زبدة التّفاسير - ج ١

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ١

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-03-7
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٣٨

وتماديه في العظم ، لأنّ الرسل مع اقتدارهم التامّ في تحمّل الشدائد العظيمة ، متى لم يبق لهم صبر في مثل هذه الدواهي العظمى حتى ضجّوا ، كان البلاء غاية في الشدّة الّتي لا مطمح وراءها. وقرأ نافع : «يقول» بالرفع على أنه حكاية حال ماضية ، كقولك : مرض فلان حتى لا يرجونه (مَتى نَصْرُ اللهِ) استبطاء له لتأخّره (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) استئناف على إرادة القول ، أي : فقيل لهم ذلك إسعافا لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر.

وفيه إشارة إلى أن الوصول إلى الله تعالى ، والفوز بالكرامة عنده ؛ برفض الهوى واللّذات ، ومكابدة الشدائد والرياضات ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حفّت الجنّة بالمكاره ، وحفّت النّار بالشهوات».

وعن قتادة والسدّي : نزلت هذه الآية يوم الخندق لمّا اشتدّت المخافة ، وحوصر المسلمون في المدينة ، فدعاهم الله تعالى إلى الصبر ووعدهم النصر.

وقيل : نزلت في حرب أحد لمّا قال عبد الله بن أبيّ لأصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلى متى تقتلون أنفسكم؟ لو كان محمد نبيّا ما سلّط الله عليه الأسر والقتل.

وعن عطاء : نزلت في المهاجرين من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ، إذ تركوا ديارهم وأموالهم ومسّتهم الضرّاء.

(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥))

وبعد أن رغّب العباد بهذه الآية في تحمّل المشاقّ في التكاليف الشرعيّة ، والأمر بالصبر فيها ، خصوصا في الجهاد الّذي يكون الرياضة والمشقّة فيه أصعب

٣٤١

وأشقّ ، بيّن وجوه مصارف الأموال الّتي من جملتها الإنفاق في الجهاد ، فقال : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) أيّ شيء ينفقونه. روي عن ابن عبّاس أنّ عمرو بن الجموح الأنصارى كان شيخا كبيرا ذا مال كثير ، فقال : يا رسول الله بماذا أتصدّق؟ وعلى من أتصدّق؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

ولمّا كان السؤال عن الإنفاق يتضمّن السؤال عن مصرف النفقة ، لأنّ النفقة لا يعتدّ بها إلا إذا وقع موقعها ، فلذلك جاء الجواب ببيان مصارفها ، فقال : (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي : من مال. وإيثار «خير» على مال للدلالة على أنّه ممّا ينتفع به ، لأنّ ما لا ينتفع به لا يسمّى خيرا (فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) مرّ معناه (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) في معنى الشرط (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) جوابه ، أي : إن تفعلوا من عمل صالح يقرّبكم إلى الله فالله يعلم كنهه ويوفي ثوابه. وليس في الآية ما ينافيه فرض الزكاة لينسخ به.

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦))

ثمّ بيّن كون الجهاد مصلحة لمن أمر به وإن لم يتعلّق علمه بها ، فقال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) شاقّ عليكم. وهو مصدر نعت به للمبالغة ، أو فعل بمعنى مفعول ، كالخبز بمعنى المخبوز (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وهو جميع ما كلّفوا به ، فإنّ الطبع يكرهه وهو مناط صلاحهم وسبب فلاحهم ، ومن ذلك القتال ، فإنّكم تكرهونه لما فيه من المخاطرة بالروح ، وهو خير لكم ، لما فيه من إحدى الحسنيين : إمّا الظفر والغنيمة ، وإمّا الشهادة والجنّة. (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) وهو جميع ما نهوا عنه ، فإنّ النفس تحبّه وتهواه ، وهو يفضي بها إلى

٣٤٢

الردى ، ومن ذلك القعود عن الجهاد لمحبّة الحياة ، وهو شرّ لما فيه من الذلّ والفقر في الدنيا ، وحرمان الغنيمة والأجر في العقبى. وإنّما ذكر «عسى» لأنّ النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها.

(وَاللهُ يَعْلَمُ) ما هو خير لكم وما يصلحكم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك. وفيه دلالة على أنّ الأحكام الشرعيّة تتبع المصالح الراجحة وإن لم يعرف عينها.

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧))

قال المفسّرون : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سريّة من المسلمين ، وأمّر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي ، وهو ابن عمّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليترصّد عيرا لقريش فيها عمرو بن عبد الله الحضرمي ، وذلك قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة ، فانطلقوا حتى هبطوا نجلة (١) ، فوجدوا بها عمرو بن الحضرميّ في عير تجارة قريش في غرّة رجب ، وكانوا يظنّون أنّه من آخر جمادى الآخرة ، فقتلوه وأسّروا اثنين وغنموا عيره ، وكان ابن الحضرمي أوّل قتيل قتل بين

__________________

(١) اسم موضع. وفي معجم البلدان (٥ : ٢٧٢) : النّجل : قرية أسفل صفينة بين أفيعية وأفاعية ، وهي مرحلة من مراحل طريق مكّة.

٣٤٣

المسلمين والمشركين ، وذلك الفيء أوّل فيء أصابه المسلمون ، فقالت قريش : قد استحلّ محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ، ويبذعرّ (١) فيه الناس إلى معايشهم ، فركب وفد من قريش حتى قدموا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : أتحلّ القتال في الشهر الحرام؟ فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) بدل الاشتمال من الشهر ، فالسائلون هم المشركون سألوه تشنيعا وتعييرا. وقيل : أصحاب السريّة تألّما ممّا وقع منهم من قتل الحضرمي ، وقالوا : لا نبرح حتى تنزل توبتنا.

(قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) أي : ذنب كبير (وَصَدٌّ) صرف ومنع (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي الإسلام ، أو ما يوصل العبد إلى الله تعالى من الطاعات (وَكُفْرٌ بِهِ) أي : بالله (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) على إرادة المضاف ، أي : وصدّ المسجد الحرام. ولا يحسن عطفه على «سبيل الله» ، لأنّ عطف قوله : «وكفر به» على «وصدّ» مانع منه ، إذ لا يتقدّم العطف على الموصول على العطف على الصلة ، ولا على الهاء في «به» ، لأنّ العطف على الضمير المجرور إنّما يكون بإعادة الجارّ.

(وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ) أهل المسجد ، وهم النبيّ والمؤمنون (أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) ممّا فعلته السريّة خطأ وبناء على الظنّ. وهو خبر عن الأشياء الأربعة المعدودة من كبائر قريش. وأفعل ممّا يستوي فيه الواحد والجمع ، والمذكّر والمؤنّث (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) أي : وما ترتكبونه من الإخراج والشرك أفظع ممّا ارتكب أصحاب السريّة من قتل الحضرمي.

عن ابن عبّاس : لمّا نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الغنيمة وأخرج خمسها ، وهو أوّل خمس وغنيمة في الإسلام كما مرّ ، وقسّم الباقي بعد الخمس في السريّة. وفيه دلالة على إخراج الخمس من أصل الغنيمة.

(وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ) إخبار عن دوام عداوة

__________________

(١) ابذعرّوا ، أي : تفرّقوا. الصحاح ٢ : ٥٨٨.

٣٤٤

الكفّار للمسلمين ، وأنّهم لا ينفكّون عنها حتى يردّوهم عن دينهم. و «حتّى» معناه التعليل ، كقولك : أعبد الله حتى أدخل الجنّة ، أي : يقاتلوكم كي يردّوكم عن دينكم (إِنِ اسْتَطاعُوا) استبعاد لاستطاعتهم ، كقول الواثق بقوّته على قرنه (١) : إن ظفرت بي فلا تبق عليّ ، وإيذان بأنّهم لا يردّونهم.

(وَمَنْ يَرْتَدِدْ) يرجع (مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) إلى دينهم (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) أي : حال كونه على الردّة (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) النافعة (فِي الدُّنْيا) لما يفوتهم بإحداث الردّة ممّا للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام (وَالْآخِرَةِ) لما يفوتهم من الثواب (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) كسائر الكفرة.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨))

روي أنّ عبد الله بن جحش وأصحابه حين قتلوا الحضرمي ظنّ قوم أنّهم إن سلموا من الإثم فليس لهم أجر ، فنزلت : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) صدقوا الله ورسوله (وَالَّذِينَ هاجَرُوا) قطعوا عشائرهم وفارقوا منازلهم وتركوا أموالهم (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) وقاتلوا الكفّار في طاعة الله الّتي هي سبيله المشروعة لعباده. وكرّر الموصول لتعظيم الهجرة والجهاد ، كأنّهما مستقلّان في تحقيق الرجاء. وإنّما جمع بين هذه الأشياء لبيان فضلها والترغيب فيها ، لا لأنّ الثواب لا يستحقّ على واحد منها على الانفراد (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) وهي : النصر والغنيمة في الدنيا ، والمثوبة العظمى في العقبى (وَاللهُ غَفُورٌ) لما فعلوا خطأ وقلّة احتياط (رَحِيمٌ) بأجزل الأجر والثواب.

عن قتادة : هؤلاء خيار هذه الأمّة ، ثمّ جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون ،

__________________

(١) القرن بالكسر : الكفو والنظير في الشجاعة والحرب.

٣٤٥

وأنّه من رجا طلب ، ومن خاف هرب.

وقال الحسن : ذكر المغفرة والرحمة هاهنا لإرادة إيجاب الرجاء والطمع على المؤمنين ، لأنّ رجاء رحمة الله من أركان الدين ، واليأس من رحمة الله كفر ، كما قال : (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (١) ، والأمن من عذابه خسران ، كما قال : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) (٢) فمن الواجب على المؤمن أن لا ييأس من رحمته ، ولا يأمن من عقوبته. ويؤيّده قوله : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) (٣) وقوله : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) (٤).

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩) فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠))

ثمّ ذكر سبحانه بيان حكم آخر من أحكام الشريعة ، فقال : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) روي أنّ جماعة من الصحابة أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : أفتنا في

__________________

(١) يوسف : ٨٧.

(٢) الأعراف : ٩٩.

(٣) الزمر : ٩.

(٤) السجدة : ١٦.

٣٤٦

الخمر ، فإنّها مذهبة للعقل مسلبة للمال ، فنزلت. والمراد بالخمر كلّ مائع بالأصالة ، مسكر ، مخالط للعقل ، مغطّ عليه. وكأنّها سمّيت بالمصدر من «خمره خمرا» إذا ستره للمبالغة ، ومنه الخمار. وهو حرام إجماعا. وكذا حرام عندنا كلّ ما أسكر في الجملة وإن لم يسكر قليله. وذهب أبو حنيفة إلى أنّ نقيع الزبيب والتمر إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم اشتدّ حلّ شربه ما دون السكر. والحقّ خلافه ، للروايات المأثورة عن أئمّتنا عليهم‌السلام.

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ مسكر حرام». وأنّه لعن الخمر ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وبائعها ، ومشتريها ، وساقيها ، وآكل ثمنها ، وشاربها ، وحاملها ، والمحمولة إليه.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شارب الخمر كعابد الوثن».

وعن عليّ عليه‌السلام : «لو وقعت قطرة من خمر في بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذّن عليها ، ولو وقعت في بحر ثمّ جفّ ونبت فيه الكلاء لم أرعه».

والميسر مصدر من «يسر» كالموعد والمرجع من فعلهما. واشتقاقه من اليسر ، كأنّه أخذ مال الغير بيسر من غير كدّ ، أو من اليسار والهمزة للسلب ، لأنّه سلب يساره. والمراد بالقمار كلّه حتى لعب الصبيان بالجوز والبيض. وهو المرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام.

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إيّاكم وهاتين اللعبتين المشؤومتين ، فإنّهما من ميسر العجم».

وعن عليّ عليه‌السلام : «إنّ النرد والشطرنج من الميسر».

واعلم أنّ مذهب الإماميّة أنّ الخمر محرّمة في جميع الشرائع ، وما أبيحت في شريعة قطّ. وكذا كلّ مسكر. وأوردوا في ذلك أخبارا عن أئمّتهم عليهم‌السلام.

وأمّا المفسّرون فقالوا : نزل في الخمر أربع آيات ، فنزل بمكّة (وَمِنْ ثَمَراتِ

٣٤٧

النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) (١). وكان المسلمون يشربونها ، وهي لهم حلال. ثمّ إنّ عمر ومعاذا ونفرا من الصحابة قالوا : يا رسول الله أفتنا في الخمر ، فإنّها مذهبة للعقل ، فنزلت : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، فشربها قوم وتركها آخرون. ثمّ دعا عبد الرحمن بن عوف ناسا منهم ، فشربوا وسكروا ، فأمّ بعضهم ، فقرأ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قل يا أيّها الكافرون أعبد ما تعبدون بحذف كلمة «لا» فنزلت : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (٢) ، فقلّ من يشربها. ثمّ دعا عتبان بن مالك قوما فيهم سعد بن أبي وقّاص ، فلمّا شربوا وسكروا افتخروا وتناشدوا حتّى أنشد سعد شعرا فيه هجاء الأنصار ، فضربه أنصاريّ بلحي (٣) بعير ، فشجّه موضحة ، فشكا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عمر : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ) إلى قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٤) ، فقال عمر : انتهينا يا ربّ.

ولمّا كان سؤالهم عن حكم الخمر والميسر والتصرّف فيهما لا عن حقيقتهما ، فمعنى الآية : ويسألونك عن تعاطي الخمر والميسر (قُلْ فِيهِما) في تعاطيهما (إِثْمٌ كَبِيرٌ) حيث إنّه يؤدّي إلى الإعراض عن المأمور به وارتكاب المحظور (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) من الطرب وكسب المال والالتذاذ ومصادقة الفتيان ، وفي الخمر خصوصا تشجيع الجبان وتوفير المروءة وتقوية الطبيعة (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) أي : المفاسد الّتي تنشأ منهما أعظم من المنافع المتوقّعة منهما ، ولهذا قيل : إنّ هذه الآية محرّمة للخمر ، فإنّ المفسدة إذا ترجّحت على المصلحة اقتضت تحريم الفعل. وأمّا

__________________

(١) النحل : ٦٧.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) اللّحي ، بفتح اللام : عظم الحنك الذي عليه الأسنان ، ومنبت اللحية من الإنسان وغيره.

(٤) المائدة : ٩٠ ـ ٩١.

٣٤٨

ما ذكره المفسّرون وفقهاء العامّة من كونها كانت حلالا باطل بإجماعنا والنقل الصحيح عن أئمّتنا كما ذكر.

روي أنّ عمرو بن الجموح سأل أوّلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المنفق والمصرف؟ فنزلت الآية المتقدّمة ، ثمّ سأل عن كيفيّة الإنفاق؟ فنزلت : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) أيّ شيء ينفقونه؟ (قُلِ الْعَفْوَ) وهو نقيض الجهد ، وهو أن ينفق ما لا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع ، ومنه يقال للأرض السهلة : العفو. والمعنى : أن ينفق ما تيسّر له بذله ، ولا يبلغ منه الجهد.

عن ابن عبّاس : أنّ المراد بالعفو ما فضل عن الأهل والعيال. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّ العفو الوسط من غير إسراف ولا إقتار.

وعن الباقر عليه‌السلام : أنّ العفو ما فضل عن قوت السنة. قال : ونسخ ذلك بآية الزكاة.

وقيل : أفضل المال وأطيبه.

روي أنّ رجلا أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببيضة من ذهب أصابها في بعض المغانم ، فقال : خذها منّى صدقة ، فأعرض عنه ، حتى كرّر عليه مرارا ، فقال : هاتها مغضبا ، فأخذها فخذفها (١) خذفا لو أصابه لشجّه ، ثمّ قال : يأتي أحدكم بماله كلّه يتصدّق به ويجلس يتكفّف (٢) الناس! إنّما الصّدقة عن ظهر غنى.

اعلم أنّ كلام الصادق (٣) عليه‌السلام يدلّ على الالتزام بالأوساط في الإنفاق كلّه ، واجبا كان أو مندوبا ، صدقة وغيرها ، وهو طريق السلامة والأمن من الإفراط والتفريط الموبقين. وكلام الباقر (٤) عليه‌السلام يدلّ على استحباب الصدقة بما فضل عن

__________________

(١) أي : رمى بها من بين سبّابتيه.

(٢) أي : يمدّ كفّه إليهم يستعطي.

(٣) تفسير العيّاشي ١ : ١٠٦ ح ٣١٤ ـ ٣١٥ ، الوسائل ١٥ : ٢٥٨ بـ «٢٥» من أبواب النفقات ح ٣ ، ١٤ ، ١٥.

(٤) رواه عن الباقر عليه‌السلام في مجمع البيان ١ : ٣١٦.

٣٤٩

القوت ، وبذلك وردت أخبار كثيرة وترغيبات عظيمة ، حتى إنّ زين العابدين (١) عليه‌السلام كان يتصدّق بفاضل كسوته. وكلام ابن عبّاس يدلّ على كراهية الصدقة بما هو توسعة على العيال ، ولذلك قال عليه‌السلام : «لا صدقة وذو رحم محتاج». وعلى كراهية ما لم يبق غنى ، فإن آل إلى الاعدام ولا كسب له ربما يصير حراما ، خصوصا مع وجود العيال. والقول الرابع يدلّ على أنّه تستحبّ الصدقة بالمال اللذيذ والشهيّ. وكذلك نقل عن الحسن عليه‌السلام أنّه كان يتصدّق بالسكّر ، فقيل له في ذلك فقال : إنّي أحبّه ، وقد قال الله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (٢).

(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي : مثل ما بيّن أنّ العفو أصلح من الجهد ، أو ما ذكر من الأحكام. والكاف في موضع النصب صفة لمصدر محذوف ، أي : تبيينا مثل هذا التبيين. وإنّما وحّد العلامة والمخاطب به جمع على تأويل القبيل والجمع (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) في الدلائل والأحكام (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) في أمور الدارين ، فتأخذون بالأصلح والأنفع فيهما ، وتتجنّبون عمّا يضرّكم ولا ينفعكم ، أو عمّا يضرّكم أكثر ممّا ينفعكم.

روي أنّه لمّا نزلت : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) (٣) اعتزلوا اليتامى وتركوا مخالطتهم والقيام بأموالهم والاهتمام بمصالحهم ، فشقّ ذلك عليهم وكاد يوقعهم في الحرج ، فذكر ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزلت. (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) أي : القيام بأحوالهم والتصرّف في أموالهم (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) أي : مداخلتهم على وجه الإصلاح لهم خير من مجانبتهم. ثمّ حثّهم على المخالطة بقوله : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ) وتعاشروا (فَإِخْوانُكُمْ) في الدين ، ومن حقّ الأخ أن يخالط أخاه. وقيل : المراد بالمخالطة المصاهرة (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) أي : لا يخفى

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ١٥٤.

(٢) آل عمران : ٩٢.

(٣) النساء : ١٠.

٣٥٠

على الله من داخلهم بإصلاح وإفساد ، فيجازيه على حسب قصد مداخلته. فهذا وعد ووعيد لمن خالطهم للإصلاح أو الإفساد.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) لحملكم على العنت ، وهو المشقّة ، وضيّق عليكم في أمر اليتامى ومخالطتهم ، ولم يجوّز لكم مداخلتهم (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب يقدر على الإعنات (حَكِيمٌ) يفعل ما توجبه الحكمة وتتّسع له الطاقة.

(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١))

ثمّ بيّن حكما آخر من أحكام الشريعة فقال : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) نزلت في مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، بعثه رسول الله إلى مكّة ليخرج منها ناسا من المسلمين ، وكان قويّا شجاعا ، فدعته امرأة يقال لها عناق إلى نفسها فأبى ، وكان يهواها ، فقالت : ألا نخلو؟ فقال : إنّ الإسلام حال بيننا ، فقالت : هل لك أن تتزوّج بي؟ فقال : حتى أستأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا رجع استأذن في التزوّج بها ، فنزلت. ومعناه : ولا تتزوّجوا النساء الكافرات (حَتَّى يُؤْمِنَ) يصدّقن بالله ورسوله.

وهي عامّة عندنا في تحريم مناكحة جميع الكفّار أهل الكتاب وغيرهم ، فإنّ أهل الكتاب مشركون ، لقوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) إلى قوله سبحانه : (عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) ، ولقول النصارى

__________________

(١) التوبة : ٣٠ ـ ٣١.

٣٥١

بالتثليث (١). والمتأخّرون (٢) من أصحابنا حكموا بحلّ الكتابيّات متعة لا غير. وهو أقوى ، كما قرّر في علم الفقه.

وعن ابن عبّاس ومجاهد أنّ هذه الآية منسوخة في الكتابيّات بالآية التي في المائدة : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) (٣). وعن سعيد بن جبير وقتادة أنّها مخصوصة بغير الكتابيّات. وعن ابن عمر وبعض الزيديّة أنّها على ظاهرها في تحريم نكاح كلّ كافرة ، كتابيّة كانت أو مشركة. وهو مذهبنا. وسيأتي بيان آية المائدة في موضعها إن شاء الله تعالى.

(وَلَأَمَةٌ) أي : المملوكة (مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) من حرّة مشركة (وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) بحسنها وجمالها أو مالها. والواو للحال ، و «لو» بمعنى «إن» الموضوعة للاستقبال ، وهو كثير.

(وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ) ولا تزوّجوا منهم المؤمنات (حَتَّى يُؤْمِنُوا) وهو على عمومه (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) من حرّ مشرك (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) جماله أو ماله. هذا تعليل للنهي عن مواصلتهم ، وترغيب في مواصلة المؤمنين.

قال في الكشّاف (٤) : المراد بالأمة المرأة حرّة كانت أو مملوكة ، وكذا المراد بالعبد الرجل حرّا كان أو مملوكا ، فإنّ الناس عبيد الله وإماؤه.

(أُولئِكَ) إشارة إلى المشركين والمشركات (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي : الكفر المؤدّي إلى النار ، فلا يليق موالاتهم ومصاهرتهم (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ) أي : إلى الاعتقاد والعمل الموصلين إليهما. أو أولياء الله ـ يعني : المؤمنين ـ يدعون إليهما بالإرشاد والهداية ، فهم الأحقّاء بالمواصلة. فعلى هذا حذف المضاف وأقام

__________________

(١) المائدة : ٧٣.

(٢) راجع مسالك الافهام ٧ : ٣٦٠.

(٣) المائدة : ٥.

(٤) الكشاف ١ : ٢٦٤.

٣٥٢

المضاف إليه مقامه ، تفخيما لشأنهم. (بِإِذْنِهِ) بتوفيق الله تعالى وتيسيره للعمل الّذي يوصل إلى الجنّة (وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ) أي : أوامره ونواهيه (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) لكي يتّعظوا ، أو ليكونوا بحيث يرجى منهم التذكّر ، لما ركز في العقول من ميل الخير ومخالفة الهوى.

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢))

روي أنّ أهل الجاهليّة كانوا لا يساكنون الحيّض ، ويتجنّبون مؤاكلتهنّ ومشاربتهنّ ، كفعل اليهود والمجوس ، واستمرّ ذلك إلى أن سأل أبو الدحداح في نفر من الصحابة عن ذلك فنزلت : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) ، هو مصدر : حاضت محيضا ، نحو : جاء مجيئا وبات مبيتا. ولعلّه سبحانه ذكر «يسألونك» بغير الواو ثلاثا ثمّ بها ثلاثا ، لأنّ السؤالات الأول كانت في أوقات متفرّقة ، والثلاثة الأخيرة كانت في وقت واحد ، فلذا ذكرها بحرف الجمع.

(قُلْ هُوَ أَذىً) أي : الحيض شيء نجس يستقذر ، ويؤذي من يقربه نفرة منه وكراهة له (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) أي : فاجتنبوا مجامعتهنّ في وقت حيضهنّ ، لما روي أنّها لمّا نزلت أخذ المسلمون بظاهر اعتزالهنّ ، فأخرجوهنّ من بيوتهم ، فقال ناس من الأعراب : يا رسول الله البرد شديد والثياب قليلة ، فإن آثرناهنّ بالثياب هلك سائر أهل البيت ، وإن استأثرنا بها هلكت الحيّض ، فقال عليه‌السلام : «إنّما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهنّ إذا حضن ، ولم يأمركم الله بإخراجهنّ من البيوت كفعل الأعاجم». وهو الاقتصاد بين إفراط اليهود وتفريط النصارى ، فإنّهم كانوا

٣٥٣

يجامعونهنّ ولا يبالون بالحيض. ووصفه بالأذى ، وترتيب الحكم عليه بالفاء ، للإشعار بأنّه العلّة في وجوب الاعتزال عنهنّ.

(وَلا تَقْرَبُوهُنَ) بالمجامعة (حَتَّى يَطْهُرْنَ) تأكيد للحكم وبيان لغايته ، وهي : أن ينقين من الحيض ، أو يغتسلن بعد الانقطاع. ويدلّ عليه قراءة حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر : يطّهّرن ، أي : يتطهّرن ، بمعنى : يغتسلن ، وقوله بعده : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) فإنّه يقتضي تأخّر جواز الإتيان عن الغسل. وقيل : توضّأن أو غسلن الفرج بعد انقطاع الدم.

وقال صاحب كنز العرفان (١) : اختلف في مدّة زمان الاعتزال وغايتها ، قال الشافعي : حتى تغتسل ، ويحتجّ بأنّه جمع بين القراءتين ، ولقوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ) فلا يجوز وطؤها حتى تطهر وتتطهّر. وقال أبو حنيفة : بالجمع بين القراءتين ، بأنّ له أن يطأها في أكثر الحيض بعد الانقطاع وإن لم تغتسل ، وفي أقلّه لا يقربها بعد الانقطاع إلا مع الاغتسال. وأمّا أصحابنا فجمعوا بينهما ، بأنّه قبل الغسل جائز على كراهية ، وبعده لا كراهية. وقال بعض أصحابنا بقول الشافعي. وليس بشيء ، لأنّ «تفعّل» قد جاء بمعنى «فعل» كالمتكبّر في أسماء الله تعالى ، وكقولك : تطعّمت الطعام ، بمعنى : طعمته.

(مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) أي : إتيانا صادرا من الجهة الّتي يحلّ أن يؤتين منها ، ولا تقربوهنّ من حيث لا يحلّ ، بأن يكنّ محرمات أو معتكفات أو صائمات. وقال الفرّاء : لو أراد الفرج لقال «في حيث» ، فلمّا قال «من حيث» علمنا أنّه أراد : من الجهة الّتي أمركم الله بها. وعن ابن عبّاس معناه : من حيث أمركم الله بتجنّبه ، وهو محلّ الحيض ، أعني : القبل. وقيل : من حيث الطهر دون الحيض. وقال محمد بن الحنفيّة : من قبل النكاح دون الفجور.

__________________

(١) كنز العرفان ١ : ٤٣ ـ ٤٥.

٣٥٤

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) عن النجاسات الباطنة ، وهي الذنوب (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) بالماء من النجاسات الظاهرة ، أو المتنزّهين عن الفواحش والأقذار ، كمجامعة الحائض.

(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣))

ولمّا بيّن سبحانه أحوال النساء في الطهر والحيض عقّبه بقوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) مواضع حرث ، أو ذوات حرث لكم. شبّههنّ بها للأمر المشترك بينهما ، وهو مطلق الانتفاع من الولد واللذّة (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ) أي : مواضع حرثكم ـ يعني : نساءكم ـ كما تأتون المحارث (أَنَّى شِئْتُمْ) من أين شئتم ، أو كيف شئتم ، كما تأتون أراضيكم الّتي تحرثونها من أيّ جهة شئتم. وقال : الضحّاك : متى شئتم. وهو خطأ عند أهل اللغة ، لأنّ «أنّى» لا يكون إلا بمعنى : من أين ، كما قال : (أَنَّى لَكِ هذا) (١).

واستدلّ مالك بقوله : «أنّى شئتم» على جواز إتيان المرأة في دبرها. ورواه عن نافع ، عن ابن عمر. وحكاه زيد بن أسلّم عن محمد بن المكندر. وبه قال كثير (٢) من أصحابنا ، وبه وردت الأخبار الصحيحة (٣) عن أئمّتنا عليهم‌السلام ، فتخصيص الحرث بالنسل حسب ضعيف.

(وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) ما يدّخر لكم الثواب بإرسال الأعمال الصالحة.

وقيل : هو طلب الولد ، فإنّ في اقتناء الولد الصالح تقديما عظيما ، لقوله عليه‌السلام :

__________________

(١) آل عمران : ٣٧.

(٢) راجع مسالك الأفهام ٧ : ٥٧.

(٣) انظر الوسائل ١٤ : ١٠٢ بـ «٧٣» من أبواب مقدّمات النكاح.

٣٥٥

«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا عن ثلاث : ولد صالح يدعو له ، وصدقة جارية ، وعلم ينتفع به بعد موته».

وقيل : هو التسمية عند الوطء. ويؤيّده ما روي عن ابن عبّاس قال : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فليقل : بسم الله ، اللهمّ جنّبني الشيطان ، وجنّب الشيطان ما رزقتنا ، فإن قدّر بينهما ولد لم يضرّه شيطان».

وقيل : هو التزوّج بالعفائف ، ليكون الولد صالحا طاهرا.

(وَاتَّقُوا اللهَ) بالاجتناب عن معاصيه ، فلا تجترؤا على المناهي (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) ملاقوا جزائه ، فتزوّدوا ما لا تفتضحون به (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) الكاملين بالكرامة والنعيم المقيم ، بوسيلة فعل الحسنات وترك المقبحات. أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينصحهم ، ويبشّر من صدّقه وامتثل أمره منهم.

(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧))

ولمّا بيّن سبحانه أحوال النساء ، وأمر العباد بإتيانهنّ ، وما يحلّ منهنّ ، عقّبه بذكر الإيلاء ، وهو اليمين الّتي تحرم الزوجة بها ، وابتدأ بذكر مطلق الأيمان أوّلا تأسيسا لحكم الإيلاء ، فقال : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ). روي أنّ عبد الله

٣٥٦

ابن رواحة حين حلف أن لا يدخل على ختنه ولا يكلّمه ولا يصلح بينه وبين امرأته ، وكان يقول : إنّي حلفت بهذا فلا يحلّ لي أن أصلح بينهما ، فنزلت. والعرضة فعلة بمعنى المفعول ، كالقبضة والغرفة. والفعلة للمقدار ، أي : اسم ما يعرض من أيّ شيء كان ، سواء كان العارض حاجزا بين شيئين ، كما يقال : فلان عرضة دوننا ، أو لم يكن بل يكون معرّضا للشيء ، كما يقال : فلان عرضة للناس ، أي : نصب للوقوع فيه.

فعلى هذا يحتمل أن تكون الآية من المعنى الأوّل ، أي : ولا تجعلوا الله حاجزا لأيمانكم ، أي : حاجزا لما حلفتم عليه. فالمراد بالأيمان الأمور المحلوف عليها. وحينئذ تسمية المحلوف عليه يمينا يكون لتلبّسه باليمين ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد الرحمن بن سمرة : «إذا حلفت على يمين ، فرأيت غيرها خيرا منها ، فأت الّذي هو خير». ويكون قوله : (أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ) عطف بيان لأيمانكم ، أي : للأمور الّتي هي البرّ والتقوى والإصلاح. كذا قيل.

وفيه بحث ، لأنّ حمل الأيمان على المحلوف عليه إن صحّ كان مجازا ، ولا يصار إليه إلا مع تعذّر الحقيقة ، وليست متعذّرة ، لجواز أن تكون الآية من المعنى الثاني ، أي : لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم ، أي : لا تكثروا الحلف به حتى في المحقّرات وفي غير المهمّات ، لا في المهمّات الضرورية ، ولذلك ذمّ الحلّاف بقوله : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) (١). ويكون «أن تبرّوا» علّة للنهي ، أي : أنهاكم عن ذلك إرادة برّكم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس ، فإنّ الحلّاف مجترئ على الله ، والمجترئ لا يكون بارّا ولا متّقيا ولا موثوقا به في إصلاح ذات البين.

ويستفاد من التأويل الأوّل أنّه متى تضمّن اليمين ترك برّ أو تقوى أو إصلاح ، فإنّها باطلة لا يجب العمل بمضمونها ، ويجوز مخالفتها ، ومن الثاني النهي عن كثرة

__________________

(١) القلم : ١٠.

٣٥٧

الأيمان وإن كانت صادقة ، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة. كذا قاله في كنز العرفان (١).

(وَاللهُ سَمِيعٌ) لأيمانكم (عَلِيمٌ) بنيّاتكم.

كان هاهنا موضع سؤال مقدّر تقديره : إذا نهى الله عن جعل الله عرضة للأيمان هلك الناس ، لكثرة حلفهم بالله. فأجاب بقوله : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ). اللغو : الساقط الّذي لا يعتدّ به من كلام وغيره. واللغو من اليمين : الساقط الّذي لا يعتدّ به في الأيمان ، وهو ما يجري على عادة اللسان ويسبق به ، من قول : لا والله وبلى والله ، من غير عقد قلبي ، إذا تكلّم به جاهلا بمعناه.

والمعنى : لا يؤاخذكم الله بلغو اليمين الّذي لا قصد معه ، ولا يلزمكم به كفّارة وعقوبة (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) بما قصدتم من الأيمان ، وواطأت فيها قلوبكم ألسنتكم ، فإنّ كسب القلب هو العقد والنيّة ، فالأيمان المأخوذ بها ما نوت قلوبكم وقصدته. وفي هذا إشارة إلى اشتراط القصد في اليمين والنيّة ، فلا يقع يمين الغضبان غضبا يرتفع معه القصد ، وكذا الساهي والغافل.

(وَاللهُ غَفُورٌ) حيث لم يؤاخذ (حَلِيمٌ) حيث لا يعجل بالمؤاخذة على يمين الجدّ تربّصا للتوبة.

وبعد ذكر حكم مطلق الأيمان بيّن حكم الإيلاء ، فقال : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) أي : يحلفون على أن لا يجامعوهنّ. والإيلاء الحلف ، وتعديته بـ «على» ، ولكن لمّا ضمن هذا القسم معنى البعد عدّي بـ «من» ، فكأنّه قيل : يبعدون من نسائهم مولين أو حالفين (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) مبتدأ ما قبله خبره ، أو فاعل الظرف. والتربّص الانتظار والتوقّف ، أضيف إلى الظرف على الاتّساع ، أي : للمولى حقّ التلبّث في هذه المدّة ، فلا يطالب بفيء ولا طلاق.

__________________

(١) كنز العرفان ٢ : ١١٩.

٣٥٨

وصيغة الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته : والله إنّي لا أقربك ، ثمّ قام على يمينه. والحكم في ذلك أنّ المرأة إذا رفعت أمرها إلى الحاكم أنظر زوجها بعد الرفع إليه أربعة أشهر ، ويقول له بعد مضيّ الأشهر الأربعة : إذا لم تراجع زوجتك فيء أو طلّق.

(فَإِنْ فاؤُ) أي : رجعوا ، بأن يكفّروا عن اليمين ، ويجامعوا عند القدرة عليه ، أو يراجعوا بالقول عند العجز عن الجماع (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) للمولى إثم حنثه إذا كفّر ، أو ما توخّى بالإيلاء من ضرار المرأة بالفئة الّتي هي كالتوبة.

(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) وإن صمّموا قصد الطلاق وتلفّظوا به مع الشرائط المعتبرة فيه (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لطلاقهم (عَلِيمٌ) بغرضهم فيه.

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨))

ولمّا أجرى الكلام إلى الطلاق بيّن بعد ذلك أحكام عدّة الطلاق بقوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ) يعني : المدخول بهنّ من ذوات الحيض غير الحوامل ، لأنّ في الآية بيان عدّتهنّ ، ولما دلّت الآيات والأخبار أنّ حكم غيرهنّ خلاف ما ذكر. وكذا الحكم مختصّ بالحرّة ، فإنّ الأمة عدّتها قرءان إذا كانت مستقيمة الحيض ، فاللفظ مطلق في تناول الجنس ، صالح لكلّه وبعضه ، فجاء في أحد ما يصلح له كاللفظ المشترك.

٣٥٩

(يَتَرَبَّصْنَ) خبر في معنى الأمر. وتغيير العبارة للتأكيد والإشعار بأنّه ممّا يجب أن يسارع إلى امتثاله ، فكأنّهنّ امتثلن الأمر بالتربّص ، فهو سبحانه يخبر عنه ، كقولك في الدعاء : رحمك الله. وبناؤه على المبتدأ يزيده فضل تأكيد.

وقوله : (بِأَنْفُسِهِنَ) تهييج وبعث لهنّ على التربّص ، فإنّ نفوس النساء طوامح إلى الرجال ، فأمرن بأن يقمعنها ويحملنها على التربّص. والمعنى : ينتظرن بأنفسهنّ (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) منصوب على الظرف أو المفعول به ، أي : ينتظرن مدّة ثلاثة قروء أو مضيّها.

وقروء جمع قرء. وهو يطلق للحيض ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «دعي الصّلاة أيّام أقرائك». وللطهر الفاصل بين حيضهنّ. وأصله الانتقال من الطهر إلى الحيض ، وهو المراد به في الآية عندنا وعند الشافعي ، لأنّه الدالّ على براءة الرحم لا الحيض ، كما قالت الحنفيّة ، لقوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) (١) أي : وقت عدّتهنّ ، والطلاق المشروع لا يكون في الحيض.

وجاء المميّز على جمع الكثرة دون القلّة الّتي هي الأقراء ، لأنّهم يستعملون كلّ واحد من الجمعين مكان الآخر ، لاشتراكهما في الجمعيّة ، ألا ترى إلى قوله : «بأنفسهنّ» وما هي إلا نفوس كثيرة. ولعلّ القروء كانت أكثر استعمالا في جمع القرء من الأقراء ، فأوثر عليه ، تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل ، مثل قولهم : ثلاثة شسوع في موضع أشسع ، لفقد السماع فيه.

(وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) من الولد والحيض ، استعجالا في العدّة ، وإبطالا لحقّ الرجعة ، وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلّا ينتظر بطلاقها أن تضع ، ولئلّا يشفق على الولد فيترك طلاقها ، أو كتمت حيضها وقالت ـ وهي حائض ـ : قد طهرت ، استعجالا للطلاق. وفيه دليل

__________________

(١) الطلاق : ١.

٣٦٠