زبدة التّفاسير - ج ٢

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٢

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-04-3
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٥٦

(ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدّم من بعثة الرسل. وهو خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك. وقوله : (أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) تعليل للحكم. و «أن» مصدريّة أو مخفّفة من الثقيلة ، أي : الأمر ما قصصنا عليك ، لانتفاء كون ربّك ، أو لأنّ الشأن لم يكن ربّك مهلك أهل القرى بسبب ظلم أقدموا عليه ، أو ملتبسين بظلم ، أو ظالما ، على معنى : أنّه لو أهلكهم من غير تنبيه رسول وكتاب لكان ظالما ، وهو متعال عن الظلم.

(وَلِكُلٍ) من المكلّفين (دَرَجاتٌ) مراتب (مِمَّا عَمِلُوا) من أعمالهم على حسب ما يستحقّونه ، أو من جزائها ، أو من أجلها. وقيل : أراد درجات ودركات من جزاء أعمالهم ، فغلب منازل أهل الجنّة. (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) فلا يخفى عليه مقاديره ، وما يستحقّ عليه من الثواب والعقاب. وقرأ ابن عامر بالتاء على تغليب الخطاب على الغيبة.

(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥))

ولمّا أمر سبحانه بطاعته وحثّ عليها ورغّب فيها ، بيّن أنّه لم يأمر بها لحاجة ، لأنّه يتعالى عن النفع والضرّ ، فقال : (وَرَبُّكَ الْغَنِيُ) عن العباد والعبادة (ذُو الرَّحْمَةِ) يترحّم عليهم بإمهالهم على التكليف ، ليعرضهم المنافع العظيمة الّتي

٤٦١

لا يحسن إيصالهم إليها إلّا بالاستحقاق ، لاقترانها بالتعظيم والإجلال.

(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أي : ما به إليكم حاجة ، لأنّه غنيّ مطلق ، إن يشأ يذهبكم أيّها العصاة (وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) من الخلق ، أي : ينشئ من بعد إهلاككم وإذهابكم خلقا غيركم يطيعونه ، يكونون خلفا لكم (كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) أي : قرنا بعد قرن ، لكنّه أبقاكم ترحّما عليكم.

(إِنَّ ما تُوعَدُونَ) من البعث والحشر ، والثواب والعقاب ، وتفاوت أهل الجنّة والنار في الدرجات والدركات (لَآتٍ) لكائن لا محالة (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) طالبكم بالبعث. والإعجاز أن يأتي الإنسان بشيء يعجز خصمه عنه ، فيكون قد جعله عاجزا منه. فالمعنى : لستم بمعجزين الله عن الإتيان بالبعث والعقاب.

(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) على غاية تمكّنكم ، وأقصى استطاعتكم وإمكانكم. يقال : مكّن مكانة إذا تمكّن أبلغ التمكّن. أو على حالكم الّتي أنتم عليها ، أو على ناحيتكم وجهتكم الّتي أنتم عليها ، من قولهم : مكان ومكانة ، كمقام ومقامة. وقرأ أبو بكر عن عاصم : مكاناتكم ، بالجمع في جميع القرآن. يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حاله : على مكانك يا فلان ، أي : اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف. وهو أمر تهديد. والمعنى : اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي.

(إِنِّي عامِلٌ) ما كنت عليه من المصابرة والثبات على الإسلام. والتهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد ، كأنّ المهدّد يريد تعذيبه ، فيحمله بالأمر على ما يفضي به إليه ، وتسجيل بأنّ المهدّد لا يتأتّى منه إلّا الشرّ ، فكأنّه مأمور به ، وهو واجب عليه حتم ، ليس له أن يتفصّى عنه ويعمل بخلافه.

(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أيّنا تكون له العاقبة المحمودة؟ وهذا نحو قوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (١) : جعل «من» استفهاميّة ، بمعنى : أيّنا تكون له

__________________

(١) فصّلت : ٤٠.

٤٦٢

عاقبة الدار الحسنى الّتي خلق الله هذه الدار لها؟ فمحلّها الرفع ، وفعل العلم معلّق عنه. وإن جعلت خبريّة بمعنى : الّذي ، فالنصب بـ «تعلمون» أي : فسوف تعرفون الّذي تكون له العاقبة. وفيه مع الإنذار إنصاف في المقال وحسن الأدب ، وتنبيه على وثوق المنذر بأنّه محقّ.

وقرأ حمزة والكسائي : يكون بالياء ، لأنّ تأنيث العاقبة غير حقيقي.

(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وضع «الظالمون» موضع : الكافرون ، لأنّه أعمّ وأكثر فائدة.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦))

ثمّ عاد الكلام إلى حجاج المشركين وبيان اعتقاداتهم الفاسدة ، فقال : (وَجَعَلُوا) يعني : كفّار مكّة ومن تقدّمهم من المشركين (لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) خلق (مِنَ الْحَرْثِ) من الزرع (وَالْأَنْعامِ) أي : المواشي ، من الإبل والبقر والغنم (نَصِيباً) حظّا (فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ) أي : قد زعموا أنه لله ، والله لم يأمرهم بذلك (وَهذا لِشُرَكائِنا) يعني : الأوثان. وإنّما جعلوها شركاءهم لأنّهم أشركوها في أموالهم وأفعالهم.

روي أنّهم كانوا يعيّنون شيئا من حرث ونتاج لله ، ويصرفونه إلى الضيفان والمساكين ، وشيئا منهما لآلهتهم ، وينفقونه على سدنتها ، ويذبحونه عندها. ثمّ إن رأوا ما عيّنوا لله أزكى وأنمى بدّلوه بما لآلهتهم ، وإن رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها ،

٤٦٣

واعتلّوا لذلك بأن الله غنيّ. فقال سبحانه : (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ) أي : لا يصل إلى الوجوه الّتي كانوا يصرفونه إليها ، من قرى الضيفان والتصدّق على المساكين (وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ).

وفي قوله : «ممّا ذرأ» تنبيه على فرط جهالتهم ، فإنّهم أشركوا الخالق في خلقه جمادا لا يقدر على شيء ، ثمّ رجّحوه عليه ، بأن جعلوا الزاكي له. وفي قوله : «بزعمهم» تنبيه على أنّ ذلك ممّا اخترعوه ، لم يأمرهم الله به. وقرأ الكسائي بالضمّ في الموضعين (١). وهو لغة فيه.

(ساءَ ما يَحْكُمُونَ) حكمهم هذا. وهو إيثار آلهتهم على الله ، وعملهم على ما لم يشرع لهم.

(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧))

ثمّ بيّن سبحانه خصلة اخرى من خصالهم الذميمة ، فقال : (وَكَذلِكَ) أي : ومثل ذلك التزيين الّذي هو تزيين الشرك في قسمة القربان بين الله وآلهتهم (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ) بالوأد خيفة العلية أو العار ، أو بنحرهم لآلهتهم (شُرَكاؤُهُمْ) من الجنّ ، أو من سدنة الأصنام. وهو فاعل «زيّن».

وقرأ ابن عامر : زيّن ، على البناء للمفعول الّذي هو القتل ، ونصب الأولاد ، وجرّ الشركاء بإضافة القتل إليه ، مفصولا بينهما بمفعوله. وهو ضعيف في العربيّة ، معدود من ضرورات الشعر ، كقوله :

فزججتها بمزجّة

زجّ القلوص أبي مزادة

فإنّه فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول. وتقديره : فزججت الكتيبة

__________________

(١) أي : بزعمهم ، في هذه الآية ، وفي الآية ١٣٨ ، وستأتي في ص : ٤٦٦.

٤٦٤

زجّا مثل زجّ أبي مزادة القلوص. والزجّ : الطعن. والمزجّة بفتح الزاء : الرمح القصير. والقلوص : الشابّة من النوق. فتقدير الآية : زيّن لهم أن قتل شركاؤهم أولادهم.

(لِيُرْدُوهُمْ) ليهلكوهم بالإغواء (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) وليخلطوا عليهم ويشبهوه. ودينهم هو ما كانوا عليه من دين إسماعيل. وقيل : دينهم الّذي كان يجب أن يكونوا عليه. واللام للعلّة إن كان التزيين من الشياطين ، وللعاقبة إن كان من السدنة.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ) مشيئة قسر (ما فَعَلُوهُ) أي : ما فعل المشركون ما زيّن لهم من القتل ، لكن هذه المشيئة منافية للتكليف الّذي هو مناط الثواب والعقاب ، فلم يشأها (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) أي : افتراءهم ، أو ما يفترونه من الإفك على الله. وفيه غاية الزجر والتهديد ، كما يقول القائل : دعه وما اختار.

وفي هذه الآية دلالة واضحة على أنّ تزيين القتل والقتل فعلهم ، وأنّهم في إضافة ذلك إلى الله تعالى كاذبون.

(وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩))

ثمّ حكى الله سبحانه عنهم عقيدة اخرى من عقائدهم الفاسدة ، فقال : (وَقالُوا هذِهِ) إشارة إلى ما جعل لآلهتهم (أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) حرام. فعل بمعنى

٤٦٥

المفعول ، كالذبح والطحن بمعنى المذبوح والمطحون. يستوي فيه الواحد والكثير ، والذكر والأنثى ، لأنّ حكمه حكم الأسماء غير الصفات. (لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ) يعنون : خدم الأوثان والرجال دون النساء (بِزَعْمِهِمْ) من غير حجّة لهم.

(وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) من البحائر والسوائب والحوامي (١) (وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) في الذبح ، وإنّما يذكرون أسماء الأصنام عليها. وقيل : لا يحجّون على ظهورها ، ولا يلبّون.

والمعنى : أنّهم قسّموا أنعامهم فقالوا : هذه أنعام حجر ، وهذه أنعام محرّمة الظهور ، وهذه أنعام لا يذكرون عليها اسم الله. فجعلوها أجناسا بدعوتهم الباطلة ، ونسبوا ذلك التقسيم إلى الله.

(افْتِراءً عَلَيْهِ) أي : فعلوا ذلك كلّه على جهة الافتراء. فهو مفعول له.

ويحتمل نصبه على المصدر ، لأنّ ما قالوه تقوّل على الله. والجارّ متعلّق بـ «قالوا» أو بمحذوف هو صفة له ، أو على الحال. (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) بسببه أو بدله.

ثمّ حكى الله تعالى عنهم مقالة اخرى ، فقال : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) يعنون : أجنّة البحائر والسوائب (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) حلال للذكور خاصّة (وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) أي : دون الإناث ، إن ولد حيّا ، لقوله : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) فالذكور والإناث فيه سواء.

وتأنيث الخالصة للمعنى ، فإنّ «ما» في معنى الأجنّة. وذكّر «محرّم» للحمل على اللفظ. ولذلك وافق عاصم ـ في رواية أبي بكر ـ ابن عامر في «تكن» بالتاء ، والباقون بتذكيره. وقرأ ابن كثير وابن عامر : ميتة بالرفع ، والباقون بالنصب. فيكون لابن عامر التأنيث والرفع على أنّ «كان» تامّة. ولأبي بكر التأنيث والنصب على :

__________________

(١) مرّ تفسيرها ذيل الآية ١٠٣ من سورة المائدة ، راجع ص : ٣٣٢.

٤٦٦

وإن تكن الأجنّة ميتة. ولابن كثير التذكير والرفع على أنّ «كان» تامّة ، وتأنيث الفاعل غير حقيقي. وللباقين التذكير والنصب على : وإن يكن ما في بطنها ميتة.

وقيل : التاء في الخالصة للمبالغة ، كما في راوية الشعر ، أو هو مصدر كالعافية ، وقع موقع الخالص.

(سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) أي : جزاء وصفهم الكذب على الله تعالى في التحريم والتحليل ، من قوله : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) (١) هذا حلال وهذا حرام (إِنَّهُ حَكِيمٌ) فيما يفعل بهم من العقاب آجلا ، وفي إمهالهم عاجلا (عَلِيمٌ) بما يفعلونه ، لا يخفى عليه شيء منها.

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠))

ثمّ جمع سبحانه بين الفريقين : الّذين قتلوا الأولاد ، والّذين حرّموا الحلال ، فقال : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ) يريد بهم العرب الّذين كانوا يقتلون بناتهم مخافة السبي والفقر. وقرأ ابن كثير وابن عامر : قتّلوا بالتشديد ، بمعنى التكثير.

(سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) لخفّة عقلهم ، وجهلهم بأنّ الله رازق أولادهم. ويجوز نصبه على الحال أو المصدر.

(وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) من البحائر ونحوها (افْتِراءً عَلَى اللهِ) يحتمل الوجوه المذكورة فيه (قَدْ ضَلُّوا) قد ذهبوا عن طريق الحقّ بما فعلوه (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) إلى الحقّ والصواب.

وفي هذه الآيات دلالات على بطلان مذهب المجبّرة ، لأنّه سبحانه أضاف

__________________

(١) النحل : ٦٢.

٤٦٧

القتل والافتراء والتحريم إليهم ، ونزّه نفسه عن ذلك ، وذمّهم على قتل الأطفال بغير جرم ، فكيف يعاقبهم سبحانه عقاب الأبد على غير جرم؟!

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١))

ولمّا حكى سبحانه عن المشركين أنّهم جعلوا بعض الأشياء للأوثان ، عقّب ذلك البيان بأنّه الخالق لجميع الأشياء ، فلا يجوز إضافة شيء منها إلى الأوثان ، ولا تحليل ذلك ولا تحريمه إلّا بإذنه ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) بساتين من الكروم (مَعْرُوشاتٍ) مرفوعات على ما يحملها من الدعائم (وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) أي : ملقيات على وجه الأرض بغير عرش. وقيل : المعروشات ما غرسه الناس فعرشوه ، وغير معروشات ما نبت في البراري والجبال.

(وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) ثمره الّذي يؤكل في اللون والطعم والحجم والرائحة. والضمير للزرع ، والباقي مقيس عليه. أو للنخل ، والزرع داخل في حكمه ، لكونه معطوفا عليه. أو للجميع على تقدير : أكل ذلك ، أو كلّ واحد منهما.

و «مختلفا» حال مقدّرة ، لأنّه لم يكن كذلك عند الإنشاء ، كقوله : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (١).

(وَالزَّيْتُونَ) وإنشاء الزيتون (وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً) في الهيئة والكيفيّة (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) فيهما ، أي : يتشابه بعض أفرادهما في الهيئة والكيفيّة ، ولا يتشابه

__________________

(١) الزمر : ٧٣.

٤٦٨

بعضها. وإنّما قرن الزيتون إلى الرمّان ، لأنّهما متشابهان باكتناز الأوراق في أغصانها.

(كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) من ثمر كلّ واحد من ذلك (إِذا أَثْمَرَ) وإن لم يدرك ولم يينع (١) بعد. والأمر للإباحة. وإنّما قال ذلك ليعلم أنّ وقت إباحة الأكل من ثمرة وقت الاطلاع (٢) ، ولا يتوهّم أنّه غير مباح أكله قبل وقت الإيناع. (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ)

وهو ما تيسّر إعطاؤه المساكين ، من الضغث (٣) بعد الضغث ، ومن الحفنة بعد الحفنة. وهو المرويّ عنهم عليهم‌السلام.

وقيل : إنّه الزكاة ، العشر ونصف العشر ، أي : لا تؤخّروه عن أوّل وقت يمكن فيه الإيتاء.

ويؤيّد الأوّل ما قاله السدّي : إنّ الآية منسوخة بفرض العشر ، لأنّ الزكاة المقدّرة فرضت بالمدينة ، وهذه الآية مكّية. ولأنّ الزكاة لا تخرج يوم الحصاد ، بل وقت التنقية وإخراج المؤن.

وقرأ نافع وابن كثير وحمزة والكسائي : حصاده بكسر الحاء. وهو لغة فيه.

ويؤيّد القول الأوّل أيضا قوله : (وَلا تُسْرِفُوا) في التصدّق ، كقوله تعالى : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (٤) ، بأن تتصدّقوا بالجميع ، ولا تبقوا لعيال ، لأنّ الزكاة مقدّرة بقدر معلوم ، فلا يتصوّر الإسراف فيها (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) لا يرتضي فعلهم.

__________________

(١) ينع يينع الثمر ينوعا وإيناعا : أدرك وطاب وحان قطافه.

(٢) أي : وقت اطلاع الشجر الثمرة ، وهو وقت ظهورها.

(٣) الضّغث : قبضة حشيش يختلط فيها الرطب باليابس. والحفنة : ملء الكفّين.

(٤) الإسراء : ٢٩.

٤٦٩

(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤))

ثمّ بيّن نعمة اخرى ، وهي إنشاء الأنعام ، فقال عطفا على «جنّات» : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) أي : وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذبح ، أو ما يفرش المنسوج من شعره وصوفه ووبره. وقيل : الكبار الصالحة للحمل ، والصغار الدانية من الأرض ، مثل الفرش المفروش عليها.

(كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي : استحلّوا أكل ما أحلّ لكم منه (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) ولا تحرّموا شيئا منها ، كما فعله أهل الجاهليّة من التحليل والتحريم في الحرث والأنعام من عند أنفسهم (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ظاهر العداوة.

ثمّ فسّر سبحانه الحمولة والفرش بقوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) بدل من «حمولة» و «فرشا» أو مفعول «كلوا». وقوله (وَلا تَتَّبِعُوا) معترض بينهما ، أو حال من (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) بمعنى : مختلفة أو متعدّدة. والزوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه.

٤٧٠

وهما زوجان ، بدليل قوله : (خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (١). وقد يقال لمجموعهما. والمراد هاهنا الأوّل ، لقوله : (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) زوجين : الكبش (٢) والنعجة. وهو بدل من «ثمانية». والضأن اسم جنس كالإبل ، وجمعه ضئين ، أو جمع ضائن ، كتاجر وتجر. (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) العنز (٣) والتيس. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بفتح العين. وهو جمع ماعز ، كصاحب وصحب ، أو حارس وحرس.

(قُلْ آلذَّكَرَيْنِ) ذكر الضأن وذكر المعز (حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) أم أنثييهما؟! والهمزة للإنكار. ونصب الذكرين والأنثيين بـ «حرّم». (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) أو ما حملت إناث الجنسين ، ذكرا كان أو أنثى. والمعنى : إنكار أن يحرّم الله من جنس الغنم شيئا من نوعي ذكورها وإناثها ، ولا ممّا تحمل إناث الجنسين.

(نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) أخبروني بأمر معلوم يدلّ على أنّ الله تعالى حرّم شيئا من ذلك (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعوى التحريم عليه. وإنّما ذكر الله تعالى هذا على وجه الاحتجاج عليهم ، وبيّن فريتهم وكذبهم على الله تعالى فيما ادّعوا من أنّ ما في بطون الأنعام حلال للذكور وحرام على الإناث ، وغير ذلك ممّا حرّموه.

(وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ) الذكور والإناث (وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) كذلك (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) كما سبق. والمعنى : إنكار أنّ الله تعالى حرّم شيئا من أجناس الأربعة ، ذكرا كان أو أنثى ، أو ما تحمل إناثها ، ردّا عليهم ، فإنّهم كانوا يحرّمون ذكور الأنعام تارة ، وإناثها اخرى ، وأولادها كيف كانت تارة ، زاعمين أنّ الله تعالى حرّمها.

__________________

(١) النجم : ٤٥.

(٢) الكبش : فحل الضأن. والنعجة : الأنثى من الضأن. والضّأن : خلاف المعز ، أي : ذوات الصوف من الغنم.

(٣) العنز : الأنثى من المعز. والتيس : الذكر من المعز. والمعز : خلاف الضأن من الغنم ، أي : ذوات الشعر والأذناب القصار.

٤٧١

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) بل أكنتم شهداء حاضرين مشاهدين (إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) حين وصّاكم بهذا التحريم؟! ومعناه : أعرفتم توصية الله مشاهدين ، إذ أنتم لا تؤمنون بالرسل ، ومع ذلك تقولون إنّ الله حرّم هذا الّذي تحرّمونه ، فلا طريق لكم إلى معرفة أمثال ذلك إلّا المشاهدة والسماع.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فنسب إليه تحريم ما لم يحرّم. والمراد كبراؤهم المقرّرون لذلك ، أو عمرو بن لحى المؤسّس له ، فإنّه الّذي بحّر البحائر وسيّب السوائب وغيّر دين إبراهيم وإسماعيل. (لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : يعمل عمل القاصد إلى إضلالهم ، من أجل دعائه إيّاهم إلى ما لا يثق بصحّته ، ممّا لا يأمن من أن يكون فيه هلاكهم ، وإن لم يقصد إضلالهم (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إلى الثواب ، لأنّهم مستحقّون العقاب الدائم بكفرهم وضلالهم.

وقوله : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) إلى قوله : (الْمُسْرِفِينَ) اعتراض. وكذلك قوله : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) و (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) إلى تمام الآيتين. والاعتراضات لتأكيد التحليل ، والاحتجاج على من ذهب إلى التحريم.

(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥))

ولمّا قدّم تعالى ذكر ما حرّمه المشركون ، عقّبه ببيان المحرّمات بقوله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) أي : في القرآن ، أو فيما أوحي إليّ مطلقا. وفيه تنبيه على أنّ التحريم إنّما يعلم بالوحي ، لا بما تهوى الأنفس. (مُحَرَّماً) طعاما محرّما (عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) على آكل يأكله (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) إلّا أن يكون الطعام ميتة. وقرأ

٤٧٢

ابن كثير وحمزة بالتاء ، لتأنيث الخبر ، ونصب «ميتة». وقرأ ابن عامر بالياء ورفع «ميتة» على أنّ «كان» هي التامّة.

(أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) عطف على «أن يكون» مع ما في حيّزه ، أي : إلّا وجود ميتة أو دما مسفوحا ـ أي : مصبوبا ـ كالدم في العروق ، لا المتخلّف بعد الذبح ، فإنّه مباح.

(أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فإنّ الخنزير أو لحمه نجس قذر منفور عنه (أَوْ فِسْقاً) عطف على (لَحْمَ خِنزِيرٍ) ، وما بينهما اعتراض للتعليل (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) صفة له موضحة. وإنّما سمّى ما ذبح على اسم الصنم فسقا لتوغّله في لفسق.

ويجوز أن يكون «فسقا» مفعولا له من «أهلّ» ، وهو عطف على «يكون» والمستكن فيه راجع إلى ما رجع إليه المستكن في «يكون».

(فَمَنِ اضْطُرَّ) فمن دعته الضرورة إلى تناول شيء من ذلك (غَيْرَ باغٍ) على مضطرّ مثله ، أو الخارج على الإمام العادل (وَلا عادٍ) متجاوز قدر الضرورة (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لا يؤاخذه.

والآية محكمة ، لأنّها تدلّ على أنّه لم يجد فيما أوحي إلى تلك الغاية محرّما غير هذه ، وذلك لا ينافي ورود التحريم في شيء آخر بعد ذلك ، فلا يصحّ الاستدلال بها على نسخ الكتاب بخبر الواحد ، ولا على حلّ ما عدا ذلك.

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧))

٤٧٣

ثمّ بيّن سبحانه ما حرّم تعالى على اليهود ، فقال : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) أي : وعلى اليهود (حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) كلّ ما ليس بمنفرج الأصابع ، كالإبل والسباع والطيور. وقيل : كلّ ذي مخلب وحافر. وسمّي الحافر ظفرا مجازا. وكان بعض ذوات الظفر حلالا لهم ، فلمّا ظلموا حرّم عليهم ، فعمّ التحريم كلّ ذي ظفر ، بدليل قوله : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (١).

وقوله : (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) الثروب (٢) وشحوم الكلى. والإضافة لزيادة الربط. (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) إلّا ما علقت بظهورهما من الشحم. وهو اللحم السمين ، فإنّه لم يحرّم عليهم. (أَوِ الْحَوايا) أو ما اشتمل على الأمعاء من الشحوم ، فإنّه غير محرّم عليهم أيضا. جمع حاوية ، أو حاوياء ، كقاصعاء وقواصع ، أو حويّة ، كسفينة وسفائن. وقيل : هو عطف على شحومهما ، و «أو» بمعنى الواو. وكذا قوله : (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) هو شحم الألية ، لاتّصالها بالعصعص (٣).

(ذلِكَ) التحريم أو الجزاء (جَزَيْناهُمْ) وهو تحريم الطيّبات (بِبَغْيِهِمْ) بسبب ظلمهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما أوعدنا به العاصين ، لا نخلفه كما لا نخلف ما وعدناه للمطيعين. أو في الإخبار عن بغيهم.

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فيما تقول (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) يمهلكم على التكذيب ، فلا تغترّوا بإمهاله ، فإنّه لا يهمل. (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) حين ينزل. أو ذو رحمة واسعة على المطيعين ، وذو بأس شديد على المجرمين ، فأقام مقامه (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) ، لتضمّنه التنبيه على إنزال البأس عليهم ، مع الدلالة

__________________

(١) النساء : ١٦٠.

(٢) جمع الثرب ، وهو الشحم الرقيق الذي على الكرش والأمعاء.

(٣) العصعص والعصعوص : عظم الذنب.

٤٧٤

على أنّه لازم لهم لا يمكن ردّه عنهم.

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩))

ولمّا تقدّم الردّ على المشركين لاعتقاداتهم الباطلة ، ردّ سبحانه عليهم مقالتهم الفاسدة ، فقال : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) هذا إخبار بما سوف يقولونه. ووقوع مخبره يدلّ على إعجازه. (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) زعموا أنّ شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما حرّموه ، بمشيئة الله وإرادته ، ولولا أنّه شاء ذلك لم يكن شيء منه. وهذا مذهب المجبّرة بعينه. ولا شكّ في بطلان مذهبهم ، فإنّ الله تعالى ركّب في العقول ما دلّ على علمه بالقبائح ، وبراءته عن مشيئة القبائح وإرادتها ، وأخبر أنبياءه بذلك ، فمن علّق وجود الكفر بمشيئة الله فقد كذّب الله وكتبه ورسله ، ونبذ أدلّة العقل والسمع وراء ظهره.

(كَذلِكَ) أي : مثل هذا التكذيب الّذي صدر من هؤلاء (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الرسل والكتب وأدلّة العقل (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) عذابنا الّذي أنزلنا عليهم بتكذيبهم.

(قُلْ) تهكّما عليهم (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) من أمر معلوم يصحّ الاحتجاج به فيما قلتم (فَتُخْرِجُوهُ) فتظهروه (لَنا) وهذا من التهكّم والشهادة بأن مثل قولهم

٤٧٥

محال أن يكون حجّة (إِنْ تَتَّبِعُونَ) ما تتّبعون في قولكم هذا (إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) تقدّرون أن الأمر كما تزعمون ، أو تكذبون. وفيه دليل على المنع من اتّباع الظنّ ، سيّما في الأصول.

(قُلْ) يا محمد إذا عجز هؤلاء عن إقامة حجّة على ما قالوه (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) البيّنة الواضحة الّتي بلغت غاية المتانة والقوّة على الإثبات ، أو بلغ بها صاحبها صحّة دعواه. وهي من الحجّ بمعنى القصد ، كأنّها تقصد إثبات الحكم وتطلبه. أو من : حجّ ، إذا غلب ، فإنّ من تمسّك بها غلب أهل الضلال.

(فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أي : لألجأكم إلى الإيمان وهداكم جميعا إليه ، بفعل الإلجاء والقسر ، إلّا أنّه لم يفعل ذلك ، لأنّ الإلجاء ينافي التكليف.

وقال في الكشّاف : «معناه : قل إن كان الأمر كما زعمتم أنّ ما أنتم عليه بمشيئة الله ، فالله الحجّة البالغة عليكم على قود مذهبكم ، فلو شاء لهداكم أجمعين منكم ومن مخالفيكم في الدين ، فإنّ تعليقكم دينكم بمشيئة الله يقتضي أن تعلّقوا دين من يخالفكم أيضا بمشيئته ، فتوالوهم ولا تعادوهم ، وتوافقوهم ولا تخالفوهم ، لأنّ المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه» (١).

(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠))

ثمّ بيّن سبحانه أنّ الطريق الموصل إلى صحّة مذاهبهم منسدّ غير ثابت من

__________________

(١) الكشّاف ٢ : ٧٧.

٤٧٦

جهة حجّة عقليّة ولا سمعيّة ، وما هذه صفته فهو فاسد لا محالة ، فقال : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) أحضروهم. وهو اسم فعل لا يتصرّف عند أهل الحجاز ، وفعل يؤنّث ويجمع عند بني تميم. وأصله عند البصريّين : هالمّ ، من : لمّ إذا قصد ، حذفت الألف.

وعند الكوفيّين هل امّ ، فحذفت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام. وهو بعيد ، لأنّ «هل» لا تدخل الأمر. ويكون متعدّيا كما في هذه الآية ، ولازما كقوله : هلمّ إلينا.

(الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) يعني : قدوتهم في هذا الأمر. والمراد : أن يحضروا شهداءهم الّذين علم أنّهم يشهدون لهم وينصرون قولهم ، وكان المشهود لهم يقلّدونهم ، ويثقون بهم ، ويعتضدون بشهادتهم بانقطاع حجّتهم ما يقومون بهم ، فيحقّ الحقّ ويبطل الباطل ، فأضيفت الشهداء لذلك. وجيء بـ «الّذين» للدلالة على أنّهم شهداء معروفون ، موسومون بالشهادة لهم ، وينصرون مذهبهم.

(فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) فلا تصدّقهم فيه ، وبيّن لهم فساده ، فإنّ تسليمه موافقة لهم في الشهادة الباطلة.

(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) من وضع المظهر موضع المضمر ، للدلالة على أنّ مكذّب الآيات متّبع الهوى لا غير ، وأنّ متّبع الحجّة لا يكون إلّا مصدّقا بها (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) كعبدة الأوثان (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) يجعلون له عديلا. وإنّما ذكر الفريقين وإن كانوا كلّهم كفّارا ليفصّل وجوه كفرهم ، لأنّ منه ما يكون مع الإقرار بالآخرة ، كحال أهل الكتاب ، ومنه ما يكون مع الإنكار ، كحال عبدة الأوثان.

(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا

٤٧٧

الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣))

ولمّا حكى سبحانه عنهم تحريم ما حرّموه ، عقّبه بذكر المحرّمات ، فقال : (قُلْ تَعالَوْا) أمر من التعالي. وأصله أن يقوله من كان في علوّ لمن كان في سفل ، فاتّسع فيه بالتعميم. (أَتْلُ) أقرأ (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) منصوب بـ «أتل». و «ما» تحتمل الخبريّة والمصدريّة. ويجوز أن تكون استفهاميّة منصوبة بـ «حرّم» ، والجملة مفعول «أتل». والمعنى : أتل أيّ شيء حرّم ربّكم؟ (عَلَيْكُمْ) متعلّق بـ «حرّم» أو «أتل».

(أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) أن مفسّرة ، و «لا» للنهي ، أي : لا تشركوا به. وإن جعلت «أن» ناصبة كان «أن لا تشركوا» بدلا من «ما حرّم». إلّا أنّ القول الأوّل أوجه ، ليكون «لا تشركوا» «ولا تقربوا» «ولا تقتلوا» «ولا تتّبعوا السبل» النواهي ، أو بتعطّف الأوامر عليها ، وهي قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، فإنّ التقدير : وأحسنوا للوالدين إحسانا ، وأوفوا ، وإذا قلتم فاعدلوا. ويجوز أن تقف على قوله : (حَرَّمَ رَبُّكُمْ) ثمّ تبتدئ فتقول : أن لا تشركوا ، أي : عليكم ترك الإشراك ، على أن تكون «أن» الناصبة للفعل. و «شيئا» يحتمل المصدر والمفعول.

٤٧٨

(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي : وأحسنوا بهما إحسانا. وضعه موضع النهي عن الإساءة إليهما للمبالغة ، وللدلالة على أنّ ترك الإساءة في شأنهما غير كاف ، بخلاف غيرهما.

(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) من أجل فقر ، أو من خشية إملاق (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) منع لموجبيّة ما كانوا يفعلون لأجله ، واحتجاج عليه.

(وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) كبائر الذنوب كلّها (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) بدل منه. وهو مثل قوله : (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) (١).

وعن الباقر عليه‌السلام : «ما ظهر هو الزنا ، وما بطن هو المخالّة» (٢).

وعن ابن عبّاس : أنّهم كانوا لا يرون بالزنا في السرّ بأسا ، ويمنعون منه علانية ، فنهى الله عنه في الحالتين.

(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) هي نفس المسلم والمعاهد (إِلَّا بِالْحَقِ) كالقود وقتل المرتدّ ورجم المحصن. وعلى الأوّل ذكر هذا النهي ـ وإن كان داخلا في الفواحش ـ تعظيما لشأنه.

(ذلِكُمْ) إشارة إلى ما ذكر مفصّلا (وَصَّاكُمْ بِهِ) بحفظه ، فتحلّلوا ما حلّله لكم ، وتحرّموا ما حرّمه عليكم (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ترشدون ، فإنّ كمال العقل هو الرشد.

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) المراد بالقرب التصرّف فيه (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) إلّا بالفعلة أو الخصلة الّتي هي أحسن ما يفعل بماله ، كحفظه وتثميره (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) حتّى يصير بالغا كامل العقل ، ثمّ ادفعوه إليه. وهو جمع شدّة كنعمة وأنعم ، أو شدّ كصرّ وأصرّ. وقيل : هو كآنك (٣). وإنّما خصّ مال اليتيم بالذكر ، لأنّه لا

__________________

(١) الأنعام : ١٢٠.

(٢) المخالّة : المصادقة.

(٣) الآنك : الأسربّ. وأفعل من أبنية الجمع ، ولم يجيء عليه الواحد إلّا آنك وأشدّ. الصحاح

٤٧٩

يستطيع الدفاع عن نفسه ولا عن ماله ، فيكون الطمع في ماله أشدّ ، ويد الرغبة إليه أمدّ ، فأكّد تعالى النهي عن التصرّف في ماله ، وإن كان ذلك واجبا في مال كلّ أحد.

(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) بالعدل والتسوية (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلّا ما يسعها ولا تعجز عنه. وإنّما ذكره عقيب الأمر ، لأنّ مراعاة التعديل فيهما على الحدّ الّذي لا زيادة فيه ولا نقصان ممّا يتعذّر ، فأمر ببلوغ الوسع ، وأنّ ما وراءه معفوّ عنه.

(وَإِذا قُلْتُمْ) في حكومة وغيرها (فَاعْدِلُوا) فيه ، أي : فقولوا الحقّ (وَلَوْ كانَ) المقول له أو عليه في شهادة وغيرها (ذا قُرْبى) من ذوي قرابتكم. فما ينبغي أن يزيد في القول أو ينقص ، كقوله (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (١). (وَبِعَهْدِ اللهِ) أي : ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع (أَوْفُوا) بالامتثال (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتّعظون به.

(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) الإشارة فيه إلى ما ذكر في السورة ، فإنّها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوّة وبيان الشريعة. وقرأ حمزة والكسائي : إنّ بالكسر على الاستئناف ، وابن عامر ويعقوب بالفتح والتخفيف ، والباقون بالفتح مشدّدة بتقدير اللام ، على أنّه علّة لقوله : (فَاتَّبِعُوهُ) أي : فاتّبعوا ما في هذه السورة ، لأنّه صراطي مستقيما. وقرأ ابن عامر : صراطي بفتح الياء.

(وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) الأديان المختلفة ، من اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة ، وسائر البدع والشبهات ، أو الطرق التابعة للهوى ، فإنّ مقتضى الحجّة واحد ، ومقتضى الهوى متعدّد ، لاختلاف الطبائع والعادات (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ) فتفرّقكم وتزيلكم (عَنْ سَبِيلِهِ) عن صراط الله المستقيم ، وهو دين الإسلام.

وروي عن ابن مسعود : «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطّ خطّا ثمّ قال : هذا سبيل الرشد ،

__________________

٤ : ١٥٧٣.

(١) النساء : ١٣٥.

٤٨٠