لمكان تلك العلاقة فليس له ذلك الموقع من حسن القبول ، ألا ترى أن المتمني لوصال حبيبه الميت لو قال : إذا رجع الموتى إلى الدنيا أمكن لي زيارة الحبيب ، لم يكن كقول الصب المتحسر على مفارقة الاَحباء : متى أقبل الاَمس الدابر وحيي الميت الغابر طمعت في اللقاء.
وأيضاً لا يخفى على ذي فطرة أن التزام تحقق علاقة لزوم بين استقرار الجبل في تلك الحال وبين رؤيته تعالى بحيث لو فرض وقوع ذلك الاِستقرار امتنع أن لا تقع رؤيته تعالى ، مستبعد جداً يكاد يجزم العقل ببطلانه ، فإذن المقصود من ذلك الكلام مجرد بيان انتفائه بتعليقه على أمر غير واقع ، ويكفي في ذلك عدم وقوع المعلق عليه ، ولا يستدعي امتناع المعلق امتناعه. ولو سلم فنقول : إن المعلق عليه هو الاِستقرار لا مطلقاً بل في المستقبل وعقيب النظر ، بدلالة الفاء وإن ، وذلك لاَنه إذا دخلت الفاء على إن تفيد اشتراط التعقيب لا تعقيب الاِشتراط ، فالشرط هاهنا وقوع الاِستقرار عقيب النظر ، والنظر ملزوم لوقوع حركة الجبل عقيبه ، فوقوع السكون عقيبه محال لاستحالة وقوع الشيء عقيب ما يستعقب منافي ذلك الشيء ويستلزم وقوعه عقيبه.
وأما أن النظر لا يستلزم اندكاك الجبل وتزلزله ولا علاقة بينه وبينه وإنما هو مصاحبة اتفاقية فممنوع ، ولعل النظر ملزوم للحركة كما أن استقرار الجبل ملزوم لرؤيته تعالى ، وتحقق العلاقة بين النظر والحركة ليس بأبعد من تحقق العلاقة بين الاِستقرار والرؤية.
ولنقتصر على ذلك فإن إطناب الكلام في كل من الدلائل والاَجوبة يوجب الخروج عما هو المقصود من الكتاب.
وأما المنكرون فاحتجوا بقوله تعالى : لن تراني ، إن كلمة لن تفيد إما تأبيد النفي في المستقبل ، كما صرح به الزمخشري في أنموذجه ، فيكون نصاً في أن موسى عليهالسلاملا يراه أبداً ، أو تأكيده على ما صرح به في الكشاف ، فيكون ظاهراً في ذلك لاَن المتبادر في مثله عموم الاَوقات ، وإذا لم يره موسى لم يره غيره إجماعاً.