زبدة التّفاسير - ج ٢

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٢

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-04-3
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٥٦

(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥))

ثم بيّن سبحانه ما يحلّ من الأطعمة والأنكحة إتماما لما تقدّم ، فقال : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) هي تقع على كلّ مستطاب من الأطعمة ، إلّا ما دلّ الشرع على تحريمه (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) قيل : هو ذبائحهم. وهو مذهب العامّة وقليل منّا. وقال الصادق عليه‌السلام : مختصّ بالحبوب وما لا يحتاج إلى التذكية.

وعليه أكثر علمائنا الإماميّة. (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) فلا جناح عليكم أن تطعموهم وتبيعوه منهم ، ولو حرم عليهم لم يجز ذلك.

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) أي : الحرائر أو العفائف. وإنّما خصّهنّ بعثا للمؤمنين على أن يتخيّروا لنطفهم ، وإلّا فغير العفائف يصحّ نكاحهنّ. وكذلك الإماء المسلمات.

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قال أصحابنا : هنّ اللواتي أسلمن منهنّ ، وذلك أنّ قوما كانوا يتحرّجون من العقد على من أسلمت من كفر ، فلذلك أفردن بالذكر. واحتجّوا بقوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (١) ، وقوله :

__________________

(١) الممتحنة : ١٠.

٢٢١

(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) (١). (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) مهورهنّ. وتقييد الحلّ بإيتائها لتأكيد وجوبها ، والحثّ على ما هو الأولى. (مُحْصِنِينَ) أعفّاء بالنكاح (غَيْرَ مُسافِحِينَ) غير مجاهرين بالزنا (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) مسرّين به.

والخدن : الصديق ، يقع على الذكر والأنثى.

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) يريد بالإيمان شرائع الإسلام ، وبالكفر به إنكاره والامتناع عنه. وفيه دلالة على أنّ حبوط العمل لا يترتّب على الثواب ، فإنّ الكافر ليس له عمل عليه ثواب. (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي : الهالكين.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦))

ولمّا تقدّم الأمر بالوفاء بالعقود ، ومن جملتها إقامة الصلاة ، ومن شرائطها الطهارة ، بيّن سبحانه ذلك بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) أي : إذا

__________________

(١) البقرة : ٢٢١.

٢٢٢

أردتم القيام ، كقوله : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (١). عبّر عن إرادة الفعل بالفعل المسبّب عنها ، للإيجاز ، والتنبيه على أنّ من أراد العبادة ينبغي أن يبادر إليها بحيث لا ينفكّ الفعل عن الإرادة. أو إذا قصدتم الصلاة ، لأنّ التوجّه إلى الشيء والقيام إليه قصد له.

وظاهر الآية يوجب الوضوء على كلّ قائم إلى الصلاة وإن لم يكن محدثا ، والإجماع على خلافه ، لما روي : «أنّه صلّى الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح ، فقال عمر : صنعت شيئا لم تكن تصنعه! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عمدا فعلته».

فقيل : مطلق أريد به التقييد. والمعنى : إذا قمتم إلى الصلاة محدثين.

وقيل : كان في بدء الإسلام يجب الوضوء لكلّ صلاة ، فنسخ.

وهو ضعيف ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المائدة من آخر القرآن نزولا ، فأحلّوا حلالها ، وحرّموا حرامها».

(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) أمرّوا الماء عليها. ولا حاجة إلى الدلك ، خلافا لمالك. وحدّ الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا ، وما دخل بين الوسطى والإبهام عرضا ، حقيقة أو حكما. وهو المرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام. ولا يجب إيصال الماء إلى تحت الشعور ، لعدم صدق الوجه على ما تحتها ، فإنّ الوجه عبارة عمّا يتواجه عند التخاطب ويتراءى.

ووجه تخصيص هذا الخطاب بالمؤمنين ، مع أنّ الكفّار أيضا مكلّفون بالفروع على المذهب الحقّ ، أنّ المؤمنين هم المتهيّؤن للامتثال المنتفعون بالأعمال.

(وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) جمع مرفق ، وهو المكان الّذي يرتفق به ، أي : يتّكأ عليه من اليد. أجمعت الأمّة على أنّ من بدأ في غسل اليدين من المرفقين صحّ وضوءه ، واختلفوا في صحّة وضوء من بدأ من الأصابع إلى المرفق. وأصحابنا

__________________

(١) النحل : ٩٨.

٢٢٣

متّفقون على وجوب دخول المرفقين في المغسول والابتداء بهما. واختلفوا في «إلى» ، فبعضهم يجعلونها بمعنى «مع» ، كقوله : (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) (١) وقوله : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) (٢) ، أو يجعلونها متعلّقة بمحذوف ، تقديره : وأيديكم مضافة إلى المرافق ، فيدخل المرفق ضرورة. وبعضهم قائلون إنّها على حقيقتها ، وهو انتهاء الغاية ، فيدخل المرفق أيضا ، لأنّه لمّا لم يتميّز الغاية عن ذي الغاية بمحسوس وجب دخولها.

قال في كنز العرفان : «والحقّ أنّها للغاية ، ولا تقتضي دخول ما بعدها فيما قبلها ولا خروجه ، لوروده معهما. أمّا الدخول فكقولك : حفظت القرآن من أوّله إلى آخره ، ومنه : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (٣). وأمّا الخروج فك (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٤) و (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (٥). وحينئذ لا دلالة على دخول المرفق». وكذا لا دلالة له على الابتداء بالمرفق ولا بالأصابع ، لأنّ الغاية قد تكون للغسل ، وقد تكون للمغسول ، وهو المراد هاهنا ، بل كلّ من الابتداء والدخول مستفاد من بيان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه توضّأ وابتدأ بأعلى الوجه وبالمرفقين وأدخلهما ، على ما وردت الأخبار الصحيحة عن أئمّتنا المعصومين عليهم‌السلام ، وإلّا لكان خلاف ذلك هو المتعيّن ، لأنّه قال : هذا وضوء لا يتقبّل الله الصلاة إلّا به ، أي : بمثله ، وحينئذ فلا يكون الابتداء بالأعلى وبالمرفقين ودخولهما مجزيا ، بل يكون بدعة ، لكن الإجماع على خلافه» (٦). وفيه ما فيه.

__________________

(١) هود : ٥٢.

(٢) آل عمران : ٥٢ ، الصفّ : ١٤.

(٣) الإسراء : ١.

(٤) البقرة : ١٨٧.

(٥) البقرة : ٢٨٠.

(٦) كنز العرفان ١ : ٩ ـ ١٠.

٢٢٤

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) الباء للتبعيض ، لأنّه الفارق بين قولك : مسحت المنديل ، ومسحت بالمنديل. وقيل : زائدة ، لأنّ المسح متعدّ بنفسه ، ولذلك أنكر أهل العربيّة إفادة التبعيض. والتحقيق أنّها تدلّ على تضمين الفعل معنى الإلصاق ، فكأنّه قال : ألصقوا المسح برؤسكم ، وذلك لا يقتضي الاستيعاب ولا عدمه ، بخلاف «امسحوا رؤوسكم» فإنّه كقوله : «فاغسلوا وجوهكم».

ثم اختلف في القدر الواجب مسحه ، فقال أصحابنا : أقلّ ما يقع عليه الاسم أخذا بالمتيقّن ، ولنصّ أئمّتهم عليهم‌السلام ، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة : ربع الرأس ، لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح على ناصيته وهو قريب من الربع. وهو غلط. ومالك مسح الجميع.

والمسح عندنا مختصّ بالمقدّم ، لوقوع ذلك في البيان ، فيكون ذلك متعيّنا ، ولأنّه يجزي بالإجماع ، لأنّ جميع الفقهاء قالوا بالتخيير أيّ موضع شاء.

والحقّ أنّه لا يجب الابتداء بالأعلى ، لإطلاق المسح ، ولقول أحدهما عليهما‌السلام : «لا بأس بالمسح مقبلا ومدبرا».

وأنّه لا يتقدّر بثلاثة أصابع ، لما بيّنّا من الإطلاق ، ولقول الباقر عليه‌السلام : «إذا مسحت بشيء من رأسك ، أو بشيء من قدميك ، ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع ، فقد أجزأك».

نعم ، المسح بثلاث أصابع أفضل.

(وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قرأ نافع وابن عامر والكسائي وحفص بالنصب عطفا على محلّ «برؤوسكم» إذ الجارّ والمجرور محلّه النصب على المفعوليّة ، كقولهم : مررت بزيد وعمرا. وقرئ : «تنبت بالدهن وصبغا للآكلين» (١). وكقول الشاعر :

معاوي إنّنا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

وقرأ الباقون بالجرّ عطفا على رؤسكم. وهو ظاهر. فالقراءتان دالّتان على معنى واحد ، وهو وجوب المسح كما هو مذهب أصحابنا الإماميّة. ويؤيّده ما رووه

__________________

(١) المؤمنون : ٢٠.

٢٢٥

عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه توضّأ ومسح على قدميه ونعليه. ومثله عن عليّ عليه‌السلام وابن عبّاس.

وأيضا عن ابن عبّاس أنّه وصف وضوء رسول الله فمسح على رجليه.

وإجماع أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم على ذلك.

قال الصادق عليه‌السلام : «يأتي على الرجل الستّون والسبعون ما قبل الله منه صلاة. قيل : وكيف ذلك؟ قال : لأنّه يغسل ما أمر الله بمسحه».

وغير ذلك من الأخبار. وقال ابن عبّاس وقد سئل عن الوضوء فقال : غسلتان ومسحتان.

وقال الفقهاء الأربعة بوجوب الغسل ، محتجّين بقراءة النصب عطفا على «وجوهكم» ، أو أنّه منصوب بفعل مقدّر ، أي : واغسلوا أرجلكم ، كقوله : علفتها تبنا وماء باردا ... أراد : سقيتها ، وقوله : متقلّدا سيفا ورمحا ، أي : معتقلا (١) رمحا.

وأمّا قراءة الجرّ فبالمجاورة ، كقوله تعالى : (عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (٢) بجرّ «أليم» ، وقراءة حمزة : (وَحُورٌ عِينٌ) (٣) ، فإنّه ليس معطوفا على قوله : (وَلَحْمِ طَيْرٍ) وما قبله ، وإلّا لكان تقديره : يطوف عليهم ولدان مخلّدون بحور عين ، لكنّه غير مراد ، بل هم الطائفون لا المطوف بهم ، فيكون جرّه على مجاورة «لحم طير».

والجواب عن الأوّل بأنّ العطف على «وجوهكم» حينئذ مستهجن ، إذ لا يقال : ضربت زيدا وعمرا وأكرمت خالدا وبكرا ، ويجعل «بكرا» عطفا على زيد وعمرو المضروبين ، على أنّه إذا وجد فيه عاملان عطف على الأقرب منهما ، كما هو مذهب البصريّين. وشواهده مشهورة ، خصوصا مع عدم المانع ، كما في المسألة ، فإنّ العطف على الرؤوس لا مانع منه لغة ولا شرعا.

وأمّا النصب بفعل مقدّر ، فإنّه إنّما نضطرّ إلى تقديره إذا لم يمكن حمله على

__________________

(١) اعتقل الرمح : وضعه بين ركابه وساقه.

(٢) هود : ٢٦.

(٣) الواقعة : ٢٢.

٢٢٦

اللفظ المذكور كما مثّلتم ، وأمّا هاهنا فلا ، لما قلنا من العطف على المحلّ.

وعن الثاني بأنّ إعراب المجاورة ضعيف جدّا ، لا يليق بكتاب الله ، وقد أنكره أكثر أهل العربيّة. مع أنّه إنّما يجوز بشرطين : الأوّل : عدم الالتباس ، كقولهم : حجر ضبّ خرب. والثاني : أن لا يكون معه حرف عطف ، وهنا حرف عطف. وأيضا الروايات المذكورة حجّة عليهم.

والكعبان عندنا هما العظمان الناتئان في ظهر القدمين عند معقد الشراك (١).

وقال بعض المفسّرين والفقهاء : الكعبان هما عظما الساقين. ولو كان كما قالوا لقال سبحانه : وأرجلكم إلى الكعاب ، ولم يقل : إلى الكعبين ، لأنّ على ذلك القول يكون في كلّ رجل كعبان.

(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) عند القيام إلى الصلاة (فَاطَّهَّرُوا) أي : فاغتسلوا (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) من وجه الأرض. و «من» لابتداء الغاية ، ولا يلزم منه وجوب علوق التراب باليد ، كما هو مذهب بعض العامّة وقليل من أصحابنا. وقد سبق تفسير ذلك ، ولعلّ تكريره ليتّصل الكلام في بيان أنواع الطهارة.

(ما يُرِيدُ اللهُ) بما فرض عليكم من الوضوء وقت قيامكم إلى الصلاة ، ومن الغسل من الجنابة ، ومن التيمّم عند عدم الماء أو تعذّر استعماله (لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) ليلزمكم في دينكم من ضيق (وَلكِنْ يُرِيدُ) بما فرض عليكم (لِيُطَهِّرَكُمْ) لينظّف أجسادكم عن النجاسة الحكميّة ، أو ليطهّركم عن الذنوب ، فإنّ الوضوء والغسل والتيمّم تكفير للذنوب ، أو ليطهّركم بالتراب إذا أعوزكم التطهير بالماء.

ويمكن أن يكون المراد طهارة القلب عن صفة التمرّد عن طاعة الله ، لأنّ الأمر

__________________

(١) الشراك : سير النعل على ظهر القدم.

٢٢٧

بالتطهير يجعل العبد في مظنّة التمرّد ، فإنّه غير معقول المعنى ، فإذا انقاد وتعبّد به زال عن قلبه آثار التمرّد.

(وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) ليتمّ بشرعه ما هو مطهّرة لأبدانكم ومكفّرة لذنوبكم نعمته عليكم في الدين (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) لتشكروا على تلك النعمة.

والآية مشتملة على سبعة أمور كلّها مثنى : طهارتان أصل وبدل. والأصل اثنان : مستوعب وغير مستوعب. وغير المستوعب باعتبار الفعل غسل ومسح.

وباعتبار المحلّ محدود ، وهو غسل الأعضاء الثلاثة ، وغير محدود ، وهو المسح.

وأنّ آلتهما مائع وجامد. وموجبهما حدث أصغر وأكبر. وأن المبيح للعدول إلى البدل مرض ، أو سفر. وأن الموعود عليهما تطهير الذنوب وإتمام النعمة. وأحكام الوضوء والغسل والتيمّم ومسائلها المتفرّعة منها كثيرة موضعها الكتب المدوّنة في الفقه.

(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧))

لمّا قدّم سبحانه ذكر بيان الشرائع ، عقّبه بتذكير نعمه ، فقال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي : نعمة الإسلام لتذكّركم المنعم ، وترغّبكم في شكره (وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) عاقدكم به عقدا وثيقا (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) أي : الميثاق الّذي أخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين بايعتموه على السمع والطاعة ، في العسر واليسر والمنشط والمكره ، أو ميثاق ليلة العقبة ، أو بيعة الرضوان.

وروى أبو الجارود عن الباقر عليه‌السلام : «هو الميثاق الّذي بيّن لهم في حجّة الوداع ، من تحريم المحرّمات وفرض ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وغير ذلك».

(وَاتَّقُوا اللهَ) في إنساء هذه النعمة ونقض ميثاقه (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ

٢٢٨

الصُّدُورِ) أي : بما تضمروه في صدوركم من الأمور الخفيّة ، فضلا عن جليّات أعمالكم. والمراد بالصدور هاهنا القلوب ، لأنّ موضع القلب الصدر.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨))

ولمّا ذكر سبحانه الوفاء بالعهود ، بيّن أنّ ممّا يلزم الوفاء به قيامكم بالحقّ ، ومراعاتكم العدالة في أداء الشهادة وترك العدوان بها ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) أي : ليكن من عادتكم القيام لله بالحقّ في أنفسكم بالعمل الصالح ، وفي غيركم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ابتغاء مرضاة الله ، وامتثالا لأمره (شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) بالعدل بين الناس ، سواء كانت شهادتكم عليهم أو لهم.

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) عدّاه بـ «على» لتضمّنه معنى الحمل. والمعنى : لا يحملنّكم شدّة بغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم ، فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحلّ لكم ، كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد ، تشفّيا ممّا في قلوبكم من الضغائن. (اعْدِلُوا هُوَ) أي : العدل (أَقْرَبُ لِلتَّقْوى). صرّح لهم بالأمر بالعدل ، وبيّن أنّه بمكان من التقوى ، بعد ما نهاهم عن الجور ، وبيّن أنّه مقتضى الهوى. وإذا كان مراعاة العدل مع الكفّار لازمة لكم ، فما ظنّكم بالعدل مع المؤمنين؟! (وَاتَّقُوا اللهَ) بفعل الطاعات واجتناب السيّئات (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ) عالم (بِما تَعْمَلُونَ) فيجازيكم عليه. وتكرير هذا الحكم إمّا لاختلاف السبب ، كما قيل : إنّ

٢٢٩

الأولى نزلت في المشركين وهذه في اليهود ، أو لمزيد الاهتمام بالعدل ، والمبالغة في إطفاء نائرة الغيظ.

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٠))

ثم قال وعدا للمؤمنين العادلين ، ووعيدا للمشركين العادين : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) إنما حذف ثاني مفعولي «وعد» استغناء بقوله : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) ، فإنّه استئناف يبيّنه ، كأنّه قيل : أيّ وعد للمؤمنين؟ فقال : لهم مغفرة وأجر عظيم. وقيل : الجملة في موضع المفعول ، فإنّ الوعد ضرب من القول ، فكأنّه قال : وعدهم هذا القول.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) هذا من عادته تعالى أن يتبع حال أحد الفريقين حال الآخر ، وفاء بحقّ الدعوة. وفيه مزيد وعد للمؤمنين ، وتطييب لقلوبهم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١))

ثم ذكر نعمة اخرى على المؤمنين ، وهي دفع الأعداء عنهم ، ليقيموا على الشكر عليه ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ) أي : قصدوا (أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) بالقتل والإهلاك ، يقال : بسط إليه يده إذا بطش به ، وبسط إليه لسانه إذا شتمه (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) منعها أن تمدّ إليكم ، وردّ

٢٣٠

مضرّتها عنكم (وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فإنّه الكافي لإيصال الخير ودفع الشرّ.

واختلف المفسّرون في الّذين بسطوا الأيدي إلى المؤمنين ، فقال بعضهم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أتى بني النضير مع جماعة من أصحابه يستقرضهم لدية مسلمين قتلهما عمرو بن أميّة الضمري خطأ يحسبهما مشركين ، فقالوا : نعم يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونقرضك. فأجلسوه وهمّوا بقتله ، فعمد عمر بن جحاش إلى رحى عظيمة يطرحها عليه ، فأمسك الله يده ، فنزل جبرئيل فأخبره ، فخرج من بينهم. وهذا قول مجاهد وقتادة. وعليه أكثر المفسّرين.

وقيل : إنّ المشركين لمّا رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه بعسفان قاموا إلى الظهر معا ، فلمّا صلّوا ندموا ألّا كانوا أكبّوا عليهم ، وهمّوا أن يوقعوا بهم إذا قاموا إلى العصر ، فردّ الله تعالى كيدهم بأن أنزل صلاة الخوف ، فنزلت هذه الآية.

وروي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وقعة بدر نزل منزلا وعلّق سلاحه بشجرة ، وتفرّق الناس عنه. فبعث قريش رجلا اسمه عمرو بن وهب الجمحي ليغتاله ، فجاءه فسلّ سيفه فقال : من يمنعك منّي؟ فقال : الله تعالى. فأسقط جبرئيل من يده السيف وأخذه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : من يمنعك منّي؟ فقال : لا أحد ، أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ، فنزلت.

وقال الواقدي : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غزا جمعا من بني ذبيان ، فتحصّنوا برؤوس الجبال ، ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحيث يراهم ، فذهب لحاجته فأصابه مطر ، فبلّ ثوبه فنشره على شجرة ، واضطجع تحته والأعراب ينظرون إليه ، فجاءه سيّدهم دعثور بن الحارث ، حتّى وقف على رأسه بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمد من يمنعك منّي اليوم؟ فقال : الله ، وضرب جبرئيل في صدره ، ووقع السيف من يده ، فأخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقام على رأسه وقال : من يمنعك اليوم منّي؟ فقال : لا أحد ، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله ، فنزلت الآية.

٢٣١

وعلى هذا فيكون تخليص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا همّوا به نعمة على المؤمنين ، من حيث إنّ مقامه بينهم نعمة عليهم.

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣))

ولمّا بيّن الله تعالى خيانة الكفّار وهمّهم بقتله ، وأنّه دفع عنه شرّهم ، عقّبه بذكر أحوال اليهود وخبث سرائرهم ، وقبح عادتهم في خيانة الرسول ، تسلية لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما همّوا به ، فقال : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) بعد هلاك فرعون بمصر ، بأن يصيروا إلى أريحا ليقاتلوا الجبابرة (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) شاهدا من كلّ سبط ، ينقّب عن أحوال قومه ، ويفتّش عنها ، أو كفيلا يكفل عليهم بالوفاء بما أمروا به.

روي أنّ بني إسرائيل لمّا فرغوا عن فرعون ، واستقرّوا بمصر ، أمرهم الله

٢٣٢

تعالى بالمسير إلى أريحا من أرض الشام ، وكان يسكنها الكنعانيّون الجبابرة ، ومنهم عوج بن عنق ، وقال : إنّي كتبتها لكم دارا قرارا ، فاخرجوا إليها ، وجاهدوا من فيها ، فإنّي ناصركم ، وأمر الله موسى عليه‌السلام بأن يأخذ من كلّ سبط كفيلا عليهم بالوفاء بما أمروا به ، فأخذ عليهم الميثاق ، واختار منهم النقباء وسار بهم ، فلمّا دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسّسون الأخبار ، ونهاهم أن يحدّثوا قومهم ما رأوا من عظم جثث الجبّارين وجسامة هياكلهم وشدّة بطشهم ، لئلّا يجبنوا ويتباعدوا عن جهادهم ، فلمّا رأوا أجراما عظيمة وبأسا شديدا هابوا ، فرجعوا وحدّثوا قومهم ما رأوا من الجبّارين ، إلا كالب بن يوفنا من سبط يهوذا ، ويوشع ابن نون من سبط أفرائيم بن يوسف ، وكانا من النقباء. وقيل : كتم خمسة ، وأظهر الباقون.

(وَقالَ اللهُ) بوساطة موسى (إِنِّي مَعَكُمْ) بالنصرة والإعانة (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أي : نصرتموهم وقوّيتموهم ومنعتموهم من أيدي العدوّ. وأصله الذبّ ، ومنه التعزير ، وهو التنكيل والمنع من معاودة الفساد ، (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي : أنفقتم في سبيل الله نفقة حسنة يجازيكم بها ، فكأنّه قرض من هذا الوجه. و «قرضا» يحتمل المصدر والمفعول.

وقيل : معنى الآية : لقد أخذنا ميثاقهم بالإيمان والعدل ، وبعثنا منهم اثني عشر ملكا يقيمون فيهم العدل. واللام موطّئة للقسم.

(لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) جواب للقسم المدلول عليه باللام في «لئن» سادّ مسدّ جواب الشرط والقسم جميعا (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) بعد ذلك الشرط المؤكّد المعلّق به هذا الوعد العظيم (مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ضلالا لا شبهة فيه ، وزال عن قصد الطريق الواضح ، لأنّ النعمة كلّما عظمت وزادت كثرت المذمّة في كفرانها وتمادت ، بخلاف من كفر قبل ذلك ، إذ قد يمكن أن تكون له شبهة ، ويتوهّم له معذرة.

٢٣٣

(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) أبعدناهم من رحمتنا ، أو مسخناهم ، أو ضربنا عليهم الجزية (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) خذلناهم ، ومنعناهم التوفيق واللطف والذي تنشرح به صدورهم ، حتى ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، حتى قست قلوبهم ، فلا تنفعل عن الآيات. والقسوة خلاف اللين والرقّة. وقرأ حمزة والكسائي : قسيّة ، وهي إمّا مبالغة قاسية ، أو بمعنى رديئة مغشوشة ، من قولهم : درهم قسي ، إذا كان مغشوشا. وهو أيضا من القسوة ، فإنّ المغشوش فيه يبس وصلابة.

ثمّ استأنف لبيان قسوة قلوبهم بقوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) فإنّه لا قسوة أشدّ من تغيير كلام الله والافتراء عليه. ويجوز أن يكون حالا من مفعول «لعنّاهم» لا من القلوب ، إذ لا ضمير له فيه (وَنَسُوا حَظًّا) وتركوا نصيبا وافيا (مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) من التوراة ، أو من اتّباع محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. والمعنى : أنّهم حرّفوا التوراة ، وتركوا حظّهم ممّا أنزل عليهم ، فلم ينالوه.

وقيل : معناه : وضيّعوا ما ذكّرهم الله به في كتابهم ممّا فيه رشدهم ، وتركوا تلاوته ، فنسوه على مرّ الأيّام.

وقيل : معناه : أنّهم لمّا حرّفوها فزلّت بشؤمه أشياء منها عن حفظهم ، لما روي أنّ ابن مسعود قال : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية ، وتلا هذه الآية.

(وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) أي : خيانة ، أو فرقة خائنة ، أو خائن ، والتاء للمبالغة. والمعنى : أنّ الخيانة والغدر من عادتهم وعادة آبائهم السالفة ، لا تزال ترى ذلك منهم. (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) لم يخونوا ، وهم الّذين آمنوا منهم. وقيل : استثناء من قوله : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً).

(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) ما داموا على عهدك ، ولم يخونوك. عنى بهم القليل الّذي استثناه منهم. أو إن تابوا وآمنوا ، أو عاهدوا والتزموا الجزية. وقيل : مطلق

٢٣٤

نسخ بآية (١) السيف. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) تعليل للأمر بالصفح ، وحثّ عليه ، وتنبيه على أنّ العفو عن الكافر الخائن إحسان ، فضلا عن العفو عن غيره.

(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤))

ثمّ بيّن سبحانه حال النصارى في نقضهم ميثاق عيسى ، كما بيّن حال اليهود في نقضهم ميثاق موسى ، فقال : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) أي : أخذنا من النصارى ميثاقهم بالتوحيد ، والإقرار بنبوّة المسيح وجميع الأنبياء ، وأنّهم كلّهم عبيد الله ، كما أخذنا ممّن قبلهم. وقيل : تقديره : ومن الّذين قالوا إنّا نصارى قوم أخذنا. وإنّما قال : قالوا إنّا نصارى ، ليدلّ على أنّهم سمّوا أنفسهم بذلك ادّعاء لنصرة الله تعالى.

(فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا) فألزمنا ، من : غري بالشيء إذا لصق به (بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) أي : بين فرق النصارى ، وهم : نسطوريّة ، ويعقوبيّة ، وملكانيّة. وذلك أنّ النسطوريّة قالت : إنّ عيسى ابن الله. واليعقوبيّة قالت : إنّ الله هو المسيح بن مريم. والملكانيّة ـ وهم أهل الروم ـ قالوا : إنّ الله ثالث ثلاثة : الله ، وعيسى ، ومريم. أو بينهم وبين اليهود. (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي : المعاداة تبقى بينهم إلى يوم القيامة ، إمّا بين فرق النصارى ، وإمّا بين اليهود والنصارى.

والمعنى : أنّا أخطرنا على بال كلّ منهم ما يوجب الوحشة والنفرة عن

__________________

(١) التوبة : ٢٩.

٢٣٥

صاحبه ، وما يهيج العصبيّة والعداوة ، عقوبة لهم على تركهم الميثاق ، أو خذلانا وتخلية.

(وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) بالجزاء والعقاب في الدنيا والآخرة.

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦))

ولمّا ذكر سبحانه أنّ اليهود والنصارى نقضوا العهود ، وتركوا ما أمروا به ، عقّب ذلك بدعائهم إلى الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكّرهم ما أتاهم من أسرار كتبهم حجّة عليهم ، فقال خطابا لليهود والنصارى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) يعني : اليهود والنصارى. ووحّد الكتاب لأنّه للجنس. (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) يعني : محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) كنعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في التوراة والإنجيل ، وآية الرجم في التوراة ، وأشياء كانوا يحرّفونها ، وبشارة عيسى بأحمد في الإنجيل (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ممّا تخفونه ، لا يخبر به إذا لم يضطرّ إليه أمر دينيّ. أو عن كثير منكم ، فلا يؤاخذه بجرمه. (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) يعني : القرآن ، فإنّه الكاشف لظلمات الشكّ والضلال ، والكتاب الواضح الإعجاز. أو الّذي يبيّن ما كان خافيا على الناس من الحقّ. وقيل : يريد بالنور محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يهتدي به الخلق كما

٢٣٦

يهتدى بالنور.

(يَهْدِي بِهِ اللهُ) وحّد الضمير لأنّ المراد بهما واحد ، أو لأنّهما كواحد في الحكم (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) رضاه بالإيمان (سُبُلَ السَّلامِ) طرق السلامة والنجاة من العذاب ، أو سبل الله ، لأنّ السلام اسم من أسماء الله ، وهي شرائع الإسلام (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ) من أنواع الكفر (إِلَى النُّورِ) إلى الإسلام (بِإِذْنِهِ) بلطفه وتوفيقه (وَيَهْدِيهِمْ) ويرشدهم (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) طريق هو أقرب الطرق إلى الله ، ومؤدّ إليه ، وهو طريق الإسلام ، فإنّه يوصل إلى الجنّة لا محالة.

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧))

ثمّ حكى سبحانه عن النصارى ما قالوه في المسيح ، فقال : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) هم الّذين قالوا بالاتّحاد منهم. وقيل : لم يصرّح به أحد منهم ، ولكن لمّا زعموا أنّ فيه لاهوتا يخلق ويحيي ويميت ويدبّر أمر العالم ، ومع ذلك قالوا : لا إله إلّا الله ، لزمهم أن يكون هو المسيح ، فنسب إليهم لازم قولهم ، توضيحا لجهلهم ، وتفضيحا لمعتقدهم.

(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) فمن يمنع من قدرته وإرادته شيئا (إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) عطف «من في الأرض» على

٢٣٧

المسيح وأمّه ، ليدلّ على أنّهما من جنسهم ، لا تفاوت في البشريّة بينهما وبينهم.

فاحتجّ الله تعالى في هذا القول على فساد قولهم ، بأنّ المسيح مقدور مقهور قابل للفناء كسائر الممكنات ، ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الألوهيّة.

ثمّ أزاح ما عرض لهم من الشبهة في أمره ، بأنّه خلق من غير أب ، فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) والمعنى : أنّه تعالى قادر على الإطلاق ، يخلق من غير أصل ، كما خلق السموات والأرض ، ومن أصل ، كخلق ما بينهما ، فينشئ من أصل ليس من جنسه ، كآدم عليه‌السلام وكثير من الحيوانات ، ومن أصل يجانسه ، إمّا من ذكر وحده كما خلق حوّاء ، أو من أنثى وحدها كعيسى ، أو منهما كسائر الناس.

(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨))

ثم حكى الله سبحانه عن الفريقين من أهل الكتاب ، فقال : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) أي : أشياع ابنيه عزير والمسيح ، كما قيل لأشياع أبي خبيب ـ وهو عبد الله بن الزبير ـ : الخبيبون. أو المقرّبون عنده قرب الأولاد من والدهم. وقد سبق (١) مثل ذلك في سورة آل عمران.

(قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) أي : فإن صحّ ما زعمتم أنّكم أبناء الله وأحبّاؤه فلم تذنبون؟ فتعذّبون بذنوبكم فتمسخون ، فإنّ من كان بهذا المنصب لا يفعل ما

__________________

(١) في ج ١ : ٤٩٢.

٢٣٨

يوجب تعذيبه. ولأنّ الأب يشفق على ولده ، والحبيب على حبيبه ، فلا يعذّبه ، وقد عذّبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ ، واعترفتم بأنّه سيعذّبكم بالنار أيّاما معدودة ، فليس الأمر كما قلتم.

(بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) ممّن خلقه الله (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) وهم من آمن به وبرسله (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) وهم من كفر. والمعنى : أنّه تعالى يعاملكم معاملة سائر الناس ، لا مزيّة لكم عنده.

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) كلّها سواء في كونها خلقا وملكا له (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي : يؤول إليه أمر العباد ، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩))

ثمّ عاد إلى خطاب أهل الكتاب وحجاجهم ، وإلزامهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) أي : الدين وأحكامه الشرعيّة ، وحذف لظهوره. أو ما كنتم تخفونه ، وحذف لتقدّم ذكره. ويمكن أن لا يقدّر مفعول ، على معنى : يبذل لكم البيان على الإطلاق. والجملة في موضع الحال ، أي : جاءكم رسولنا مبيّنا لكم (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) متعلّق بـ «جاءكم» أي : جاءكم على حين فتور من إرسال الرسل وانقطاع من الوحي (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) كراهة أن تقولوا : ما جاءنا من رسول بشير بالثواب ونذير بالعقاب ، وتعتذروا بهذا

٢٣٩

القول (فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) متعلّق بمحذوف ، أي : لا تعتذروا بـ «ما جاءنا» فقد جاءكم.

(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على إرسال الرسل متعاقبة ، كما فعل بين موسى وعيسى ، إذ كان بينهما ألف وسبعمائة سنة وألف نبيّ ، وعلى الإرسال على فترة ، كما فعل بين عيسى ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان بينهما ستّمائة أو خمسمائة (١) وتسع وستّون سنة وأربعة أنبياء ، ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب ، وهو خالد بن سنان العيسي. وفي الآية امتنان عليهم بإرسال الرسول إليهم بعد اندراس آثار الوحي ، وكانوا أحوج ما يكونون إليه.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠))

ثم ذكر سبحانه صنيع اليهود في المخالفة لنبيّهم عليه‌السلام ، تسلية لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مخادعتهم إيّاه ، فقال : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) واذكر يا محمد إذ قال موسى لهم : (يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) وآلاءه فيكم (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) فأرشدكم وشرّفكم بهم ، ولم يبعث في أمّة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء ، وذلك من نعم الله عليهم ، وآلائه لديهم.

(وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) أي : وجعل منكم أو فيكم. وقد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء بعد فرعون ، فقتلوا يحيى ، وهمّوا بقتل عيسى. وقيل : إنّهم لمّا كانوا مملوكين في أيدي القبط ، فأنقذهم الله تعالى ، وجعلهم مالكين لأنفسهم وأمورهم ، سمّاهم

__________________

(١) هذا الرقم للفترة بين ميلاد عيسى عليه‌السلام والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي : كان بين ميلادهما خمسمائة وتسع وستّون سنة.

٢٤٠