زبدة التّفاسير - ج ١

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ١

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-03-7
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٣٨

يهوذا ، فكأنّهم سمّوا باسم أكبر أولاد يعقوب عليه‌السلام. والجمع هود.

(وَالنَّصارى) جمع نصران كالندامى. والياء في نصراني للمبالغة ، كما في أحمري. سمّوا بذلك لأنّهم نصروا المسيح ، أو لأنّهم كانوا معه في قرية يقال لها : نصران أو ناصرة ، فسمّوا باسمها أو من اسمها.

(وَالصَّابِئِينَ) قوم بين النصارى والمجوس. قيل : أصل دينهم دين نوح عليه‌السلام. وقيل : هم عبدة الملائكة. وقيل : عبدة الكواكب. وهو إن كان عربيّا فمن «صبأ» إذا خرج. وقرأ نافع وحده «الصابين» بالياء ، إمّا لأنّه حذف الهمزة تخفيفا ، أو لأنّه من «صبا» إذا مال ، لأنّهم مالوا من دين اليهوديّة والنصرانيّة إلى عبادة الملائكة أو الكواكب ، أو من الحقّ إلى الباطل.

(مَنْ آمَنَ) من هؤلاء الكفرة (بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إيمانا خالصا عن صميم القلب بالمبدأ والمعاد ، ودخل الإسلام دخولا صادقا (وَعَمِلَ صالِحاً) أي : وعمل عملا صالحا بمقتضى شرع الإسلام (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الّذي وعد لهم على إيمانهم وعملهم (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) حين يخاف الكفّار من العقاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) حين يحزن المقصّرون على تضييع العمر وتفويت الثواب.

واعلم أن «من» مبتدأ خبره (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) ، والجملة خبر «إنّ» أو بدل من اسم «إنّ» وخبرها (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) ، والفاء لتضمّن المسند إليه معنى الشرط. وردّ منع سيبويه دخولها في خبر إنّ من حيث إنّها لا تدخل الشرطيّة وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) (١).

والآية دالّة على أنّ الإيمان إنّما هو التصديق والاعتقاد بالقلب ، لأنّه تعالى عطف على «من آمن» قوله : (وَعَمِلَ صالِحاً). ومن حمل ذلك على التأكيد أو الفضل فقد ترك الظاهر.

__________________

(١) البروج : ١٠.

١٦١

(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦))

ثمّ عاد سبحانه إلى خطاب بني إسرائيل فقال : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) أي : عهدكم باتّباع موسى والعمل بالتوراة (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) حتى قبلتم الميثاق ، وذلك أنّ موسى عليه‌السلام لمّا جاءهم بالتوراة فرأوا ما فيها من التكاليف الشاقّة كبرت عليهم وأبوا قبولها ، فأمر جبرئيل فقلع الطور فظلّله فوقهم حتى قبلوا. وقال موسى إن قبلتم ما آتيتكم به ، وإلّا أرسل الجبل عليكم ، فأخذوا التوراة وسجدوا لله ملاحظين إلى الجبل خوف الوقوع عليهم ، فمن ثمّ يسجد اليهود على أحد شقّي وجوههم.

وقلنا لكم بعد رفع الطور فوقكم : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) من كتاب التوراة (بِقُوَّةٍ) بجدّ وصميم عزيمة (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) ادرسوه ولا تنسوه ، أو تفكّروا فيه ، فإنّ التفكّر ذكر بالقلب ، أو اعملوا به (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لكي تتّقوا المعاصي ، أو رجاء منكم أن تكونوا متّقين. ويجوز أن يتعلّق بالقول المحذوف ، أي : قلنا خذوا واذكروا إرادة أن تتّقوا ، فإنّ إرادة الله على أفعال العباد غير موجبة لها ، بل إرادته على أفعال يوجب صدورها.

(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) أعرضتم عن الوفاء بالميثاق (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي : بعد أخذه

١٦٢

(فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بتوفيقكم للتوبة ، أو بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يدعوكم إلى الحقّ ويهديكم إليه (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) المغبونين بالانهماك في المعاصي ، أو بالخبط والضلال في فترة من الرسل.

و «لو» في الأصل لامتناع الشيء لامتناع غيره ، فإذا دخل على «لا» أفاد إثباتا ، وهو امتناع الشيء لثبوت غيره. والاسم الواقع بعده عند سيبويه مبتدأ ، خبره واجب الحذف بدلالة الكلام عليه ، وسدّ الجواب مسدّه ، وعند الكوفيّين فاعل فعل محذوف.

(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ) عرفتم الّذين جاوزوا ما حدّ لهم (فِي السَّبْتِ) من تعظيمه ، واشتغلوا بالصيد. اللام موطّئة للقسم. والسبت مصدر «سبتت اليهود» إذا عظّمت يوم السبت. وأصله القطع. أمروا بأن يتجرّدوا فيه للعبادة ، ولا يرتكبوا فيه بغيرها ، فاعتدى فيه ناس منهم في زمان داود عليه‌السلام ، واشتغلوا فيه بالصيد.

روي أنّهم كانوا يسكنون قرية على الساحل يقال لها : أيلة ، وإذا كان يوم السبت لم يبق حوت في البحر إلا حضر هناك وأخرج خرطومه ، فإذا مضى تفرّقت ، فحفروا حياضا وشقّوا إليها الجداول ، وكانت الحيتان تدخلها يوم السّبت ، فيحبسونها ويصطادونها يوم الأحد ، فذلك الحبس هو اعتداؤهم.

(فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) أي : كونوا جامعين بين صورة القردة والخسوء ، وهو الصّغار والطّرد. وقوله : (كُونُوا قِرَدَةً) ليس بأمر ، إذ لا قدرة لهم عليه ، وإنّما المراد سرعة التكوين ، وأنّهم صاروا كذلك كما أراد بهم.

عن ابن عبّاس : مسخهم الله تعالى عقوبة لهم ، وكانوا يتعاوون ، وبقوا ثلاثة أيّام لم يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا ، ثمّ أهلكهم الله ، وجاءت ريح فهبّت بهم وألقتهم في الماء ، وما مسخ الله تعالى أمّة إلا أهلكها. وبإجماع الأمّة هذه القردة

١٦٣

والخنازير ليست من نسل أولئك ، ولكن مسخ أولئك على صورة هؤلاء.

(فَجَعَلْناها) أي : بالمسخة أو العقوبة (نَكالاً) عبرة تنكّل المعتبر بها ، أي : تمنعه ، ومنه النكل للقيد (لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها) لما قبلها وما بعدها من الأمم ، إذ ذكرت حالهم في زبر الأوّلين ، واشتهرت قصّتهم في الآخرين ، أو لمعاصريهم ومن بعدهم ، أو لما بحضرتها من القرى وما تباعد عنها ، أو لأهل تلك القرية وما حولها ، أو لأجل ما تقدّمها من ذنوبهم وما تأخّر منها (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) من قومهم ، أو لكلّ متّق سمعها.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١))

روي أنّه كان في بني إسرائيل شيخ موسر قتل ابنه بنو أخيه ليرثوه ، فطرحوه على طريق سبط من أسباط بني إسرائيل ، ثم جاؤا يطالبون بدمه ، فأمرهم الله أن

١٦٤

يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيى فيخبرهم بقاتله ، كما أخبر الله سبحانه بذلك وقال :

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) أوّل هذه القصّة قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) (١) ، وإنّما قدّمت عليه لاستقلال ما فيها بنوع من مساويهم ، وهو الاستهزاء بالأمر ، والاستقصاء في السّؤال بترك المسارعة إلى الامتثال.

والحاصل : أنّ كلّ واحدة من هاتين القصّتين مستقلّة بنوع من التقريع ، وإن كانتا متّصلتين متّحدتين. فالأولى : لتقريعهم على الاستهزاء ، وترك المسارعة إلى الامتثال ، وما يتبع ذلك. والثانية : للتقريع على قتل النفس المحرّمة ، وما يتبعه من الآية العظيمة. فلو عمل على عكسه لكانت قصّة واحدة ، ولذهب الغرض في تثنية التقريع.

(قالُوا) في جواب موسى (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) أتجعلنا مكان هزؤ ، أو أهله ، أو مهزوء بنا ، أو الهزء نفسه ، لفرط الاستهزاء ، استبعادا لما قاله واستخفافا به. وإنّما احتاج الكلام إلى هذا التأويل لأنّ مفعولي «اتخذ» في الأصل مبتدأ أو خبر ، والاتّحاد بينهما واجب.

وقرأ حمزة عن نافع بالسكون ، وحفص عن عاصم بالضّمّ وقلب الهمزة واوا ، مثل كفؤا وكفوا.

(قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) لأنّ الهزؤ في مثل ذلك جهل وسفه ، نفى عن نفسه ما رمي به على طريقة البرهان ، وأخرج ذلك في صورة الاستعاذة استفظاعا له.

(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) المراد ما حالها وصفتها؟ لا حقيقتها.

__________________

(١) البقرة : ٧٢.

١٦٥

فكان حقّه أن يقولوا : أيّ بقرة هي؟ أو كيف هي؟ لا أن يسألوا عن حقيقة البقرة كما هو مدلول (ما هِيَ) فإنّ ما يسأل به الجنس غالبا. لكنّهم لمّا رأوا ما أمروا به على حال عجيبة الشأن ، لم يوجد بها شيء من جنسه ، وهي أن تكون بقرة ميّتة يضرب ببعضها ميّت فيحيى ، فأجروا ما أمروا به مجرى ما لم يعرفوا حقيقته ولم يروا مثله.

(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) لا مسنّة ، يقال : فرضت البقرة فروضا من الفرض وهو القطع ، كأنّها فرضت سنّها وبلغت إلى نهاية الأجل (وَلا بِكْرٌ) ولا فتيّة. وتركيب البكر للأوّليّة ، ومنه البكرة والباكورة. وتذكيرهما لأنّه اسم لا صفة.

(عَوانٌ) نصف ووسط (بَيْنَ ذلِكَ) إنّما يشار به إلى مؤنّثين ، وإنّما هو للإشارة إلى واحد مذكّر ، لأنّه على تأويل ما ذكر من الفارض والبكر ، للاختصار في الكلام ، ولذلك أضيف إليه «بين» فإنّه لا يضاف إلا إلى متعدّد. وقد يجرى الضمير مجرى اسم الإشارة ، لادّعاء تعيينه وكمال وضوحه بحيث كأنّه مرئيّ ومنظور.

وعود هذه الكنايات وإجراء تلك الصّفات على بقرة يدلّ على أنّ المراد بها معيّنة ، ويلزم منه جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة. ومن أنكر ذلك زعم أنّ المراد بها بقرة من شقّ البقر غير مخصوصة ، ثمّ انقلبت مخصوصة بسؤالهم. ويلزمه النسخ قبل الفعل ، فإنّ التخصيص إبطال للتخيير الثابت بالنصّ. والحقّ جوازهما. ويؤيّد الرأي الثاني ظاهر اللفظ.

والمرويّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو ذبحوا أدنى بقرة لأجزأتهم ، ولكن شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم. والاستقصاء شؤم.

وأيضا يدلّ على القول الثاني تقريعهم بالتمادي وزجرهم عن المراجعة بقوله : (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) أي : ما تؤمرونه ، بمعنى ما تؤمرون به ، من قوله :

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نسب (١)

__________________

(١) لعمرو بن معدي كرب ، وقيل : لأعشى طرود ، راجع الكامل للمبرّد ١ : ٢٨ ، المؤتلف

١٦٦

أو أمركم بمعنى مأموركم ، تسمية للمفعول بالمصدر ، كضرب الأمير.

(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) الفقوع خلوص الصّفرة بحيث لا يشوبها شيء من لون آخر ، ولذلك تؤكّد به فيقال : أصفر فاقع ، كما يقال : أسود حالك ، وأبيض يقق ، وأحمر قانئ ، وأخضر ناضر ومدهامّ. وفي إسناده إلى اللون وهو صفة صفراء لملابسته بها فضل تأكيد ، كأنّه قيل : صفراء شديدة الصفرة صفرتها ، فهو من قولك : جدّ جدّه ، وجنونك مجنون.

عن وهب : إذا نظرت إليها خيّل إليك أنّ شعاع الشمس يخرج من جلدها. عن عليّ صلوات الله عليه : من لبس نعلا صفراء قلّ همّه ، لقوله تعالى : (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) أي : تعجبهم وتفرّحهم ، لحسن لونها. والسرور أصله لذّة في القلب عند حصول نفع أو توقّعه ، مشتقّ من السّرّ. وكذا عن الصادق عليه‌السلام : من لبس نعلا صفراء لم يزل مسرورا حتى يبليها ، ثم تلا هذه الآية.

وقوله : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) تكرير للسؤال الأوّل ، واستكشاف زائد عن الأوّل ، وقوله تعالى : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) اعتذار عن تكرير السؤال ، أي : إنّ البقر الموصوف بالتعوين والصفرة الفاقعة كثير ، فاشتبه علينا ، فأيّ فرد منه نذبح؟! (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) إلى المراد ذبحها ، أو إلى القاتل.

واعلم أنّ المراد من كلمة الاستثناء هاهنا التيمّن والتبرّك ، وإظهار فرط رغبتهم في الاهتداء ، كما هو واقع في المحاورات والمقاصد بين الناس. ويؤيّده ما في الحديث : لو لم يستثنوا لما بيّنت لهم آخر الأبد ، أي : لو لم يقولوا : إن شاء الله ، وإلا لم يكن للشرط بعد الأمر معنى ، لأنّ الأمر مفيد لإيقاع الفعل قطعا ، ومستلزم للإرادة كما هو مذهبنا ، وكلمة «إن» للتردّد بين الإيقاع وعدمه. وحينئذ لا يكون

__________________

والمختلف : ١٧ ، شرح شواهد المغني ٢ : ٧٢٧ رقم ٥١٢.

١٦٧

حجّة للأشاعرة ، على أنّ الحوادث كلّها بإرادة الله تعالى ، وأنّ الأمر قد ينفكّ عن الإرادة ، بأن أمر كلّ المكلّفين بالإيمان والطاعة ، وأراد من بعضهم الإيمان دون بعض ، فيوجد ما أراد.

(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) أي : لم تذلّل للكراب الّذي هو شقّ الأرض لأجل حرث البذر ، ولا لسقي الحروث. و «لا ذلول» صفة لبقرة ، بمعنى غير ذلول. و «لا» الثانية مزيدة لتأكيد الأوّل. والفعلان صفتا ذلول ، كأنّه قيل : لا ذلول مثيرة وساقية.

(مُسَلَّمَةٌ) سلّمها الله تعالى من العيوب ، أو سلّم أهلها من العمل ، أو أخلص لونها ، من : سلم كذا إذا خلص له.

(لا شِيَةَ فِيها) لا لون فيها يخالف جلدها. وهي في الأصل مصدر : وشاه وشيا وشية ، إذا خلط بلونه لونا آخر ، ومنه ثور موشى القوائم ، أي : هي صفراء كلّها حتى قرنها وظلفها.

(قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) أي : بحقيقة وصف البقرة ، وحقّقتها لنا بالأوصاف المبيّنة الموضحة ، بحيث ارتفع التشابه ، فحصّلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلّها.

وقوله : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) استثقال لاستقصائهم واستبطائهم ، وأنّهم لتطويلهم المفرط وكثرة استكشافهم كادت تنتهي سؤالاتهم ، وما كاد ينقطع خيط إسهابهم فيها وتعمّقهم ليذبحوا البقرة ، أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل ، أو لغلاء ثمنها ، إذ روي أنّ شيخا صالحا منهم كان له عجلة ، فأتى بها الغيضة (١) وقال :اللهمّ إنّي أستودعكها لابني حتى يكبر ، فشبّت وكانت وحيدة بتلك الصفات ، فساوموها اليتيم وأمّه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا ، وكانت البقرة في ذلك الوقت بثلاثة دنانير ، وكانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة.

__________________

(١) الغيضة : الأجمة ، وهي مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر. (لسان العرب ٧ : ٢٠٢)

١٦٨

واعلم أنّ «كاد» من أفعال المقاربة ، وضع لدنوّ الخبر حصولا ، فإذا دخل عليه النفي قيل : معناه الإثبات مطلقا ، وقيل : ماضيا ، والصحيح أنّه كسائر الأفعال. ولا ينافي قوله : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) قوله : (فَذَبَحُوها) لاختلاف وقتيهما ، إذ المعنى : أنّهم ما قاربوا أن يفعلوا حتى انتهت سؤالاتهم ، وانقطعت تعلّلاتهم ، ففعلوا كالمضطرّ الملجأ إلى الفعل.

(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣))

ثمّ بيّن سبحانه المقصود من الأمر بالذبح ، فبدأ بذكر القتل فقال : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) خطاب الجمع لوجود القتل فيهم (فَادَّارَأْتُمْ فِيها) أي : اختصمتم في شأنها ، إذ المتخاصمان يدرأ ـ أي يدفع ـ بعضهم بعضا ، أو تدافعتم ، بأن طرح كلّ قتلها عن نفسه إلى صاحبه ، من الدّرء بمعنى المنع والدفع. وأصله تدارأتم ، فأدغمت التاء في الدّال ، واجتلبت لها همزة الوصل ، لتعذّر الابتداء بالساكن.

(وَاللهُ مُخْرِجٌ) مظهر لا محالة (ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) من أمر القتل ، ولا يتركه مكنونا مخفيّا. وأعمل «مخرج» لأنّه حكاية مستقبل ، كما أعمل (باسِطٌ ذِراعَيْهِ) (١) لأنّه حكاية حال ماضية.

وهذه جملة اعتراضيّة بين المعطوف والمعطوف عليه ، وهما : قوله : ادّارأتم ، وقوله : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ). والضمير إمّا للنفس ، والتذكير على تأويل الشخص ، أو القتيل ، أي : اضربوا هذا الشخص أو هذا المقتول (بِبَعْضِها) أيّ بعض كان. وقيل :

__________________

(١) الكهف : ١٨.

١٦٩

بأصغريها ، أي : اللسان والقلب. وقيل : بلسانها. وقيل : بفخذها اليمنى. وقيل : بالعظم الّذي يلي الغضروف ، وهو أصل الأذن. وقيل : بالأذن. وقيل : بالبضعة بين الكتفين. وقيل : بالعجب ، وهو أصل الذّنب من الدابّة ما ضمّت عليه الورك.

روي أنّهم لمّا ضربوه قام بإذن الله وأوداجه تشخب دما وقال : يا نبيّ الله قتلني فلان وفلان ابنا عمّي ، ثم سقط ميّتا ، فأخذا وقتلا ، ولم يورّث قاتل بعد ذلك.

وقوله : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) يدلّ على ما حذف ، وهو : فضربوه فحيي والخطاب مع من حضر حياة القتيل ، أو من حضر نزول الآية.

(وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) دلائله على كمال قدرته (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لكي يكمل عقلكم ، وتعلموا أنّ من قدر على إحياء نفس قدر على إحياء الأنفس كلّها ، لعدم وجه الاختصاص حتى تنكروا البعث ، أو لكي تعملوا على قضيّة العقل.

ولعلّه سبحانه إنّما لم يحيه أوّلا وشرط فيه ما شرط لما فيه من التقرّب ، وأداء الواجب ، ونفع اليتيم ، والتنبيه على بركة التوكّل ، والشفقة على الأولاد ، والتعوّذ من الهزؤ ، وتجهيل الهازىء بما لا يعلم كنهه ، وأنّ من حقّ الطّالب أن يقدّم قربة ، ومن حقّ المتقرّب أن يتحرّى الأحسن ويغالي بثمنه ، وأنّ الزيادة في الخطاب نسخ له ، وأنّ النسخ قبل الفعل جائز ، وإن لم يجز قبل وقت الفعل وإمكانه ، لأدائه إلى البداء.

(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤))

ولمّا قدّم سبحانه ذكر المعجزات القاهرة والأعلام الظاهرة ، بيّن شدّة قساوة قلوبهم وما فعلوا بعدها من العصيان والطغيان اللّذين من لوازم القساوة ، فقال عزّ

١٧٠

اسمه : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) القساوة عبارة عن الغلظ مع الصلابة ، كما في الحجر. وقساوة القلب مثل في إبائه عن الاعتبار ، و «ثم» لاستبعاد القسوة (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) يعني : إحياء القتيل أو جميع ما عدّد من الآيات ، فإنّها ممّا توجب لين القلب ورقّته ، ونحوه (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (١).

(فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) في قسوتها (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) منها ، عطف على معنى الكاف. والمعنى : أنّها في القساوة مثل الحجارة ، أو زائدة عليها ، أو عليه على حذف المضاف ، أي : أنّها مثلها أو مثل أشدّ منها قسوة ، كالحديد ، فحذف المضاف وأضيف المضاف إليه مقامه.

وإيثار «أشدّ» على «أقسى» مع أنّ القسوة ممّا يخرج منها أفعل التفضيل وفعل التعجّب ، لما في «أشدّ» من المبالغة ، فهو أبين وأدلّ على فرط القسوة ، وللدلالة على اشتداد القسوتين ، كأنّه قيل : اشتدّت قسوة الحجارة ، وقلوبهم أشدّ قسوة.

و «أو» للتخيير أو للترديد الّذي يتضمّن التشكيك ، بمعنى : أنّ من عرف حالها شبّهها بالحجارة أو بما هو أقسى منها. وترك ضمير المفضّل عليه لعدم الإلباس ، كقولك : زيد كريم وعمرو أكرم.

ثمّ علّل التفضيل بقوله : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) التفجّر التفتّح بسعة وكثرة. والمعنى : أنّ الحجارة تتأثّر وتنفعل ، فإنّ منها ما يفتّح بخروق واسعة تندفق منه المياه الكثيرة ، وتتفجّر منه الأنهار العظيمة كالفرات.

(وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ) أصله : يتشقّق ، أدغم التاء في الشين ، أي : ينخرق طولا أو عرضا (فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) أي : العيون النابعة لا الأنهار الجارية ، فيكون هذا غير الأوّل.

__________________

(١) الأنعام : ٢.

١٧١

(وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ) يتردّى من أعلى الجبل (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) الخشية مجاز عن الانقياد لأمر الله ، وأنّها لا تمتنع على ما يريد الله منهم ، وقلوب هؤلاء لا تخشى ولا تلين ، مع أنّهم عارفون بصدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلوبهم أقسى من الحجارة.

ثمّ وعدهم بقوله : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أيّها المكذّبون. وهذا قراءة ابن كثير ونافع ويعقوب وخلف وأبو بكر ضمّا إلى ما بعده ، والباقون بالياء (١). فالمراد : عمّا يعمل هؤلاء الكفرة أيّها المسلمون.

(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨))

ثمّ خاطب الرسول والمؤمنين فقال : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) أن يصدّقكم اليهود ، أو يؤمنوا لأجل دعوتكم من طريق النظر والاعتبار ، والانقياد للحقّ بالاختيار ، كقوله : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) (٢) (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) طائفة من أسلافهم (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) يعني التوراة ، ويعلمون أنّه حقّ ويعاندونه (ثُمَّ

__________________

(١) كذا في النسخة الخطية ، وفي نقل القراءة عن هؤلاء اختلاف ، راجع التبيان ١ : ٣٠٦ ، مجمع البيان ١ : ١٣٨ ، أنوار التنزيل ١ : ١٦٤.

(٢) العنكبوت : ٢٦

١٧٢

يُحَرِّفُونَهُ) كنعت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وآية الرجم ، وجعل الحلال حراما والحرام حلالا ، اتّباعا لأهوائهم ، وإعانة لمن يرشوهم ، أو تأويل آية متشابهة فيفسّرونها بما يشتهون.

وروي أنّهم من السبعين المختارين ، سمعوا كلام الله وما أمر به ونهى حين كلّم موسى بالطور ، فقالوا : سمعنا أنّ الله يقول في آخره : إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا ، وإن شئتم فلا تفعلوا.

(مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) فهموه بعقولهم ، ولم يبق لهم فيه ريبة وشبهة في صحّته (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنّهم كاذبون مفترون.

وخلاصة معنى الآية : أنّ أحبار هؤلاء ومقدّميهم كانوا على هذه الحالة ، فما طمعكم بسفلتهم وجهّالهم؟! وأنّهم إن كفروا وحرّفوا فلهم سابقة في ذلك.

وفي هذه الآية دلالة على عظم الذنب في تحريف الشرع. وهو عامّ في إظهار البدع في الفتاوى والقضايا وجميع أمور الدين.

روي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنّه قال : كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين ، إذا لقوا المسلمين حدّثوهم بما في التوراة من صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنهاهم كبراؤهم عن ذلك وقالوا : لا تخبروهم بما في التوراة من صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيحاجّوكم به عند ربّكم ، فنزلت : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا)

يعني : لقيهم منافقوهم (قالُوا آمَنَّا) صدّقنا بأنّكم على الحقّ ، ورسولكم هو المبشّر به في التوراة.

(وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ) الّذين لم ينافقوا (إِلى بَعْضٍ) أي : إلى الّذين نافقوا منهم واجتمعوا في خلاء ، وهو الموضع الّذي ليس فيه غيرهم (قالُوا) أي : الّذين لم ينافقوا منهم عاتبين على من نافق (أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) بما حكم الله به عليكم وقضاه فيكم ، وبيّن لكم في التوراة من نعت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. أو الّذين نافقوا لأعقابهم ، إظهارا للتصلّب في اليهوديّة ، ومنعا لهم عن إظهار ما وجدوا في كتابهم ، فينافقون المؤمنين واليهود. فالاستفهام على الأوّل للتقريع ، وعلى الثاني للإنكار.

١٧٣

(لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) ليحتجّوا عليكم بما أنزل ربّكم في كتابه. جعلوا محاجّتهم بكتاب الله وحكمه محاجّة عنده ، كما يقال : عند الله كذا ، ويراد به أنّه في كتابه وحكمه. وقيل : عند ذكر ربّكم ، أو يكون المراد : ليكون لهم الحجّة عليكم عند الله يوم القيامة في إيمانكم بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ كنتم مخبرين بصحّة أمره من كتابكم.

وقوله : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) من تمام كلام اللائمين ، تقديره : أفلا تعقلون أنّهم يحاجّونكم به فيحجّونكم. ويحتمل أن يكون خطابا من الله تعالى للمؤمنين متّصلا بقوله : (أَفَتَطْمَعُونَ) ، والمعنى : أفلا تعقلون حالهم وأن لا مطمع لكم في إيمانهم؟! (أَوَلا يَعْلَمُونَ) يعني : هؤلاء المنافقين ، أو اللائمين ، أو كليهما ، أو إيّاهم والمحرّفين (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) ما يخفون من الكفر ، أو ممّا فتح الله عليهم (وَما يُعْلِنُونَ) يظهرون من الإيمان والكلمات المحرّفة عن موضعه ومعانيه ، أو يعلم جميع ما يسرّون وما يعلنون ، ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان.

(وَمِنْهُمْ) من هؤلاء اليهود (أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) جهلة لا يعرفون الكتابة فيطالعوا التوراة ويتحقّقوا ما فيها ، أو التوراة (إِلَّا أَمانِيَ) استثناء منقطع ، كقوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) (١). والأمانيّ جمع أمنيّة. وهي في الأصل ما يقدّره الإنسان في نفسه من منى إذا قدّر ، ولهذا تطلق على اختلاق الكذب ، لأنّه يقدّر في نفسه ، وعلى ما يتمنّى ، لأنّ المتمنّي يقدّر في نفسه ويحرز ما يتمنّاه ، وعلى ما يقرأ ، لأنّ القارئ يقدّر أنّ كلمة كذا بعد كذا ، كقوله :

تمنّى كتاب الله أوّل ليلة

تمنّي داود الزبور على رسل (٢)

والمعنى : لكن يعتقدون أكاذيب أخذوها تقليدا من المحرّفين ، أو مواعيد خالية عن الحجّة سمعوها منهم ، من أنّ الله تعالى يعفو عنهم ولا يؤاخذهم

__________________

(١) النساء : ١٥٧.

(٢) لحسّان بن ثابت ، كما في هامش الكشّاف ١ : ١٥٧. ولم نجده في ديوانه.

١٧٤

بخطاياهم ، وأنّ آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، وأنّ الجنّة لا يدخلها إلّا من كان هودا ، وأنّ النار لن تمسّهم إلّا أيّاما معدودة ، أو إلّا ما يقرءون قراءة عارية عن معرفة المعنى وتدبّره ، وهو لا يناسب وصفهم بالأمّية.

(وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) ما هم إلا قوم يظنّون لا علم لهم. وقد يطلق الظنّ بإزاء العلم على كلّ رأي واعتقاد من غير قاطع ، وإن جزم به صاحبه ، كاعتقاد المقلّد والزائغ عن الحقّ لشبهة.

وفي هذه الآية دلالة على أنّ التقليد فيما طريقه العلم غير جائز ، وأنّ الحجّة بالكتاب قائمة على جميع الخلق ، وإن لم يكونوا عالمين إذا تمكّنوا من العلم به ، وأنّ من الواجب أن يكون التعويل على معرفة معاني الكتاب لا على مجرّد تلاوته.

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩) وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢))

ثمّ عاد سبحانه إلى ذكر علماء اليهود فقال : (فَوَيْلٌ) هو علم التحسّر والهلك ، فيجوز الابتداء به وإن كان على صورة النكرة ، وفي الأصل مصدر لا فعل

١٧٥

له. وعن ابن عبّاس : الويل في الآية العذاب. وقيل : جبل في النار. وروي الخدري عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه واد في جهنّم يهوى فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره.

(لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ) يعني : المحرّف منه. ويحتمل أن يكون المراد منه ما كتبوه من التأويلات الزائغة. وقوله : (بِأَيْدِيهِمْ) تأكيد ، كقولك : كتبته بيميني.

(ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) كي يحصّلوا به عرضا من أعراض الدنيا ، كالرّشا على التحريف واستبقاء الرسوم والوظائف ، فإنّه وإن جلّ قليل بالنسبة إلى ما استوجبوه من العقاب الدّائم. والمراد منه ما يأخذونه من عوامهم في كلّ عام.

(فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) يعني : المحرّف (وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) من الرشا. والتكرار للتأكيد والمبالغة.

عن ابن عبّاس : أنّ أحبار اليهود وجدوا صفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكتوبة في التوراة : أكحل ، أعين ، ربعة (١) ، حسن الوجه ، فمحوه من التوراة حسدا وبغيا ، فأتاهم نفر من قريش ، فقالوا : أتجدون في التوراة نبيّا منّا؟ قالوا : نعم نجده طويلا أزرق ، سبط (٢) الشعر. ذكره الواحدي بإسناده في الوسيط.

وعن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام وجماعة من أهل التفسير : أنّ أحبار اليهود حرّفوا صفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التوراة ليوقعوا الشكّ بذلك للمستضعفين من اليهود.

(وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) المسّ : اتّصال الشيء بالبشرة بحيث يتأثّر الحاسّة به. واللمس كالطلب له ، ولذلك يقال : ألمسه فلا أجده. ومعناه : أنّ اليهود قالوا : لن تصيبنا النار (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) محصورة قليلة.

روي أنّ بعضهم قالوا : نعذّب بعدد أيّام عبادة العجل أربعين يوما ، وبعضهم

__________________

(١) الأكحل : الذي يكون عينه شديدة السواد. والأعين : الذي عظم سواد عينه في سعة. والربعة : الوسيط القامة.

(٢) سبط الشعر : سهل واسترسل. والسبط من الشعر : نقيض الجعد.

١٧٦

قالوا : مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنّما نعذّب مكان كلّ ألف سنة يوما ، فردّ الله تعالى على اليهود قولهم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) فقال خطابا لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) وعدا موثّقا بما تزعمون. وقرأ ابن كثير وحفص بإظهار الذال ، والباقون بإدغامه. (فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) الفاء هي الفصيحة ، أي : المظهرة بشرط مقدّر ، أي : إن اتّخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده. وفيه دليل على أنّ الخلف في خبره محال.

(أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) «أم» معادلة لهمزة الاستفهام ، بمعنى : أيّ الأمرين كائن على سبيل التقرير ، للعلم بوقوع أحدهما ، أو منقطعة بمعنى : بل أتقولون ، على التقرير والتقريع.

(بَلى) إثبات لما نفوه من مساس النار لهم زمانا مديدا ودهرا طويلا. وتختصّ بجواب النفي ، أي : بل تمسّكم النّار على سبيل الخلود ، بدلالة قوله : (مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) أي : من عمل خصلة أو فعلة قبيحة. والفرق بين السيّئة والخطيئة : أنّها تقال فيما يقصد بالذات ، والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض ، لأنّها من الخطأ. والكسب استجلاب النفع.

وقيل : المراد بالسيّئة هنا الشرك ، فالتنوين للتعظيم ، أي : سيّئة أكبر السيّئات ، وهي الشرك. وهو مرويّ عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة وغيرهم. وتفسيرها بالكبيرة كما قال الحسن لا تكون حجّة على خلود صاحب الكبيرة ، كما قالت المعتزلة.

ويؤيّد ذلك قوله : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) أي : استولت عليه ، وشملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها ، لا يخلو عنها شيء من جوانبه ، ولم يتفصّ (١) عنها بالتوبة ، وهذا إنّما يصحّ في شأن الكافر ، لأنّ غيره وإن لم يكن له سوى تصديق

__________________

(١) أي : لم يتخلّص.

١٧٧

قلبه والإقرار بلسانه ، فلم تحط الخطيئة به.

وتحقيق ذلك : أنّ من أذنب ذنبا ولم يقلع عنه استجرّه إلى معاودة مثله ، والانهماك فيه ، وارتكاب ما هو أكبر منه ، حتّى تستولي عليه الذنوب ، وتأخذ بمجامع قلبه ، فيصير بطبعه مائلا إلى المعاصي ، مستحسنا إيّاها ، معتقدا أن لا لذّة سواها ، مبغضا لمن يمنعه عنها ، مكذّبا لمن ينصحه فيها ، كما قال تعالى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) (١) ، ولهذا فسّر السّلف الخطيئة هنا بالكفر.

وقرأ نافع : خطيئاته بصيغة الجمع ، ليكون تصريحا بمعنى الإحاطة. (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) ملازموها في الآخرة ، كما أنّهم ملازمون أسبابها في الدنيا (هُمْ فِيها خالِدُونَ) دائمون أبدا. ومن فسّرها بالكبيرة الّتي هي ما دون الشرك من غير المعتزلة ، فسّر الخلود بالمكث الطويل.

ولمّا جرت عادة الله سبحانه وتعالى على أن يشفع وعيده بوعده ، لترجى رحمته ، ويخشى عذابه ، قال بعد ذكر الوعيد : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) عطف العمل الصّالح على الإيمان يدلّ على خروجه عن مسمّاه ، كما هو مذهبنا ، إذ العطف يقتضي المغايرة (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (٨٣))

__________________

(١) الروم : ١٠.

١٧٨

ثمّ عاد سبحانه إلى ذكر بني إسرائيل فقال : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : واذكر إذ أخذنا ميثاق اليهود (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) وحده دون ما سواه من الأنداد. إخبار في معنى النهي ، كقوله : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (١) ، وكما تقول : تذهب إلى فلان تقول له كذا ، تريد الأمر. وهو أبلغ من صريح النهي ، لما فيه من إيهام أنّ المنهيّ سارع إلى الانتهاء ، فهو يخبر عنه. ويؤيّده قراءة عبد الله وأبيّ : لا تعبدوا ، وعطف «قولوا» عليه. ولا بدّ من إرادة القول ، أي : قلنا لهم لا تعبدون إلّا الله.

وقيل : «لا تعبدون» جواب القسم ، لأنّ أخذ الميثاق في معنى القسم ، كأنّه قيل : حلّفناهم لا تعبدون.

وقيل : معناه : أن لا تعبدوا ، فلّما حذف «أن» رفع ، كقوله :

ألّا أيّهذا الزاجري أحضر الوغى (٢)

أي : لأن أحضر الحرب ، أو على أن أحضر الحرب.

وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بالتاء ، حكاية لما خوطبوا به ، والباقون بالياء ، لأنّهم غيّب.

(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) متعلّق بمحذوف تقديره : وتحسنون ، أو أحسنوا بهما ما فرض عليكم من فعل المعروف بهما ، والقول الجميل ، وخفض جناح الذلّ لهما ، والتحنّن عليهما ، والدعاء بالخير لهما. (وَذِي الْقُرْبى) عطف على الوالدين ، أي : تحسنون بذي القربى بالصّلة والعطيّة. وهو القريب والرحم. (وَالْيَتامى) أي : باليتامى ، بأن تعطفوا عليهم بالرأفة والرّحمة. جمع يتيم ، كنديم وندامى. (وَالْمَساكِينِ) بأن تؤتوهم حقوقهم الّتي أوجبها الله عليكم في أموالكم. جمع مسكين ، مفعيل من السكون ، كأنّ الفقر أسكنه.

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.

(٢) لطرفة بن العبد ، كما في هامش الكشّاف ١ : ١٥٩.

١٧٩

(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) أي : قولا حسنا. وسمّاه حسنا للمبالغة. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب : حسنا ، بفتحتين على أصله. وعن الباقر عليه‌السلام : قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم.

ولمّا أمكن قتالهم مع حسن القول في دعائهم إلى الإيمان ، كما قال الله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١) وقال : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٢) ، فلا تكون الآية منسوخة بآية السيف (٣) كما قال بعضهم (٤) (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي : أدّوها بحدودها وأركانها (وَآتُوا الزَّكاةَ) أعطوها أهلها. يريد بهما ما فرض عليهم في ملّتهم.

(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) هذا على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، إذ حقّه أن يقول : ثمّ تولّوا عطفا على «وإذ أخذنا». ومعناه : تولّيتم عن الميثاق وتركتموه. ويحتمل أن يكون الخطاب مع الموجودين في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن قبلهم على التغليب ، أي : أعرضتم عن الميثاق (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ) يريد من أقام اليهوديّة على وجهها قبل النسخ ومن أسلم منهم (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) قوم عادتكم الإعراض عن الوفاء بالمواثيق والطاعة. وأصل الإعراض الذهاب عن المواجهة إلى أحد الجانبين.

واعلم أنّ في هذه الآية دلالة على ترتيب الحقوق ، قيّده سبحانه بذكر حقّه ، وقدّمه على كلّ حقّ ، لأنّه الخالق المنعم بأصول النعم. ثمّ ثنّى بحقّ الوالدين ،

__________________

(١) النحل : ١٢٥.

(٢) الأنعام : ١٠٨.

(٣) التوبة : ٥ و ٢٩.

(٤) هو قتادة ، حكاه عنه الشيخ الطوسي «قدس‌سره» في التبيان ١ : ٣٣١.

١٨٠