زبدة التّفاسير - ج ٢

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٢

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-04-3
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٥٦

بكثير منهم من كان في عصر نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) فيجازيهم على وفق أعمالهم.

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤))

ثمّ احتجّ سبحانه على النصارى فقال : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) هذا مذهب اليعقوبيّة منهم ، لأنّهم قالوا : إنّه تعالى اتّحد بالمسيح اتّحاد الذات ، فصارا شيئا واحدا ، فصار الناسوت لاهوتا ، وذلك قولهم : إنّ المسيح هو الإله.

(وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) أي : إنّي عبد مربوب مخلوق مثلكم ، فاعبدوا خالقي وخالقكم (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) في عبادته ، أو فيما يختصّ به من الصفات والأفعال (فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) يمنع من دخولها ، كما يمنع المحرّم من المحرّم عليه ، فإنّها دار الموحّدين (وَمَأْواهُ النَّارُ) فإنّها المعدّة للمشركين (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) أي : وما

٣٠١

لهم أحد ينصرهم من النار ، ويخلّصهم من عذابها. فوضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا على أنّهم ظلموا بالإشراك ، وعدلوا عن طريق الحقّ. وهو يحتمل أن يكون من تمام كلام عيسى ، وأن يكون من كلام الله تعالى ، تنبيها على أنّهم قالوا ذلك تعظيما لعيسى وتقرّبا إليه ، وهو معاديهم بذلك ومخاصمهم فيه ، فما ظنّك بغيره؟! ثمّ أقسم سبحانه قسما آخر بقوله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) أي : أحد ثلاثة. وهو حكاية عمّا قاله النسطوريّة والملكانيّة منهم القائلون بالأقانيم الثلاثة ، أي : الأصول الثلاثة : ابن ، وأب ، وروح القدس (وَما مِنْ إِلهٍ) وما في الوجود ذات واجب مستحقّ للعبادة من حيث إنّه مبدأ جميع الموجودات (إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) موصوف بالوحدانيّة ، متعال عن الشرك. و «من» مزيدة للاستغراق.

(وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ) ولم يوحّدوا (لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ليمسّنّ الّذين بقوا منهم على الكفر ، فتكون «من» للتبعيض. أو ليمسّنّ الّذين كفروا من النصارى ، فتكون بيانيّة. ووضعه موضع : ليمسّنّهم ، تكريرا للشهادة على كفرهم ، وتنبيها على أنّ العذاب على من دام على الكفر ولم ينقلع عنه ، ولذلك عقّبه بقوله : (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ) أي : أفلا يتوبون بالانتهاء عن تلك العقائد الباطلة والأقوال الزائغة ، ويستغفرونه بالتوحيد والتنزيه عن الاتّحاد والحلول ، بعد هذا التقرير والتهديد الشديد؟ (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر الذنوب ويسترها رحمة منه لعباده. وفي هذا الاستفهام تعجيب من إصرارهم.

والفرق بين التوبة والاستغفار : أنّ الاستغفار طلب المغفرة بالدعاء أو التوبة أو غيرهما من الطاعات ، والتوبة الندم على المعصية مع العزم على أن لا يعود إلى مثلها في القبح.

٣٠٢

(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧))

ولمّا قدّم سبحانه ذكر مقالات النصارى ، عقّبه بالردّ عليهم والحجاج لهم ، فقال : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) أي : ما هو إلّا رسول كالرسل قبله ، خصّه الله تعالى بالآيات كما خصّهم بها ، فإنّ إحياء الموتى على يده ، فقد أحيا العصا ، وجعلها حيّة تسعى على يد موسى ، وهو أعجب. وإن خلقه من غير أب ، فقد خلق آدم عليه‌السلام من غير أب وأمّ ، وهو أغرب.

(وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) صدّقت بكلمات ربّها وكتبه ، وما هي إلّا كسائر النساء اللاتي يلازمن الصدق ، أو يصدّقن الأنبياء (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) أي : يفتقران إلى الغذاء وما يتبعه من الهضم والنقص افتقار الحيوانات ، فلم يكونا إلّا جسما مؤلّفا محدثا. وقيل : إنّه كناية عن قضاء الحاجة ، فكأنّه ذكر الأكل وقصد بذلك عاقبته.

فبيّن الله سبحانه أوّلا أقصى ما لهما من الكمال ، ودلّ على أنّه لا يوجب لهما ألوهيّة ، لأنّ كثيرا من الناس يشاركهما في مثله. ثمّ نبّه على نقصهما ، وذكر ما ينافي الربوبيّة ، وما يقتضي أن يكونا من عداد المركّبات الكائنة الفاسدة.

٣٠٣

ثمّ عجب ممّن يدّعي الربوبيّة لهما مع أمثال هذه الأدلّة الظاهرة ، فقال : (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ) الأعلام ، من الأدلّة الظاهرة على بطلان قولهم (ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) كيف يصرفون عن استماع الحقّ وتأمّله. و «ثمّ» لتفاوت ما بين العجبين ، أي : بياننا للآيات عجب ، وإعراضهم عنها أعجب.

(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) المعنيّ بقوله : (ما لا يَمْلِكُ) عيسى عليه‌السلام. وهو وإن ملك ذلك بتمليك الله إيّاه ، لا يملكه من ذاته ، ولا يملك مثل ما يضرّ الله به من البلايا والمصائب ، وما ينفع به من الصحّة والسعة. وإنّما قال : «ما» نظرا إلى ما هو عليه في ذاته ، توطئة لنفي القدرة عنه رأسا ، وتنبيها على أنّه من هذا الجنس ، ومن كان هذا حقيقته فبمعزل عن الألوهيّة. وإنّما قدّم الضرّ ، لأنّ التحرّز عنه أهمّ من تحرّي النفع.

(وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) بالأقوال والعقائد ، فيجازي عليها إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ.

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ) صفة للمصدر ، أي : غلوّا باطلا ، بأن تتجاوزوا الحدّ الّذي حدّه الله لكم إلى الازدياد. وضدّه التقصير ، أي : الخروج عن الحدّ إلى النقصان. فترفعوا عيسى إلى أن تدّعوا له الإلهيّة ، أو تضعوه فتزعموا أنّه لغير رشدة ، بل اتّبعوا الاقتصاد. وقيل : الخطاب للنصارى خاصّة.

(وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) يعني : أسلافهم وأئمّتهم الّذين قد ضلّوا قبل مبعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شريعتهم (وَأَضَلُّوا كَثِيراً) باقتفائهم على بدعهم وضلالهم ، بعد دعائهم وإغوائهم إيّاهم (وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) عن قصد السبيل الذي هو الإسلام بعد مبعثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لمّا كذّبوه وبغوا عليه. وقيل : الأوّل إشارة إلى ضلالهم عن مقتضى العقل ، والثاني إشارة إلى ضلالهم عمّا جاء به الشرع.

٣٠٤

(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١))

ثمّ أخبر سبحانه عمّا جرى على أسلافهم ، فقال : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) أي : لعنهم الله تعالى في الزبور والإنجيل على لسان داود وعيسى.

وقيل : هم أهل أيلة لمّا اعتدوا في السبت لعنهم داود عليه‌السلام ، فقال : اللهمّ ألبسهم اللعنة مثل الرداء ، فمسخهم الله قردة. وأصحاب المائدة لمّا كفروا بعد نزول المائدة ، دعا عليهم عيسى عليه‌السلام ولعنهم ، فقال : اللهمّ عذّب من كفر بعد ما أكل المائدة عذابا لا تعذّبه أحدا من العالمين ، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت ، فأصبحوا خنازير ، وكانوا خمسة آلاف رجل. وهذا القول منقول عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام.

(ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) بسبب عصيانهم واعتدائهم ما حرّم الله عليهم.

ثمّ بيّن حالهم فقال : (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) أي : لا ينهى بعضهم بعضا عن معاودة منكر فعلوه. أو عن مثل منكر فعلوه. أو عن منكر أرادوا فعله

٣٠٥

وتهيّؤا له. أو لا ينتهون عنه ، بأن يصرّون عليه ويداومون على فعله ، من قولهم : تناهى عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع. (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) تعجيب من سوء فعلهم مؤكّد بالقسم.

وقال ابن عبّاس : كان بنو إسرائيل ثلاث فرق : فرقة اعتدوا في السبت ، وفرقة نهوهم ولكن لم يدعوا مجالستهم ولا مؤاكلتهم ، وفرقة لمّا رأوهم يعتدون ارتحلوا عنهم ، وبقيت الفرقتان المعتدية والناهية المخالطة ، فلعنوا جميعا.

قيل : إنّ المراد بالمنكر هنا صيدهم السمك يوم السبت. وقيل : المراد آخذو الرشا في الأحكام. وقيل : أكلهم الربا وأثمان الشحوم.

(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) من أهل الكتاب (يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يوالون المشركين ويصادقونهم ، بغضا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين. وقال أبو جعفر عليه‌السلام : يتولّون الملوك الجبّارين ، ويزيّنون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم.

(لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) أي : لبئس شيئا قدّموه ليردوا عليه يوم القيامة (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) هو المخصوص بالذمّ. والمعنى : لبئس زادهم إلى الآخرة موجب سخط الله تعالى والخلود في العذاب. أو هو علّة الذمّ ، والمخصوص محذوف ، أي : لبئس شيئا ذلك ، لأنّه كسّبهم السخط والخلود في النار. والمراد بهم كعب بن الأشرف وأصحابه حين استجاشوا (١) المشركين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا : هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلا.

(وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِ) يعني : محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ) من القرآن (مَا اتَّخَذُوهُمْ) ما اتّخذوا المشركين (أَوْلِياءَ) كما لم يوالهم المسلمون ، إذ الإيمان يمنع ذلك (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) متمرّدون في كفرهم أو نفاقهم.

وعن ابن عبّاس : أنّ المراد بالنبيّ موسى عليه‌السلام ، وبما أنزل إليه التوراة. فيكون

__________________

(١) استجاش القوم ، أي : حرّضهم.

٣٠٦

المراد بهم اليهود الّذين جاهروا بالعداوة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتولّي للمشركين. فيكون معنى الموالاة التناصر والمعاونة على محاربة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعاداته.

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥))

ثمّ ذكر سبحانه معاداة اليهود للمسلمين ، فقال : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) لشدّة عداوتهم ، وتضاعف كفرهم ، وانهماكهم في اتّباع الهوى ، وركونهم إلى التقليد ، وبعدهم عن التحقيق ، وتمرّنهم على تكذيب الأنبياء ، ومعاداتهم. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما خلا يهوديّان بمسلم إلّا همّا بقتله».

ثمّ ذكر لين عريكة النصارى ، فقال : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) للين جانبهم ، ورقّة قلوبهم ، وقلّة حرصهم على الدنيا ، وكثرة اهتمامهم بالعلم والعمل. وأشار إليه بقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) علماء أحبارا

٣٠٧

(وَرُهْباناً) وعبّادا وزهّادا (وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن قبول الحقّ إذا فهموه ، ويتواضعون ولا يتكبّرون كاليهود. وفيه دليل على أنّ التواضع والإقبال على العلم والعمل ، والإعراض عن الشهوات ، محمود وإن كانت من كافر.

ثمّ بيّن كيفيّة رقّة قلوبهم ، وشدّة خشيتهم ، ومسارعتهم إلى قبول الحقّ ، وعدم تأبّيهم عنه ، فقال : عطفا على «لا يستكبرون» : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) يعني : القرآن (تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ). الفيض : انصباب عن امتلاء ، فوضع موضع الامتلاء للمبالغة ، أو جعلت أعينهم من فرط البكاء كأنّها تفيض بأنفسها (مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ) أي : بمعرفتهم بأنّ المتلوّ عليهم كلام الله تعالى. «من» الأولى للابتداء ، والثانية لتبيين ما عرفوا ، أو للتبعيض ، فإنّه بعض الحقّ.

والمعنى : أنّهم عرفوا بعض الحقّ فأبكاهم ، فكيف إذا عرفوا كلّه؟! (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا) بذلك ، أو بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَاكْتُبْنا) في أمّ الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ. أو فاجعلنا بمنزلة من قد كتب (مَعَ الشَّاهِدِينَ) من الّذين شهدوا بأنّه حقّ ، أو بنبوّته ، أو من أمّته الّذين هم شهداء على الأمم يوم القيامة ، كما قال الله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (١). وإنّما قالوا ذلك لأنّهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك.

(وَما لَنا) لأيّ عذر (لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ) ونرجو (أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. استفهام إنكار واستبعاد ، لانتفاء الايمان مع قيام الداعي ، وهو الطمع في الانخراط مع الصلحاء ، والدخول في مداخلهم. أو جواب سائل قال : لم آمنتم. و «لا نؤمن» حال من الضمير ، والعامل ما في اللام من معنى الفعل ، أي : أيّ شيء حصل لنا غير مؤمنين بالله ، أي : بوحدانيّته ، فإنّهم كانوا مثلّثين ، أو بكتابه ورسوله ، فإنّ الإيمان بهما إيمان به حقيقة ، وذكره

__________________

(١) البقرة : ١٤٣.

٣٠٨

توطئة وتعظيما. ونطمع عطف على «نؤمن» ، أو خبر محذوف والواو للحال ، أي : ونحن نطمع ، والعامل فيها عامل الأولى مقيّدا بها ، أو «نؤمن».

(فَأَثابَهُمُ اللهُ) جازاهم (بِما قالُوا) أي : عن اعتقاد ، من قولك : هذا قول فلان ، أي : معتقده (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) الّذين أحسنوا النظر والعمل. أو الّذين اعتادوا الإحسان في الأمور.

قال المفسّرون (١) : إنّ هذه الآيات الأربع نزلت في النجاشي وأصحابه. وبيان هذا : إنّ قريشا ائتمروا أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم ، فوثبت كلّ قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذّبونهم ، فافتتن من افتتن ، وعصم الله تعالى منهم من شاء ، ومنع الله رسوله بعمّه أبي طالب.

فلمّا رأى رسول الله ما بأصحابه ، ولم يقدر على منعهم ، ولم يؤمر بعد بالجهاد ، أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة ، وقال : إنّ بها ملكا صالحا لا يظلم ، ولا يظلم عنده أحد ، فاخرجوا إليه حتّى يجعل الله للمسلمين فرجا.

وأراد به النجاشي ، واسمه أصحمة ، وهو باللغة الحبشيّة عطيّة ، وإنّما النجاشي لقب ملك الحبشة ، كقولهم : كسرى وتبّع وقيصر ، ألقاب ملوك فارس واليمن والروم.

فخرج إلى البحر سرّا أحد عشر رجلا وأربع نسوة ، وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار ، وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وهذه هي الهجرة الأولى. ثمّ خرج جعفر بن أبي طالب ، وتتابع المسلمون إليها. وكان جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلا ، سوى النساء والصبيان.

فلمّا علمت قريش بذلك وجّهوا عمرو بن العاص وصاحبه عمارة بن الوليد بالهدايا إلى النجاشي ليردّوهم إلى مكّة. وكان عمارة بن الوليد شابّا حسن الوجه ،

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ٢٣٣.

٣٠٩

وخرج عمرو بن العاص وأهله معه ، فلمّا ركبوا السفينة شربوا الخمر ، فقال : عمارة لعمرو بن العاص : قل لأهلك تقبّلني ، فأبى. فلمّا انتشى (١) عمرو دفعه عمارة في الماء ، ونشب (٢) عمرو في صدر السفينة وأخرج من الماء ، وألقى الله العداوة بينهما في مسيرهما قبل أن يقدما إلى النجاشي.

ثمّ وردا على النجاشي ، فقال عمرو بن العاص : أيّها الملك إنّ قوما خالفونا في ديننا ، وسبّوا آلهتنا ، وصاروا إليك ، فردّهم إلينا.

فبعث النجاشي إلى جعفر فجاءه ، فقال : أيّها الملك سلهم أعبيد نحن لهم؟

فقال : لا ، بل أحرار.

قال : فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟

قال : لا ، مالنا عليكم ديون.

قال : فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟

قال عمرو : لا.

قال : فما تريدون منّا ، آذيتمونا فخرجنا من بلادكم؟! أيّها الملك ، بعث الله فينا نبيّا ، أمرنا بخلع الأنداد ، وترك الاستقسام بالأزلام. وأمرنا بالصلاة والزكاة والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي.

فقال النجاشي : بهذا بعث الله عيسى.

ثمّ قال النجاشي لجعفر : هل تحفظ ممّا أنزل الله على نبيّك شيئا؟

قال : نعم. فقرأ سورة مريم ، فلمّا بلغ قوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) (٣) قال : هذا والله هو الحقّ.

__________________

(١) أي : سكر.

(٢) أي : تعلّق.

(٣) مريم : ٢٥.

٣١٠

فقال عمرو : إنّه مخالف لنا فردّه إلينا.

فرفع النجاشي يده وضرب بها وجه عمرو ، وقال : اسكت والله لإن ذكرته بعد بسوء لأفعلنّ بك كذا.

وقال : أرجعوا إلى هذا هديّته. وقال لجعفر وأصحابه : امكثوا فإنّكم سيوم ، والسيوم الآمنون ، وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق. فانصرف عمرو ، وأقام المسلمون هناك بخير دار وأحسن جوار ، إلى أن هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلا أمره ، وهادن قريشا وفتح خيبر. فوافى جعفر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجميع من كانوا معه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا أدري أنا بفتح خيبر أسرّ ، أم بقدوم جعفر».

ووافى جعفر وأصحابه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سبعين رجلا ، منهم اثنان وستّون من الحبشة ، وثمانية من أهل الشام ، فيهم بحيراء الراهب.

فقرأ عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سورة ياسين إلى آخرها ، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا ، وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى ، فأنزل الله فيهم هذه الآيات.

وقال مقاتل والكلبي : كانوا أربعين رجلا ، اثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية من أهل الشام. وقال عطاء : كانوا ثمانين رجلا ، أربعون من أهل نجران من بني الحارث بن كعب ، واثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية روميّون من أهل الشام.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦))

ولمّا ذكر سبحانه الوعد لمؤمنيهم ، ذكر الوعيد لمن كفر منهم وكذب ، فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) عطف التكذيب بآيات الله على الكفر ، وهو ضرب منه ، لأنّ القصد إلى بيان حال المكذّبين. وذكرهم في معرض المصدّقين بها ، جمعا بين الترغيب والترهيب.

٣١١

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩))

ولمّا مدح النصارى على ترهّبهم وتزهّدهم وكسر نفسهم ورفض شهواتهم ، عقّبه بالنهي عن الإفراط في ذلك ، والاعتداء عن حدّ الله تعالى ، بجعل الحلال حراما ، كما كان الرهبان يفعلونه ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) أي : ما طاب ولذّ منه (وَلا تَعْتَدُوا) حدود ما أحلّ لكم إلى ما حرّم عليكم (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).

مقتضى الآية النهي عن تحريم ما أحلّ الله وتحليل ما حرّم ، ليقصدوا حدّ الاقتصاد بينهما.

قال المفسّرون (١) : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جلس يوما ، فذكّر الناس وصف

__________________

(١) الكشّاف ١ : ٦٧١ ، مجمع البيان ٣ : ٢٣٥.

٣١٢

القيامة ، فرقّ الناس وبكوا ، واجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي ، وهم : عليّ عليه‌السلام ، وأبو بكر ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو ذرّ الغفاري ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعبد الله بن عمر ، والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، ومعقل بن مقرن. واتّفقوا على أن يصوموا النهار ، ويقوموا الليل ، ولا يناموا على الفرش ، ولا يأكلوا اللحم ولا الودك (١) ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويلبسوا المسوح (٢) ، ويرفضوا الدنيا ، ويسيحوا في الأرض ، وهمّ بعضهم أن يجبّ مذاكيره.

فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتى دار عثمان فلم يصادفه ، فقال لامرأته أمّ حكيم بنت أبي أميّة ـ واسمها حولاء ، وكانت عطّارة ـ : أحقّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟

فكرهت أن تكذب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكرهت أن تبدي على زوجها ، فقالت : يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك. فانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فلمّا دخل عثمان أخبرته بذلك ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو وأصحابه. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألم أنبئكم أنّكم اتّفقتم على كذا وكذا؟

قالوا : بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلّا الخير.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي لم أومر بذلك. ثمّ قال : إنّ لأنفسكم عليكم حقّا ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإنّي أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، وآتي النساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي ، فنزلت.

ثمّ جمع الناس وخطبهم ، وقال : ما بال أقوام حرّموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا؟ أما إنّي لست آمركم أن تكونوا قسّيسين ورهبانا ، فإنّه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ، ولا اتّخاذ الصوامع ، وإنّ سياحة أمّتي الصوم ،

__________________

(١) الودك : الدسم من اللحم والشحم.

(٢) المسح : ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشّفا وتزهّدا ، وجمعه مسوح.

٣١٣

ورهبانيّتهم الجهاد. اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وحجّوا واعتمروا ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان ، واستقيموا يستقم لكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع. فأنزل الله الآية.

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «نزلت في عليّ عليه‌السلام وبلال وعثمان بن مظعون. فأمّا عليّ عليه‌السلام فإنّه حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلّا ما شاء الله. وأمّا بلال فحلف أن لا يفطر بالنهار أبدا. وأمّا عثمان بن مظعون فإنّه حلف أن لا ينكح أبدا.

فأنزل الله تعالى هذه الآية في شأنهم.

ثمّ قال : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) لفظه الأمر والمراد به الإباحة. و «من» ابتدائيّة متعلّقة بـ «كلوا». ويجوز أن تكون مفعولا. (حَلالاً طَيِّباً) أي : مباحا لذيذا.

فإن قيل : إذا كان الرزق كلّه حلالا فلم قيّد هاهنا بقوله : «حلالا»؟

أجيب بأنّه حال مؤكّدة من الموصول ، فذكر هاهنا على وجه التأكيد. ويجوز أن يكون مصدرا بغير لفظ فعله ، من قبيل قولك : قعدت جلوسا حسنا ، فكأنّه قال : ممّا حلّل الله لكم حلالا طيّبا. فلا يرد قول البيضاوي (١) في تفسيره : «لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة».

(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) هذا استدعاء إلى التقوى بألطف الوجوه ، وتقديره : أيّها المؤمنون بالله لا تضيّعوا إيمانكم بالتقصير في التقوى ، فتكون عليكم الحسرة العظمى ، واتّقوا في تحريم ما أحلّه الله لكم ، وفي جميع معاصيه.

وفي هاتين الآيتين دلالة على كراهية التخلّي والتفرّد والتوحّش ، والخروج عمّا عليه الجمهور من التأهّل وطلب الولد وعمارة الأرض. وقد روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأكل الدجاج والفالوذج ، وكان يعجبه الحلواء والعسل. وقال : «إنّ المؤمن حلو

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٢ : ١٦٦.

٣١٤

يحبّ الحلاوة». وقال : «في بإن المؤمن زاوية لا يملؤها إلّا الحلواء».

وروي أنّ الحسن كان يأكل الفالوذج ، فدخل عليه فرقد السنجي فقال : «يا فرقد ما تقول في هذا؟ فقال فرقد : لا آكله ولا أحبّ أكله. فأقبل الحسن على غيره كالمتعجّب وقال : لعاب النحل بلباب البرّ مع سمن البقر هل يعيبه مسلم؟».

قيل : لمّا نزلت : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) قالوا : يا رسول الله فكيف نصنع بأيماننا؟ فنزلت : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ).

وقيل : نزلت في عبد الله بن رواحة ، كان عنده ضيف فأخّرت زوجته عشاءه ، فحلف لا يأكل من الطعام ، وحلفت المرأة لا تأكل إن لم يأكل ، وحلف الضّيف لا يأكل إن لم يأكلا. فأكل عبد الله بن رواحة وأكلا معه ، فأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، فقال له : أحسنت.

واللغو في اليمين هو ما يسبق إلى اللسان من غير قصد ، مثل قول القائل : لا والله وبلى والله لأفعلنّ كذا ، ممّا يؤكّد به كلامه من غير قصد إلى القسم ، حتّى لو قيل له : إنّك حلفت؟ قال : لا. وهو المرويّ عن الصادق والباقر عليهما‌السلام.

وبه قال الشافعي.

وعند أبي حنيفة : هو أن يحلف على شيء لظنّه أنّه على ما حلف ، ولم يكن.

و «في أيمانكم» صلة «يؤاخذكم» أو اللغو ، لأنّه مصدر أو حال من اللغو.

(وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) وثّقتم الأيمان عليه بالقصد والنيّة.

والمعنى : ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم إذا حنثتم ، أو بنكث ما عقدّتم ، فحذف للعلم به عرفا ، ولإجماع الأمّة على أنّ الكفّارة لا تجب إلّا بعد الحنث.

وقرأ الكسائي وابن عيّاش عن عاصم : عقّدتم بالتخفيف ، وابن عامر برواية ابن ذكوان : عاقدتم. وهو من : فاعل بمعنى : فعل. ويحتمل أن تكون ما مصدريّة ، ومعناه : ولكن يؤاخذكم بعقدكم ، أو بتعقيدكم ، أو بمعاقدتكم الأيمان.

(فَكَفَّارَتُهُ) أي : كفّارة ما عقّدتم إذا حنثتم. أو فكفّارة نكثه ، أي : الفعلة الّتي

٣١٥

تذهب إثمه وتستره (إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ).

اختلف في مقدار ما يعطى كلّ مسكين ، فقال الشافعي : مدّ من طعام. وقال أبو حنيفة : نصف صاع من حنطة ، أو صاع من شعير أو تمر ، وكذلك سائر الكفّارات. وقال أصحابنا : يعطى كلّ واحد مدّين أو مدّا على أصحّ الروايتين. والمدّ رطلان وربع. ويجوز أن يجمعهم على ما هذا قدره ليأكلوه. ولا يجوز أن يعطى خمسة ما يكفي عشرة. فإن كان المساكين ذكورا أو إناثا جاز ذلك ، ولكن وقع بلفظ التذكير ، لأنّه يغلّب في كلام العرب.

(مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) من أقصده في النوع أو القدر ، فإنّ من الناس من يسرف في إطعام أهله ، ومنهم من يقتر. وأفضله الخبز واللحم ، وأدونه الخبز والملح.

ومحلّ (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ) النصب ، لأنّه صفة مفعول محذوف ، تقديره : أن تطعموا عشرة مساكين طعاما من أوسط ما تطعمون. أو الرفع على البدل من «إطعام». وأهلون كأرضون.

(أَوْ كِسْوَتُهُمْ) عطف على «إطعام» ، أو «من أوسط» إن جعل بدلا. قيل : لكلّ واحد منهم ثوب. وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة : ما يقع عليه اسم الكسوة. والّذي رواه أصحابنا أنّ لكلّ واحد ثوبين : مئزرا وقميصا ، وعند الضرورة يجزي قميص واحد.

(أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أو إعتاق إنسان ، عبد أو أمة. والرقبة يعبّر بها عن جملة الشخص. وهو كلّ رقبة سليمة من الآفات والعاهات ، صغيرة كانت أو كبيرة ، مؤمنة كانت أو كافرة ، لأنّ اللفظة مطلقة مبهمة ، إلّا أنّ المؤمن أفضل عند أبي حنيفة. وأمّا عند أصحابنا الإيمان شرط فيها ، للرواية الصحيحة عن أئمّتنا عليهم‌السلام. وهذه الثلاثة واجبة على التخيير. وقيل : إنّ الواجب منها واحد لا بعينه. وبيان هذا الاختلاف

٣١٦

مذكور في أصول الفقه.

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) واحدا منها (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) فكفّارته صيام ثلاثة أيّام.

وحدّ من ليس بواجد : من ليس عنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليله.

ويجب التتابع في صوم هذه الثلاثة ، للرواية. وعليه أبو حنيفة. وقيل : لا يجب ، نظرا إلى ظاهر الآية. وهو قول الشافعي. والأوّل اختيار أصحابنا ، وإجماعهم عليه.

(ذلِكَ) أي : المذكور (كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) أي : حلفتم وحنثتم (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) بأن تضنّوا بها ولا تبذلوها لكلّ أمر. أو بأن تكفّروها إذا حنثتم. أو احفظوها عن الحنث. (كَذلِكَ) مثل ذلك البيان (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) أعلام شرائعه (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) على تبيينه لكم أموركم ، وعلى نعمه عليكم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣))

وبعد النهي عن تحريم المحلّلات الطيّبة ، نهى عن الإقدام على المحرّمات

٣١٧

الخبيثة ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ) قال ابن عبّاس : يريد بالخمر جميع الأشربة الّتي تسكر ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخمر من تسع : من البتع ، وهو العسل ، ومن العنب ، ومن الزبيب ، ومن التمر ، ومن الحنطة ، ومن الذرة ، والشعير ، والسلت».

(وَالْمَيْسِرُ) المراد جميع أنواع القمار ، ومنها اللعب بالنرد ، والشطرنج ، ولعب الصبيان بالجوز والبيض. (وَالْأَنْصابُ) أي : الأصنام الّتي نصبت للعبادة.

(وَالْأَزْلامُ) أقداح القمار. وقد سبق (١) تفسيرها في أوائل السورة.

(رِجْسٌ) خبيث قذر تعاف عنه العقول. وإفراده لأنّه خبر للخمر ، وخبر المعطوفات محذوف. أو لمضاف محذوف ، كأنّه قال : إنّما تعاطي الخمر والميسر.

(مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) لأنّه مسبّب عن تسويله وتزيينه (فَاجْتَنِبُوهُ) الضمير لعمل الشيطان ، أو للرجس ، أو لما ذكر ، أو للتعاطي (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لكي تفلحوا بالاجتناب عنه.

واعلم أنّ الله تعالى أكّد تحريم الخمر والميسر في هذه الآية ، بأن صدّر الجملة بـ «إنّما». وقرنهما بالأنصاب والأزلام. ولهذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شارب الخمر كعابد الوثن».

وسمّاهما رجسا. وجعلهما من عمل الشيطان ، تنبيها على أنّ الاشتغال بهما شرّ بحت. وأمر بالاجتناب عن عينهما. وجعله سببا يرجى منه الفلاح.

ثمّ قرّر ذلك بأن بيّن ما فيهما من المفاسد الدنيويّة والدينيّة المقتضية للتحريم ، فقال : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ) إنّما خصّهما بإعادة الذكر ، وشرح ما فيهما من الوبال ، تنبيها على أنّهما المقصود بالبيان ، وذكر الأنصاب والأزلام للدلالة على أنّهما مثلهما في الحرمة والشرارة. وخصّ الصلاة من الذكر للتعظيم ،

__________________

(١) راجع ص : ٢١٥.

٣١٨

والإشعار بأنّ الصادّ عنها كالصادّ عن الإيمان ، من حيث إنّها عماده ، والفارق بينه وبين الكفر.

ثمّ أعاد الحثّ على الانتهاء بصيغة الاستفهام ، مرتّبا على ما تقدّم من أنواع الصوارف ، فقال : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) إيذانا بأنّ الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية ، وأنّ الأعذار قد انقطعت ، أي : فهل أنتم مع ما تلي عليكم من هذه الصوارف منتهون؟ صيغته الاستفهام ، ومعناه النهي البليغ ، لأنّ الله تعالى ذمّ هذه الأفعال وأظهر قبحها ، وإذا ظهر قبح الفعل للمخاطب ثمّ استفهم عن تركه لم يسعه إلّا الإقرار بالترك ، فكأنّه قيل له : أتفعله بعد ما قد ظهر من قبحه فصار المنتهي بقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) في محلّ من عقد عليه ذلك بإقراره ، فكان هذا أبلغ في باب النهي من أن يقال : انتهوا ولا تفعلوا.

قال ابن عبّاس : إنّ هاتين الآيتين نزلتا حين دعا سعد بن أبي وقّاص رجلا من الأنصار كان مواخيا له إلى طعام ، فبعد الأكل وشرب النبيذ سكرا ، فوقع بين الأنصاري وسعد مراء ومفاخرة ، فأخذ الأنصاري لحي (١) جمل فضرب به سعدا ، ففزر (٢) أنفه.

ولمّا أمر الله سبحانه باجتناب الخمر وما بعدها ، عقّبه بالأمر بالطاعة له فيه وفي غيره ، فقال : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما أمرا به (وَاحْذَرُوا) عمّا نهيا عنه ، أو عن مخالفتهما (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) ولم تعملوا بما أمركم (فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فاعلموا أنّكم لم تضرّوا الرسول بتولّيكم ، فإنّما عليه البلاغ وقد أدّى ، وإنّما ضررتم به أنفسكم. فهذا وعيد وتهديد.

روي عن ابن عبّاس وأنس بن مالك والبراء بن عازب ومجاهد وقتادة

__________________

(١) اللحي : عظم الحنك الذي عليه الأسنان ، وجمعه ألح ولحيّ.

(٢) فزر يفزره ، أي : شقّه وكسره.

٣١٩

والضحّاك : أنّه لمّا نزل تحريم الخمر قالت الصحابة : يا رسول الله فكيف بإخواننا الّذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر؟ فنزلت : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) من الخمر والميسر قبل نزول آية التحريم. أو من أيّ شيء طعموه من مستلذّات المطاعم ومشتهياتها. وفي تفسير أهل البيت عليهم‌السلام : فيما طعموا من الحلال. وهذه اللفظة صالحة للأكل والشرب.

(إِذا مَا اتَّقَوْا) شربها بعد التحريم ، أو ما حرّم عليهم من المطاعم. (وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وثبتوا على الإيمان والأعمال الصالحة (ثُمَّ اتَّقَوْا) أي : داموا على الاتّقاء (وَآمَنُوا) وداموا على الإيمان (ثُمَّ اتَّقَوْا) عن جميع المعاصي (وَأَحْسَنُوا) وتحرّوا الأعمال الجميلة واشتغلوا بها. فالاتّقاء الأوّل اتّقاء الشرب بعد التحريم ، والاتّقاء الثاني هو الدوام على ذلك ، والثالث اتّقاء جميع المعاصي وضمّ الإحسان إليه.

وقيل : الاتّقاء الأوّل هو اتّقاء المعاصي العقليّة الّتي تختصّ المكلّف به ولا تتعدّاه. والإيمان الأوّل الإيمان بالله وبما أوجب الإيمان به ، والإيمان بقبح هذه المعاصي ووجوب تجنّبها. والاتّقاء الثاني هو اتّقاء المعاصي السمعيّة ، والإيمان بقبحها ووجوب اجتنابها. والاتّقاء الثالث يختصّ بمظالم العباد ، وبما يتعدّى إلى الغير من الظلم والفساد. أو الأوّل الماضي ، والثاني الحال ، والثالث المستقبل.

وفي الأنوار : «ويحتمل أن يكون هذا التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة. أو باعتبار الحالات الثلاث : استعمال الإنسان التقوى ، والإيمان بينه وبين نفسه ، وبينه وبين الناس ، وبينه وبين الله تعالى ، ولذلك بدّل الإيمان بالإحسان في الكرّة الثالثة ، إشارة إلى ما قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسيره : «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه».

أو باعتبار المراتب الثلاث : المبدأ ، والوسط ، والمنتهى. أو باعتبار ما يتّقى ، فإنّه ينبغي أن تترك المحرّمات توقّيا من العقاب والشبهات ، وتحفّظا للنفس عن الوقوع في الحرام

٣٢٠