كان العقل والنقل متفقين على تنزيه الله تعالى عن مشابهة البشر ، تعين أن نجمع بين النصوص فنقول إن لله تعالى قدرة حقيقية ولكنها ليست كقدرة البشر ، وإن له رحمة ليست كرحمة البشر ، وهكذا نقول في جميع ما أطلق عليه تعالى جمعاً بين النصوص ، ولا ندعي أن إطلاق بعضها حقيقي وإطلاق البعض الآخر مجازي ، فكما أن القدرة شأن من شؤونه لا يعرف كنهه ولا يجهل أثره كذلك الرحمة شأن من شؤونه لا يعرف كنهه ولا يخفى أثره ، وهذا هو مذهب السلف فهم لا يقولون إن هذه الاَلفاظ لا يفهم لها معنى بالمرة ، ولا يقولون إنها على ظاهرها بمعنى أن رحمة الله كرحمة الاِنسان ويده كيده وإن ظن ذلك في الحنابلة بعض الجاهلين.
ومحققوا الصوفية لا يفرقون بين صفات الله تعالى ولا يجعلون بعضها محكماً إطلاق اللفظ عليه حقيقي ، وبعضها متشابهاً إطلاقه عليه مجازي ، بل كل ما أطلق عليه تعالى فهو مجاز.
ثم تبنى رشيد رضا رأي الغزالي مع أنه كاد أن يكفر الحنابلة
للغزالي رسالة إسمها ( إلجام العوام عن علم الكلام ) حرم فيها على العوام حتى السؤال عن معنى أحاديث الرؤية والتجسيم ، وقد تبناها الشيخ رشيد رضا ونقلها كلها في تفسيره قال في ج ٣ ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨ :
وللاِمام الغزالي تفصيل في كيفية الاِستعمال وتحقيق في هذا البحث قاله بعد الرجوع إلى مذهب السلف (! ) فننقله هنا من كتابه ( إلجام العوام عن علم الكلام ) وهو :
الباب الاَول في شرح اعتقاد السلف في هذه الاَخبار :
إعلم أن الحق الصريح الذي لامراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين ، وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه فأقول : حقيقة مذهب السلف ـ وهو الحق عندنا ـ أن كل من بلغه حديث من هذه الاَحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور : التقديس ، ثم التصديق ، ثم الاِعتراف بالعجز ، ثم السكوت ، ثم الاِمساك ، ثم الكف ، ثم التسليم لاَهل المعرفة.