنز العمّال ٢ : ٣٠٢ ح ٤٠٦٠.

(٥) مصابيح السنّة ٢ : ١٢٠ ح ١٥٤٤.

٤٠٦

تلك الساعة» (١).

وفي كنز الأخبار (٢) عن أنس بن مالك قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا قرأ المؤمن آية الكرسي وجعل ثوابها لأهل القبور ، أدخل الله تعالى في قبر كلّ ميّت من المشرق إلى المغرب أربعين نورا ، ووسّع الله عليها قبورهم ، ورفع لكلّ ميّت درجة ، ويرفع للقارىء ثواب ستّين نبيّا ، وخلق الله من كلّ حرف منها ملكا يسبّح له إلى يوم القيامة».

وفي المجمع (٣) عن أبيّ بن كعب قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبا المنذر أيّ آية في كتاب الله أعظم؟ قلت : الله لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم ، قال : فضرب في صدري ثمّ قال : ليهنئك العلم ، والّذي نفس محمد بيده إنّ لهذه الآية لسانا وشفتين ، تقدّس الملك عند ساق العرش».

وروي الثعلبي بإسناده عن ابن عمر قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ آية الكرسيّ دبر كلّ صلاة مكتوبة كان الّذي يتولّى قبض نفسه ذو الجلال والإكرام ، وكان كمن قاتل مع أنبياء الله حتى استشهد.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : يا عليّ إنّ في آية الكرسيّ لخمسين كلمة في كلّ كلمة خمسون بركة.

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : من قرأ آية الكرسي مرّة صرف الله عنه ألف مكروه من مكاره الدنيا ، وألف مكروه من مكاره الآخرة ، أيسر مكروه الدنيا الفقر ، وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر.

__________________

(١) الوسيط في تفسير القرآن المجيد ١ : ٣٦٦.

(٢) هذا الكتاب لم يطبع إلى الآن ، وفي منهج الصادقين (٢ : ٩٥) ـ وهو تفسير للقرآن باللغة الفارسيّة للمؤلّف ـ : أن كتاب كنز الأخبار من الكتب المعتبرة في أحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) مجمع البيان ١ : ٣٦٠.

٤٠٧

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّ لكلّ شيء ذروة ، وذروة القرآن آية الكرسي» (١).

ولمّا ذكر سبحانه اختلاف الأمم وأنّه لو شاء لأكرههم على الدين ، ثمّ بيّن دين الحقّ وهو التوحيد ، عقّبه بأنّ الحقّ قد ظهر والعبد قد خيّر ، فقال : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) يعني : لم يجر الله أمر الإيمان على القسر والإجبار ، بل على التمكين والاختيار ، فأمور الدين جارية على التمكّن والاختيار ، لا على القسر والإجبار. ونحوه (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٢) أي : لو شاء لأجبرهم على الإيمان ، لكنّه لم يفعل ، وبنى الأمر على الاختيار. وقيل : هو بمعنى النهي ، أي : لا تكرهوا في الدين.

ثمّ قالوا : هو منسوخ بآية السيف ، وهو قوله تعالى : (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) (٣). وقيل : مخصوص بأهل الكتاب إذا أدّوا الجزية ، لما روي أنّ أنصاريّا كان له ابنان تنصّرا قبل المبعث ، ثمّ قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال : والله لا أدعكما حتى تسلما ، فأبيا ، فاختصموا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال الأنصاري : يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر إليه فنزلت ، فخلّاهما.

(قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) قد تميّز الإيمان من الكفر بالآيات النيّرة والأدلّة الواضحة ، ودلّت الدلائل على أنّ الإيمان رشد يوصل إلى السعادة الأبديّة ، والكفر غيّ يؤدّي إلى الشقاوة السرمديّة ، والعاقل متى تبيّن له ذلك بادرت نفسه إلى الإيمان طلبا للفوز بالسعادة والنجاة ، ولم يحتج إلى الإكراه والإلجاء.

(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) بالشيطان أو الأصنام ، أو كلّ ما عبد من دون الله أو صدّ عن عبادة الله. فعلوت من الطغيان ، قلبت عينه ولامه ، يستوي فيه الجمع

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٣٦٠ ـ ٣٦١.

(٢) يونس : ٩٩.

(٣) التوبة : ٧٣.

٤٠٨

والواحد ، والمذكّر والمؤنّث. (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) بالتوحيد وتصديق الرسل كلّهم (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ) طلب الإمساك من نفسه (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) تأنيث الأوثق ، يعني : بالعصمة الوثيقة المحكمة التي هي أشدّ من الحبل الوثيق المحكم المأمون (لَا انْفِصامَ لَها) لا انقطاع لها ، يقال : فصمته فانفصم إذا كسرته فانكسر ، أي : عقد لنفسه عقدا وثيقا لا يحلّه شبهة ، يعني : كما لا ينقطع من تمسّك بالعروة الوثقى ، كذلك لا ينقطع أمر من تمسّك بالإيمان بعروض شبهة. وهذا تمثيل لما يعلم بالنظر والاستدلال ـ من حقّية الدين ـ بالمشاهد المحسوس الّذي ينظر إليه عيانا ، حتى يتصوّره السامع كأنّه ينظر إليه بعينه ، فيحكم اعتقاده واليقين به (وَاللهُ سَمِيعٌ) بالأقوال (عَلِيمٌ) بالنيّات. ولعلّه تهديد على النفاق.

ولمّا ذكر سبحانه المؤمن والكافر بيّن وليّ كلّ واحد منهما بقوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) محبّهم أو متولّي أمرهم ومعينهم ونصيرهم في كلّ ما بهم إليه الحاجة ، وما فيه لهم الصلاح من أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم. ومعنى «آمنوا» : أرادوا أن يؤمنوا (يُخْرِجُهُمْ) بهدايته وتوفيقه ولطفه بنصب الأدلّة لهم وإزاحة العلّة عنهم (مِنَ الظُّلُماتِ) ظلمات الكفر والضلالة ، واتّباع الهوى وقبول الوساوس والشبه المؤدّية إلى الكفر (إِلَى النُّورِ) أي : نور الهدى الموصل إلى الإيمان. والجملة الفعليّة خبر بعد خبر ، أو حال من المستكن في الخبر ، أو من الموصول أو منهما ، أو استئناف مبيّن أو مقرّر للولاية.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) صمّموا على الكفر (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) أي : الشياطين ، أو المضلّات من الهوى والشيطان وغيرهما ، أي : يتولّون أمورهم (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ) من نور الأدلّة البيّنة الموصولة إلى الإيمان (إِلَى الظُّلُماتِ) ظلمات الشرك والانهماك في الشهوات ، أو من نور اليقين إلى ظلمات الشبهات (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وعيد وتهديد وتحذير ، ولعلّ عدم مقابلته بوعد المؤمنين تعظيم لشأنهم.

٤٠٩

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩))

ولمّا بيّن سبحانه أنّه وليّ المؤمنين ، وأنّ الكفّار لا وليّ لهم سوى الطاغوت ، تسلية لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قصّ عليه بعده بيان نصح إبراهيم وتمرّد نمرود ، وعدم قبوله النصح ، لتوغّله في الشرك ، وانهماكه في الكفر ، فقال : (أَلَمْ تَرَ) يا محمّد أي : ألم ينته علمك ورؤيتك (إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) أي : إلى من كان كالّذي حاجّ إبراهيم في ربّه الّذي يدعو إلى توحيده وعبادته. فكأنّه قال : هل رأيت كالّذي حاجّ ـ أي : خاصم وجادل ـ إبراهيم ، وهو نمرود بن كنعان ، وهو أوّل من تجبّر وادّعى الربوبيّة ، وفي هذا تعجيب من محاجّته وحماقته (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) لأن آتاه ، أي :

٤١٠

أبطره إيتاء الملك وحمله على المحاجّة ، أو حاجّ لأجله شكرا له على طريقة العكس ، كقولك : عاديتني لأنّي أحسنت إليك ، أو وقت أن آتاه الله الملك.

ومعنى آتاه الملك : أنّه آتاه ما غلب به وتملّك من الأموال من الخدم وكثرة الأتباع. فأمّا إيتاء الملك بمعنى تمليك الأمر والنهي وتدبير أمور الناس وإيجاب الطاعة على الخلق ، فلا يجوز أن يؤتيه الله إلّا من يعلم أنّه يدعو إلى الصلاح والسداد والرشاد ، دون من يدعو إلى الكفر والفساد ، لأنّ هذا قبيح والله سبحانه منزّه عن فعل القبيح. فيبطل قول صاحب الأنوار (١) في تفسيره : إنّ قوله : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) حجّة على المعتزلة بمنع إيتاء الملك الكافر.

(إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) ظرف لـ «حاجّ» أو بدل من «آتاه» على تقدير : وقت أن آتاه الله (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) بخلق الحياة والموت في الأجساد. وقرأ حمزة : ربّ بحذف الياء تخفيفا (قالَ أَنَا أُحْيِي) بالعفو عن القتل (وَأُمِيتُ) بالقتل.

(قالَ إِبْراهِيمُ) إعراضا عن الاعتراض على معارضته الفاسدة إلى الاحتجاج بما لا يقدر فيه نمرود على نحو هذا التمويه ، دفعا للمشاغبة. وهو في الحقيقة عدول عن مثال خفيّ إلى مثال جليّ من مقدوراته الّتي يعجز عن الإتيان بها غيره ، لا عن حجّة إلى حجّة أخرى ، فقال : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ).

وقيل : لمّا كسر إبراهيم الأصنام سجنه أيّاما ثم أخرجه ليحرقه ، فقال له : من ربّك الّذي تدعو إليه؟! وحاجّه فيه.

وعن الصادق عليه‌السلام : «أنّ إبراهيم عليه‌السلام قال له : فأحي من قتلته إن كنت صادقا ، بعد قوله : أنا أحيي وأميت ، ثمّ استظهر عليه بما قاله ثانيا».

(فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) فصار مبهوتا ملزما (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الّذين

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ : ٢٦٠.

٤١١

ظلموا أنفسهم بالامتناع عن قبول الهداية. وقيل : لا يهديهم محجّة الاحتجاج ، أو سبيل النجاة ، أو طريق الجنّة يوم القيامة.

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) تقديره : أو أرأيت مثل الّذي ، فحذف لدلالة «ألم تر» عليه ، لأنّ كلتيهما كلمة تعجيب. وتخصيصه بحرف التشبيه ، لأنّ المنكر للإحياء كثير ، والجاهل بكيفيّته أكثر من أن يحصى ، بخلاف مدّعي الربوبيّة. ويجوز أن يحمل على المعنى دون اللفظ ، كأنّه قيل : أرأيت كالّذي حاجّ إبراهيم أو كالذي مرّ على قرية. وقيل : الكاف مزيدة ، وتقدير الكلام : ألم تر إلى الّذي حاجّ أو الّذي مرّ. وهو عزير بن شرحيا على الرواية المأثورة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وعليه قتادة وعكرمة والسدّي. وقيل : أرميا. وهو المرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام. وقيل : الخضر ، أراد أن يعاين إحياء الموتى ليزداد بصيرة كما طلبه إبراهيم. وقيل : كان المارّ كافرا بالبعث. ويؤيّده نظمه مع نمرود ، ولكلمة الاستبعاد الّتي هي : أنّى يحيي؟

والقرية بيت المقدس حين خرّبه بختنصّر. وقيل : القرية الّتي خرج منها الألوف. وقيل : غيرهما. واشتقاقها من القري ، وهو الجمع.

(وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) خالية ساقطة حيطانها على سقوفها ، أي : كانت سقوفها سقطت أوّلا ثمّ وقع البنيان عليها (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) اعترافا بالقصور عن معرفة طريق الإحياء ، واستعظاما لقدرة المحيي إن كان القائل مؤمنا ، واستبعادا إن كان كافرا. و «أنّى» في موضع نصب على الظرف بمعنى متى ، أو على الحال بمعنى كيف. ومعناه : أنّى أو كيف يعمر الله هذه القرية؟ فأطلق لفظ القرية وأراد أهلها.

(فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) فألبثه ميّتا مائة عام ، أو أماته فلبث ميّتا مائة عام (ثُمَّ بَعَثَهُ) بالإحياء. قيل : إنّه مات ضحى ، وبعث بعد مائة سنة قبل غيبوبة الشمس.

٤١٢

(قالَ كَمْ لَبِثْتَ) القائل هو الله تعالى ، بأن خلق الصوت في الهواء ، فسمع نداء في السماء. وساغ أن يكلّمه وإن كان كافرا ، لأنّه آمن بعد البعث أو شارف الإيمان. وقيل : ملك أو نبيّ.

(قالَ) قبل النظر إلى الشمس (لَبِثْتُ يَوْماً) ثمّ التفت فرأي بقيّة من الشمس فقال : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) على الإضراب. وقيل : يقول هذا في الجواب كقول الظّان. (قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم تغيّره السنون ، فإنّ الشيء يتغيّر بمرور الزمان عليه. واشتقاقه من السنة. والهاء أصليّة إن قدّرت لام السنة هاء ، وهاء سكت إن قدّرت واوا ، واشتقاقه من السنّوة. وقيل : أصله لم يتسنّن ، من الحمأ المسنون ، فأبدلت النون الثالثة حرف علّة ، كـ : «تقضّى البازي» ، أي : تقضّض. وإنّما أفرد الضمير لأنّ الطعام والشراب كالجنس الواحد.

وروي أنّ طعامه كان تينا وعنبا ، وشرابه عصيرا ولبنا ، فوجد التين والعنب كما جنيا ، والشراب على حاله.

(وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) كيف تفرّقت عظامه. وكان له حمار قد ربطه. ويجوز أن يكون المراد : انظر إليه سالما في مكانه كما ربطته حفظناه بلا ماء وعلف ، كما حفظنا الطعام والشراب من التغيّر ، وذلك من أعظم الآيات. والأوّل أدلّ على الحال ، وأوفق لما بعده. (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) أي : وفعلنا ذلك لنجعلك آية للنّاس. يريد : إحياءه بعد الموت ، وحفظ طعامه وشرابه.

روي أنّه أتى قومه راكبا على حماره وقال : أنا عزير ، فكذّبوه ، فقرأ التوراة من الحفظ ـ ولم يحفظها أحد قبله ـ وهم ينظرون في الكتاب ، فكانت قراءته موافقة لما في الكتاب حرفا بحرف ، فقالوا : هو ابن الله.

وقيل : لمّا رجع إلى منزله كان شابّا وأولاده شيوخا ، فإذا حدّثهم بحديث

٤١٣

قالوا : حديث مائة سنة.

روي عن عليّ عليه‌السلام : «أن عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل وله خمسون سنة ، فأماته الله مائة سنة ثمّ بعثه ، فرجع إلى أهله ابن خمسين ، وله ابن له مائة سنة ، فكان ابنه أكبر منه ، فذلك من آيات الله».

(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) هي عظام الحمار ، أو عظام الموتى الّذين تعجّبت من إحيائهم (كَيْفَ نُنْشِزُها) كيف نحرّكها ونرفعها من الأرض ، فنردّها إلى أماكنها ، ونركّب بعضها على بعض. و «كيف» منصوب بـ «ننشزها» ، والجملة حال من العظام ، أي : انظر إليها محياة. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب : ننشرها ، بالراء المهملة ، من : أنشر الله الموتى ، أي : كيف نحييها.

(ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) فاعل «تبيّن» مضمر يفسّره ما بعده ، تقديره : فلمّا تبيّن له أنّ الله على كلّ شيء قدير (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فحذف الأوّل لدلالة الثاني عليه ، أو يفسّره ما قبله ، أي : فلمّا تبيّن له ما أشكل عليه. وقرأ حمزة والكسائي : «قال اعلم» على الأمر ، والآمر مخاطبه أو هو نفسه ، خاطبها به على طريق التبكيت.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠))

ثمّ ذكر سبحانه ما أراه إبراهيم عليه‌السلام عيانا من إحياء الموتى ، فقال : (وَإِذْ قالَ

٤١٤

إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي) بصّرني (كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) إنّما سأل ذلك ليصير علمه عيانا. وقيل : لمّا قال نمرود : أنا أحيي وأميت ، قال له : إنّ إحياء الله بردّ الروح إلى بدنها ، فقال نمرود : هل عاينته؟ فلم يقدر أن يقول : نعم ، وانتقل إلى تقرير آخر ، ثمّ سأل ربّه أن يريه ليطمئنّ قلبه على الجواب إن سئل عنه مرّة أخرى.

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّه رأي جيفة تمزّقها السباع ، فيأكل منها سباع البرّ وسباع الهواء ودوابّ البحر ، فسأل الله تعالى فقال : يا ربّ قد علمت أنّك تجمعها من بطون السباع والطير ودوابّ البحر ، فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك».

(قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) بأنّي قادر على الإحياء بإعادة التركيب والحياة. قال له ذلك وقد علم أنّه أغرق النّاس في الإيمان ليجيب بما أجاب به ، فيعلم السامعون غرضه. والهمزة للتقرير. (قالَ بَلى) إيجاب بعد النفي ، معناه : بلى آمنت (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أي : ولكن سألت ذلك لأزيد طمأنينة وسكونا ، بمضامّة العلم الضروري العلم الاستدلالي ، وتظاهر الأدلّة أزيد للبصيرة واليقين. فأراد بطمأنينة القلب العلم الضروري الّذي لا مجال فيه للشكّ. واللام تعلّقت بمحذوف ، تقديره : سألت ذلك ليطمئنّ قلبي.

(قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) طاووسا وديكا وغرابا وحمامة. ومنهم من ذكر النسر بدل الحمامة. وفيه إيماء إلى أنّ إحياء النفس بالحياة الأبديّة إنّما يتأتّى بإماتة حبّ الشهوات والزخارف الّذي هو صفة الطاووس ، والصولة المشهور بها الديك ، وخسّة النفس وبعد الأمل المتّصف بهما الغراب ، والترفع والمسارعة إلى الهوى الموسوم بهما الحمامة. وإنّما خصّ الطير لأنّه أقرب إلى الإنسان ، وأجمع لخواصّ الحيوان. والطير مصدر سمّي به ، أو جمع كصحب.

(فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) فأملهنّ واضممهنّ إليك لتتأمّلها وتعرف شأنها ، لئلّا تلتبس عليك بعد الإحياء. وقرأ حمزة ويعقوب : فصرهنّ بالكسر. وهما لغتان. (ثُمَّ اجْعَلْ

٤١٥

عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) ثمّ جزّأهنّ وفرّق أجزاءهنّ على الجبال الّتي بحضرتك. قيل : كانت أربعة ، وقيل : سبعة ، وقيل : عشرة (ثُمَّ ادْعُهُنَ) قل لهنّ : تعالين بإذن الله تعالى (يَأْتِينَكَ سَعْياً) ساعيات مسرعات في طيرانهنّ أو في مشيهنّ على أرجلهنّ.

روي أنّه أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويقطعها ويفرّق أجزاءها ، ويخلط ريشها ودماءها ولحومها ، وأن يمسك رؤوسها ، ثمّ أمر بأن يجعلها بأجزائها على الجبال ، على كلّ جبل ربعا أو سبعا أو عشرا من كلّ طائر ، ثمّ يصيح بها : تعالين بإذن الله ، فجعل كلّ جزء من الريش والعظم واللحم يطير إلى الآخر حتى صارت جثثا ، ثمّ أقبلن فانضممن إلى رءوسهنّ ، كلّ جثّة إلى رأسها ، وقرئ : جزءا ، بضمّتين.

(وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يعجز عمّا يريده (حَكِيمٌ) ذو حكمة بالغة في كلّ ما يفعله. وكفى ذلك شاهدا على فضل إبراهيم ، ويمن الضراعة في الدعاء ، وحسن الأدب في السؤال ، أنّه تعالى أراه ما أراد أن يريه في الحال على أيسر الوجوه ، وأراه عزيرا بعد أن أماته مائة عام.

(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ

٤١٦

وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥)) (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦))

ولمّا ذكر آيات قدرته الّتي من جملتها إحياء الموتى ، ليدينهم بما دانوا من الأعمال ، بعد ذكر أحكام العبادات البدنيّة من الحجّ والصوم والصلاة والجهاد ، بيّن أحكام العبادات الماليّة الّتي من جملتها الإنفاق على المجاهدين الّذين جاهدوا الكفّار المنكرين لنبوّة الأنبياء وإحياء الموتى ، فقال : (مَثَلُ الَّذِينَ) أي : مثل نفقة الّذين (يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) وهو الجهاد وغيره من أبواب البرّ كلّها. وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام. واختاره أبو علي الجبائي. وقيل : هي خاصّة بالإنفاق

٤١٧

في الجهاد ، وأمّا غيره من الطاعات فإنّما يجزى بالواحدة عشرة أمثالها (كَمَثَلِ حَبَّةٍ) أو مثلهم كمثل باذر حبّة (أَنْبَتَتْ) أخرجت (سَبْعَ سَنابِلَ) ، أسند الإنبات إلى الحبّة لمّا كانت من الأسباب ، كما يسند إلى الأرض والماء ، والمنبت على الحقيقة هو الله تعالى. والمعنى : أنّه يخرج منها ساق يتشعّب منه سبع شعب (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ) منها (مِائَةُ حَبَّةٍ). وهذا التمثيل لا يقتضي وقوعه ، وقد يكون في الذرة والدخن ، وفي البرّ في الأراضي المغلّة. والغرض منه تصوير مضاعفة الحسنات ، كأنّها موضوعة بحذاء العين.

(وَاللهُ يُضاعِفُ) تلك المضاعفة ، أي : يزيد على سبعمائة (لِمَنْ يَشاءُ) بفضله ، وعلى حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه (وَاللهُ واسِعٌ) لا يضيق عليه ما يتفضّل به من الزيادة (عَلِيمٌ) بنيّة المنفق وقدر إنفاقه واستحقاقه الزيادة.

روي : «أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ربّ زد لأمّتي ، فنزل قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) (١) ، فقال : ربّ زد لأمّتي ، فنزل : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٢)».

ولمّا أمر سبحانه بالإنفاق عقّبه ببيان كيفيّة الإنفاق ، فقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً). المنّ : أن يعتدّ على من أحسن إليه بإحسانه ، ويريد أنّه أوجب عليه حقّا له ، بأن يقول له : ألم أعطك كذا؟ ألم أحسن إليك؟ ألم أغنك؟ ونحوها. والأذى : أن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه ، بأن يقول له : أراحني الله منك ومن ابتلائي بك. ويحتمل أن يكون معنى الأذى أن يعبّس وجهه عليه ، أو يؤذيه بما يدفعه إليه. و «ثمّ» للتفاوت بين الإنفاق وترك المنّ والأذى ، وأنّ تركهما خير من الإنفاق ، كما جعل الاستقامة على الإيمان

__________________

(١) البقرة : ٢٤٥.

(٢) الزمر : ١٠.

٤١٨

خيرا من الدخول فيه بقوله : (ثُمَّ اسْتَقامُوا) (١).

(لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) عدم دخول الفاء ـ وقد تضمّن ما أسند إليه معنى الشرط ـ إيهام بأنّهم أهل لذلك وإن لم يفعلوا ، فكيف بهم إذا فعلوا؟!

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ردّ جميل (وَمَغْفِرَةٌ) وتجاوز عن السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسؤول ، أو نيل مغفرة من الله بسبب الرّد الجميل ، أو عفو من جهة السائل ، لأنّه إذا ردّه ردّا جميلا عذره (خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) خبر عنهما ، وإنّما صحّ الابتداء بالنكرة لاختصاصها بالصفة. (وَاللهُ غَنِيٌ) عن الإنفاق بمنّ وإيذاء (حَلِيمٌ) عن معاجلة من يمنّ ويؤذي بالعقوبة. وفيه نوع من الوعيد.

ثمّ أكّد سبحانه ما قدّمه بما ضرب من الأمثال ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ) لا تحبطوا أجرها (بِالْمَنِّ وَالْأَذى) بكلّ واحد منهما (كَالَّذِي) كإبطال المنافق الّذي (يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) لا يريد بإنفاقه رضا الله وثواب الآخرة ، أو مماثلين الّذي ينفق رئاء الناس. والكاف في محلّ النصب على المصدر أو الحال. و «رئاء» نصب على المفعول له أو الحال ، بمعنى : مرائيا ، أو المصدر ، أي : إنفاقا رئاء.

(فَمَثَلُهُ) مثل المرائي في إنفاقه (كَمَثَلِ صَفْوانٍ) كمثل حجر أملس (عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ) مطر عظيم القطر (فَتَرَكَهُ صَلْداً) أملس نقيّا من التراب الّذي كان عليه (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) أي : لا ينتفعون بما فعلوا رئاء ، ولا يجدون ثوابه ، كما لا ينتفع أحد بالتراب الّذي أذهبه المطر من الحجر الصلد ولا يجده. وضمير (لا يَقْدِرُونَ) للّذي ينفق ، باعتبار المعنى ، لأنّ المراد به الجنس أو الفريق.

__________________

(١) فصّلت : ٣٠ ، الأحقاف : ١٣.

٤١٩

(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) إلى الخير والرشاد ، لتوغّل عنادهم ولجاجهم ، وشدّة إنكارهم ، مع أنّهم يعرجون طريق الحقّ ، فيخلّيهم الله في الكفر والضلالة. وفيه تعريض بأنّ الرئاء والمنّ والأذى على الإنفاق من صفات الكفّار ، ولا بدّ للمؤمن أن يتجنّب عنها.

وبعد ذكر الوعيد على المنافقين المنفقين رئاء الناس ، وعد المؤمنين المنفقين ابتغاء مرضاة الله ، فقال : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وتثبيتا بعض أنفسهم على الإيمان ، فإنّ المال شقيق الروح ، وبذله أشقّ على النفس من أكثر العبادات الشاقّة ، فمن بذل ماله لوجه الله ثبّت بعض نفسه ، ومن بذل ماله وروحه ثبّتها كلّها. ويجوز أن يراد : وتصديقا للإسلام ، وتحقيقا للجزاء مبتدأ من أصل أنفسهم ، لأنّه إذا أنفق المسلم في سبيل الله علم أنّ تصديقه بالثواب من أصل نفسه وأصل قلبه. وفيه تنبيه على أنّ حكمة الإنفاق للمنفق تزكية النفس عن البخل وحبّ المال.

فمثل نفقة هؤلاء في الزكاة (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) كمثل بستان بموضع مرتفع ، فإنّ شجره يكون أزكى ثمرا وأحسن منظرا. وقرأ ابن عامر وعاصم : بربوة بالفتح (١). وهما لغتان فيها. (أَصابَها وابِلٌ) مطر عظيم القطر (فَآتَتْ أُكُلَها) فأعطيت ثمرتها. وقرأ نافع وأبو عمرو بالسكون تخفيفا. (ضِعْفَيْنِ) مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل. والمراد بالضعف المثل ، كما أريد بالزوج الواحد في قوله : (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) (٢). وقيل : أربعة أمثاله. ونصبه على الحال ، أي : مضاعفا. (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) أي : فيصيبها مطر ليّن ، أو فالّذي يصيبها طلّ ، وهو يكفيها ، لكرم منبتها ، وبرودة هوائها ، لارتفاع مكانها. والطلّ : هو المطر الصغير القطر.

__________________

(١) أي : ضمّ الراء وفتحها.

(٢) هود : ٤٠ ، المؤمنون : ٢٧.

٤٢٠