زبدة التّفاسير - ج ٢

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٢

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-04-3
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٥٦

روي أنّ التوراة كانت سبعة أسباع في سبعة أسباع في سبعة ألواح ، فلمّا ألقاها انكسرت ، فرفع ستّة اسباعها ، وكان فيها تفصيل كلّ شيء ، وبقي سبع كان فيه المواعظ والأحكام.

(وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ) بشعر رأسه (يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) لشدّة ما ورد عليه من استعظام فعلهم ، مفكّرا فيما كان منهم ، كما يفعل الإنسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب وشدّة الفكر ، فيقبض على لحيته ويعضّ شفته. فأجرى موسى أخاه هارون مجرى نفسه ، فصنع به ما يصنع الإنسان بنفسه عند حالة الغضب والفكر.

وقال المفيد رحمه‌الله : أراد موسى أن يظهر ما اعتراه من شدّة الغضب على قومه ، بسبب ما صاروا إليه من الكفر والارتداد ، فصدر ذلك منه للتألّم بضلالهم ، وإعلامهم عظم الحال عنده ، لينزجروا عن مثله في مستقبل الأحوال. وهارون كان أكبر منه بثلاث سنين. وكان حمولا ليّنا ، ولذلك كان أحبّ إلى بني إسرائيل.

(قالَ ابْنَ أُمَ) ذكر الأمّ ليرقّقه عليه ، فإنّ ذكرها أبلغ في الاستعطاف. وكانا من أب وأمّ. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم : ابن أمّ بالكسر.

وأصله : يا ابن أمّي ، فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة تخفيفا ، كالمنادى المضاف إلى الياء. والباقون بالفتح ، زيادة في التخفيف ، لطوله ، أو تشبيها بخمسة عشر.

(إِنَّ الْقَوْمَ) الّذين تركتني بين أظهرهم (اسْتَضْعَفُونِي) قهروني واتّخذوني ضعيفا ، ولم آل جهدا في كفّهم بالإنذار والوعظ (وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) أي : قاربوا قتلي ، لشدّة إنكاري عليهم (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) فلا تفعل بي ما يشمتون بي لأجله ، من الاستهانة بي والإساءة إليّ ، أي : لا تسرّهم بما تفعل بي ما يوهم ظاهره خلاف التعظيم. (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : قرينا لهم ومعدودا فيهم ، في إظهار الغضب عليّ.

(قالَ) موسى حين تبيّن له ما نبّهه هارون عليه من الاعتذار ، وذكر شماتة

٦٠١

الأعداء ، وخوف التهمة ، ودخول الشبهة على القوم (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) ليرضي أخاه ، ويظهر لأهل الشماتة رضاه عنه ، ويرفع دخول الشبهة عليهم من عدم رضا موسى عن أخيه ، فلا يتمّ لهم شماتتهم. وهذا الدعاء على وجه الانقطاع إلى الله ، أو على ترك الأولى ، لا أنّه كان وقع منه أو من أخيه قبيح كبير أو صغير يحتاج أن يستغفر منه ، فإنّ الدليل قد دلّ على أنّ الأنبياء لا يجوز أن يقع منهم شيء من القبيح.

(وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ) بمزيد الإنعام علينا (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فأنت أرحم بنا منّا على أنفسنا.

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤))

ثمّ أوعد الله سبحانه عبدة العجل ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ) وهو ما أمرهم به من قتل أنفسهم (وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وهي خروجهم من ديارهم. وقيل : الجزية. (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) على الله تعالى ، ولا فرية أعظم من قول السامريّ : هذا إلهكم وإله موسى ، فإنّه فرية لم يفتر مثلها أحد قبلهم ولا بعدهم.

٦٠٢

(وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) من الكفر والمعاصي (ثُمَّ تابُوا) ورجعوا (مِنْ بَعْدِها) من بعد السيّئات (وَآمَنُوا) وأخلصوا الإيمان وما هو مقتضاه من الأعمال الصالحة ، واستأنفوا عمل الإيمان (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) من بعد التوبة (لَغَفُورٌ) لستور عليهم ، محّاء لما كان منهم من الذنب ، وإن عظم كجريمة عبدة العجل ، وكثر كجرائم بني إسرائيل (رَحِيمٌ) منعم عليهم.

(وَلَمَّا سَكَتَ) أي : سكن (عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) في هذا الكلام مبالغة وبلاغة ، من حيث إنّه جعل الغضب الحامل له على ما فعل كالآمر به والمغري عليه ، فقال له : ألق الألواح وجرّ برأس أخيك ، فترك النطق بذلك وقطع الإغراء ، ولهذا عبّر عن سكونه بالسكوت. والمعنى : ولمّا انطفى غضبه.

(أَخَذَ الْأَلْواحَ) الّتي ألقاها (وَفِي نُسْخَتِها) وفيما نسخ فيها ، أي : كتب.

فعلة بمعنى المفعول ، كالخطبة. وقيل : فيما نسخ منها ، أي : من الألواح المنكسرة (هُدىً) دلالة وبيان للحقّ (وَرَحْمَةٌ) إرشاد إلى الصلاح والخير (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) دخلت اللام على المفعول لضعف الفعل بالتأخير ، كما تقول : لك ضربت ، ونحوه : (لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) (١). أو حذف المفعول ، واللام للتعليل ، والتقدير : يرهبون معاصي الله لربّهم.

(وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥) وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦))

__________________

(١) يوسف : ٤٣.

٦٠٣

ثمّ أخبر سبحانه عن اختيار موسى من قومه عند خروجه إلى ميقات ربّه ، فقال : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) أي : من قومه ، فحذف الجارّ وأوصل الفعل إليه (سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) خرج بهم إلى طور سيناء لميقات ربّه.

واختلف في سبب اختياره إيّاهم ووقته. فقيل : إنّه اختارهم حين خرج إلى الميقات ليكلّمه الله سبحانه بحضرتهم ، ويعطيه التوراة في حضورهم ، فيكونوا شهداء له عند بني إسرائيل لمّا لم يثقوا بخبره أنّ الله سبحانه يكلّمه. فلمّا حضروا الميقات وسمعوا كلامه سألوا الرؤية ، فأصابتهم الصاعقة ، ثمّ أحياهم الله. فابتدأ سبحانه بحديث الميقات ، ثم اعترض حديث العجل ، فلمّا تمّ عاد إلى بقيّة القصّة.

وهذا الميقات هو الميعاد الأوّل الّذي تقدّم ذكره.

وهذا منقول عن أبي على الجبائي وأبي مسلم وجماعة من المفسّرين. وهو الصحيح. ورواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره (١).

وقيل : إنّه اختارهم بعد الميقات الأوّل للميقات الثاني بعد عبادة العجل ، ليعتذروا من ذلك.

روي أنّه تعالى أمر موسى بأن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل ، فاختار من اثني عشر سبطا ، ومن كلّ سبط ستّة ، فزاد اثنان. فقال : ليتخلّف منكم رجلان.

فتشاحّوا. فقال : إنّ لمن قعد منكم مثل أجر من خرج. فقعد كالب ويوشع ، وذهب

__________________

(١) تفسير القمّي ١ : ٢٤١.

٦٠٤

مع الباقين. فلمّا دنوا من الجبل غشيه غمام ، فدخل موسى عليه‌السلام بهم الغمام ، وخرّوا سجّدا ، فسمعوه تعالى وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه. ثمّ انكشف الغمام ، فأقبلوا إليه فطلبوا الرؤية ، فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم.

فقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (١). فقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (٢). فأجيب : (لَنْ تَرانِي) (٣) فأخذتهم الرجفة ، أي : الصاعقة أو رجفة الجبل ، فصعقوا منها.

(فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) هذا تمنّي هلاكهم وهلاكه قبل أن يرى ما رأى من تبعة طلب الرؤية ، أو بسبب آخر غير الرجفة. أو عنى به أنّك قدرت على إهلاكهم قبل ذلك ، بحمل فرعون على إهلاكهم ، وبإغراقهم في البحر ، فترحّمت عليهم بالإنقاذ منها ، فإن ترحّمت عليهم مرّة أخرى لم يبعد من عميم إحسانك.

(أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) من العناد والتجاسر على طلب الرؤية. قاله بعضهم. وقيل : المراد بما فعل السفهاء عبادة العجل. والسبعون اختارهم موسى لميقات التوبة عنها ، فغشيتهم هيبة قلقوا منها ورجفوا ، حتّى كادت تبين مفاصلهم ، وأشرفوا على الهلاك ، فخاف عليهم موسى فبكى ودعا ، فكشف الله عنهم.

(إِنْ هِيَ) ما هذه الحالة (إِلَّا فِتْنَتُكَ) ابتلاؤك حين كلّمتني وأسمعتهم كلامك حتّى طمعوا في الرؤية ، لاستدلالهم بالكلام على الرؤية استدلالا فاسدا حتّى افتتنوا. أو أوجدت في العجل خوارا فزاغوا به.

(تُضِلُّ بِها) بالفتنة تخلية وخذلانا (مَنْ تَشاءُ) أي : الجاهلين غير الثابتين في معرفتك (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) أي : العالمين بك. وجعل ذلك إضلالا وهدى من الله ، لأنّ محنته لمّا كانت سببا لأن ضلّوا واهتدوا فكأنّه أضلّهم بها وهداهم ، على الاتّساع في الكلام. وقيل : معناه : تهلك بها من تشاء ، وتنجي من تشاء.

(أَنْتَ وَلِيُّنا) مولانا القائم بأمورنا (فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ)

__________________

(١) البقرة : ٥٥.

(٢ ، ٣) الأعراف : ١٤٣.

٦٠٥

تغفر السيّئة ، وتبدّلها بالحسنة.

(وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً) حسن معيشة وتوفيق طاعة. قال هذا على لسان القوم. (وَفِي الْآخِرَةِ) أي : واكتب لنا في الآخرة أيضا حسنة. وهي الجنّة. (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) أي : تبنا إليك ، من : هاد إذا رجع وتاب. والهود جمع الهائد ، وهو التائب. ولبعضهم :

يا راكب الذنب هدهد

واسجد كأنّك هدهد

(قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ) أي : من صفته أنّي أصيب به (مَنْ أَشاءُ) تعذيبه ممّن عصاني ، واستحقّه بعصياني (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) في الدنيا ، المؤمن والكافر ، بل المكلّف وغيره ، بحيث لا أحد إلّا وهو متقلّب في نعمتي (فَسَأَكْتُبُها) فسأثبت هذه الرحمة في الآخرة كتبة خاصّة منكم يا بني إسرائيل (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الكفر والمعاصي (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) خصّها بالذكر لإنافتها (١) ، ولأنّها كانت أشقّ عليهم (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) فلا يكفرون بشيء منها. يعني : للّذين يؤمنون في آخر الزمان من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجميع آياتنا وكتبنا.

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧))

وروي عن ابن عبّاس وقتادة وابن جريج أنّه لمّا نزلت : «ورحمتي وسعت

__________________

(١) أي : زيادتها ، يقال : أناف على كذا ، أي : زاد.

٦٠٦

كلّ شيء» قال إبليس : أنا من ذلك الشيء ، فنزعها الله من إبليس بقوله : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الآية. فقالت اليهود والنصارى : نحن نتّقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربّنا ، فنزعها منهم وجعلها لهذه الأمّة بقوله : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَ). وعلى هذا هو خبر مبتدأ تقديره : هم الّذين يتّبعون الرسول الّذي نوحي إليه كتابا مختصّا به ، وهو القرآن. والنبيّ صاحب المعجزات. وقيل : سمّي رسولا بالإضافة إلى الله ، ونبيّا بالإضافة إلى العباد. ويحتمل أن يكون بدلا من «يتّقون» بدل الكلّ أو البعض.

أو يكون مبتدأ خبره : يأمرهم.

(الْأُمِّيَ) الّذي لا يكتب ولا يقرأ. وصفه به تنبيها على أنّ كمال علمه مع حاله هذه إحدى معجزاته. وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : «أنّ الأمّيّ بمعنى المنسوب إلى أمّ القرى ، وهي مكّة».

وقيل : إنّه منسوب إلى الأمّة. والمعنى : أنّه على جبلّة الأمّة قبل استفادة الكتابة. أو المراد بالأمّة العرب ، لأنّها لم تكن تحسن الكتابة. أو منسوب إلى الأمّ.

والمعنى : أنّه على ما ولدته أمّة قبل تعلّم الكتابة.

(الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) اسما وصفة ، فقد روي أنّه مكتوب في السفر الخامس من التوراة : إنّي سأقيم لهم نبيّا من إخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي في فيه ، فيقول لهم كلّ ما أوصيه به. وفيها أيضا مكتوب : وأمّا ابن الأمة فقد باركت عليه جدّا جدّا ، وسيلد اثني عشر عظيما ، وأؤخّره لأمّة عظيمة.

وفي الإنجيل بشارة بالفارقليط في مواضع ، منها : نعطيكم فارقليط يكون معكم آخر الدهر كلّه. وفيه أيضا قول المسيح للحواريّين : أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحقّ الّذي لا يتكلّم من قبل نفسه ، إنّه نذيركم بجميع الخلق ، ويخبركم بالأمور المزمعة ، ويمدحني ، ويشهد لي.

(يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) ممّا حرّم

٦٠٧

عليهم ، كالشحوم (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) ما يستخبث ، كالميتة والدم ولحم الخنزير ، أو ما خبث في الحكم من المكاسب الخبيثة ، كالربا والرشوة.

(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) ويخفّف عليهم الثقل الّذي يأصر صاحبه ، أي : يحبسه من الحراك لثقله. وهو مثل لثقل ما كلّفوا به ، نحو اشتراط قتل الأنفس في صحّة التوبة. (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) العهود الّتي كانت في ذممهم. وهذا أيضا مثل لما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقّة ، نحو قطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب ، وإحراق الغنائم ، وتحريم العروق في اللحم ، وتحريم السبت.

وعن عطاء : كانت بنو إسرائيل إذا قامت تصلّي لبسوا المسوح (١) ، وغلّوا أيديهم إلى أعناقهم ، وربّما ثقب الرجل ترقوته ، وجعل فيها طرف السلسلة ، وأوثقها إلى السارية ، يحبس نفسه على العبادة. وجعل تلك العهود بمنزلة الأغلال الّتي تكون في الأعناق ، للزومها ، كما يقال : هذا طوق في عنقك.

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ) وعظّموه ، أو منعوه حتّى لا يقوى عليه عدوّ.

وأصل التعزير المنع ، ومنه التعزير للضرب دون الحدّ ، لأنّه يمنع من معاودة القبيح.

(وَنَصَرُوهُ) لي ولديني (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) أي : مع نبوّته ، وهو القرآن.

وإنّما سمّاه نورا لأنّه بإعجازه ظاهر أمره مظهر غيره. أو لأنّه كاشف الحقائق مظهر لها. أو لأنّه نور في القلوب ، كما أنّ الضياء نور في العيون ، ويهتدي به الخلق في أمور الدين ، كما يهتدون بالنور في أمور الدنيا.

ويجوز أن يكون «معه» متعلّقا بـ «اتّبعوا» أي : واتّبعوا النور المنزل مع اتّباع

__________________

(١) المسوح جمع المسح ، وهو الكساء من شعر ، أو ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشّفا وزهدا.

٦٠٨

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فيكون إشارة إلى اتّباع الكتاب والسنّة.

(أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بالرحمة الأبديّة. ومضمون الآية جواب دعاء موسى عليه‌السلام.

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨))

ثمّ أمر الله سبحانه نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخاطب جميع الخلق من العرب والعجم ، فقال : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) حال من «إليكم». وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبعوثا إلى كافّة الثقلين ، بخلاف سائر الرسل ، فإنّهم مبعوثون إلى أقوامهم.

(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) صفة لله تعالى ، وإن حيل بين الصفة والموصوف بما هو متعلّق المضاف إلى الرسول ، لأنّه كالتقدّم عليه. أو مدح منصوب أو مرفوع. أو مبتدأ خبره : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وهو على الوجوه الأول بيان لما قبله ، فإنّ من ملك العالم كان هو الإله لا غيره. وفي قوله : (يُحيِي وَيُمِيتُ) مزيد تقرير لاختصاصه بالألوهيّة ، لأنّه لا يقدر على الإحياء والإماتة غيره.

(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) ما أنزل عليه وعلى سائر الرسل من كتبه ووحيه. وإنّما عدل عن التكلّم إلى الغيبة ، لإجراء هذه الصفات الداعية إلى الايمان والاتّباع له.

(وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) جعل رجاء الاهتداء أثر الأمرين ، تنبيها على أنّ

٦٠٩

من صدّقه ولم يتابعه بالتزام شرعه فهو يعدّ في خطط الضلالة.

(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩))

ثمّ عاد الكلام إلى قصّة بني إسرائيل ، فقال : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى) يعني : من بني إسرائيل (أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) يهدون الناس محقّين ، أو بكلمة الحقّ (وَبِهِ) وبالحقّ (يَعْدِلُونَ) بينهم في الحكم. والمراد بها الثابتون على الإيمان القائلون بالحقّ من أهل زمانه. أتبع ذكرهم ذكر أضدادهم على ما هو عادة القرآن ، تنبيها على أنّ تعارض الخير والشرّ وتزاحم أهل الحقّ والباطل أمر مستمرّ. وقيل : هم مؤمنوا أهل الكتاب ، مثل عبد الله بن سلام وابن صوريا وغيرهما.

وفي حديث أبي حمزة الثمالي والحكم بن ظهير : «أنّ موسى عليه‌السلام لمّا أخذ الألواح قال : ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة هي خير أمّة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فاجعلهم أمّتي.

قال : تلك أمّة أحمد.

قال : ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة هم الآخرون في الخلق ، السابقون في دخول الجنّة ، فاجعلهم أمّتي.

قال : تلك أمّة أحمد.

قال : ربّ فإنّي أجد في الألواح أمّة يقاتلون الأعور الكذّاب ، فاجعلهم أمّتي.

قال : تلك أمّة أحمد.

قال : ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة إذا همّ أحدهم بحسنة ثمّ لم يعملها كتبت له حسنة ، وإن عملها كتبت له عشرة أمثالها ، وإن همّ بسيّئة ولم يعملها لم يكتب عليه ، وإن عملها كتبت عليه سيّئة واحدة ، فاجعلهم من أمّتي.

قال : تلك أمّة أحمد.

قال : ربّ إنّي أجد في الألواح أمّة هم الشافعون وهم المشفوع لهم ، فاجعلهم أمّتي.

٦١٠

قال : تلك أمّة أحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال موسى : ربّ اجعلني من أمّة أحمد.

قال أبو حمزة الثمالي : فأعطي موسى آيتين لم يعطوها ، يعني : أمّة محمد.

قال الله : (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) (١). وقال : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ). قال : فرضي موسى كلّ الرضا».

وفي حديث غير أبي حمزة قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لمّا قرأ : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٢) هذه لكم ، وقد أعطى الله قوم موسى مثلها».

وقيل : هم قوم وراء الصين رآهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج ، فآمنوا به.

وروي أنّ بني إسرائيل لمّا قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطا ، تبّرأ سبط منهم ممّا صنعوا واعتذروا ، وسألوا الله أن يفرّق بينهم وبين إخوانهم. ففتح الله لهم نفقا في الأرض ، فساروا فيه سنة ونصفا حتّى خرجوا من وراء الصين ، وهم هنالك حنفاء مسلمون ، يستقبلون قبلتنا.

وذكر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ جبرئيل ذهب برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة الإسراء نحوهم فكلّمهم. فقال لهم جبرئيل : هل تعرفون من تكلّمون؟ قالوا : لا. قال : هذا محمّد النبيّ الأمّي فآمنوا به. وقالوا : يا رسول الله : إنّ موسى أوصانا من أدرك منكم أحمد فليقرأ عليه منّي السلام. فردّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على موسى عليه‌السلام السلام. ثمّ أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكّة ، ولم تكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة. وأمرهم أن يقيموا مكانهم. وكانوا يسبتون فأمرهم أن يجمّعوا ، أي : يصلّوا صلاة الجمعة ، ويتركوا السبت.

وهذه الرواية منقولة عن ابن عبّاس والسدّي والربيع والضحّاك وعطاء ، ومرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام. ثمّ قالوا : وليس لأحد منهم مال دون صاحبه ، يمطرون

__________________

(١) الأعراف : ١٤٤.

(٢) الأعراف : ١٨١.

٦١١

باللّيل ، ويضحون بالنهار ويزرعون ، لا يصل إليهم منّا أحد ، ولا منهم إلينا ، وهم على الحقّ.

وقيل : لو كانوا في طرف من الدنيا متمسّكين بشريعة ، ولم يبلغهم نسخها ، كانوا معذورين. وهذا من باب الفرض والتقدير ، وإلّا فقد طار الخبر بشريعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كلّ أفق ، وتغلغل في كلّ نفق ، ولم يبق مدر ولا وبر ، ولا سهل ولا جبل ، ولا برّ ولا بحر ، في مشارق الأرض ومغاربها ، إلّا وقد ألقاه الله إليهم ، وملأ به مسامعهم ، وألزمهم به الحجّة ، وهو سائلهم عنه يوم القيامة.

(وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (١٦٢))

ثمّ أخبر سبحانه خبرا آخر عن بني إسرائيل ، فقال : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ

٦١٢

عَشْرَةَ) وصيّرناهم قطعا متميّزا بعضهم عن بعض. ونصب «اثنتي عشرة» على أنّه مفعول ثان لـ «قطع» ، فإنّه متضمّن معنى «صيّر» أو حال. وتأنيثه للحمل على الأمّة أو القطعة. (أَسْباطاً) بدل منه ، ولذلك جمع. أو تمييز له ، على أنّ كلّ واحدة من اثنتي عشرة أسباط ، فكأنّه قيل : اثنتي عشرة قبيلة ، وكلّ قبيلة أسباط لا سبط ، فوضع أسباطا موضع قبيلة. والأسباط أولاد الأولاد ، جمع سبط. وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثني عشر ولدا من ولد يعقوب عليه‌السلام.

(أُمَماً) على الأوّل بدل بعد بدل ، أو نعت لـ «أسباطا». وعلى الثاني بدل من «أسباطا» ، أي : وقطّعناهم أمما ، لأنّ كلّ أسباط أمّة عظيمة وجماعة كثيفة العدد ، وكلّ واحدة كانت تؤمّ خلاف ما تؤمّه الأخرى ، فإنّ كلّ أمّة منهم ترجع إلى رئيسهم ليتميّزوا في مشربهم ومطعمهم ، فيخفّ الأمر على موسى عليه‌السلام ، ولا يقع بينهم اختلاف وتباغض.

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ) في التيه (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ) أي : فضرب فانفجرت من الحجر. وحذفه للإيماء على أنّ موسى عليه‌السلام لم يتوقّف في الامتثال ، وأنّ ضربه لم يكن مؤثّرا في ذاته ، بل الانبجاس بفعل الله سبحانه ، لكن يتوقّف على الضرب وإن كان غير مؤثّر فيه. والانبجاس : الانفتاح بسعة وكثرة. (اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) كلّ أمّة من تلك الأمم (مَشْرَبَهُمْ). والأناس اسم جمع غير تكسير ، نحو رخال (١) وتوام.

(وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ) ليقيهم حرّ الشمس (وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا) أي : وقلنا لهم : كلوا (مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا) بالتجاوز عن أوامرنا (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). قد سبق في سورة البقرة (٢) تفسير هذه الآية.

(وَإِذْ قِيلَ) بإضمار «اذكر» (لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) قرية بيت المقدس

__________________

(١) الرخال : هي الإناث من أولاد الضأن. والتوام واحدة : توأم.

(٢) في ج ١ : ١٥٣.

٦١٣

(وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) مثل ما في سورة البقرة (١) البقرة معنى ، غير أنّ قوله : «فكلوا منها» بالفاء أفاد تسبّب سكناهم للأكل منها ، ولم يتعرّض له هاهنا اكتفاء بذكره ثمّ ، أو بدلالة الحال عليه. وأمّا تقديم «قولوا» على «وادخلوا» فلا أثر له في المعنى ، لأنّه لا يوجب الترتيب ، وكذا الواو العاطفة بينهما. (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ).

قرأ نافع وابن عامر ويعقوب : تغفر بالتاء والبناء للمفعول ، وخطيئاتكم بالجمع والرفع ، غير ابن عامر ، فإنّه وحّد. وقرأ أبو عمرو : خطاياكم.

(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) قد مرّ (٢) تفسيره أيضا.

(وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦))

__________________

(١) في ج ١ : ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٢) راجع ج ١ : ١٥٥ ذيل الآية ٥٩ من سورة البقرة.

٦١٤

ثمّ ابتدأ بخبر آخر من أخبار بني إسرائيل ، فقال مخاطبا لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَسْئَلْهُمْ) للتقرير والتقريع بقديم كفرهم وعصيانهم ، والإعلام بما هو من علومهم الّتي لا تعلم إلّا بكتاب أو وحي ، ليكون معجزة عليهم (عَنِ الْقَرْيَةِ) عن خبرها وما وقع بأهلها (الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) قريبة منه. وهي : أيلة ، قرية بين مدين والطور على شاطئ البحر. وقيل : مدين. وقيل : طبرية. (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) يتجاوزون حدود الله بالصيد يوم السبت ، وقد نهوا أن يشتغلوا فيه بغير العبادة.

و «إذ» ظرف لـ «كانت» ، أو حاضرة ، أو للمضاف المحذوف ، أي : لأهل القرية. أو بدل من المضاف بدل الاشتمال ، كأنّه قيل : واسألهم عن أهل القرية وقت عدوانهم في تعظيم السبت.

(إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ) ظرف لـ «يعدون» أو بدل بعد بدل منه. والحيتان جمع الحوت ، بمعنى السمك. (يَوْمَ سَبْتِهِمْ) يوم تعظيمهم أمر السبت. مصدر : سبتت اليهود ، إذا عظّمت سبتها بترك الصيد والتجرّد للعبادة. وقيل : اسم لليوم. والإضافة لاختصاصهم بأحكام فيه. (شُرَّعاً) حال من الحيتان. ومعناه : ظاهرة على وجه الماء ، من : شرع علينا ، إذا دنا وأشرف.

(وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) بل كانت تغوص في البحر. قيل : إنّهم ألقوا الشبكة في الماء يوم السبت حتّى كان يقع فيها السمك ، ثمّ كانوا لا يخرجون الشبكة من الماء إلى يوم الأحد.

وفي رواية عكرمة عن ابن عبّاس : اتّخذوا الحياض ، فكانوا يسوقون الحيتان إليها ، ولا يمكنها الخروج منها ، فيأخذونها يوم الأحد. وقيل : إنّهم اصطادوها وتناولوها باليد في يوم السبت.

(كَذلِكَ) مثل ذلك البلاء الشديد (نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) بسبب فسقهم.

٦١٥

(وَإِذْ قالَتْ) عطف على «إذ يعدون» (أُمَّةٌ مِنْهُمْ) جماعة من أهل القرى ، يعني : صلحاءهم الّذين اجتهدوا في موعظتهم حتّى أيسوا من اتّعاظهم (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) مخزيهم ومستأصلهم في الدنيا بمعصيتهم (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) في الآخرة ، لتماديهم في العصيان. قالوه مبالغة في أنّ الوعظ لا ينفع فيهم ، أو سؤالا عن علّة الوعظ ونفعه ، وكأنّه تقاول بينهم ، أو قول من ارعوى عن الوعظ لمن لم يرعو منهم. وقيل : المراد طائفة من الفرقة الهالكة أجابوا به وعّاظهم ، ردّا عليهم وتهكّما بهم.

(قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) جواب للسؤال ، أي : موعظتنا إنهاء عذر إلى الله تعالى ، حتّى لا تنسب إلى تفريط في النهي عن المنكر. وقرأ حفص : معذرة بالنصب على المصدر أو العلّة ، أي : اعتذرنا به معذرة ، أو وعظناهم معذرة (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ولطمعنا أن يتّقوا ويرجعوا ، إذ اليأس لا يحصل إلّا بالهلاك.

(فَلَمَّا نَسُوا) تركوا ترك الناسي (ما ذُكِّرُوا بِهِ) ما ذكّروهم به صلحاؤهم (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالاعتداء ومخالفة أمر الله تعالى (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) شديد. فعيل من : بؤس يبؤس بؤسا ، إذا اشتدّ.

وقرأ أبو بكر بيئس على فيعل ، كضيغم. وابن عامر : بئس بكسر الباء وسكون الهمزة ، على أنّه بئس كحذر. كما قرئ به شاذّا فخفّف عينه بنقل حركتها إلى الفاء ، ككبد. ونافع : بيس على قلب الهمزة ياء ، كما قلبت في ذيب ، أو على أنه فعل الذمّ وصف به فجعل اسما. (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) بسبب فسقهم.

(فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) تكبّروا عن ترك ما نهوا عنه ، كقوله تعالى : (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) (١) (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً) عبارة عن مسخهم قردة (خاسِئِينَ) مطرودين مبعّدين. وهذا كقوله : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ

__________________

(١) الأعراف : ٧٧.

٦١٦

كُنْ فَيَكُونُ) (١). والظاهر أنّ الله عذّبهم أوّلا بعذاب شديد ، فعتوا بعد ذلك فمسخهم. ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرا وتفصيلا للأولى.

ولم يذكر الفرقة الثالثة الّتي قالت لم تعظون؟ أهي الناجية أم من الهالكة؟ واختلف في ذلك فقيل : هلكت الفرقتان ، ونجت الفرقة الناهية. وروي ذلك عن الصادق عليه‌السلام.

وقيل : نجت الفرقتان وهلكت الفرقة الثالثة ، وهي الآخذة للحيتان ، لأنّ الناهي إذا علم أنّ النهي لا يؤثّر في المنهيّ سقط عنه النهي.

وروي أنّ الناهين لمّا أيسوا عن اتّعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم ، فقسّموا القرية بجدار فيه باب مطروق ، فأصبحوا يوما ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين ، فقالوا : إنّ لهم شأنا ، فدخلوا عليهم فإذا هم قردة ، فلم يعرفوا أنسباءهم ، ولكن القرود تعرفهم ، فجعلت تأتي أنسباءهم ، وتشمّ ثيابهم ، وتدور باكية حولهم ، ثمّ ماتوا بعد ثلاث.

وفي الكشّاف : «أنّ أصحاب السبت كانوا مستقيمين على ما أمروا به وما نهوا عنه برهة من الدهر ، ثمّ جاء إبليس فقال لهم : إنّما نهيتم عن أخذها يوم السبت ، فاتّخذوا حياضا تسوقون الحيتان إليها يوم السبت ، فلا تقدر على الخروج منها ، وتأخذونها يوم الأحد.

وأخذ رجل منهم حوتا وربط في ذنبه خيطا إلى خشبة في الساحل ، ثمّ شواه يوم الأحد. فوجد جاره ريح السمك ، فتطلّع في تنّوره فقال له : إنّي أرى الله سيعذّبك ، فلمّا لم يره عذّب أخذ في السبت القابل حوتين.

فلمّا رأوا أنّ العذاب لا يعاجلهم صادوا وأكلوا وملّحوا وباعوا. وكانوا نحوا من سبعين ألفا. فصار أهل القرية أثلاثا : ثلث نهوا ، وكانوا نحوا من اثني عشر ألفا ،

__________________

(١) النحل : ٤٠.

٦١٧

وثلث قالوا : لم تعظون قوما؟ وثلث هم أصحاب الخطيئة.

فلمّا لم ينتهوا قال المسلمون : إنّا لا نساكنكم. فقسّموا القرية بجدار ، للمسلمين باب ، وللمعتدين باب. ولعنهم داود عليه‌السلام ، فأصبح الناهون ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد ، فقالوا : إنّ للناس شأنا ، فعلوا الجدار فنظروا فإذا هم قردة ، ففتحوا الباب ودخلوا عليهم ، فعرفت القردة أنسباءها من الإنس ، والإنس لا يعرفون أنسباءهم من القرود. فجعل القرد يأتي نسيبه فيشمّ ثيابه ويبكي. فيقول : ألم ننهك؟ فيقول برأسه : بلى. وقيل : صار الشباب قردة ، والشيوخ خنازير» (١).

وفي المجمع (٢) عن ابن عبّاس : أنّهم بقوا ثلاثة أيّام ينظر إليهم الناس ، ثمّ هلكوا ولم يتناسلوا. قال : ولم يمكث مسخ فوق ثلاثة أيّام. وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله لم يمسخ شيئا فجعل له نسلا وعقبا.

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ

__________________

(١) الكشّاف ٢ : ١٧٢.

(٢) مجمع البيان ٤ : ٤٩٣.

٦١٨

لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠))

ثمّ خاطب سبحانه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) أي : أعلم. تفعّل من الإيذان بمعناه ، كالتوعّد والإيعاد. ومعناه : واذكر إذ عزم ربّك ، لأنّ العازم على الأمر يحدّث به نفسه ويؤذنها بفعله. وأجري مجرى فعل القسم ، كـ : علم الله وشهد الله ، ولذلك أجيب بما يجاب به القسم ، وهو قوله : (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ).

والمعنى : وإذ أوجب ربّك على نفسه ليسلّطنّ على اليهود إلى يوم القيامة (مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) كالإذلال وضرب الجزية ، كما روي أنّ الله بعث عليهم بعد سليمان عليه‌السلام بختنصّر ، فخرّب ديارهم ، وقتل مقاتليهم ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وضرب الجزية على من بقي منهم ، وكانوا يؤدّونها إلى المجوس ، حتّى بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ففعل ما فعل ، ثمّ ضرب عليهم الجزية ، فلا تزال مضروبة عليهم إلى آخر الدهر. ومعنى البعث هاهنا بمعنى الإطلاق والتخلية والأمر.

(إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) عاقبهم في الدنيا (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تاب وآمن. وهذه الآية دالّة على أنّ اليهود لا يكون لهم دولة وعزّة إلى يوم القيامة.

(وَقَطَّعْناهُمْ) وفرّقناهم (فِي الْأَرْضِ أُمَماً) فرقا وجماعات ، بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم ، تتمّة لإدبارهم حتّى لا يكون لهم شوكة قطّ. و «أمما» مفعول ثان أو حال (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) صفة أو بدل منه. وهم الّذين آمنوا بالمدينة ونظراؤهم (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) تقديره : ومنهم ناس دون ذلك ، أي : منحطّون عن الصلاح. وهم كفرتهم وفسقتهم.

(وَبَلَوْناهُمْ) واختبرناهم ، أي : نعاملهم معاملة أهل الاختبار (بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) بالنعم والنقم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ينتبهون فينتهون فينيبون عمّا كانوا

٦١٩

عليه.

ثمّ ذكر سبحانه الأخلاف بعد الأسلاف بقوله : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد المذكورين (خَلْفٌ) بدل سوء. مصدر نعت به ، ولذلك يقع على الواحد والجمع.

وقيل : جمع. وهو شائع في الشرّ ، والخلف بالفتح في الخير. والمراد بهم الّذين كانوا في عصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (وَرِثُوا الْكِتابَ) أي : بقيّة التوراة من أسلافهم ، يقرءونها ويقفون على ما فيها من الأوامر والنواهي ، ولا يعملون بها.

(يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) حطام هذا الشيء الأدنى ، يعني : الدنيا وما يتمتّع به منها ، من : الدنوّ أو الدناءة ، وهو ما كانوا يأخذون من الرشا في الحكومة وعلى تحريف الكلم عن مواضعه. والجملة حال من الواو.

(وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) لا يؤاخذنا الله تعالى بذلك ، ويتجاوز عنه. وهو يحتمل العطف والحال. والفعل مسند إلى الجارّ والمجرور ، أو مصدر «يأخذون».

والّذي عليه المجبّرة هو مذهب اليهود بعينه كما ترى.

وعن مالك بن دينار رحمه‌الله : يأتي على الناس زمان إن قصّروا عمّا أمروا به ، قالوا : سيغفر لنا ، لأنّا لم نشرك بالله شيئا ، فهؤلاء من هذه الأمّة أشباه الّذين ذكرهم الله ، وتلا الآية.

(وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) حال من الضمير في «لنا» أي : يرجون المغفرة ، مصرّين على الذنب ، عائدين إلى مثل فعلهم ، غير تائبين عنه.

(أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ) على هؤلاء المرتشين (مِيثاقُ الْكِتابِ) الميثاق في التوراة (أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) عطف بيان للميثاق ، أو متعلّق به ، أي : بأن لا يقولوا ، أي : لا يكذّبوا على الله ، ولا يضيفوا إليه إلّا ما أنزله. والمراد توبيخهم على البتّ بالمغفرة مع عدم التوبة ، والدلالة على أنّه افتراء على الله ، وخروج عن ميثاق الكتاب.

٦٢٠