زبدة التّفاسير - ج ٢

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٢

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-04-3
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٥٦

وشكرتموه على نعمه (وَآمَنْتُمْ) به وبرسوله وبما جاء به من عند الله. أيتشفّى به غيظا ، أو يستجلب به نفعا ، أو يستدفع به ضررا؟! لا بل هو الغنيّ المتعالي الّذي لا يجوز عليه شيء من ذلك. وإنّما يعاقب المصرّ بكفره ، لأنّ إصراره عليه كسوء مزاج يؤدّي إلى مرض ، فإذا أزاله بالإيمان والشكر ، ونقّى عنه نفسه ، تخلّص من تبعته.

وإنّما قدّم الشكر لأنّ الناظر يدرك النعمة أوّلا فيشكر شكرا مبهما ، ثمّ يمعن النظر حتّى يعرف المنعم فيؤمن به.

(وَكانَ اللهُ شاكِراً) مجازيكم على الشكر. فسمّى الجزاء باسم المجزيّ عليه ، أي : مثيبا يقبل الشكر اليسير ، ويعطي الجزيل (عَلِيماً) بحقّ شكركم وإيمانكم.

(لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨))

قال عليّ بن عيسى : لمّا سبق ذكر النفاق ، وهو الإظهار خلاف الإبطان ، بيّن سبحانه أنّه ليس كلّ ما يقع في النفس يجوز إظهاره ، فإنّه ربما يكون ظنّا ، فإذا تحقّق ذلك جاز إظهاره ، فقال : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ).

وأنا أقول : الأنسب أن يقال في وجه الانتظام : إنّه لمّا كانت المخالفة في الدين بين الكافر والمؤمن ، وعصبيّة كلّ منهما فيه موجبا للعداوة الباطنة والظاهرة ، وذلك في مظانّ المشاتمة وصدور سوء الأقوال ، ونهى الله سبحانه المؤمنين عن ذلك في قوله : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (١). وقال

__________________

(١) الأنعام : ١٠٨.

١٨١

في معرض مدحهم : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (١). فنبّههم الله سبحانه هنا على حفظ اللسان عن السوء على وجه العموم بعد ذكر أحوال أهل النفاق والكفر ، لئلّا ينجرّ إلى صدور البذاء والفحش من الكفّار ، فقال : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) إلّا جهر من ظلم ، بالدعاء على الظالم والتظلّم منه.

فاستثنى من الجهر الّذي لا يحبّه الله جهر المظلوم ، وهو أن يدعو على الظالم ، ويذكره بما فيه من السوء.

وقيل : هو ردّ الشتم بما يجوز في الدين على الشاتم انتصارا منه. وهو مرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام.

ونظيره : (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) (٢). والتفسير الأوّل منقول عن ابن عبّاس.

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّ رجلا ضاف قوما فلم يطعموه ، فاشتكاهم ، فعوتب عليه ، فنزلت». ثم قال : «إنّ الضيف إذا نزل بالرجل فلا يحسن ضيافته ، فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء ما فعله».

(وَكانَ اللهُ سَمِيعاً) لكلام المظلوم (عَلِيماً) بالظالم.

(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩))

ثم حثّ سبحانه على العفو ، وأن لا يجهر أحد لأحد بسوء وإن كان على وجه الانتصار ، حثّا على الأحبّ إليه والأفضل عنده ، فقال : (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) طاعة وبرّا ، قولا وفعلا (أَوْ تُخْفُوهُ) أو تفعلوه سرّا (أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) أي : تصفحوا

__________________

(١) الفرقان : ٦٣.

(٢) الشعراء : ٢٢٧.

١٨٢

عمّن أساء إليكم مع قدرتكم على المؤاخذة على إساءته. والعفو هنا هو المقصود ، وذكر إبداء الخير وإخفائه تسبيب وتمهيد وتوطئة له ، ولذلك رتّب عليه قوله : (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) أي : يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام ، فأنتم أولى بذلك. فعليكم أن لا تعتدوا عن سنّة الله. فهو حثّ للمظلوم على العفو بعد ما رخّص له في الانتصار ، حملا على مكارم الأخلاق.

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢))

ولمّا قدّم سبحانه ذكر المنافقين ، عقّبه بذكر أهل الكتاب والمؤمنين ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) نؤمن ببعض الأنبياء ، ونكفر ببعضهم (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) طريقا وسطا. ولا واسطة بين الكفر والإيمان ، إذ الحقّ لا يختلف ، فإن الإيمان بالله إنّما يتمّ بالإيمان برسله وتصديقهم فيما بلّغوا عنه إجمالا أو تفصيلا ، فالكافر ببعض ذلك كالكافر بالكلّ في الضلال ، كما قال : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) (١). ولذلك قال بعد ذلك :

__________________

(١) يونس : ٣٢.

١٨٣

(أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) هم الكاملون في الكفر ، لا عبرة بإيمانهم بهذا (حَقًّا) مصدر مؤكّد لغيره ، أي : أحقّ حقّا ، أو صفة لمصدر الكافرين ، بمعنى : هم الّذين كفروا كفرا حقّا ، أي : يقينا محقّقا لا شكّ فيه أصلا (وَأَعْتَدْنا) وهيّأنا (لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) نهينهم ونذلّهم.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) هم أضدادهم ومقابلوهم. وإنّما دخل «بين» على «أحد» وهو يقتضي متعدّدا لعمومه ، من حيث إنّه وقع في سياق النفي ، والنكرة في سياقه يفيد العموم في الواحد المذكّر والمؤنّث وتثنيتهما وجمعهما ، تقول : ما رأيت أحدا ، تقصد العموم. والمعنى : ولم يفرّقوا بين اثنين منهم أو بين جماعة.

(أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) الموعودة لهم. وتصديره بـ «سوف» لتوكيد الوعد ، وللدلالة على أنّه كائن لا محالة وإن تأخّر ، فالغرض تأكيد الوعد ، لا كونه متأخّرا.

وقرأ حفص عن عاصم وقالون عن يعقوب بالياء ، بناء على تنويع الكلام.

(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤))

(وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما فرط منهم (رَحِيماً) عليهم بتضعيف حسناتهم.

١٨٤

ولمّا أنكر سبحانه على اليهود التفريق بين الرسل في الإيمان ، عقّبه بالإنكار عليهم في طلبهم المحالات مع ظهور الآيات والمعجزات ، فقال : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ) يعني : اليهود (أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ). نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن كنت نبيّا فأتنا بكتاب من السماء جملة ، كما أتى موسى بالتوراة جملة.

وقيل : سألوا كتابا يعاينونه حين ينزل محرّرا بخطّ سماويّ على ألواح كما كانت التوراة ، أو كتابا إلينا بأعياننا بأنّك رسول الله. وإنّما اقترحوا ذلك على سبيل التعنّت. قال الحسن : لو سألوه استرشادا لا عنادا لأعطاهم الله ذلك.

وقوله : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) جواب شرط مقدّر ، أي : إن استكبرت واستعظمت ما سألوه منك فقد سألوا موسى أكبر منه. وإنّما أسند السؤال إليهم وإن وجد من آبائهم لكونهم راضين بسؤالهم ، آخذين بمذهبهم ، تابعين لسيرتهم. والمعنى : أنّ عرقهم راسخ في ذلك ، وأنّ ما اقترحوه عليك ليس بأوّل جهالاتهم.

(فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) عيانا ، أي : أرنا الله نره جهرة ، أي : مجاهرين معاينين له (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) نار جاءت من السماء فأهلكتهم (بِظُلْمِهِمْ) بسبب ظلمهم ، وهو سؤالهم الرؤية.

(ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) هذه الجناية الثانية الّتي اقترفها ايضا أوائلهم. والبيّنات المعجزات. ولا يجوز حملها على التوراة ، إذ لم تأتهم بعد (فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) مع عظم جريمتهم وجنايتهم (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) تسلّطا واستيلاء ظاهرا عليهم ، حين أمرهم بأن يقتلوا أنفسهم توبة عن اتّخاذهم.

(وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ) الجبل لمّا امتنعوا من العمل بما في التوراة وقبول ما جاءهم به موسى (بِمِيثاقِهِمْ) بسبب ميثاقهم وعهدهم الّذي أعطاهم الله إيّاه ، من

١٨٥

العمل بالتوراة وغيره ، ليخافوا من وقوعه عليهم فيقبلوه.

(وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) على لسان موسى عليه‌السلام ، والطور مطلّ عليهم.

(وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) على لسان داود عليه‌السلام. ويحتمل أن يراد على لسان موسى عليه‌السلام حين طلّل عليهم الجبل ، فإنّه شرع السبت ، ولكن كان الاعتداء فيه والمسخ به في زمن داود عليه‌السلام.

وقرأ أهل المدينة : لا تعدّوا ، بتسكين العين وتشديد الدال ، على أنّ أصله : لا تعتدوا ، فأدغمت التاء في الدال. وروى ورش عن نافع : لا تعدّوا ، بفتح العين وتشديد الدال.

(وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) عهدا وثيقا وكيدا على ذلك ، وهو قولهم : سمعنا وأطعنا.

(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨))

ثم ذكر سبحانه أفعالهم القبيحة ومجازاته إيّاهم بها ، فقال : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) «ما» مزيدة للتوكيد ، والباء متعلّقة بمحذوف ، أي : فخالفوا ونقضوا ، ففعلنا بهم ما فعلنا بنقضهم ميثاقهم ، أي : عهودهم الّتي عاهدوا الله عليها أن يعملوا بما في

١٨٦

التوراة. ويجوز أن تتعلّق بـ (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ) (١). فيكون التحريم بسبب النقض وما عطف عليه إلى قوله : (فَبِظُلْمٍ) (٢) ، أي : حرّمنا عليهم طيّبات بنقض ميثاقهم ...

إلخ. لا أن تتعلّق بما دلّ عليه قوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها) ، مثل : لا يؤمنون ، لأنّه ردّ لقولهم : «قلوبنا غلف» فيكون من صلة «وقولهم» المعطوف على المجرور ، فلا يعمل في جارّه.

(وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ) بالقرآن ، أو بما في كتابهم (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) بعد قيام الحجّة عليهم بصدقهم ، وعلمهم بعدم صدور استحقاق شيء يوجب قتلهم (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) أوعية للعلوم ، أو في أكنّة ممّا تدعونا إليه (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) أي : خذلها الله ومنعها الألطاف بكفرهم وعدم تدبّرهم في الآيات وتذكّرهم في المواعظ ، فصارت كالمطبوع عليها (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) منهم ، كعبد الله بن سلام ، أو إيمانا قليلا ، إذ لا عبرة به لنقصانه.

(وَبِكُفْرِهِمْ) بعيسى. وهو معطوف على «بكفرهم» لأنّه من أسباب الطبع.

أو على قوله «فبما نقضهم». ويجوز أن يعطف مجموع هذا وما عطف عليه على مجموع ما قبله ، كأنّه قيل : فبجمعهم بين نقض الميثاق والكفر بآيات الله ، وقتل الأنبياء ، وقولهم : قلوبنا غلف ، وجمعهم بين كفرهم وبهتهم مريم ، وافتخارهم بقتل عيسى ، عاقبناهم. ويكون تكرير ذكر الكفر إيذانا بتكرّر كفرهم ، فإنّهم كفروا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمّد عليهم‌السلام ، فعطف بعض كفرهم على بعض.

(وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) يعني : نسبة الزنا إلى مريم.

(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ) أي : بزعمهم.

ويحتمل أنّهم قالوه استهزاء. ونظيره (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٣).

وأن يكون استئنافا من الله تعالى بمدحه ، أو وضعا للذكر الحسن مكان ذكرهم

__________________

(١ ، ٢) النساء : ١٦٠.

(٣) الشعراء : ٢٧.

١٨٧

القبيح (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ).

روي أنّ جماعة من اليهود سبّوا عيسى وسبّوا أمّه. فقال : أللهمّ أنت ربّي ، وبكلمتك خلقتني ، أللهمّ العن من سبّني وسبّ والدتي. فمسخ الله من سبّهما قردة وخنازير ، فاجتمعت اليهود على قتله ، فأخبره الله تعالى بأنّه يرفعه إلى السماء. فقال لأصحابه : أيّكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ، ويدخل الجنّة ويكون معي في درجتي؟ فقام شابّ منهم فقال : يا نبيّ الله أنا. فألقى الله تعالى عليه شبهه ، فقتل وصلب.

وبرواية وهب بن منبّه : أتى عيسى عليه‌السلام ومعه سبعة من الحواريّين في بيت ، فأحاط اليهود بهم ، فلمّا دخلوا عليهم صيّرهم الله كلّهم على صورة عيسى عليه‌السلام.

فقالوا لهم : سحرتمونا ، لتبرزنّ لنا عيسى أو لنقتلنّكم جميعا. فقال عيسى عليه‌السلام لأصحابه : من يشري نفسه منكم اليوم بالجنّة؟ فقال رجل منهم اسمه سرجس : أنا.

فخرج إليهم فقال : أنا عيسى. فأخذوه فقتلوه وصلبوه ، ورفع الله عيسى من يومه.

وبه قال قتادة والسدّي ومجاهد وابن إسحاق ، وإن اختلفوا في عدد الحواريّين. ولم يذكر أحد غير وهب أنّ شبهه ألقي على جميعهم ، بل ألقي شبهه على واحد ، ورفع عيسى من بينهم. وقال الطبري (١) : قول وهب أقوى.

وبرواية اخرى : كان رجلا ينافقه فخرج ليدلّ عليه ، فألقى الله تعالى عليه شبهه وهم يظنّون أنّه عيسى ، فأخذ وصلب.

وعن ابن عبّاس : أنّه لمّا مسخ الله الّذين سبّوا عيسى وأمّه بدعائه بلغ ذلك يهوذا ، وهو رأس اليهود ، فخاف أن يدعو عليه فجمع اليهود ، فاجتمع اليهود حول عيسى فجعلوا يسألونه ، فيقول : يا معشر اليهود إنّ الله تعالى يبغضكم ، فثاروا إليه ليقتلوه ، فأدخله جبرئيل عليه‌السلام خوخة (٢) البيت الداخل لها روزنة (٣) في سقفها ، فرفعه

__________________

(١) تفسير الطبري ٦ : ١٢.

(٢) الخوخة : كوّة تؤدّي الضوء إلى البيت ، والباب الصغير في الباب الكبير.

(٣) الروزنة : الكوّة ، فارسيّة.

١٨٨

جبرئيل إلى السماء. فبعث يهوذا رأس اليهود رجلا من أصحابه اسمه طيطانوس ليدخل عليه الخوخة فيقتله ، فدخل فلم يره ، فأبطأ عليهم ، فظنّوا أنّه يقاتله في الخوخة ، فألقى الله تعالى عليه شبه عيسى ، فلمّا خرج على أصحابه قتلوه وصلبوه.

وأمثال ذلك من الخوارق التي لا تستبعد في زمان النبوّة.

وإنّما ذمّهم الله تعالى بما دلّ عليه الكلام من جرأتهم على الله عزوجل ، وقصدهم قتل نبيّه المؤيّد بالمعجزات الباهرة ، وتبجّحهم (١) به ، لا بقولهم هذا على حسب حسبانهم.

و «شبّه» مسند إلى الجارّ والمجرور ، وكأنّه قيل : ولكن وقع لهم التشبيه بين عيسى والمقتول. أو في الأمر على قول من قال : لم يقتل أحد ولكن أرجف بقتله فشاع بين الناس. أو مسند إلى ضمير المقتول ، لدلالة «إنّا قتلنا» على أنّ ثمّة مقتولا ، أي : لكن شبّه لهم من قتلوه.

(وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) في شأن عيسى عليه‌السلام ، فإنّه لمّا وقعت تلك الواقعة اختلف الناس ، فقال بعض اليهود : إنّه كان كاذبا فقتلناه حقّا. وتردّد آخرون ، فقال بعضهم : إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وقال بعضهم : الوجه وجه عيسى ، والبدن بدن صاحبنا. وقال من سمع منه : إنّ الله يرفعني إلى السماء ، إنّه رفع إلى السماء.

وقال قوم : إنّه صلب الناسوت ، يعنون بدنه ، ورفع اللاهوت ، يعنون به روحه.

واختلفوا في أنّه إله أو ابن إله.

(لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) لفي تردّد. والشكّ كما يطلق على مالا يترجّح أحد طرفيه ، يطلق على مطلق التردّد ، وعلى ما يقابل العلم ، ولذلك أكّده بقوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) استثناء منقطع ، أي : ولكنّهم يتّبعون الظنّ. ويجوز أن يفسّر الشكّ بالجهل ، والعلم بالاعتقاد الّذي تسكن إليه النفس ، جزما كان أو غيره ، فيتّصل

__________________

(١) أي : تفاخرهم ومباهاتهم به.

١٨٩

الاستثناء.

(وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) قتلا يقينا كما زعموه بقولهم : «إنّا قتلنا المسيح» ، أو متيقّنين.

(بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) ردّ وإنكار لقتله ، وإثبات لرفعه. وقد مرّ تفسيره في سورة آل عمران عند قوله : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) (١).

(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يغلب على ما يريده (حَكِيماً) فيما دبّره لعيسى عليه‌السلام.

والمعنيّ من هذه الآيات : أنّ الله تعالى خاطب اليهود وقال : احذروا أيّها السائلون محمدا أن ينزل عليكم كتابا من السماء حلول عقوبة بكم ، كما حلّ بأوائلكم في تكذيبهم رسله ، فآمنوا بمحمد قبل حلول هذه العقوبة.

(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢))

ثم أخبر سبحانه أنّه لا يبقى أحد منهم إلّا ويؤمن بعيسى ، فقال :

__________________

(١) راجع ج ١ : ٤٩٣ ذيل الآية ٥٥ من سورة آل عمران.

١٩٠

(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) جملة قسميّة وقعت صفة لمحذوف. والتقدير : وإن من أهل الكتاب أحد إلّا ليؤمننّ به ، ونحوه (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (١) (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٢). ويعود إليه الضمير الثاني ، والأوّل لعيسى. فالمعنى : وما من اليهود والنصارى أحد إلّا ليصدّقنّ بعيسى ، وبأنّه عبد الله ورسوله ، قبل موته ولو حين تزهق روحه ، ولا ينفعه إيمانه ، لانقطاع وقت التكليف. وهذا كالوعيد لهم والتحريض على معاجلة الإيمان به قبل أن يضطرّوا إليه ، ولم ينفعهم إيمانهم.

وقيل : الضميران لعيسى. والمعنى : أنّه لمّا نزل من السماء آمن به أهل الملل جميعا.

وفي الروايات الصحيحة المتواترة عن ابن عبّاس وأبي مالك والحسن وقتادة وابن زيد : أنّ عيسى عليه‌السلام ينزل من السماء وقت خروج المهديّ عليه‌السلام في آخر الزمان وخروج الدجّال فيهلكه ، ولا يبقى أحد من أهل الملّة إلّا يؤمننّ به ، حتى تكون الملّة واحدة ، وهي ملّة الإسلام ، ويصلّي خلف المهديّ من آل محمد صلوات الله عليهم ، وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمور مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيّات ، ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفّى ، ويصلّي عليه المسلمون ويدفنونه.

(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ) يعني : عيسى (عَلَيْهِمْ شَهِيداً) فيشهد على اليهود بالتكذيب ، وعلى النصارى بأنّهم دعوه ابن الله.

ذكر عليّ بن إبراهيم في تفسيره (٣) أنّ أباه حدّثه عن سليمان بن داود المنقري ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن شهر بن حوشب ، قال : «قال لي الحجّاج بن يوسف : آية من كتاب الله قد أعيتني ، وهي قوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ) ،

__________________

(١) الصافّات : ١٦٤.

(٢) مريم : ٧١.

(٣) تفسير عليّ بن إبراهيم القمي ١ : ١٥٨.

١٩١

والله إنّي لآمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه ، ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرّك شفتيه حتى يخمد.

فقلت : أصلح الله الأمير ليس على ما أوّلت.

قال : فكيف هو؟

قلت : إنّ عيسى بن مريم ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ، ولا يبقى أهل ملّة يهوديّ أو نصرانيّ وغيره إلّا آمن به قبل موت عيسى ، ويصلّي خلف المهدي.

قال : وكان متّكئا فاستوى جالسا فنظر إليّ وقال : ويحك أنّى لك هذا ، ومن أين جئت به؟

قال : قلت : حدّثني محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام. وبرواية صاحب الكشّاف (١) : محمد بن عليّ بن الحنفيّة.

فأخذ ينكت الأرض بقضيبه ، فقال : والله لقد أخذتها من عين صافية ، أو معدنها.

فقيل لشهر : ما أردت بذلك؟

قال أردت أن أغيظه.

ومثل ذلك ذكر أبو القاسم البلخي. وبرواية صاحب الكشّاف (٢) قال الكلبي له ـ أي : لشهر ـ : ما أردت إلى أن تقول : حدّثني محمّد بن عليّ بن الحنفيّة؟ قال :أردت أن أغيظه ، يعني : بزيادة اسم عليّ ، لأنّه مشهور بابن الحنفيّة».

وعن عكرمة الضمير في «به» يرجع إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ورواه أيضا أصحابنا.

وضعّف الطبري (٣) هذا الوجه من حيث إنّه لم يجر ذكر نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا ضرورة توجب ردّ الكناية إليه ، وقد جرى ذكر عيسى عليه‌السلام ، فالأولى أن يصرف ذلك إليه.

وفي الآية دلالة على أنّ كلّ كافر يؤمن عند المعاينة ، وعلى أنّ إيمانه ذلك

__________________

(١ ، ٢) الكشّاف ١ : ٥٨٨.

(٣) تفسير الطبري ٦ : ١٧.

١٩٢

غير مقبول ، كما لم يقبل إيمان فرعون في حال اليأس عند زوال التكليف.

ويقرب من هذا ما رواه الإماميّة أن المحتضرين من جميع الأديان يرون رسول الله وخلفاءه عند الوفاة. وقد روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام قالا : «حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى محمدا وعليّا بحيث تقرّ عينها أو تسخن».

وعن عليّ عليه‌السلام أنّه قال للحارث الهمداني :

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه

بعينه واسمه وما فعلا

ولا يبعد أن يقال : إنّ المراد برؤيتهم في تلك الحال العلم بثمرة ولايتهم وعداوتهم على اليقين ، بعلامات يجدونها من نفوسهم ، ومشاهدة أحوال يدركونها ، كما قد روي أنّ الإنسان إذا عاين الموت أري في تلك الحالة ما يدلّه على أنّه من أهل الجنّة أو من أهل النار.

(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) فبأيّ ظلم عظيم منهم (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) أي : ما حرّمنا عليهم الطيّبات إلّا لظلم عظيم ارتكبوه ، يعني : ما ذكره في قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) (١). فكلّما أذنبوا ذنبا حرّم عليهم بعض الطيّبات (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) ناسا كثيرا ، أو صدّا كثيرا.

(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) كان الربا محرّما عليهم كما هو محرّم علينا.

وفيه دليل على دلالة النهي على التحريم. (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) بالرشوة الّتي كانوا يأخذونها من عوامهم في تحريف الكتاب وسائر الوجوه المحرّمة (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) دون من تاب وآمن ، كما قال جلّ ذكره : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) الثابتون فيه ، المتقنون له ، المدارسون بالتوراة ، وهم من آمن منهم ، كعبد الله بن سلام وأصحابه من علماء اليهود.

__________________

(١) الأنعام : ١٤٦.

١٩٣

روي أنّ ابن سلام وأصحابه قالوا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ اليهود لتعلم أنّ الّذي جئت به حقّ ، وإنّك لعندهم مكتوب في التوراة. فقالت اليهود : ليس كما يقولون ، إنّهم لا يعلمون شيئا ، وإنّهم يغرّونك ويحدّثونك بالباطل. فقال الله تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)

(وَالْمُؤْمِنُونَ) أي : منهم ، أو من المهاجرين والأنصار (يُؤْمِنُونَ) خبر قوله : «الراسخون» (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من القرآن والشرائع (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) من الكتب.

(وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) نصبه على المدح ، لبيان فضل الصلاة ، أي : اذكر المقيمين الصلاة. أو عطف على (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ). والمراد بهم الأنبياء ، أي : يؤمنون بالكتب والأنبياء.

(وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) قدّم عليه الإيمان بالأنبياء والكتب وما يصدّقه من اتّباع الشرائع ، لأنّه المقصود بالآية.

(أُولئِكَ) الّذين وصفناهم (سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) على جمعهم بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح. وقرأ حمزة : سيؤتيهم بالياء.

(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥))

ثم خاطب نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) قدّمه في الذكر وإن تأخّرت

١٩٤

نبوّته لتقدّمه في الفضل والشرف والرتبة (كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ) قدّمه لأنّه أبو البشر بعد الطوفان ، ولأنّه كان أطول الأنبياء عمرا ، وكانت معجزته في نفسه ، لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما ، لم يسقط له سنّ ، ولم تنقص قوّته ، ولم يشب شعره ، وأوّل من عذّبت أمّته بسبب ردّ دعوته.

(وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) وهذا جواب لأهل الكتاب عن سؤال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اقتراحا أن ينزّل عليهم كتابا من السماء ، واحتجاج عليهم بأنّ أمره في الوحي كسائر الأنبياء ، وإرساله كإرسال النبيّين السالفين ، وأنّ المعجزات قد ظهرت على يده كما كانت تظهر على أيديهم.

(وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) وهم أولاد يعقوب ، كيوسف وداود (وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ) خصّهم بالذكر مع اشتمال النبيّين عليهم تعظيما لهم ، فإنّ ابراهيم أول أولي العزم منهم ، وعيسى آخرهم ، والباقين أشرف الأنبياء ومشاهيرهم. وقدّم عيسى على الأنبياء المذكورين بعده لشدّة العناية بأمره ، لغلوّ اليهود في الطعن فيه (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً). وقرأ حمزة : زبورا بالضمّ. وهو جمع زبر ، وهو الكتاب بمعنى مزبور.

ثم أجمل ذكر الرسل بعد تسمية بعضهم فقال : (وَرُسُلاً) نصب بمضمر دلّ عليه «أوحينا إليك» ، كـ «أرسلنا» ، أو فسّره بقوله : (قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل هذه السورة بمكّة في سورة الأنعام (١) وغيرها ، أو قبل ذلك اليوم بالوحي في غير القرآن فعرّفناك شأنهم وأخبارهم (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) بلا واسطة ، وهو منتهى مراتب الوحي ، خصّ به موسى من بينهم ، وقد فضّل الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأن أعطاه مثل ما أعطى كلّ واحد منهم.

وروي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا قرأ الآية الّتي قبل هذه الآية على الناس قالت

__________________

(١) الأنعام : ٨٣ ـ ٨٦.

١٩٥

اليهود فيما بينهم : ذكر محمد النبيّين ولم يبيّن لنا أمر موسى. فلمّا نزلت هذه الآية وقرأها عليهم قالوا : إنّ محمدا قد ذكره وفضّله بالكلام عليهم.

(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) نصب على المدح ، أو بإضمار «أرسلنا» ، أو على الحال ويكون رسلا موطّئا لـ «مبشّرين» ، كقولك : مررت بزيد رجلا صالحا (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فيقولوا : لولا أرسلت إلينا رسولا فينبّهنا ويعلّمنا ما لم نكن نعلم ، ويوصلنا إلى المحجّة ، ويوقظنا من سنة الغفلة.

وفيه تنبيه على أنّ بعثة الأنبياء إلى الناس ضرورة ، لقصور الكلّ عن إدراك جزئيّات المصالح ، والأكثر عن إدراك كلّيّاتها.

واللام متعلّقة بـ «أرسلنا» ، أو بقوله : «مبشّرين ومنذرين». و «حجّة» اسم «كان» ، وخبره «للناس» أو «على الله» والآخر حال. ولا يجوز تعلّقه بـ «حجّة» لأنّه مصدر ، ولا يجوز تقديم متعلّق المصدر عليه. و «بعد» ظرف لها أو صفة.

(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يغلب فيما يريده (حَكِيماً) فيما دبّر من أمر النبوّة ، وفيما خصّ كلّ نبيّ بنوع من الوحي والإعجاز.

(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١٦٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩))

قيل : إنّ جماعة من اليهود دخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال النبيّ لهم : إنّي أعلم أنّكم تعلمون أنّي رسول الله. فقالوا : ما نعلم ذلك ولا نشهد به. فأنزل الله بعد

١٩٦

إنكارهم وجحودهم.

(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) فهذا استدراك عن مفهوم ما قبله ، فإنّهم لمّا تعنّتوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسؤال كتاب ينزل عليهم من السماء ، واحتجّ عليهم بقوله : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) الآية ، قال : إنّهم لا يشهدون بذلك ، ولكنّ الله يشهد ، أو أنّهم أنكروا الإيحاء إليك ولكنّ الله يشهد ، يعني : يبيّنه ويقرّره (بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) من القرآن المعجز الدالّ على نبوّتك.

(أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أنزله ملتبسا بعلمه الخاصّ به ، وهو العلم بتأليفه على نظم يعجز عنه كلّ بليغ. أو بحال من يستعدّ للنبوّة ويستأهل نزول الكتاب عليه. أو بعلمه الّذي يحتاج إليه الناس في معاشهم ومعادهم. والجارّ والمجرور على الأوّلين حال من الفاعل ، وعلى الثالث حال من المفعول. والجملة كالتفسير لما قبلها.

(وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) أيضا بنبوّتك.

وفيه تنبيه على أنّهم يودّون أن يعلموا صحّة دعوى النبوّة على وجه يستغنى عن النظر والتأمّل ، وهذا النوع من خواصّ الملك ، ولا سبيل للإنسان إلى العلم بأمثال ذلك سوى الفكر والنظر ، فلو أتى هؤلاء بالنظر الصحيح لعرفوا نبوّتك ، وشهدوا بما عرفت الملائكة وشهدوا عليها.

وقال في الجامع والكشّاف : «معنى شهادة الله بما أنزل إليه إثباته لصحّته بالمعجزات ، كما تثبت الدعاوي بالبيّنات ، وشهادة الملائكة شهادتهم بأنّه حقّ وصدق» (١).

(وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي : وكفى بما أقام من الحجج على صحّة نبوّتك عن الاستشهاد بغيره وإن لم يشهد غيره. وفي هذه الآية تسلية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تكذيب من كذّبه.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن الدين الّذي بعثك به إلى خلقه

__________________

(١) جوامع الجامع ١ : ٣٥١ ، الكشّاف ١ : ٥٩٢.

١٩٧

(قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) قد جاروا عن قصد الطريق جورا شديدا ، وزالوا عن المحجّة الّتي هي دين الله الّذي ارتضاه وبعثك به إلى خلقه زوالا بعيدا عن الرشاد ، لأنّهم قد جمعوا بين الضلال والإضلال ، ولأنّ المضلّ يكون أغرق في الضلال ، وأبعد من الانقلاع عنه.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : جحدوا (وَظَلَمُوا) محمدا بإنكار نبوّته وتكذيبهم إيّاه. أو الناس بصدّهم عمّا فيه صلاحهم وخلاصهم ، أو بأعمّ من ذلك. وعلى هذا تدلّ الآية على أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع ، إذ المراد بهم الجامعون بين الكفر والظلم (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) بترك عقابهم على ذنوبهم (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) لجري حكمه السابق ووعده المحتوم على أنّ من مات على كفره فهو خالد في النار. و «خالدين» حال مقدّرة (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) لا يستصعبه ولا يستعظمه.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠))

ولمّا قرّر أمر النبوّة ، وبيّن الطريق الموصل إلى العلم بها ، ووعيد من أنكرها ، خاطب الناس عامّة بالدعوة وإلزام الحجّة ، والوعد بالإجابة والوعيد على الردّ ، فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ) يعني : محمدا (بِالْحَقِ) بالدين الّذي ارتضاه الله لعباده. وعن أبي جعفر عليه‌السلام : بولاية من أمر الله سبحانه بولايته.

(مِنْ رَبِّكُمْ) من عند ربّكم (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) أي : إيمانا خيرا لكم. أو اقصدوا أو ائتوا

١٩٨

أمرا خيرا لكم ممّا أنتم عليه من الكفر.

وقيل : تقديره : فآمنوا يكن الإيمان خيرا لكم. ومنعه البصريّون ، لأن «كان» لا يحذف مع اسمه إلّا فيما لا بدّ منه ، ولأنّه يؤدّي إلى حذف الشرط والجزاء.

(وَإِنْ تَكْفُرُوا) بالله ورسوله ، وبما جاء به من عنده (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني : فإن تكفروا فإنّ الله تعالى غنيّ عنكم ، لا يتضرّر بكفركم ، كما لا ينتفع بإيمانكم. ونبّه على غناه بقوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). وهو يعمّ ما اشتملتا عليه وما تركّبتا منه (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بأحوالهم (حَكِيماً) فيما دبّر لهم.

(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١))

ثم عاد سبحانه إلى حجاج أهل الكتاب ، فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) الخطاب لليهود والنصارى ، فإنّ اليهود غلت في حطّ عيسى عليه‌السلام حتّى رموه بأنّه ولد لغير رشدة (١) ، والنصارى في رفعه حتّى اتّخذوه إلها. وقيل : الخطاب للنصارى خاصّة ، فإنّه أوفق لقوله : (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) يعني : تنزيهه عن الصاحبة والولد والشريك.

(إِنَّمَا الْمَسِيحُ) قد ذكر (٢) معناه (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) بيان له (رَسُولُ اللهِ)

__________________

(١) الرشدة بالتاء ضد الزنية ، يقال : ولد لرشدة ، أي : شرعيّون.

(٢) راجع ج ١ : ٤٨٦.

١٩٩

أرسله إلى الخلق ، لا كما زعمت الفرقتان المبطلتان. (وَكَلِمَتُهُ) فإنّه حصل بكلمته الّتي هي قوله : «كن» (أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) أوصلها إليها وحصّلها فيها (وَرُوحٌ مِنْهُ) وذو روح صدر منه ، لا بتوسّط يجري مجرى الأصل والمادّة له ، كما قال في الجامع (١) والكشّاف (٢) : «قيل لعيسى : كلمة الله وكلمة منه ، لأنّه وجد بكلمته وأمره من غير واسطة أب ولا نطفة. وقيل له : روح الله وروح منه كذلك ، لأنّه ذو روح وجد من غير جزء من ذي روح ، كالنطفة المنفصلة من الأب الحيّ ، وإنّما اخترع اختراعا من عند الله وقدرته خالصة».

وقيل : سمّي روحا لأنّه كان يحيي الأموات أو القلوب.

(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) أي : الآلهة ثلاثة : الله ، والمسيح ، ومريم. ويشهد عليه قوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (٣) أو : الله ثلاثة ، إن صحّ أنّهم يقولون : الله ثلاثة أقانيم : الأب ، والابن ، وروح القدس. ويريدون بأقنوم الأب الذات ، وبأقنوم الابن العلم ، وبأقنوم روح القدس الحياة. والأقنوم بمعنى الأصل. (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) نصبه لما سبق من قوله : «فآمنوا خيرا لكم».

(إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) أي : واحد بالذات لا تعدّد فيه بوجه مّا (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) أسبّحه تسبيحا من أن يكون له ولد ، فإنّه يكون لمن يعادله مثل ، ويتطرّق إليه فناء (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وملكا وخلقا ، لا يماثله في ذلك شيء فيتّخذه ولدا (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) يكل إليه الخلق أمورهم ، فهو الغنيّ عنهم ، وهم الفقراء إليه. وهذا تنبيه على غناه عن الولد ، فإنّ الحاجة إليه ليكون

__________________

(١) جوامع الجامع ١ : ٣٥٢.

(٢) الكشّاف ١ : ٥٩٣.

(٣) المائدة : ١١٦.

٢٠٠