زبدة التّفاسير - ج ٢

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني

زبدة التّفاسير - ج ٢

المؤلف:

فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني


المحقق: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-7777-04-3
ISBN الدورة:
964-7777-02-5

الصفحات: ٦٥٦

أَنْ تَأْتِيَنا) بالرسالة (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) أيضا ، فإنّ فرعون يتوعّدنا ، ويأخذ أموالنا ، ويكلّفنا الأعمال الشاقّة ،لم ينفعنا مجيئك إيّانا.

(قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) فرعون (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ) أي : يملّككم ما كانوا يملكونه (فِي الْأَرْضِ) في أرض مصر. وهذا تصريح بما كنّى عنه أوّلا ، لمّا رأى أنّهم لم يتسلّوا بذلك. ولعلّه أتى بفعل الطمع لعدم جزمه بأنّهم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم. وقد روي أنّ مصر إنّما فتح لهم في زمن داود.

وقال الزجّاج : «عسى» طمع وإشفاق ، إلّا أنّ ما يطمع الله فيه فهو واجب.

وهو معنى قول أكثر المفسّرين : «عسى» من الله واجب. فالمعنى : أوجب ربّكم على نفسه أن يهلك عدوّكم فرعون وقومه.

(فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) فيرى الكائن ممّا تعملون ، من شكر وكفران وطاعة وعصيان ، فيجازيكم على حسب ما يوجد منكم. وحقيقة معناه أن يظهر معلومه ، أي : يبتليكم بالنعمة ليظهر شكركم ، كما ابتلاكم بالمحنة ليظهر صبركم. ومثله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) (١).

(وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢))

ثمّ بيّن سبحانه ما فعله بآل فرعون ، وأقسم عليه تأكيدا له ، فقال :

__________________

(١) محمد : ٣١.

٥٨١

(وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ). آل الرجل : خاصّته الّذين يؤول أمره إليهم ، وأمرهم إليه.

ومعناه : عاقبنا قوم فرعون (بِالسِّنِينَ) بسنيّ القحط ، أي : بالجدوب والقحوط ، لقلّة الأمطار والمياه. والسنة من الأسماء الغالبة ، كالدابّة والنجم ، غلبت على عام القحط ، لكثرة ما يذكر عنه ويؤرّخ به ، ثمّ اشتقّ منها فقيل : أسنت القوم ، إذا قحطوا.

(وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) بكثرة الآفات (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) لكي يتنبّهوا على أنّ ذلك بشؤم كفرهم ومعاصيهم فيتّعظوا ، أو ترقّ قلوبهم بالشدائد فيفزعوا إلى الله تعالى ، ويرغبوا فيما عنده.

وعن ابن عبّاس : أنّ السنين كانت لباديتهم وأهل مواشيهم ، وأما نقص الثمرات فكان في أمصارهم.

وعن كعب : يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة إلّا تمرة.

قيل : عاش فرعون أربعمائة سنة ، ولم ير مكروها في ثلاثمائة وعشرين سنة ، ولو أصابه في تلك المدّة وجع أو جوع أو حمّى لما ادّعى الربوبيّة.

(فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ) من الخصب والسعة (قالُوا لَنا هذِهِ) لأجلنا ، مختصّة بنا ، ونحن مستحقّوها. واللام مثلها في قولك : الجلّ للفرس.

(وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) من جدب وبلاء (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) يتشاءموا بهم ، ويقولوا هذا بشئومهم : ولو لا مكانهم لما أصابتنا ، كما قال الكفّار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذه من عندك. وهذا إغراق في وصفهم بالغباوة والقساوة ، فإنّ الشدائد ـ مع أنّها ترقّق القلوب وتذلّل الطبائع ، سيّما بعد مشاهدة الآيات ـ لم تؤثّر فيهم ، بل زادوا عندها عتوّا وانهماكا في الغيّ.

وإنّما عرّف الحسنة وذكرها مع أداة التحقيق ـ وهي كلمة «إذا» ـ لكثرة وقوعها ، وتعلّق الإرادة بإحداثها بالذات. ونكّر السيّئة وأتى بها مع حرف الشكّ ، لندورها ، وعدم القصد لها إلّا بالتبع.

٥٨٢

(أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) أي : سبب خيرهم وشرّهم عند الله ، وهو حكمه ومشيئته ، والله هو الّذي يشاء ما يصيبهم من الحسنة والسيّئة ، كقوله : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (١). أو سبب شؤمهم عند الله ، وهو أعمالهم المكتوبة عنده ، فإنّها الّتي ساقت إليهم ما يسوءهم. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أنّ ما يصيبهم من الله ، أو من شؤم أعمالهم.

(وَقالُوا مَهْما) أصلها «ما» الشرطيّة ، ضمّت إليها «ما» المزيدة ، ثمّ قلبت ألفها هاء ، استثقالا لتكرير المتجانسين. وقيل : مركّبة من «مه» الّذي يصوّت به الكافّ و «ما» للجزاء ، كأنّه قيل : كفّ ما تأتنا به. ومحلّها الرفع على الابتداء ، أو النصب بفعل يفسّره قوله : (تَأْتِنا بِهِ) أي : أيّما شيء تحضرنا تأتنا به.

(مِنْ آيَةٍ) بيان لـ «مهما». وإنّما سمّوها آية على زعم موسى ، لانتفاء اعتقادهم بها ، ولذلك قالوا : (لِتَسْحَرَنا بِها) أعيننا وتشبّه علينا. والضمير في «به» و «بها» باعتبار اللفظ والمعنى ، فإنّه في معنى الآية. والمعنى : أنّهم قالوا لموسى : أيّ شيء تأتنا به من الآيات لتسحرنا بالتموّه علينا بها. (فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) بمصدّقين. أرادوا أنّهم مصرّون على تكذيبهم إيّاه وإن أتى بجميع الآيات.

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ

__________________

(١) النساء : ٧٨.

٥٨٣

هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧))

ثمّ زاد الله سبحانه في الآيات تأكيدا لأمر موسى عليه‌السلام ، فقال : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ) ما طاف بهم وغشي أماكنهم وحروثهم ، من مطر أو سيل.

قيل : إنّه أرسل عليهم الماء ثمانية أيّام في ظلمة شديدة ، لا يقدر أحد أن يخرج من بيته. ودخل الماء بيوتهم حتّى قاموا وبلغ إلى تراقيهم ، ومن جلس غرق. وكانت بيوت موسى وسائر بني إسرائيل منضمّة ببيوتهم ، فلم يدخل فيها قطرة ، وركد على أراضيهم ، فمنعهم من الحرث والتصرّف فيها ، ودام ذلك عليهم أسبوعا. فقالوا لموسى : ادع لنا ربّك يكشف عنّا ونحن نؤمن بك ، فدعا فكشف الكلأ والزرع ما لم يعهد مثله ، ولم يؤمنوا. وقيل : المراد بالطوفان الطاعون.

(وَالْجَرادَ) أي : أرسل عليهم الجراد بعد الطوفان ، فأكلت عامّة زروعهم وثمارهم ، ثمّ أكلت كلّ شيء حتّى الأبواب وسقوف البيوت والثياب ، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل. ففزعوا إلى موسى ثانيا ، فدعا وخرج إلى الصحراء وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب ، فرجعت إلى النواحي الّتي جاءت منها ، فلم يؤمنوا.

٥٨٤

(وَالْقُمَّلَ) وأرسل عليهم القمّل بعد ارتفاع عذاب الجراد. قيل : هي كبار القردان (١). وقيل : أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها. وقيل : البراغيث. وكان يقع في أطعمتهم ، ويدخل بين أثوابهم وجلودهم فيمصّها ، ففزعوا إليه فرفع عنهم. فقالوا : قد تحقّقنا الآن أنّك ساحر.

(وَالضَّفادِعَ) أي : ثمّ أرسلناها عليهم بحيث لا يكشف ثوب وطعام إلّا وجدت فيه. وكانت تمتلئ منها مضاجعهم ، وتثب إلى قدورهم وهي تغلي ، وأفواههم عند التكلّم. فضجّوا وفزعوا إلى موسى ، وقالوا : ارحمنا هذه المرّة ولا نعودنّ. فدعا فكشف عنهم ، ولم يؤمنوا.

(وَالدَّمَ) أي : بعد رفع عذاب الضفادع عنهم أرسلنا عليهم الدم ، فصارت مياههم دما ، وإذا شربه الاسرائيلي كان ماء. وكان القبطي يقول للاسرائيلي : خذ الماء في فيك وصبّه في فيّ ، فكان إذا صبّه في فم القبطي تحوّل دما. وعطش فرعون حتّى أشرف على الهلاك ، فكان يمصّ الأشجار الرطبة ، فإذا مضغها صار ماءها الطيّب الحلو ملحا أجاجا. وقيل : المراد منه الرعاف.

(آياتٍ) نصب على الحال (مُفَصَّلاتٍ) مبيّنات ظاهرات ، لا تشكل على عاقل أنّها آيات الله تعالى ونقمته عليهم. أو مفصّلات لامتحان أحوالهم أيوفون بما وعدوا من أنفسهم أم ينكثون؟ إلزاما للحجّة عليهم ، إذ كان بين كلّ آيتين منها شهر ، وكان امتداد كلّ واحدة أسبوعا. وقيل : إنّ موسى لبث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل.

(فَاسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) مصرّين على الكفر والمعاصي.

(وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) يعني : العذاب المفصّل ، أو الطاعون الّذي أرسله الله عليهم بعد ذلك (قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ).

__________________

(١) القرد والقراد ، وجمعه قردان : دويبّة تتعلّق بالبعير ونحوه ، وهي كالقمّل للإنسان.

٥٨٥

«ما» مصدريّة ، أي : بعهده عندك ، وهو النبوّة. أو موصولة ، أي : بالّذي عهدك ، أو بالّذي عهده إليك أن تدعوه به فيجيبك كما أجابك في آياتك.

وهي صلة لـ «ادع». أو حال من الضمير فيه ، بمعنى : ادع الله متوسّلا إليه بما عهد عندك. أو متعلّق بمحذوف دلّ عليه التماسهم ، مثل : أسعفنا إلى ما نطلب منك بحقّ ما عهد عندك. أو قسم مجاب بقوله : (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) لنصدّقنّ بنبوّتك. (وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : أقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عنّا الرجز لنؤمننّ.

(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ) إلى حدّ من الزمان (هُمْ بالِغُوهُ) لا محالة ، فيعذّبون أو يهلكون. وهو وقت الغرق ، أو الموت. وقيل : إلى أجل عيّنوه لإيمانهم. (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) جواب «لمّا» أي : فلمّا كشفنا عنهم فاجئوا النكث وبادروه من غير توقّف وتأمّل فيه.

(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) فأردنا الانتقام منهم (فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِ) أي : البحر الّذي لا يدرك قعره. وقيل : هو لجّة البحر ومعظم مائه. واشتقاقه من التيمّم ، لأنّ المستنفعين به يقصدونه. (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) أي : كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم فكرهم فيها ، حتّى صاروا غافلين عن نزول العذاب بهم. وقيل : الضمير للنقمة الّتي دلّ عليها قوله : «فانتقمنا».

(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) بالاستعباد وذبح الأبناء من مستضعفيهم (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) يعني : أرض الشام ، ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة ، وتمكّنوا في نواحيها الشرقيّة والغربيّة كيف شاءوا (الَّتِي بارَكْنا فِيها) بأنواع الخصب والسعة ، من الزروع والثمار والعيون والأنهار.

(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : مضت ، من قولك : تمّ عليّ الأمر ، إذا مضى واستمرّ. والحسنى تأنيث الأحسن ، صفة للكلمة. والمعنى : ومضت عليهم واتّصلت بالإنجاز عدته إيّاهم بالنصرة والتمكين. وهو قوله : (وَنُرِيدُ

٥٨٦

أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) إلى قوله : (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (١). (بِما صَبَرُوا) بسبب صبرهم على الشدائد.

(وَدَمَّرْنا) وخرّبنا (ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) يعملونه من القصور وسائر العمارات (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) من الجنّات. أو ما كانوا يرفعون من البنيان ، كصرح (٢) هامان. وقرأ ابن عامر وأبو بكر : يعرشون بالضمّ.

وهذا آخر ما اقتصّ الله سبحانه من نبأ فرعون والقبط ، وتكذيبهم بآيات الله تعالى.

(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١))

ثمّ اقتصّ نبأ بني إسرائيل وما أحدثوا بعده من الأمور الشنيعة ، بعد إنقاذهم من فرعون ومعاينتهم للآيات العظام ، تسلية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا رأى منهم ،

__________________

(١) القصص : ٥ ـ ٦.

(٢) الصرح : القصر وكلّ بناء عال.

٥٨٧

وإيقاظا للمؤمنين حتّى لا يغفلوا عن محاسبة أنفسهم ومراقبة أحوالهم ، فقال : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) بأن جعلنا لهم فيه طرقا يابسة حتّى عبروا ، ثمّ أغرقنا فرعون وقومه. والبحر هو النيل ، نهر مصر.

روي أنّ موسى عليه‌السلام عبر بهم يوم عاشوراء بعد إهلاك فرعون وقومه ، فصاموه شكرا.

(فَأَتَوْا) فمرّوا (عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ) يقيمون ويواظبون (عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) على عبادتها. قيل : كانت تماثيل بقر ، وذلك أوّل شأن العجل. والقوم كانوا من العمالقة الّذين أمر موسى بقتالهم. وقيل : من لخم. وهي حيّ من اليمن ، منهم ملوك العرب في الجاهليّة. وقرأ حمزة : يعكفون بالكسر.

(قالُوا) أي : قال الجهّال من قومه (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً) انصب لنا مثالا نعبده (كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) يعبدونها. و «ما» كافّة للكاف ، ولذلك وقعت الجملة بعدها.

عن عليّ عليه‌السلام : «أنّ يهوديّا قال له : اختلفتم بعد نبيّكم قبل أن يجفّ ماؤه.

فقال : قلتم : اجعل لنا آلهة ، ولمّا تجفّ أقدامكم».

(قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) وصفهم بالجهل المطلق وأكّده ، لبعد ما صدر عنهم عن العقل ممّا قالوا ، وللتعجّب منه بعد ما رأوا من الآيات الباهرة.

ثمّ قال تنبيها وإيقاظا : (إِنَّ هؤُلاءِ) إشارة إلى القوم (مُتَبَّرٌ) مكسّر مدمّر (ما هُمْ فِيهِ) من عبادة الأصنام. يعني : أنّ الله تعالى يهدم دينهم الّذي هم عليه ، ويحطّم أصنامهم ، ويجعلها رضاضا. (وَباطِلٌ) ومضمحلّ (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من عبادتها فيما سلف. وإنّما بالغ في هذا الكلام بإيقاع «هؤلاء» اسم «إن» ، والإخبار عمّا هم فيه بالتبار ، وعمّا فعلوا بالبطلان ، وتقديم الخبرين في الجملتين الواقعتين خبرا لـ «إنّ» ، للتنبيه على أنّ الدمار لاحق بهم لا محالة ، وأنّ الإحباط الكلّي لازم لما مضى عنهم ، تنفيرا وتحذيرا عمّا طلبوا.

(قالَ أَغَيْرَ اللهِ) المستحقّ للعبادة (أَبْغِيكُمْ إِلهاً) أطلب لكم معبودا (وَهُوَ

٥٨٨

فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) والحال أنّه خصّكم بنعم لم يعطها غيركم. والهمزة للإنكار والتعجّب من طلبهم عبادة غير الله تعالى ، مع كونهم مغمورين في نعم الله. وفيه تنبيه على سوء معاملتهم ، حيث قابلوا تخصيص الله إيّاهم من بين أمثالهم بما لم يستحقّوه تفضّلا ، بأن قصدوا أن يشركوا به أخسّ شيء من مخلوقاته.

ثمّ فصّل إعطاء النعم عليهم بقوله : (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) واذكروا صنيعه تعالى معكم في هذا الوقت. وقرأ ابن عامر : أنجاكم. (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) يبغونكم شدّة العذاب ، من : سام السلعة إذا طلبها. وهذا استئناف لبيان ما أنجاهم منه. أو حال من المخاطبين ، أو من آل فرعون ، أو منهما. (يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) بدل منه مبيّن. وقرأ نافع : يقتلون بالتخفيف. (وَفِي ذلِكُمْ) إشارة إلى الإنجاء أو العذاب (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) نعمة أو محنة عظيمة منه.

(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢) وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣))

ثمّ بيّن تعالى تمام نعمته على بني إسرائيل ، فقال : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ

٥٨٩

لَيْلَةً) لإعطاء التوراة. وهو شهر ذي القعدة. وقرأ أبو عمرو ويعقوب : ووعدنا.

(وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) من ذي الحجّة (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ) فتمّ ما وقّته الله له من الوقت وضربه له (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) أي : بالغا هذا العدد. ونصبه على الحال.

وروي أنّ موسى عليه‌السلام وعد بني إسرائيل وهو بمصر : إن أهلك الله عدوّهم أتاهم بكتاب من عند الله فيه بيان ما يأتون ويذرون. فلمّا هلك فرعون سأل موسى ربّه الكتاب ، فأمره بصوم ثلاثين يوما ، فلمّا أتمّ الثلاثين أنكر خلوف (١) فيه ، فتسوّك. فقالت الملائكة : كنّا نشمّ من فيك رائحة المسك ، فأفسدته بالسواك.

وقيل : أوحى الله إليه : أما علمت أنّ خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك؟ فأمره الله أن يزيد عليها عشرة أيّام من ذي الحجّة لذلك.

وقيل : أمره الله بأن يصوم ثلاثين يوما ، وأن يعمل فيها بما يقرّبه من الله ، ثم أنزلت عليه التوراة في العشر ، وكلّم فيها.

ولقد أجمل ذكر الأربعين في سورة البقرة ، وفصّلها هاهنا.

(وَقالَ مُوسى) وقت خروجه إلى الميقات (لِأَخِيهِ هارُونَ) عطف بيان لأخيه (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) كن خليفتي فيهم (وَأَصْلِحْ) ما يجب أن يصلح من أمورهم. أو كن مصلحا في حال غيبتي. (وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) ولا تتّبع من سلك الإفساد ، ولا تطع من دعاك إليه. أراد بذلك إصلاح قومه ، وإن كان المخاطب به أخاه.

وقيل : إنّما أمر موسى أخاه هارون بأن يخلفه وينوب عنه في قومه مع أنّ هارون كان نبيّا ، لأنّ الرئاسة كانت لموسى عليه‌السلام عليه وعلى أمّته ، ولم يكن يجوز أن يقول هارون لموسى ذلك. وفي هذا دلالة على أنّ منزلة الإمامة منفصلة من النبوّة وغير داخلة فيها ، وإنّما اجتمع الأمران لأنبياء مخصوصين ، لأنّ هارون لو كان له

__________________

(١) خلف خلوفا فم الصائم : تغيّرت رائحته وفسدت.

٥٩٠

القيام بأمر الأمّة من حيث كان نبيّا لما احتاج فيه إلى استخلاف موسى إيّاه وإقامته مقامه.

ثمّ ذكر سبحانه حديث الميقات ، فقال : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) لوقتنا الّذي وقّتناه وحدّدناه. واللام للاختصاص ، فكأنّه قيل : اختصّ مجيئه لميقاتنا ، كما تقول : أتيته لخمس خلون من الشهر. (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) من غير واسطة ، كما يكلّم الملائكة. وتكليمه أن ينشئ الكلام منطوقا في بعض الأجرام ، كما خلقه مخطوطا في اللوح ، لأنّ الكلام عرض لا بدّ له من محلّ يقوم به. وروي : أنّه عليه‌السلام كان يسمع ذلك الكلام من كلّ جهة.

وعن ابن عبّاس : كلّمه أربعين يوما ، وأربعين ليلة.

(قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) المفعول الثاني محذوف ، يعني : أرني نفسك أنظر إليك ، أي : اجعلني متمكّنا من رؤيتك ، بأن تتجلّى لي فأنظر إليك وأراك. وإنّما طلب الرؤية لقومه حين قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (١) ، ولذلك دعاهم سفهاء وضلّالا ، وقال لمّا أخذتهم الرجفة : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) (٢). ولم يسأل ذلك إلّا بعد أن أنكر عليهم ونبّههم على الحقّ ، فلجّوا وتمادوا في لجاجهم ، فأراد أن يسمعوا النصّ من عند الله باستحالة الرؤية ، وهو قوله : (قالَ لَنْ تَرانِي) ليتيقّنوا وتزول شبهتهم.

ومعنى «لن» تأكيد النفي الّذي يعطيه «لا» ، وذلك أنّ «لا» ينفي المستقبل ، تقول : لا أفعل غدا ، فإذا أكّدت النفي قلت : لن افعل غدا. والأصحّ أنّ «لن» ينفي مدخوله على وجه التأبيد ، كما قال : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) (٣). فقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (٤) نفي للرؤية فيما يستقبل. وقوله : «لن تراني» تأكيد وبيان أنّ

__________________

(١) البقرة : ٥٥.

(٢) الأعراف : ١٥٥.

(٣) الحجّ : ٧٣.

(٤) الأنعام : ١٠٣.

٥٩١

الرؤية منافية لصفاته.

وإنّما لم يقل موسى : أرهم ينظروا ، لأنّ الله سبحانه إنّما كلّم موسى وهم يسمعون ، فلمّا سمعوا كلام ربّ العزّة أرادوا أن يري موسى ذاته فيبصروه معه ، كما أسمعه كلامه فسمعوه منه ، إرادة مبنيّة على قياس فاسد ، فلذلك قال موسى : «أرني أنظر إليك». ولأنّه إذا زجر عمّا طلب ، وأنكر عليه في نبوّته واختصاصه وزلفته عند الله ، وقيل له : لن تراني ، كان غيره أولى بالإنكار. ولأنّ الرسول إمام أمّته ، فكان ما يخاطب به راجعا إليهم.

وقوله : «أنظر إليك» وما فيه من معنى المقابلة الّتي هي محض التشبيه والتجسيم ، دليل على أنّه ترجمة عن مقترحهم وحكاية لقولهم. وكيف طلب موسى ذلك لنفسه وهو أعلم الناس بالله وصفاته ، وما يجوز عليه وما لا يجوز ، وبتعاليه عن الرؤية الّتي هي إدراك ببعض الحواسّ؟! وذلك إنّما يصحّ فيما كان في جهة ، وما ليس بجسم ولا عرض فمحال أن يكون في جهة. وجلّ صاحب الجبل أن يجعل الله منظورا إليه ، مقابلا بحاسّة النظر ، فكيف بمن هو أعرق في معرفة الله؟! وإنّما قال : «لن تراني» ولم يقل كما قال موسى ، لأنّه لمّا كان «أرني» بمعنى : اجعلني متمكّنا من الرؤية الّتي هي الإدراك ، علم أنّ الطلب هو الرؤية ، لا النظر الّذي لا إدراك معه ، فقيل : لن تراني ، ولم يقل : لن تنظر إليّ.

وقوله : (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) استدراك يريد أن يبيّن به أنّه لا يطيقه.

والمعنى : أنّ النظر إليّ محال فلا تطلبه ، ولكن عليك أن تنظر إلى الجبل كيف أفعل به؟ وكيف أجعله دكّا بسبب طلبك الرؤية؟ لتستعظم ما أقدمت عليه بما أريك من عظم أثره. كأنّه عزوجل حقّق عند طلب الرؤية ما مثله عند نسبة الولد إليه في قوله : (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً).

(فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) كما كان مستقرّا ثابتا (فَسَوْفَ تَرانِي) تعليق لوجود الرؤية بوجود ما لا يكون ، من استقرار الجبل مكانه حين يدكّه دكّا ويسوّيه بالأرض.

٥٩٢

(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) فلمّا ظهر له عظمته واقتداره ، وتصدّى له أمره وإرادته (جَعَلَهُ دَكًّا) مدكوكا مفتّتا. مصدر بمعنى مفعول ، كضرب الأمير. والدكّ والدقّ أخوان ، كالشكّ والشقّ. وقرأ حمزة والكسائي : دكّاء. وهي اسم للرابية الناشزة من الأرض كالدكّة. أو أرضا دكّاء ، أي : مستوية. ومنه قولهم : ناقة دكّاء للّتي لا سنام لها.

قيل : ساخ في الأرض حتّى فني.

وقيل : تقطّع أربع قطع : قطعة ذهبت نحو المشرق ، وقطعه ذهبت نحو المغرب ، وقطعة سقطت في البحر ، وقطعة صارت رملا.

وفي الحديث : صار الجبل ستّة أجبل : ثلاثة بالمدينة ، وثلاثة بمكّة ، فالّتي بالمدينة : أحد وورقان ورضوي ، والّتي بمكّة : ثور وثبير وحراء.

(وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) مغشيّا عليه غشية كالموت من هول ما رأى. والصعق من باب : فعلته ففعل ، تقول : صعقته فصعق. وأصله من الصاعقة.

وعن ابن عبّاس : أخذته الغشية يوم الخميس يوم عرفة ، وأفاق عشيّة الجمعة. وأمّا السبعون الّذين كانوا معه فقد ماتوا كلّهم ، لقوله : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) (١).

وروي (٢) أنّ الملائكة مرّت عليه وهو مغشيّ عليه ، فجعلوا يلكزونه بأرجلهم ويقولون : يا ابن النساء الحيّض أطمعت في رؤية ربّ العزّة؟

__________________

(١) البقرة : ٥٦.

(٢) أوردها في الكشّاف (٢ : ١٥٥). وليت المفسّر «قدس‌سره» لم يذكرها هنا.

والجدير الأليق تنزيه الملائكة عليهم‌السلام ـ وهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (سورة الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧) ـ عن مثل هذا الكلام الجافي ، وإهانة موسى كليم الله عليه‌السلام باللكز بالرجل ، والحطّ من كرامته ، وخطابه بما لا يخاطب به إلا السفلة الرعاع. وهي رواية غير مسندة ، وتشبه أن تكون من الإسرائيليّات ، وأقاصيص المهوّسين ، وخرافات الجاهلين.

٥٩٣

(فَلَمَّا أَفاقَ) من صعقته (قالَ) تعظيما لما رأى (سُبْحانَكَ) أنزّهك ممّا لا يجوز عليك (تُبْتُ إِلَيْكَ) من الجرأة والإقدام على تلك المقالة العظيمة بغير إذنك ، وإن كان لغرض صحيح (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنّك لا ترى.

قال صاحب (١) الكشّاف : «فانظر أيّها الطالب للحقّ ، والسالك في طريق الرشاد ، إلى إعظام الله أمر الرؤية في هذه الآية ، وكيف أرجف الجبل بطالبيها ، وجعله دكّا ، وأصعقهم ولم يخلّ كليمه من نفيان (٢) ذلك ، مبالغة في إعظام الأمر؟ وكيف سبّح ربّه ملتجأ إليه ، وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه ، فقال : وأنا أوّل المؤمنين؟ ثمّ تعجّب من المتسمّين بالإسلام كيف اتّخذوا هذه العظيمة مذهبا؟ نعوذ بالله من الأهواء المضلّة ، والطرق الملحدة».

وقيل في الآية وجه آخر : وهو أن يكون المراد بقوله : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) عرّفني نفسك تعريفا واضحا جليّا ، بإظهار بعض آيات الآخرة الّتي تضطرّ الخلق إلى معرفتك. «أنظر إليك» أعرفك معرفة ضروريّة كأنّي أنظر إليك ، كما جاء في الحديث : «سترون ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر» بمعنى : ستعرفونه معرفة جليّة مثل أبصاركم القمر إذا استوى بدرا. (قالَ لَنْ تَرانِي) لن تطيق معرفتي على هذه الطريقة ، ولن تحتمل قوّتك تلك الآية. (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) فإنّي أورد عليه آية من تلك الآيات ، فإن ثبت لتجلّيها واستقرّ مكانه فسوف تثبت لها وتطيقها. (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ) فلمّا ظهرت للجبل آية من آيات ربّه (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) لعظم ما رأى. (فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) ممّا اقترحت وتجاسرت ، وأنا من المؤمنين بعظمتك وجلالك.

__________________

(١) الكشّاف ٢ : ١٥٦.

(٢) النفيان : ما تنفيه الريح في أصول الشجر من التراب. والمراد هنا : ما يتطاير من أجزاء الجبل عند اندكاكه.

٥٩٤

(قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥) سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧))

ثمّ أخبر سبحانه عن عظيم نعمته على موسى بالاصطفاء ، وإجلال القدر ، وأمره إيّاه بالشكر ، بقوله : (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ) اخترتك (عَلَى النَّاسِ) أي : الموجودين في زمانك. وهارون وإن كان نبيّا كان مأمورا باتّباعه ، ولم يكن كليما ولا صاحب شرع. (بِرِسالاتِي) يعني : أسفار التوراة. وقرأ نافع وابن كثير : برسالتي. (وَبِكَلامِي) وبتكليمي إيّاك (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) أعطيتك من الرسالة والحكمة (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) على النعمة في ذلك. روي أنّ سؤال الرؤية يوم عرفة ، وإعطاء التوراة يوم النحر.

(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ) يريد ألواح التوراة. قيل : كانت سبعة ألواح. وقيل :

٥٩٥

عشرة. وقيل : لوحين ، وإنّها كانت من زمرّد. وقيل : زبرجد خضراء أو ياقوتة حمراء. وقيل : كانت من صخرة صمّاء ليّنها الله تعالى لموسى ، فقطعها بيده أو شقّها بأصابعه. وقيل : كانت من خشب. وقيل : أنزلت التوراة وهي سبعون وقر (١) بعير ، يقرأ الجزء منه في سنة ، لم يقرأها إلّا أربعة نفر : موسى ، ويوشع ، وعزير ، وعيسى.

(مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) احتاجت إليه بنو إسرائيل في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام ، والحلال والحرام ، وذكر الجنّة والنار ، وغير ذلك من العبر والأخبار (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) بدل من الجارّ والمجرور ، أي : كتبنا كلّ شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام.

(فَخُذْها) على إضمار القول عطفا على «كتبنا» ، أي : فقلنا له : خذها. أو بدل من قوله : (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ). والهاء للألواح ، أو لكلّ شيء ، فإنّه بمعنى الأشياء ، أو للرسالات. (بِقُوَّةٍ) بجدّ وعزيمة ، فعل أولي العزم من الرسل.

(وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) أي : بأحسن ما فيها ، كالصبر والعفو بالإضافة إلى الانتصار والاقتصاص ، على طريقة الندب والحثّ على الأفضل ، كقوله : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (٢). أو بواجباتها ، فإنّ الواجب أحسن من غيره. ويجوز أن يراد بالأحسن البالغ في الحسن مطلقا لا بالإضافة ، وهو المأمور به واجبا كان أو ندبا ، كقولهم : الصيف أحرّ من الشتاء.

(سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها ، لفسقهم. أو منازل عاد وثمود وأضرابهم ، لتعتبروا فلا تفسقوا. أو دارهم في الآخرة ، وهي جهنّم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) أنّ معناه : «يجيئكم قوم فسّاق تكون الدولة

__________________

(١) الوقر : الحمل الثقيل.

(٢) الزمر : ٥٥.

(٣) تفسير القمّي ١ : ٢٤٠.

٥٩٦

لهم» ، كقوله : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١).

(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) المنصوبة في الآفاق والأنفس (الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ) بالطبع على قلوبهم وخذلانهم ، فلا يتفكّرون فيها ، ولا يعتبرون بها.

وفي الحديث : «إذا عظّمت أمّتي الدنيا نزع عنها هيبة الإسلام ، وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي».

وقيل : معناه : سأصرفهم عن إبطالها وإن اجتهدوا ، كما اجتهد فرعون في إبطال آية موسى ، فأبى الله إلّا علوّ أمره ، وهلاك فرعون وقومه.

وقوله : (بِغَيْرِ الْحَقِ) صلة «يتكبّرون» أي : يتكبّرون بما ليس بحقّ ، وهو دينهم الباطل. أو حال من فاعله ، يعني : يتكبّرون غير محقّين ، لأنّ التكبّر بالحقّ لله تعالى وحده.

(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ) من الآيات المنزلة عليهم أو المعجزة (لا يُؤْمِنُوا بِها) لعنادهم واختلال عقولهم ، بسبب انهماكهم في الهوى والتقليد. وهو يؤيّد الوجه الأوّل.

(وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ) الصواب والحقّ (لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) لاستيلاء الشيطنة عليهم. وقرأ حمزة والكسائي : الرّشد بفتحتين.

(وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِ) الضلال (يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ) الصرف (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) بسبب تكذيبهم بآيات الله ، وعدم تدبّرهم لها.

ويجوز أن ينصب لفظة «ذلك» على المصدر ، أي : سأصرف ذلك الصرف بسببهما.

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) بحججنا ومعجزات رسلنا (وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) من إضافة المصدر إلى المفعول به ، أو إلى الظرف ، أي : ولقائهم الآخرة ، أو ما وعد الله تعالى في الآخرة (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) لا ينتفعون بها (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) إلّا جزاء أعمالهم.

__________________

(١) الأنعام : ١٢٩.

٥٩٧

واعلم أنّ هاتين الآيتين اعتراض بين قصّة موسى والخطاب لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والمراد أنّه يصرف المتكبّرين عن آياته كما صرف فرعون عن موسى. ويجوز أن تكونا ليستا باعتراض ، والخطاب لموسى زيادة في البيان عن إتمام ما وعده من إهلاك أعدائه ، وصرفهم عن الاعتراض على آياته. ومعناه : خذها آمنا من طعن الطاعنين.

(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١))

ثمّ أخبر عن قصّة بني إسرائيل ، وما أحدثوا عند خروج موسى عليه‌السلام إلى ميقات ربّه ، فقال : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ) من بعد خروجه إلى الطور (مِنْ حُلِيِّهِمْ) الّتي استعاروها من قوم فرعون حين همّوا بالخروج من مصر ، وبقيت في

٥٩٨

أيديهم بعد هلاك فرعون وقومه. وأضافها إليهم ، لأنّها كانت في أيديهم ، أو ملكوها بعد هلاكهم. وهو جمع حلي ، كثدي وثديّ. وقرأ حمزة والكسائي بالكسر (١) بالاتباع ، كدليّ (٢). ويعقوب على الإفراد (٣) ، لأنّه اسم جنس.

(عِجْلاً جَسَداً) أي : جسدا من الذهب خاليا من الروح. وعن وهب بدنا ذا لحم ودم. (لَهُ خُوارٌ) صوت البقر.

قيل : إنّ السامريّ صاغ العجل من الحليّ ، فالقى في فمه من تراب أثر فرس جبرئيل عليه‌السلام الّذي قبضه يوم قطع البحر ، فصار عجلا حيّا فصاح.

وقيل : صاغه بنوع من الحيل ، فتدخل الريح جوفه وتصوّت.

وإنّما نسب الاتّخاذ إليهم وهو فعله ، إمّا لأنّهم رضوا به. أو لأنّ السامريّ بين ظهرانيّهم فعل ذلك ، كما يقال : بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا ، والقائل والفاعل كان واحدا منهم. أو لأنّ المراد اتّخاذهم إيّاه إلها ، فحذف المفعول الثاني.

(أَلَمْ يَرَوْا) حين اتّخذوه إلها (أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) حتّى لا يتّخذوه معبودا. وهذا تقريع على فرط ضلالتهم وإخلالهم بالنظر. والمعنى : ألم يروا حين اتّخذوه إلها أنّه لا يقدر على كلام ، ولا على إرشاد سبيل كآحاد البشر ، حتّى حسبوا أنّه خالق الأجسام والقوى والقدر؟! ثمّ ابتدأ فقال : (اتَّخَذُوهُ) تكرير للذمّ ، أي : أقدموا على ما أقدموا عليه من الأمر المنكر الّذي هو اتّخاذ العجل إلها (وَكانُوا ظالِمِينَ) واضعين الأشياء في غير مواضعها ، فلم تكن عبادة العجل بدعا منهم.

(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) كناية عن اشتداد ندمهم على عبادة العجل ، فإنّ

__________________

(١) أي : حليّهم.

(٢) جمع الدلو.

(٣) أي : حليهم.

٥٩٩

النادم المتحسّر يعضّ يده غمّا ، فتصير يده مسقوطا فيها ، لأنّ فاه وقع فيها.

و «سقط» مسند إلى «في أيديهم». (وَرَأَوْا) وعلموا (أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا) باتّخاذ العجل حين رجع إليهم موسى (قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا) بإنزال التوبة (وَيَغْفِرْ لَنا) بالتجاوز عن الخطيئة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ). وقرأ حمزة والكسائي بالتاء (١) ، وربّنا على النداء.

(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) شديد الغضب. وقيل : حزينا.

(قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي) أي : بئسما فعلتم خلفي حيث عبدتم العجل ، والخطاب للعبدة. أو قمتم مقامي فلم تكفّوا العبدة ، والخطاب لهارون والمؤمنين معه. و «ما» نكرة موصوفة تفسّر المستكن في «بئس» والمخصوص بالذمّ محذوف ، تقديره : بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم.

ومعنى قوله : (مِنْ بَعْدِي) بعد انطلاقي إلى ميقات ربّي. أو من بعد ما رأيتم منّي من التوحيد والتنزيه ، والحمل عليه والكفّ عمّا ينافيه.

(أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) أتركتموه غير تامّ. يقال : عجل عن الأمر ، إذا تركه غير تامّ. ونقيضه : تمّ عليه ، وأعجله عنه غيري. ويضمّن معنى «سبق» ، فيعدّى تعديته.

فيقال : عجلت الأمر. والأمر هو انتظار موسى حافظين لعهده بعده ، أي : أعجلتم وعد ربّكم الّذي وعدنيه لكم من الأربعين ، وقدّرتم موتي ، وغيّرتم بعدي كما غيّرت الأمم بعد أنبيائهم؟

قيل : إنّ السامريّ قال لهم : إنّ موسى لن يرجع ، وأنّه قد مات.

روي أنّهم عدّوا عشرين يوما بلياليها ، فجعلوها أربعين ، ثمّ أحدثوا ما أحدثوا.

(وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) طرحها من شدّة الغضب وفرط الضجر ، حميّة للدين.

__________________

(١) أي : قرءا : لم ترحمنا ربّنا ....

٦٠٠