وأما قوله : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، يعني محمداً صلىاللهعليهوآله كان عند سدرة المنتهى حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله ، وقوله في آخر الآية : ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى ، رأى جبرئيل عليهالسلامفي صورته مرتين هذه المرة ومرة أخرى ، وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين. ورواه الطبرسي في الاِحتجاج ج ١ ص ٣٥٨ ـ ٣٦٢ ورواه المجلسي في بحار الاَنوار ج ٤ ص ٣٢
ـ شرح الاَسماء الحسنى ج ١ ص ١٨٥
( يا من يَرى ولا يُرى )
طال التشاجر بين الاَشاعرة والمعتزلة في مسألة الرؤية فذهب الاَشاعرة إلى أن الله تعالى يرى في الآخرة وينكشف انكشاف البدر المرئي ولكن بلا مقابلة وجهة ومكان ، خلافاً للمعتزلة حيث نفوها ، وللمشبهة والكرامية فإنهم وإن جوزوا رؤيته تعالى ولكن في الجهة والمكان وعلى سبيل المقابلة ، لاعتقادهم جسميته تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا.
وحرر بعض متأخري الاَشاعرة حل النزاع بأنه لا نزاع للنافين في جواز الاِنكشاف التام العلمي ، ولا للمثبتين في امتناع ارتسام صورة المرئي في العين ، أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئي.
وإنما محل النزاع أنا إذا عرفنا الشمس مثلاً بحد أو رسم كان نوعاً من المعرفة ، ثم إذا أبصرناها وغمضنا العين كان نوعاً آخر من المعرفة فوق الاَول ، ثم إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الاِدراك فوق الاَولين ، نسميها الرؤية ولا يتعلق في الدنيا إلا بما هو في جهة ومكان ، فمثل هذه الحالة الاِدراكية هل يصح أن تقع بدون المقابلة والجهة ، وأن تتعلق بذات الله تعالى منزها عن الجهة والمكان أم لا.
واحتج الاَشاعرة بحجة عقلية كلامية لا نطيل الكلام بذكرها ، وأدلة نقلية منها قوله تعالى حكاية عن موسى عليهالسلام : رب أرني أنظر إليك ....